: 1131 – 1133 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
ومراجعة سيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-
باب من نام عند السحر
1131 – حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو بن دينار، أن عمرو بن أوس، أخبره: أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما»
1132 – حدثني عبدان، قال: أخبرني أبي، عن شعبة، عن أشعث، سمعت أبي، قال: سمعت مسروقا، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، أي العمل كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: «الدائم»، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: «كان يقوم إذا سمع الصارخ»
حدثنا محمد بن سلام، قال: أخبرنا أبوالأحوص، عن الأشعث، قال: «إذا سمع الصارخ قام فصلى»
1133 – حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: ذكر أبي، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما ألفاه السحر عندي إلا نائما» تعني النبي صلى الله عليه وسلم
———-
مشاركة أبي صالح حازم:
فوائد أحاديث باب (من نام عند السحر)
1 – أحاديث الباب الثلاثة متفق عليها.
2 – قول البخاري في الترجمة (من نام عند السحر) أي لا حرج عليه، بل قد يكون مستحبا، وذلك إذا صلى بين نومتين كما ورد في الحديث الاول.
3 – يرشد البخاري استدلالا بأحاديث الباب أن وقت السحر هو السدس الاخير من الليل.
4 – فيه فضل الصلاة بعد نصف الليل الاول قبل سدس الليل الاخر ترجمه ابن المنذر بذلك في الاوسط ونحوه ابن خزيمة في صحيحه.
5 – حديث عبد الله بن عمرو له سبب، وذلك حين علم النبي صلى الله عليه وسلم بفعل عبد الله وتشديده على نفسه في الصلاة والصيام أخبره بأفضل ذلك.
6 – فيه ذكر وصف قيام نبي الله داود وصيامه عليه السلام. ترجم عليه ابن حبان بنحوه في صحيحه.
7 – فيه فضيلة لنبي الله داود صلى الله على نبينا وعليه وسلم.
8 – القيام لصلاة الفجر من نوم أبعد عن الرياء، حيث لا يظهر عليه أثر القيام.
9 – فيه إثبات صفة المحبة لله سبحانه وتعالى من غير تمثيل ولا تكييف، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
10 – بعض العبادات أحب إلى الله من بعضها الاخر وفي كل خير.
11 – الاعتدال والموازنة بين العبادات أمر مطلوب شرعا، وليست كل زيادة في العمل زيادة في الاجر دائما، فلا أفضل من صيام نبي الله داود عليه السلام.
12 – الصيام والقيام لا ينبغي للمسلم التهاون في وظائفهما المفروض منه والمستحب. وأثرهما في تهذيب خلق المسلم مشهورة معلومة.
13 – وردت زيادة في بعض طرق الحديث في الصحيح بعد قوله (يصوم يوما ويفطر يوما) قال (وكان لا يفر إذا لاقى) قال البغوي في شرح السنة قيل معناه أنه كان لا يستفرغ مجهوده في الصوم والصلاة، بل يستبقي بعض القوة للجهاد وغيره من الاعمال، وسبقه إلى نحو ذلك الطحاوي في شرح مشكل الاثار، وتبعهما ابن الملقن في التوضيح.
14 – فيه الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خبر أن صيام داود أعدل الصيام وأفضله وأحبه إلى الله إذ صائم يوم ومفطر يوم يكون مؤديا لحظ نفسه وعينه وأهله.
15 – قوله في حديث عائشة (الدائم) أي وإن قل يؤيده حديث أم المؤمنين عائشة في الصحيحين أحب الاعمال إلى الله أدومها وإن قل.
16 – فيه أن أحب الاعمال إلى الله تعالى هي أحبها إلى رسوله ضرورة.
17 – فيه النهي عن التشدد، وهو يؤدي عادة إلى الخروج عن الصراط المستقيم.
18 – قوله (إذا سمع الصارخ) قال ابن الملقن في التوضيح و الصارخ الديك، وقلت وقاله قبله ابن الجوزي في غريب الحديث
____
فوائد الأحاديث 1131 و1132 و 1133
19 – فيه أن هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منها السآمة وهذا من يسر الشريعة الاسلامية.
20 – وفيه من المصلحة أيضا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال
21 – فيه فضيلة قيام الليل.
