1132 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، وموسى الصومالي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1132):
مسند معن بن يزيد رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله: حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحق الفزاري عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية الجرمي، قال:
أصبتُ بأرضِ الرُّومِ جرَّةً حمراءَ فيها دنانيرُ في إمرةِ معاويةَ، وعلينا رجلٌ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من بني سُليمٍ، يقالُ لَه معنُ بنُ يزيدَ، فأتيتُه بِها فقسمَها بينَ المسلمينَ، وأعطاني منها مثلَ ما أعطَى رجلًا منهم، ثمَّ قالَ: لَولا أنِّي سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، يقولُ: ((لا نفلَ إلَّا بعدَ الخمسِ)) لأعطيتُك، ثمَّ أخذَ يَعرضُ عليَّ من نصيبِه فأبيتُ.
حدثنا هناد، عن ابن المبارك، عن أبي عوانة، عن عاصم بن كليب بإسناده ومعناه.
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث حسن.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
بوب أبو داود: ” بَابٌ في النَّفْلِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْ أَوَّلِ مَغْنَمٍ ”
وجاء في (توضيح الأحكام من بلوغ المرام لعبد الله البسام:): “الحديث صحيح.
قال محرره: الحديث أخرجه أبو عبيد في الأموال، بقوله: حدَّثنا عفّان عن أبي عوانة عن أبي الجورية عن معن بن يزيد أنّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نفل إلاَّ بعد الخُمُس» ثم ساق أبو عبيد الحديث من طريق أخرى إلى حبيب بن مسلمة يرفعه، كما ذكر أثرًا عن عمر بن الخطاب، ثم قال: وكذلك يروى عن التابعين.
قال المؤلف: صحَّحه الطحاوي. اهـ.
وقال ابن عبد الهادي في «المحرر»: رواه أحمد، وأبو داود بإسنادٍ صحيح”. انتهى.
تنبيه: توسعنا في مسائل … السلب في
الصحيح المسند 1034 روى أحمد 4/ 90 عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
تكفَّل اللهُ عزَّ وجل- وهو الكريمُ- وضَمِن لِمَن يَخرُجُ للجهادِ في سَبيلِه أَنْ يَرجِعَ إلى أهلِه بما نال مِن الأجرِ العظيمِ، والعطاءِ الكبيرِ مِن الغَنيمةِ والنَّفَلِ وغيرِهما، أو أَنْ يَدخُلَ الجنَّةَ في حالِ قَتْلِه.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ أبو الجُويريَةِ الجَرْميُّ: “أَصَبْتُ”، أي: وجَدْتُ “بأرضِ الرُّومِ جَرَّةً حمراءَ”، أي: وِعاءً، وهي ما يَكونُ مِن الخَزَفِ، أو الفَخَّارِ، “فيها دَنانيرُ في إمرةِ مُعاويةَ”، أي: في زَمانِ إمارتِه ومُلكِه، “وعَلينا”، أي: والأميرُ علينا، “رجلٌ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن بَني سُلَيْمٍ، يُقالُ له: معنُ بنُ يَزيدَ” بنِ الأخنَسِ بنِ حَبيبٍ السُّلَميُّ، “فأتَيْتُه”، أي: أتيتُ مَعْنًا “بها”، أي: بالجَرَّةِ، “فقسَمَها”، أي: قسَم الدَّنانيرَ الَّتي بداخلِ الجَرَّةِ بالسَّويَّةِ، “بينَ المسلِمين” الَّذين معَه في الغَزْوِ، “وأعطاني منها”، أي: مِن دَنانيرِ الجَرَّةِ، “مثلَ ما أعطى رجلًا مِنهم” لم يَزِدْ شيئًا.
“ثُمَّ قال” لي: “لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يقول: ((لا نَفَلَ))، وهو ما يُعطاه المُحارِبُ زِيادةً عَنِ استِحقاقِه مِن الغنيمةِ، ((إلَّا بعدَ الخُمُسِ))، أي: حتَّى يُقْسَمَ الخُمُسُ، فإذا قُسِم الخُمُسُ، وانفرَدَ حقُّ المقاتِلَةِ وهو أربعةُ أخماسٍ، فكان ذلك النَّفَلُ الَّذي يُنفِّلُه الإمامُ بعدَ ذلك وهو لا يُخمَّسُ- “لأَعطَيْتُك”، أي: نفَلًا، “ثُمَّ أخَذ يَعرِضُ عليَّ”، أي: يُقدِّمُ لي، “مِن نَصيبِه، فأَبَيْتُ”، أي: مِن أَخْذِ نصيبِه. [الموسوعة الحديثية]
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): “في الأسرى والغنائم:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: حكم أسرى الكفار:
ذهب أكثر أهل العلم- وهو الصحيح-: أن أسرى الكفار من الرجال أمرهم إلى الإمام، فَيُخَيَّرُ فيهم بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين بين: القتل، والاسترقاق، والمنّ بغير عوض، والفداء إما بمال أو منفعة أو أسير مسلم، أما النساء والصبيان فإنهم يسترقون بمجرد السبي، ويصيرون كجملة المال يضمون إلى الغنيمة، ولا يخير فيهم الإمام، ولا يجوز قتلهم، لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
– والدليل على القتل: قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]. فأخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفدائهم.
