1139 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح ، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(ج2/ رقم 1139):
قال الإمام أحمد في مسنده: حَدَّثَنَا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: “طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ”، فَاسْتُغْضِبَ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: “مَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللَّهُ عَنْهُ، لَا يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ فِيهِ؟! وَاللَّهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللَّهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لَمْ يُجِيبُوهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ!
أَوَلَا تَحْمَدُونَ اللَّهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ إِلَّا رَبَّكُمْ، مُصَدِّقِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ، قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلَاءَ بِغَيْرِكُمْ!
وَاللَّهِ لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا فِيهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا – وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلْإِيمَانِ-، يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَأَنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
بوب عليه الوادعي رحمه الله تعالى في عدة مواضع من الجامع الصحيح:
1 – (2/462): قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]. جعله من ضمن الأدعية.
2 – ( / ): قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]. جعل الحديث ضمن الأحاديث الواردة ضمن ما يتعلق بسورة الفرقان، وذكر فيه حديثين فقط.
قال الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” 6 / 779 : أخرجه أحمد ( 6 / 2 – 3 ) : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله – يعني ابن المبارك – : أنبأنا صفوان بن عمرو : حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما ، فمر به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم … إلخ . قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير يعمر بن بشر ، و هو المروزي ، قال الخطيب في ” تاريخ بغداد ” ( 14 / 357 ) : ” من كبار أصحاب عبد الله بن المبارك ، قال أحمد : ما أرى كان به بأس . و قال علي بن المديني : ثقة . و قال أبو رجاء محمد بن حمدويه : ” من ثقات أهل مرو ومتقيهم ” . و قال الدارقطني : ثقة ثقة ” . و ذكره ابن حبان في ” الثقات ” ( 9 / 291 ) .
قلت : كأن الهيثمي فاته ما ذكرناه من النقول الموثقة ليعمر هذا ، فقال في حديث آخر له ( 5 / 122 ) : ” رواه أحمد عن شيخه يعمر بن بشر ، و يقال : مشايخ أحمد كلهم ثقات ” ! و قد تابعه بشر بن محمد عند البخاري في ” الأدب المفرد ” ( 87 ) ، و حبان بن موسى عند ابن حبان ( 1684
– موارد ) قالا : أنبأنا عبد الله به .
و قال الحافظ ابن كثير في ” تفسير سورة الفرقان ” بعد أن عزاه لأحمد بسنده : ” و هذا إسناد صحيح ، و لم يخرجوه ” . انتهى من السلسلة.
قلت سيف بن دوره :
الألباني في حديث آخر في السنة لابن أبي عاصم قال : يعمر بن بشر أورده ابن أبي حاتم من رواية ثقتين آخرين عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا . وكذلك تحت حديث 108 من السنة لابن أبي عاصم . وكذلك في الضعيفة 6047 لم يذكر إلا رواية جمع عنه.
وهذه التوثيقات ليعمر بن بشر من الأئمة نقلها محققو المسند : تحت حديث 5342 و 6226 و 9223 و 11526 و15737 وقالوا راجع تاريخ بغداد 14/357؛
بينما 13806 فإنما حسنوا حديثه لرواية جمع عنه
ونقل محقق مستخرج أبي عوانة توثيق الدارقطني وعزاه لتاريخ بغداد 14/357
وفي كتاب تبييض الصحيفة : اقتصر ابن حجر على توثيق ابن حبان مع أن له ترجمة جيدة في تاريخ بغداد ثم ساق كلام الأئمة
وتعقب باحث الشيخ مقبل في كتابه رجال الدارقطني في الاقتصار على ترجمته من كتاب ابن أبي حاتم . وساق الباحث كلام الأئمة من تاريخ بغداد
وكذلك نقل التوثيقات محقق البدور السافرة
وكذلك محقق كتاب العرش للذهبي
ونقل توثيق الدارقطني له الذهبي في تاريخ الإسلام
فائدة : قال وهب بن جرير : جزى الله إسحاق وصدقة ويعمر عن الإسلام خيرا احيوا السنة بأرض المشرق . تهذيب الكمال قال المحقق يعني يعمر بن بشر المروزي
طولت في النقولات لكي لا يظن أنهما راويان .
