1129 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، وموسى الصومالي .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
وراجع تخريج الأحاديث تخريجنا لنصرة النعيم وسنن أبي داود.
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1129):
قال الإمام أبو محمد الدارمي رحمه الله : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ يَتَغَدَّى ، فَسَقَطَتْ لُقْمَتُهُ ، فَأَخَذَهَا فَأَمَاطَ مَا بِهَا مِنْ أَذًى ، ثُمَّ أَكَلَهَا.
قال: فَجَعَلَ أُولَئِكَ الدَّهَاقِينُ يَتَغَامَزُونَ بِهِ، فَقَالُوا لَهُ : مَا تَرَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْأَعَاجِمُ، يَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ وَإِلَى مَا يَصْنَعُ بِهَذِهِ اللُّقْمَةِ ؟!
فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ مَا سَمِعْتُ منْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَعَاجِمِ، إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِنَا أَنْ يُمِيطَ مَا بِهَا مِنَ الْأَذَى، وَأَنْ يَأْكُلَهَا.
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث صحيح.
والحسن قد سمع من معقل بن يسار، وقد روى البخاري في صحيحه للحسن عن معقل فلا التفات لمن نفاه.
===================
ذكر الحديث الوادعي رحمه الله تعالى في (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين) في الأبواب التالي:
إذا سقطت اللقمة أميط ما بها من الأذى، ثم يؤكل (ج4/ص181)،
حرص السلف على العمل بالسنة (ج5/ص13)،
العالم يعمل بما يعلم، وإن أنكر عليه الجهال(ج1/ص1150-116).
وبوب الدارمي رحمه الله تعالى في سننه، وَمِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، بَابٌ فِي اللُّقْمَةِ إِذَا سَقَطَتْ، (2017).
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث
يُعلِّمُنا الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكثيرَ والكثيرَ مِنَ الآدابِ، ومنها- كما في هذا الحديثِ- بعضُ آدابِ الطَّعامِ.
وهذا الحديث شاهد
. [ حاشية السندي على ابن ماجه].
الوجه الثاني: المسائل المتعلقة بـالباب
إذا سقطت لقمة يميط عنها الأذى ويأكلها
في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ” إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ، ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ؛ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ ” [أحمد 3 / 331 ، 337 ، ومسلم ( 2033 )]
وفيه – أيضًا عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ ، فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَى ، وَلْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ” ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ ، قَالَ : ” فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ ” [أحمد : 2 / 100 ، ومسلم ( 2034 ) ، وسَلَتَ الصَّحْفَة : تَتَبَّع ما بقى فيها من الطعام ، ومسحها بالأصْبع ونحوها ، وأصل السلت القطع].
فقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أكَلَ طعامًا لَعِقَ، أي: لحَسَ أصابِعَه الثَّلاثَ، أي: الإبهامَ والْمُسبِّحةَ والوُسْطى، وبيَّنَ لنا أنَّه إذا سقطَتْ، أي: وقعَتْ مِن أحدٍ لُقمةٌ على الأرضِ “فَلْيُمطْ”، أي: فَلْيُزلْ عَنها الأذى، أي: ما يُستقذَرُ به مِن نحوِ تُرابٍ، ثُمَّ لِيأكُلْها “ولا يَدعْها لِلشَّيطانِ”، أي: لا يَتركْها لِلشَّيطانِ.
وأمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ “نَسلُتَ القصَعَةَ”، أي: نمسَحَها ونتتبَّعَ ما بِقِيَ فيها مِنَ الطَّعامِ، ((والقَصعةُ))، هي الَّتي يَأكلُ عليها عَشرةُ أنفُسٍ، والمرادُ بها هنا: مُطلقُ الإناءِ الَّذي فيه الأُدمُ المائعُ؛ لأنَّنا لا ندري في أيِّ طعامِنا “البرَكةُ”، وهي الزِّيادةُ وثبوتُ الخيرِ والانتفاعُ به، والمرادُ هنا: ما يحصُل ُبه التَّغذيةُ وتَسلُمُ عاقبتُه مِن أذًى ويُقوِّي على طاعةِ اللهِ وغير ذلك.
