1134 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة .
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——“——-“——-”
——‘——–‘——-”
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1134):
قال الترمذي رحمه الله : حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)).
قال أبو عيسى وقد اختلف أصحاب سفيان في هذا الحديث فروى بعضهم مثل رواية الحفري وروى بعضهم عن سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت رجلا يحدث عند المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
===================
النهي عن سب الأموات
الحديث سيكون من وجوه:
ورد للحديث سبب زادها شعبة : أن المغيرة سبَّ عليا فقال له : زيد بن أرقم : الحديث
قال الدارقطني : هي وهم كما في العلل 1249
ولعل الوهم هو ممن فوق شعبة فالحديث محفوظ من طريق سفيان ومن طريق مسعر عن الحجاج مولى ثعلبة عن المغيرة . والحجاج مجهول أما شعبة عن مسعر عن زياد بن علاقة عن عمه عن المغيرة التي فيها السب فليست محفوظة العلل 1249 بتصرف وزيادات .
تمهيد:
“كان العرب في الجاهلية يتفاخرون بالأنساب والأحساب، فيؤدي بهم التفاخر إلى هجاء الأحياء وسب الأموات، ويتفننون في ذلك، ويغرون شعراءهم بذكر محاسنهم ومساوئ غيرهم؛ فتتبعت في قلوبهم الأحقاد من مكامنها، وتظل الفتن من أوكارها، وتدق طبول الحرب بين عشية وضحاها؛ فيصبح أو يمسي بعضهم بعضاً، فلا تكاد الحرب تضع أوزارها حتى تنشب من جديد.
فجاء الإسلام فقضى بتشريعاته السمحة على تلك الحمية الجاهلية والعصبية القبلية وحد من خطرها كثيراً، وظل رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يعلم الناس مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم حتى لقى ربه – عز وجل – والناس على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يحيد عنها إلا من سفه نفسه وفقد عقله.
من هذا تتبين لنا الحكمة في هذا النهي”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
فعن زياد بن علاقة، قال: سمعت المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)).
وقد رواه البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ:((لا تسبُّوا الأموات، فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا)).
“((لا تسبوا)) ما هو السبّ ؟
السبّ هو: ذكر العيب، فإن كان في مقابلة الشخص فهو سبّ، وإن كان في غيبته فهو غيبة، وإن كان كذبًا فهو بهتان، وسبّ أو غيبة.
فقوله:((لا تسبوا الأموات)) هذا سبّ ولكنهم أموات، فهو سب متضمن للغيبة؛ لأنهم ليسوا عندك حتى نقول: إن هذا مجرد سب.
وقوله:((الأموات)): جمع محلى بـ(أل)، والجمع المحلى بـ(أل) إذا لم تكن للعهد فهو يفيد العموم، فيشمل الأموات المسلمين وغير المسلمين، حتى الكافر لا يسب إذا مات؛ لأنه- كما سيأتي- أفضى إلى ما قدّم، وهذا تعليل عدم جواز سبهم مطلقًا.
وقوله: ((فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)) أي: انتهوا إليه ووصلوا إليه.
وقوله: ((إلى ما قدموا)) يعني: من العمل، وهم الآن لا فائدة من سبَّهم؛ لأنهم وصلوا إلى الجزاء، وحينئذٍ يكون السب عبثًا، ثم إن كان لهم أحياء يسمعون هذا السب صار هناك علة أخرى، وهي إيذاء الأحياء، كما في رواية الترمذي: ((فتؤذوا الأحياء)).
فكان في سب الأموات معنيان:
المعنى الأول: أنه لغو؛ لأنهم أفضوا إلى ما قدمّوا.
والمعنى الثاني: أنهم إذا كان لهم أحياء فسوف يتأذون، وحينئذٍ فسب الأموات دائر بين أمرين: إما لغو لا فائدة منه، وإما إيذاء للأحياء؛ فلهذا نهى عنه النبي ﷺ، هذا هو ظاهر الحديث، أي: أن ظاهره العموم، ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا خاص بالمسلمين، وأما الكفار فإنه يجوز أن يسبهم الإنسان ولو بعد موتهم، واستدلوا بما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: «قال أبو لهب- لعنه الله- للنبي ﷺ ….» ذكر الحديث. فلعن عمه، يعني: لعنه ابن عباس، وابن عباس قوله حجة في مثل هذا، فهذا يقتضي أنه إذا كان كافرًا فإنه يجوز سبه؛ لأنه ليس له عرض محترم، وهو إذا أفضى إلى ما قدم فإنه يجازى عليه، لكن بالنسبة لنا ليس له عرض محترم، ولكن هذا يعارضه ظاهر الحديث، إلا أن نقول: – إذا سبه الإنسان تحذيرًا من فعله وسلوكه فهذا لا حرج فيه،
– وإذا سبّه لبيان حاله فكذلك لا حرج فيه؛ لأن المقصود بذلك النصح،
– وإذا سبّه قبل الدفن فلا محذور فيه.
