1138 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——‘
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1138):
قال الترمذي رحمه الله: حدثنا قتيبة حدثنا ابن أبي زائدة عن الحسن بن عياش، عن أبي إسحق هو الشيباني عن الشعبي، قال: قال: المغيرة بن شعبة:
أهدى دحية الكلبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفين فلبسهما.
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن غريب.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
بوب عليه الوادعي رحمه الله تعالى في عدة مواضع من الجامع الصحيح:
– ((4) / (474)): ((49)) الهدية.
وبعد أن أورد الحديث، قال رحمه الله: هذا حديث حسن غريب، وأبو إسحاق اسمه سليمان، والحسن بن عياش هو أخو أبي بكر بن عياش. وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل الأحاديث التي أوردها الشيخ في الباب.
– (4/ 324): ((22)) لبس النعال والخفاف.
وانظر التعليقات في الصحيح المسند فيما يتعلق بأحكام الخفين: (317)، (467)، (505) ذكر تحته عدة أحاديث، (967)، (1033)، (1600).
أولاً: شرح الحديث: لبِسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الخُفَّ، ولَبِسَه الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم، فكان يَقِيهم مِن البرْدِ والأَذَى.
وفي هذا الحديثِ يقولُ المغِيرةُ بنُ شُعبَةَ رَضِي اللهُ عَنه: “أهْدَى دِحْيَةُ الكَلْبيُّ”، أحَدُ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم، يُوصَفُ بالجَمالِ، وكان يأتِي جِبريلُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على صورَةِ دِحْيَةَ غالِبًا، “خُفَّين”، والخُفُّ لِباسٌ مِن جِلْدٍ يُلْبَسُ في القدَمِ، “فلَبِسَهما”، أي: قَبِلَ هديَّتَه واستعمَلَها فيما تصلُحُ فيه؛ حيثُ لَبِسَهما في قدَمَيهِ. [الموسوعة الحديثية].
قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في شمائله: “بابُ ما جاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
(74) – حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ قالَ: حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أبِيهِ، أنَّ النَّجاشِيَّ أهْدى لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خُفَّيْنِ أسْوَدَيْنِ ساذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُما ثُمَّ تَوَضَّأ ومَسَحَ عَلَيْهِما “.
(75) – حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا بْنِ أبِي زائِدَةَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَيّاشٍ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: قالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «أهْدى دِحْيَةُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خُفَّيْنِ، فَلَبِسَهُما». وقالَ إسْرائِيلُ: عَنْ جابِرٍ، عَنْ عامِرٍ «وجُبَّةً فَلَبِسَهُما حَتّى تَخَرَّقا» لا يَدْرِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أذِكًى هُما أمْ لا. قالَ أبُو عِيسى: “وأبُو إسْحاقَ هَذا هُوَ أبُو إسْحاقَ الشَّيْبانِيُّ، واسْمُهُ سُلَيْمانُ”. انتهى. [جاء في حاشية شرح عبد الرزاق العباد لشرح الشمائل: الحديث الأول: أخرجه المصنف في (جامعه) (2820)، وأبوداود في السنن) (155)، وابن ماجة في (549)، وفي إسناده: دَلْهَمِ بْنِ صالِحٍ، وهو ضعيف، وفيه أيضًا: حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وهو مقبول. والحديث الثاني: أخرجه المصنِّف في (جامعه) (1769)، وقوله: ((وقالَ إسْرائِيلُ: عَنْ جابِرٍ … ))، أراد رحمه الله أن يشير إلى أن الحديث جاء من طريقين: من طريقِ أبي إسحاق؛ وعرَّف به المصنف، فقال: ” وأبُو إسْحاقَ هَذا هُوَ أبُو إسْحاقَ الشَّيْبانِيُّ، واسْمُهُ سُلَيْمانُ”. ومن طريق جابر؛ وهو ابن يزيد الجعفي، ضعيف جدًا، وفي طريقه زيادة: ” «وجُبَّةً فَلَبِسَهُما حَتّى تَخَرَّقا» لا يَدْرِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أذِكًى هُما أمْ لا”، يعني: أن دحية رضي الله عنه أهدى للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خفين وجبَّةً فلبسهما النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو لا يدري هل هو متخذ من حيوان مذبوح بتذكية شرعية أم لا، وهذه الزيادة غير ثابتة، ولم تأت في الطريق الأولى الصحيحة.]