قال النووي – رحمه الله : واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجست، ولابد من غسلها إن أمكن؛ فإن تعذر أطعمها حيوانًا ولا يتركها للشيطان.[ انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13/ 204]
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين على العمل بهذه السنة ، ففي مصنف ابن أبي شيبة عن حميد عن أنسٍ رضي الله عنه أن لقمة سقطت من يده ، فطلبها حتى وجدها ؛ وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ ، فَلْيُمِطْ مَا عَلَيهَا ، ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا ، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ” [ابن أبي شيبة ( 24459 )]
قلت سيف بن دورة : وهو صحيح فحميد سمع من أنس قليل من الأحاديث لكن الباقي سمعها من ثابت
وتقدم كذلك عن معقل بن يسار
وإنما صار تركها للشيطان ؛ لأن فيه إضاعة نعمة الله، والاستحقار بها من ما بأس؛ ثم إنه من أخلاق المتكبرين، فالمانع عن تناول تلك اللقمة في الغالب هو الكبر، وذلك من عمل الشيطان.[آداب الأكل]
الوجه الثالث: للأكل آداب في الشريعة الإسلامية، وهي على أقسام :
” أولاً : آدَابُ مَا قَبْلَ الأَكْلِ :
1- غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ :
ينبغي غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ ، لِيَأْكُلَ بِهَا وَهُمَا نَظِيفَتَانِ ، لِئَلا يَضُرَّ نَفْسَهُ بِمَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْوَسَخِ .
2- مِنْ آدَابِ الأَكْلِ السُّؤَالُ عَنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ وَلا يَعْرِفُهُ ( أي لا يعرف نوع الطعام ) ، وَلا يَطْمَئِنُّ إلَى مَا قَدْ يُقَدِّمُهُ إلَيْهِ؛
فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَتَّى يُحَدَّثَ أَوْ يُسَمَّى لَهُ فَيَعْرِفَ مَا هُوَ ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ ، وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حَفِيدَةُ بنت الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ ، وَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إلَى الضَّبِّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ : أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ . هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لا . وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ : فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إلَيَّ ، رواه البخاري ( 5391 ) ومسلم ( 1946 ) .
قَالَ ابْنُ التِّينِ :
إنَّمَا كَانَ يَسْأَلُ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لا تَعَافُ شَيْئًا مِنْ الْمَآكِلِ لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ ، وَكَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَعَافُ بَعْضَ الشَّيْءِ ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْأَلُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِبَاحَةِ بَعْضِهَا ، وَكَانُوا لَا يُحَرِّمُونَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِهِ مَشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا فَلا يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ إلا بِالسُّؤَالِ عَنْهُ . ” فتح الباري ” ( 9 / 534 ) .
قلت سيف بن دورة : فإذا كان سؤال الضيف قد يحرج صاحب المنزل لكون الطعام غير متكلف فيه . فيأكل ولا يسأل .
3- الْمُبَادَرَةُ إلَى الْأَكْلِ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ مُضِيفِهِ :
فَإِنَّ مِنْ كَرَامَةِ الضَّيْفِ تَعْجِيلَ التَّقْدِيمِ لَهُ ، وَمِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَبُولِ طَعَامِهِ وَالْأَكْلُ مِنْهُ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إذَا رَأَوْا الضَّيْفَ لَا يَأْكُلُ ظَنُّوا بِهِ شَرًّا ، فَعَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُهَدِّئَ خَاطِرَ مُضِيفِهِ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى طَعَامِهِ ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ اطْمِئْنَانًا لِقَلْبِهِ.
4- التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ :
(تجب) التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ ، وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ قَوْلُ ” بِاسْمِ اللَّهِ ” فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ ، عن أُمُّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ” رواه الترمذي ( 1858 ) وأبو داود ( 3767 ) وابن ماجه ( 3264 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود ” ( 3202 ) .
ولِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : كُنْت غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” يَا غُلَامُ : سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِك ، وَكُلُّ مِمَّا يَلِيك ” رواه البخاري ( 5376 ) ومسلم ( 2022 ) .
ثانياً : آدَابُ الأَكْلِ أَثْنَاءَ الطَّعَامِ :
1-( الْأَكْلُ بِالْيَمِينِ ) :
(يجب) على الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” لا يَأْكُلَن أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا ” رواه مسلم ( 2020 ) .
وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْأَكْلَ أَوْ الشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا ( بأس من الأكل ) بالشِّمَالِ .
وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُشْبِهُ أَفْعَالَ الشَّيْطَانِ .
2 – ( الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيهِ ) :
يُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِمَّا يَلِيهِ فِي الطَّعَامِ مُبَاشَرَةً ، وَلَا تَمْتَدُّ يَدُهُ إلَى مَا يَلِي الْآخَرِينَ ، وَلَا إلَى وَسَطِ الطَّعَامِ ، لقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن أبي سلمة : ” يَا غُلامُ : سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِك ، وَكُلُّ مِمَّا يَلِيك ” ، رواه البخاري ( 3576 ) ومسلم ( 2022 ) .
