113 جامع الأجوبة الفقهية ص153
-مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—–
من بلوغ المرام
33 – عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما في صفة الوضوء – قال: ثم مسح صلى الله عليه وسلم برأسه، وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه. أخرجه أبوداود والنسائي وصححه ابن خزيمة.
مسألة: هل الأذنان من الرأس؟
—-
– اختلف الفقهاء في هذه المسألة على خمسة أقوال:
الأول: أن الأذنان من الرأس وهذا قول جمهور العلماء
الثاني: أنهما عضوان مستقلان ليسا من الرأس ولا من الوجه، هذا قول الشافعية.
-قلت: (سعيد) وقول: لأبي ثور
قال الشافعي:،ولو ترك مسح الأذنين لم يعد لأنهما لو كانتا من الوجه غسلتا معه أو من الرأس مسحتا معه،
وقال أبو ثور: ليستا من الوجه ولا من الرأس ولا شيء على من تركهما (الأوسط)
الثالث: أنهما من الوجه يغسلان معه، وهذا القول للزهري وداود.
الرابع: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه وما أدبر فمن الرأس وهذا قول الشعبي والحسن بن صالح وإسحاق بن راهويه
الخامس: أنهما من الوجه ومن الرأس في نفس الوقت، فيغسلهما مع الوجه ويمسحهما مع الرأس وهذا مذهب بن شريح.
-قلت: (سعيد) وروي عن محمد بن سيرين خلاف القول الأول وهو أنه كان يغسل الأذنين مع الوجه ويمسحهما مع الرأس وكان إسحاق بن راهويه يميل إلى هذا ويختاره، (الأوسط)
– استدل الجمهور على أن الأذنان من الرأس:
بقول الله تعالى (واخذ برأس اخيه يجره إليه) وقيل المراد به الاذن
بحديث أبي أمامة قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثا، ويديه ثلاثا، ومسح برأسه، وقال: «الأذنان من الرأس»
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 1/ 47:
حديث صحيح له طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم أبو أمامة، وأبو هريرة، وابن عمرو، وابن عباس، وعائشة، وأبو موسى، وأنس، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن زيد.
وأيضاً حديث الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وذكر الحديث وفيه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه رواه مالك والنسائي وبن ماجه قال بن تيمية في المنتقى فقوله تخرج من أذنيه إذا مسح رأسه دليل على أن الأذنين داخلتان في مسماه ومن جملته انتهى
وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وقال بالوسطيين من أصابعه في باطن أذنيه والإبهامين من وراء أذنيه.
-واعترض عليهم:
أن استدلالهم بالآية أنه تأويل للآية على خلاف ظاهرها فلا يقبل والمفسرون مختلفون في ذلك فقيل المراد الرأس وقيل الأذن وقيل الذؤابة فكيف يحتج بها والحالة هذه.