هذا شيئان :
أما الأول يعني: إذا سبّه تحذيرًا من فعله فهذا ظاهر؛ لأن فيه مصلحة، لأن التحذير من فعل هذا الكافر أو الفاسق فيه مصلحة عظيمة، فإذا سبّه، وقال: هذا الذي ظلم الناس وهذا الذي فعل كذا …؛
– يريد أن يحذّر منه لا أن ينتقم منه بالسبّ فهذا جائز،
– وإذا سبه أيضًا لبيان حاله فهو أيضًا جائز، بل قد يكون واجبًا، وهذا يقع كثيرًا في كتب أهل الحديث؛ أي: في كتب الرجال .
ويستفاد من هذا الحديث: حكمة النبي ﷺ، وأنه يريد أن يحمي أمته عما فيه شر، وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت». [ قاله الشيخ لابن عثيمين فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام، ط المكتبة الإسلامية، رقم(٥٦٩)]
* * *
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): مسائل في سب الأموات
1) الحكمة في النهي عن سب الأموات:
قوله: (لا تسبوا الأموات) أنت في حياتك مع الشخص وهو حي، لا يحق لك أن تذكر مساوئه في غيبته، قال تعالى: ﴿ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات:١٢]، ثم مثل سبحانه غيبة الحي من الحي بقوله: ﴿أيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتًا﴾ [الحجرات:١٢]؛ فالذي يذكر مساوئه كأنه أكل لحمه ميتًا؛ ووجه الشبه: أن الغائب لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الغيبة، والميت لا يستطيع أن يدفع عن نفسه من يأكله.
ومعنى أن الميت قد أفضى إلى ما قدم، يعني: ليس بزائد على ما كان منه من عمل، وليس بناقص عنه شيئًا، وقد صار بين يدي الله … .
وقد قال بعض العلماء: ذكر مساوئ الأموات كغيبة الأحياء، ولكن الصحيح أنها أشد ؛ لأن الحي ربما تصله غيبته فيدفع عن نفسه ؛ ولكن الميت لا يستطيع ذلك …
ولا يدخل في ذلك الجرح والتعديل، كقولهم فلان المدلس ، كقولهم: فلان الأعرج
ثم الرواية الأخرى: (لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء) .[قاله الشيخ: عطية سالم رحمه الله تعالى في شرح بلوغ المرام (مفرغ) بتصرف]
2) التحذير من الكلام في أعراض العلماء:
وهنا أُوجّه التحذير كل التحذير ممن يتناولون سلف الأمة في أي مجال كان: بذكر المثالب، وبذكر النواقص،…..، والعلماء يقولون: لحوم العلماء مسمومة، يعني: من تناول العلماء بالسب والتنقيص لشيء عندهم، فإنما ذلك سم يتناوله.
والرسول ﷺ يقول: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) فلا ينبغي طعن في ميت قط، وإذا كان من أهل العلم والفضل فله منهجه، فإذا كان قوله مخالفًا لإجماع المسلمين، فتقول: هذه الطريقة فاسدة [قاله الشيخ: عطية سالم رحمه الله تعالى في شرح بلوغ المرام (مفرغ)].
أولاً: حكم سب المسلمين.
3) “بالنسبة لسبّ وغيبة المسلم الفاسق ؛ فالأصل في المسلم أنه يحرم الاعتداء على عرضه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، وَلَا يَحْقِرُهُ … بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ رواه مسلم (2564).
* والمسلم الذي يقع في المعاصي غير المكفرة ؛ لا تسقط أخوته الإيمانية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “ومن أصول أهل السنة: … لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال سبحانه وتعالى في آية القصاص: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )، وقال: ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (3 / 151).