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل، فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: «اقتلوه»، وقتل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجال بني قريظة.
– والدليل على الاسترقاق: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحكم أن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية.
– والدليل على المنّ والفداء؛ قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]. وينبغي للإمام أن يفعل الأصلح للمسلمين من هذه الخصال؛ لأن تصرفه لغيره، فلزم أن يكون تخييره للمصلحة.
المسألة الثانية: تقسيم الغنيمة بين الغانمين:
الغنيمة: اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة قهراً بقتال، على وجه يكون فيه إعلاء كلمة الله تعالى، وتسمى أيضاً: الأنفال- جمع نفل-؛ لأنها زيادة في أموال المسلمين.
والأصل في مشروعيتها؛ قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69]. وقد أحل الله الغنائم لأمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون الأمم السابقة؛ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وأحلت لي الغنائم، ولم تحلَّ لأحد قبلي».
وتشمل الغنائم: الأموال المنقولة، والأسرى، والأرض.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الغنيمة تقسم على خمسة أسهم:
السهم الأول: سهم الإمام، وهو خمس الغنيمة يخرجه الإمام أو نائبه.
ويقسم هذا الخمس على ما بيَّن الله في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، فيقسم هذا الخمس خمسة أقسام:
1 – الله ورسوله: ويكون هذا القسم فيئاً، يدخل في بيت المال وينفق في مصالح المسلمين؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والذي نفسي بيده، مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم». فجعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجميع المسلمين.
2 – ذوي القربى: وهم قرابة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، ويقسم هذا الخمس بينهم حسب الحاجة.
3 – اليتامى: وهو من مات أبوه قبل أن يبلغ، ذكراً كان أم أنثى، ويعم ذلك الغني منهم والفقير.
4 – المساكين: ويدخل فيهم الفقراء هنا.
5 – ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطعت به السبيل، فيعطى ما يبلغه إلى مقصده.
وأما باقي السهام الأربعة- أربعة أخماس-، فتكون لكل من شهد الوقعة: من الرجال البالغين، الأحرار، العقلاء، ممن استعد للقتال سواء باشر القتال أو لم يباشر، قوياً كان أو ضعيفاً؛ لقول عمر رضي الله عنه: (الغنيمة لمن شهد الوقعة).
كيفية تقسيم الغنيمة؟
أن يعطى الراجل- الذي يقاتل على رجله- سهماً واحداً، ويعطى الفارس- الذي يقاتل على فرسه- ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم في النفل: للفرس سهمين، وللراجل سهماً؛ ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك في خيبر «جعل للراجل سهماً واحداً، وللفارس ثلاثة أسهم»؛ وذلك لأن غناء الفارس ونفعه أكثر من غناء الراجل.
وأما النساء والعبيد والصبيان إذا حضروا الوقعة، فالصحيح أنه يُرْضَخ لهم ولا يقسم لهم؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما لمن سأله: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يُحْذَيا.
وفي لفظ: وأما المملوك فكان يُحذى.
وإذا كانت الغنيمة أرضاً خُيِّر الإمام بين قسمتها بين الغانمين، ووقفها لمصالح المسلمين ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده، سواء أكان مسلماً أم ذميّاً، فيؤخذ منه ذلك كل عام، وهذا التخيير يكون تخيير مصلحة.
المسألة الثالثة: مصرف الفيء:
الفيء: ما أخذ من أموال أهل الحرب بحق من غير قتال، كالأموال التي يهرب الكفار ويتركونها فزعاً عند علمهم بقدوم المسلمين.
أما مصرفه: فهو في مصالح المسلمين بحسب ما يراه الإمام كرزق القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين وغير ذلك من مصالح المسلمين؛ لما ثبت عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لم يُوجِف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في الكُرَاع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل.
