112 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
———–
سنن أبي داود
554 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن ابي اسحاق عن عبدالله ابن ابي بصير – عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما الصّبح فقال: «أشاهد فلان؟». قالوا: لا، قال: «أشاهد فلان؟».
قالوا: لا، قال: «إنّ هاتين الصّلاتين أثقل الصّلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الرّكب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرّجلين أزكى من صلاته مع الرّجل، وما كثر فهو أحبّ إلى الله تعالى»
قلت سيف: على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
رواه أبو داود وحسنه الالباني (563)، وحسنه محققو المسند (21266)
قال سيف وصاحبه: له طرق وتدور على عبدالله بن أبي بصير. وقال الحاكم: وقد حكم أئمة الحديث يحيى بن معين وعلي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهم لهذا الحديث بالصحة. ونقل عن علي بن المديني قوله: وما أرى الحديث إلا صحيحا. وانظر سنن البيهقي (حاشية علل ابن أبي حاتم 277)
ورد في البخاري 657 ومسلم 651 شاهد لبعضه ففيه ( … ولو يعلمون ما فيهما يعني العشاء والصبح لأتوهما ولو حبا ولقد هممت أن آمر رجلا
———
[الوعيد لمن تخلف عن العشاء و الفجر من غير عذر]
حديث أبي بن كعب، قال: صلى بنا رسول الله (يوما الصبح، فقال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا. قال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا. قال: ((إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتهموهما ولو حبوا على الركب)).
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في
((صحيحهما)) والحاكم.
قوله: ((إن هاتين الصلاتين)) أي الصبح العشاء؛ لأن مبدأ النوم العشاء، ومنتهاه الصبح، فإن لذيذ الكرى عند الصباح يكون، والمنافقون إذا قاموا إلي الصلاة قاموا كسالى.
قوله: ((ولو حبوا)) حبواً خبر كان المحذوف، أي ولو كان الإتيان حبواً، ويجوز أن يكون التقدير: ولو أتيتموها حبواً، أي حابين تسمية بالمصدر ومبالغة. الحيوان يمشي علي يديه وركبتيه، أو استه، وحبا الصبي إذا زحف علي استه.
قوله: ((على مثل صف الملائكة)) خبر إن، والمتعلق كائن، أو مقاس، شبه الصف الأول في قربه من الإمام بصف الملائكة المقربين في قربهم إلي الله عز وجل. فإن قلت: ما الفرق بين قوله: ((لو تعلمون ما فيهما)) وقوله بعد: ((لو علمتم ما فضيلته؟)) قلت: الدلالة على أن حضور الجماعة أفضل وأكمل من اختيار الصف الأول؛ لأن ((لو)) يستدعي الماضي، وإيثار المضارع عليه يشعر بالاستمرار، لاسيما لم يصرح بالفضيلة بل إبهمهما ليدل على أن إبهامهما لا يدخل تحت الوصف، بين أولاً فضيلة الجماعة، ثم نزل منه إلى بيان فضيلة الصف الأول، ثم إلى بيان كثرة الجماعة. أنظر شرح المشكاة للطيبي (4/ 1132)
قال العباد:
وقوله: (وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة) يعني أن الصف الأول له الفضيلة، والملائكة تصف عند الله عز وجل صفوفاً، فالصف الذي يكون من الملائكة أولاً مثله هذا الصف الذي يكون في المسجد، يعني أن هذا بالنسبة للملائكة والقرب من الله عز وجل، وهذا فيه الحث على المبادرة إلى الصف الأول وتحصيل الفضيلة فيه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضله كما في هذا الحديث، وجاء أيضاً: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه). وقوله: [(ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه)] يعني: لبادرتم ولتنافستم ولأسرعتم إلى الوصول إليه من أجل الظفر به، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني أنه تميزهم القرعة لشدة حرصهم وكونهم وصلوا جميعاً وكل واحد يقول: أنا السابق.