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأحاديث الواردة في فضل الهدية، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أورد الوادعي رحمه الله تعالى في الجامع الصحيح ((4) / (474))، تحت باب: ((49)) الهدية، أحاديث أخرى تحت حديث الباب، فيها بين فضل الهدية، وهديه صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: (3035) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (272)): حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد حدثني سماك بن حرب عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «من منح منيحة ورقًا أو ذهبًا أو سقى لبنًا أو أهدى زقاقًا فهو كعدل رقبة».
هذا حديث حسنٌ.
(3037) – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج (4) ص (567)): حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ حَدَّثَنا سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ كُراعٌ لَقَبِلْتُ ولَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لَأجَبْتُ».
حديث أنس حديث حسن صحيح. (3038) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (188)): حَدَّثَنا عِصامُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أيُّوبَ الحَضْرَمِيُّ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ، قالَ: كانَتْ أُخْتِي رُبَّما بَعَثَتْنِي بِالشَّيْءِ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ تُطْرِفُهُ إيّاهُ، فَيَقْبَلُهُ مِنِّي.
هذا حديث حسنٌ.
(3039) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (189)): حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعِيدٍ، قالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ أيُّوبَ الحَضْرَمِيُّ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ، ولا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ.
هذا حديث حسنٌ.
ومعنى لا يقبل الصدقة: لا يأكلها، بل يعطيها أصحابه، كما ثبت في أحاديث أُخَرَ.
(3040) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (5) ص (354)): حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين حدثني عبد الله بن بريدة قال سمعت بريدة يقول: جاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم …. الحديث
وذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل من الصدقة وأكل من الهدية
(3041) – قال عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (ج (5) ص (94)): حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أهدي له طعام أصاب منه ثم بعث بفضله إلى أبي أيوب رضي الله عنه فأهدي له طعام فيه ثوم فبعث به إلى أبي أيوب رضي الله عنه ولم ينل منه شيئًا فلم ير أبو أيوب أثر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الطعام فأتى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن ذلك فقال «إني إنما تركته من أجل ريحه» قال فقال أبو أيوب وأنا أكره ما تكره.
هذا حديث حسنٌ.
وفي رواية أخرى: «إنه يأتيني الملك».
(3042) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (125)): حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس: أن أم سليم بعثته إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقناع عليه رطب فجعل يقبض قبضته فيبعث بها إلى بعض أزواجه ويقبض القبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه ثم جلس فأكل بقيته أكل رجل يعلم أنه يشتهيه.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
(3043) – قال الإمام أحمد رحمه الله ((3838)): حدثنا محمد بن سابق حدثنا إسرائيل عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين».هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
انتهى من الجامع الصحيح.
تنبيه: سيأتي في آخر الشرح التوسع في أحكام الهدايا
(المسألة الثاني): الأحاديث الواردة في لبس النعال والخفاف
ما نقله الوادعي رحمه الله تعالى في الجامع الصحيح (4/ 324):، تحت باب: ” ((22)) لبس النعال والخفاف
(2812) – قال الإمام أحمد رحمه الله ((8418)): حدثنا عمر بن سعد حدثنا يحيى يعني بن زكريا بن أبي زائدة عن سعد بن طارق عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «أسرع قبائل العرب فناء قريش ويوشك أن تمر المرأة بالنعل فتقول إن هذا نعل قرشي».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
(2814) – قال أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (2) ص (1194)): حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنا وكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَبّاسِ قالَ: كانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ قِبالانِ ((1)) مَثْنِيٌّ شِراكُهُما. ((1)) في التعليق على ابن ماجه: قِبالُ النعل ككتاب: زِمامٌ بين الأُصْبُعِ الوسطى والتي تليها. هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا علي بن محمد وهو الطَّنافِسِيُّ، كما في «تحفة الأشراف»، وهو ثقة.
وأما عبد الله بن الحارث فهو نسيب ابن سيرين.
(2815) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (5) ص (6)): حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن يزيد بن الشخير عن مطرف بن الشخير قال أخبرني أعرابي لنا قال: رأيت نعل نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مَخْصُوفَةً ((1)). [الحاشية: ((1)) من الخَصْفِ، وهو الخَرَزُ، أي: الجَمْع والضَّمَّ، كما في «النهاية».]
هذا حديث صحيحٌ.
(2816) – قال الإمام أحمد رحمه الله ((7378)): حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي قائمًا وقاعدًا وحافيًا ومنتعلًا.
