112 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة أبي عيسى عبدالله البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالملك وعبدالله الديني وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(112) – قال الإمام أحمد (ج (3) ص (224)): حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لما عرج بي ربي عزوجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».
هذا حديث صحيحٌ. وصفوان هو ابن عمرو، وأبو المغيرة هو عبد القدوس بن الحجاج.
* قال أبو داود (ج (13) ص (223)): حَدَّثَنا ابْنُ المُصَفّى أخبرَنا بَقِيَّةُ وأبُو المُغِيرَةِ قالا حَدَّثَنا صَفْوانُ قالَ حَدَّثَنِي راشِدُ بْنُ سَعْدٍ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «لَمّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِن نُحاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَن هَؤُلاءِ يا جِبْرِيلُ قالَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَاكُلُونَ لُحُومَ النّاسِ ويَقَعُونَ فِي أعْراضِهِمْ».
قالَ أبُو داوُد: وحَدَّثَناه يَحْيى بْنُ عُثْمانَ عَنْ بَقِيَّةَ لَيْسَ فِيهِ أنَسٌ حَدَّثَنا عِيسى بْنُ أبِي عِيسى السَّيْلَحِينِيُّ عَنْ أبِي المُغِيرَةِ كَما قالَ ابْنُ المُصَفّى.
هذا حديث صحيحٌ. ولا يضره أنه اختلف في وصله وإرساله على بقية؛ فرواية أبي المغيرة وهو عبد القدوس بن الحجاج سالمة من الاختلاف.
====
تكلمنا عن خطر الغيبة في شرحنا لحديث عائشة في الصحيح المسند 1594
عن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية: تعني قصيرة. فقال: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قالت: وحكيت له إنسانا. فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وان لي كذا وكذا.
ونقلنا فيه قول ابن القيم:
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
[«الداء والدواء = الجواب الكافي – ط دار المعرفة» (ص159)]
ونقلنا كلام ابن تيمية في أن بعض الناس يخرج الغيبة في قوالب شتى بعضهم قي قالب صلاح وتدين وبعضهم في قالب تعجب وبعضهم في قالب تأسف وتحزن …. وضرب مثال لكل نوع
=====
الحديث صححه الالباني في الصحيحة (533)
جاء النهي في الشرع عن الغيبة وقد جاء تفسيرها في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»
وهو محرم بالاجماع الا ما جاء الاستثناء من ذلك، وهو من مساوئ الاخلاق، وسبب لقطع الصلات بين الناس، وانتشار الحقد والبغضاء، وجاء التنفير منه بأشد العبارات فشبه الله بأكل لحم الاخ وهو ميت لقبحه وشناعته.
قوله: (لهم أظفار من نحاس) أي: أن فيها قوة تؤثر ما لا تؤثره الأظفار العادية؛ لأنها من نحاس صلبة قوية. وقوله: (يخمشون بها وجوههم) أي: يخمشونها ويقطعونها، وقوله: (فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذي يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) أي: أن الجزاء من جنس العمل، فلما كان بغيبته وبكلامه على الناس مثل الذي يأكل لحومهم، صارت عقوبته بأن يمزق جلده ولحمه بنفسه بتلك الأظفار، كما أكل لحوم الناس بولوغه في أعراضهم، فإنه هو نفسه بتلك الأظفار من النحاس يمزق لحمه ويقطع جلده بفعله، والجزاء من جنس العمل، فكما أكل لحوم الناس فإنه يأكل لحمه بتلك الأظفار. (شرح العباد على سنن أبي داود)
قال الطيبي:
((يخمشون)) أي يخدشون، ولما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات، جعلهما جزاء من يغتاب ويفري من أغراض المسلمين؛ إشعاراً بأنهما ليسا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة
[«شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن» (10/ 3218)]
أحاديث وردت في تحريم الغيبة:
1 – وروى أبو داود: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا. قال غير مسدد: تعني قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» قالت: وحكيت له إنسانا فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أني حكيت إنسانا وإن لي كذا وكذا» ورواه الترمذي
2 – وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»
3 – وروى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»
4 – عن أبي برزة الاسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان في قلبه، تغتابوا المسلمين و تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» تفرد به أبو داود
5 – وروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المختار من طريق حبان بن هل عن حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الاسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، رجل يخدمهما فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما فقال: إن هذا لنؤوم فأيقظاه، فقال له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يقرئانك السلام ويستأدمانك فقال صلى الله عليه وسلم: «إنهما قد ائتدما» فجاءا فقال: يا رسول الله بأي شيء ائتدمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني أرى لحمه بين ثناياكما» فقال رضي الله عنهما: استغفر لنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم «مراه فليستغفر لكما»
6 – من ضمن ما بين لحيية وما بين رجلية أضمن له الجنة:
عَنْ سَهْلِ بنِ سعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) رواهُ البخاري (6474). وهناك بحث في الخصال الموجبة لدخول الجنة يطول ذكرها.