وقوله: [(وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)] وهذا يدل على فضل الجماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا يدلنا على فضل الجماعة، بل وعلى فضل كثرة الجماعة، وأنه كلما كانت الجماعة أكثر فذلك أفضل وأعظم أجراً عند الله عز وجل. شرح سنن أبي داود
قال ابن رجب الحنبلي في الفتح (4/ 47): والمراد بثقل هاتين الصلاتين على المنافقين: ثقل شهودهما في المساجد، وباقي الحديث يدل على ذلك. انتهى
كان السلف يسيئون الظن لمن تخلف عن الفجر والعشاء في جماعة
وروى مالك من ((الموطإ)) عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله (قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود صلاة العشاء والصبح، لا يستطيعونهما)) – أو نحو هذا.
وخرج ابن خزيمة والحاكم بإسناد صحيح، عن ابن عمر، قال: كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن.
و علل ابن رجب لماذا هاتين الصلاتين اثقل الصلوت على المنافقين؟
وإنما ثقلت هاتان الصلاتان في المساجد على المنافقين أكثر من غيرهما من الصلوات لأن المنافقين كما وصفهم الله في القرآن (إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ([النساء: 142] والمرائي إنما ينشط للعمل إذا رآه الناس، فإذا لم يشاهدوه ثقل عليه العمل.
قال الحافظ العراقي: وإنما كانت هاتان الصلاتان ثقيلتين على المنافقين لأمرين: أحدها للمشقة الموجودة في حضور المساجد فيهما من الظلمة وكون وقتهما وقت راحة أو غلبة نوم أو خلوة بأهاليهم فلا يتجشم تلك المشاق إلا من وفق بثواب الله تعالى والمنافق إما شاك في ذلك أو لا يصدق فيشق عليه ذلك.
والمعنى الثاني: أن المنافقين كما قال الله تعالى {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142] وهاتان الصلاتان في ليل فربما خفي من غاب عنهما واستتر حاله بخلاف باقي الصلوات فإنها بحيث يراه الناس ويتفقدون غيبته فكان رياؤه يحضه على حضورها ليراه الناس والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى في أول الآية {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} [النساء: 142] ولا مانع أن يكون الأمران المذكوران في الآية كلاهما حامل لهم على ترك الجماعة في الصلاتين المذكورتين والله أعلم. طرح التثريب (2/ 312).
قال العثيمين: كذلك أيضاً من الأشياء التي تحتاج إلى مجاهدة، مجاهدة الإنسان نفسه على الصلاة مع الجماعة؛ كثير من الناس يسهل عليه أن يصلي في بيته، لكن يشق عليه أن يصلي مع الجماعة في المسجد، فتجده مع نفسه في جهاد، يقول: أصبر، أؤدي هذا الشغل، أو أفعل كذا، أو أفعل كذا، حتى .. سوف .. فتفوته صلاة الجماعة، وثقل صلاة الجماعة على الإنسان يدل على أن في قلب الإنسان نفاقاً، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وهذا يحتاج إلى المجاهدة. شرح رياض الصالحين (2/ 53).
[كلما يكون الجمع أكثر فهو أحب الى الله]
ويمكن أن يكون المعنى وكل موضع من المساجد كثر فيه المصلون فذلك الموضع أفضل. عون المعبود
[البشارة للمشائين الى المساجد في هذين الوقتين العشاء و الفجر]
فالمشي إلى المساجد في هذين الوقتين أشق؛ لما فيه من المشي في الظلم؛ ولهذا ورد التبشير على ذلك، بالنور التام يوم القيامة من وجوه متعددة.
من أجودها: ما خرجه أبو داود والترمذي من حديث بريدة، عن النبي (، قال: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)).