وبوب عليه المحب الطبري، أبي جعفر أحمد بن عبد الله: ” ذكر الزجر عن أن يستعمل الإنسان في أسبابه (لو)، دون الانقياد بحكم الله عزوجل وقدره “[غاية الإحكام في أحاديث الأحكام، ج1/ص46].وقال جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن، ابن الجوزي: “باب: النهي عن تمني مالا تعلم عاقبته”. [الحدائق في علم الحديث والزهديات، ج3/ص251]وبوب عليه البخاري في الأدب المفرد: [39- باب الولد قرة العين – 47].
أولاً: شرح الحديث:
على العبد أن يسأل الله الثبات على الدين ، ويكثر من قول : ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك “.
وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟)) فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ…. فَقَالَ: ((قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ))، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ…..).[صحيح مسلم، كِتَابُ: الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ: غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ، حديث رقم (3446)].
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تعد ركنًا من أركان الإيمان، فإيمان العبد لا يكتمل إلا بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه المحبة لابد أن تضبط بضوابط.
قال الألباني رحمه الله تعالى في ” السلسلة الصحيحة ” 6 / 779 : بعد أن أورد حديث المقداد رضي الله عنه:
قلت: ( تنبيه ) : التفريق المذكور في هذا الحديث له أصل في ” صحيح البخاري ” ( رقم
7281 ) من حديث جابر بن عبد الله قال : ” جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم و هو نائم ، فقال بعضهم : إنه نائم ، و قال بعضهم : إن العين نائمة و القلب يقظان .. ” الحديث ، و فيه: ” فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله ، و من عصى محمدا فقد عصى الله ، و محمد فرق بين الناس “.
قلت : ففي الحديث دليل صريح أن التفريق ليس مذموما لذاته، فتنفير بعض الناس من الدعوة
إلى الكتاب و السنة ، والتحذير مما يخالفهما من محدثات الأمور، أو الزعم بأنه ما جاء وقتها بعد! بدعوى أنها تنفر الناس و تفرقهم – جهل عظيم بدعوة الحق وما يقترن بها من الخلاف والتعادي حولها كما هو مشاهد في كل زمان و مكان ، سنة الله في خلقه ، و لن تجد لسنة الله تبديلا و لا تحويلا ، *(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )* . انتهى من السلسلة.
قال الإمام الألباني – رحمه الله – في ( صحيح موارد الظمآن ) ( 2 / 130 ) عند حديث :
” ليتأمل – في هذه الكلمة الرائعة من هذا الصحابي الجليل المعبرة تمام التعبير عن حقيقة دعوة النبي صلي الله عليه وسلم -، من يقول من الأحزاب الإسلامية الذين تجلت لهم صحة بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، وعلى منهج السلف الصالح ، يقولون بلسان الحال ، وبعضهم بلسان القال : إنها دعوة حق، ولكنها تُفرق ! ونحن اليوم بحاجة إلى التجمع والتّكتّل !
فنقول : على ماذا ؟! على خلِيطٍ من( سلفية صوفية ) ، و( سنية شيعية ) ؟! فهل من معتبر بما كان عليه ” قائدنا ” صلى الله عليه وسلم ؟! “. انتهى.
قال ابن كثير كما في صحيح السيرة للألباني: والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر يدعو إلى الله تعالى ليلاً ونهاراً، وسراً وجهراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عن ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، يدعو من لقيه من حر وعبد، وضعيف وقوي، وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء.
وتسلط عليه وعلى من اتبعه من آحاد الناس من ضعفائهم؛ الأشداءُ الأقوياء من مشركي قريش بالأذية القولية والفعلية.
وكان من أشد الناس عليه عمه أبو لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وامرأته أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.
وخالفه في ذلك عمه أبو طالب بن عبد المطلب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب خلق الله إليه طبعاً، وكان يحنو عليه، ويحسن إليه، ويدافع عنه ويحامي، ويخالف قومه في ذلك، مع أنه على دينهم وعلى خلتهم؛ إلا أن الله قد امتحن قلبه بحبه حباً طبعياً لا شرعياً.
وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية؛ إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه، ولاجترؤوا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه {وربك يخلق ما يشاء ويختار} [القصص: 28] وقد قسم خلقه أنواعاً وأجناساً.
