1127 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1127):
قال الحاكم رحمه الله: حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا حفص بن عمر الحوضي، ثنا سلام بن أبي مطيع، ثنا معاوية بن قرة، عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقا، يا ابن آدم لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا».
قال أبو عبد الرحمن الوادعي: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
تمهيد في استشعار العبودية في كل حال
رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التفرغ للعبادة والإقبال على الله، وحذر من الانهماك في الدنيا، وجعلها أكبر الهم، ومبلغ العلم، ومن تفرغ لعبادة الله ملأ قلبه غنى ويديه رزقاً، ومن أعرض عن ذكره وتباعد عن طاعته ملأ قلبه فقراً ويديه شغلاً.
قال الإمام المنذري رحمه الله: “الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى، والترهيب من الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها”. انتهى.
إن الإنسان خلق لعبادة الله عز وجل وتوحيده وإقامة شرعه ودينه، قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56 – 57].
فإذا عرف المؤمن الهدف من خلقه، عمل به، وعمل له، واستعد للقاء الله سبحانه، ليسأله ما الذي عمله في هذه الدنيا، هل عبد الله عز وجل حق عبادته، أم أن الدنيا قد ألهته فانشغل بها؟ فهو يعبد الله سبحانه في كل أعماله، يعبد ربه بصلاته، وصيامه، وزكاته، وحجه، وعمرته، ويعبد ربه بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، كما يعبد ربه بزواجه، وبتربية أهله وأولاده، ويعبد ربه بالدعوة إليه سبحانه، ويعبد ربه كذلك بالعمل ليطعم أهله وأولاده ويكف نفسه عن سؤال الغير؛ ويتعبد لربه بأن يتقن عمله، فالله عز وجل يحب المؤمن الذي يحسن صنعته ويتقن عمله، وهكذا فالمؤمن في كل وجوه الخير له فيه عبادة.
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث
عُبوديَّةُ اللهِ هي أعْلى المَقاماتِ وأشْرَفُها، وهي الغايةُ من خَلْقِ الإنسانِ، وعندَما يَتفرَّغُ لها الإنسانُ، ينالُ الخيْرَ العميمَ، لكن إنْ غَفَلَ عنها، وانْشَغَلَ بالدُّنيا، كان ذلك هو الخُسْرانَ الحقيقيَّ.
وفي هذا الحديثِ – الذي خرجه أخرجه الترمذي (2466)، وابن ماجه (4107)، وأحمد (8681) مختصراً، والحاكم (3657) باختلاف يسير، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3116) – يقولُ أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه: “تَلا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”، أي: قَرَأَ على الصَّحابَةِ قوْلَهُ تَعالى: ” {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} والمعنى: مَن كان يُريدُ بعَمَلِهِ الآخِرَةَ؛ نَزِدْ له في عَمَلِهِ الحَسَنِ، فنَجْعَلْ له الحَسَنَةَ بعَشْرٍ، إلى ما شاء ربُّنا من الزيادَةِ، {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، أي: وَمَنْ كان يُريدُ بعَمَلِهِ الدُّنيا، ويَسعَى لها لا للآخِرةِ، نُؤتِه ما قَسَمْنا له منها.
ثم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يقولُ اللهُ: ابنَ آدَمَ!))، أي: يُنادي على ابنِ آدَمَ قائلًا له: ((تفرَّغْ لعِبادتي))، والمُرادُ من التفرُّغِ للعِبادَةِ: إيثارُها على حُظوظِ الدُّنيا، والإتيانُ بما أَمَرَ به منها، فلا تُلْهيهِ عن ذِكْرِ اللهِ، لا أنَّه لا يَفعَلُ إلَّا العِبادَةَ، بل لا يَنشغِلُ عن ربِّهِ، فيكُونُ في كلِّ أحوالِهِ وأعمالِهِ في طاعتِه، فلا تُلْهِيهِ تِجارةٌ أو بيعٌ عن ذِكرِ اللهِ وفَرائضِهِ.