* لكن إن كانت هناك مصلحة شرعية راجحة، جاز في هذه الحال غيبته وذكره بما فيه – فقط – من السوء؛ لأجل المصلحة الشرعية المعتبرة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
“قال العلماء: تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا؛ حيث تتعين طريقا إلى الوصول إليه ” انتهى من ” فتح الباري ” (10 / 472).
* ومن ذلك: أن يكون الميت ممن كان يجاهر بالمعاصي؛ وبقي أثره بعد موته، فيذكر بالسوء حتى لا يُقتدى به في فجوره وعصيانه؛ ومما يشير إلى ذلك حديث أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: “مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ ” رواه البخاري (1367) ، ومسلم (949).
قال النووي رحمه الله تعالى:
” فإن قيل: كيف مكنوا بالثناء بالشر، مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟
فالجواب: أن النهي عن سب الأموات: هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة.
فأما هؤلاء: فلا يحرم ذكرهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم.
وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شرا، كان مشهورا بنفاق، أو نحوه مما ذكرنا.
هذا هو الصواب في الجواب عنه، وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (7 / 20).
4) وتقيّد هذه الغيبة والسبّ؛ بأمور:
الأمر الأول: أن تكون بما يجوز شرعا؛ فلا يجوز الفحش أو الانتقاص من صورته، أو تقبيح وجهه، والسخرية منه ونحو هذا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ رواه الترمذي (1977) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (1 / 634).
الأمر الثاني: أن لا يخرج الكلام عنه عن حد الحاجة، إلى حدّ الثرثرة وتضييع الأوقات بمثل هذا الكلام؛ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ : عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ البَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ المَالِ. رواه البخاري (2408) ، ومسلم (593) .
الأمر الثالث: أن لا يكون بالكذب والمبالغة، وأن يحمل عليه ما ليس فيه؛ لما هو معلوم من حرمة ذلك.
الأمر الرابع: وأن يكون ذلك بنية مشروعة؛ وليس بنية التشفي أو الفكاهة ونحو هذا.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” هل يجوزُ غيبةُ تاركِ الصلاةِ أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، إذا قيل عنه إنه تاركُ الصلاة، وكان تاركَها: فهذا جائز.
ويَنبغي أن يُشاعَ ذلك عنه، ويُهْجَر حتى يُصلي…”. انتهى من “جامع المسائل” (1/122).
وقال الصنعاني رحمه الله تعالى:
“والأكثر يقولون بأنه يجوز أن يقال للفاسق: يا فاسق، ويا مفسد، وكذا في غيبته؛
بشرط:
– قصد النصيحة له،
– أو لغيره ببيان حاله،
– أو للزجر عن صنيعه،
– لا لقصد الوقيعة فيه،
فلا بد من قصد صحيح ” انتهى من “سبل السلام” (8 / 294).
انتهى الحديث عن حكم سب المسلمين.
ثانيا: سب الكفار.
وأمّا الكافر ؛ فينظر … فإن كان معاهدا للمسلمين؛ فلا يجوز الاعتداء عليه بسبّ أو غيبة إلا لمصلحة مشروعة.
روى أبو داود (3052) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وصححه الألباني في “صحيح سنن أبي داود” .
والنهي عن سبّه وغيبته لغير مصلحة راجحة يتناول حال موته.
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (24 / 141): “سب المسلم للذمي معصية، ويعزر المسلم إن سب الكافر.
قال الشافعية: سواء أكان حيا، أو ميتا، يعلم موته على الكفر ” انتهى.
وقال الصنعاني رحمه الله تعالى:
” عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا ) أي: وصلوا ( إلى ما قدموا ) من الأعمال (رواه البخاري).
الحديث دليل على تحريم سب الأموات ، وظاهره العموم للمسلم والكافر…
قوله: ( قد أفضوا إلى ما قدموا ) علة عامة للفريقين معناها أنه لا فائدة تحت سبهم والتفكه بأعراضهم، وأما ذكره تعالى للأمم الخالية بما كانوا فيه من الضلال، فالمقصود تحذير الأمة من تلك الأفعال التي أفضت بفعلها إلى الوبال وبيان محرمات ارتكبوها، وذكر الفاجر بخصال فجوره لغرض جائز وليس من السب المنهي عنه فلا تخصيص بالكفار ” انتهى من “سبل السلام” (3 / 413).
