1131 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وموسى الصومالي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1131):
قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا زيد يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ أَبُو الْمُعَلَّى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثَقُلَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ يَا مَعْقِلُ أَنِّي سَفَكْتُ دَمًا؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي دَخَلْتُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ، قَالَ: أَجْلِسُونِي، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعْ يَا عُبَيْدَ اللَّهِ حَتَّى أُحَدِّثَكَ شَيْئًا لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ.
قال مقبل الوادعي: هذا حديث صحيح ويزيد بن مرة أبو معلى تصحف وهو زيد بن مرة كما في الكنى للدولابي والجرح والتعديل لابن أبي حاتم. ولم أجد ترجمته في تهذيب التهذيب ولا في تعجيل المنفعة.
وفي الجرح والتعديل أنه وثَّقه أبوداود الطيالسي ويحيى بن معين. وقال أبوحاتم: صالح الحديث.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
تخريج:
الحديث أخرجه أحمد في مسنده وحكم الألباني بضعفه في ضعيف الترغيب ثم وجدته في الضعيفه 6646 واستغرب كيف خفي زيد بن مرة على المنذري والذهبي والهيثمي وابن الملقن مع أن ترجمته في التاريخ الكبير والجرح والتعديل وابن حبان ذكره في طبقة التابعين من الثقات. ووثقه أبوداود الطيالسي وابن معين وقال أبوحاتم: صالح الحديث.
ونقل عن الحاكم انه قال في المستدرك وروى هذا الحديث: لا أعرف زيدا هذا.
وفي مختصره قال الحاكم هذه الأحاديث الستة خرجتها هنا لما الناس فيه من الضيق وليست من شرط الكتاب
واعتمد محقق مختصر الذهبي للمستدرك على كلام من جهله.
لكن ضعف الحديث بتدليس الحسن.
قال مقبل الوادعي في حديث قبل هذا 1129 من الصحيح المسند: … هذا حديث صحيح
والحسن قد سمع من معقل بن يسار وقد روى البخاري في صحيحه للحسن عن معقل فلا التفات لمن نفاه
وترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام قال: زيد بن أبي ليلى ابوالمعلى الوفاة 151 – 160: رأى انسا وسمع الحسن وثقه ابن معين. روى وأبو داود عنه وعن الحسن عن معقل في ذم الاحتكار
وفي الذيل على كتب الجرح والتعديل لطارق آل بن ناجي: قال الآجري قال أبوداود السجستاني: بصري ليس به بأس. وقال ابن عبدالبر الأندلسي هو عندهم ثقة.
وقال محققو المسند 8/ 485: وعن معقل بن يسار بإسناد ضعيف 5/ 27 بترقيم مجلداتهم 33/ 425 (20313): لفظه من دخل في شيء من أسعار المسلمين. ..
لكن هناك قالوا: إسناد جيد ثم نقلوا التوثيقات السابقة
وقالوا: الحسن البصري قد شهد هذا المجلس عندما ثقل معقل بن يسار وسمع فيه أيضا غير هذا الحديث.
وذهب باحث لشذوذه حيث الأصح انه بلفظ: ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة. أخرجه خمسه
وفيهم الحسن البصري. ورواة عن الحسن البصري ثمانية أنفس. وبعضهم روايته في الصحيحين
وانفرد زيد بن مرة عن الحسن باللفظ الذي عند أحمد.
وسيأتي في آخر المبحث تفصيل الطرق التي ذكرها الباحث
تمهيد:
“الإسلام دين المحبة والتعاون والإيثار، يدعو إلى كل ما يحقق ذلك، ويحرم كل ما يؤدي إلى نقيض ذلك، يحذر من كل ما يبعث الشقاق والتقاطع، ويمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، واستغلال حاجة المحتاج، والإثراء على حساب المضطرين، وأصعب ما لا يستغني عنه الإنسان القوت والطعام، من هنا يحرم الإسلام احتكاره واحتباسه عن المحتاجين، لإذلالهم وإخضاعهم، أو للثراء على حساب حاجتهم وشدتهم.
فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن شق على الناس شق الله عليه، فالجالب مرزوق، والمحتكر ملعون ومن احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس، ومن احتكر حكرة، يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ”. [فتح المنعم، بتصرف].
أولاً: بيان الحديث:
قوله ((مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
وجاء في صحيح مسلم: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، يُحَدِّثُ أَنَّ مَعْمَرًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ))، فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ، قَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ، كَانَ يَحْتَكِرُ.
((من احتكر فهو خاطئ)) يقال: حكر من باب فرح، فهو حكر، كفرح، والاسم الحُكْرَة، بضم الحاء وسكون الكاف، وكذلك الحكر، وأصل الحكرة الجمع والإمساك، والمراد منها هنا حبس السلعة عن البيع، وقال الكرماني: الحكرة احتكار الطعام، أي: حبسه يتربص به الغلاء، واشترط الفقهاء لها شروطا.
والخطأ كما يقول أهل اللغة بفتح الخاء والطاء، والخطء بفتح الخاء وسكون الطاء ضد الصواب، وخطئ الرجل يخطأ، من باب فرح أذنب، وتعمد الذنب، أما أخطأ فيقال لمن سلك سبيلاً خطأ، عامداً، أو غير عامد، وقيل: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ من تعمد غير الصواب، وقال أبو عبيد: خطئ خطأ من باب علم، وأخطأ، بمعنى واحد، لمن يذنب على غير عمد.
قال النووي: هذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار، قال أصحابنا: الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء، للتجارة، ولا يبيعه في الحال، بل يدخره، ليغلو ثمنه، فأما إذا جاءه من أرضه، أو اشتراه في وقت الرخص وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه في وقته، فليس باحتكار، ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال. هذا تفصيل مذهبنا.
قال العلماء: والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام، واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه، دفعاً للضرر عن الناس.
ثم قال: وأما ما ذكر عن سعيد بن المسيب ومعمر راوي الحديث أنهما كانا يحتكران، فقال ابن عبد البر وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت، وحملا الحديث على احتكار الأقوات عند الحاجة إليها والغلاء، وكذا حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون، وهو صحيح. والله أعلم. [فتح المنعم]
فَرَهَّبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الِاحْتِكَارِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ -أَيْضًا- عَلَى أَنَّ الِاحتِكَارَ حَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي الْأَقْوَاتِ، وَالطَّعَامِ؛ طَعَامِ الْإِنْسَانِ، مِثْلِ: الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، وَمَا أَشْبَهَ، وَالتِّينِ، وَالْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَاللَّوْزِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقُومُ بِهِ الْبَدَنُ.
وَكَذِلِكَ يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي طَعَامِ الْبَهَائِمِ؛ كَتِبْنٍ وَغَيْرِهِ مِنْ عَلَفِ الدَّوَابِّ؛ فَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِيهَا.
وَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ -أَيْضًا- عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ، لَا فِي وَقْتِ السَّعَةِ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ الِاحْتِكَارُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، مِنَ الْكَتَّانِ، وَالْقُطْنِ، وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ، أَوْ كُلِّ مَا أَضَرَّ بِالنَّاسِ حَبْسُهُ، قُوتًا كَانَ أَوْ لَا، وَلَوْ ثِيَابًا، أَوْ دَرَاهِمَ.
وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ الْجُمْهُورَ خَصُّوا الِاحْتِكَارَ بِالْقُوتَيْنِ: قُوتِ النَّاسِ، وَقُوتِ الْبَهَائِمِ؛ نَظَرًا لِلْحِكْمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلتَّحْرِيمِ؛ وَهِيَ: دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ، وَالْأَغْلَبُ فِي ذَلِكَ إِنَّما يَكُونُ فِي الْقُوتَيْنِ. وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ -أَيْ: مَنَعُوا الِاحْتِكَارَ- مُطْلَقًا.