ولِأَنَّ أَكْلَ الْمَرْءِ مِنْ مَوْضِعِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ ، وَقَدْ يَتَقَذَّرُهُ صَاحِبُهُ لا سِيَّمَا فِي الْأَمْرَاقِ وَمَا شَابَهَهَا ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ ، فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ ” رواه الترمذي ( 1805 ) وابن ماجه ( 3277 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع ” ( 829 ) ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ تَمْرًا أَوْ أَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إبَاحَةَ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ .
3- وَالْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ :
السُّنَّةُ الْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ ، قَالَ عِيَاضٌ : وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ الشَّرَهِ وَسُوءِ الْأَدَبِ ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِذَلِكَ لِجَمْعِهِ اللُّقْمَةَ وَإِمْسَاكِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْأَكْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ ، لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيقِهِ بِالثَّلَاثِ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ. انظر ” فتح الباري ” ( 9 / 578 ) .
هَذَا إنْ أَكَلَ بِيَدِهِ ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْمِلْعَقَةِ وَنَحْوِهَا .
4 – أَكْلُ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ:
سبق بيانه
5 – عَدَمُ الِاتِّكَاءِ أَثْنَاءَ الْأَكْلِ:
وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ” َلا آكُلُ وأنا مُتَّكِئ ” رواه البخاري ( 5399 ) ، وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ قال ابن حجر : وَاخْتُلِفَ فِي صِفَة الِاتِّكَاء فَقِيلَ : أَنْ يَتَمَكَّن فِي الْجُلُوس لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَة كَانَ ، وَقِيلَ أَنْ يَمِيل عَلَى أَحَد شِقَّيْهِ ، وَقِيلَ أَنْ يَعْتَمِد عَلَى يَده الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْض… ، وَأَخْرَجَ اِبْن عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيف : زَجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِد الرَّجُل عَلَى يَده الْيُسْرَى عِنْد الْأَكْل ، قَالَ مَالِك هُوَ نَوْع مِنْ الِاتِّكَاء . قُلْت : وَفِي هَذَا إِشَارَة مِنْ مَالِك إِلَى كَرَاهَة كُلّ مَا يُعَدّ الْآكِل فِيهِ مُتَّكِئًا ، وَلا يَخْتَصّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا ” أ .هـ من فتح الباري ( 9 / 541 ) .
6- عَدَمُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ حَالَ الْأَكْلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
7- ومن الآداب : الْأَكْلُ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ عَلَى الطَّعَامِ ، وَمُؤَاكَلَةُ صِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَأَلَّا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ ، بَلْ يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَاخِرَ الطَّعَامِ ، كَقِطْعَةِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ لَيِّنٍ أَوْ طَيِّبٍ . وَإِذَا فَرَغَ ضَيْفُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَرَفَعَ يَدَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّعَامِ : كُلْ ، وَيُكَرِّرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ ، وَأَنْ يَتَخَلَّلَ ، وَلا يَبْتَلِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَسْنَانِهِ بِالْخِلَالِ بَلْ يَرْمِيهِ.
الذُّبَابِ يَقَعُ فِي الطَّعَامِ
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً ، وَفِي الْآخَرِ دَاءً ” [البخاري ( 5445 )] ؛ وفي رواية أبي داود والترمذي : ” وَإِنَّهُ يَتَّقِى بِالْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ ” ؛ ومعنى : ” فَلْيَغْمِسْهُ ” : فليغطه وليدخله فيه ، ” دَاء ” : سبب المرض ، ” شِفَاء ” : سبب الشفاء من ذلك الداء الذي في إحدى الجناحين .
وروى أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ ، فَأَتَانَا بِزُبْدٍ وَكُتْلَةٍ ، فَأُسْقِطَ ذُبَابٌ فِي الطَّعَامِ ، فَجَعَلَ أَبُو سَلَمَةَ يَمْقُلُهُ بِأُصْبُعِهِ فِيهِ ؛ فَقُلْتُ : يَا خَالُ ، مَا تَصْنَعُ ؟! فَقَالَ : إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إِنَّ أَحَدَ جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ ، وَالْآخَرَ شِفَاءٌ ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ ؛ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ ” [أحمد : 3 / 67 ، وروى ابن ماجة المرفوع منه ( 3504 ) ، وكذلك أبو يعلى ( 986 ) ، وعنه ابن حبان ( 1247 )] . وقوله صلى الله عليه وسلم : ” فَامْقُلُوهُ : اغمسوه كله ، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
قال ابن القيم – رحمه الله : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : مَعْنَى ” اُمْقُلُوهُ ” : اغْمِسُوهُ لِيَخْرُجَ الشّفَاءُ مِنْهُ كَمَا خَرَجَ الدّاءُ ؛ يُقَالُ لِلرّجُلَيْنِ : هُمَا يَتَمَاقَلَانِ إذَا تَغَاطَّا فِي الْمَاءِ .