لكن يقيد هذا النهي بعدم وجود مصلحة راجحة كما مضى في المسلم الفاسق؛ فإذا جاز غيبة المسلم الفاسق بعد موته للمصلحة الراجحة على المفسدة، فالكافر المعاهد أولى؛ لأن حرمته ليست بأعظم من المسلم، ويقيّد هذا بما قيّد في غيبة وسبّ المسلم الفاسق.
وأما الكافر المحارب فإنه تجوز غيبته وسبّه؛اسْتَأْذَنَ فإذا جاز قتاله، فسبّه وغيبته من باب أولى؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ” حَسَّانُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ قَالَ: كَيْفَ بِنَسَبِي؟
فَقَالَ حَسَّانُ: لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ “رواه البخاري (3531)،ومسلم (2489). والهجاء نوع من السبّ.
ولأن الله أباح للمظلوم أن يجهر بالسوء لمن ظلمه ، والكفار المحاربون ظلمة؛ قال الله تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا النساء /148.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: “يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله.
ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول، كالذكر والكلام الطيب اللين.
وقوله: ( إِلا مَن ظُلِمَ ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه، ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه، ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 212).
* والكافر المحارب كما أنه لا حرمة له حيّا ؛ فكذلك لا حرمة له ميتا، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية.
الأموات : يعني الأموات من المسلمين.
أما الكافر: فلا حرمة له ، إلا إذا كان في سبه إيذاء للأحياء من أقاربه، فلا يسب، وأما إذا لم يكن هناك ضرر، فإنه لا حرمة له، وهذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله: “بغير حق”؛ لأن لنا الحق أن نسب الأموات الكافرين الذين آذوا المسلمين وقاتلوهم، ويحاولون أن يفسدوا عليهم دينهم”انتهى من “شرح رياض الصالحين” (6 / 230).
لكن هذا يقيّد:
– بالمصلحة؛ فإذا كان السبّ والغيبة يؤدي إلى مفسدة شرعا؛ فإنه ينهى عن هذا في هذه ذمهم؛ كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام/108.
* ومن المفاسد التي ينبغي أن تجتنب؛ كأن يكون لهذا الكافر قرابة مسلمون يتأذون بغيبته؛ فيكف عن غيبته في هذه الحال مراعاة لحال قرابته.
– ويقيّد هذا السبّ والغيبة بأن يكون بحق، لا اعتداء ولا كذب فيه.
قال الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ البقرة /190.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “فالكذب على الشخص حرام كله، سواء كان الرجل مسلما أو كافرا، برا أو فاجرا؛ لكن الافتراء على المؤمن أشد ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (28 / 223).
وأما سوء الظن القلبي بالكافر المجرد عن التحدث به فهذا لا يحرم ؛ لأن الكافر ليس من أهل العدالة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
“أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهل لذلك ” انتهى من “الشرح الممتع” (5 / 300).[حكم سب الفساق والكفار المعينين بعد هلاكم].
(المسألة الثانية): الأحاديث الواردة في الباب:
1) عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ تَسُبُّوا الأمْواتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا» (خ) ١٣٩٣
(خ) ٦٥١٦
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْغِيبَةُ قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ ».
__________
أخرجه مسلم 2589
وبوب أبوداود :
باب مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ. (42)
4887 – حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الْجُشَمِىِّ قَالَ حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى رَاحِلَتَهُ فَأَطْلَقَهَا ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ نَادَى اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا وَلاَ تُشْرِكْ فِى رَحْمَتِنَا أَحَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتَقُولُونَ هُوَ أَضَلُّ أَمْ بَعِيرُهُ أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ ». قَالُوا بَلَى.
——–
الحديث في الصحيح المسند 274، لكن حكم الألباني على زيادة( أتقولون هو أضل ام بعيره…. ) بالشذوذ. وقال محققو المسند ضعيف لاضطرابه. فقد اختلف فيه على الجريري
لكن قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وردت في البخاري 6010، من حديث أبي هريرة
وكذلك اخرج البخاري 219 ومسلم 284 من حديث أنس
أما غيبة أهل الريب فبوب البخاري باب غيبة أهل الفسق والريب وذكر فيه حديث( ما اظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئاً )
أما إذا لم يكن من أهل الريب فيجب أن ندافع عنه فقد ذبَّ معاذ عن كعب بن مالك لما قيل فيه لقد أعجبه النظر في برديه حين تخلف عن تبوك
وروى أبوداود عن عائشة أنها قالت :
حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا تَعْنِى قَصِيرَةً. فَقَالَ « لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ « مَا أُحِبُّ أَنِّى حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِى كَذَا وَكَذَا ».