كما قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في منظومته: ” السير إلى الله والدار الآخرة “:
1 – سَعِدَ الَّذِينَ تَجَنَّبُوا سُبُلَ الرَّدَى **** وَتَيَمَّمُوا لِمَنَازِلِ الرِّضْوَانِ
2 – فَهُمُ الَّذِينَ قَدْ أَخْلَصُوا فِي مَشْيِهِم **** مُتَشَرِّعِينَ بِشِرْعَةِ الإِيمَانِ
3 –
وَهُمُ الَّذِينَ بَنَوْا مَنَازِلَ سَيْرِهِم **** بَيْنَ الرَّجَا وَالخَوْفِ لِلدَيَّانِ
4 –
وَهُمُ الَّذِينَ مَلَا الإِلَهُ قُلُوبَهُم **** بِوِدَادِهِ وَمَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ
5 –
وَهُمُ الَّذِينَ قَدْ أَكْثَرُوا مِن ذِكْرِهِ **** فِي السِّرِ وَالإِعْلَانِ وَالأَحْيَانِ
6 –
يَتَقَرَّبُونَ إِلَى المَلِيكِ بِفِعْلِهِم **** طَاعَاتِهِ وَالتَّرْكِ لِلعِصْيَانِ
7 –
فِعْلُ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ دَابُهُم **** مَعَ رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ وَالنُّقْصَانِ
8 –
صَبَرُوا النُّفُوسَ عَلَى المَكَارِهِ كُلِّهَا **** شَوْقًا إِلَى مَا فِيهِ مِنْ إِحْسَانِ
9 –
نَزَلُوا بِمَنْزِلِةِ الرِّضَى فَهُمُ بِهَا **** قَدْ أَصْبَحُوا فِي جَنَّةِ وَأَمَانِ
10 –
شَكَرُوا الَّذِي أَوْلَى الخَلَائِقَ فَضْلَهُ **** بِالقَلْبِ وَالأَقْوَالِ وَالأَرْكَانِ
11 –
صَحِبُوا التَّوَكُّلَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِم **** مَعَ بَذْلِ جُهْدٍ فِي رِضَى الرَّحْمَنِ
12 –
عَبَدُوا الإِلَهَ عَلَى اعْتِقَادِ حُضُورِهِ **** فَتَبَوؤُا فِي مَنْزِلِ الإِحْسَانِ
13 –
نَصَحُوا الخَلِيقَةَ فِي رِضَى مَحْبُوبِهِم **** بِالعِلْمِ وَالإِرْشَادِ وَالإِحْسَانِ
14 –
صَحِبُوا الخَلَائِقَ بِالجُسُومِ وَإِنَّمَا **** أَرْوَاحُهُم فِي مَنْزِلٍ فَوْقَانِي
15 –
بِاللهِ دَعْوَاتُ الخَلَائِقِ كُلِّهَا **** خَوْفًا عَلَى الإِيمَانِ مِن نُّقْصَانِ
16 –
عَزَفُوا القُلُوبَ عَنِ الشَّوَاغِلِ كُلِّهَا **** قَدْ فَرَّغُوهَا مِن سِوَى الرَّحْمَنِ
17 –
حَرَكَاتُهُم وَهُمُومُهُم وَعُزُومُهُم **** للهِ لا لِلخَلْقِ وَالشَّيْطَانِ
18 –
نِعْمَ الرَّفِيقُ لِطَالِبِ السُّبُلِ التِي **** تُفْضِي إِلَى الخَيْرَاتِ وَالإِحْسَانِ
ولهذه القصيدة تعليق من الناظم نفسه رحمه الله تعالى، بعنوان: ” الدرر الفاخرة فى التعليق على منظومة السير إلى الله والدار الآخرة “.
فهم وإن ” صَحِبُوا الخَلَائِقَ بِالجُسُومِ وَإِنَّمَا **** أَرْوَاحُهُم فِي مَنْزِلٍ فَوْقَانِي،
عَزَفُوا القُلُوبَ عَنِ الشَّوَاغِلِ كُلِّهَا **** قَدْ فَرَّغُوهَا مِن سِوَى الرَّحْمَنِ،
حَرَكَاتُهُم وَهُمُومُهُم وَعُزُومُهُم …. “، إلا أنهم في جميع أحوالِهِم وأعمالِهِم في طاعتِه تبارك وتعالى.
إذا فمعنى قوله: (تفرغ لعبادتي): أي: أفرغ قلبك من الدنيا، وليس المعنى: اجلس في بيتك ولا تعمل، ولا تطعم عيالك، ولا تفعل الخير، وليس معنى التفرغ للعبادة أن تصلي الليل والنهار وتصوم الدهر، وقد حاول بعض الصحابة أن يصنع ذلك، كـ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقام الليل كله، وصام دهره كله، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تفعل، إنك إن فعلته نكهت عيناك، وتعبت نفسك، (إن لنفسك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه)، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يبين له ما الذي يصنعه من حقوق يكون بتأديتها متعبد لله سبحانه وتعالى، ولذلك جاء في الحديث: أن الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم، (يأتي أحدنا شهوته فيكون له أجر؟ قال: أرأيت إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قال: نعم، قال: فكذلك إن وضعها في حلال كان له أجر).