قال النووي: الغيبة: ذكر المرء ما يكره سواءٌ أكان في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجته، أو خادمه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسه، أو غير ذلك ممَّا يتعلَّق به ذكر سوء، وذكر ذلك باللفظ، أو بالرمز، أو بالإشارة.
وقال أيضًا: ومن ذلك التعريضُ في كلام المصنِّفين؛ كقولهم من يدعي العلم، أو بعض من ينسب إلى الصَّلاح، أو نحو ذلك، ومنه قولهم عند ذكره: “الله يعافينا”، “الله يتوب علينا”، “نسأل الله السَّلامة”، ونحو ذلك، فكل ذلك من الغيبة.
قوله: “ذكرك أخاك”، قال ابن المنذر: في الحديث دليلٌ على عدم غيبة اليهودي، والنصراني، وسائر أهل الملل، ومَنْ قد أخرجته بدعته عن الإسلام لا غيبة له.
قال القرطبي: أجمع العلماء على أنَّ الغيبة من كبائر الذنوب، واستدل على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ دماءَكُمْ، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام”.
ومن الغيبة شكوى المرأة أقاربها لزوجها أو العكس. وبعض الناس يغتاب مؤسسات مثل البلدية والكهرباء والمستشفيات
وأعظم الغيبة غيبة الحاكم؛ لأنه بغيبته تسقط هيبته من قلوب الناس.
استثنى العلماء من الغيبة ستَّة أمور جائزة؛ لأَنَّها لم يقصد بها الغيبة، وإنَّما قصد بها أمر آخر لا يتحقَّق إلاَّ بها:
الأوَّل: التظلُّم.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر.
الثالث: الاستفتاء.
الرَّابع: تحذير المسلمين من الاغترار بشخص.
الخامس: المجاهر بالفسق والبدعة.
السَّادس: التعريف بالشخص؛ كالأعمى والأعرج.
انظر: ” توضيح الأحكام ” للبسام (7/ 428)
قال الإتيوبي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم (باختصار):
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن القول الراجح أن
الغيبة من كبائر الذنوب؛ لوضوح الأدلّة على ذلك، والله تعالى أعلم.
(المسألة الخامسة): في ذكر ما يُستثنى من الغيبة:
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: إذا تقررت حقيقة الغيبة، وأن أصلها على التحريم،
فاعلم أنها قد تَخرج عن ذلك الأصل صُوَز، فتجوز الغيبة في بعضها، وتجب
في بعضها، ويُندب إليها في بعضها: …. ثم نقل كلامه وكذلك كلام النووي ثم نظمها
قال الجامع عفا الله عنه: قد نظمت هذه المواضع، فقلت:
يا طالِبًا فائِدَةً جَلِيلَهْ … اعْلَمْ هَداكَ اللهُ لِلْفَضِيلَهْ
أنَّ اغْتِيابَ الشَّخْصِ حَيًّا أوْ لا … مُحَرَّمٌ قَطْعًا بِنَصٍّ يُتْلى
لَكِنَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحِ … أُبِيحَ عَدَّها أُلُو التَّرْجِيحِ
فَذَكَرُوها سِتَّةً تَظَلَّمِ … واسْتَفْتِ واسْتَعِنْ لِرَدْعِ مُجْرِمِ
وعِبْ مُجاهِرًا بِفِسْقٍ أوْ بِدَعْ … بِما بِهِ جاهَرَ لا بِما امْتَنَعْ
وعَرِّفَنْ بِلَقَبٍ مَن عُرِفا … بِهِ كَقَوْلِكَ رَأيْتُ الأحْنَفا
وحَذِّرَنْ مِن شَرِّ ذِي الشَّرِّ إذا … تَخافُ أنْ يُلْحِقَ بِالنّاسِ الأذى
وفِي سِوى هَذا احْذَرَنْ لا تَغْتَبِ … تَكُنْ مُوَفَّقًا لِنَيْلِ الأرَب
{إنْ أُرِيدُ إلّا الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ وما تَوْفِيقِي إلّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ}.