22 – فيه أن النبي صل الله عليه وسلم يحب من العمل ما يحبه الله سبحانه وتعالى لقوله صل الله عليه وسلم: “أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل” ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لما سألها مسروق عن أحب العمل إلى النبي صل الله عليه وسلم قالت: أدومه.
23 – من اسباب محبة الله سبحانه وتعالى إلى العمل الدائم وإن قل ما فيه من استمرار الوصل بين العبد وربه.
24 – وقوله ” الدائم ” أي المواظبة العرفية.
25 – وقوله ” الصارخ ” أي الديك.
26 – وفي هذا الحديث الحث على المداومة على العمل وإن قل.
27 – وفيه الاقتصاد في العبادة وترك التعمق فيها لأن ذلك أنشط والقلب به أشد انشراحا.
28 – قوله: (ما ألفاه) بالفاء أي: وجده والمراد: نومه بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ جمعا بينه وبين رواية مسروق التي قبلها.
29 – فيه أن النبي صل الله عليه وسلم كان يرتب وقته وينظم عبادته.
………
حديث 1132
30 – بوب عليه النسائي: باب وقت القيام.
31 – بوب عليه ابن حبان:
ذكر الوقت الذي يوتر فيه المرء بالليل إذا عقب تهجده به.
32 – قال النووي في شرح مسلم: قولها كان إذا سمع الصارخ قام فصلى الصارخ هنا هو الديك باتفاق العلماء قالوا وسمى بذلك لكثرة صياحه
33 – قال الحافظ في الفتح:
وقوله الصارخ أي الديك ووقع في مسند الطيالسي في هذا الحديث الصارخ الديك والصرخة الصيحة الشديدة وجرت العادة بان الديك يصيح عند نصف الليل غالبا قاله محمد بن ناصر قال بن التين وهو موافق لقول بن عباس نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل وقال بن بطال الصارخ يصرخ عند ثلث الليل وكان داود يتحرى الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل كذا قال والمراد بالدوام قيامه كل ليلة في ذلك الوقت لا الدوام المطلق
حديث 1133
34 – بوب عليه أبو داود: باب وقت قيام النبى -صلى الله عليه وسلم- من الليل.
35 – بوب ابن حبان في صحيحع: ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه و سلم كان يجعل آخر صلاته بالليل نومة خفيفة قبل انفجار الصبح في بعض الليالي دون بعض.
36 – قال الشيخ عبدالمحسن العباد:
[(ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً)] ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاته قبل أن يجيء السحر كما سبق في الحديث الذي مر، بحيث لا يأتي السحر إلا وقد أنهى حزبه، أي أنه كان في السحر يستريح استعداداً لصلاة الفجر صلى الله عليه وسلم، فهذا مثل الحديث المتقدم ..
حديث 1133 ما ألفاه السحر …
37 – قال العثيمين رحمه الله:
إذا كانت الرواية محفوظة بالرفع (السحرُ) فتوجيهه ما ذكره ابن حجر في الشرع، ولكن القواعد تقتضي أنه بالنصب، أي ما ألفاه (السحرَ) أي في السحر إلا نائما. اهـ
…………………………..
38 – بوب البخاري في كتاب الأنبياء: باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود.
39 – بوب ابن خزيمة رحمه الله: باب فضل صلاة الليل وقبل السدس الآخر.
40 – بوب النووي على مسلم: 35 – باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم، وإفطار يوم.
41 – بوب النسائي في السنن: ذكر صلاة نبي الله داود عليه السلام بالليل.
42 – أورد البخاري هذا الحديث مقطعا في ثمانية عشر موضعا
قال محقق فيض الباري: أطرافه 1152، 1153، 1974، 1975، 1976، 1977، 1978، 1979، 1980، 3418، 3419، 3420، 5052، 5053، 5054، 5199، 6134، 6277 – تحفة 8897
43 – قال المناوي في فيض القدير:
(ويقوم ثلثه) من أول النصف الثاني لكونه وقت التجلي وهو أعظم أوقات العبادة وأفضل ساعات الليل والنهار (وينام سدسه) الأخير ليريح نفسه ويستقبل الصبح وأذكار النهار بنشاط ولا يخفى ما في ذلك من الأخذ بالأرفق على النفس التي يخشى سآمتها المؤدية لترك العبادة والله يحب أن يوالي فضله ويديم إحسانه. اه
فوائد ذكرها الأثيوبي في شرح النسائي:
فوائده:
44 – منها: مشروعية الاقتداء بالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – في العبادات، كما أمر اللَّه تعالى نبيّه – صلى اللَّه عليه وسلم – بذلك، حيث قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الآية [الأنعام: 90].
