1137 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1137):
قال أبو داود رحمه الله: حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أبي، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، عَنْ أبِيهِ: أنَّ عُمَرَ بْنَ ال خَطّابِ رضي الله عنه، ضَرَبَ ابنا لَهُ تَكَنّى أبا عِيسى، وأنَّ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ تَكَنّى بِأبي عِيسى، فَقالَ لَهُ عُمَرُ: أما يَكْفِيكَ أنْ تُكَنّى بِأبي عَبْدِ اللَّهِ ؟ فقالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَنّاني. فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ، وإنّا في جَلْجَلَتِنا، فَلَمْ يَزَلْ يُكْنى بِأبي عَبْدِ اللَّهِ حَتّى هَلَكَ.قال الوادعي: هذا حديث حسن.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
بوب عليه الوادعي في عدة مواضع في الجامع الصحيح: (ج5/ص297): الأسماء والكنى. و (ج6/ص189): قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح:1،2].
أخرجه أبو داود (٤٩٦٣) في الأدب: “باب فيمن يتكنى بأبي عيسى”. وصححه الألباني.”
تمهيد:”كان عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه حَريصًا أشدَّ الحِرصِ على الدِّين والتَّوحيدِ، كثيرَ التفكُّرِ في أحوالِ المسلِمين، وكان قَلبه مرآةً للحَقِّ، وعَقلُه مستنيرًا بنُورِ البَصيرةِ، ومُوفَّقًا مِن اللهِ تعالى إلى الحقِّ.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
يُخبِرُ أسلمُ مولى عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه في هذا الحديث : “أنَّ عمَرَ بنَ الخطَّابِ ضرَب ابنًا له تكَنَّى أبا عيسى”، أي: أصبحَت له كُنْيَةٌ يُنادونَه بها، فكَرِه عمرُ رضِيَ اللهُ عنه تلك الكُنيَةَ؛ من أجْلِ ألَّا يُتوهَّمَ أبٌ لعيسى ابنِ مريمَ عليهِ السَّلامُ؛ رعايةً لجَنابِ التَّوحيدِ.
وكذلك كان الصَّحابيُّ المُغيرةُ بنُ شُعْبةَ رضِيَ اللهُ عنه يتكَنَّى بأبي عيسى، فقال عُمرُ للمُغيرةِ رضِيَ اللهُ عنهما: “أمَا يَكفيكَ أنْ تُكنَّى بأبي عبدِ اللهِ؟!” أي: يُنكِرُ عليه عمرُ تَكنِّيَه بأبي عيسى، خاصَّةً وأنَّ له كُنيةً أخرى، فقال المغيرةُ رضِيَ اللهُ عنه: “إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كنَّاني”، أي: نسَب المغيرةُ الفِعلَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يَنسُبْه لنَفْسِه؛ حُجَّةً على عُمرَ، فقال عمرُ رضي الله عنه: “إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قد غُفِر له ما تَقَدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ”، أي: ونحن لسْنا كرَسولِ اللهِ؛ فعدَّ عمرُ ما فَعلَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فِعلًا خاصًّا به وبعَهدِه ولا يَحِقُّ لأحدٍ أن يُعمِّمَه ويُطلِقَه بعدَ زمَنِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام.
“وإنَّا في جَلْجَتِنا”، أي: نحن وأمثالُنا في النَّاسِ لا نَدري ما يُفعَلُ بِنا.
قال أسلمُ: “فلَمْ يَزلْ”، أي: المغيرةُ بنُ شُعبةَ، “يُكنَّى بأبي عبدِ اللهِ”، أي: إنَّه أقرَّ بما قالَه عُمرَ واستجابَ له وامتنَعَ عن أنْ يُكنَّى بأبي عِيسى، “حتَّى هلَك” أي: ماتَ، رضِيَ اللهُ عنهم جميعًا”.
والجلج قيل في لغة أهل اليمامة جباب الماء، كأنه يريد: تركنا في أمر ضيق كضيق الجباب، ومنه: لما نزلت: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾، قالت الصحابة: هنيئا لك، نحن في جلج لا ندري ما يصنع بنا.
قال ابن الأعرابي: الجلاج: رؤوس الناس، واحدتها جلجة
المعنى: إنا بقينا في عدد رؤوس كثيرة من المسلمين، ومنه كتاب عمر إلى عامله بمصر: أن خذ من كل جلجة من القبط كذا وكذا. أراد من كل رأس، وفي بعض النسخ: جلجيتنا. بزيادة ياء مشددة بعد الجيم.
(فلم يزل) المغيرة بن شعبة (يكنى بأبي عبد اللَّه حتى هلك) [فيه أن هلك]، تستعمل للعلماء والصالحين ولا تختص بالكفار والفسقة، قال اللَّه تعالى في حق يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ولَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمّا جاءَكُمْ بِهِ حَتّى إذا هَلَكَ﴾”. انتهى [شرح سنن أبي داود (ج19/80-82)، للعلامة: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن علي بن رسلان المقدسي الرملي الشافعي (المتوفى: ٨٤٤ هـ)، بدار الفلاح بإشراف خالد الرباط الناشر: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الفيوم – جمهورية مصر العربية الطبعة: الأولى، ١٤٣٧ هـ – ٢٠١٦ م].
جاء في [سير أعلام النبلاء (ج3/23-)]: ” زَيْدُ بنُ أسْلَمَ: عَنْ أبِيهِ، عَنِ المُغِيرَةِ، قالَ:
كَنّانِي النَّبِيُّ ﷺ: بِأبِي عِيسى.[حديث الباب]
ورَوى: حَبِيبُ بنُ الشَّهِيدِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عَنْ أبِيهِ:
أنَّ عُمَرَ قالَ لابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ما أبُو عِيسى؟
قالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! اكْتَنى بِها المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.[ أخرجه ابن عساكر: ١٧ / ١٣٥ / آ]
حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ:
أنَّ عُمَرَ غَيَّرَ كُنْيَةَ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وكَنّاهُ: أبا عَبْدِ اللهِ، وقالَ: هَلْ لِعِيسى مِن أبٍ؟![قال المحقق: في «المصنف» (١٩٨٥٦) عن معمر، عن الزهري أن ابنا لعمر تكنى بأبي عيسى، فنهاه عمر، وأخرج أيضا (١٩٨٥٧) من طريق معمر، عن أيوب، عن نافع مثله، وزاد: فقال عمر: إن عيسى لا أب له]”. انتهى المقصود.
نقل خليل أحمد السهارنفوري في (بذل المجهود في حل سنن أبي داود) عن محمَّد يحيى، قوله: ” وجه النهي عن التكني بأبي عيسى ما فيه من إيهام أن لعيسى النبي عليه السلام أبًا مع أنه ليس كذلك، فعيسى المضاف إليه لفظ الأب وإن لم يكن لعيسى النبي -عليه السلام-، إلا أن مجرد صدق اللفظ عليهما أورث شبهة وإيهامًا.
ولعل تكنِّي الترمذي الحافظ نفسَه بأبي عيسى وقعت له قبل أن تبلغه الرواية، أو وقعت من آبائه لا من نفسه، أو يكون أحبّ التكني بما كنى به الرسول ﷺ وإن كرهه عمر ، فارتكب هذه الكراهة لأجل موافقة هذه السنة”. انتهى.