[من أوصاف المنافقين]
ومن تأمل ما وصف الله به المنافقين في القرآن من صفات الذم علم بأنهم أحق بالدرك الأسفل من النار فإنه وصفهم بمخادعته ومخادعة عباده، ووصف قلوبهم بالمرض وهو مرض الشبهات والشكوك، ووصفهم بالإفساد في الأرض وبالاستهزاء بدينه وبعباده، وبالطغيان وباشتراء الضلالة بالهدى والصمم والبكم والعمى والحيرة والكسل عند عبادته، والزنا وقلة ذكره، والتردد وهو التذبذب بين المؤمنين والكفار فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء والحلف باسمه تعالى كذبًا وباطلًا، وبغاية الجبن وبعدم الفقه في الدين وبعدم العلم وبالبخل وبعدم الإيمان بالله وباليوم الآخر وبكراهتهم لظهور أمر الله وأنهم يحزنون بما حصل للمؤمنين من الخير والنصر، ويفرحون بما يحصل لهم من المحنة والابتلاء وأنهم يتربصون الدوائر بالمسلمين، وبعيب المؤمنين وبرميهم بما ليس فيهم فيلمزون المُتصدِّقين، ووصفهم بأنهم عبيد الدنيا إن أعطوا منها رضوا وإن منعوا منها سخطوا وبأنهم يؤذنون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويعيبونه وأنهم يقصدون إرضاء المخلوقين ولا يطلبون إرضاء رب العالمين وأنهم يسخرون من المؤمنين، ووصفهم بأنهم رجس والرجس من كل جنس أخبثه وأقذره فهم أخبث بني آدم وأقذرهم وأرذلهم ووصفهم سبحانه بالاستهزاء به وبآياته وبرسله وبأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم عن الإنفاق في مرضاته، ووصفهم بنسيان ذكره وبأنهم يتولون الكفار ويدَعُون المؤمنين وبأن الشيطان استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله فلا يذكرونه إلا قليلاً وأنهم حزب الشيطان، وأنهم يوادون من حاد الله ورسوله وبأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ..
ومن صفاتهم التي وصفهم بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الكذب في الحديث، والخيانة في الأمانة، والغدر عند العهد، والفجور عند الخصام، والخلف عند الوعد، وتأخير الصلاة إلى آخر وقتها، ونقرها بسرعة عجلًا وإسراعًا، وترك حضورها جماعة، وإن أثقل الصلوات عليهم الصبح والعشاء.
ومن صفاتهم أن أعمالهم تكذب أقوالهم وباطنهم يكذب ظاهرهم وسرائرهم تناقض علانيتهم، ومن صفاتهم أنك إذا دعوتهم عند المنازعة للتحاكم إلى القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه ودعوك إلى التحاكم إلى طواغيتهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [سورة النساء: 61] ومن صفاتهم معارضة ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعقول الرجال وآرائهم، ومن صفاتهم كتمان الحق والتلبيس على أهله ..
وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزيف في النقود يروج على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد وليس على الأديان أضر من هذا الضرب من الناس وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين فالكفار المجاهرون بكفرهم أخف وهم فوقهم في دركات النار لأن الطائفتين اشتركتا في الكفر ومعاداة الله ورسله وزاد المنافقون عليهم بالكذب والنفاق ولهذا قال تعالى في حقهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [سورة المنافقون: 4].
فحقيق بأهل هذه الطبقة أن يحلوا بالمحل الذي أحلهم الله من دار الهوان وأن ينزلوا في أردء منازل أهل العناد والكفران، وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوف سادة الأمة وسابقوها على أنفسهم أن يكونوا منهم فكان عمر بن الخطاب يقول: يا حذيفة ناشدتك الله هل سماني رسول الله مع القوم. فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
مختصر طبقات المكلفين لابن القيم [للرجوع الى المصدر الاصلي طريق الهجرتين]
الخلاصة:
ـ يؤخذ من الحديث أفضلية الجماعة في المسجد.
ـ و فيه أفضلية الصف الأول، وجاءت نصوص كثيرة تدل على ذلك، وينبغي الحرص على ذلك.
ـ وفيه كلما كان الجمع أكثر فهو مما يحبه الله، والبحث عن المسجد الذي يكثر مصليه للحديث [وما كان أكثر فهو أحب الى الله … ].
ـ و يدلل الحديث على مجاهدة النفس على الطاعات و ترك المحرمات.
