1146 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1146):
مسند ميسرة الفجر رضي الله عنه
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٥ ص ٥٩): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر، قال: قلت يا رسول الله متى كتبت نبيًّا قال «وآدم عليه السلام بين الروح والجسد».
===================
تخريج الحديث :
هذا الحديث ذكر الترمذي عن حماد بن زيد وغيره انهم رووه عن بديل مرسلا . ورجح الإرسال الدارقطني
و في الصحيح المسند (1450)نقلنا عن باحث تضعيف كل الأحاديث . لكن بقي النظر عل هذه المرسلات تتقوى.
وعلى فرض تقويتها فسيأتي توجيهها من كلام أهل العلم
والحديث سيكون من وجوه:
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
“النُّبوَّةُ اصْطِفاءٌ من اللهِ تعالى، وقد اختارَ صَفْوةَ البَشَرِ؛ ليَكونوا المِثالَ الواقِعيَّ الحَيَّ للمُثُلِ والقِيَمِ الرَّبانِيَّةِ التي ارْتَضاها للبَشَرِيَّةِ شِرْعةً ومِنْهاجًا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ أصْحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “قالوا: يا رسولَ اللهِ، متى وَجَبَتْ لك النُّبوَّةُ؟”، أي: متى ثَبَتَتْ لك النُّبوَّةُ، “قال : وآدَمُ بين الرُّوحِ والجَسَدِ” يعني: ثَبَتَتْ نُبوَّتي بعدَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ، وقبلَ نَفْخِ الرُّوحِ فيه، والمَعْنى: أنَّ اللهَ كَتَبَ نُبوَّتَهُ، فأظْهَرَها وأَعْلَنَها بعدَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ، وقبلَ نَفْخِ الرُّوحِ فيه، كما أَخْبَرَ أنَّه يُكتَبُ رِزقُ المولودِ وأَجَلُهُ وعَمَلُهُ وشَقاوَتُهُ وسَعادَتُهُ بعدَ خَلْقِ جَسَدِهِ، وقبلَ نَفْخِ الرُّوحِ، ومُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ؛ فهو أعْظَمُ الذَّرِّيَّةِ قَدْرًا وأرْفَعُهُم ذِكْرًا، وهذا يَعني أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان نبيًّا منذُ ذلك الوقتِ في عِلْم اللهِ الأزَليِّ”.[م: الدرر]
وجاء غير ما ذكر في (تحفة الأحوذي) -وسيأتي ذكر الحديث في موضعه إن شاء الله تعالى: “قوله : ( حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد البغدادي ) السكوني ثقة من العاشرة . قوله : ( متى وجبت لك النبوة ) أي : ثبتت ( قال ” وآدم بين الروح ، والجسد ” ) أي : وجبت لي النبوة ، والحال أن آدم مطروح على الأرض صورة بلا روح ، والمعنى أنه قبل تعلق روحه بجسده ، قال الطيبي : هو جواب لقولهم متى وجبت أي : وجبت في هذه الحالة فعامل الحال وصاحبها محذوفان.
قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب إلخ ) ورواه ابن سعد وأبو نعيم في الحلية عن ميسرة الفخر وابن سعد عن ابن أبي الجدعاء والطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ : كنت نبيا وآدم بين الروح ، والجسد . كذا في الجامع الصغير ، قال القاري في المرقاة : ، وقال ابن ربيع أخرجه أحمد ، والبخاري في تاريخه وصححه الحاكم ، وروى أبو نعيم في الدلائل وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا : كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ، وأما ما يدور على الألسنة بلفظ : كنت نبيا وآدم بين الماء والطين . فقال السخاوي لم أقف عليه بهذا اللفظ فضلا عن زيادة : وكنت نبيا ولا ماء ولا طين ، وقال الحافظ ابن حجر في بعض أجوبته : إن الزيادة ضعيفة وما قبلها قوي ، وقال الزركشي : لا أصل له بهذا اللفظ ولكن في الترمذي : متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم بين الروح ، والجسد ، قال السيوطي : وزاد العوام ولا آدم ولا ماء ولا طين ولا أصل له أيضا . انتهى ما في المرقاة “. انتهى.