45 – ومنها: أنه يدلّ على أن صوم يوم، وفطر يوم أحبّ إلى اللَّه تعالى من غيره، وإن كان أكثرَ منه، وما كان أحبّ إلى اللَّه تعالى فهو أفضل، والاشتغال به أولى، وقد ثبت في رواية مسلم: أن عبد اللَّه بن عمرو – رضي اللَّه عنهما – قال للنبي – صلى اللَّه عليه وسلم -: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي – صلى اللَّه عليه وسلم -: “لا أفضل من ذلك”.
47 – ومنها: استحباب المداومة على صلاة الليل، وعدم قطعها بسبب طول السهر المؤدِّي إلى الملل والسآمة، بل يلتزم ذلك على الوجه الذي لا يشق على نفسه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب. اهـ
####
مشاركة سيف الكعبي:
48 – قال الشيخ عبد المحسن العباد:
” ينام نصف الليل يعني: بعد صلاة العشاء، فيحسب من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فنصفه يكون نوماً، ثم بعد ذلك يكون ثلثه ” انتهى.
“شرح سنن أبي داود” (13/ 287) – ترقيم الشاملة.
ثم كان عليه السلام يقوم بعد ذلك للصلاة، فيصلي ثلث الليل، ثم ينام سدسه إلى الفجر.
والحكمة في ذلك: لئلا تصيب النفس السآمة، وليقوم لصلاة الفجر وما يتلوها من أذكار الصباح نشيطا غير كسلان، وليبدأ عمله اليومي كذلك، فيستطيع أن يقوم بتأدية ما عليه من الحقوق تجاه أهله وولده والناس وتجاه عمله الذي يزاوله، فلا يذهب إلى العمل والنوم يغالبه، إلى غير ذلك من الفوائد والمصالح.
49 – قال الحافظ رحمه الله:
” قَالَ الْمُهَلَّب: … وَإِنَّمَا صَارَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَة أَحَبّ مِنْ أَجْل الْأَخْذ بِالرِّفْقِ لِلنَّفْسِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا السَّآمَة , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا ” وَاَللَّه أَحَبَّ أَنْ يُدِيم فَضْله وَيُوَالِي إِحْسَانه , وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَة أَيْضًا اِسْتِقْبَال صَلَاة الصُّبْح وَأَذْكَار النَّهَار بِنَشَاطٍ وَإِقْبَال , وَأَنَّهُ أَقْرَب إِلَى عَدَم الرِّيَاء لِأَنَّ مَنْ نَامَ السُّدُس الْأَخِير أَصْبَحَ ظَاهِر اللَّوْن سَلِيم الْقُوَى فَهُوَ أَقْرَب إِلَى أَنْ يُخْفِي عَمَله الْمَاضِي عَلَى مَنْ يَرَاهُ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن دَقِيق الْعِيد ” انتهى باختصار.
50 – وقال ابن القيم رحمه الله:
” وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْف , وَهُوَ مَا يَتَخَلَّل الصِّيَام وَالْقِيَام مِنْ الرَّاحَة الَّتِي تجمّ بِهَا نَفْسه , وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى الْقِيَام بِالْحُقُوقِ ” انتهى من “تهذيب سنن أبي داود” (1/ 475).
51 – وقال ابن عثيمين رحمه الله:
” التهجد في الليل من أفضل العبادات وهو أفضل الصلوات بعد الفرائض، فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار ولاسيما في الثلث الأخير منه، وأفضل تجزئة لليل صلاة داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أحيانا بل الأغلب عليه ذلك، وعلى هذا فنقول: أفضل صلاة الليل ما كان بعد النصف إلى أن يبقى سدس الليل ” انتهى.
“فتاوى نور على الدرب” (161/ 1) ترقيم الشاملة.
52 – روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ).
وروى مسلم (1163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ).