ولهذا ذكر الله تعالى كل فئات المسلمين في معرض بيان مصارف الفيء فقال سبحانه وتعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]، فيأخذ منه الإمام من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين”. [الفقه الميسر، لنخبة من العلماء]
فصل:
النَّفْل، والنَّفَل -بإسكان الفاء وفتحها-: الزيادة على الواجب، وسُنَّة نافلة الصلاة، وسميت الغنيمة نافلة في قوله تعالى: {يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ} [الأنفال (1)]؛ لأنها زيادةٌ على القيام بالجهاد، وحماية الحوزة، والدعاء إلى اللَّه عز وجل فيما ذكره ابنُ عطيّة [انظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية ((2) / (496))].
والنافلة -أيضًا-: ولد الولد، والفقهاء يطلقون النفلَ على ما يجعله الإمامُ لبعض الغزاة لمصلحة يراها، واختلفوا في محله:
فمذهب مالك: أنه لا يجوز قبل الغنيمة، ويجوز في أول المغنم وآخره على الاجتهاد.
قال: وإنما نَفَّلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يومَ حنين الخمسَ بعدَ أن بردَ القتال، ولا يكون عندَه إلا من الخمس.
وقال الشافعي، وأحمد: لا نفلَ إلا بعدَ الغنيمة، قبل التخميس.
وقال النخعي: ينفِّلُ الإمامُ مَن شاء قبلَ التخميس، وبعدَه.
وقال أنس بنُ مالك، ورجاءُ بنُ حيوةَ، ومكحول، والقاسم، وجماعة منهم: الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق: لا نَفْل إلا بعدَ إخراج الخُمس، ثم ينفِّل الإمامُ من أربعة الأخماس، ثم يقسم الباقيَ بين الناس.
وقال ابنُ المسيّب: إنما ينفِّل الإمامُ من خُمُس الخُمس. [المرجع السابق، ((2) / (498))]
: والذي يظهر من لفظ هذا الحديث -أي: ((ونفَّلَنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا بَعِيرًا)) -: أن هذا التنفيل كان من الخمس؛ لأنه أضاف الاثني عشر إلى سُهمانهم، فقد يقال: إنه إشارة إلى ما تقرر لهم استحقاقُه، وهو أربعةُ الأخماس الموزعةُ عليهم، فيبقى النفلُ من الخمس.
قال: واللفظ محتملٌ لغير ذلك احتمالًا قريبًا، وإن استبعد بعضُهم أن يكون هذا النفلُ إلا من الخمس من جهة اللفظ، فليس بالواضح الكثير، وقد قيل: إنه تبين أن كون هذا النفل من الخمس موضع آخر، انتهى. [انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق ((4) / (234))]
واستحب مالكٌ رحمه الله أن يكون ما ينفِّلُه الإمام مما يظهر؛ كالعِمامة، والفَرَس، والسيف.
قال ابنُ عطية: وقد منع بعضُ العلماء أن ينفِّل الإمامُ ذهبًا، أو فضةً، أو لؤلؤًا، أو نحو هذا.
وقال بعضهم: النفل جائزٌ من كل شيء، واللَّه أعلم. [انظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية ((2) / (499))] انتهى من رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام – تاج الدين الفاكهاني، ((5) / (572) -574)].
قال الشيخ عبد المحسن العباد:
“السرية: هي القطعة من الجيش تخرج منه لتقوم بمهمة ثم تعود، وما يحصل من غنيمة فإنه يكون لها وللجيش؛ لأن الجيش ردء لها وأصل لها ومرجع لها، فلا تنفرد بما يحصل لها من الغنائم، كما أن الجيش لا ينفرد عنها بما يحصل له من الغنائم، بل الغنيمة للجميع، أعني: للسرية وللجيش الذي خرجت منه السرية.
ونفل السرية، أي: أن السرية إذا نفلت بشيء فإنه يكون لها وتتميز به عن الجيش، ولكن ما زاد عن النفل فإنه يوزع على السرية وعلى الجيش، وحديث عبد الله بن عمر واضح في ذلك؛ لأنهم غنموا إبلًا كثيرة، ولما قسموها على الجيش وعلى السرية صار لكل واحد من الجيش والسرية اثنا عشر بعيرًا، ونفل كل واحد من السرية بعيرًا.
والنفل لا يخرج من الخمس، بل إما أن يكون من أصل الغنيمة قبل إخراج الخمس أو بعد إخراجه، وستأتي ترجمة تتعلق بالنفل بعد الخمس.
وهنا كان كلام لـ ابن المسيب يقول: إنما ينفل الإمام من الخمس، أي: من سهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو خمس الخمس من الغنيمة، وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو عبيد، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضعه حيث أراه الله عز وجل في مصالح أمر الدين، ومعاون المسلمين.
وقال أبو عبيد: الخمس مفوض إلى الإمام، ينفل منه إن شاء، ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم).