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
أولاً: أحاديث في الباب:
أ. أورد الوادعي في الجامع الصحيح جملة من الأحاديث في (كتاب الشمائل المحمدية، ١ – كُتِبَ نبيًّا قبل أن يُخْلَقَ) على النحو التالي: ٢١٢٢ – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ٦٦): حدثنا سريج بن النعمان قال حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال: قلت يا رسول الله متى جعلت نبيًّا قال «وآدم بين الروح والجسد». وهو في الصحيح المسند (1505)،
هذا حديث صحيحٌ، على شرط مسلم.
٢١٢٣ – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٥ ص ٥٩): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله متى كتبت نبيًّا قال «وآدم عليه السلام بين الروح والجسد».
هذا حديث صحيحٌ.
٢١٢٤ – قال جعفر الفريابي رحمه الله في كتاب «القدر» (ص ٣٧): حدثنا عمر بن حفص أبو محمد الثقفي الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: متى وجبت لك النبوة؟ قال: «فيما بين خلق آدم ونفخ الروح فيه».
هذا حديث صحيحٌ”. انتهى النقل من الجامع الصحيح.
ب. تَقْدِيرُ المَقادِيرِ قَبْلَ الخَلْق:
١ – حَدَّثَني أبُو الطّاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْحٍ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي أبُو هانِئٍ الخَوْلانِيُّ، عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، قالَ: وعَرْشُهُ عَلى الماءِ».، (م) ١٦ – (٢٦٥٣)
– حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنا المُقْرِئُ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ أبِي مَرْيَمَ، أخْبَرَنا نافِعٌ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ، كِلاهُما عَنْ أبِي هانِئٍ، بِهَذا الإسْنادِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أنَّهُما لَمْ يَذْكُرا: وعَرْشُهُ عَلى الماء.، (م) ١٦
– حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُنْذِرِ الباهِلِيُّ الصَّنْعانِيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ قالَ: حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قالَ: حَدَّثَنِي أبُو هانِئٍ الخَوْلانِيُّ، أنَّهُ سَمِعَ أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «قَدَّرَ اللَّهُ المَقادِيرَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّمَواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ»: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، (ت) ٢١٥٦ [قال الألباني]: صحيح
– حَدَّثَنا أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ، وابْنُ لَهِيعَةَ، قالا: أخْبَرَنا أبُو هانِئٍ الخَوْلانِيُّ، أنَّهُ سَمِعَ أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «قَدَّرَ اللَّهُ المَقادِيرَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ» (حم) ٦٥٧٩
– أخْبَرَنا زَكَرِيّا بْنُ يَحْيى السّاجِيُّ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنا أبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرانِيُّ، حَدَّثَنا المُقْرِئُ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ، وذَكَرَ السّاجِيُّ آخَرَ مَعَهُ قالا: حَدَّثَنا أبُو هانِئٍ الخَوْلانِيُّ، أنْهُ سَمِعَ أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «قَدَّرَ اللَّهُ المَقادِيرَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ» (رقم طبعة با وزير: ٦١٠٥)، (حب) ٦١٣٨ [قال الألباني]: صحيح: م (٨/ ٥١).
_____________________
2- حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي عَمْرٍو السَّيْبانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَألْقى عَلَيْهِمْ مِن نُورِهِ، فَمَن أصابَهُ مِن ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدى، ومَن أخْطَأهُ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ أقُولُ: جَفَّ القَلَمُ عَلى عِلْمِ اللَّهِ»: «هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ»، (ت) ٢٦٤٢ [قال الألباني]: صحيح
3- وقالَ أصْبَغُ: أخْبَرَنِي ابْنُ وهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ شابٌّ، وأنا أخافُ عَلى نَفْسِي العَنَتَ، ولاَ أجِدُ ما أتَزَوَّجُ بِهِ النِّساءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يا أبا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِما أنْتَ لاَقٍ فاخْتَصِ عَلى ذَلِكَ أوْ ذَرْ»، (خ) ٥٠٧٦
4 – أخْبَرَنا الحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ القَطّانُ بِالرَّقَّةِ، قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ، قالَ: حَدَّثَنا الوَزِيرُ بْنُ صُبَيْحٍ، قالَ: حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أبِي الدَّرْداءِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَرَغَ اللَّهُ إلى كُلِّ عَبْدٍ مِن خَمْسٍ: مِن رِزْقِهِ وأجَلِهِ وعَمَلِهِ وأثَرِهِ ومَضْجَعِهِ» (رقم طبعة با وزير: ٦١١٧)، (حب) ٦١٥٠ [قال الألباني]: صحيح لغيره – «الظلال» (٣٠٤)، «المشكاة» (١١٣ / التحقيق الثاني).