وروى الترمذي (3579) وصححه عن عَمْرُو بْن عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) وصححه الألباني.
فهذا يدل على أن جوف الليل الآخر أفضل أوقات صلاة الليل والدعاء.
53 – والجمع بين هذه الأحاديث وحديث صلاة نبي الله داود: أن من صلى صلاة داود عليه السلام سيدرك الثلث الأخير.
54 – قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت النُّزول الإلهي؟.
فالجواب: أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير، فيحصُل المقصودُ، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قال: (أفضلُ الصَّلاة صلاة داود).
” انتهى من “الشرح الممتع” (4/ 75 – 76).
55 – عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: (مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا) تَعْنِى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قال العيني رحمه الله:
” يعني ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم، فعلى هذا كانت صلاته بالليل وفعله فيه إلى السحر، ويقال: هذا النوم هو النوم الذي كان داود عليه الصلاة والسلام ينام، وهو أنه كان ينام أول الليلة، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل: هل من سائل؟ ثم يستدرك من النوم ما يستريح به من نصب القيام في الليل، وهذا هو النوم عند السحر على ما بوب له البخاري “.
انتهى من “عمدة القاري” (11/ 284).
وقال ابن الأثير رحمه الله:
” أي ما أتَى عليه السَّحَرُ إلا وهو نائم. تَعني بعد صلاة الليل “.
انتهى من “النهاية” (4/ 530).
56 – وقال ابن الجوزي رحمه الله:
وقد قيل إن سبب الصفرة في الوجه سهر آخر الليل، فإذا نام الإنسان قبل الفجر لم تظهر عليه صفرة في الوجه ولا أثر في السهر ” انتهى من “كشف المشكل من حديث الصحيحين” (ص 1224).
فتبين بذلك أن غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل، يوافق صلاة نبي الله داود عليه السلام.
57 – ينبغي التنبه إلى أن الإنسان يحرص على صلاة الليل بالصورة التي تناسب حاله، وبالقدر الذي يغلب على ظنه أنه يداوم عليه، فإن الناس تختلف أحوالهم، فمنهم من ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا، ومنهم من يكون عمله ووظيفته بالليل، ومنهم من يعمل بالليل والنهار، فليحرص كل مسلم على صلاة الليل، بالقدر الذي يمكنه الوفاء به، والثبات عليه؛ حتى ولو لم يوافق ما تقدم من الحال الأفضل، ثم ليكن حرصه على القيام لصلاة الفجر هو المقدم في كل الأحوال.
والله تعالى أعلم.
57 – وصف النبي صلى الله عليه وسلم نبي الله داود عليه السلام بأنه كان أعبد الناس، ومقام العبودية من أعلى المقامات، فكيف إذا كان الموصوف هو أعبد الناس؟
58 – كان داود عليه السلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له ذلك في كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر عليه أن يجزئه بالصيام لأنه لا يتبعض، جعل عوضاً من ذلك أن يصوم يوماً ويفطر يوماً.
59 – ولا تتعارض هذه الأفضلية مع النهي عن صيام يوم الجمعة، لأن النهي عن صيام الجمعة إنما هو فيمن خصَّه من بين الأيام، والذي يصوم صيام داود عليه السلام لم يتقصد يوم الجمعة بصيام.
60 – لماذا لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم كصيام داود، مع أنه أفضل الصيام؟
لقد وقع على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم عاتق الدعوة كاملا، فحياته كلها جهاد واجتهاد ودعوة وصلة واتباع جنازة والمشي في حوائج المسلمين، بخلاف نبي الله داود عليه السلام الذي كان ملكا فيأمر بالأمر فيسارع إلى تنفيذه. كذا قرر باحث
قلت سيف: لكن ورد عن بعض الصحابة وهو يصف صوم النبي صلى الله عليه وسلم كان لا تريد أن تراه صائما إلا رأيته ولا تريد أن تراه مفطرا إلا رأيته.
61 – وفيه من الفوائد استحباب إخفاء العمل الصالح ليكون أقرب إلى الإخلاص. فالصلاة من أقرب القربات وقيام الليل أفضل صلاة بعد المكتوبة لما فيها من الخفاء والمناجاة.