حدثنا حسين بن محمد حدثنا سفيان وزاد فيه: وينفتل عن يمينه وعن يساره.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله ((8757)): حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر قال: أتى رجل أبا هريرة فقال أنت الذي تنهى الناس أن يصلوا وعليهم نعالهم قال: لا ولكن ورب هذه الحرمة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي إلى هذا المقام وعليه نعلاه وانصرف وهما عليه ونهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن صيام يوم الجمعة إلا أن يكون في أيام.
هذا حديث صحيحٌ.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج (2) ص (458)): حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن رجل من بني الحارث أنه سمع أبا هريرة يقول: ما أنا أنهاكم أن تصوموا يوم الجمعة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله» وما أنا أصلي في نعلين ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي في نعلين.
حدثنا حجاج قال حدثنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن زياد الحارثي قال: سمعت رجلًا يسأل أبا هريرة … فذكر معناه.
(2817) – روى أبو داود رحمه الله (ج (2) ص (353)): عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي
بِأصْحابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُما عَنْ يَسارِهِ فَلَمّا رَأى ذَلِكَ القَوْمُ ألْقَوْا نِعالَهُمْ فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ صَلاتَهُ قالَ «ما حَمَلَكُمْ عَلى إلْقاءِ نِعالِكُمْ؟» قالُوا رَأيْناكَ ألْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَألْقَيْنا نِعالَنا فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «إنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أتانِي فَأخْبَرَنِي أنَّ فِيهِما قَذَرًا -أوْ قالَ: أذًى- وقالَ إذا جاءَ أحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإنْ رَأى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا -أوْ أذًى- فَلْيَمْسَحْهُ ولْيُصَلِّ فِيهِما».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
وفي رواية لأحمد (بهما خبثا)
وفي موضع آخر ذكره، وفي آخره قال عبد الله: قال أبي: لم يجئ في هذا الحديث بيان ما كان في النعل.
(2818) – قال أبو داود رحمه الله (ج (9) ص (49)): حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ بَكّارٍ أخبرَنا الأسْوَدُ بْنُ شَيْبانَ عَنْ خالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرٍ مَوْلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -وكانَ اسْمُهُ فِي الجاهِلِيَّةِ زَحْمَ بْنَ مَعْبَدٍ فَهاجَرَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ «ما اسْمُكَ؟» قالَ زَحْمٌ قالَ «بَلْ أنْتَ بَشِيرٌ» – قالَ: بَيْنَما أنا أُماشِي رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ مَرَّ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَقالَ «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاءِ خَيْرًا كَثِيرًا» ثَلاثًا ثُمَّ مَرَّ بِقُبُورِ المُسْلِمِينَ فَقالَ «لَقَدْ أدْرَكَ هَؤُلاءِ خَيْرًا كَثِيرًا» ثُمَّ حانَتْ مِن رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ نَظْرَةٌ فَإذا رَجُلٌ يَمْشِي فِي القُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلانِ فَقالَ «يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ ويْحَكَ ألْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ» فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمّا عَرَفَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ خَلَعَهُما فَرَمى بِهِما.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا خالد بن سمير، وقد وثَّقه النسائي.
(2819) – قال الحافظ أبو علي بن السكن كما في «نصب الراية» (ج (1) ص (167)): حَدَّثَنا أبُو عُبَيْدٍ القاسِمُ بْنُ إسْماعِيلَ ويَحْيى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صاعِدٍ والحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قالُوا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْراهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي حازِمٍ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: رَأيْت سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَبُولُ بَوْلَ الشَّيْخِ الكَبِيرِ، يَكادُ أنْ يَسْبِقَهُ قائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأ ومَسَحَ عَلى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: ألا تَنْزِعُ هَذا؟ فَقالَ: لا، رَأيْتُ خَيْرًا مِنِّي ومِنكَ يَفْعَلُ هَذا، ورَأيْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ.
قال الزيلعي: قال ابن دقيق العيد: وهذا إسناد على شرط الشَّيخين؛ فيعقوب الدورقي وعبد العزيز وأبوه من رجال الشيخين، وشيوخ ابن السكن هؤلاء ثقات. اهـ
(2820) – وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (239)): حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فسألته عن المسح على الخفين فقال: كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم وجاء أعرابي جهوري الصوت فقال يا محمد الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «المرء مع من أحب».
هذا حديث حسنٌ”. انتهى نقل الوادعي رحمه الله للأحاديث في هذا الباب ثم ذكر الأداب الأخرى في الانتعال.