==
فتاوي:
سأل أعضاء الجنة الدائمة عن الغيبة فقالوا:
الغيبة محرمة، شديدة التحريم، لقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
قالوا: وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره.
وتجوز في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده- فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك. وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال: الذم ليس بغيبة في ستة … متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن … طلب الإعانة في إزالة منكر
أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة.
وأما السؤال عن لفظ: «لا غيبة لفاسق» هل هو حديث أو لا؟ فقد قال الإمام أحمد: منكر، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب: باطل.
ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية وذكروا هذا الحديث.
: -ووردت نصوص أخرى ذكرت أسباباً لعذاب القبر والغيبة منها و أكثر أصحاب القبور معذبون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعذب الإنسان على ذنوبه في القبر أو يوم القيامة يوم الجزاء والحساب. أم أن هناك ذنوبا يعذب بها في قبره وذنوبا أخرى تستوجب العذاب يوم الجزاء والحساب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعذاب القبر ونعيمه حق ثابت، وهناك أمور كثيرة ورد أنها من أسباب العذاب في القبر قبل يوم القيامة، وقد ذكرها الإمام ابن القيم في كتاب الروح فقال: المسألة التاسعة: وهي قول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟ وجوابها من وجهين: مجمل ومفصل: أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يُعذب الله روحاً عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، ولا بدناً كانت فيه أبدا؛ فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثرُ غضبِ الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب.
وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الذي ضُرب سوطا امتلأ القبر عليه به ناراً، لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره. وفي حديث سمرة في صحيح البخاري في تعذيب من يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق .. وتعذيب من يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به بالنهار .. وتعذيب الزناة والزواني .. وتعذيب آكل الربا كما شاهدهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البرزخ. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة .. والذين يسرحون بين الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم .. والذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم .. والذين تقرض شفاههم بمقاريض من حديد لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب .. وفي حديث أبي سعيد عقوبة أرباب تلك الجرائم، فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم أكلة الربا .. ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من أسافلهم وهم أكلة أموال اليتامى .. ومنهم المعلقات بثديهن وهن الزواني. ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم وهم المغتابون .. ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم وهم الذين يقعون في أعراض الناس .. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صاحب الشملة التي غلها من المغنم أنها تشتعل ناراً في قبره، هذا وله فيها حق، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق له فيه. فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله، فالنمام والكذاب والمغتاب وشاهد الزور وقاذف المحصن والموضع في الفتنة والداعي إلى البدعة والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به والمجازف في كلامه.
وآكل الربا وآكل أموال اليتامى وآكل السحت من الرشوة ونحوها. وآكل مال أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد وشارب المسكر. والزاني واللوطي والسارق والخائن والغادر والمخادع والماكر. وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه. ومؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم. والحاكم بغير ما أنزل الله والمفتي بغير ما شرعه الله والمعين على الإثم والعدوان … فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها وصغيرها وكبيرها. ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل. انتهى من كتاب الروح باختصار.
ونسأل الله أن يعيذنا من عذاب القبر.
والله أعلم.