وقال غيرهم: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفلهم من الغنيمة التي يغنمونها، كما نفل القاتل السلب من جملة الغنيمة.
[الجمع بين الروايات]
ثم ما جاء في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نفل، وجاء في بعضها أن أميرهم هو الذي نفل
يمكن الجمع بينها بأن يقال: يكون الأمير هو الذي نفل، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك، فيكون المراد بتنفيل النبي صلى الله عليه وسلم إقراره، ومعنى تنفيل الأمير السرية أنه الذي أعلن أن من فعل كذا فله كذا.
وأن التنفيل لا يكون دائمًا وأبدًا، وإنما يكون في بعض الأحيان، فليس كل جيش ينفل فيه، وليس كل سرية ينفل فيها، وإنما قد يحصل في بعض الأحيان وقد لا يحصل.
والنفل زائد على ما يكون لعامة الجيش وهم منهم، فيحصلون نصيبهم من الغنيمة ثم النفل.
والخمس يكون من أصل الغنيمة قبل التنفيل، ثم يخرج التنفيل من الباقي.
[نقلت اختيارات الشيخ من عدة أبواب علق عليها في شرحه على سنن أبي داود].
(المسألة الثانية): وفيه أرْبَعُ مَسائِلَ هِيَ قَواعِدُ هَذا الفَصْلِ:
جاء في (بداية المجتهد ونهاية المقتصد – ابن رشد الحفيد (ت (595))):
[الفصل الثالث في حكم الأنفال]
وأمّا تَنْفِيلُ الإمامِ مِنَ الغَنِيمَةِ لِمَن شاءَ أعْنِي: أنْ يَزِيدَهُ عَلى نَصِيبِهِ،
فَإنَّ العُلَماءَ اتَّفَقُوا عَلى جَوازِ ذَلِكَ، واخْتَلَفُوا مِن أيِّ شَيْءٍ يَكُونُ النَّفْلُ، وفِي مِقْدارِهِ؟ وهَلْ يَجُوزُ الوَعْدُ بِهِ قَبْلَ الحَرْبِ؟ وهَلْ يَجِبُ السَّلَبُ لِلْقاتِلِ؟ أمْ لَيْسَ يَجِبُ إلّا أنْ يُنَفِّلَهُ لَهُ الإمامُ؟ فَهَذِهِ أرْبَعُ مَسائِلَ هِيَ قَواعِدُ هَذا الفَصْلِ.
أمّا المَسْألَةُ الأُولى: فَإنَّ قَوْمًا قالُوا: النَّفْلُ يَكُونُ مِنَ الخُمُسِ الواجِبِ لِبَيْتِ مالِ المُسْلِمِينَ، وبِهِ قالَ مالِكٌ.
وقالَ قَوْمٌ: بَلِ النَّفْلُ إنَّما يَكُونُ مِن خُمُسِ الخُمُسِ، وهُوَ حَظُّ الإمامِ فَقَطْ، وهُوَ الَّذِي اخْتارَهُ الشّافِعِيُّ.
وقالَ قَوْمٌ: بَلِ النَّفْلُ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ، وبِهِ قالَ أحْمَدُ وأبُو عُبَيْدَةَ.
ومِن هَؤُلاءِ مَن أجازَ تَنْفِيلَ جَمِيعِ الغَنِيمَةِ.
والسَّبَبُ فِي اخْتِلافِهِمْ هُوَ هَلْ بَيْنَ الآيَتَيْنِ الوارِدَتَيْنِ فِي المَغانِمِ تَعارُضٌ؟ أمْ هُما عَلى التَّخْيِيرِ؟ أعْنِي: قَوْله تَعالى: {واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ} [الأنفال (41)] الآيَةَ، وقَوْله تَعالى: {يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ} [الأنفال (1)] الآيَةَ.
فَمَن رَأى أنَّ قَوْله تَعالى: {واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال (41)] ناسِخًا؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: {يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ} [الأنفال (1)]- قالَ: لا نَفْلَ إلّا مِنَ الخُمُسِ، أوْ مِن خُمُسِ الخُمُسِ.
ومَن رَأى أنَّ الآيَتَيْنِ لا مُعارَضَةَ بَيْنَهُما، وأنَّهُما عَلى التَّخْيِيرِ أعْنِي أنَّ لِلْإمامِ أنْ يُنَفِّلَ مِن رَاسِ الغَنِيمَةِ مَن شاءَ، ولَهُ ألّا يُنَفِّلَ، بِأنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ أرْباعِ الغَنِيمَةِ لِلْغانِمِينَ – قالَ بِجَوازِ النَّفْلِ مِن رَاسِ الغَنِيمَةِ.