—–
(المسألة الثالثة): احكام الهدايا
أولاً: التهادي بين الناس أمرٌ مرغبٌ فيه شرعاً وعادةً، قال تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [سورة النمل الآيتان 36 – 35]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقبلُ الهدية ويُثيبُ عليها» (رواه البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أُهديت إليَّ ذراعٌ لقبلتُ، ولو دُعيتُ إلى كُراعٍ لأَجبتُ» (رواه البخاري)، والمقصود ذراع الشاة، والكراعُ ما دون الرُّكبة إلى الساق من نحو شاةٍ أو بقرة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا» (رواه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي في السنن، وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل6/ 44). قال الحافظ ابن عبد البر: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وندب أمته إليها، وفيه الأسوة الحسنة به صلى الله عليه وسلم. ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودةً وتُذهب العداوة] فتح المالك9/ 358 – 359.
ثانيا: ذكر محمد بن الحسن الشيباني أن الهدية أربعة أقسام باعتبار المُهدِي والمُهدَى إليه وهي: حلالٌ من الجانبين كالإهداء للتودد. وحرامٌ منهما كالإهداء ليُعينه على ظلم. وحرامٌ على الآخذ فقط، وهي أن يهديه ليكفَّ عنه الظلم. أن يدفعه لدفع الخوف من المهدي إليه على نفسه أو ماله أو عياله أو عرضه، فهذه حلالٌ للدافع حرامٌ على المدفوع إليه، فإن دفع الضرر عن المسلم واجبٌ، ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب. الموسوعةالفقهية الكويتية42/ 258.
ثالثا: من ضوابط الهدية في ذاتها أنها إن كانت حراماً كالخمر والخنزير والصلبان والشعارات الدينية لغير المسلمين ونحو ذلك، فلا يجوز شرعاً إهداؤها ولا قبولها. وإن كان يحرم استعمالها في حالٍ دون حالٍ كالحرير مثلاً، فيجوز قبولها والتصرف فيها بالبيع أو الإهداء ونحوهما.
رابعا: تحرم الهدية للموظف، فالأصل المقرر عند الفقهاء أن من تولى مسؤوليةً أو وظيفةً عامةً أو خاصةً، أنه يحرم عليه قبول هديةٍ أو مكافأةٍ أو إكراميةٍ جاءته بحكم مسؤوليته تلك أو وظيفته، إلا إذا أذنت له جهة العمل المشغلة له بقبولها. والهدية للموظف والمكافأة والإكرامية ما جاءت للموظف إلا باعتبار أنه موظفٌ وليس باعتبار شخصيته العادية، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: «استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدي إليَّ. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيءٍ إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رُغاء أو بقرةً لها خُوار أو شاةً تيعر» (رواه البخاري ومسلم). والرُغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة. قال الحافظ العسقلاني: [بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له، وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيءٌ، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية، فإن ذاك إنما يكون حيث يتمحض الحق له] فتح الباري12/ 349.
وقال الإمام النووي: [في هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام، ولهذا ذكر في الحديث عقوبته وحمْله ما أُهدي إليه يوم القيامة، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبَبَ في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة، وحكم ما يقبضه العامل ونحوه باسم الهدية أنه يرده إلى مُهْديه، فإن تعذر: فإلى بيت المال] شرح النووي على مسلم6/ 462. وقال الكمال ابن الهمام: [وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم دليلٌ على تحريم الهدية التي سببها الولاية] فتح القدير7/ 272.
خامسا: تحرم الهديةُ من المقترض للمقرض، لأن كل قرضٍ جرَّ نفعاً فهو ربا، وهذا وإن لم يكن حديثاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمعناه صحيحٌ، فالهدية التي يقدمها المقترض للمقرض قبل السداد، ولم تجر العادة في التهادي بينهما فيها شبهة بالربا، روى البخاري عن أبي بردة قال: (أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: ألا تجيء إلى البيت حتى أطعمك سويقاً وتمراً فذهبنا فأطعمنا سويقاً وتمراً، ثم قال: إنك بأرض الربا فيها فاشٍ -منتشر- فإذا كان لك على رجلٍ دينٌ فأهدى إليك حِمل تبنٍ أو حمل شعيرٍ أو حمل قَتٍ فلا تقبله فإن ذلك من الربا).
سادسا: تقبل هدايا الكفار ويجوز الإهداء لهم، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب قبول الهدية من المشركين. . . وأُهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاةٌ فيها سمٌّ. وقال أبو حميد: أهدى ملكُ أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلةً بيضاء، فكساه بُرداً]. ثم روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: «أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبةٌ من سندس … وقال سعيد عن قتادة عن أنس: إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن يهوديةً أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاةٍ مسمومةٍ، فأكل منها فجيء بها، فقيل: ألا نقتلها؟ قال: لا». وقال الإمام البخاري: [باب الهدية للمشركين وقوله الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ذكر الحافظ ابن حجر أن المراد من سياق الآية التي ذكرها البخاري، بيان من يجوز برهُ منهم، وأن الهدية للمشرك إثباتاً ونفياً ليست على الإطلاق. . . ثم البرُ والصلةُ والإحسانُ لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فتح الباري6/ 160.