فهذان العمان كافران: أبو طالب وأبو لهب، ولكن هذا يكون في القيامة في ضحضاح من النار، وذلك في الدرك الأسفل من النار، وأنزل الله فيه سورة في كتابه تتلى على المنابر، وتقرأ في المواعظ والخطب، تتضمن أنه {سيصلى ناراً ذات لهب. وامرأته حمالة الحطب}[المسد: 3 و 4]
روى الإمام أحمد والبيهقي عن ربيعة بن عباد من بني الديل – وكان جاهلياً فأسلم – قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق (ذي المجاز) وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا: (لا إله إلا الله) تفلحوا»، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه، أحول، ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه؟ فقالوا: هذا عمه أبو لهب .
ثم رواه البيهقي من طريق أخرى عن ربيعة الديلي به وفيه : وهو يقول: “يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم”.
قلت: من هذا؟ قيل: هذا أبو لهب.
وأما أبو طالب فكان في غاية الشفقة والحنو الطبيعي، كما سيظهر من صنائعه وسجاياه واعتماده فيما يحامي به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
وروى البخاري في (التاريخ) والبيهقي عن الحاكم من حديث عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا. فقال: يا عقيل انطلق فأتني بمحمد. فانطلقت فاستخرجته من كنس أو خنس – يقول: بيت صغير – فجاء به في الظهيرة في شدة الحر فلما أتاهم، قال: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم. فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال:
«ترون هذه الشمس؟». قالوا: نعم. قال: «فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منها بشعلة»
فقال أبو طالب: والله؛ ما كذب ابن أخي قط، فارجعوا.
وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى عصمه بعمه، مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه حيث لا يكون عمه بما يشاء، لا معقب لحكمه.
تنبيه :
[قال الألباني رحمه الله في الصحيحة: وأما حديث: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته». فليس له إسناد ثابت ولذلك أوردته في ” الأحاديث الضعيفة ” (913)].
وروى الإمام أحمد، والبخاري عن ابن عباس، قال:
قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة؛ لأطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو فعل ذلك لأخذته الملائكة عياناً»
وروى أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم.
قال: فقال: واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه بالتراب.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ رقبته. قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه [أي تراجع إلى الخلف]، ويتقي بيديه[أي يدفع عن نفسه بيديه شيئاً يهاجمه].
قال: فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه خندقاً من نار، وهولاً، وأجنحة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً».
قال: وأنزل الله تعالى – لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا -:{ كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى} [العلق: 6 و 7] إلى آخر السورة.
وروى الإمام أحمد والبخاري في مواضع من (صحيحه) ومسلم عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال:
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي، ورهط من قريش جلوس، وسلا جزور قريب منه، فقالوا: من يأخذ هذا السلا فيلقيه على ظهره؟ فقال عقبة بن أبي معيط: أنا. فأخذه فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم عليك بهذا الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بأبي بن خلف. أو: أمية بن خلف» . شعبة الشاك
قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعاً، ثم سحبوا إلى القليب، غير أبي أو أمية بن خلف فإنه كان رجلاً ضخماً؛ فتقطع.
والصواب: أمية بن خلف؛ فإنه الذي قتل يوم بدر، وأخوه أُبي إنما قتل يوم أحد كما سيأتي بيانه.
والسلا: هو الذي يخرج مع ولد الناقة كالمشيمة لولد المرأة.
وفي بعض ألفاظ (الصحيح) : أنهم لما فعلوا ذلك استضحكوا حتى جعل بعضهم يميل على بعض، أي: يميل هذا على هذا من شدة الضحك. لعنهم الله.
وفيه: أن فاطمة لما ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم، وأنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو عليهم، فلما رأوا ذلك سكن عنهم الضحك وخافوا دعوته، وأنه صلى الله عليه وسلم دعا على الملأ منهم جملة، وعين في دعائه سبعة، وقع في أكثر الروايات تسمية ستة منهم، وهم: عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبو جهل بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف.
قال أبو إسحاق: ونسيت السابع.
قلت: وهو عمارة بن الوليد وقع تسميته في (صحيح البخاري).