والجواب عن الأحاديث أنها كلها ضعيفة متفق على ضعفها مشهور في كتب الحديث تضعيفها إلا حديث ابن عباس فإسناده جيد ولكن ليس فيه دليل لما ادعوه لأنه ليس فيه أنه مسحهما بماء الرأس المستعمل في الرأس قال البيهقي قال أصحابنا كأنه كان يعزل من كل يد أصبعين فإذا فرغ من مسح الرأس مسح بهما أذنيه. انظر المجموع (1/ 415)
-واستدل الشافعية على أنهما عضوان مستقلان ليسا من الرأس ولا من الوجه
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب (1/ 414)
واحتج أصحابنا بأشياء أحسنها حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريبا فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس وهو صريح في أخذ ماء جديد فيحتج به أيضا على من قال يمسحهما بماء الرأس وفيه رد على من قال هما من الوجه فقد جمع هذا الحديث الصحيح الدلالة للمذهب والرد على جميع المخالفين. انته
– واعترض عليهم:
بأن حديث: «الأذنان من الرأس» وإن كان في أسانيده مقال إلا أن كثرة طرقه يشد بعضها بعضا، ويشهد لها أحاديث مسحهما مع الرأس مرة واحدة. وهي أحاديث كثيرة، عن عل وابن عباس “، و والربيع “، وعثمان “، كلهم متفقون على أنه مسحهما مع الرأس مرة واحدة، أي بماء واحد كما هو ظاهر لفظ مرة، إذ لو كان يؤخذ للأذنين ماء جديد ما صدق أنه مسح رأسه وأذنيه مرة واحدة، وإن احتمل أن المراد أنه لم يكرر مسحهما، وأنه أخذ لهما ماء جديدا، فهو احتمال بعيد. وتأويل حديث أنه أخذ لهما ماء خلاف الذي مسح به رأسه، أقرب ما يقال فيه أنه لم يبق في يده بلة تكفي. لمسح الأذنين. فأخذ لهما ماء جديدا. انًظر: سبل السلام (1/ 69)
-واستدل بن شهاب الزهري على أن الأذنان من الوجه قال:
لأنهما مما يواجهك ولا ينبت عليهما شعر الرأس وما لا ينبت عليه شعر الرأس فهو من الوجه إذ كان فوق الذقن ولم يكن قفا وقد أمر الله بغسل الوجه أمرا مطلقا وكل ما واجهك فهو وجه.
ومن حجته أيضا قوله – عليه السلام – في سجوده ((سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره)) فأضاف السمع إلى الوجه
-واعترض عليهم:
قال ابن قدامة في المغني (1/ 85): ولنا على الزهري قول النبي صلى الله عليه وسلم -: الأذنان من الرأس. وفي حديث ابن عباس، والربيع، والمقدام،
أن النبي صلى الله عليه وسلم – مسح أذنيه مع رأسه. وقد ذكرناهما. ولم يحك أحد أنه غسلهما مع الوجه، وإنما أضافهما إلى الوجه لمجاورتهما له، والشيء يسمى باسم ما جاوره. انتهى
-قال النووي في المجموع: واحتجوا على من قال هما من الوجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسحهما ولم ينقل غسلهما مع كثرة رواة صفة الوضوء واختلاف صفاته ولأن الإجماع منعقد على أن المتيمم لا يلزمه مسحهما. انتهى.
-أما ادلة أصحاب القول الرابع أن ما أقبل من الأذنين فمن الوجه وما أدبر فمن الرأس:
فقد استدل الطحاوي لمذهب الشعبي ومن تبعه في شرح الآثار بما رواه بسنده عن علي أنه حكى الوضوء النبوي فأخذ حفنة من ماء بيديه جميعا فضرب بهما وجهه ثم الثانية مثل ذلك ثم الثالثة ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فصبها على ناصيته ثم أرسلها تسيل على وجهه ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا واليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه وظهور أذنيه وذكر بن تيمية هذا الحديث في المنتقى نقلا عن مسند أحمد وأبي داود وقال فيه حجة لمن رأى ما أقبل من الأذنين من الوجه انتهى.
وأيضاً قالوا: أن الوجه ما حصلت به المواجهة وهي حاصلة بما أقبل.