ثانيًا: الأحاديث الواردة في خلقه صلى الله عليه وسلم من نور
أشهر الأحاديث “حديث عبد الرزاق الدال على أن أول خلق الله نور النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه خلق منه كل شيء، وهذا الحديث قد ألف الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر الشنقيطي رسالة في بيان وضعه عنوانها (تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق)، والرسالة موجودة على شبكة الإنترنت
ومنها حديث: ((خلقت أنا وعلي من نور، وكنا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام… ))، وهذا الحديث موضوع، كما قال الشوكاني لأن في سنده جعفر بن أحمد بن علي بن بيان وكان رافضياً وضاعاً.
ومنها حديث: ((خلقني الله من نوره وخلق أبابكر من نوري …))، وهذا الحديث عزاه ابن عراق في تنزيه الشريعة لأبي نعيم، وقال فيه أبو نعيم: هذا باطل، وقال الذهبي في الميزان: هذا كذب، والآفة عندي من أحمد بن يوسف المسيحي.
وأما حديث رؤية آدم اسم محمد على العرش، فقد رواه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: إنه موضوع، وفي سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال فيه أبو نعيم والحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة.
وقد ضعفه البخاري والنسائي، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه، وقد نقل صاحب كتاب (بلوغ الأماني في الرد على مفتاح التجاني) أنه اتفق الذهبي وابن حجر وابن عبد الهادي والسهسواني على بطلان هذا الحديث. فراجع كتابه المذكور”.
ثالثًا: “الرد على اعتقاد أن النبي مخلوق من نور وأنه أول خلق الله
لقد وجهت إلى كبار علماء السنة وإلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عدة أسئلة حول موضوع خلق الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو بشر أم خلق من النور؟ وهل هو أول الخلق؟ وما إلى ذلك من الأسئلة، نقدم فيما يلي بعضاً منها مع ذكر إجابة العلماء عليها:
السؤال: “إذا مات الشخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر وأنه يعلم الغيب وأن التوسل بالأولياء والأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل فهل يدخل النار ويعتبر مشركاً؟ …..فما حكمه، وما حكم التصدق عنه والإحسان إليه بعد موته؟”.
وأجاب عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله- بقوله:”من مات على هذا الاعتقاد بأن يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببشر أي ليس من بني آدم أو يعتقد أنه يعلم الغيب فهذا اعتقاد كفري يعتبر صاحبه كافراً كفراً أكبر، وهكذا إذا كان يدعوه ويستغيث به أو ينذر له أو لغيره من الأنبياء والصالحين أو الجن أو الملائكة أو الأصنام؛ لأن هذا من جنس عمل المشركين الأولين كأبي جهل وأشباهه، وهو شرك أكبر”.
كما أجاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين على مثل هذا السؤال بقوله:
“من اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم نور من الله وليس ببشر وأنه يعلم الغيب فهو كافر بالله ورسوله وهو من أعداء الله ورسوله، وليس من أولياء الله ورسوله، لأن قوله هذا تكذيب لله ورسوله، ومن كذب الله ورسوله فهو كافر، والدليل على أن قوله هذا تكذيب لله ورسوله قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ [الكهف:110] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)) [رواه البخاري (401) ومسلم (572) من حديث ابن مسعود].
هذا وقد وجِّه إلى اللجنة الدائمة السؤال التالي:”هل النبي صلى الله عليه وسلم نور من نور الله كما يقول بعض الناس، وهل هو نور عرش الله سبحانه وتعالى”؟فأجابت اللجنة عليه بما يلي:”النبي صلى الله عليه وسلم نور هدى ورشاد كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب:45-46]. وليس بدنه نوراً وليس هو من نور الله الذي هو وصفه بل هو لحم وعظم وما خالطهما خلق من أب وأم كغيره كما مضت بذلك سنة الله تعالى في البشر وكان يأكل ويشرب ويقضي من شأنه وله ظل إذا مشى في شمس أو نحوها، وأما قوله تعالى: قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ [المائدة:15-16] الآية، فالمراد بالنور في ذلك ما يبعثه الله به من الوحي، من عطف الخاص على العام ولم يثبت في القرآن ولا في السنة الصحيحة أنه نور عرش الله فمن زعم ذلك فهو كاذب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم”.