ولِاخْتِلافِهِمْ أيْضًا سَبَبٌ آخَرُ وهُوَ اخْتِلافُ الآثارِ فِي هَذا البابِ، وفِي ذَلِكَ أثَرانِ:
أحَدُهُما: ما رَوى مالِكٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ سَرِيَّةً فِيها عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً، فَكانَ سُهْمانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، ونُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا». وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ النَّفْلَ كانَ بَعْدَ القِسْمَةِ مِنَ الخُمُسِ.
والثّانِي: حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يُنَفِّلُ الرُّبُعَ مِنَ السَّرايا بَعْدَ الخُمُسِ فِي البَداءَةِ، ويُنَفِّلُهُمُ الثُّلُثَ بَعْدَ الخُمُسِ فِي الرَّجْعَةِ». يَعْنِي: فِي بَداءَةِ غَزْوِهِ – عليه الصلاة والسلام، وفِي انْصِرافِهِ.
وأمّا المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: وهِيَ ما مِقْدارُ ما لِلْإمامِ أنْ يُنَفِّلَ مِن ذَلِكَ؟
عِنْدَ الَّذِينَ أجازُوا النَّفْلَ مِن رَاسِ الغَنِيمَةِ، فَإنَّ قَوْمًا قالُوا: لا يَجُوزُ أنْ يُنَفِّلَ أكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ أوِ الرُّبُعِ عَلى حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ.
وقالَ قَوْمٌ: إنْ نَفَّلَ الإمامُ السَّرِيَّةَ جَمِيعَ ما غَنِمَتْ جازَ، مَصِيرًا إلى أنَّ آيَةَ الأنْفالِ غَيْرُ مَنسُوخَةٍ بَلْ مُحْكَمَةٌ، وأنَّها عَلى عُمُومِها غَيْرُ مُخَصَّصَةٍ. ومَن رَأى أنَّها مُخَصَّصَةٌ بِهَذا الأثَرِ قالَ: لا يَجُوزُ أنْ يُنَفِّلَ أكْثَرَ مِنَ الرُّبُعِ أوِ الثُّلُثِ.
وأمّا المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: وهِيَ هَلْ يَجُوزُ الوَعْدُ بِالتَّنْفِيلِ قَبْلَ الحَرْبِ؟ أمْ لَيْسَ يَجُوزُ ذَلِكَ؟
فَإنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَكَرِهُ ذَلِكَ مالِكٌ، وأجازَهُ جَماعَةٌ.
وسَبَبُ اخْتِلافِهِمْ: مُعارَضَةُ مَفْهُومِ مَقْصِدِ الغَزْوِ لِظاهِرِ الأثَرِ، وذَلِكَ أنَّ الغَزْوَ إنَّما يُقْصَدُ بِهِ وجْهُ اللَّهِ العَظِيمِ، ولِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيا، فَإذا وعَدَ الإمامُ بِالنَّفْلِ قَبْلَ الحَرْبِ خِيفَ أنْ يَسْفِكَ دِماءَهُمْ الغُزاةُ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ.
وأمّا الأثَرُ الَّذِي يَقْتَضِي ظاهِرُهُ جَوازَ الوَعْدِ بِالنَّفْلِ فَهُوَ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ «أنَّ النَّبِيَّ – عليه الصلاة والسلام – كانَ يُنَفِّلُ فِي الغَزْوِ السَّرايا الخارِجَةَ مِنَ العَسْكَرِ الرُّبُعَ، وفِي القُفُولِ الثُّلُثَ».
ومَعْلُومٌ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذا إنَّما هُوَ التَّنْشِيطُ عَلى الحَرْبِ.
وأمّا المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: وهِيَ هَلْ يَجِبُ سَلَبُ المَقْتُولِ لِلْقاتِلِ؟ أوْ لَيْسَ يَجِبُ إلّا إنْ نَفَّلَهُ لَهُ الإمامُ؟ فَإنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ،
فَقالَ مالِكٌ: لا يَسْتَحِقُّ القاتِلُ سَلَبَ المَقْتُولِ إلّا أنْ يُنَفِّلَهُ لَهُ الإمامُ عَلى جِهَةِ الِاجْتِهادِ، وذَلِكَ بَعْدَ الحَرْبِ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ والثَّوْرِيُّ.
وقالَ الشّافِعِيُّ، وأحْمَدُ، وأبُو ثَوْرٍ، وإسْحاقُ، وجَماعَةٌ مِنَ السَّلَفِ: واجِبٌ لِلْقاتِلِ، قالَ ذَلِكَ الإمامُ أوْ لَمْ يَقُلْهُ.