سابعا: من ضوابط قَبول هدايا الكفار أن لا يترتب عليها إخلالٌ بعقيدة الولاء والبراء، قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة الآية22]. وبالتالي تحرم الهدايا للكفار إذا كانت مرتبطةً بعقائدهم الباطلة، كالهدايا المرتبطة بأعيادهم الدينية تعظيماً لها، فيُخشى على من فعل ذلك الكفر، فيحرمُ على المسلم أن يعظم شعائر الكافرين. قال الحصكفي الحنفي: [والاعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز، أي الهدايا باسم هذين اليومين حرامٌ. وإن قصد تعظيمه كما يعظمهُ المشركون يكفر. قال أبو حفص الكبير: لو أن رجلاً عَبَدَ اللهَ خمسين سنةً، ثم أهدى لمشركٍ يوم النيروز بيضةً، يريدُ تعظيم اليوم فقد كفر وحبط عمله] الدر المختار 7/ 345 – 346. وقال المواق المالكي: [وكره ابن القاسم أن يُهدي للنصراني في عيده مكافأةً له، ونحوه إعطاءُ اليهودي ورقَ النخيل لعيده] التاج والإكليل4/ 256، وقال موسى الحجاوي الحنبلي: [ويحرمُ شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه ومهاداتهم لعيدهم] الإقناع2/ 49.
ثامنا: هل يجوز قبول هدايا الكفار بمناسبة أعيادهم الدينية:
بعض أهل العلم قال بجواز ذلك محظورٌ شرعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فصل حكم قبول المسلم الهدية من الكفار يوم عيدهم وإيراد النصوص على جوازه
وأما قبوله الهدية منهم يوم عيدهم، فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه أتي بهدية «يوم نيروز» فقبلها.
وعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: «أما ما ذبح لذلك اليوم، فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم».
وعن أبي برزة أنه كان يهدي إليه مجوس في «نيروزهم» فيقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه” فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء؛ لأنه ليس في ذلك إعانة على شعائر كفرهم، لكن قبول هدية الكفار من أهل الحرب وأهل الذمة مسألة مستقلة فيها خلاف وتفصيل ليس هذا موضعه
المنهج القويم في اختصار إقتضاء الصراط المستقيم 1/ 128
وتتمة كلام ابن تيمية:
وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم، بابتياع أو هدية، أو غير ذلك مما ((9)) لم يذبحوه للعيد، فأما ذبائح المجوس، فالحكم فيها معلوم، فإنها حرام عند العامة
اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 52
وقال الشيخ محمد العثيمين: [واختلف العلماء فيما إذا أهدى إليك أحدٌ من غير المسلمين هدية بمناسبة أعيادهم هل يجوز لك قبولها أو لا يجوز؟ فمن العلماء من قال: لا يجوز أن يقبل هديتهم في أعيادهم، لأن ذلك عنوان الرضا بها، ومنهم من يقول: لا بأس به، وعلى كل حالٍ إذا لم يكن في ذلك محظورٌ شرعي وهو أن يعتقد المهدي إليك أنك راضٍ بما هم عليه، فإنه لا بأس بالقبول، وإلا فعدم القبول أولى] إعلام المسافرين ص70 – 71. وخلاصة الأمر أن التهادي بين الناس أمرٌ مرغبٌ فيه شرعاً وعادةً، وأن المسلم ملتزمٌ بأحكام الشرع في كل مجالات حياته، ومنها تبادل الهدايا، وأن الهدية قد تكون حلالاً وقد تكون حراماً باعتبار المُهدِي والمُهدَى إليه، وأنه يحرم قبول أو إهداء ما كان حراماً في ذاته. وأنه تحرم الهدية للموظف، وأنه تحرم الهدية من المقترض للمقرض، وأنه تقبل هدايا الكفار ويجوز الإهداء لهم بشرط أن لا يترتب عليها إخلالٌ بعقيدة الولاء والبراء، وأنه يجوز قبول هدايا الكفار بمناسبة أعيادهم الدينية على الراجح من أقوال أهل العلم ما لم يكن في ذلك محظور شرعي. والله الهادي إلى سواء السبيل.