من فقه الحديث في ضوابط الأسماء المنهيِّ عنها”
ومِن ذلك ـ أيضًا ـ: الألقابُ الحادثةُ التي يُقْصَد بها آيةٌ خارقةٌ للعادة، مثل: «حُجَّة الله» و«آية الله» و«برهان الدِّين» و«حُجَّة الإسلام»؛ لأنَّه لا حجَّةَ لله على عباده إلَّا الرُّسُلُ .
- وما كان مِن الأسماءِ فيه ذَمٌّ وقُبْحٌ وذِكْرُ سيِّئٍ، مثل: «حَزْنٍ» و«شِهابٍ» و«ظالمٍ» و«ناهدٍ» و«غادَةَ»، و«كاهنٍ» أو «كاهنةَ»، و«جهنَّمَ» و«سعيرٍ» و«سَقَرَ» و«حُطَمَةَ» و«عاصيةَ»( [وصحَّ مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم غيَّر اسْمَ عاصيةَ وقال: «أَنْتِ جَمِيلَةُ» [أخرجه مسلمٌ في «الآداب» (٢١٣٩)].])، و«الأعور» و«الأبرص» و«الأجرب» و«الأعمش» ونحوِ ذلك.
- ويُكْرَه التسمِّي بأسماءِ الملائكةِ، مثل: «جبريل» و«ميكائيل» و«إسرافيل»؛ لكونها أسماءً خاصَّةً بهم، ويرتقي الحكمُ إلى الحُرْمة إذا سُمِّيَتِ البناتُ بأسماءِ الملائكةِ، مثل: «مَلاكٍ» و«مَلَكَةَ» لِما فيها مِن مُضاهاةِ المشركين في جَعْلِهم الملائكةَ بناتِ الله.
فإذا خَلَتِ الأسماءُ مِن جملةِ ضوابطِ الأسماء المُنْدَرِجة تحت حُكْمِ التحريم والكراهةِ السالفةِ البيانِ فلا أَعْلَمُ ما يُخْرِجُ التسميةَ بالشهور والمُناسَباتِ الدِّينيةِ أو الفَصْليةِ عن الأصلِ المُبيحِ إذا قُصِدَ بها تمييزُ شخصٍ عن غيرِه لحدوثِ التزامُنِ والتطابُقِ، اللَّهمَّ إلَّا إذا تَعلَّقَتْ بها عادةٌ مُنْكَرةٌ أو اعتقادٌ فاسدٌ؛ فيُمْنَع مِن أَجْله.
وقد كان مِن شأنِ العرب تسميةُ أولادها بأسماءِ الجمادِ والحيوانِ وبعضِ الشهور مثل: «جَبَلٍ» و«صفوانَ» و«صخرٍ» و«جعفرٍ» و«بدرٍ» و«قمرٍ» و«نجمٍ» و«ثُرَيَّا»، ومِن أسماءِ الحيوان مثل: «أَسَدٍ» و«ليثٍ» و«فهدٍ» و«ثعلبٍ»، ومِن الشهور مثل «الربيع»( [مِن «أَرْبَعَتِ الأرضُ» إذا أَخْصَبَتْ؛ لأنَّه شهرُ العنب والخُضار والمطر، كانوا يُقِيمون فيه عِمارةَ رَبْعهم.]) ومنه: «سعد بنُ الربيع»([هو الصحابيُّ سعدُ بنُ الربيع الأنصاريُّ الخزرجيُّ البدريُّ النقيب رضي الله عنه الذي آخى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بينَه وبين عبد الرحمن بنِ عوفٍ رضي الله عنه، ومات يومَ أُحُدٍ شهيدًا.انظر ترجمته في: «الاستيعاب» لابن عبد البرِّ (٤/ ١٤٥)، «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (١/ ٣١٨)، «الإصابة» لابن حجر (٤/ ١٤٤).])
و«أبو العاصِ بنُ الربيع»
([هو أبو العاص بنُ الربيعِ القُرَشيُّ، صِهْرُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وزوجُ ابنته زينبَ رضي الله عنها، وهو والِدُ أُمامةَ رضي الله عنها التي كان يحملها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاته، وهو ابنُ أختِ أمِّ المؤمنين خديجةَ بنتِ خويلدٍ رضي الله عنها، وأمُّه هالةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها. تُوُفِّيَ سنة: (١٢ﻫ). انظر ترجمته في: «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (١/ ٣٣٠).])،
حيث كانوا يقصدون مِن وراءِ هذه الأسماءِ تمييزَ شخصٍ عن غيرِه أوَّلًا، والتطلُّعَ ـ ثانيًا ـ إلى تحقيقِ المُلازَمةِ الوصفيةِ الكامنةِ في الاسْمِ مُسْتَقْبَلًا في سلوكِ الولد وسيرته، تلك الوصفيةُ التي تدلُّ على مَعَانٍ جميلةٍ وجليلةٍ كالقوَّةِ والشجَاعةِ والعُلُوِّ والتدبيرِ والتفكيرِ والوفاءِ والصلابةِ والشهامةِ والأمانةِ، ونحوِ ذلك ممَّا يُحتاج إليه في مَواقِفِ العِزَّةِ والحروب.
وهذا المعنى مِن التلازُمِ الحقيقيِّ أو الوصفيِّ مُراعًى في كلام النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فقَدْ قِيلَ: إنَّه كنَّى عبدَ الرحمن بنَ صخرٍ الدوسيَّ بأبي هُرَيْرة رضي الله عنه، والمشهورُ عنه أنه كُنِّيَ بأولادِ هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ وَجَدَها فأخَذَها في كُمِّه فكُنِّيَ بها( [انظر: «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (٢/ ٥٧٩)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (١٢/ ٢٦٣).
وقد أخرج الترمذيُّ في «المناقب» (٥/ ٦٨٦) بابُ مَناقِب أبي هريرة رضي الله عنه رقم: (٣٨٤٠)، عن عبد الله بنِ رافعٍ قال: «قلتُ لأبي هريرة: «لِمَ كُنِّيتَ أبا هريرة؟» قال: «أمَا تَفْرَق منِّي؟» قلت: «بلى ـ واللهِ ـ إنِّي لَأهابك»، قال: «كنتُ أرعى غَنَمَ أهلي، فكانَتْ لي هريرةٌ صغيرةٌ، فكنتُ أضَعُها بالليل في شجرةٍ، فإذا كان النهارُ ذهَبْتُ بها معي فلَعِبْتُ بها؛ فكنَّوْني أبا هريرة»». والحديث حَسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الترمذي» (٣٨٤٠).])، ولَقَّبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خالدَ بنَ الوليدِ رضي الله عنه بأنَّه «سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ»(٩-[أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ مَناقِبِ خالد بنِ الوليد رضي الله عنه (٣٧٥٧) مِن حديث أنسٍ رضي الله عنه.]) وهو مِن إضافةِ المخلوقِ إلى الخالق لِمُلازَمتِه الجهادَ في سبيلِ الله، ونحو ذلك.
هذا، وإِنْ كان الأصلُ في هذه الأسماءِ الحِلَّ والإباحة إلَّا أنَّ المطلوبَ مِن الآباءِ تحسينُ أسماءِ أولادِهم؛ لأنهم يُدْعَوْن يومَ القيامةِ بأسمائهم وأسماءِ آبائهم كما صحَّ عنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ»»( [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأدب» بابُ ما يُدْعَى الناسُ بآبائهم (٦١٧٧)، ومسلمٌ في «الجهاد والسِّيَر» (١٧٣٥)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.])