ومِن هَؤُلاءِ مَن جَعَلَ السَّلَبَ لَهُ عَلى كُلِّ حالٍ، ولَمْ يَشْتَرِطْ فِي ذَلِكَ شَرْطًا.
ومِنهُمْ مَن قالَ: لا يَكُونُ لَهُ السَّلَبُ إلّا إذا قَتَلَهُ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ.
ومِنهُمْ مَن قالَ: لا يَكُونُ لَهُ السَّلَبُ إلّا إذا قَتَلَهُ مُقْبِلًا قَبْلَ مَعْمَعَةِ الحَرْبِ أوْ بَعْدَها.
وأمّا إنْ قَتَلَهُ فِي حِينِ المَعْمَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ سَلَبٌ، وبِهِ قالَ الأوْزاعِيُّ. وقالَ قَوْمٌ: إنِ اسْتَكْثَرَ الإمامُ السَّلَبَ جازَ أنْ يُخَمِّسَهُ.
وسَبَبُ اخْتِلافِهِمْ هُوَ احْتِمالُ قَوْلِهِ – عليه الصلاة والسلام – يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَما بَرَدَ القِتالُ: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» – أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنهُ – عليه الصلاة والسلام – عَلى جِهَةِ النَّفْلِ، أوْ عَلى جِهَةِ الِاسْتِحْقاقِ لِلْقاتِلِ. ومالِكٌ – رحمه الله – قَوِيَ عِنْدَهُ أنَّهُ عَلى جِهَةِ النَّفْلِ مِن قِبَلِ أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أنَّهُ قالَ ذَلِكَ – عليه الصلاة والسلام -، ولا قَضى بِهِ إلّا أيّامَ حُنَيْنٍ.
ولِمُعارَضَةِ آيَةِ الغَنِيمَةِ لَهُ إنْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلى الِاسْتِحْقاقِ، أعْنِي قَوْله تَعالى: {واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ} [الأنفال (41)] الآيَةَ.
فَإنَّهُ لَمّا نَصَّ فِي الآيَةِ عَلى أنَّ الخُمُسَ لِلَّهِ عُلِمَ أنَّ أرْبَعَةَ الأخْماسِ واجِبَةٌ لِلْغانِمِينَ، كَما أنَّهُ لَمّا نَصَّ عَلى الثُّلُثِ لِلْأُمِّ فِي المَوارِيثِ عُلِمَ أنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْأبِ.
قالَ أبُو عُمَرَ: وهَذا القَوْلُ مَحْفُوظٌ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي حُنَيْنٍ وفِي بَدْرٍ. ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ: «كُنّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم ».
وخَرَّجَ أبُو داوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشْجَعِيِّ، وخالِدِ بْنِ الوَلِيدِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضى بِالسَّلَبِ لِلْقاتِلِ» “. وخَرَّجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّ البَراءَ بْنَ مالِكٍ حَمَلَ عَلى مَرْزُبانَ يَوْمَ الدّارَةِ، فَطَعَنَهُ طَعْنَةً عَلى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ، فَقَتَلَهُ. فَبَلَغَ سَلَبُهُ ثَلاثِينَ ألْفًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ، فَقالَ لِأبِي طَلْحَةَ: إنّا كُنّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وإنَّ سَلَبَ البَراءِ قَدْ بَلَغَ مالًا كَثِيرًا، ولا أُرانِي إلّا خَمَّسْتُهُ. قالَ: قالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَحَدَّثَنِي أنَسُ بْنُ مالِكٍ أنَّهُ أوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الإسْلامِ. وبِهَذا تَمَسَّكَ مَن فَرَّقَ بَيْنَ السَّلَبِ القَلِيلِ والكَثِيرِ.
واخْتَلَفُوا فِي السَّلَبِ الواجِبِ ما هُوَ؟ فَقالَ قَوْمٌ: لَهُ جَمِيعُ ما وجَدَ عَلى المَقْتُولِ، واسْتَثْنى قَوْمٌ مِن ذَلِكَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ. انتهى. [بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد]
(المسألة الثالثة): تفسير قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
” بسم الله الرحمن الرحيم، سورة الأنفال مدنية، بدرية، في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء.
وقال ابن عباس: هي مدنية إلا سبع آيات، من قوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} إلى آخر السبع آيات.
قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين}.
فيه سبع مسائل:
الأولى: روى عبادة بن الصامت، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقوا العدو; فلما هزمهم الله اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة على العسكر والنهب; فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل، نحن الذين طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة.
وقال الذين استلووا على العسكر والنهب: ما أنتم بأحق منا، هو لنا، نحن حويناه واستولينا عليه; فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين}.
فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فواق بينهم. قال أبو عمر: قال أهل العلم بلسان العرب: استلووا أطافوا وأحاطوا; يقال: الموت مستلو على العباد.
وقوله: فقسمه على فواق يعني: عن سرعة.
قالوا: والفواق ما بين حلبتي الناقة. يقال: انتظره فواق ناقة، أي: هذا المقدار. ويقولونها بالضم والفتح: فواق وفواق. وكان هذا قبل أن ينزل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية. وكأن المعنى عند العلماء: أي: إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعمل بها بما يقرب من الله تعالى.
وذكر محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى الأشدق عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بواء. يقول: على السواء. فكان ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين.
قلت سيف بن دورة: أعله البخاري حيث سأله الترمذي عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا الحديث، إنما روى هذا الحديث داود بن عمرو عن أبي سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
قال محمد – يعني البخاري -: وسليمان بن موسى منكر الحديث، أنا لا أروى عنه شيئا، وروى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير. (ترتيب علل التِّرمِذي الكبير 463)
وفي التاريخ الكبير 8/ 57 قال: وداود أحفظ. يعني رواية الإرسال.
وروي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص، قال: اغتنم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة، فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: نفلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله. قال: رده من حيث أخذته فانطلقت حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه. قال: فشد لي صوته رده من حيث أخذته فانطلقت حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه، قال: فشد لي صوته: رده من حيث أخذته فأنزل الله يسألونك عن الأنفال. لفظ مسلم. والروايات كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية، والله الموفق للهداية.
الثانية: الأنفال واحدها نفل بتحريك الفاء; قال:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل
أي: خير غنيمة.
والنفل: اليمين; ومنه الحديث: فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم.
والنفل الانتفاء; ومنه الحديث فانتفل من ولدها.
والنفل: نبت معروف.
والنفل: الزيادة على الواجب، وهو التطوع.
وولد الولد نافلة; لأنه زيادة على الولد.
والغنيمة نافلة; لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرها. قال صلى الله عليه وسلم: ((فضلت على الأنبياء بست)) – وفيها -: ((وأحلت لي الغنائم)).
والأنفال: الغنائم أنفسها. قال عنترة:
إنا إذا احمر الوغى نروي القنا ونعف عند مقاسم الأنفال
أي: الغنائم.
الثالثة: واختلف العلماء في محل الأنفال على أربعة أقوال:
الأول: محلها فيما شذ عن الكافرين إلى المسلمين أو أخذ بغير حرب.
الثاني: محلها الخمس.
الثالث: خمس الخمس.
الرابع: رأس الغنيمة ;.
وقد روي عنه أن ذلك من خمس الخمس، وهو قول ابن المسيب والشافعي وأبي حنيفة.
وسبب الخلاف حديث ابن عمر، رواه مالك، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا; ونفلوا بعيرا بعيرا.
هكذا رواه مالك على الشك في رواية يحيى عنه، وتابعه على ذلك جماعة رواة الموطأ إلا الوليد بن مسلم، فإنه رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر، فقال فيه: فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا، ونفلوا بعيرا بعيرا، ولم يشك.
وذكر الوليد بن مسلم والحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد – في رواية الوليد: أربعة آلاف – وانبعثت سرية من الجيش – في رواية الوليد: فكنت ممن خرج فيها – فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا، اثني عشر بعيرا; ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا; فكان سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ; ذكره أبو داود.
فاحتج بهذا من يقول: إن النفل إنما يكون من جملة الخمس.
وبيانه أن هذه السرية لو نزلت على أن أهلها كانوا عشرة. مثلاً: أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين، أخرج منها خمسها ثلاثين وصار لهم مائة وعشرون، قسمت على عشرة وجب لكل واحد اثنا عشر بعيرا، اثنا عشر بعيرا، ثم أعطي القوم من الخمس بعيرا بعيرا ; لأن خمس الثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة.
فإذا عرفت ما للعشرة عرفت ما للمائة والألف وأزيد.
واحتج من قال: إن ذلك كان من خمس الخمس،
بأن قال: جائز أن يكون هناك ثياب تباع ومتاع غير الإبل، فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من تلك العروض.
ومما يعضد هذا؛ ما روى مسلم في بعض طرق هذا الحديث: فأصبنا إبلا وغنما; الحديث.
وذكر محمد بن إسحاق في هذا الحديث أن الأمير نفلهم قبل القسم، وهذا يوجب أن يكون النفل من رأس الغنيمة، وهو خلاف قول مالك.
وقول من روى خلافه أولى؛ لأنهم حفاظ; قاله أبو عمر رحمه الله.