—–
المسألة الرابعة: الأحكام الفقهية الخاصة بالمسح على الخفين والجوربين واللفائف
أحكام المسح على الخِفاف و الجوارب.
والخف هو: لباسٌ يُلبس في القدمين إلى ما فوق الكعب قليلًا يُصنع مِن جلد، وسُمِّي خُفًّا لِخِفَّته.
والمسح عليه جائز بنصِّ السُّنة النبوية الصحيحة المستفيضة، وفي السفر والحضر، وللرجل والمرأة، وورَد في جوازه أكثر مِن سبعةٍ وثلاثين حديثًا نبويًّا، واتفق العلماء على جواز المسح عليه، بل أصبح أهل السُّنَّة يَذكرون جوازه في كتب الاعتقاد؛ لأنَّ الشيعة الرافضة والخوارج قد منعوه، فحرَّموا المسح على الخفين، بل عُدَّ القول بجوازه شِعارًا لأهل السُّنة، وإنكاره شعارًا لأهل البدع.
وأمَّا الجورب فهو: لِباس يُلبس في القدمين إلى ما فوق الكعب وشيء مِن الساق يُصنع مِن غَزْل صوف أو قُطن أو شعر مفتول أو قماش، ويُسمَّى اليوم بالشُّرَّاب.
والمسح عليه جائز لثبوته عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال الإمام إسحاق بن راهويه ــ رحمه الله ــ: “مضَت السُّنة مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن بعدهم مِن التابعين في المسح على الجوربين، لا اختلاف بينهم في ذلك”.اهـ
وعدَّ الإمام مُوفَّق الدين ابن قُدامة المقدسي وغيره جواز المسح عليه إجماعًا مِن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
* إنَّ للمسح على الخُفين والجوربين شروطًا لا يصح المسح إلا بها: الشرط الأوَّل: أنْ يكون الماسح على الخُفين أو الجوربين قد لبسهما على طهارة كاملة، غَسل فيها جميع الأعضاء بالماء، وهو شرط بدَلالة النَّص النبوي الصحيح، واتفاق العلماء، ويكون المسح عليهما في الحدَث الأصغر الذي يوجب الوضوء دون الحدث الأكبر الذي يُوجِب الغُسل كالجنابة والحيض والنفاس فلا يجوز ولا يُجزأ، بدَلالة النَّص النبوي الصحيح، واتفاق العلماء، ولا يجوز أيضًا ولا يُجزأ المسح على طهارة تيمم، كأنْ يتيمم إنسان لصلاةٍ لعدم وجود الماء، ثم يَلبس الخفين أو الجوربين، ثم تأتي الصلاة التي بعدها وقد وجد الماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، لأنَّه مأمور بغسل أعضاء وضوئه بالماء إذا وجده، لِمَا ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المتيمم: ((فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ)).
الشرط الثاني: أنْ يكون الخُف أو الجورب الذي يُمسح عليه مُغَطِّيًا للكعبين، فلا يصح المسح على ما يُلبس تحت الكعبين باتفاق الأئمة الأربعة، بل قال العلامة ابنُ قاسمٍ العاصمي: “وكل ما يُلبس تحت الكعبين فلا يجوز المسح عليه، قال شيخ الإسلام: باتفاق المسلمين”.
الشرط الثالث: أنْ يكون المسح على الخُفين أو الجوربين في المُدة المأذون فيها شرعًا، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولو مسح بعد انتهائها لم يَصح وضوئه، لِما صحَّ عن علي ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ)).
الشرط الرابع: أنْ لا يكون الخُف مصنوعًا مِن عين نجسة كجلد الخنزير، وغيره مِن الأشياء النجسة، بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
الشرط الخامس: أنْ يكون الجورب أي: الشُّرَّاب الممسوح عليه صفيقًا ثخينًا لا يَشُفُّ عمَّا تحته مِن بشرة القدم فتُرى، فلا يصح ولا يُجزأ المسح على شُرَّاب رقيق يَشُفَّ عمَّا تحته باتفاق المذاهب الأربعة، بل حكاه إجماعًا مِن العلماء الفقيه الكاساني الحنفي، والفقيه أبو العباس الظاهري، فقال: “وأجمع الجميع أنَّ الجوربين إذا لم يكونا كثيفين لم يَجز المسح عليهما”.