——
قال الألباني: صحيح، وهو في الصحيح المسند 1594
2 ) قال الترمذي : حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأهْلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لِأهْلِي وإذا ماتَ صاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ» هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ورُوِيَ هَذا عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا، (ت) ٣٨٩٥ [قال الألباني]: صحيح
روى أبوداود :
عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا ماتَ صاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ، ولا تَقَعُوا فِيهِ»، (د) 4889 [قال الألباني]: صحيح.
«الصحيحة» (٢٨٥).
4 ) روى الترمذي عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، قالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا تَسُبُّوا الأمْواتَ فَتُؤْذُوا الأحْياءَ»: وقَدْ اخْتَلَفَ أصْحابُ سُفْيانَ فِي هَذا الحَدِيثِ، فَرَوى بَعْضُهُمْ مِثْلَ رِوايَةِ الحَفَرِيِّ، ورَوى بَعْضُهُمْ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ عِنْدَ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ، (ت) ١٩٨٢ [قال الألباني]: صحيح.
وراجع «الصحيحة» (٢٣٩٧).
مشكاة المصابيح
١٦٧٨- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اذْكُرُوا مَحاسِنَ مَوْتاكُمْ، وكُفُّوا عَنْ مُساوِيهِمْ». رَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ.
١٦٧٨- (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” اذْكُرُوا) قالَ مِيرَكُ: الأمْرُ لِلنَّدْبِ. (مَحاسِنَ) جَمْعُ حُسْنٍ عَلى غَيْرِ قِياسٍ. (مَوْتاكُمْ) جَمْعُ مَيِّتٍ، فَعِنْدَ ذِكْرِ الصّالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ. (وكُفُّوا) أمْرٌ لِلْوُجُوبِ أيِ: امْتَنِعُوا. (عَنْ مُساوِيهِمْ) جَمْعُ سُوءٍ عَلى خِلافِ القِياسِ أيْضًا. قالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ سَبَقَ أنَّ ذِكْرَ الصّالِحِينَ مَحاسِنُ المَوْتى ومَساوِيهِمْ مُؤَثِّرٌ فِي حالِ المَوْتى، فَأُمِرُوا بِنَفْعِ الغَيْرِ، ونُهُوا عَنْ ضَرَرِهِ، وأمّا غَيْرُ الصّالِحِينَ فَأثَرُ النَّفْعِ والضَّرَرِ راجِعٌ إلَيْهِمْ، فَعَلَيْهِمْ أنْ يَسْعَوْا فِي نَفْعِ أنْفُسِهِمْ، ودَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمُ اهـ. وقَوْلُهُ: ونُهُوا عَنْ ضَرَرِهِ مُناقِضٌ بِتَقْرِيرِهِ ﷺ سابِقًا إلّا أنْ يُحْفَظَ التّارِيخُ بِتَأْخِيرِ هَذا الحَدِيثِ عَنْهُ مَعَ أنَّهُ يُمْكِنُ الجَمْعُ بِأنَّ الأوَّلَ عِنْدَ قُرْبِ المَوْتِ والثّانِيَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ، أوِ الأوَّلَ مَحْمُولٌ عَلى اجْتِماعِ الصّالِحِينَ عَلى ذَمِّهِ، والنَّهْيَ عَنِ الِانْفِرادِ ونَظِيرُهُ شَهادَةُ الأرْبَعِ والأقَلِّ بِالقَذْفِ،، واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ حُجَّةُ الإسْلامِ: غَيْبَةُ المَيِّتِ أشَدُّ مِنَ الحَيِّ، وذَلِكَ؛ لِأنَّ عَفْوَ الحَيِّ واسْتِحْلالَهُ مُمْكِنٌ ومُتَوَقَّعٌ فِي الدُّنْيا، بِخِلافِ المَيِّتِ.