وَاعْلَمْ أَنّ فِي الذّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوّةً سَمِّيَّةً ، يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السّلَاحِ ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ اتّقَاهُ بِسِلَاحِهِ ؛ فَأَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السّمّيّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الْآخَرِ مِنْ الشّفَاءِ ، فَيُغْمَسُ كُلّهُ فِي الْمَاءِ وَالطّعَامِ ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النّافِعَةُ ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا ؛ وَهَذَا طِبّ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ كِبَارُ الْأَطِبّاءِ وَأَئِمّتُهُمْ ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النّبُوّةِ ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلَاجِ ، وَيُقِرّ لِمَنْ جَاءَ بِهِ بِأَنّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَأَنّهُ مُؤَيّدٌ بِوَحْيٍ إلَهِيِّ خَارِجٍ عَنْ الْقُوَى الْبَشَرِيّةِ ؛ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَطِبّاءِ أَنّ لَسْعَ الزّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إذَا دُلِكَ مَوْضِعُهُ بِالذّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيّنًا وَسَكَّنَهُ ، وَمَا ذَاكَ إلّا لِلْمَادَّةِ الّتِي فِيهِ مِنْ الشّفَاءِ ، وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْوَرَمُ الّذِي يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمّى ( شَعْرَةً ) – بَعْدَ قَطْعِ رُءُوسِ الذّبَابِ – أَبْرَأَهُ [انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 102 .]
وقد أثبتت التجارب العلمية الحديث ما جاء به الحديث الشريف ؛ ففي مجلة ( التجارب الطبية الانجليزية ) عدد 1037 سنة 1927 ما ترجمته : لقد أطعم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض ، وبعد حين من الزمن ماتت تلك الجراثيم ، واختفى أثرها ، وتكونت في الذباب مادة مفترسة للجراثيم ، تسمى ( بكتريوناج ) ؛ ولو عملت خلاصة من الذباب في محلول ملحي لاحتوت على ( البكتريوناج ) ، التي يمكنها إبادة أربعة أنواع من الجراثيم المولدة للأمراض ، ولاحتوت تلك الخلاصة – أيضًا – على مادة خلاف البكتريوناج نافعة للمناعة ضد أربعة أنواع أخرى للجراثيم.
8 – عدم القران في التمر ونحوه
وهذا أدب فيه مراعاة حق الآكلين ، خاصة إن كان التمر قليلا ؛ ففي الصحيحين عن شُعْبَةُ : حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ : أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَرَزَقَنَا تَمْرًا ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ ، وَيَقُولُ : لَا تُقَارِنُوا ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْقِرَانِ ؛ ثُمَّ يَقُولُ : إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ [البخاري ( 5131 ) واللفظ له ، ومسلم ( 2045 )].
قال ابن حجر – رحمه الله : أَيْ : فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَازَ ، وَالْمُرَاد بِالْأَخِ رَفِيقه الَّذِي اِشْتَرَكَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ التَّمْر [انظر ( فتح الباري ) : 9 / 482]
ورواه أحمد وأبو داود بلفظ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِقْرَانِ ، إِلَّا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَكَ [أحمد : 2 / 131]؛ وفي رواية لأحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ صَاحِبِهِ ، فَلَا يَقْرِنَنَّ حَتَّى يَسْتَأْمِرَهُ ” ؛ يَعْنِي : التَّمْرَ [انظر ( فتح الباري ) : 9 / 482].