فالإنسان المؤمن حياته كلها عباده لله سبحانه، فإذا نام ليستريح من التعب وحتى يكمل بعد ذلك عبادة الله عز وجل كالقيام والصلاة والعمل من أجل الإنفاق على أولاده فنومه عبادة، وإذا نام ليقوم مستريحاً لهذه العبادة، أعانه الله عز وجل، إذاً: فمعنى التفرغ للعبادة: أن لا يملأ الإنسان قلبه بالدنيا، ويكثر من التمني، فكلما رأى أهل الدنيا في الملاهي، والمطامع، والشهوات يريد أن يكون مثلهم، فإذا بقلبه ممتلئ بفتن الدنيا، وشهواتها وآمالها وأطماعها، فلا يقدر على العبادة، ولن يأتيه من الدنيا إلا ما قسمه الله عز وجل له.
إذاً: فليس المطلوب من العبد أن لا يعمل ولكن المطلوب منه أن لا يطمع في الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن الله عز وجل أنه يقول: (لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى له ثانيا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
فعلى الإنسان أن يترك شهوات نفسه ولا يتمنى كل شيء في هذه الدنيا، فإنه لن يحصل منها إلا ما قسم له، فليرض بما كتب الله عز وجل له، وليأخذ الدنيا بالمعروف، ويجعلها في يده، كما كان الصحابة رضوان الله عنهم، يجعلون الدنيا في أيديهم، ولا يملؤون بها قلوبهم، فإذا جاءتهم الدنيا أنفقوا لله عز وجل، وعملوا له سبحانه، وطلبوا رضا الله، وفرحوا بأمره وأحسنوا عبادته سبحانه.
وفي الحديث وعد من الله لابن آدم أنه إذا أفرغ قلبه من الدنيا، ولم يجعلها تسكن قلبه أن الله عز وجل سيملأ قلبه غنى، أي: يجعله قلبه غنياً، وفي الحديث: (ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس) ومهما امتلأت يد ابن آدم من المال وقلبه متعلق بالدنيا فهو فقير، يستشعر الفقر، ويخاف من الفقر، فيخاف أن لا يضيع منه المال، ويصرف، أو يأتيه مرض تضيع فيه الثروة كلها، فهو في حيرة وخوف دائم، لكن لو أن قلبه امتلأ بالإيمان فلن يهتم بالدنيا أبدا، فإذا جاءه القليل منها حمد الله، وإذا جاءه الكثير منها حمد الله، فلا يهتم للقليل ولا للكثير، طالما أنه أخذ بالأسباب، ولن يأتيه إلا ما قسمه الله عز وجل له.
قوله: ((يا ابن أدم! تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقا))، ولم يقل: اقعد في بيتك بلا عمل، وصل وسيأتيك الرزق، فالأخذ بأسباب الرزق سنة من سنن الله عز وجل في خلقه، وإن كان الله عز وجل لا يعجز أن ينزل له رزقاً من السماء، وهو جالس في بيته فالله على كل شيء قدير، لكن لم يجعل ذلك سبباً للرزق، إنما الأسباب أن يذهب الإنسان إلى عمله ويتعبد الله عز وجل بإتقانه، ويراقبه في صنعته وعمله والله عز وجل سوف يعطيه الرزق الذي وعده الله عز وجل به.
ثمَّ بيَّن سُبحانَه وتَعالى ما يُعطيهِ لفاعِلِ ذلك: ((أَمْلا صَدْرَكَ غِنًى)) والمُرادُ بالغِنى: غِنى النَّفْسِ والرِّضا بما قَسَمهُ اللهُ، ويحصلُ في قلبِهِ قَناعَةٌ تامَّةٌ، ((وأَسُدَّ فَقْرَكَ)) والمُرادُ أنَّه لا يَبْقى للفَقْرِ ضَرَرٌ، بل يُغْنيهِ اللهُ في نَفْسِهِ، ويُبارِكُ له في القليلِ من مالِه، ((وإلَّا تَفْعَلْ)) يعني: وإنْ لم تفْعَلْ ما أَمَرْتُك به من التَّفرُّغِ للطاعَةِ والعِبادَةِ، وآثَرْتَ الدُّنيا على الآخِرةِ
وقوله: (يا ابن آدم لا تباعد مني) أي: لا تتباعد من طريق الله أو عن طريق الله، فإذا فعلت ذلك، قال: (أملأ قلبك فقراً، وأملأ يديك شغلا) أي: أن ترى المال يأتيك ليل نهار والأرباح تتكاثر عليك ولكنك تشعر بالفقر، وتشعر بأن هذا المال لا يكفي، وأنه سرعان ما ينتهي، أو يضيع أو يسرق، وتفتح لك أبواب تضع فيها هذه الأموال، فيشغلك الله بما آتاك من المال.