كما وجّه إلى اللجنة السؤال التالي:”إن جل الناس يعتقدون أن الأشياء خلقت من نور محمد صلى الله عليه وسلم وأن نوره خلق من نور الله ويروون ((أنا نور الله وكل شيء من نوري)) [الحاشية: بهذا اللفظ لم نجده]، ويروون أيضاً ((أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم)) [الحاشية: قال اللكنوي في (( الآثار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة )) (1/43) لم يثبت بهذا المبنى ونقل عن السيوطي قوله عنه أنه لم يرد بهذا اللفظ. وقال الألباني أنه باطل، كما في (( السلسلة الصحيحة )) (1/820)]
فهل لذلك من أصل؟ ويروون ((أنا عرب بلا عين أي رب، أنا أحمد بلا ميم أي أحد)) [الحاشية: [لم نجده]] فهل لذلك من أصل؟
وأجابت اللجنة عليه بما يلي:”سبق منا جواب مفصل بالفتوى رقم 2871 هذا نصها: “وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته، وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سبباً لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك هذا نصها: للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده، ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله قال تعالى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ [الشورى:51-53]. وليس هذا النور مكتسباً من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم.. إلخ، خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي صلى الله عليه وسلم أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبياً أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الفتوى السابقة يظهر أنه اعتقاد باطل. وأما ما يروى: أنا عرب بلا عين فلا أساس له من الصحة وهكذا أنا أحمد بلا ميم، وصفة الربوبية والانفراد من الصفات المختصة بالله سبحانه وتعالى فلا يجوز أن يوصف أحد من الخلق بأنه الرب ولا أنه أحد على الإطلاق، فهذه الصفات من اختصاص الله سبحانه ولا يوصف بها الرسل ولا غيرهم من البشر.
كما وجّه إلى اللجنة الدائمة سؤال حول ((لولاك ما خلقت الأفلاك)) [الحاشية: أورده الصغاني في ((موضوعاته)) (52) وكذلك الألباني في (( السلسلة الضعيفة )) (282) وقال موضوع، وقال اللكنوي في (( الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة )) (1/44) قال علي القاري في (( تذكرة الموضوعات )) (2) حديث: (لولاك لما خلقت الأفلاك). قال العسقلاني موضوع كذا في (( الخلاصة )) .أ.هـ]
أهذا حديث موضوع أو ضعيف”؟ فأجابت اللجنة عليه بما يلي:”ذكره العجلوني في “كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس” وقال: قال الصغاني إنه موضوع، ثم قال: وأقول: لكنه معناه صحيح وإن لم يكن حديثاً. نقول بل هو باطل لفظاً ومعنى؛ فإن الله تعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ولم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن الخلق خلقوا من أجله لا الأفلاك ولا غيرها من المخلوقات في الأحاديث الموضوعة وقال: قال الصغاني موضوع. ومما يدل على ذلك قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم”.
كما وجه إلى اللجنة السؤال: هل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خلق الله أم سيدنا آدم”؟فأجابت اللجنة عليه بما يلي:”أول خلق الله من البشر آدم عليه الصلاة والسلام بإجماع المسلمين وبصريح القرآن، ونبينا عليه الصلاة والسلام بشر من سلالة آدم، وأما قول بعض الجهلة، إن نبينا أول خلق الله أو أنه مخلوق من نور الله أو من نور العرش فقوله باطل لا أساس له من الصحة”. [الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن – ص 192- 198] [موسوعة الفرق].
رابعًا: “من صفات الرسل عليهم السلام
غالى كثير من الناس في الرسل حتى أعطوهم فوق صفاتهم التي خلقوا عليها، ومنهم من يعتقد فيهم أو في بعضهم الألوهية، وهذا قول باطل يعارض الأدلة التي تثبت أنهم بشر اصطفاهم الله وفضلهم؛ ولذلك أذكر هنا صفاتهم الخَلقية.