وروى عن عروة بن الزبير قال:سألت ابن عمرو بن العاص، فقلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عليه عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [غافر: 28]
انفرد به البخاري، وقد رواه في أماكن من (صحيحه)، وصرح في بعضها ب (عبد الله بن عمرو بن العاص)، وهو أشبه؛ لرواية عروة عنه، وفي رواية معلقة عن عروة قال: قيل لعمرو بن العاص. وهذا أشبه لتقدم هذه القصة. انتهى باختصار. والله أعلم”. [من صحيح السيرة النبوية، 24 – أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام الجزء الثاني لعلي الرملي].
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
اشتداد إيذاء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم
جاء في (كتاب صحيح السيرة النبوية):
[المبحث السابع: اشتداد إيذاء قريش للنبي]
1 – ذكر تهدد أبي جهل بوطئه حال سجوده وسبق ذكره ووردت من حديث ابن عباس قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي فجاء أبو جهل: فقال: “ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – فزبره، فقال: أبو جهل: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تعالى {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}. قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله” (2).
[2 – فعل أبي لهب]
78 – من حديث ربيعة بن عباد الديلي: وكان جاهليًّا أسلم قال:
“رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بصر عيني بسوق ذي المجاز …”. وسبق
وفي رواية أخرى: “قال: إني لمع أبي، رجل شاب أنظر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء ذو جمة، يقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على القبيلة ويقول: (يا بني فلان، إني رسول الله إليكم آمركم، أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به).
فإذا فرغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان، إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه. فقلت لأبي من هذا؟ قال: عمه أبو لهب” .
وحديث الجهر بالدعوة، وإيذاء أبي لهب للنبي أمام قريش بقوله: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟
[3 – إيذاء عقبة بن أبي معيط للرسول صلى الله عليه وسلم]
79 – من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال:
“بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه ….. وسبق ذكره
[4 – اجتماع الملأ من قريش وضربهم الرسول]
81 – من حديث أسماء بنت أبي بكر أنهم قالوا لها:
ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: “كان المشركون رفعوا في المسجد عمدًا ليروا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك، إذ أقبل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقاموا إليه بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقالوا: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا، وإن له لغدائر أربع، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ قال: فَلهَوْا عن رسول – صلى الله عليه وسلم -، وأقبلوا على أبي بكر – رضي الله عنه -، قالت: فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمس من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام” .
82 – من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -، قال:”إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمدًا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة – رضي الله عنها – تبكي حتى دخلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنية أريني وَضُوءًا، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هوذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولم يقم إليه رجل، فأقبل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى قام على رؤسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلًا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرًا” . انتهى من صحيح السيرة.
(المسألة الثاني):
الأحكام الواردة في تمني الموت
قال النووي رحمه الله تعالى في (رياض الصالحين): “67- باب كراهية تمني الموت بسبب ضُرٍّ نزل بِهِ وَلا بأس بِهِ لخوف الفتنة في الدين
1/585- عنْ أَبي هُريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ((لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ؛ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ)) متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري.
وفي روايةٍ لمسلم عن أَبي هُريْرةَ رضي الله عنه ، عَنْ رسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذا ماتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لا يَزيدُ المُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَّا خَيرًا)).
2/586- وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: ((لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كان لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَحْيِني مَا كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوفاةُ خَيرًا لي)) متفقٌ عليه.
3/587- وعَنْ قَيسِ بنِ أَبي حازمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلى خَباب بنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فَقَالَ: “إِنَّ أَصْحابنا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا ولَم تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وإِنَّا أَصَبْنَا مَا لا نجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلا الترابَ، ولَوْلا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ”، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وهُوَ يَبْني حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: “إِنَّ المُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيءٍ يُنْفِقُهُ، إِلا فِي شَيءٍ يَجْعَلُهُ في هَذَا التّرابِ” متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ رواية البخاري”. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “٦٧- باب كراهة تمني الموت بسبب ضُرّ نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين
تمني الموت يعتبر سفها في العقل وضلال في الدين :
أما كونه سفهًا في العقل؛ فلأن الإنسان إذا بقي في حياته، فإما محسنًا فيزداد، وإما مسيئًا فيستعتب إلى الله عز وجل.