فالمعنى: أن الله لا يملأ يديك فقراً فقط، بل قد يملؤها مالا، ولكن القلب يجعله فقيرا، محتاجاً يحس دائماً بأنه محتاج للخلق، خائفاً أن يضيع منه المال، وهكذا فالعبد إذا تباعد من الله سبحانه، فليس في قلبه ثقة ولا يقين، لأنه تفرغ للدنيا فكان قلبه فارغا، وامتلأت يداه بالشغل ومع ذلك لم يشبع، ولم يكتف بما آتاه الله.
((مَلاتُ صَدْرَكَ شُغْلًا))، أي: كثَّرْتُ شُغْلَكَ بالدُّنيا، فظَلَلْتَ مُنشغِلًا بغَيرِ العِبادةِ، مُقبِلًا على الدُّنيا وأعمالِها وأشغالِها، ولا يَزالُ قَلْبُك غيرَ راضٍ ((ولم أَسُدَّ فَقْرَكَ)) فتُنزَعُ البَرَكةُ من مالِكَ، ويَبْقى القَلْبُ مُتلهِّفًا على الدُّنيا غيرَ بالِغٍ منها أمَلَهُ، فيَحرِمُكَ اللهُ مِن ثَوابِهِ وفَضلِهِ، وتَزيدُ تعَبًا في الدُّنيا دونَ شُعورٍ بالغِنى.
الوجه الثاني: المسائل المتعلقة بالباب:
أولا: معنى: تفرغ لعبادتي
تمهيد:
فإن الخلق كلهم عبيد لله الواحد القهار الذي قهرهم بتصرفه فيهم بما يشاء، والخلق عبيد لله مقهورون مربوبون إما طوعا أو كرها، فأما من آمن بالله ورسله وسلك سبيلهم فهذا عبد لله طوعا وحبا ورغبة ورهبة، وأما من لم يؤمن بالله تعالى ورسله فقد تمرد على الله وعلى دينه وشرعه ولكنه في حقيقة الأمر لا يخرج عن تصرف الله وقهره ومآله إليه، كما قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (62) سورة الأنعام. فكل من لم يؤمن بالله فهو مربوب له ومقهور وعبد له كرها، وسيرجع إلى الله وهو كاره لذلك الرجوع لما سيلاقيه من العقوبة السيئة على سوء أعماله.
المقصود أن المسلم ما دام قد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينا فإنه ينبغي أن يعبد الله تعالى حق عبادته ويطيعه في هذه الحياة الدنيا حتى يأتيه الموت وهو على رضوان من الله ورحمة،
ولتحقيق رضا الله تعالى فعلى المسلم أن يزداد من التقوى والإيمان كل يوم وفي كل موقف من مواقف حياته، وأن يتفرغ لعبادة الله في كثير من أحيانه،
وإن من التفرغ لعبادة الله وقف هذه الحياة كلها لله وعمارتها بكل عمل صالح، وهذا لا يقدر عليه إلا الخلص من المؤمنين الذين نذروا حياتهم لرب العالمين،
ومن التفرغ لعبادة الله التفرغ للصلوات في أوقاتها مع الجماعة والتفرغ لذكر الله وقيام الليل، ومن ذلك الاعتكاف في رمضان وفي غيره، مع بقاء الحياة كما هي عليه من حيث التكسب وطلب الرزق الحلال،
تنبيه:
فليس معنى التفرغ لعبادة الله تعالى أن نترك أعمالنا وأشغالنا ووظائفنا وتجاراتنا ثم نرحل إلى المساجد عاكفين! هذا لا يقوله عاقل؛ لأن الحياة سوف تتعطل والله تعالى لن يرزق أحدا إلا بسعي وعمل، وإنما المقصود ألا ينسى المؤمن الدار الآخرة وعبادة الله عز وجل وينشغل بالدنيا انشغالا كليا بحيث تصبح الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ومصدر سعيه!
فهذا هو الشقاء والنكد والحرمان نسأل الله السلامة منه والعافية.