ولا شكَّ أنَّ: «أَحَبَّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»( [أخرجه مسلمٌ في «الآداب» (٢١٣٢)، وأبو داود في «الأدب» بابٌ في تغيير الأسماء (٤٩٤٩)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.])، و كُلُّ ما أُضِيفَ إلى اللهِ سبحانه فهو أَوْلى وأَفْضَلُ”.[ ضوابط الأسماء المنهيِّ عنها]
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأسماء والكنى والألقاب في ميزان الشريعة
” فإن الاسم عنوان المسمى ، ودليل عليه ، وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه ، وهو للمولود زينة ووعاء وشعار يُدعى به في الدنيا والآخرة ، ولذلك اعتنى الإسلام بتسمية المولود ورغّب في بعض الأسماء ومنع من بعضها . وما هذا البحث المختصر إلا لبيان الأسماء والكنى والألقاب في ميزان الشريعة.
اتفق العلماءُ على وجوب تسمية المولود ذكراً كان أو أنثى ، وعلى أهمية ذلك ، فالاسم هو أول ما يواجه المولود إذا خرجَ من ظلمات الأرحام ، والاسم أول صفة تميزه في بني جنسه، والاسمُ أول فعلٍ يقوم به الأب مع مولوده مما له صفة التوارث والاستمرار ، والاسم أولُ وسيلة يدخل بها المولود في ديوان الأمة. واسم المولود عنوان عليه ، فهو يدل على المولود لشدة المناسبة بين الاسم والمسمى ، فلكل مسمى من اسمه نصيب ، وقلَّ أن يوجد اسم مثلا إلا وهو يتناسب مع المسمى به ، لأن للأسماء تأثيرا في المسميات في الحُسن والقبح والخفة والثقل ، واللطافة والكثافة . قال ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود بأحكام المولود ( الفصل التاسع في بيان ارتباط معنى الاسم بالمسمى ) : قال : وقد تقدم ما يدل على ذلك من وجوه منها :
1- ما رواه البخاري في صحيحه من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال : أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما اسمك ؟ قلت : حَزْن ، فقال ” أنت سهل ، قلت: لا أغير اسماً سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فمازالت تلك الحزونة فينا بعد ، والحزونة : الغلظة والصعوبة والخشونة.
2- روى مالك في الموطأ، وأسنده ابن وهب في جامعه عن يعيش الغفاري قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوما بناقة فقال ” من يحلبها ” فقام رجل ، فقال: ما اسمك ؟ قال: مُرَّة ، قال : اقعد، فقام آخر فقال : ما اسمك ؟ قال: جمرة، قال: اقعد ، ثم قام رجل فقال: ما اسمك ؟ قال: يعيش ، قال ( احلبها ). قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله: هذا من باب الفأل الحسن لا من باب الطيرة التمهيد.
قال ابن القيم رحمه الله: وعندي فيه وجه آخر ، وهو أن بين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلّما يتخلف ذلك ، فالأسماء أقوال المسميات ، ومن هنا أخذ عمر بن الخطاب رضي لله عنه ما ذكره مالك أنه قال لرجل : ما اسمك ؟ فقال: جمرة ، فقال: ابن من ؟ قال : ابن شهاب، قال ممن ؟ قال: من الحَرقة ، قال: أين مسكنك ؟ قال:بحرّة النار، قال: بأيتها ؟ قال: بذات لظى ، فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا . فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه . رواه مالك في الموطأ (2/973) تحفة المودود لابن القيم – الفصل الخامس
3- وفي صحيح البخاري في باب الشروط في الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى سهيل بن عمرو مقبلا يوم صلح الحديبية ، قال ( سَهُل أمركم )
4- قال أبو داود رحمه الله في السنن ( وغير النبي صلى الله عليه وسلم ، اسم العاص وعزيز ، وعتلة ، وشيطان وغراب وشهاب فسماه هشاما …)
5- ومن ذلك ما رواة الشيخان من قوله صلى الله عليه وسلم ” أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها ، وعُصية عصت الله “، ثم قال ابن القيم رحمه الله ( وشواهد ذلك كثيرة جدا ، فقلّ أن ترى اسما قبيحا إلا وهو على مسمى قبيح، وبالجملة فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها) انتهى كلامه
قلت : وبناء على ما تقدم ، صار حُسن الاختيار لاسم المولود من الواجبات الشرعية فيجب على الأب اختيار الاسم الحسن في اللفظ والمعنى في قالب النظر الشرعي واللسان العربي ، فيكون الاسم حسنا ، عذبا في اللسان ، مقبولا للأسماع ، يحمل معنى شريفا كريما ، ووصفا صادقا خاليا مما دلت الشريعة على تحريمه أو كراهته ، والأسماء المشروعة رُتب كما سيأتي أثناء البحث.
هذه مقدمة في بيان تسمية المولود وأثر الاسم على المسمى وحسن اختيار الاسم فإلى عناوين الموضوع:
م
عناوين الموضــــــــــــــــوع
1
من يقوم بالتسمية ؟
2
الفرق بين الاسم والكنية واللقب ؟
3
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى والألقاب .
4
فيما يستحب ويجوز من الأسماء .
5
فيما يحرم من الأسماء ويجب تغييرها حسب الاستطاعة .
6
فيما يكره من الأسماء .
7
المخرج من الأسماء المحرمة أو المكروهة .
8
فوائد مهمة في الأسماء.
9
فوائد مهمة في الكنى .
10
فوائد مهمة في الألقاب .
11
الخاتمــة
تمهيد
من المعلومُ أنَّ الأسماءَ والألقابَ والكُنى تدخلُ في بابِ العاداتِ والمُعامَلاتِ، والأصلُ فيها الحِلُّ والجوازُ، ولا يُنْتَقل عن هذا الأصلِ إلَّا إذا قام الدليلُ على المنع والتحريم.
1- من يقوم بالتسمية ؟:لا خلاف في أن الأب أحق بتسمية المولود ، وليس للأم حق منازعته ، فإذا تنازعا فهي للأب ، وفي التشاور بين الوالدين ميدان فسيح للتراضي والألفة بينهما ، ولكن التسمية حق للأب لما يلي: لأن المولود ينسب إلى أبيه لا إلى أمه ويدعى بأبيه لا بأمه ، فيقال : فلان بن فلان ، قال الله تعالى ( أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) الأحزاب (5) ،ويُدعى الناس يوم القيامة بآبائهم . ثم الأب هو صاحب القوامة على ولده وأمه في الدار وخارجها .
2- الفرق بين الاسم والكنية واللقب :
أما الاسم للمولود فحقيقته التعريف به وعنونته بما يميزه، وهو العلامة عليه ، وأما الكنية فهي الاسم يُصدّر بأب إن كان المكنى ذكرا، وبأمٍ إذا كانت المكناة أنثى، وأما اللقب فهو كل ما أشعر بمدح أو ذم وليس هو اسم ولا صُدّرَ بأب أو أم . قال ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود الفصل السادس ( في الفرق بين الاسم والكنية واللقب) هذه الثلاثة وإن اشتركت في تعريف المدعو بها فإنها تفترق في أمر آخر وهو أن الاسم إما أن يفهم مدحا أو ذما أو لا يفهم واحد منها ، فإن أفهم ذلك فهو اللقب ،وغالب استعماله في الذم ، ولهذا قال الله تعالى( ولا تنابزوا بالألقاب ) ، وإما أن لا يفهم مدحا ولا ذما ، فإن صدر بأب أو أم فهو الكنية كأبي فلان وأم فلان ، وإن لم يصدر بذلك فهو الاسم كزيد وعمرو ) انتهى كلامه .
3- هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى والألقاب:
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ( كان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن ، وأمر إذا أبردوا إليه بريدا أن يكون حسن الاسم حسن الوجه )–( صحيح الجامع الصغير (259))
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ويكره العبور فيها ) ولما قدم المدينة واسمها يثرب لا تُعرف بغير هذا الاسم غيره بطيبة من الطيب ) وكنى صهيبا بأبي يحي، وكنى عليا بأبي تراب إلى كنيته بأبي الحسن ، وكنى أخا أنس بن مالك وكان صغيرا بأبي عمير ، وقد كنى عائشة بأم عبد الله . وكان لنسائه كنى كأم حبيبة وأم سلمة ) . وسيأتي أثناء البحث كثير من هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء وغيرها .
4- فيما يستحب ويجوز من الأسماء:
الأسماء المشروعة رتب ومنازل على الترتيب الآتي :
أ- أحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن ، لما صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم “” إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل : عبد الله وعبد الرحمن “” رواه مسلم وغيره
ب- ثم استحباب التسمية بالتعبيد لأي من أسماء الله الحسنى مثل عبدالعزيز وعبد الملك ، وأسماء الله توقيفية بدليل من كتاب أو سنة . ومن الخطأ في التعبيد لأسماء يُظن أنها من أسماء الله تعالى وليست كذلك مثل عبد المقصود وعبد الستار وعبد الموجود وعبد المعبود وعبد الوحيد وغير ذلك ، ومن الأسماء التي نسبت خطأ لله سبحانه وتعالى ولم تثبت : الواجد والواقي والصانع والباقي والمنعم والباطش والحنان والدهر والدائم والستار أو الساتر ، والصحيح أنه يقال ( ستير ) لما صح ( أن الله حيي ستير)( رواه أحمد والنسائي). ومن الأسماء المنسوبة لله اسم المعين والمعبود والنافع والرشيد والعاطي والعال والصحيح والمتعال كما قال تعالى(عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) ، والكامل والماجد والمتولي والمغيث والمقصود والناصر والنور وغيرها .
فجميع ما ذكر من الأسماء المنسوبة خطأ لله سبحانه وتعالى ولم يصح فيها دليل ، لا يُدعى بها ولا يجوز التعبد بها والدعاء بها والاستعانة والتوسل بها ، ولا يجوز أن تضاف لكلمة عبد ، ويتسمى بها الخلق مثل عبد الباقي وعبد الناصر وعبد العاطي وعبد الستار وغيرها ومن كان كذلك وجب تغيير اسمه أو تصحيحه ، والله أعلم .
وأما ما ذُكر من الأسماء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي وابن ماجه وفيه ذكر تسعة وتسعين اسما فقد ضعفه أهل الحديث كابن تيمية وابن كثير والألباني وغيرهم .
ج- ويستحب التسمية بأسماء أنبياء الله ورسله لأنهم سادات بني آدم ، وأخلاقهم أشرف الأخلاق ، كما قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (8/437)-وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم فقال “”ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ” رواه مسلم، وقد سمى رسول الله يوسف بن عبد الله بن سلام كما في صحيح الأدب المفرد (642) –وقال أيضا (تسموا باسمي) متفق عليه.
تنــبيـه (كل حديث مرفوع جاء فيه مدح من اسمه محمد أو أحمد أو النهي عن التسمية بهما فكلها لايصح منه شيء) .
د- ثم التسمية بأسماء الصالحين والعلماء من المسلمين : فقد ثبت من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين من قبلهم” رواه مسلم
(2135)، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم رأس الصالحين في هذه الأمة .
هـ – ثم يأتي من الأسماء ما كان وصفا صادقا للإنسان بشروطه وآدابه ، ومن شروطه وآدابه أن يكون عربيا وأن يكون حسن المبنى والمعنى لغة وشرعا ويخرج بهذا كل اسم محرم أو مكروه ، وإن كان جاريا في نظام العربية كالتسمي بما معناه التزكية أو المذمة أو السب ، ونحو ذلك . قال الطبري رحمه الله ( لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى ، ولا باسم يقتضي التزكية له ، ولا باسم معناه السب) فتح الباري (10/476) .
6- فيما يحرم من الأسماء:
دلت الشريعة على تحريم تسمية المولود في واحد من الوجوه التالية :
أ- اتفق المسلمون على أنه يحرم كل اسم معبد لغير الله تعالى مثل عبد الرسول وعبد النبي وعبد الأمير وعبد الحجر وغير ذلك ، وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسماء كعبد العزى وعبد الكعبة وعبد الشمس وعبد الحارث ، ومن هذا الباب اسم غلام رسول أي عبد الرسول .
ب- التسمية باسم من أسماء الله تعالى ، فلا يجوز التسمية باسم يختص به الرب سبحانه مثل الرحمن ، الرحيم ، الخالق، وقد غير النبي ما وقع من التسمية بذلك. قال النووي رحمه الله ( التسمي بأسماء الله تعالى المختصة به كالرحمن والقدوس حرام ) شرح مسلم (14/368). قال ابن القيم رحمه الله ( ومن المحرّم التسمية بملك الملوك وسلطان السلاطين وشاهنشاه ، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ( إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك) قال :كذلك تحرم التسمية بسيد الناس وسيد الكل ، كما يحرم سيد ولد آدم ) تحفة المودود.
جـ- التسمية بالأسماء الأعجمية المولّدة للكافرين الخاصة بهم ، لأن ذلك من التشبه بهم ، مثل بطرس وجورج وديانا وغيرها وقد نهانا الإسلام عن التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم .
د- التسمي بأسماء الأصنام المعبودة والفراعنة والجبابرة مثل اللات والعزى وهبل ، وفرعون وقارون وهامان وغيرهم فقد حرم ذلك كثير من العلماء كابن القيم رحمه الله .
هـ- قال ابن القيم رحمه الله ( ومنها التسمية بأسماء الشياطين كخنزب والولهان ) تحفة المودود .
و- قال ابن القيم رحمه الله ( ومما يمنع التسمية منه بأسماء القرآن وسوره مثل طه ويس وحم وقد نص مالك على كراهية التسمية بـ يس ، وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيح وإنما هذه الحروف مثل : الَم وحم ونحوها ) تحفة المودود .