قال النووي – رحمه الله : هذا النهى متفق عليه حتى يستأذنهم ، فإذا أذنوا فلا بأس ؛ واختلفوا في أن هذا النهى على التحريم أو على الكراهة والأدب ، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم ، وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب ؛ والصواب التفصيل : فإن كان الطعام مشتركًا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ، ويحصل الرضا بتصريحهم به ، أو بما يقوم مقام التصريح ، من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم ، بحيث يعلم يقينًا أو ظنًا قويًّا أنهم يرضون به ، ومتى شك في رضاهم فهو حرام ؛ وان كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم ، اشترط رضاه وحده ، فإن قرن بغير رضاه فحرام ؛ ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولا يجب ، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به ، فلا يحرم عليه القران ؛ ثم إن كان في الطعام قلة ، فحسن ألا يقرن ، لتساويهم ؛ وإن كان كثيرًا بحيث يفضل عنهم ، فلا بأس بقرانه ؛ لكن الأدب مطلقًا التأدب في الأكل وترك الشره ، إلا أن يكون مستعجلا ، ويريد الإسراع لشغل آخر ؛ وقال الخطابي : إنما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقًا ، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن .ا.هـ وليس كما قال ، بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل ؛ فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لو ثبت السبب ، كيف وهو غير ثابت ؛ والله أعلم [انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 228 ، 229]
قال ابن حجر – رحمه الله : فِي مَعْنَى التَّمْر الرُّطَب وَكَذَا الزَّبِيب وَالْعِنَب وَنَحْوهمَا ، لِوُضُوحِ الْعِلَّة الْجَامِعَة . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : حَمَلَ أَهْل الظَّاهِر هَذَا النَّهْي عَلَى التَّحْرِيم ، وَهُوَ سَهْو مِنْهُمْ وَجَهْل بِمَسَاقِ الْحَدِيث وَبِالْمَعْنَى ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُور عَلَى حَال الْمُشَارَكَة فِي الْأَكْل وَالِاجْتِمَاع عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ فَهْم اِبْن عُمَر رَاوِيه ، وَهُوَ أَفْهَم لِلْمَقَالِ وَأَقْعَد بِالْحَالِ .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مِمَّنْ يُوضَع الطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ مَتَى يَمْلِكهُ ؟ فَقِيلَ : بِالْوَضْعِ ، وَقِيلَ : بِالرَّفْعِ إِلَى فِيهِ ، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ ؛ فَعَلَى الْأَوَّل فَمِلْكهمْ فِيهِ سَوَاء ، فَلَا يَجُوز أَنْ يَقْرُن إِلَّا بِإِذْنِ الْبَاقِينَ ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوز أَنْ يَقْرُن ؛ لَكِنَّ التَّفْصِيل الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة . نَعَمْ مَا يُوضَع بَيْن يَدَيْ الضِّيفَان ، وَكَذَلِكَ النِّثَار فِي الْأَعْرَاس ، سَبِيله فِي الْعُرْف سَبِيل الْمُكَارَمَة لَا التَّشَاحِّ ، لِاخْتِلَافِ النَّاس فِي مِقْدَار الْأَكْل ، وَفِي الِاحْتِيَاج إِلَى التَّنَاوُل مِنْ الشَّيْء ، وَلَوْ حُمِلَ الْأَمْر عَلَى تَسَاوِي السُّهْمَان بَيْنهمْ لَضَاقَ الْأَمْر عَلَى الْوَاضِع وَالْمَوْضُوع لَهُ ، وَلَمَا سَاغَ لِمَنْ لَا يَكْفِيه الْيَسِير أَنْ يَتَنَاوَل أَكْثَر مِنْ نَصِيب مَنْ يُشْبِعهُ الْيَسِير ، وَلَمَّا لَمْ يَتَشَاحَّ النَّاس فِي ذَلِكَ ، وَجَرَى عَمَلهمْ عَلَى الْمُسَامَحَة فِيهِ ، عُرِفَ أَنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاق فِي كُلّ حَالَة ، وَاللَّهُ أَعْلَم [انظر ( فتح الباري ) : 9 / 484].
وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا قرن أحدهم قال لإخوانه : إني قد قرنت فاقرنوا ؛ فروى ابن حبان والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ : كُنْت فِي أَصْحَاب الصُّفَّة ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم تَمْر عَجْوَة ، فَكُبَّت بَيْننَا ، فَجعلنَّا نَأْكُل الثِّنْتَيْنِ مِنْ الْجُوع ، وَجَعَلَ أَصْحَابنَا إِذَا قَرَنَ أَحَدهمْ قَالَ لِصَاحِبِهِ : إِنِّي قَدْ قَرَنْت فَاقْرِنُوا [ابن حبان ( 5233 ) ، والحاكم ( 7132 ) ، وصححه ووافقه الذهبي]
ثالثاً : آدَابُ الْأَكْلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ :
1 – يلعق الصحفة
وهذا من الأدب الذي فيه الحرص على نيل بركة الطعام ، ففي حديث أنس المتقدم : وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ ، قَالَ : ” فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ ” [أحمد : 2 / 100، ومسلم ( 2034)]؛ وسَلَتَ الصَّحْفَة : تَتَبَّع ما بقى فيها من الطعام ، ومسحها بالأصْبع ونحوها ، وأصل السلت القطع .
وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ ، وَقَالَ : ” إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ ” [مسلم ( 2033 )] . واللعق كالسلت .