أما كونه ضلالًا في الدين فلأنه ارتكاب لما نهى عنه النبي ﷺ . والنهي هنا للتحريم؛ لأن تمني الموت فيه شيء من عدم الرضا بقضاء الله، ، فإذا صبر على الضراء نال شيئين مهمين:
الأول: تكفير الخطايا .
الثاني: إذا وفّق لاحتساب الأجر من الله وصبر يبتغي بذلك وجه الله؛ فإنه يُثاب، وقد قال الله تعالى: (إنَّما يُوَفّى الصّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (الزمر: ١٠).
ومن المعلوم أن التسبيحة الواحدة في صحيفة الإنسان خيرٌ من الدنيا وما فيها؛ لأن الدنيا وما فيها تذهب وتزول، والتسبيح والعمل الصالح يبقى، قال الله عز وجل: (المالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنْيا والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وخَيْرٌ أمَلًا) (الكهف: ٤٦)
فأنت إذا بقيت ولو على أذى ولو على ضرر؛ فإنك ربما تزداد حسنات.
وإما مسيئًا قد عمل عملًا سيئًا، فلعله يستعتب أي: يطلب من الله العتبى أي: الرضا والعذر، فيموت وقد تاب من سيئاته
أما ما يتعلق بفتنة الدين، إذا افتتن الناس في دينهم وأصابتهم فتنة؛ إما في زخارف الدنيا أو غيرها من الفتن، أو أفكار فاسدة، أو ديانات منحرفة أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضًا لا يتمنى بسببه الإنسان الموت، ولكن يقول اللهم اقبضني إليك غير مفتون، فيسأل الله أن يثبته وأن يقبضه إليه غير مفتون.
قوله «وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي».
وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز الشرط في الدعاء، أن تشترط على الله عز وجل في الدعاء، وقد جاء ذلك في نصوص أخرى؛ مثل آية اللعان فإن الزوج يقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وهي تقول في الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فالشرط في الدعاء لا بأس به.
ثم ذكر المؤلف حديث قيس بن حازم حين دخلوا على خبّاب بن الآرت رضي الله عنه وهو من الصحابة الآجَّلاء، ….
فهذا المال الذي يجعل في البناء لا يؤجر الإنسان عليه، اللهم إلا بناء يجعله للفقراء يسكنونه، أو يجعل غلته في سبيل الله، أو ما أشبه ذلك، فهذا يؤجر عليه، لكن بناء يسكنه، هذا ليس فيه أجرا؛ بل ربما إذا زاد الإنسان فيه حصل له وزر، مثل ما يفعل بعض الفقراء الآن.
الآن عندنا فقراء يتدين الإنسان منهم إلى عشر سنين أو خمسة عشر وإن طال الآجل إلى عشرين سنة، من أجل أن يرصّع بنيانه بالأحجار الجميلة، أو من أجل أن يضع له أقواسًا أو شرفات، أو ما أشبه ذلك وهو مسكين يعمل هذا العمل المنهي عنه ويستدين على نفسه الديون الكثيرة.
وأما البنيان الذي يكون على حسب العادة، يعني لو أن الناس اعتادوا بنيانًا معينًا، وأراد الإنسان أن يبني ما كان على العادة، وما كان ينبسط فيه أهله بدون إسراف، وبدون أن يستدين؛ فهذا لا بأس به وليس فيه إثم إن شاء الله”. انتهى التعليق من شرح رياض الصالحين.
(المسألة الثالثة): تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: (74)].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “وقوله : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) يعني : الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له .
قال ابن عباس : يعنون من يعمل بالطاعة ، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة .
وقال عكرمة : لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالا ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين .
وقال الحسن البصري – وسئل عن هذه الآية – فقال : أن يري الله العبد المسلم من زوجته ، ومن أخيه ، ومن حميمه طاعة الله . لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا ، أو ولد ولد ، أو أخا ، أو حميما مطيعا لله عز وجل .
وقال ابن جريج في قوله : ( هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) قال : يعبدونك ويحسنون عبادتك ، ولا يجرون علينا الجرائر .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني : يسألون الله لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا صفوان بن عمرو ، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما ، فمر به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم! …. وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجوه .
وقوله : ( واجعلنا للمتقين إماما ) قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والربيع بن أنس: أئمة يقتدى بنا في الخير .