ز- كل اسم فيه دعوى ما ليس للمسمى ، فيحمل من الدعوى والتزكية والكذب ما لا يقبل بحال ، أو يقصد بالتسمية بها التبرك أو التفاؤل بحسن ألفاظها ومنه ملك الملوك أو سيد الناس أو ست النساء وكذلك الأسماء التي فيها تزكية لصاحبها مثل بَرَّة وما شابهها، وفي حديث زينب بنت أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة رضي الله عنها حين تزوجها وأسمى بَرَّة فسمعها تدعوني بَرَّة فقال “” لا تزكوا أنفسكم فإن الله هو أعلم بالبَرّةُ منكن والفاجرة سميها زينب ، فقالت فهي زينب “” رواه مسلم وهو في صحيح الأدب المفرد (631)، وعن ابن عباس رضي الله عنه إن اسم جويرية كان بَرَّة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم جويرية) رواه مسلم في الأدب المفرد (636)، يقول الإمام الطبري رحمه الله ( لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى ولا باسم يقتضي التزكية له ولا باسم معناه السب ) نقله عنه ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ( 10/476). ونقله الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة تحت حديث (216)
وقال( وعلى ذلك فلا يجوز التسمية بعز الدين ومحي الدين وناصر الدين ونحو ذلك، ومن أقبح الأسماء التي راجت في هذا العصر ويجب المبادرة إلى تغييرها لقبح معانيها ، هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم مثل وصال وسهام ونهاد وغادة وفتنة ونحو ذلك والله المستعان)
*ومما ورد من الأسماء التي يقصد بها التبرك أو التفاؤل بحسن ألفاظها وثبت النهي عن التسمي بها: ما رواه مسلم وغيره من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله 0صلى الله عليه وسلم قال”” لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول: أثمت هو ؟ فلا يكون ، فيقال: لا “” قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن ( قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك، وكراهة العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها، ذلك أنهم كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما في معانيها إما التبرك بها أو التفاؤل بحسن ألفاظها ، فحذرهم أن يفعلوا لئلا ينقلب عليهم إلى الضد وذلك إذا سألوا ، فقالوا: أثمَّ يسار، أثم رباح، فإذا قيل لا، تطيروا بذلك وتشاؤموا به ، فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه ويورثهم الإياس من خيره) سنن أبي داود (4958)
ج- كذلك لا يجوز التسمي بالأسماء القبيحة في اللفظ أو المعنى مثل حرب ومرة، لحديث”” أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة ) صحيح الأدب المفرد (625)، وفي رواية ( وشر الأسماء حرب ومرة ) سلسلة الأحاديث الصحيحة الألباني (1040)، ومثل اسم عاصي وعاصية فإن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال ( أنت جميلة ) رواه مسلم، وغير العاص إلى مطيع ، رواه مسلم ، ومثل شهاب أي نارا فإن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم شهاب وقال ( بل أنت هشام ) صحيح الأدب المفرد (632)، ومثل أصرم فإن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسمه وقال (بل أنت زُرعة) صحيح سنن أبي داود (4144)، ومثل عزيز فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سبرة رضي الله عنه: ما اسم ابنك ؟ قال عزيز ، فقال النبي ( لا تسمه عزيزا ولكن سمه عبد الرحمن ) رواه أحمد وابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة تحت حديث (904).
قال ابن القيم رضي الله عنه( إن تغيير الاسم يكون لقبحه وكراهته ولمصلحة أخرى ) تحفة المودود . وقال الطبري رحمه الله (لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى) فتح الباري (10/476)
7- فيما يكره من الأسماء :
قال الطبري رحمه الله ( لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى ولا باسم يقتضي التزكية له ولا باسم معناه السب ، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص ، ولا يقصد بها حقيقة الصفة ، لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم ، فيظن أنه صفة للمسمى ، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحّول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقا ) نقله عنه ابن حجر رحمه الله في فتح الباري.
يمكن تصنيف الأسماء المكروهة على ما يلي:
أ- تكره التسمية بما تنفر منه القلوب ، لمعانيها أو ألفاظها ، لما تثيره من سخرية وإخراج لأصحابها وتأثير عليهم ، فضلا عن مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء : ومنها حرب ومرة وخنجر وفاضح ، فحيط ، فدغوش ، وهُيام وسهام وهما اسم لداء يصيب الإبل ، فكل اسم تنفر منه القلوب ويثير السخرية والإحراج لصاحبه ويؤثر عليه فهو مكروه ، لذلك غير رسول الله اسم عاصية وعاص وحزن وحرب والمضطجع وشهاب وغيرها .
ب- يكره التسمي بأسماء فيها معان رخوة شهوانية مثل أحلام وعبير وفتنة وفاتن وناهد ونهاد ووصال وغيرها . قال الشيخ الألباني رحمه الله ( ومن أقبح الأسماء التي راجت في العصر ، ويجب المبادرة إلى تغييرها لقبح معانيها ، هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم ، مثل وصال وسهام ونهاد وغادة وفتنة …ونحو ذلك ، والله المستعان ) السلسلة الصحيحة (216).
ج- يكره تعمد التسمي بأسماء الفساق الماجنين من الممثلين والمطربين وغيرهم ، لما في ذلك من المشابهة لهم والتأثر بأخلاقهم السيئة ، والكراهة أشد إذا كانت التسمية بأسماء الفراعنة والجبابرة والظلمة وغيرهم
د- يكره التسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة ، ومنها التسمية بحنش وحمار وقنفذ وقردان وكلب وكليب وغيرها .
هـ- تكره التسمية بكل اسم مضاف من اسم أو مصدر أو صفة مشتبهة مضافة إلى لفظ الدين ولفظ الإسلام مثل نور الدين وسيف الإسلام وغيرها وذلك لما في هذه التسمية من دعوى فجة تطل على الكذب ، ولهذا نص بعض العلماء على التحريم ، والأكثر على الكراهة لأن منها ما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه ، وقد يكون الاسم من هذه الأسماء منهيا عنه من جهتين مثل شهاب الدين ومنهم من يتسمى بذهب الدين وماس الدين ، وكان النووي رحمه الله يكره تلقيبه بمحي الدين ، وابن تيمية يكره تلقيبه بتقي الدين ، وهكذا يكره زين العابدين وسعد الدين وعلاء الدين ، قال الألباني رحمه الله ( وعلى هذا فلا يجوز التسمية بـ عز الدين، و محي الدين، وناصر الدين، ونحو ذلك ) السلسلة الصحيحة (216) (1/427) .
و- وتكره التسمية بالأسماء المركبة للتبرك لأنه ليس من هدي السلف الصالح ، مثل محمد أحمد ، محمد سعيد وهكذا ، ثم هي مدعاة إلى الاشتباه والالتباس ، ويلحق بها المضافة إلى لفظ الجلالة ( الله ) مثل حسب الله ، رحمة الله، ماعدا عبد الله فقط ، أو المضافة إلى لفظ الرسول مثل غلام الرسول وحسب الرسول وغيرها .
ز- وكره جماعة من العلماء التسمي بأسماء الملائكة كجبريل وميكائيل وغيرها وكذلك التسمية بأسماء سور القرآن مثل طه ويس وحم وغيرها ، قال ابن القيم رحمه الله ( وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيح ) تحفة المودود صـ 109
ج- وذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (2/313) أن من الأسماء المكروهة ما فيها مدح لصاحبها وتزكية له فيطالب المسمى بمقتضى اسمه فلا يوجد عنده فيجعل ذلك سببا لذمه وسبه ، ولو ترك بغير مدح لم تحصل له هذه المفسدة ، ثم قد يظن المسمى ويعتقد في نفسه أنه كذلك فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها ، وهذا هو المعني من نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تسمى برة وقال ( لا تزكوا أنفسكم لإن الله اعلم بأهل البر منكم)رواه مسلم وغيره، ثم قال رحمه الله : وعلى هذا فتركه التسمية بالتقي والمطيع والمحسن ، والمخلص والرشيد والراضي وغيرها ) زاد المعاد (2/313).
8- المخرج من الأسماء المحرمة والمكروهة:
أما المحرمة فيجب تغييرها حسب الاستطاعة ، وأما المكروهة فيستحب تغييرها حسب الاستطاعة والمصلحة إلى الأسماء المستحبة والجائزة وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت ( كان صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح ) صحيح الجامع (4994) ، (وكان إذا سمع بالاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه ) صحيح الجامع ( 4743)، ( وكان إذا أتاه الرجل وله اسم لا يحبه حوله ) صحيح الجامع الصغير (4641)، وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الأسماء الشركية والكفرية ، وظاهر هديه في تحويل الأسماء أنه يراعي القرب في النطق كتغيير شهاب إلى هشام وجثامة إلى حسّانة وحزن إلى سهل وعاص إلى مطيع وهكذا . قال ابن القيم رحمه الله( وكما أن تغيير الاسم يكون لقبحه وكراهته ، فقد يكون لمصلحة أخرى مع حسنه. وقال البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه (تحويل الاسم إلى أحسن منه.