ـ الذم ممن ترك صلاة العشاء والفجر في جماعة من غير عذر، وفيه شبه بالمنافقين.
ـ المحافظة على هذتين الصلاتين فيه أجور عظيمة منها الحديث الذي ذكرته آنفا [بشر المشائين في الظلم بالمساجد .. ] الحديث
ـ المحافظة عليهما في جماعة ينال صاحبها أجر قيامة ليلة كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم [عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)).
وخرجه أبو داود والترمذي، وعندهما: ((ومن صلى العشاء والفجر في جماعة، كان له كقيام ليلة)).
ـ فيه أن العاقل يجتنب كل ما يغضب الله جل و علا و يتعرض الى نفحات الله.
ـ و فيه أن صلاة الجماعة تدل على الوجوب.
مسألة الصلاة في المسجد القريب:
قال العثيمين: لو قدر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُهُ مع الرَّجُلَين أزكى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كانوا أكثرَ فهو أحبُّ إلى اللهِ»، وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ، فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة. الشرح الممتع (4/ 150 – 151).
….
الحديث عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لِيُصلِّ الرجلُ في المسجدِ الذي يليهِ و لا يتَّبِعِ المساجدَ).
صحيح الجامع 5456
السلسلة الصحيحة 2200
قلت سيف: نقل صاحبنا أبو صالح أن العقيلي ذكره وقال: روي بغير هذا الإسناد من وجه أصلح من هذا
من الضوابط والله أعلم:
1 – أن لا يؤدي إلى هجران المسجد الآخر.
2 – إذا كان أحدهما صاحب سنة والآخر صاحب بدعة فالصلاة عند صاحب السنة أفضل.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أرشدونا فيما هو الأفضل: تتبُّع المساجد لطلب الصوت الحسن، أم الذهاب إلى من يطبق السنة ويحافظ على الخشوع؛ ولكنه لا يمتاز بصوت حسن، مع أن الحاجة داعية إلى ذلك؟
فأجاب: “لا شك أن الصوت الحسن مرغوب، والإنسان يحب أن يستمع القرآن من صوت حسن … ”
ثم قال: “لكن إذا كان الذهاب -أي: ذهاب الرجل- يؤدي إلى هجران المساجد الأخرى، وضعف همم أصحاب الحي، فإن بقاء الإنسان في مسجده أفضل، وكذلك أيضاً لو كان مسجد حيه يطبق السنة أكثر صار أيضاًَ صلاته في مسجد حيه أفضل.
فالذي أرى أنه لا بأس أن الإنسان يذهب إلى مسجد حسن الصوت، إذا كان هذا ألذ وأطيب لقلبه وأخشع؛ ولكن يُلاحظ أنه إذا كان هناك من يطبق السنة أكثر فهو أولى، وكذلك إذا ذهب إلى هذا المسجد تخلو مساجد الحي أو تضعف همم الناس، فإن وجوده في مسجده أفضل ليكثِّر الناس، ولا سيما إذا كان رجلاً له قيمة في المسجد، فإن هذا أيضاً ربما يُحدث شيئاًَ في قلب الإمام …. ”
جلسات رمضانية لعام 1410هـ الدرس الرابع
و العلامة العثيمين في الشرح الممتع قال لا يثبت الصلاة في المسجد العتيق
ولهذا قال العلماء: المسجد العتيق أفضل من المسجد الجديد؛ لتقدم الطاعة فيه.
ولكن في النفس من هذا شيء؛ فنقول: إذا عين المسجد لمزية شرعية، فإنه لا يتنازل عنه إلى ما دونه في هذه المزية، ولهذا قالوا: لو عين المسجد الجامع، وكان اعتكافه يتخلله، جمعة لم يجزه في مسجد غير جامع؛ لأن المسجد الجامع له مزية، وهو أنه تقام فيه الجمعة، ولا يحتاج المعتكف إلى أن يخرج إلى مسجد آخر؛ ولأن التجميع في هذا المسجد يؤدي إلى كثرة الجمع.