-واعترض عليهم:
أن احتجاجهم بفعل علي رضي الله عنه مردود من أوجه:
أحدها أنها رواية ضعيفة لا تعرف
والثاني ليس فيها دليل على الفرق بين مقدم الأذن ومؤخرها
والثالث أن ذلك محمول على أنه استوعب الرأس فانمسح مؤخر الأذن معه ضمنا لا مقصودا لأن الاستيعاب لا يتأتى غالبا إلا بذلك
والرابع لو صح ذلك عن علي وتعذر تأويله كان ما قدمناه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما هو المشهور عن علي أولى
-وأما أصحاب القول الخامس: أنهما من الوجه ومن الرأس في نفس الوقت، فيغسلهما مع الوجه ويمسحهما مع الرأس:
قال صاحب تحفة الأحوذي وذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية في استدلال بن شريح أنه روى أصحاب السنن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فهذا الحديث يدل على أن الأذنين من الوجه فبهذا الحديث وحديث الأذنان من الرأس استند بن شريح فيما كان يفعله. انتهى
-نقل كلام بعض أهل العلم للخلاف في المسألة:
– قال ابن عبد البر في الاستذكار:
استدل بعض أهل العلم على أن الأذنين من الرأس وأنهما يمسحان بماء واحد مع الرأس بحديث الصنابحي هذا لقوله (فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أذنيه) فنذكر أقوال العلماء في ذلك ها هنا
قال مالك وأصحابه الأذنان من الرأس إلا أنه يستأنف لهما ماء جديد سوى الماء الذي مسح به الرأس
وقال الشافعي كقول مالك يستأنف للأذنين الماء ولا يمسحان مع الرأس إلا أنه قال هما سنة على حيالهما لا من الوجه ولا من الرأس كالمضمضة والاستنثار
وقول أبي ثور في ذلك كقول الشافعي سواء
وقول أحمد بن حنبل في ذلك كقول مالك سواء أن الأذنين من الرأس وأنه يستأنف لهما ماء جديد
واحتج مالك والشافعي بأن عبد الله بن عمر كان يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذي مسح به رأسه
واحتج أصحاب الشافعي بإجماع القائلين بعموم مسح الرأس إلا أنه لا إعادة على من صلى ولم يمسح أذنيه وبإجماع العلماء على أن الحاج لا يحلق ما عليهما من الشعر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري الأذنان من الرأس يمسحان مع الرأس بماء واحد وروي عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين مثل هذا القول.
وحجة من قال به حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس عن النبي – عليه السلام – أنه كذلك فعل وهو موجود أيضا في حديث عبيد الله الخولاني عن بن عباس عن علي في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام
ومن حجتهم حديث الصنابحي هذا قوله عليه السلام (فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من أذنيه) كما قال في الوجه (من أشفار عينيه) وفي اليدين (من تحت أظفاره) ومعلوم أن العمل في ذلك بماء واحد.
وقال بن شهاب الزهري الأذنان من الوجه لأنهما مما يواجهك ولا ينبت عليهما شعر الرأس وما لا ينبت عليه شعر الرأس فهو من الوجه إذ كان فوق الذقن ولم يكن قفا وقد أمر الله بغسل الوجه أمرا مطلقا وكل ما واجهك فهو وجه
ومن حجته أيضا قوله – عليه السلام – في سجوده (سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره) فأضاف السمع إلى الوجه.
وقال الشعبي ما أقبل منهما فمن الوجه وظاهرهما من الرأس فيغسل ما أقبل منهما مع الوجه ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس
وهو قول الحسن بن حي وإسحاق بن راهويه وحكي هذا القول عن الشافعي والمشهور عنه ما تقدم ذكره
وقد روي عن أحمد بن حنبل مثل قول الشعبي وإسحاق في ذلك. انتهى
– قال العيني في شرح أبي داود (1/ 318):
قوله: الأذنان من الرأس ” أي: تابعان للرأس في المسح، والمراد به بيان الحكم دون الخلقة؛ لأنه- عليه السلام- لم يبعث لبيان الخلقة، فثبت أنهما من أجزاء الرأس، فيمسحان بما مسح به الرأس، فإن قلت: إذا كان الأذنان ممسوحين بماء الرأس ينبغي أن ينوب مسحهما عن مسح الرأس؟ قلت: النص دلّ على أن المسح من الرأس، فلو جاز مسح الأذنين عن مسح الرأس يلزم ترك النص بخبر الواحد، وهو لا يجوز.