واختار الشوكاني أن الإحتكار محرم في كل ما تدعو إليه حاجة الناس و استدل معقل بن يسار كما في السيل الجرار
قال السبكي الذي ينبغي أن يقال في ذلك إنه إن منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى
وأما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب
والحاصل أن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار إلا على وجه يضر بهم ويستوى في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع والله أعلم
راجع عون المعبود
و النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ -وَهُوَ عَلَى عَكْسِ مَا يَفْعَلُونَ-: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ثَوْبٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ثَوْبَ لَهُ»، فَمَا زَالَ يُعَدِّدُ مِنْ أَصْنَافِ الفَضْلِ، حَتَّى ظَنَّ الصَّحَابَةُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْفَضْلِ؛ يَعْنِي: فِي الزِّيَادَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ مَرْكُوبٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ.
[ضَوَابِطُ الْأَسْوَاقِ وَآدَابُهَا، للشيخ محمد سعيد رسلان]
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى:
“المحتكر: هو الذي يشتري السلع وقت مضايقة الناس، وقد جاء في الحديث لعن ذلك والوعيد فيه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتكر إلا خاطئ))، وقال: ((من احتكر فهو خاطئ)) يعني: فهو آثم.
قال العلماء: هم الذين يشترون السلع يعني: الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة، ويخزنه إذا اشتد الغلاء حتى يبيعه بأكثر.
أما الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق، وعدم الضرر على أحد، ثم إذا تحركت السلع باعه مع الناس من دون أن يؤخره إلى شدة الضرورة، بل متى تحركت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه، وهذا عمل التجار في قديم الزمان وحديثه. نعم. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبالله بن باز رحمه الله تعالى، حكم الاحتكار، نور على الدرب].
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
“الاحتكار في ما يحتاج الناس إليه محرم؛ لأن ذلك مضر بهم، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ» والخاطئ هو مرتكب الذنب عمداً، ولكن الاحتكار أنما يكون فيما لا يوجد عند غير هذا المحتكر،
وأما ما كان يوجد عنده وعند غيرك وأراد أن يبقي السلعة عنده حتى يأتي موسمها، فإن هذا لا بأس به ولا يعد هذا احتكاراً، فلو أن شخصاً اشترى رزاً مثلاً وقال: أدخره إلى وقت موسمه، والناس عندهم الرز يبيعون كما يشاؤون فإن هذا لا يعتبر محتكراً، أما إذا كان لا يوجد إلا عنده، وحبسه حتى يأتي وقت الغلاء؛ فإنه يكون محتكراً.
قال أهل العلم: ويلزم ولي الأمر أن يجبر المحتكر على أن يبيع ما احتكره كما يبيع الناس في الوقت الذي يحتاجون إليه لأن هذا من المصالح العامة. نعم”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، معنى حديث: ((لا يحتكر إلا خاطاء))، فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [323]].
تنبيه: إذا ارتفعت الأسعار دون احتكار ودون تواطاء فيطبق حديث … أنس:
قال النَّاسُ يا رسولَ اللَّهِ، غلا السِّعرُ فسعِّر
لَنا، قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ هوَ المسعِّرُ القابضُ الباسطُ الرَّازقُ، وإنِّي لأرجو أن ألقَى اللَّهَ وليسَ أحدٌ منكُم يطالبُني بمَظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ
أخرجه أبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200)، وأحمد (14057) باختلاف يسير.
مسائل الحديث:
(المسألة الأولى): ((جُمْلَةٌ مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَسْوَاقِ))
إِنَّ آدَابَ السُّوقِ مِنْ جُمْلَةِ الْآدَابِ الَّتِي بَيَّنَهَا كِتَابُ رَبِّنَا, وَوَضَّحَتْهَا سُنَّةُ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم-.
وَقَدْ ذَكَرَ الْكِتَابُ وَذَكَرَتِ السُّنَّةُ آدَابًا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ فَيَنْبَغِي لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَنْ يَتَخَلَّقَا بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَمَا أَحْوَجَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ تَارِيخِهِمْ إِلَى مَعْرِفَةِ الْآدَابِ الَّتِي دَلَّهُمْ عَلَيْهَا دِينُهُمْ, وَأَرْشَدَتْهُمْ إِلَيْهَا سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ -صلى الله عليه وسلم-.