قلت : ومن المصالح أيضا مراعاة ما يتلاءم مع أهل بيت المسمى وقبيلته ، وكذلك إذا رغب الوالدان أو أحدهما اسم معين لحفيدهما وهو من الأسماء الجائزة
8- فوائد مهمة في الأسماء :
1- إذا أردت اختيار اسم لمولودك ، فانظر الحكم الشرعي لهذا الاسم أولا ، ثم أنظر ما يتلاءم مع أهل بيتك وطبقتك ، ولا تخالف عرف أهل بلدك ، ونتيجة لعدم الملاءمة لبعض الأسماء ، ترى من يغير اسمه بعد بلوغه ليتلائم مع أسماء أهل داره وقبيلته .
2- لابد من التزام وصلة النسب ( لفظة: ابن ) بين الأعلام ، فإلتزام لفظه ( ابن ) بين اسم الابن وأبيه مثلا كانت لا يعرف سواها عند جميع الأمم ، ثم أسقطها النصارى للتفريق بين أبنائهم لأصلابهم وغيرهم ، ثم أسقطوها في الجميع ، ثم سرى هذا الإسقاط إلى المسلمين ، وهذا أسلوب مولد دخيل لا تعرفه العرب ، ولا يقره لسنانها ، ثم أن هذا الإسقاط لهذه اللفظة ( ابن ) يؤدي إلى الاشتباه ، عند اشتراك الاسم بين الذكور والإناث مثل أسماء وخارجة فلا يتبين على الورق إلا بذكر هذه اللفظة ( ابن ) أو ( بنت ) فلان
3- بعض الأخطاء في التسمية :
* نسبة المجهول للأبوين إلى من رباه وكفله ، فإذا وجد ولدا أو بنتا مجهولي الأبوين فإنه ينسبه إليه وقد يسجله في الأوراق الرسمية ، وهذا لا يجوز في الشريعة لأن الله عز وجل قال أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وقد أبطل الإسلام نظام التبني الذي كان في الجاهلية .
*بعض المسلمين يقلد الكفار في نسبة المرأة إلى زوجها فيقول مثلا ليلى محمد … أي زوجها
*تسمية الذكور بأسماء الإناث والعكس لاعتقادات فاسدة وهذا من التشبه الممنوع .
*اعتقاد بعض الناس أنه لا يجوز تسمية الابن باسم أبيه مثل محمد بن محمد ، وهذا ليس له أصل في الشرع ، بل ثبت أن بعض السلف سمو أبنائهم بمثل أسمائهم .
*ومن الأخطاء حذف بعض الحروف من الاسم ، فيلحن به ويغيره تغييرا شديدا ، مثل عبد العزيز ويقول عبديز أو عبا الله أو حمد أو راهيم أو غير ذلك .
4- ذكر بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في التسمية :
حديث ( أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد )
حديث ( أحب الأسماء إلى الله ما يعبد به )
حديث ( حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن أدبه )
حديث ( من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل )
حديث ( من ولد له مولود فسماه محمدا تبركا به كان هو ومولوده في الجنة)
تنبيه: ( كل حديث مرفوع جاء فيه مدح من اسمه محمد أو أحمد ، أو النهي عن التسمية بهما فكلها لا يصح منه شيء ) .
9- فوائد مهمة الكنى :
1- والكنية هي الاسم يصدر بأب إن كان المكنى ذكرا ، وبأم إذا كانت المكناة أنثى ، كأبي فلان وأم فلان ، والكنية نوع تكريم وتكبير وتفخيم للمكنى ، ويشترط في الكنية ما يشترط في الاسم ، فلا ينبغي التكني باسم من اسماء الله الحسنى كأبي الحكم مثلا لما رواه أبو داود وغيره وهو في صحيح الأدب المفرد (623) عن شريح بن هانئ قال : حدثني هانئ بن يزيد أنه لما وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه ، فسمعهم النبي وهم يكنونه بأبي الحكم ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنيت بأبي الحكم ” ثم كناه بأبي شريح ، وشريح هو أكبر أولاده ، وكذلك يشترط في الكنية أن لا يكون فيها تعبيد لغير الله تعالى أو الكنى القبيحة في اللفظ أو المعنى وكذلك التي تحمل من الدعوى والتزكية والكذب ما لا يقبل بحال وهكذا . وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يكنى أصحابه ، وكانت له كنية هي أبو القاسم ، ولما أرادت عائشة رضي الله عنها أن تكتني وليست لها كنية قالت : يا رسول الله : كل نسائك لها كنية غيري ، فقال لها : اكتني بابنك عبد الله يعنى ابن الزبير ، مع أنه ليس ولدها وهي خالته، وكنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود بأبي عبد الرحمن رضي الله عنهم قبل أن يولد له ، والتكني ولو لم يكن له ولد أدب إسلامي ليس عند الأمم الأخرى ، وكان أنس رضي الله عنه يكنى قبل أن يولد له بأبي حمزة وهكذا .
2- أما حكم التكني بأبي القاسم وهي كنية الرسول صلى الله عليه وسلم : فقد ذكر ابن القيم رحمه الله اختلاف العلماء في هذه المسألة في كتابيه زاد المعاد وتحفة المودود حيث قال فيه ( اختلف أهل العلم في هذا الباب بعد إجماعهم على جواز التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر الأقوال في المسألة وأدلتها وقال في زاد المعاد ( 2/314) ( اختلف الناس في ذلك على أربعة أقوال :
أحدها : أنه لا يجوز التكني بأبي القاسم مطلقا ، سواء أفردها عن اسمه أو قرنها به ، وسواء محياه وبعد مماته وعمدتهم عموم حديث “” تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي”” متفق عليه. قالو: لأن النهي إنما كان لأن معنى هذه الكنية والتسمية مختصة به صلى الله عليه وسلم ، وقد أشار إلى ذلك بقوله ” والله لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا ، وإنما أنا قاسم ، أضع حيث أمرت ). متفق عليه.
القول الثاني : أن النهي إنما هو عن الجمع بين اسمه وكنيته ، فإذا أفُرد أحدهما عن الآخر فلا بأس ، لحديث”” لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي “” رواه أحمد وغيره في صحيح الجامع (7213)، ولما رواه أحمد وأبو داود عن جابر مرفوعا”” من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي ” ضعيف سنن أبي داود (4966)، وهو في ضعيف سنن أبي داود (4966) قالوا : وهذا مقيد مفسر لما في الصحيحين من نهيه عن التكني بكنيته.
القول الثالث : جواز الجمع بين الاسم والكنية لما رواه أبو داود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله إنْ ولد لي ولد من بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال : نعم ) قال الترمذي حديث حسن صحيح وهو في صحيح سنن أبي داود (4967) . قالوا: وأحاديث المنع منسوخة بهذا الحديث .