فإن قلت: إذا كانا من الرأس ينبغي أن يمسحان كالرأس؟ قلت: لا يصح أن يقال: يمسحان كالرأس لكونهما من الرأس؛ لأنه لو كان كذلك
لجاز أن يقال الرجلان من الوجه؛ لأنهما يغسلان كالوجه، فلما بطل هذا علمنا أنهما تابعان للرأس في المسح، ولذلك قال هما من الرأس؛ لأن ” من ” للتبعيض، فكأنه جعلهما بعض الرأس في الحكم. انتهى
-قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 202):
أراد بحديث ابن عباس الحديث قبل هذا الباب بلفظ: «مسح برأسه وأذنيه مسحة واحدةً وفي الباب عن أبي أمامة عند أبي داود والترمذي وابن ماجه قال الحافظ: إنه مدرج قال الترمذي: وليس إسناده بذلك القائم. وعن عبد الله بن زيد قواه المنذري وابن دقيق العيد قال الحافظ: وقد ثبت أنه مدرج. وعن ابن عباس رواه البزار وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال: إنه وهم، أو الصواب أنه مرسل، وعن أبي هريرة عند ابن ماجه وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك وعن أبي موسى عند الدارقطني، واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف، قال الحافظ: وهو منقطع، وعن ابن عمر عند الدارقطني وأعله أيضا، وعن عائشة عند الدارقطني أيضا وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد، وعن أنس عند الدارقطني أيضا من طريق عبد الحكم عن أنس وهو ضعيف. وحديث أبي أمامة وابن عباس أجود ما في الباب، قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: وأما حديث أنس وابن عمر وأبي موسى وعائشة فواهية.
والحديث يدل على أن الأذنين من الرأس فيمسحان معه وهو مذهب الجمهور.
ومن العلماء من قال: هما من الوجه. ومنهم من قال: المقبل من الوجه، والمدبر من الرأس. وقد ذكرنا نسبة ذلك إلى القائلين به في باب تعاهد الماقين. قال الترمذي: العمل على هذا – يعني كون الأذنين من الرأس – عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن بعدهم، وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق، واعتذر القائلون بأنهما ليستا من الرأس بضعف الأحاديث التي فيها الأذنان من الرأس حتى قال ابن الصلاح: إن ضعفها كثير لا ينجبر بكثرة الطرق، ورد بأن حديث ابن عباس قد صرح أبو الحسن بن القطان أن ما أعله به الدارقطني ليس بعلة، وصرح بأنه إما صحيح أو حسن. انتهى.
– قال صاحب تحفة الأحوذي (1/ 118):
لم أقف على حديث صحيح صريح يدل على كون الأذنين من الوجه ثم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غسل الأذنين وإنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم هو مسح الأذنين فقط فالقول الراجح المعول عليه هو أن الأذنين من الرأس لأحاديث الباب ويدل عليه حديث الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وذكر الحديث وفيه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه رواه مالك والنسائي وبن ماجه قال بن تيمية في المنتقى فقوله: تخرج من أذنيه إذا مسح رأسه دليل على أن الأذنين داخلتان في مسماه ومن جملته انتهى، فالمتعين هو مسح الأذنين مع الرأس. انتهى.
– قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (22/ 31)
وحديث: (الأذنان من الرأس) جاء عن جماعة من الصحابة، وصححه بعض أهل العلم، وقالوا: مما يؤيده ويوضحه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة أنه كان يمسح الأذنين تبعاً للرأس، وفي ذلك توضيح وبيان لهذا المعنى الذي هو قوله: (الأذنان من الرأس) يعني: أنهما ممسوحتان لا مغسولتان.
-قال الشيخ الراجحي في شرح سنن أبي داود (8/ 19):
وأما قوله: (الأذنان من الرأس)، فهذا حق، وسواء كان هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو قول أبي أمامة فالأذنان من الرأس تابعان له؛ فلا يؤخذ لهما ماء جديد على الصحيح، بل يمسحان بما بقي في اليد.
قال الخطابي: وقوله: الأذنان من الرأس، فيه بيان أنهما ليستا من الوجه كما ذهب إليه الزهري، وأنه ليس باطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، كما ذهب إليه الشعبي، وممن ذهب إلى أنهما من الرأس ابن المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، ومالك وأحمد بن حنبل وقال الشافعي: هما سنة على حيالهما، ليستا من الوجه ولا من الرأس، وتأول أصحابه الحديث على وجهين: أحدهما: أنهما يمسحان مع الرأس تبعاً له.