وَمِنْ هَذِهِ الْآدَابِ:
*إِخْلَاصُ النِّيَّةِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لِإِعْفَافِ نَفْسِهِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَى عِيَالِهِ، وَإِعْزَازِ الْمُسْلِمِينَ بِكَثْرَةِ ثَرْوَاتِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْجَرُ بِهِ الْعَبْدُ، وَلَا يَكُونُ هَمُّهُ جَمْعَ الْأَمْوَالِ تَكُثُّرًا وَبَطَرًا وَأَشَرًا وَإِعْجَابًا.
((*وَمِنْ آدَابِ الْأَسْوَاقِ: ذِكْرُ اللهِ -تَعَالَى- وَحُسْنُ مُرَاقَبَتِهِ، فَذِكْرُ اللهِ يَلْتَزِمُهُ الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ حَالٍ.
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ؛ وَذَلِكَ بِالدِّرَاسَةِ الْجَيِّدَةِ لِإِتْقَانِ مِهْنَةِ الْعَمَلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- -: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنَّي فَعَلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)).
فَيَاخُذُ بِالْأَسْبَابِ مُتَوِّكِلًا عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَالِقِهَا.
قال تعالى {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: عَدَمُ الِانْشِغَالِ عَنِ الطَّاعَاتِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُدَاوِمًا عَلَى التَّقْوَى، وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي تَحْصِيلِ الْأَرْزَاقِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 – 3].
وَقَدْ أَثْنَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]، وَذَمَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- آخَرِينَ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11].
قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ-: ((لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَفِيهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ)).
*مِنْ آدَابِ الْأَسْوَاقِ: عَدَمُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 9 – 10].
*مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: طَلَبُ الرِّزْقِ الْحَلَالِ؛ قَالَ تَعَالَى: {قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100].
وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168].
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ)).
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ … ). وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).
وَوَرَدَ الذَّمُّ فِيمَنْ لَا يُبَالِي مَنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ؛ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((يَاتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ؛ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ)). وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ)).
*مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَهَذَا عَلَى الْوُجُوبِ، فَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى مَنْ يُزَاوِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي ((السُّنَنِ))، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ-: ((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)).
فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ صَحِيحَ الْعُقُودِ مِنْ فَاسِدِهَا؛ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَالْحَرَامِ.
وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يَطُوفُ بِالسُّوقِ وَيَضْرِبُ بَعْضَ التُّجَّارِ بِالدِّرَّةِ، وَيَقُولُ: ((لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا هَذَا إِلَّا مَنْ تَفَقَّهَ، وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا شَاءَ أَمْ أَبَى)).
*مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: السَّمَاحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ, وَإِذَا اشْتَرَى, وَإِذَا اقْتَضَى)). وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ)).
قَالَ الْحَافِظُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي شَرْحِهِ: ((فِيهِ الْحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَاسْتِعْمَالُ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ، وَتَرْكُ الْمُشَاحَّةِ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى أَخْذِ الْعَفْوِ مِنْهُمْ)).
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: تَجَنُّبُ الصَّخَبِ بِالْأَسْوَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ، فَهَذَا يَتَنَافَى مَعَ الْوَقَارِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَقَدْ سُئِلَ عَنْ وَصْفِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: ((أَجَلْ؛ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ وَلَا صَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ -وَأَيْضًا بِالسِّينِ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ بَيْنَ السِّينِ وَالصَّادِ، وَهُمَا بِمَعْنًى- وَلَا سَخَّابٌ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا)).
وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
*مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: إِنْظَارُ الْمُوسِرِ وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُعْسِرِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
وَعَنْ حُذَيْفَةَ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟
قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ)).
قَالَ: ((فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ)).