إنَّ أحكام المسح على الخفين والجوربين عديدة، وحَسَنٌ التفقه فيها، ومعرفتها، وحفظها، فدونكم ــ سدَّدكم الله ــ ما تيسَّر منها:
فأوَّل هذه الأحكام: أنَّ المسح يبدأ وقته مِن أوَّل حدَث ينتقض بِه الوضوء بعد لبس الخفين أو الجوربين، فإذا توضأ العبد وغَسل جميع أعضائه بالماء ثم لبسهما، وبعد أربع ساعات أحدَث وانتقض وضوئه، فيَحسِب مِن حين انتقض أربعة وعشرين ساعة، فيجوز له المسح خلالها، هذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وفي رواية للإمام أحمد: أنَّ بداية وقت المسح تكون مِن أوَّل مسحةٍ بعد الحدَث.
وثاني هذه الأحكام: إذا انتهت مدة المسح في حق المقيم أو المسافر اللابس للخف أو الجورب فقد انتقض وضوئه، لأنَّ المسح عبادة مؤقتة بنص السُّنة النبوية، فإذا انتهى وقتها زالت، وبزوالها تزول جميع الأحكام المتعلقة بها وتبطُل.
وثالث هذه الأحكام: مَن نَزع الخُف أو الجورب عن قدميه فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ ينزعَهما وهو لا زال على طهارة مائية، ووضوءٍ غَسل فيه أعضاء الوضوء بالماء، فهذا لا ينتقض وضوئه، ويجوز له لبسهما مِن جديد، والمسح عليهما باتفاق العلماء.
الحال الثاني: أنَّ ينزعَهما وهو على طهارة مسح وليس على طهارة وضوء، ففي هذا الحال ينتقض وضوئه على أرجح أقوال أهل العلم، وصحَّت الفتوى به عن عدد مِن فقهاء التابعين، وهُم تلامذة الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، ولأنَّ المسح عليهما قام مقام غَسل القدمين، فإذا أزيلا زالت معهما أحكامهما، وانتقضت طهارة القدمين، وإذا بطلت طهارة بعض أعضاء الوضوء، بطل جميعه.
ورابع هذه الأحكام: إذا كان الخُف أو الجورب مُخرَّقًا بِه ثُقوب وفُتوق فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يكون الخَرْق أو الفَتق فوق الكعبين، فيجوز المسح عليه باتفاق أهل العلم.
الحال الثاني: أنْ يكون الخَرْق أو الفَتق تحت الكعبين، فأرجح أقوال أهل العلم جواز المسح عليه ما دام يُلبس، ويَثبت على القدم، ويُمشى فيه، وقد صحَّ عن إمام أهل العراق سفيان الثوري أنَّه قال: «امْسَحْ عَلَيْهَا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ رِجْلُكَ، وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا مُخَرَّقَةً مُشَقَّقَةً مُرَقَّعَةً».
وخامس هذه الأحكام: مدة مسح المقيم يوم وليلة، فإذا سافر المقيم فله أحوال ثلاثة:
الحال الأوَّل: أنْ يسافر بعد أنْ لبس خفيه أو جوربيه على طهارة مائية غَسل فيها أعضاء وضوئه، ثم يُحدِث أو يبتدئ المسح بعد أنْ فارق جميع عمران بلده ودخل في السفر، فهذا يمسح مسح مسافر، ثلاثة أيام بلياليها، باتفاق العلماء، ولأنَّ عبادة المسح في حقه إنَّما دخلت في السفر.
الحال الثاني: أنْ يلبس الخُف أو الجورب ويُحدِث وهو مقيم، ثم يسافر ويبتدئ المسح في السفر، فهذا يمسح مسح مسافر، ثلاثة أيام بلياليها، وبهذا قال عامة العلماء، بل قال الإمام موفق الدين ابن قدامة: “لا نعلم بين أهل العلم خلافًا”، لأنَّه كالسابق لم تدخل عبادة المسح في حقه إلا في السفر.
الحال الثالث: أنْ يبتدئ الرجل المسح على خفيه أو جوربيه في الحضر ثم يسافر، فإنَّه يمسح مسح مقيم، فيُتمَ ما بقي له مِن اليوم والليلة ولا يَمسح مسح مسافر، وهو قول أكثر الفقهاء، لأنَّ المسح عبادة تختلف بالحضر والسفر، وقد ابتدأ بها في الحضر، فغُلِّب فيها حكم الحضر.