فالصحيح في هذه المسألة أن غير المساجد الثلاثة إذا عينه لا يتعين إلا لمزية شرعية، فإنه يتعين؛ لأن النذر يجب الوفاء به، ولا يجوز العدول إلى ما دونه.
المسجد العتيق: أي القديم أولى من الجديد، لأن الطاعة فيه أقدم فكان أولى بالمراعاة من الجديد، مثال ذلك: إذا صار عندك مسجدان يتساويان في الجماعة، لكن أحدهما جديد، والثاني عتيق، فالأفضل العتيق، وهذا الفضل باعتبار المكان.
وعللوا: بأن الطاعة فيه أقدم.
قوله: «وأبعد أولى من أقرب» يعني: إذا استوى المسجدان فيما سبق، وكان أحدهما أبعد عن مكان الرجل فالأبعد أولى من الأقرب، مثاله إذا كان حولك مسجدان، أحدهما أبعد من الثاني، فالأفضل الأبعد؛ لأن كل خطوة تخطوها إلى الصلاة يرفع لك بها درجة، ويحط بها عنك خطيئة، إذا أسبغت الوضوء وخرجت من البيت لا يخرجك إلا الصلاة، وكلما بعد المكان ازدادت الخطا فيزداد الأجر، هذا ما قرره المؤلف.
ولكن في النفس من هذا شيء، والصواب أن يقال: إن الأفضل أن تصلي فيما حولك من المساجد؛ لأن هذا سبب لعمارته إلا أن يمتاز أحد المساجد بخاصية فيه فيقدم، مثل: لو كنت في المدينة، أو كنت في مكة، فإن الأفضل أن تصلي في المسجد الحرام في مكة وفي المسجد النبوي في المدينة.
أما إذا لم يكن هناك مزية فإن صلاة الإنسان في مسجده أفضل؛ لأنه يحصل به عمارته؛ والتأليف للإمام وأهل الحي، ويندفع به ما قد يكون في قلب الإمام إذا لم تصل معه؛ لا سيما إذا كنت رجلا لك اعتبارك.
وأما الأبعد فيجاب عن الحديث بأن المراد في قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة» أنه في مسجد ليس هناك أقرب منه، فإنه كلما بعد المسجد وكلفت نفسك أن تذهب إليه مع بعده كان هذا بلا شك أفضل مما لو كان قريبا، لأنه كلما شقت العبادة إذا لم يمكن فعلها بالأسهل فهي أفضل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: «إن أجرك على قدر نصبك».
*فالحاصل: أن الأفضل أن تصلي في مسجد الحي الذي أنت فيه، سواء كان أكثر جماعة أو أقل، لما يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما كان أكثر فهو أحب إلى الله»، ثم يليه الأبعد، ثم يليه العتيق؛ لأن تفضيل المكان بتقدم الطاعة فيه يحتاج إلى دليل بين، وليس هناك دليل بين على هذه المسألة*.
الشرح الممتع (ج (4) / (152))
وقال ابن باز: الأظهر والله أعلم أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه، لأن ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده الذهاب إلى صوت فلان أو فلان قصده الرغبة في الخير وكمال الخشوع في صلاته فلا حرج في ذلك، بل قد .. على هذا ويؤجر، على حسب نيته.
والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام ….
فإذا قصد في ذهابه إلى مسجد بعيد أن يستمع إلى قراءته وأن يخشع لحسن صوته، وأن يستفيد من ذلك ويخشع في الصلاة، لا لمجرد الهوى والتجول، لا؛ بل لقصد الفائدة وقصد العلم وقصد الخشوع في الصلاة، ثم في الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ .. )) فإذا كان قصده أيضاً الخطوات فهذا أيضاً مقصد صالح.