وفِي الأزْهارِ: قالَ العُلَماءُ: وإذا رَأى الغاسِلُ مِنَ المَيِّتِ ما يُعْجِبُهُ كاسْتِنارَةِ وجْهِهِ، وطِيبِ رِيحِهِ، وسُرْعَةِ انْقِلابِهِ عَلى المُغْتَسَلِ اسْتُحِبَّ أنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ، وإنْ رَأى ما يَكْرَهُ كَنَتْنِهِ، وسَوادِ وجْهِهِ، أوْ بَدَنِهِ، أوِ انْقِلابِ صُورَتِهِ، حَرُمَ أنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ. (رَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ) قالَ مِيرَكُ: ورَواهُ ابْنُ حِبّانَ فِي صَحِيحِهِ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – الملا على القاري (٣ / ١٢٠٩).
المسألة الثالثة: قال النووي في (رياض الصالحين): باب تحريم سَبّ المسلم بغير حق.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58] .
1/1559- وعنِ ابنِ مَسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: سِباب المُسْلِمِ فُسوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ متفقٌ عَلَيهِ.
2/1560- وعنْ أَبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّهُ سمِع رسُول اللَّه ﷺ يقولُ: لاَ يَرمي رجُلٌ رَجُلًا بِالفِسْقِ أَوِ الكُفْرِ، إلاَّ ارْتَدَّتْ عليهِ، إنْ لمْ يَكُن صاحِبُهُ كذلكَ رواه البخاريُّ.
3/1561- وعنْ أَبي هُرَيرةَ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: المُتَسابانِ مَا قَالا، فَعَلى البَادِي مِنْهُما حتَّى يَعْتَدِي المظلُومُ رواه مسلم.
4/1562- وعنهُ قالَ: أُتيَ النبيُّ ﷺ بِرجُلٍ قَدْ شَرِب قالَ: اضربُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَمِنَّا الضَّاربُ بِيدِهِ، والضَّاربُ بِنعْلِه، والضَّارِبُ بثوبهِ، فلَمَّا انصَرفَ، قَالَ بَعضُ القَوم: أخزاكَ اللَّه، قَالَ: لا تقُولُوا هَذَا، لا تُعِينُوا عليهِ الشَّيطَانَ رواه البخاري.
5/1563- وعنْهُ قالَ: سمِعْتُ رسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: مَنْ قَذَف ممْلُوكَهُ بِالزِّنا يُقامُ عليهٍ الحَدُّ يومَ القِيامَةِ، إلاَّ أنْ يَكُونَ كما قالَ متفقٌ عَلَيْهِ.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه اله تعالى معلقًا:
“الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها تدل على تحريم السب لأخيك المسلم والدعاء عليه إلا بحق، الواجب على المسلم مع أخيه المحبة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى وحفظ اللسان عما لا ينبغي، حفظ الجوارح عما لا ينبغي، المسلم أخو المسلم، فالواجب عليه أن يحفظ لسانه من الأذى ويداه أيضًا وغيرها من الأذى مع أخيه، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ويقول ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فالواجب على المسلمين فيما بينهم التراحم والتعاطف والحذر من الإيذاء، يقول الله جل وعلا: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) [الأحزاب:58] يعني بغير جريمة يعني ظلمًا وعدوانًا فهذا الذي فعل الأذى من قول أو فعل قد احتمل بهتانًا عظيما، فالواجب عليك يا عبد الله مع أخيك حفظ اللسان وحفظ الجوارح عن الأذى، ويقول ﷺ: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر سبابه يعني مسابته شتمه، الله يفعل بك، أخزاك الله، لعنك الله، قاتلك الله، أهلكك الله، وما أشبه ذلك، كل هذا من الفسوق، من العصيان الظاهر، وقتاله كفر يعني من الكفر المعروف في الشريعة، هو كفر النعمة، الكفر الأصغر يعني بدل ما يحبه في الله ويثني عليه يقاتله، فهذا من خصال أهل الجاهلية ومن أعمال الجاهلية ويسمى كفرًا كما قال ﷺ: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ومثل قوله ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت، وقوله ﷺ: إنه كفر بكم تبرؤ من أنسابكم أو تبرؤ من آبائكم، ويقول ﷺ في حديث أبي ذر وغيره: من دعا رجل بكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا رجعت عليه، إذا قال لأخيه: يا عدو الله: أو يا فاسق: أو يا خبيث: أو يا ملعون: أو يا زنديق: وليس كذلك رجع كلامه عليه وصار هو أولى به: فالواجب الحذر من شر اللسان وورطاته مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وحديث معاذ رضي الله عنه لما سأله عن أعمال الجنة قال في آخره: كف عليك هذا وأشار إلى لسانه قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ﷺ: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب وفي اللفظ الآخر: يهوي بها في النار سبعين خريفًا فورطات اللسان وأخطاره كثيرة.