وقال غيرهم : هداة مهتدين [ ودعاة ] إلى الخير ، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم وأن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع ، وذلك أكثر ثوابا ، وأحسن مآبا; ولهذا ورد في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو صدقة جارية “. انتهى.
المسألة الرابعة :
قلنا في رياح المسك العطرة شرح البخاري في فوائد :
بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِيمَان حديث رقم ِ14 – ِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» :
الفائدة السادسة والأربعين :
– ومن مظاهر محبته : كثرة تذكره وتمني رؤيته والشوق إلى لقائه : في صحيح مسلم (2178) عن أبي هريرة أن رسول الله قال “” مِن أشدّ أمتي لي حباً ناسٌ يكونون بعدي يَودُّ أحدهم لو رآني بأهله وماله “”
فمن ظهرت عليه هذه العلامات والآثار فهو المحب الصادق .
ولا يعارض تمني رؤيته وأنه من الإيمان الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : والذي نفس محمد بيده! ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم.
وزجر المقداد لرجل تمنى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كذلك طلب التعرض للفتن ففي الصحيح المسند :
1139- قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك أنبأنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل فقال طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله …. هذا حديث صحيح . انتهى وهو في الصحيحة 2823
قال ابوزرعة الدمشقي في الفوائد المعللة: هذا حديث جليل
فمقصود حديث تمني الرؤية الحث على مجالسته والتعلم منه صلى الله عليه وسلم كما قدمنا، والتابعي إنما ظن أنه قادر على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وأنه لو كان عنده لقاتل عنه ونافح؛ فنهاه الصحابي عن تمني ذلك.
ومما يدل على فضل تمني الرؤية :
– لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه زلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله .
تخريج السيوطي : (ق د ت هـ) عن أبي هريرة. تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 7413 في صحيح الجامع.
قال القرطبي في المفهم : معنى الحديث : إخباره صلى الله عليه وسلم، بأنه إذا فقد تغيرت الحال على أصحابه من عدم مشاهدته، وفقد عظيم فوائدها، ولما طرأ عليهم من الاختلاف والمحن، والفتن، وعلى الجملة : فساعة موته اختلفت الآراء، ونجمت الأهواء، وكاد النظام ينحل لولا أن الله تبارك وتعالى تداركه بثاني اثنين، وأهل الحل والعقد…
(المسألة الرابعة): فوائد :
فيه تواضع المقداد رضي الله عنه.
وفيه: ” حكمته في حنكة بالغة خلال هذا الحوار”.
وفيه: أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، والمخالف في ذلك على عكس ذلك.
وفيه: الاقتداء بالسلف الصالح في تمام المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن لا يتمن أحدنا أمرا غيبه الله عنه؛ لا يدري كيف يكون حاله فيه ، وليسأل الله الثبات على الدين ، ويكثر من قول : ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك “.
وفيه: حسن نصح الصحابة رضي الله عنهم، وعدم مجاملتهم في أمور الدين.
وفيه: أن محبة المؤمنين في الأمور الشرعية لابد أن تضبط بضوابط، حتى لا تكون هذه المحبة عواصف.
وفي الأحاديث: “النهي عن تمني الموت لضر أصابه من مرض، أو فقر أو نحو ذلك، وإنما كره تمنيه حينئذ لأنه يشعر بعدم الرضا بالقضاء. وفي الحديث الآخر: «خيركم من طال عمره وحسن عمله»”.[ تطريز رياض الصالحين]
فوائد حديث حذيفة رضي الله عنه:
في الحديثِ: فضْلُ حُذَيْفَةَ بنِ اليمانِ رضِي اللهُ عنه، وتشريفه بلُبس عَباءةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: تواضُعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحُسْنُ نَظرِه وفِراسَتِه.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إرسالَ الْعُيونِ؛ لِمعرفَةِ أخبارِ العدوِّ.
وفيه: آيةٌ ومعجزةٌ مِن آياته ومُعجزاتٍه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيثُ لم يُصِب حُذيفةَ مِن القرِّ وبَرْدِ تلك الرِّيح شَىءٌ ببركةِ إجابةِ حُذيفةَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو دُعاءِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم له، ثم لَمَّا رجَع وأخْبَره بخبرِ القوم أصابه البردُ الذي كان يَجِده الناسُ. [الموسوعة الحديثية]