ومرة قال: لا أعلم في هذا بأساً، وإن كنت أميل إلى أنه يلزم المسجدالذي يطمئن قلبه فيه ويخشع فيه، لأنه قد يذهب إلى المسجد الآخر لا يحصل له فيه ماحصل له في المسجد الأول من الخشوع والطمأنينة، فأنا أرجح أنه حسب القواعد الشرعية أنه إذا وجد إماماً يطمئن إليه ويخشع في صلاته وقراءته أنه يلزم ذلك، أو يكثر من ذلك معه، والأمر لا حرج فيه بحمد الله، الأمر واسع لو انتقل إلى إمام آخر، ما نعلم فيه بأساً إذا كان قصده خير، وليس قصده شيئاً آخر من رياء أو غيره، لكن الأقرب من حيث القواعد الشرعية أنه يلزم المسجد الذي فيه خشوع وطمأنينة وحسن قراءة، أو فيه تكثير المصلين بأسبابه، إذا صلى فيه كثر المصلون بأسبابه، يتأسون به، أو لأنه يفيدهم ويذكرهم بعض الأحيان، أو يلقي عليهم درساً، يعني يحصل لهم الفائدة، فإذا كان هكذا فكونه في هذا المسجد الذي فيه الفائدة منه ومن غيره، أو كونه أقرب إلى خشوع قلبه وطمأنينته كل هذا مطلوب.
تم تفريغه من شريط: “الجواب الصريح لأسئلة التراويح للشيخ ابن باز رحمه الله .. تسجيلات التقوى بالرياض.
العلامة صالح الفوزان _ حفظه الله تعالى _
أحسن الله إليكم هذا السائل يقول: توجد ظاهرة بين أوساط بعض الشباب الأخيار، هي أنهم يتقصدون بعض أئمة المساجد للصلاة خلفهم، ونتيجة لهذا التجمع أصبح بعض هؤلاء الأئمة يحيدون القراءة أقامة واضحة في صلاة الفريضة، ويبالغون في وضع أجهزة المحسنات الصوتية. فهل من نصيحة لهؤلاء؟
العلامة الفوزان حفظه الله:
هذا في الحقيقة فيه محذوران:
المحذور الأول: أن هذا من التذوق تذوق الأصوات ما هو رغبة في الصلاة، وإنما هو تذوق للأصوات صوت فلان خير من صوت فلان ـ وما جاء رغبة في الصلاة، وإنما جاء ليسمع الصوت فقط.
الناحية الثانية: أن هذا يحمل بعض الأئمة علالمباهاة، فإذا رأى الناس يجتمعون عليه فإن هذا يزيده إعجابا في قراءته، وربما يتكلف في القراءة، ويتكلف في تضخيم الصوت، وهذا يخرج العبادة عن كونها ذلا وخضوعا واستكانة لله إلى كونها مباهاةً ورياءً ولا حول ولا قوةإلا بالله.
ينبغي للمسلمين أن يصلوا في المساجد، ويحيوا المساجد وكل إنسان يصلي في المسجد القريب منه لأجل يعمر المسجد.
وأيضا هذا فيه إساءة إلى أئمة المساجد الذين يتركونهم، يتركهم جيرانهم …
أئمة المساجد الذين يتركونهم جيرانهم ويذهبون إلى المساجد الأخرى، فهذايحدث في نفسية الإمام يحدث فيها نوعا من الهضم، وربما يكون في نفسه أنهميلاحظون عليه شيء، أو أنهم يرون عليه شيء من خلف الصلاة، ويتركه الناس منأجل ذلك.
فإذا رأوا هذا يذهب وهذا يذهب وترك هذا الإمام وهذا المسجد قالوا الناس: الناس ما فعلوا هذا إلا لأن الإمام فيه شيء أو عليه ملاحظة.
وينبغي للمسلمين أن يتقصدوا في هذا الامر، وأن يتركوا عنهم المباهاة وأن تكون العبادة خالصة لوجه الله عز وجل. نعم.
وهذا كلام ابن القيم بلفظه من المكان المشار إليه: الوجه الرابع والخمسون: أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:<< ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره >> وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام وإن كان الإمام لا يُتم الصلاة أو يُرمي ببدعة أو يعلن بفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره. انتهى كلامه.