القول الرابع : النهي عن ذلك مخصوص بحياته صلى الله عليه وسلم لأجل السبب الذي ورد النهي لأجله وهو دعاء غيره بذلك فيظن أنه يدعوه ، واستدلوا بما رواه أبو داود عن محمد بن الحنيفة قال : قال علي رضي الله عنه : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ولد لي بعدك ولد ، أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال : نعم ) صحيح سنن أبي داود (4155). ولما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق ، فقال رجل : يا أبا القاسم ! فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنما دعوت هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي ، قالوا : إنما نهي عن ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كراهية أن يدعى أحد باسمه وكنيته ، فيلتفت ، فأما اليوم فلا بأس بذلك .
قلت : بما إن النهي عن الكنية أبي القاسم ثابت لدى الجميع ، فلابد من الجمع بين الأحاديث وعدم إدعاء النسخ ، ولذلك فالراجح هو القول الأول أنه لا يجوز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا ، أفردها عن اسمه أو قرنها به ، سواء محياه وبعد مماته لما يلي :
أ- عموم قوله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي “. متفق عليه.
ب- وأن هذه الكنية مختصة به صلى الله عليه وسلم بدليل ما جاء في الرواية الأخرى حيث بينت علة النهي والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، فجاء عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “”سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما جعلت قاسما أقسم بينكم “” رواه مسلم وغيره، فهذا التعليل المذكور في الحديث وهو أنه قاسم لا يمكن لبشر أن يتصف بهذا الوصف إلى يوم القيامة ، بل جاء في بعض الروايات “” الله يعطي وأنا قاسم أقسم بينكم “” فدل ذلك على أن هذه الكنية من خصوصياته
ج- حديث محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال ( يا رسول الله ، أرأيت إن ولد لي ولد بعدك أسميه محمدا وأكنيته بكنيتك ؟ قال : نعم ، قال علي : فكانت رخصة لي ) رواه أبو داود وغيره وهو في صحيح سنن أبي داود (4967)، فقول علي رضي الله عنه ( كانت رخصة لي ) معناه أنها كانت محرمة ، وكذلك لو كانت جائزة لما استأذن علي رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك أذن له فقط ومنع من سواه كما قال ابن القيم رحمه الله في الزاد .
د- ما رواه جابر رضي الله عنه قال : ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم ، فقلنا : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا ، فأتى رسول الله فذكر ذلك له فقال : سمه عبد الرحمن ) متفق عليه، والشاهد هو إنكار الصحابة لتسميته ابنه القاسم ، ولأن تسمية الولد قاسم ذريعة لتكنية الوالد بأبي القاسم وهذا ما فهموه من نصوص النهي عن هذه التكنية ، ثم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم وتغيير اسم ابنه إلى عبد الرحمن ، وهذا دليل على أن النهي عن الكنية قائم وإن لم يكن اسم الرجل محمدا .
*والخلاصة أنه لا يجوز التكني بأبي القاسم مطلقا ولا يجوز أيضا الجمع بين الاسم والكنية ، قال ابن القيم رحمه الله( والصواب أن التسمي باسمه جائز ، والتكني بكنيته ممنوع منه ، والمنع في حياته أشد ، والجمع بينهما ممنوع منه ). زاد المعاد (2/317)
وذكر ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود أن هذا القول رواية عن أحمد وقول الشافعي وابن سيرين وغيرهم رحمهم الله، وقد روى البيهقي في سننه عن الشافعي رحمه الله قال : لا يحل لأحد أن يتكنى بأبي القاسم ، كان اسمه محمدا أو غيره ) وروى معنى قوله هذا عن طاوس ، وقال السهيلي رحمه الله: وكان ابن سيرين يكره أن يكنى أحد أبا القاسم ، كان اسمه محمدا أو لم يكن ، وقال ابن عون رحمه الله عن ابن سيرين (كانوا يكرهون أن يكنى الرجل أبا القاسم وإن لم يكن اسمه محمدا) ذكره الطحاوي في معاني الآثار ( 4/338)
وقال ابن قيم رحمه الله: ( وقد ذهب إلى هذا المذهب النخعي وابن سيرين ). تحفة المودود صـ 286.
3- ومن الفوائد في الكنى : تجوز تكنية الذي له أولاد بغير أولاده : ولم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر ، ولا لعمر ابن اسمه حفص ، ولا لأبي ذر ابن اسمه ذر ، ولا لخالد ابنٌ اسمه سليمان ، وكذلك أبو سلمة وهكذا ، فلا تلزم من جواز التكنية أن يكون له ولد ، ولا أن يكنى باسم ذلك الولد ، وروى أحمد وابن ماجه عن ابن صهيب عن أبيه قال ( قال عمر لصهيب : أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك ؟ قال : وما هن؟ قال: اكتنيت وليس لك ولد قال : أما قولك : اكتنيت ولم يولد لك فإن رسول الله كناني أبا يحيى) حديث حسن كما في السلسلة الصحيحة (44) وقال الألباني رحمه الله بعده ( وفي هذا الحديث دليل مشروعية الإكتناء ، لمن لم يكن له ولد ، بل صح في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى طفلة صغيرة حينما 6كساها ثوبا جميلا فقال لها : هذا سنا يا أم خالد ) ، وقد هجر المسلمون لا سيما الأعاجم منهم هذه السنة العربية الإسلامية فقلما تجد من يكتني منهم ، بل أقاموا مقام هذه السنة ألقابا مبتدعة مثل الأفندي والبيك والباشا ثم السيد ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها )
4- ومن الفوائد : جواز التكنية بالبنت أو الأنثى : لعدم وردود النهي عن ذلك ، بل ورد عن كثير من الصحابة والسلف ذلك ، وقد ترجم ابن حجر رحمه الله في الإصابة بمعرفة الصحابة بأسماء طائفة عرفوا بهذه الكنية من أشهرهم أبو أمامة وأبو رقية تميم الداري وكذلك أبو أروى وأبو فاطمة وأبو جميلة وأبو لبابة وأبو صفية وهكذا في السلف كثير .
5- ومنها : جواز تكنية الكافر لتأليف قلبه أو لو كان معروفا بذلك كأبي طالب وأبي لهب وغيرهما ، وقد كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبّي ، رأس النفاق، بأبي الحُباب تأليفا لقلبه أو قلب من حوله ، والحديث في الصحيحين ، وكذلك كان إذا كان في كنية المشرك ذم وحط من قدرة كأبي جهل مثلا .
6- قد تكون الكنية هي الاسم وليس للرجل اسم كأبي عمير مثلا ، وقد ذكر المصنفون في مصطلح الحديث كابن الصلاح في مقدمته قال : من ليس له اسم سوى كنيته – أي من رواة الحديث- ثم ذكر أسماء ، ثم قال : من لا يعرف بغير كنيته ولم يوقف على أسمه ، وذكر أمثلة ثم قال : من له كنية ولم يوقف على اسمه ، وذكر أمثلة ثم قال : من له كنيتان ، وهكذا .
7- أخطاء في الكنية :
أ ) التكنية بكنى أهل الجاهلية ولو على سبيل المزاح كأبي لهب وأبي جهل وغيرهما.
ب) الكنية بالأسماء المكروهة والمحرمة التي مرت معنا .
ج) يفضل التكني بكنى الصحابة والعلماء تأسياً بهم .