قال النووي – رحمه الله : وَقَوْله صلى الله عليه وسلم : ” لَا تَدْرُونَ فِي أَيّه الْبَرَكَة ” مَعْنَاهُ – وَاللَّهُ أَعْلَم – أَنَّ الطَّعَام الَّذِي يَحْضُرهُ الْإِنْسَان فِيهِ بَرَكَة ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ تِلْكَ الْبَرَكَة فِيمَا أَكَلَهُ ، أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَصَابِعه ، أَوْ فِي مَا بَقِيَ فِي أَسْفَل الْقَصْعَة ، أَوْ فِي اللُّقْمَة السَّاقِطَة ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظ عَلَى هَذَا كُلّه ، لِتَحْصُل الْبَرَكَة ، وَأَصْل الْبَرَكَة الزِّيَادَة وَثُبُوت الْخَيْر وَالْإِمْتَاع بِهِ ، وَالْمُرَاد هُنَا – وَاللَّهُ أَعْلَم – مَا يَحْصُل بِهِ التَّغْذِيَة ، وَتَسْلَم عَاقِبَته مِنْ أَذًى ، وَيُقَوِّي عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى ؛ وَغَيْر ذَلِكَ [انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13/ 206]
2 – يلعق أصابعه بعد الأكل
هذا – أيضًا – من الأدب المتعلق بتحصيل البركة ؛ ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ ، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا ، أَوْ يُلْعِقَهَا ” [البخاري ( 5140 ) واللفظ له ، ومسلم ( 2031 )]
وفي صحيح مسلم عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا[مسلم ( 2032 )].
قال النووي – رحمه الله : ” يَلْعَقَهَا ، أَوْ يُلْعِقَهَا ” معناه – والله أعلم – لا يمسح يده حتى يلعقها ، فإن لم يفعل فحتى يُلعقها غيره ، ممن لا يتقذر ذلك ، كزوجة وجارية وولد وخادم يحبونه ويلتذون بذلك ، ولا يتقذرون ، وكذا لو ألعقها شاة ونحوها ، والله أعلم. [انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 206 باختصار]
قال الخطابي – رحمه الله : عاب قوم أفسد عقلَهم الترفه ، فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح ، كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء ما أكلوه ، وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذرًا لم يكن الجزء اليسير منه مستقذرًا ، وليس في ذلك أكبر من مصه أصابعه بباطن شفتيه ؛ ولا يشك عاقل في أن لا بأس بذلك ، فقد يمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه ، فيدلك أسنانه وباطن فمه ، ثم لم يقل أحد : إن ذلك قذارة أو سوء أدب[نقلا عن ( فتح الباري ) : 9 / 578 ، 579]
3 – يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الْآكِلُ مَا وَرَدَ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَكْلِ،
فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ : ” الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا ” رواه البخاري ( 5458 ) وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إذَا أَكَلَ طَعَامًا غَيْرَ اللَّبَنِ قَالَ : ” اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ ” وَإِذَا شَرِبَ لَبَنًا قَالَ : ” اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ ، وَزِدْنَا مِنْهُ ” رواه الترمذي ( 3377 ) وحسنه الألباني في ” صحيح الجامع ” ( 381 ) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ ” رواه الترمذي ( 3455 ) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 2749 ) .
4 – ( الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الطَّعَامِ ):
الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّعَامِ مُسْتَحَبَّةٌ ، لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّهْبَاءِ – وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ – فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ إلا سَوِيقًا فَلَاكَ مِنْهُ ، فَلُكْنَا مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ، رواه البخاري ( 5390 ) .
5 – غَسْلُ الْيَدِ بَعْدَ الطَّعَامِ :
تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ : وَالْأَوْلَى غَسْلُ الْيَدِ بِالْأُشْنَانِ أَوْ الصَّابُونِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا.
انظر ” تحفة الأحوذي ” ( 5 / 485 ) .
هَذَا وَالْغَسْلُ مُسْتَحَبٌّ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ عَلَى وُضُوءٍ .
6 – ( الدُّعَاءُ لِلْمُضِيفِ ) : يدعو لمن أضافه
هذا أدب راق ، يعلمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل عند سعد بن عبادة زيتًا (زبيبًا)، ثم قال: ” أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ ” [رواه عبد الرزاق في المصنف ( 7907 ، 19425) مختصرًا ومطولا ، ومن طريقه أحمد : 3 / 138، وأبو داود ( 3854 )]؛ وليس في هذه الرواية ما يخصص هذه الدعوة بحالة الإفطار ، وأما ما رواه أحمد والنسائي والدارمي عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال : ” أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ ( وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ ) ” [أحمد : 3 / 118 ، والنسائي في اليوم والليلة ( 298 ) ، والدارمي ( 1773 )]؛ فيدل على أنه كان يدعو بهذا الدعاء في هذه الحالة ، ولا ينفي أنه كان يدعو به أحيانًا من غير أن يكون صائمًا ، كما في حديث أكله عند سعد رضي الله عنه ، كما كان صلى الله عليه وسلم يدعو بغيره أيضًا ؛ والله أعلم .
فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي ، فقربنا إليه طعامًا ووطبة ، فأكل منها .. فقال أبي : ادع لنا ؛ فَقَالَ : ” اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ ” رواه مسلم ( 2042).
والوطبة ( بفتح الواو وإسكان الطاء ) : قربة لطيفة يكون فيها لبن .
وعن المقداد رضي الله عنه في حديثه الطويل .. وفيه : قال : فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال : ” اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي ، وَاسْقِ مَنْ سْقَانِي ” [رواه مسلم ( 2055 )].
7 – أدب الجشاء :
الجشاء : ريح يخرج من الفم مع صوت عند الشبع ؛ روى الترمذي وابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ : تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : ” كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” [الترمذي ( 2478 ، وابن ماجة ( 3350 ) وحسنه الألباني]؛ والكف : الصرف والدفع ؛ قال العلماء : والنهي عن الجشاء نهى عن سببه ، وهو الشبع ، وهو مذموم شرعًا وطبًّا؛ وقد تقدم الحديث عن القدر الذي يستحب للإنسان من الأكل.
رابعاً : آدَابٌ عَامَّةٌ فِي الْأَكْلِ :
1 – عَدَمُ ذَمِّ الطَّعَامِ : رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ ، إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ ” رواه البخاري ( 3370 ) ومسلم ( 2046 ) .
وَالْمُرَادُ : الطَّعَامُ الْمُبَاحُ ، أَمَّا الْحَرَامُ فَكَانَ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَلَّا يُعَابَ كَقَوْلِهِ : مَالِحٌ ، حَامِضٌ ، قَلِيلُ الْمِلْحِ ، غَلِيظٌ ، رَقِيقٌ ، غَيْرُ نَاضِجٍ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ – قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : هَذَا مِنْ حَسَنِ الْآدَابِ ، لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ ، وَكُلُّ مَأْذُونٍ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ ” .
” شرح مسلم ” ( 14 / 26 ) .
2- مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ الِاعْتِدَالُ فِي الطَّعَامِ وَعَدَمُ مِلْءِ الْبَطْنِ، وَأَكْثَرُ مَا يَسُوغُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُسْلِمُ بَطْنَهُ أَثْلَاثًا:
ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ لِحَدِيثِ : ” مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ” رواه الترمذي ( 2380 ) وابن ماجه ( 3349 ) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 1939 ) ؛ وَلاعْتِدَالِ الْجَسَدِ وَخِفَّتِهِ ؛ لأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشِّبَعِ ثِقَلُ الْبَدَنِ ، وَهُوَ يُورِثُ الْكَسَلَ عَنْ الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ ، وَيُعْرَفُ الثُّلُثُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ثُلُثِ مَا كَانَ يَشْبَعُ بِهِ ” .” الموسوعة ” ( 25 / 332 ) .
3- اجتناب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة؛ لأنه محرم،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ولنا في الآخرة ” رواه البخاري ( 5426 ) ومسلم ( 2067 ).
4- حمد الله بعد الفراغ من الأكل ، وهذا فيه فضل عظيم فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ” رواه مسلم ( 2734 ) .
هذا وللحمد صيغٌ متعددة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
1- ما أخرجه البخاري عن أبي أُمامة قال : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ : ” الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا ” رواه البخاري ( 5458 ) ، قال ابن حجر : ” قوله ( غير مكفي ) قيل : أي غير محتاج إلى أحدٍ من عباده لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم . قَوْله ( وَلا مُوَدَّع ) أَيْ غَيْر مَتْرُوك .
2- عن معاذ بن أنس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أكل طعاماً فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفرله ما تقدم من ذنبه ” رواه الترمذي ( 3458 ) وابن ماجه ( 3285 ) ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” ( 3348 ) .
3- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال : الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً ” رواه أبو داود ( 3851 ) وصححه الألباني.
4- عن عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجلٌ خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قٌرب إليه الطعام يقول : ” بسم الله ، فإذا فرغ قال : اللهم أطعمت وأسقيت وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت ” رواه أحمد ( 16159 ) وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 1 / 111 ) .
فائدة : يستحب الإتيان بألفاظ الحمد الواردة بعد الفراغ من الطعام جميعها ، فيقول هذا مرة ، وهذا مرة حتى يحصل له حفظ السنة من جميع وجوهها ، وتناله بركة هذه الأدعية ، مع ما يشعر به المرء في قرارة نفسه من استحضار هذه المعاني عندما يقول هذا اللفظ تارة وهذا اللفظ تارة أخرى ؛ لأن النفس إذا اعتادت على ذكرٍ معين فإنه مع كثرة التكرار يقل معها استحضار المعاني لكثرة الترداد .