أولاً: فيما تميزوا به عن سائر البشر.قال الشيخ زيد المدخلي رحمه الله: ” وقد تميزوا عن غيرهم من سائر البشر بصفات عظيمة لا تتوفر على سبيل الكمال إلا فيهم، منها: 1- الصدق. 2- الأمانة.3- التبليغ. 4- الخلق.5- السلامة من العيوب الخلقيَّة والخُلُقية.6- العصمة من الوقوع في الخطأ المتعمد.7- الصبر”.[الإيضاحات السنية (37-38) بتصرف يسير].
ثانيًا: في ذكر صفاتهم الخلقية، فعلى النحو التالي:
أولًا: البشرية:
قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [الكهف: 110]؛ ولذلك لما أنكر المشركون على المرسلين دعوتهم بأنهم بشر يريدون بهم الإضلال، أجابتهم الرسل بالإقرار أنهم بشر، لكنهم فُضِّلوا بالوحي؛ قال تعالى: ﴿ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [إبراهيم: 10، 11].
وقد استكبر كثير من المشركين على رسلهم، وكفروا بهم، وكان حجتهم في ذلك أنهم – يعني الرسل – بشرٌ، واقترحوا أن يرسل الله ملائكة، وقد جاء ذكر ذلك مصرحًا به في غير موضع من القرآن؛ فمن ذلك: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 7]، وقال تعالى: ﴿ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ [القمر: 24]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 94].
- ولكن عندما نتأمل الأمر نجد أن الحكمة من إرسال الرسل بشرًا وأنهم لم يكونوا ملائكة تتلخص فيما يلي:
(1) أن الناس لا يقدرون على رؤية الملك في صورته الحقيقة؛ فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم – على ما أعطاه الله من القوة الجسمية والنفسية وهيأه لهذه المهمة – كان يعالج من التنزيل شدة، ولما جاءه الوحي بغار حراء أول مرة، عاد إلى بيته يرجف وهو يقول: ((زمِّلوني زمِّلوني))؛ فرؤية الملائكة ليست بالأمر الهين؛ ولذلك إذا جاءهم ملك فإنه سيكون في صورة رجل، ولا يأتيهم في صورته الملائكية؛ حتى يتمكنوا من رؤيته والحديث معه، وعندئذ لا يتحقق مرادهم؛ لأن الذي يخاطبهم في صورة رجل؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 9].
(2) أنه إذا جاءهم الرسول ملكًا في صورته البشرية، فإنهم لا يعرفونه من قبل، ومن الممكن أن ينكروا عليه؛ فهو غريب عنهم لم يعلموا شيئًا عن صدقه، وأمانته؛ ولذلك كانت رحمة الله بعباده أن أرسل الرسل من قومهم وبلسانهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164].
(3) أن الرسل عندما يكونون من الملائكة لا يملكون معنى القدوة؛ لأن الناس سيجدون لأنفسهم مبررًا في انحرافهم عن دعوة هؤلاء الملائكة؛ وذلك لأنهم – أي: الملائكة – مفطورون على العبادة، وليس فيهم هذه الشهوة التي أودعها الله في البشر، فكانت الحكمة أن يكون هؤلاء الرسل من طبيعة البشر؛ ليكون ذلك أمكن في التوجيه، ثم في القدوة لهذا التوجيه.
تنبيه:
لا بد أن نفهم ونعتقد أن الرسول يختاره الله في أكمل الصفات الخلقية والخلقية، وهم خير الناس نسبًا؛ فقد اصطفاهم الله؛ ولذلك ذكر العلماء من صفاتهم:
ثانيًا: الرجولة:قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾ [الأنبياء: 7].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ [يوسف: 109].
ويتفرع مما سبق – أي: من كونهم بشرًا – ما يلي:
أ – الأنبياء لا يعلمون الغيب؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: 65].
وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
ب – مقتضى بشرية الرسل أنهم يتصفون بصفات البشر، فمن ذلك:
- أنهم يُولَدون، وأنهم يتزوجون ويولد لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38].
- أنهم يأكلون ويشربون؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان: 7].
- أنهم يموتون؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30].