: السؤال: يقول أيضاً المستمع من الرياض: أنا كثيراً ما أتحدث لوحدي، طبيعة كذا، لم أستطع تركها، فهل تعتبر غيبة إذا ذكرت إنسان بما يكره، وأنا لوحدي لم أذكره مع أحد من الناس، وإنما بيني وبين نفسي وفقكم الله؟
الجواب: النبي لا قال الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، فظاهر كلام النبي لا العموم، وأنك متى ذكرت أخاك بما يكره سواءً كنت وحدك أو عند الناس، فهذا كله غيبة، فالوصية أن تحذر ذلك، وأن تعتاد السكوت إذا كنت وحدك، إلا في ذكر الله لا، لا تكلم في الناس، اذكر ربك، اشتغل بذكر الله: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر، اللهم …. ، دع عنك الناس عندك من الشغل ما يكفي، من ذكر الله واستغفاره ودعائه سبحانه وتعالى. نعم.
[نور على الدرب]
توضيح حول رؤيته صلى الله عليه وسلم بعض من يعذبون
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الكرام. لقد ورد في أحاديث كثيرة ومنها أحاديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أناسا في النار يعذبون. كحديث: قَالَ فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَاكُلُونَ الْجِيَفَ قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَاكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ. وَرَأَى رَجُلاً أَحْمَرَ أَزْرَقَ جَعْداً شَعِثاً إذا رَأَيْتَهُ قَالَ: مَنْ هَذا يَا جِبْرِيلُ؟. قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ. وحديث: لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَاكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ. كما ورد أن الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة … الخ.
فكيف نوفق بين هذه الأحاديث وما فيها وبين علْمِنا أن القيامة لم تقمْ بَعْدُ، ولم يحصل للناس حسابٌ، ولم يُقْضَ بينهم، فيكف كان أولئك في النار وأولئك في الجنة، ولو كانت تلك الأحاديث تتكلم عن وعد أو وعيد، لكان الأمر واضحا، ولكنها تتكلم عن وجود أولئك في النار وأولئك في الجنة وجودا مُحَققا.
فما هو هو توجيه ذلك، حفظكم الله ورزقنا وإياكم بفضله جنة النعيم؟
فأرجو التكرم بالإجابة مفصلة مع ذكر المراجع إن أمكن، لأنها مسألة شغلت البال ودار حولها نقاش. راجيا عدم إهمالها.
ولكم الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين ما جاء في الأحاديث الصحيحة التي رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة الإسراء والمعراج وبين عدم قيام الساعة وحساب الناس؛ حتى نحتاج إلى أن توفق بينهما؛ فإخباره صلى الله عليه وسلم بذلك قد يكون من عذاب البرخ ونعيمه، وهما مما يجب على المسلم أن يؤمن به، لأنهما ثابتان بالكتاب والسنة كما في قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. {غافر:46}.
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في صاحب القبرين: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. الحديث رواه البخاري ومسلم.
وقوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. {آل عمران:169}.
وقد يكون بعض ذلك من الأمور الغيبية التي كشف الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عنها مما سيقع ويؤول إليه أمرالجميع في الآخرة، ولو لم يكونوا قد حوسبوا بعد؛ لأن الله تعالى القادر على كل شيء وهو علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون كيف يكون قادر على الكشف عن ذلك، كما سبق بيانه في الفتوى: 69187.
ولا إشكال في ذلك بالنسبة للمسلم الذي يؤمن بقدرة الله تعالى المطلقة وعلمه بما هو كائن.
وإن كان قصدك التوفيق بين الحديثين في الذين يقعون في لحوم الناس؛ فإن الحديث الأول حديث ضعيف كما قال الأرناؤوط في تعليقه على المسند، والألباني في ضعيف الترغيب والترهيب.
وأما الحديث الثاني فهو حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني والأناؤوط.
والتعارض لا يكون بين صحيح وضعيف؛ فالصحيح هو المقدم- على كل حال- إذا حصل تعارض ولا اعتبار للضعيف.
ومع هذا فإن كونهم يأكلون الجيف كما في الحديث الأول، وكونهم يخمشون وجوههم كما في الحديث الثاني لاتعارض فيه؛ فيمكن أن تكون هذه حال صنف منهم وتلك حال صنف آخر، كما يمكن أن يكونوا يعذبون بهذا تارة وبهذا آخرى.
والله أعلم.