فائدة: هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل
قال ابن تيمية – رحمه الله : وَكَانَ خُلُقُهُ فِي الْأَكْلِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَا تَيَسَّرَ إذَا اشْتَهَاهُ ، وَلَا يَرُدُّ مَوْجُودًا ، وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا ؛ فَكَانَ إنْ حَضَرَ خُبْزٌ وَلَحْمٌ أَكَلَهُ ، وَإِنْ حَضَرَ فَاكِهَةٌ وَخُبْزٌ وَلَحْمٌ أَكَلَهُ ، وَإِنْ حَضَرَ تَمْرٌ وَحْدَهُ ، أَوْ خُبْزٌ وَحْدَهُ ، أَكَلَهُ ؛ وَإِنْ حَضَرَ حُلْوٌ ، أَوْ عَسَلٌ ، طَعِمَهُ أَيْضًا ؛ وَكَانَ أَحَبَّ الشَّرَابِ إلَيْهِ الْحُلْوُ الْبَارِدُ ، وَكَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ ؛ فَلَمْ يَكُنْ إذَا حَضَرَ لَوْنَانِ مِنْ الطَّعَامِ يَقُولُ : لَا آكُلُ لَوْنَيْنِ ! وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ طَعَامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ اللَّذَّةِ وَالْحَلَاوَةِ ؛ وَكَانَ أَحْيَانًا يَمْضِي الشَّهْرَانِ وَالثَّلَاثَةُ لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ، وَلَا يَأْكُلُونَ إلَّا التَّمْرَ وَالْمَاءَ ، وَأَحْيَانًا يَرْبُطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنْ الْجُوعِ ، وَكَانَ لَا يَعِيبُ طَعَامًا، فَإِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ ، وَإِلَّا تَرَكَهُ . وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ لَحْمُ ضَبٍّ ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ، وَقَالَ: ” إنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي ، فَأَجِدُنِي أَعَافَهُ ” [انظر ( مجموع الفتاوى ) : 22 / 310 ، 311]. [انتهى من كتاب ” الآداب ” للشلهوب ( ص 155 )، وآداب الأكل لمحمد محمود إبراهيم عطية، بتصرف].
الوجه الرابع: الفوائد.
في الحديثِ: بيانُ هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في تَناوُلِ الطَّعامِ.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَعْقَ الأصابعِ بعدَ الطَّعامِ، وسلْتَ القَصعةِ قبْلَ الانتهاءِ مِنَ الطَّعامِ.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكْلَ اللُّقمةِ السَّاقطةِ بعدَ مسْحِ أذًى يُصيبُها.
وفيه: الحثُّ على كسْرِ النَّفسِ بِالتَّواضعِ، وأخذُ اللُّقمةِ السَّاقطةِ، وعَدمِ ترْكِها كما يفعلُه بعضُ الْمُترَفِينَ؛ استكبارًا.
فيه: التَّحذيرُ مِنَ الشَّيطانِ.
وفيه: ثبوتُ أكْلِ الشَّيطانِ، وأنهم يأكلون.[الموسوعة الحديثية]
قال النووي: في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل، منها:
وفيه: استحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر.
وفيه: استحباب أكل اللقمة الساقطة، بعد مسح الأذى الذي يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجست، ولا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيواناً، ولا يتركها.
وفيه: منها جواز مسح اليد بالمنديل، لكن السنة أن يكون بعد لعقها، واستشكل هذا بحديث جابر في البخاري، وفيه أنهم زمان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم مناديل فيحمل حديث النهي على من وجد، فلا يمسح بالمنديل حتى يلعقها، ولا مفهوم له، بل حكمه أيضاً حكم من وجد، يندب له لعق أصابعه.
وفيه: قال الحافظ ابن حجر: يشمل حكم اللعق من أكل بكفه كلها، أو بأصابعه الخمسة، أو ببعضها، وقال ابن العربي في شرح الترمذي: في قوله فلا يمسح يده دليل على جواز الأكل بالكف كلها، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعرق العظم، وينهش اللحم، ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها.اهـ
وفيه نظر؛ لأن ذلك ممكن بالثلاث، سلمنا أنه لا يمكن بالثلاث، لكن هو في هذه الحالة ممسك بكفه كلها، لا آكل بها، سلمنا أنه آكل بها لكنه محل ضرورة، ومحل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال.
قال القاضي عياض: والأكل بأكثر من الثلاث فيه شره وسوء أدب، إذا لم يكن مضطراً إلى ذلك، فإن اضطر إلى ذلك أدعم الثلاثة بالرابعة أو الخامسة، وعند سعيد بن منصور من مرسل ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس فيجمع بينه وبين حديث كعب باختلاف الحال.
والله أعلم.[فتح المنعم]