62 – من الصفات العظيمة التي كان يتمتع بها داود أنه شجاع، فلا يفر من أرض المعركة، بل يواجه العدو بما آتاه الله من قوة وشجاعة.
ففي رواية (وكان لا يفر إذا لاقى) فهو لم يكن يقوم الليل كله ولا يصوم الدهر كله لتستقيم له بقية العبادات من الجهاد وغيره.
63 – وفيه دليل على تواضعه فرغم أنه ملك يستطيع أن يأمر الجنود بالحرب دون مشاركته، إلا أنه كان يؤثر المشاركة لما فيها من الأجر والتواضع.
64 – رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم ورحمته بهم، حيث لم يشرع لهم قيام الليل كله، وصيام الدهر كله رغم وجود من يقدر على هذا كأمثال عبد الله بن عمرو بن العاص.
65 – الإرشاد إلى الاقتصاد في العبادة، لأن الله يحب من العمل ما داوم صاحبه عليه.
66 – الإرشاد إلى تدبر القرآن. وقال ابن مسعود لرجل قال: قرأت البارحة المفصل في ركعة. قال: هذاً كهذ الشعر.
67 – للجسم على صاحبه حق، وحق الجسم أن يترك فيه من القوة ما يستديم به العمل، لأنه إذا أجهد نفسه قطعها عن العبادة وفترت.
وهناك فوائد أخرى في حديث وعظ النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو في عدم الأخذ بالشدة في الصوم والصلاة لعلنا نذكرها ان شاء الله في موضع آخر.
68 – هل يوجد تعارض بين الاجتهاد والمثابرة في العبادة وبين حديث (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)؟
السؤال:
لا تعارض بين الجد والمثابرة وإتقان العمل بل والإكثار من العمل الصالح والمسابقة إلى الخيرات، وبين الأمر بالقصد والاعتدال والبعد عن التشديد على النفس وتكليفها ما لا تطيق.
فقد ذكر الله تعالى في القرآن ما يدل على الأمرين ووضح ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والعملية
أما القرآن فقد قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) البقرة/185
وقال – تعالى -: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/ 78.
وقال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران / 133.
وأما السنة:
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (لن ينجي أحداً منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته. سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) رواه البخاري (6463).
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سئل النبي – صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أدومها وإن قل. وقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون) رواه البخاري (6465).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) البخاري (39).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” (ما تطيقون) أي قدر طاقتكم، والحاصل أنه أمر بالجد في العبادة، والإبلاغ بها إلى حد النهاية، لكن بقيد: ما لا تقع معه المشقة المفضية إلى السآمة والملال” انتهى من “فتح البارى” (11/ 299).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ” فإن المشروع المأمور به الذي يحبه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – هو الاقتصاد في العبادة .. ”
إلى أن قال: ” فمتى كانت العبادة توجب له ضرراً يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها، كانت محرمة، مثل أن يصوم صومأ يضعفه عن الكسب الواجب، أو يمنعه عن العمل أو الفهم الواجب، أو يمنعه عن الجهاد الواجب.
وكذلك إذا كانت توقعه في محل محرم لا يقاوم مفسدته مصلحتها، مثل أن يخرج ماله كله، ثم يستشرف إلى أموال الناس ويسألهم.
وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها، وأوقعته في مكروهات، فإنها مكروهة” انتهى من “مجموع الفتاوى” (25/ 272).
وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في معرض شرحه للأحاديث المذكورة السابقة أن فيها إشارة إلى أن أحب الأعمال إلى الله – عز وجل – شيئان:
أحدهما: ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً، وهكذا كان عمل النبي – صلى الله عليه وسلم – وعمل آله وأزواجه من بعده. وكان ينهى عن قطع العمل.
والثاني: أن أحب الأعمال إلى الله ما كان على وجه السداد والاقتصاد والتيسير، دون ما كان على وجه التكلف والاجتهاد والتعسير.
وقال – رحمه الله – في تفسير (سددوا وقاربوا): المراد بالتسديد: العمل بالسداد، وهو القصد، والتوسط في العبادة فلا يقصر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه. انتهى من (المحجة في سير الدلجة 45 – 51)
وحتى في أمور الدنيا لا يشق على نفسه. وإن كان الأمر فيها أوسع
والجامع فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مسلم (2664).
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.
والله تعالى أعلم.