10- ضوابط مهمة في الألقاب :
اللقب هو الاسم إذا أفهم مدحا أو ذما وغالب استعماله في الذم ولهذا قال الله تعالى(ولا تنابزوا بالألقاب )الحجرات ، أي لا تدعو الإنسان بغير ما سُمي به . قال صديق حسن خان رحمه الله في فتح البيان في مقاصد القرآن ( 13/145) ( والألقاب جمع لقب وهو اسم غير الذي سُمي به الإنسان والمراد هنا لقب سوء ، والتنابز بالألقاب أن يُلقب بعضهم بعضا ، وعن أبي جبيرة بن الضحاك قال : فينا نزلت في بني سلمة ( قدم رسول الله المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا واحداً منهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله إنه يكرهه ، فنزلت( ولا تنابزوا بالألقاب ) رواه البخاري وأصحاب السنن.
والتلقيب المنهي عنه هو ما يتداخل المدعو به كراهةً لكونه تقصيرا به وأما ما يحبه فلا بأس به ، ومنه الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها نحو الأخفش والأعمش وما أشبه ذلك . قال القرطبي رحمه الله ( إنه يستثنى من هذا مَن غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له سبب يجد في نفسه منه عليه ، فجّوزته الأئمة ) وأما الألقاب التي تكسب حمدا أو مدحا وتكون حقا وصدقا فلا تكره كما قيل لأبي بكر عتيق ، ولعمر الفاروق ، ولعثمان ذو النورين ، ولعلي أبو تراب ، ولخالد سيف الله . ومن الألقاب ما يكون فيه نوع من العيب مثل : يا أحول ، يا أعرج ، يا أفطس .. ونحو ذلك ، فهذا منهي عنه بنص الآية إلا في حالة واحدة وهي إذا كان الشخص لا يُعرف ولا يميز عن غيره إلا بهذا اللقب فإنه يجوز تلقيبه به للتعريف فقط لا على سبيل التنقص والاستهزاء كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قال : رأيت الأصلع يقبل الحجر ) يقصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإنه قصد تمييزه وتعريفه، لا عيبه وذمه وانتقاضه ) انتهى كلامه .
فالألقاب منها ما هو جائز إذا كان للتعريف بالإنسان وتمييزه عن غيره أو غلب عليه ورضي به ، وكذلك الألقاب التي تكسب حمدا أو مدحا وتكون حقا وصدقا ، وقد ذكر علماء الحديث نوعا في معرفة الألقاب أي ذكر رواة الحديث الذين اشتهروا بألقابهم وذلك للتعريف بهم وتمييزهم .
ومن الألقاب ما هو محرم بنص الآية وهي ما فيه نوع من العيب والانتقاص والاستهزاء . قال ابن القيم رحمه الله في التحفة ( ولا خلاف في تحريم تلقيب الإنسان بما يكره سواء كان فيه أو لم يكن ، وأما إذا عرف بذلك واشتهر به كالأعمش والأصم والأعرج ، فقد طرد استعماله على ألسنة أهل العلم قديما وحديثا ) قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ( 44 ) ( أقاموا مقام هذه السنة – وهي التكنية – ألقابا مبتدعة مثل الأفندي والبيك والباشا ثم السيد … ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة ) .
ومن الألقاب ما هو مكروه إذا كان فيه نوع من تزكية لصاحبه مثل التلقيب بالمتقي والمخلص والمطيع والمحسن وما أشبه ذلك . ومن الألقاب التي كرهها بعض أهل العلم تلقيب الذي يحج بلقب الحاج فيقال الحاج فلان وليس فلان وليس من هدي السلف الصالح وإنما أحدثه المتأخرون .
ومن الألقاب المكروهة تلقيب الأولاد بقول يا شاطر ، وفي قواميس لسان العرب الشاطر هو الحرامي اللص قاطع الطريق ، قال ابن منظور في لسان العرب ( الشاطر هو الذي أعيا أهله ومؤدبه خبثا ) فمعنى الكلمة خبيث قبيح لا ينبغي التلقب به . ومن الألقاب المكروهة أيضا الألقاب المنسوبة إلى الدين أو الإسلام لما يحمله اللقب من تزكية لما يوهم معاني غير صحيحة مما لا يجوز إطلاقه ، وكانت هذه الألقاب في أول حدوثها ألقابا زائدة عن الاسم ثم استعملت أسماء بعد ذلك كنور الدين ومحي الدين وتقي الدين وناصر الدين وسيف الإسلام ، وغير ذلك مثل شهاب الدين وزين الدين وعلاء الدين وغيرها ، وقد حرم بعض العلماء هذه الألقاب والأسماء وكرهها أكثر العلماء ، ومن بحث في كتب الرجال والتراجم لا يرى من يلقب نفسه بلقب فيه تزكية بل نجد أهل العلم يكرهون ذلك وينهون عنه .
قال ابن الحاج رحمه الله في المدخل ( 1/127) ( ألا ترى إلى الإمام النووي لم يرض قط بهذا الاسم وكان يكرهه كراهة شديدة ، بل قال : إني لا أجعل في حل ممن يسميني بمحي الدين ، وكذلك غيره من العلماء) وهذا ابن تيمية رحمه الله كان لا يرضى تلقيبه بتقي الدين ويقول: لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر. وقد ذكر تلميذه ابن القيم رحمه الله ذلك في مدارج السالكين (1/524) قلت : وممن لقبه أهله وسموه واشتهر بذلك : محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، ويدل على ذلك فتواه بعدم جواز التسمية بناصر الدين حيث قال في السلسلة الصحيحة تحت حديث ( 216 )( لا يجوز التسمية بعز الدين ومحي الدين وناصر الدين ونحو ذلك) انتهى كلامه .
والخلاصة في الألقاب :
تحريم التنابز بالألقاب التي فيها نوع من العيب والسخرية إلا إذا كان القصد التعريف بها ليتميز عن غيره بقصد عدم الذم ، وأما إذا أمكن بغيره وهو يكره ذلك فلا شك في حرمته . قال النووي رحمه الله في الأذكار ( 2/721 ) ( اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره ، واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك ) وكذلك تحرم الألقاب التي هي من خصائص الكفار أو القبيحة في اللفظ أو المعنى وغير ذلك . وتكره الألقاب إذا كان فيها نوع من تزكية أو نسبة إلى الدين أو الإسلام أو ما يوهم معانٍ غير صحيحة . وتجوز الألقاب إذا كانت للتعريف بالإنسان وتميزه عن غيره أو إذا غلبت عليه اللقب ورضي به ، وكذلك الألقاب التي تكسب حمدا أو مدحا أو تكون حقا وصدقا .
11- خاتمة البحث :
إن الإسلام اعتنى بالأسماء والكنى والألقاب فرغب في بعضها ومنع من بعضها وذلك لما للأسماء من تأثير في المسميات في الحسن والقبح وغيرها . فلا بد من الحرص على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى والألقاب ، وعلى المسلم أن يجتنب المحرم والمكروه منها ويحافظ على الحسن منها والمستحب ويراعي الآداب الشرعية المذكورة في أثناء البحث .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.[ الأسماء والكنى والألقاب في ميزان الشريعة، للشيخ: إبراهيم بن عبد الله المزروعي، شبكة بينونة للعلوم الشرعية]”
(المسألة الثانية): في فوائده:
- فيه تغيير الاسم الذي يحصل منه الإيهام الباطل إلى ما هو أحسن منه ولا إيهام فيه.2- وفيه أن هلك، تستعمل للعلماء والصالحين ولا تختص بالكفار والفسقة، قال اللَّه تعالى في حق يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ولَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمّا جاءَكُمْ بِهِ حَتّى إذا هَلَكَ﴾.3- وفي الحديثِ: بيانُ ما كان عليه الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم مِن الرُّجوعِ إلى الحقِّ إذا بلَغَهم.