ما ورد في الباب:
وقد جاء في النصوص ما يدل على أهمية التفرغ لعبادة الله تعالى وجمع القلب والهم على الله وحده دون شريك، قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20) سورة الشورى، وقال تعالى: {وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)}.
قال الحافظ ابن كثير: ” وقوله: (لا نسألك رزقا نحن نرزقك) يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) [الذاريات: 56 – 58] ولهذا قال: (لا نسألك رزقا نحن نرزقك) وقال الثوري: (لا نسألك رزقا) أي: لا نكلفك الطلب. “.انتهى المقصود.
وحديث الباب، وما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
الآثار التي تحصل بسبب عدم التفرغ لعبادة الله تعالى:
إن التأمل في مثل هذه الأحاديث النبوية العظيمة تبعث في قلب المؤمن معاني إيمانية عظيمة، تجعله يراجع كثيرا من حساباته في خضم ومعترك هذه الحياة التي يشقى فيها كثير من الناس!
فعدم التفرغ للعبادة شقاء وحرمان وهم وضيق ونكد وعاقبة سيئة وخاتمة غير مرضية، ولهذا نجد أن كثيرا من الأغنياء في العالم لا يهنئون بغناهم ولا يسعدون بأموالهم رغم ما أوتوه من بسطة في العلوم والأجسام والأموال والأولاد،
ولكن مع كل هذا لما انقطعوا عن الله وانفصموا عن ربهم انفصاما نكدا عاقبهم الله تعالى بألوان كثيرة من العقوبات، وقد يصل الأمر بأكثرهم إلى الانتحار والتخلص من حياة الجحيم التي يكابدها في صدره الضيق الحرج.
المطلوب من المسلمين:
إننا مطالبون جميعا بالرجوع إلى الله والتوبة إليه بسبب البعد الذي يعانيه كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام وهم أبعد ما يكونون عن تعاليمه وأحكامه وأخلاقه، وهم أبعد ما يكونون عن طاعة الله وعبادته فضلا عن التفرغ للعبادة والطاعة، فالتفرغ هو من صفات الصالحين والصديقين وهم مبثوثون في كل زمان ومكان، وهذه الأمة كلها خير لا يدرى أخيرها في أولها أم في آخرها.
وفي معنى حديث أبي هريرة السابق: (يا ابن آدم تفرغ .. ) ما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَاتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ.
ورواه ابن ماجه (4105) من حديث زَيْد بْن ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَاتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ.
وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (2/ 634).
وقوله: ((وَلَمْ يَاتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ))، وفي الرواية الثانية ((إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ))، معناها: أن الحرص المذموم على الدنيا لا يزيد صاحبه نفعا؛ لأن رزقه قد قدر وكتب، فلا يأتيه إلا هذا المقدار المكتوب له، مهما أتعب نفسه من أجل الدنيا، فعلى الإنسان العاقل أن يكتفي بطلب الدنيا بطريق مشروع من غير حرص زائد.
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه:
” (وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ) أَيْ: مَقْهُورَةٌ.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا كُتِبَ لِلْعَبْدِ مِنَ الرِّزْقِ: يَاتِيهِ لَا مَحَالَةَ، إِلَّا أَنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ يَاتِيهِ بِلَا تَعَبٍ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا يَاتِيهِ بِتَعَبٍ وَشِدَّةٍ، فَطَالِبُ الْآخِرَةِ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ جِمْعِ الْمَالِ: الرَّاحَةَ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ حَصَلَتْ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا فِي التَّعَبِ الشَّدِيدِ فِي طَلَبِهَا، فَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهُ فِي الْمَالِ إِذَا فَاتَتِ الرَّاحَةُ؟! ” انتهى.
وقال المباركفوري رحمه الله تعالى:
” (وَلَمْ يَاتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) أي وهو راغم، فلا يأتيه ما يطلب من الزيادة؛ على رغم أنفه وأنف أصحابه ” انتهى من “تحفة الأحوذي” (7/ 140).
وقال الطيبي رحمه الله تعالى:
” وقوله: (وأتته الدنيا وهي راغمة) مقابل؛ لقوله: (ولا يأتيه منها إلا ما كتب له).
فيكون معنى الأول: وأتاه ما كتب له من الدنيا، وهي راغمة.
ومعنى الثاني: وأتاه ما كتب له من الدنيا؛ وهو راغم “. انتهى من “شرح مشكاة المصابيح” (11/ 3372).
ويتضح هذا بحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ)). رواه ابن ماجه (2144)، وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (6/ 209).