قَالَ الْحَافِظُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((فَإِذَا أَعْسَرَ الْمَدْيُونُ وَجَبَ إِنْظَارُهُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ضَرْبِهِ وَلَا إِلَى حَبْسِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَأَرْجَحُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّحْدِيدَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى الْعُرْفِ، فَمَنْ كَانَ حَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مِثْلِهِ يُعَدُّ يَسَارًا فَهُوَ مُوسِرٌ، وَعَكْسُهُ بِعَسْكِهِ)).
فَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَافِظُ فِي ((الْفَتْحِ))، وَبِنَحْوِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَبْلُ -رَحِمَ اللهُ عُلَمَاءَنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَجْمَعِينَ-.
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: الصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ، فَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).
الصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ وَعَدَمُ التَّدْلِيسِ وَالْخِيَانَةِ ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ -مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى كَوْمَةٍ مِنْ طَعَامٍ-، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا, فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!»
قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ))؛ أَيْ: إِلَّا أَخْبَرَ الْمُشْتَرِيَ.
هَذِهِ آدَابُ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ قَوَاعِدُهُ: لَا غِشَّ، وَلَا خِدَاعَ، وَلَا تَدْلِيسَ، وَلَا تَزْيِيفَ.
*مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: عَدَمُ تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((الْحَلِفُ مُنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)).
وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ((الْحَلِفُ الْكَاذِبُ .. )).
وَمَعْنَى: ((مَنْفَقَةٌ))؛ أَيْ: يَكْثُرُ الْمُشْتَرُونَ وَيَرْغَبُونَ فِي سِلْعَتِهِ بِسَبَبِ حَلِفِهِ، ((مَمْحَقَةٌ)): مِنَ الْمَحْقِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْإِعْطَالُ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، قَالَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا .. مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ)).
-أَيْضًا-؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِغَشَّاشٍ بِحَالٍ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)).
*مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: الْإِكْثَارُ مِنَ الصَّدَقَاتِ .. لِمَاذَا؟!!
لِكَيْ يُطَهِّرَ الْمَالَ لحديث: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ؛ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ)). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
السِّمْسَارُ أَعْجَمِيٌّ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُعَالِجُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنَ الْعَجَمِ، فَتَلَقَّى الْعَرَبُ هَذَا الْاسْمَ عَنْهُمْ، فَغَيَّرَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى التِّجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: أَنْ يَفِيَ الْمَدِينُ بِالدَّيْنِ إِذَا حَلَّ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ , فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَع». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهِيَ الْحَوَالَةُ, ((فَإِنَّهُ إِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ -أَيْ: عَلَى غَنِيٍّ- فَلْيَتْبَعْ)). الْحَدِيثُ مُتَّفَقُ عَلَيْهِ.
وَالْمَطْلُ: مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ.
فَـ ((مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ؛ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ)).
*وَمِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: عَدَمُ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ؛ فَمِنْ كَبائِرِ الإِثْمِ وَعَظَائِمِ الذُّنُوبِ: تَطْفِيفُ المَكَايِيلِ وَالمَوَازِينِ.
وَالتَّطْفِيفُ: البَخْسُ وَالنَّقْصُ؛ فَهُوَ مُطَفِّفٌ، وَالْجَمْعُ: مُطَفِّفُونَ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7 – 9].
وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- فِي رِعَايَةِ الْمَوَازِينِ: «إِذَا وَزَنْتُمْ فَأَرْجِحُوا».
وَفِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ تَجْعَلُ التَّلَاعُبَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ كَبِيرَةً مُوبِقَةً مُهْلِكَةً؛ هِيَ قَوْلُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1 – 6].
وَالْوَيْلُ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَتَهَدَّدُ بِهِ الرَّبُّ -جَلَّ وَعَلَا- أُولَئِكَ الَّذِينَ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ، وَبَاعُوا ذِمَمَهُمْ، وَتَعَدَّوْا عَلَى حُقُوقِ الْآخَرِينَ.
وَقَدْ حَذَّرَ نَبِيُّ اللهِ شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ بَخْسِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ وَالتَّطْفِيفَ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 84 – 85].