والآخر: أنهما يمسحان كما يمسح الرأس، ولا يغسلان كالوجه، وإضافتهما إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب لا إضافة تحقيق، وإنما هو في معنى دون معنى، كقوله: مولى القوم منهم، أي: في حكم النصرة والموالاة دون حكم النسب واستحقاق الإرث، ولو أوصى رجل لبني هاشم لم يعط مواليهم، ومولى اليهودي لا يؤخذ بالجزية، وفائدة الكلام ومعناه عندهم: إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل، وقطع الشبهة فيهما، لما بينهما من الشبه في الصورة، وذلك أنهما وجدتا في أصل الخلقة بلا شعر، وجعلتا محلاً لحاسة من الحواس، ومعظم الحواس محل الوجه، فقيل: (الأذنان من الرأس) ليعلم أنهما ليستا من الوجه.
والصواب: أنهما من الرأس.
والقول بأنهما مستقلتان، أو أن ظاهرهما أي: ما ظهر من الوجه، وما كان من جهة الرأس من الرأس قول ضعيف، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما بعد مسح الرأس؛ مما يدل على أنهما من الرأس باطنهما وظاهرهما.
وقال الحافظ: حديث (الأذنان من الرأس) رواه ثمانية أنفس من الصحابة.
فالحديث إذا كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال فيه، لكن شهر بن حوشب الذي روى هذا الحديث فيه كلام، وإذا خالف الثقات فلا حجة فيما رواه. انتهى. هذا والله أعلم.
‘—’—’—’—’—’—’—’—’
-والذي يظهر لي في هذه المسألة بعد التتبع والإستقراء وما جمعه الإخوة في هذا البحث: أن الأذنان من الرأس كما جاء ذكرهما بالنص في الحديث الصحيح بمجموع طرقه ورى الحديث جمع من الصحابة وأفتوا بذلك:
روي مرفوعا من حديث أبي أمامة وعبد الله بن زيد وابن عباس وأبي هريرة وأبي موسى وأنس وابن عمر وعائشة، وهي مخرجة في نصب الراية و تلخيص الحبير
وقال عثمان رضي الله عنه: الأذنان من الرأس.
وعن أبى هريرة قال: الأذنان من الرأس. (أخرجه عبد الرزاق).
وقال أبو عيسى: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح وصححه ابن خزيمة وابن مندة والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما” باعتبار أنهما من الرأس …….
وقال:-أبو عيسى-: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ما أقبل من الأذنين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس، قال إسحاق: واختار أن يمسح مقدمهما مع الوجه، ومؤخرهما مع رأسه.
وقال الشافعي: هما سنة على حيالهما يمسحهما بماء جديد.
-قال ابوداود: قلت لأحمد الأذنان من الرأس؟
قال: نعم
مسائل ابي دَاوُدَ (44)
-قال ابن هانئ: سمعت أبا عبد الله يقول: الأذنان من الرأس، يمسح ظاهرهما وباطنهما.
مسائل ابن هانئ” ((78))
وقال إسحاق بن منصور: قلت: الأذنان من الرأس؟
قال: الأذنان من الرأس يمسحهما مع الرأس.
(مسائل الكوسج: (13)
وقال الأثرم: وسمعت أبا عبدالله يسأل: الأذنان من الرأس؟
قال: نعم.
(سنن الأثرم” ((12))
—’—’—’—’—’—’
ورد في سنن أبي داود:
134 – حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَذَكَرَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الْمَاقَيْنِ»، قَالَ: وَقَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّاسِ»، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا: أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ – يَعْنِي قِصَّةَ الْأُذُنَيْنِ – قَالَ قُتَيْبَةُ: عَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو رَبِيعَةَ
وقلنا في تخريجه:
[حكم الألباني]:ضعيف
ضعيف معلل من وجهين: الأول: ضعف بعض رواته، والآخر دخول الشك في رفعه.