وقال مكحول والأوزاعي: لا ينفل بأكثر من الثلث; وهو قول الجمهور من العلماء.
قال الأوزاعي: فإن زادهم فليف لهم ويجعل ذلك من الخمس.
وقال الشافعي: ليس في النفل حد لا يتجاوزه الإمام.
الرابعة: ودل حديث ابن عمر على ما ذكره الوليد والحكم عن شعيب عن نافع: أن السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت أن العسكر شركاؤهم.
وهذه مسألة وحكم لم يذكره في الحديث غير شعيب عن نافع، ولم يختلف العلماء فيه، والحمد لله.
الخامسة: واختلف العلماء في الإمام، يقول قبل القتال: من هدم كذا من الحصن فله كذا، ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله يوم بدر
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشأم: هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وسبي؟. . [تفسير القرطبي] قلت سيف بن دورة: ذكره ابن المنذر من طريق الشعبي أن جرير بن عبد الله البجلي قدم على عمر بن الخطاب …. ففيه انقطاع. إلا إذا أخذه الشعبي من جرير فإن له رواية عنه في صحيح مسلم.
قال ابن المنذر بعد أن ذكر هذا الأثر وغيره: فالسلب مستثنى من جملة الآية يكون للقاتل من حقه الغنيمة قبل الخمس.
(المسألة الرابعة): من أسباب النزول: (من الصحيح المسند من أسباب النزول)
“سورة الأنفال”:
قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية 1.
الترمذي ج4 ص110 حدثنا أبو كريب نا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان يوم بدر جئت بسيف ….. (الصحيح المسند من أسباب النزول للوادعي).
(المسألة الخامسة): في فوائده:
1 – “بيان مشروعية بعث السرايا إلى العدو، لاستنزاف قوته، وعدته، وإرهابه.
2 – أنّ ما تغنمه السرايا المستقلة عن جيش من الكفار هو خاص لها، لا يشاركها المسلمون فيه، وإنما يؤخذ منه الخُمس الذي يصرف مصرف الفيء.
3 – أنّ الغنيمة وإن كثرت تكون بين غزاة السرية بقدر سهمانهم، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه.
4 – إباحة تنفيل مقاتلة السرية زيادة على سهمانها، بما يراه الإمام؛ تقديرًا لجهادهم، وإخلاصهم، وتشجيعًا لهم، ولغيرهم على الجهاد.
5 – فيه جواز تنفيل السرية التي تقطع من الجيش، فتغير على العدو، وتغنم منه، فيعطى أفرادها زيادة على سهمانهم، تقديرًا لأعمالهم، وما قاموا به من بلاء في الجهاد على بقية الغزاة، لكن إن كانت غارة السرية في ابتداء سفر الغزو، والمجاهدين، فتعطى ربع ما غنمت، وإن كانت غارة السرية بعد عودة المجاهدين، فتعطى ثلث ما غنمت.
6 – ووجه زيادة أفراد السرية في حالة القفول على حالة البدء، أنّها في حالة القفول قد فقدت السند الذي تتقوى به، والجيش الذي تأوي إليه، والفئة التي تنحاز إليها، بخلاف حال البدء، فإنّ الجيش يسندها، ويقويها، ويؤمها، كما أنّ الغزو في حالة القفول في حال شوق ورغبة إلى أهله ووطنه، ومتشوف لسرعة الأوبة، لهذا -والله أعلم- استحقت السرية زيادة التنفيل في حالة الرجعة.
7 – وفي الحديث ما يدل على أنّه -صلى الله عليه وسلم- ما كان يزيد عن الثلث في التنفيل.
8 – وصفة التنفيل: أنّ السرية التي تنهض في جملة العسكر، إذا أوقعت بالعدو، فما غنموا في البداءة، كان لهم فيه الربع، وما غنموا في القفول، كان لهم فيه الثلث، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة الأرباع، أو في الثلثين.
9 – وفيه أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن ينفل كل من يبعثه من السرايا، بل إن التنفيل، أمر راجع إلى اجتهاد الأمير ورأيه، فإن رأى مصلحة في التنفيل وتزويد السرية على الجيش زادها، وإن رأى المصلحة في تَرْكِهِ تَرَكَهُ.
10 – القاعدة أنّ العبد إذا خيِّر بين شيئين فأكثر، فإن كان التخيير لمصلحته، فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير، فهو تخيير يلزمه فيه الاجتهاد، واختيار الأصلح، وتخيير الأمير هنا بين التنفيل، أو عدمه من النوع الأخير، الراجع إلى وجوب اختيار الأصلح”. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام لعبد الله البسام (ت (1423))].