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَمُرُّ بِالبَائِعِ فَيَقُولُ: «اتَّقِ اللهَ، وَأَوْفِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ، فَإِنَّ الْمُطَفِّفِينَ يُوقَفُونَ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لِأَصْحَابِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ: «إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرًا فِيهِ هَلَكَتِ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ قَبْلَكُمْ».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «وَلَمْ يُنْقِصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ المَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ».
فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ الْعَدْلِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الشِّرَاءِ وَفِي كُلِّ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا يَقْبَلُ الظُّلْمَ, وَقَدْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَ الْعِبَادِ مُحَرَّمًا.
*وَيَنْبَغِي اجْتِنَابُ الْبُيُوعِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْخَبِيثَةِ؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
وَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
وَمِنْ آدَابِ السُّوقِ:
عَدَمُ التَّعَدِّي عَلَى حُقُوقِ الْآخَرِينَ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: نَهْيُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ». وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
(المسألة الثانية): في فوائده:
1 – في الحديثِ: بيان محاسن الإسلام في بيان ضوابط وآداب البيع.
2 – وفي الحديثِ: النَّهْيُ عَنِ احتِكارِ الطَّعامِ ونحوِه مِمَّا يَحتاجُه النَّاسُ في وقتِ الشِّدَّةِ.
3 – المحتكر: هم الذين يشترون السلع يعني: الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة، ويخزنه إذا اشتد الغلاء حتى يبيعه بأكثر.
أما الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق، وعدم الضرر على أحد، ثم إذا تحركت السلع باعه مع الناس من دون أن يؤخره إلى شدة الضرورة، بل متى تحركت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه، وهذا عمل التجار في قديم الزمان وحديثه.
فالاحتكار في ما يحتاج الناس إليه محرم؛ والاحتكار أنما يكون فيما لا يوجد عند غير هذا المحتكر،
وأما ما كان يوجد عنده وعند غيرك وأراد أن يبقي السلعة عنده حتى يأتي موسمها، فإن هذا لا بأس به ولا يعد هذا احتكاراً.
4 – اشتهر الاحتكار في الطعام؛ بحيث لا يفهم عند الإطلاق غيره، ولذلك لما قيل لسعيد بأنك تحتكر الطعام .. قال: ومعمر كان يحتكر؛ أي: إن معمرًا الذي هو شيخي في هذا الحديث كان يحتكر مثل احتكاري؛ يريد أن فعلي مما لا يشمله الاحتكار المنهي عنه في الحديث؛ إذ المسلم لا يخالف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد علمه به، وإنما الاحتكار مخصوص بالقوت؛ وكان احتكار سعيد ومعمر في غيره.
5 – الْجُمْهُورَ خَصُّوا الِاحْتِكَارَ بِالْقُوتَيْنِ: قُوتِ النَّاسِ، وَقُوتِ الْبَهَائِمِ؛ نَظَرًا لِلْحِكْمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلتَّحْرِيمِ؛ وَهِيَ: دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ، وَالْأَغْلَبُ فِي ذَلِكَ إِنَّما يَكُونُ فِي الْقُوتَيْنِ.
وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ -أَيْ: مَنَعُوا الِاحْتِكَارَ- مُطْلَقًا.
6 – ويلزم ولي الأمر أن يجبر المحتكر على أن يبيع ما احتكره كما يبيع الناس في الوقت الذي يحتاجون إليه؛ لأن هذا من المصالح العامة.
7 – الحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام، واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه، دفعاً للضرر عن الناس.
8 – اتفق الفقهاء في أمور في هذا الباب:
1) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاحْتِكَارَ يَكُونُ فِي حَالِ الضِّيقِ وَالضَّرُورَةِ، لَا فِي وَقْتِ السَّعَةِ.
2) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاحتِكَارَ حَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي الْأَقْوَاتِ، وَالطَّعَامِ؛ طَعَامِ الْإِنْسَانِ.