ـ وأخرجه الدارقُطني، في «السنن» (357)، وقال: شهر بن حوشب ليس بالقوي، وقد وقفه سليمان بن حرب، عن حماد، وهو ثقة ثبت.
وقال الدارقُطني في العلل: …. وقال سليمان بن حرب في هذا الحديث: عن حماد بن زيد، إن قوله: والأذنان من الرأس، هو من قول أَبي أُمامة، غير مرفوع، وهو الصواب. «العلل» (2695).
وراجع عون المعبود حيث نقل عن ابن حجر تضعيف الأحاديث وعددها ثمانية. انتهى من تحقيقي لسنن أبي داود
ثم وقفت على نقل للشيخ الألباني أن ابن حجر يرى أن له أصل. كما سيأتي.
قال بعض من لقي الشيخ الألباني من المصريين مبينا ضعف الحديث:
“الأذنان من الرأس” قد رُوي مرفوعًا عن جماعةٍ من الصحابة ولا يصح منها شيئٌ كما جزم بذلك جماعةٌ من النقاد، والصوابُ أنه موقوف وقد استوفى شيخنا الألباني رحمه الله أحاديث هؤلاء الصحابة في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (رقم36) ورجح الرفع لإسنادٍ وجده في “المعجم الكبير” للطبرانيّ وقال: “وهذا سندٌ صحيحٌ، رجالُهُ كلهم ثقات ولا أعلمُ له علَّةً .. ” وصحح الحديث وحكى عن بعض العلماء القول بأنه متواتر ولكني وقفتُ على علَّته، فإذا هي المخالفة كما ذكرتُهُ في “نوح الهديل بكشف ما في سنن أبي داود من التذييل” والحمد لله] إنتهى
قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسة الصحيحة ج1 ص903: ” ثمَّ تبيّن لي أنَّ تصحيح ابن القطان للحديث من الطريق الأُولى عن ابن عباس معلولٌ بالشذوذ، ومثلها الطريقُ الثالثة عنه؛ فإن ذكرَ جملة الأُذنين فيه شاذّة أَيضًا، وقد استفدتُ هذا كلّه من تحقيقٍ كتاب ((الخلافيات)) للبيهقي (1/ 366 – 393)
قلت سيف: هكذا نقلته من الشبكة ثم تبين لي أن الناقل لم يتمم نقل الألباني كما سيأتي مع أنه عزى للمجلد والصفحة الصحيحة 1/ 903 كما سيأتي.
وكأن أعضاء اللجنة الدائمة يصححون الحديث فقد سألوا:
السؤال الأول من الفتوى رقم (20336)
س1: ما حكم من توضأ لصلاة فغسل أربعة أعضاء، مثل: الوجه واليدين مسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين، ولم يفعل السنن مثل: الاستنشاق والمضمضة والأذنين؟
ج 1: المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارة؛ لأنهما من الوجه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما، فعن عبد الله بن زيد – في صفة الوضوء -: ثم أدخل صلى الله عليه وسلم يده فمضمض واستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاثًا متفق عليه. ويجب مسح الأذنين؛ لأنهما من الرأس، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم مسح برأسه، فأدخل أصبعيه
السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة. ومن لم يتمضمض أو لم يستنشق فوضوؤه غير صحيح، وهكذا من لم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما لم يصح وضوؤه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ومع ضعف الحديث لكن الراجح أنه:
يُسَنُّ مسْحُ الأُذنينِ مع الرَّأس بماءٍ واحد، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة، وروايةٌ عن أحمد، وهو قول الثوريِّ، ورُوي عن جماعةٍ مِن السَّلف، واختاره ابنُ تيميَّة، وابن القيِّم، والصَّنعانيُّ، وابن باز، وابنُ عثيمين.
أما الألباني فلا ندري على ماذا استقر اختياره حيث اختلف عليه هل صحح الحديث أم ضعفه.