ومعنى: وأجملوا في الطلب: أي: اطلبوا الرزق طلبا رفيقًا، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بذلك، بأن يأخذ الإنسان ما حل، ويدع ما حرم. انظر: “فيض القدير” (3/ 207).
وإذا المقصود:
أن يجعل الإنسان همه الله تعالى والدار الآخرة وأن يتفرغ لعبادة الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والتفرغ المراد به هنا هو التفرغ لله بالمستحبات والنوافل أما الفرائض والواجبات فكل مسلم ملزم بأدائها، وقد جاء في الحديث الصحيح ما يدل على أن الله يحب من تفرغ لعبادته وتزود من نوافل الطاعات، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته!)). [رواه الإمام البخاري في صحيحه.]
ومعنى قوله: (كنت سمعه الذي يسمع به .. ) إلخ، أي: توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله. [ذكره ابن حجر في فتح الباري عن الخطابي رحمه الله تعالى].
ثانيًا: أسباب الرزق الحلال:
مفاتيح الرزق الحلال: أهم مفاتيح الرزق التي يُستنزل بها الرزق من الله عز وجل:
1 – تقوى الله عز وجل:
– قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [96]} [الأعراف:96].
2 – وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 – 3].
2 – الاستغفار والتوبة إلى الله:
1 – قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [10] يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [11] وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [12]} [نوح:10 – 12].
2 – وقال الله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [52]} [هود:52].
3 – التوكل على الله عز وجل:
1 – قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [3]} [الطلاق:3].
2 – وَعَنْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بطَاناً». أخرجه الترمذي وابن ماجه.
4 – اجتناب المعاصي:
قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [41]} [الروم:41].
5 – الدعاء:
1 – قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]} [البقرة:186].
2 – وقال الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [114] قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [115]} [المائدة:114 – 115].
6 – الإنفاق في سبيل الله تعالى:
1 – قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [39]} [سبأ:39].
2 – وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَاابْنَ آدَمَ! أنْفِقْ أنْفِقْ عَلَيْكَ». أخرجه مسلم.
7 – الإنفاق على أهل العلم:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَاتِي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: َ «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بهِ». أخرجه الترمذي.
8 – إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأى سَعْدٌ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ». أخرجه البخاري.
9 – صلة الرحم:
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه.
10 – التبكير في طلب الرزق:
عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأمَّتِي فِي بُكُورِهَا». وَكَانَ إِذا بَعَث سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً وَكَانَ يَبْعَث تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثرَى وَكَثرَ مَالُهُ. أخرجه أبو داود والترمذي.
11 – الهجرة في سبيل الله تعالى:
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [100]} [النساء:100].
12 – التفرغ لعبادة الله عز وجل:
ومعناه: حضور القلب وخشوعه وخضوعه لله أثناء العبادة.
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلا قَلْبَكَ غِنىً، وَأَمْلا يَدَيْكَ رِزْقاً، يَا ابْنَ آدَمَ، لا تَبَاعَدْ مِنِّي، فَأَمْلا قَلْبَكَ فَقْراً، وَأَمْلا يَدَيْكَ شُغْلاً». أخرجه الحاكم.
13 – الاستعاذة بالله من المأثم والمَغْرم:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، اللَّهُمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ المَاثَمِ وَالمَغْرَمِ». قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ يَا رَسُولَ الله! فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأخْلَفَ». متفق عليه.
14 – المتابعة بين الحج والعمرة:
عَنْ عَبْدِالله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ وَالذهَب وَالفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ». أخرجه الترمذي والنسائي. [موسوعة الفقه الإسلامي (150 من 271)]
الوجه الثالث: الفوائد
في الحديث: وعد من الله لابن آدم أنه إذا أفرغ قلبه من الدنيا، ولم يجعلها تسكن قلبه أن الله عز وجل سيملأ قلبه غنى، أي: يجعله قلبه غنياً.
وفي الحديثِ: الحثُّ والتَّرغيبُ في العِبادَةِ، وتَرْكُ الانْشِغالِ بالدُّنيا.
وفي الحديثِ: الترغيبُ في الاهتِمامِ بالآخِرةِ والإقبالِ عليها، والحَثُّ على الزُّهدِ في الدُّنيا والإعراضِ عنها.
وفي الحديثِ: فضل التقرب إلى الله بصالح الأعمال.
[انظر: كتاب شرح الترغيب والترهيب للمنذرى، والموسوعة الحديثية، وغيرهما