9 – بيان شذوذ الحديث:
ثالثًا: ونقل باحث اخر تضعيف الحديث
هذا الحديثُ ليس صحيحا
بل ضعيف ” شاذ”
وهو حديث غريب تفرد به أبو المعلى ” زيد بن أبي ليلى ” مخالفاً فيه جماعة من الثقات في شيخه الحسن البصري ,وتفرده ذاك هو علة الحديث
فأولا: قصة عيادة معقل بن يسار
وهي حادثةٌ واقعةٌ بشأن عيادةِ (عبيدِ الله ِبن زياد) لمعقل بن يسار المزني نزيل البصرة في مرض موت معقل.
[وكان عبيدُ الله أميرا ًعلى البصرة لمعاوية َ وابنهِ] (كما أفاد الحافظ ُ في الفتح)
وحكايةُ ذلك كما عندَ المحاملي وابن ِأبي شيبة َ في ” المصنف” [ج7/ 526] واللفظ له
قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن إسماعيل الأودي قال: أخبرتني بنت معقل بن يسار أن أباها ثقل
فبلغ ذلك ابن زياد (تعني: أميرَ البصرة)
فجاء يعوده فجلس فعرف فيه الموت
فقال له: يا معقل! ألا تحدثنا فقد كان الله ينفعنا بأشياء نسمعها منك
فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ليس من وال ٍ يلي أمة قلَت أو كثرت لم يعدل فيهم إلا كبه الله لوجهه في النار
فأطرق الآخر ساعة (يعني: عبيد الله بن زياد)
فقال (لمعقل): شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من وراء وراء
قال: لا بل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
……………………………….
قلت: وكذا في لفظ البخاري:
{أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس من وال ٍ يلي أمة قلَت أو كثرت لم يعدل فيهم إلا كبه الله لوجهه في النار
وهذه الحادثةُ يرويها خمسةٌ من التابعين عن معقل ِ بن يسار
هم:
[1] (الحسن البصري)
[2] (مسلم بن مخارق ” أبو الأسود العبدي)
[3] ابن عم معقل
[4] أبو المليح الهذلي
[5] ابنة (معقل بن يسار)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حديث الحسن البصري
وقد اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم)}
(2) حديث (مسلم بن مخارق ” أبو الأسود العبدي)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (142)
والطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 228] وابن منده في ” الإيمان ” (ج2/ 618)
[وفيه: بحث سيأتي في تنبيه رقم (2)]
(3) ابن عم معقل
أخرجه الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 221]
(4) أبو المليح ” عامر بن أسامة ”
أخرجه مسلم في صحيحه ” الإيمان” رقم (142)
والروياني في ” مسنده ” (ج2/ 329) والبيهقي في ” الاعتقاد ” (ج1/ 321)
والطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 225]
(5) حديث ابنة معقل بن يسار
أخرجه غير واحد منهم الإمام أحمد في ” المسند ” (ج5/ 25)
والمحاملي في ” أماليه ” [صـ 258] و الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 221]
كل هؤلاء الخمسة
يروون باتفاق عن (معقل بن يسار) (لفظا و معنى) قولَ النبي ِ صلى الله عليه عليه وسلم.
” ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ” واللفظ لمسلم
ـــــــــــــــــــــــــ
الشاهد في ما سبق أن الحسن البصري ” رحمه الله ” أحدُ التابعين الذين نقلوا هذا الحديث تابعة عليه جماعةٌ من التابعين الأُخر
فالحديثُ والواقعةُ رواها أكثرُ من تابعي عن معقل وقد شهدوها.
وأما حديث أبي معلى عن الحسن البصري (وهو أحد الطرق عنه)
فانظر الحديث عن الحسن كيف هو.
دراسة طريق الحسن البصري
رواه عنه جماعة فيهم من هو أوثق أصحاب الحسن وهم:
(1) أبو الأشهب ” جعفر بن حيان ”
أخرجه البخاري في كتاب ” الأحكام ” رقم (7150)
ومسلم في” الإيمان” رقم (142)
وابن حبان (ج10/ 346) وابن زنجويه في ” الأموال” (ج1/ 62) – رقم [4]
والطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 207]
وابن منده في ” الإيمان ” (ج2/ 618) والبيهقي في ” الشعب” (ج6/ 13) وغيرهم.