وفي الحديث الرابع: أن رجلًا أتي به إلى النبي ﷺ يشرب الخمر فأمر بتأديبه؛ فمنهم الضارب بيده، ومنهم الضارب بثوبه، ومنهم الضارب بنعله، فقال رجل: أخزاك الله، قال ﷺ: لا تعينوا عليه الشيطان هذا فيه أنه لا يدعى على العاصي أخزاك الله أو لعنك الله لا، يقال: هداك الله، أصلحك الله، أعاذك الله من شر نفسك، اتق الله يا عبد الله، يخاطب بما ينفعه حتى يكون ذلك من أسباب رجوعه إلى الحق ومن أسباب هدايته.
وفي الحديث الآخر: يقول ﷺ: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم إذا سب إنسان إنسانًا فالإثم على الأول إلا إذا اعتدى المسبوب والمظلوم صار عليه إثم اعتدائه، أما القصاص فلا بأس، فإذا قال له: أخزاك الله أو قاتلك الله وقال له مثل فالإثم على الأول، أو لعنك الله قال له مثله، الإثم على الأول قصاص، فإن زاد الثاني فعليه إثم الزيادة، الأول قال: له أخزاك الله، فقال الثاني: بل أنت أخزاك الله ولعنك، الإثم بالزيادة هذه، أما إذا قال مثل ما قال سواء فهذا قصاص، لا حرج على الثاني والإثم على الأول، وتقدم قوله ﷺ: إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة، ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.
المؤمن طيب اللسان طيب الأعمال حافظ للسانه حافظ لجوارحه، هكذا المؤمن إيمانه يمنعه من إطلاق اللسان ومن التعدي.
والحديث الخامس يقول ﷺ: من رمى مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال. احتج به العلماء على أن السيد لا يقام عليه الحد إذا قذف مملوكه، وأنه يقام عليه الحد يوم القيامة إن كان كاذبًا لقوله ﷺ: يقام عليه الحد يوم القيامة يعني يفضح على رؤوس الأشهاد نسأل الله العافية . فينبغي بل الواجب الحذر من ظلم الأرقاء ومن التعدي عليهم وأن حقهم لا يضيع إذا فات في الدنيا لم يفت في الآخرة، ولهذا قال في الحديث الصحيح ﷺ في المماليك إخوانكم خولكم يعني خدامكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليلبسه مما يلبس وليطعمه مما يطعم، ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم فالمسلم يكون طيب الخلق مع خادمه سواء كان مملوكا أو غير مملوك، يكون طيب الخلق طيب الكلام لا يتكبر ولا يظلم.وفق الله الجميع.[موقع الشيخ الرسمي].
المسألة الرابعة: الفتاوى:
س: بعض الناس إذا صار مثلا يعير الميت؟
الشيخ: ما يجوز، غيبة الميت أشد من غيبة الحي إذا كان الشيء مستورا، وأما الشيء الظاهر الذي يقصد التحذير منه لأن الناس قد يقتدون به يبين أن هذا لا يجوز ولا يجوز الاقتداء بفلان في بدعته أو في معصيته الظاهرة.
س: إذا كان شره قاصر على نفسه؟
الشيخ: أما إذا كان شره خفي ما هو ظاهر لا، لا يبحث فيه.
س: بعض الناس من المعاصرين توفوا من قريب ولهم بدع عظيمة والناس تعظمهم ويوزعون كتبهم؟
الشيخ: يحذر منهم أنهم أهل بدع كما حذر الله من قوم هود وقوم صالح وقوم نوح وقوم شعيب وقوم لوط لخبثهم.[ شرح رياض الصالحين للشيخ عبد العزيز ابن باز 494 من: (باب تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية)، الموقع الرسمي]
(المسألة الخامسة): في فوائده:
1 – ويستفاد من هذا الحديث: حكمة النبي ﷺ، وأنه يريد أن يحمي أمته عما فيه شر، وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت». [ فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام، ط المكتبة الإسلامية، رقم(٥٦٩)]