وأمَّا المسافر فمدة مسحه ثلاثة أيام بلياليها، فإذا مسح رجل على خفيه أو جوربيه وهو في السفر ثم رجع إلى بلده وهما على قدميه، فإنَّه يمسح عليهما مسح مقيم لا مسافر، فإنْ كان لم يمض على مدة مسحه في السفر إلا أقل مِن يوم وليلة أكمل المسح حتى ينتهي اليوم والليلة، وإنْ كان قد مضى على مسحه أكثر مِن يوم وليله فقد انقضت مدة مسحه، ووجب عليه إذا توضأ أنْ يخلعهما ويغسل قدميه مع باقي الأعضاء، وقد حكى غير واحد مِن الفقهاء أنَّه لا خلاف بين العلماء في ذلك.
وسادس هذه الأحكام: المسح على الخفين أو الجوربين يكون مرَّة واحدة ولا يُكرَّر ثلاثًا باتفاق المذاهب الأربعة، وهو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، ولا يُمسح الخُف والجورب مِن جميع جهاتهما ــ يعني: مِن أعلى وأسفل، وعن يمين وشمال ــ عند الفقهاء قاطبة، بل هو خلاف السُّنة، ولا يُمسحان أيضًا مِن أسفل فقط
ومَن اقتصر على المسح مِن الأسفل فقط لم يصح وضوئه عند عامة العلماء، والسُّنة أنْ يُمسح الخُف أو الجورب مِن أعلاه باليدين جميعًا، لِمَا ثبت عن علي ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ))، واستَحَبَّ عديد مِن الفقهاء مسح الأسفل مع الأعلى، لِمَا صحَّ عن عطاء أنَّه قال: ((رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ــ يَعْنِي: خُفَّيْهِ ــ مَسْحَةً وَاحِدَةً بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا))، وإنْ بدأ بمسح خُفِّ أو جوربِ القدم اليمنى ثم اليسرى، أو مسحهما بيدٍ واحدة، جاز، إلا أنَّه خلاف الأفضل.
وسابع هذه الأحكام: بعض الناس إذا توضأ غسل قدمه اليمنى ولبس الخف أو الجورب، ثم يَغسل قدمه اليسرى ويلبسه الخف أو الجورب، وهذا لا يجوز له المسح على الخفين أو الجوربين عند أكثر الفقهاء، لأنَّ مِن شروط المسح عليهما أنْ يلبسهما على طهارة وضوء مائية كامله، وهذا لم تكتمل طهارته بعد لأنَّه ألبس قدمه اليمنى الخُف أو الجورب قبل غسل القدم اليسرى، والوضوء لا يكتمل إلا بغسل اليسرى، وقد ثبت عن أبي بَكرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((رُخِّصَ إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا))، ولا يُقال: ((تَطَهَّرَ)) إلا لِمن أتمَّ الطهارة كاملة.
وثامن هذه الأحكام: مَن كانت له قدم واحدة وقد لبس عليها خُفًّا أو جوربًا والأخرى مقطوعة مِن فوق الكعب جاز له المسح عليه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وغيرهم، وأمَّا إنْ كانت قدمه الأخرى موجودة أو بعضها فلا يجوز له المسح على خُفٍّ أو جورب واحد فقط.
وتاسع هذه الأحكام: لا يجوز المسح بالماء على اللفائف المشدودة على القدمين للتدفئة، وقد نَقل إجماع أهل العلم على ذلك: الفقيهان موفق الدين ابن قدامة الحنبلي وابن الْمَوَّاق المالكي وغيرهما، وأمَّا اللفائف الطبية فإذا كانت مغطية لجميع القدم مع الكعبين فيمسح بالماء على جميعها، مِن أسفل وأعلى وعن يمين وشمال، وإنْ كانت تُغطِّي بعض القدم، مسح على المُغطَّى، وغَسل المكشوف، وإنْ كان المسح يضُر بِه غَسل الأعضاء السليمة بالماء، وتيمم عن العضو الملفوف.
وعاشر هذه الأحكام: مَن لبس خُفًّا فوق خُف أو جوربًا فوق جورب فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يلبس الأوَّل والثاني جميعًا على طهارة مائية غَسَل فيها القدمين بالماء، وهذا يجوز له المسح على الفوقاني، لأنَّه قد لبسه على طهارة مائية كاملة.
الحال الثاني: أنْ يلبس الثاني على الأوَّل بعد أنْ أحدَث وانتقض وضوئه أو مسح على الأسفل، وهذا لا يجوز له المسح على الفوقاني عند أكثر العلماء، لأنَّ مِن شروط المسح عند جميع العلماء لبس الخفين على طهارة غَسل، وهذا قد لبس الثاني بعد الحدَث أو بعد طهارة مسح.
[الأحكام الفقهية الخاصة بالمسح على الخفين والجوربين واللفائف، للشيخ: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد، الموقع العلمي للشيخ، بتصرف]