(2) هشام بن حسان”
أخرجه البخاري في كتاب ” الأحكام ” رقم (7151) ومسلم في” الإيمان” رقم (142)
و الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 206] وابن منده في ” الإيمان ” (ج2/ 618)
(3) ” يونس بن عبيد ”
أخرجه أحمد (ج 5/ 25) ومسلم في ” الإيمان ” رقم (142)
والطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 201_ 202] وابن منده في ” الإيمان ” (ج2/ 618)
(4) ” عوف بن أبي جميلة الأعرابي”
أخرجه ابن المبارك في ” المسند ” (صـ 164) والقطيعي (ج1/ 312)
والروياني في ” مسنده ” (ج2/ 330) وابن قانع (ج3/ 79)
والطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 207]
(5) ” قتادة بن دعامة ”
أخرجه الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 199] وفي إسناده ” إبراهيم بن المختار الرازي
[صدوق ضعيف الحفظ] والحديث محفوظ عن قتادة عن أبي المليح عن معقل
(6) ” أبو عتاب ” أظنه: سهل بن حماد ” الدلال البصري
أخرجه الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 205]
(7) ” مبارك بن فضالةأخرجه الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ 208] وفيه: مبارك مدلس ويسوي [لكنه توبع]
(8) ” الربيع بن صبيح أخرجه الطبراني في ” الكبير ” [ج20/ (209)
الثمانية كلهم يروون الحديث عن الحسن عن معقل بن يسار فيما حدث به لما عاده عبيد الله بن زياد
في مرض موته
بلفظ الحديث” ” ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ” واللفظ لمسلم
وخالفهم أبو المعلى واسمه ” زيد بن أبي ليلى ”
فرواه عن الحسن عن معقل ” بنفس الحادثة إلا انه جاء متن آخر_ لم يأت به غيره]
بلفظ: ” من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ”
وأن عبيد الله بن زياد دخل على معقل يعوده
فقال: هل تعلم يا معقل أني سفكت دما
قال: ما علمت قال هل تعلم أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين
قال ما علمت قال أجلسوني ثم قال: اسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئا لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ولا مرتين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة قال أأنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم غير مرة ولا مرتين.
قلت قوله ” من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ”
هذا حرف شاذ.
لم يروه من أصحاب الحسن غيرَ أبو المعلى
ولو خالفهُ واحدٌ مثل يونس بن عبيد وحده أو عوف بن أبي جميلة أو أحد الباقين
لرجح شذوذ رواية أبي المعلى (عند تعارضها)
فكيف إذا خالفه الكثرة مجتمعين في شيخه
[وفيهم مثل يونس و أبو الأشهب وهشام بن حسان وعوف الأعرابي]. وكلها صحاح
ولم يروه غير أبو المعلى وخالفه الأرجح ضبطا وعددا
وهناك عدة اعتبارات تستدعى الانتباه
أولا: أن الحادثة هي واقعة موت معقل بن يسار وهو لم يمت مرتين
(حتى لا يكون ثمَ احتمالٌ لتكرار الواقعة).
ثانيا: أن هذه الجملة في ” التسعير ” لم يروه تابعي آخر عن معقل بن يسار
ولو كان لقلنا دخل علي معقل ٍ غيرُ واحدٍ من التابعين [(أبو المليح أو أبو الأسود) وآخرون] يعودون معقلا
فربما استثبته تابعي آخر ” كالحسن الصري مثلا” حدثه معقل بن يسار
ثم جاء ” الحسن” بمتن انفرد به ولا يلزم أن يكون معقلا حدثه بحديث واحد فقط في مرض موته إنما حدث بهذا وذاك لكن هذا لم يحدث.
لم يرو هذا الخبر الواحد إلا أحد الرواة عن الحسن وهو [أبو المعلى]
وقد خالف الأثبات في شيخه الحسن والحسن نفسه متابع من قبل جماعة آخرين.