وكنت نقلت تراجعه عن التصحيح بواسطة الشبكة واتضح أن النقل ناقص: فقد رجعت للصحيحة 1/ 903 فإذا تتمت النقل بعد أن ذكر شذوذ لفظة الأذنين في حديث ابن عباس وعاتب محقق الخلافيات للبيهقي أنه لم يبين خلاصة حكمه على الحديث، و ذكر الشيخ الألباني ثلاثة طرق يتقوى بها الحديث. ومما ذكر مرسل سليمان بن موسى وطريق إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد وقد ضعف في غير الشاميين
ومثل طريق سويد بن سعيد اختلط
وطريق فيها راو ضعيف.
ثم نقل تأييد ذلك أنه قول أكثر العلماء كما في المجموع للنووي 1/ 413.
وقد صح عمل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المقدام وابن عباس أنه مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما رواهما أبو داود وغيره. فلم يأخذ لهما ماء جديدا. وأما حديث عبدالله بن زيد أنه أخذ ماء جديدا فشاذ. ونقل عن الطحاوي في شرح المعاني 1/ 20 أنهم اجمعوا على أن المرأة المحرمة لا يجب عليها أن تغطي وجهها. وعليها أن تغطي رأسها وأذنيها ظاهرهما وباطنهما.
وبعد كتابة ما تقدم رأيت الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح قد تكلم على بعض هذه الطرق وبين عللها، ولكنه ختم بخلاصة جيدة وفق ما انتهيت إليه والحمد لله فقال: وإذا نظر المنصف إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا، وأنه ليس مما يطرح، وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه والله أعلم. النكت 1/ 415. انتهى من الصحيحة
وعلى هذا فابن حجر بيانه ضعف الطرق في التلخيص الحبير الذي نقله عنه صاحب العون ليس فيه خلاصة الحكم.
مع أن الشيخ الألباني نقل أن صنيع البيهقي والدارقطني يدل: أن طرقه ضعيفه فيبقى على ضعفه.
والآن لا أجدني نشط لتتبع الطرق التي قوى بها الشيخ الألباني الحديث. لكن إن شاء الله أقدر على ذلك في مسألة حكم المسح على الأذنين لأنه من المهم الفصل في صحة الحديث من ضعفه.
المهم هنا يدل على اختيار أن الأذنان تمسحان مع الرأس
أدلَّة أخرى:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأَ، وفيه: وغَرَف غَرفةً فمسَحَ رأسَه وباطِنَ أذُنَيه وظاهِرَهما، وأدخَلَ أُصبُعَيه فيهما)) أخرجه الترمذي 36
وكذلك حديث الباب من البلوغ عن عبدالله بن عمرو
ثم انتبهت إلى أن ابن حجر نقل أن حديث عبدالله بن عمرو مما أنكره الإمام مسلم على عمرو بن شعيب. راجع تخريجنا لسنن أبي داود
وكنت تابعت محقق البلوغ دار الآثار على تحسينه
وكذلك نقل ابن الملقن في البدر المنير عن ابن منده أنه لم يصح في مسح الأذنين إلا حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانيًا: من الآثار
عن عبدِ الله بن عمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الأُذنانِ مِن الرَّأس).
وقد ذكر الدارقطني حديث ابن عمر مرفوعا ورجح أنه موقوف. فقد ذكره موقوفا من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر العلل 2773، 2784، 3194
قال الترمذي ” وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ”
قال ابن المنذر في الأوسط 1/ 400: ورويناه عن ابن عباس وابن عمر وأبي موسى
ذكر أسانيدها البيهقي في الخلافيات
وأثر ابن عمر وابن عباس صحيحان وأثر أبي موسى الحسن لم يسمع منه وفي إسناده أشعث
أما استدلال الزهري بحديث سجد وجهي. .. أخرجه مسلم 771
فيقال: الرأس كله ساجد وإنما المباشر للأرض هو الوجه فذكر الوجه والمقصود كل الرأس.
أو يجاب بما قال ابن قدامة: أضافهما للوجه للمجاورة. المغني 1/ 162
وراجع فتح العلام 1/ 154
—–