- أنهم يتعرضون للبلاء، بل هم أشد الناس بلاء؛ كما ورد في الحديث عن سعد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتُلِي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)).[ رواه الترمذي (2398)، وقال: حسن صحيح، ورواه أحمد (1/ 172)، وابن ماجه (4023)، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة (143).]
- وأنهم يعملون بأعمال البشر؛ فقد عملوا برعي الغنم، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أكنت ترعى الغنم؟ فقال: ((وهل من نبيٍّ إلا وقد رعاها)). [رواه البخاري (2262)، وابن ماجه (2149)، ومسلم نحوه (2050) من حديث جابر].
وعمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة.
وكان داود حدادًا؛ قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ﴾ [الأنبياء: 80].
وكان زكريًّا نجارًا؛ كما ثبت ذلك في صحيح مسلم.
ثالثًا: تميزهم عن بقية الخلق:
ومع ذلك فإنهم قد تميزوا عن بقية البشر بأمور، منها:
- تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث الإسراء: ((والنبي نائمة عيناه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم)). [رواه البخاري (3570)].
- الأنبياء يخيرون عند الموت؛ فعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من نبي يمرض إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة)). [رواه البخاري (4586)].
وثبت عنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الأخير: ((مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين))، قالت: فعلمت أنه خُيِّر. [البخاري (4435)، ومسلم (2444)].
- الأنبياء يدفنون حيث يموتون؛ روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لم يقبر نبي إلا حيث يموت)) [صحيح: رواه أحمد (1/ 7)، وعبدالرزاق (3/ 516)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (5201)]، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة حيث مات عليه الصلاة والسلام.
- الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وقد ثبت ذلك صريحًا في الحديث: ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)). [صحيح: رواه أبو داود (1531)، والنسائي (3/ 91)، وابن ماجه (1085)].
- الأنبياء أحياءٌ في قبورهم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا قال: ((الأنبياء أحياء في قبورهم يصلُّون)) [أبو يعلى (6/ 147)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (621)]، وهذه حياة برزخية، لا يعلم كيفيتها إلا رب العالمين، فلا نخوض في معرفة ذلك بآرائنا وأوهامنا.
ومسألة كون الأنبياء أحياء في قبورهم توسعنا فيها في مختلف الحديث .
- الأنبياء يفضلون على غيرهم بالوحي؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى على ألسنة الرسل: ﴿ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [إبراهيم: 11]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾ [الأنبياء: 7].
وقد بيَّن الله كيفية الوحي إلى رسله، فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51]، فدل ذلك على أن الوحي ثلاثة أقسام.
الأول: أن يوحي الله إليه، وقد فسر العلماء ذلك إما بالمنام، وقد ثبت في الحديث: ((رؤيا الأنبياء وحي))، وفسره بعضُهم بالإلقاء في القلب؛ كما ثبت في الحديث: ((إن روح القدس نفَث في رُوعِي – أي: قلبي -: أن نفسًا لن تموت حتى تستكملَ رزقَها وأجلها؛ فاتقوا اللهَ وأجمِلوا في الطلب)). [صحيح: رواه ابن ماجه (2144)، وابن حبان (3239)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2742)].
الثاني: تكليم الله لرسله؛ قال تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، وهذه خاصة لموسى، كما أن الله اتخذ إبراهيم خليلًا، وقد نال النبي محمد صلى الله عليه وسلم منزلة تكليم الله في ليلة المعراج فقط.
الثالث: إرسال الملك جبريل، إما في صورته الحقيقة، أو أن يتمثل له بشرًا، وهو الغالب، أو يأتيه في مثل صلصلة الجرس؛ فقد ثبت في صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: ((أحيانًا يأتيني مِثل صلصلة الجرس، وهو أشدُّه عليَّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني، فأَعِي ما يقول)). [البخاري (2) (3215)].
ومما يتميز به الرسل: العصمة:
إجماع الأمة على أن الأنبياء معصومون في تحمُّل الرسالة وفي تبليغها؛ قال تعالى: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعلى: 6، 7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17، 18]، هذه الآيات تثبت العصمة بالنسبة للتحمُّل.
وأما بالنسبة للبلاغ فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].
وهل هم معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها؟قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام”.[مجموع الفتاوى (4/ 319)]. [انظر: من صفات الرسل عليهم السلام]