: 1114 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1114):
قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو قَزَعَةَ، سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ الْبَاهِلِيُّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَخَاهُ، مَالِكًا، قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ جِيرَانِي، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَرَفَكَ، وَكَلَّمَكَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَقَالَ: دَعْ لِي جِيرَانِي، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَسْلَمُوا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ مُتَمَعِّطًا، فَقَالَ: أَمْ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ إِنَّ النَّاسَ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَامُرُ بِالْأَمْرِ وَتَخْلُفُ إِلَى غَيْرِهِ. وَجَعَلْتُ أَجُرُّهُ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَقُولُ؟)) فَقَالُوا: إِنَّكَ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ إِنَّ النَّاسَ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَتَامُرُ بِالْأَمْرِ وَتُخَالِفُ إِلَى غَيْرِهِ. قَالَ: فَقَالَ: ((أَوَ قَدْ قَالُوهَا! أَوْ قَائِلُهُمْ، فَلَئِنْ فَعَلْتُ ذَاكَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا عَلَيَّ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ، أَرْسِلُوا لَهُ جِيرَانَهُ)).
هذا حديث حسن.
===================
وأخرجه أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ بَهْز بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ قَوْمِي فِي تُهَمة فَحَبَسَهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَامَ تَحْبِسُ جِيرَتِي؟ فصَمت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [عَنْهُ] فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا لَيَقُولُونَ: إِنَّكَ تَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ وَتَسْتَخْلِي بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “مَا يَقُولُ؟ ” قَالَ: فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ بَيْنَهُمَا الْكَلَامَ مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهَا فَيَدْعُو عَلَى قَوْمِي دَعوة لَا يُفْلِحُونَ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ حَتَّى فهمها، فقال: “أو قد قَالُوهَا -أَوْ: قَائِلُهَا مِنْهُمْ -وَاللَّهِ لَوْ فعلتُ لَكَانَ عَلَيَّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ، خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ” [قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن (20033). ورواه أبو داود في السنن برقم ((3630)) عن عبد الرزاق والترمذي في السنن برقم ((1417)) عن ابن المبارك كلاهما من طريق معمر به مختصرا جدا، وقال الترمذي: “حديث بهز عن أبيه عن جده حديث حسن”].
بوب عليه الشيخ الوادعي في الجامع الصحيح المسند في ثلاث مواضع: الأول: في (ج1/ص72): صبر المعلم على الجاهل.
والثاني في (ج4/ص487): عفو الإمام عن الجاهل. والثالث في (ج5/ص197): فضل حسن الخلق.
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: ما جاء في الباب. أ. من القرآن الكريم
1 – قال الله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود (88)]
قال الحافظ ابن كثير في [تفسير القرآن العظيم (4/ 344 – 345)]: ” يَقُولُ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ يَا قَوْمِ {إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أَيْ: عَلَى بَصِيرَةٍ فِيمَا أَدْعُو إِلَيْهِ، {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} قِيلَ: أَرَادَ النُّبُوَّةَ. وَقِيلَ: أَرَادَ الرِّزْقَ الْحَلَّالَ، وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} أَيْ: لَا أَنْهَاكُمْ عَنْ شَيْءٍ، وَأُخَالِفُ أَنَا فِي السِّرِّ فَأَفْعَلُهُ خُفْيَةً عَنْكُمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} يَقُولُ: لَمْ أَكُنْ لِأَنْهَاكُمْ عَنْ أَمْرٍ وأركَبَه، {إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} أَيْ: فِيمَا آمُرُكُمْ وَأَنْهَاكُمْ، إِنَّمَا مُرَادِي إِصْلَاحَكُمْ جُهْدِي وَطَاقَتِي، {وَمَا تَوْفِيقِي} أَيْ: فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ فِيمَا أُرِيدُهُ {إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فِي جَمِيعِ أُمُورِي، {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أَيْ: أَرْجِعُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو قَزْعَةَ سُوَيد بْنُ حُجَير الْبَاهِلِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَخَاهُ مَالِكًا قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، إِنْ مُحَمَّدًا أَخَذَ جِيرَانِي ….
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ وَأَبَا أُسَيْدٍ يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ، وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ، فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنكره قُلُوبُكُمْ، وَتَنْفُرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ” ((10)).
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ بِهَذَا السَّنَدِ حَدِيثَ: “إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المسجد فليقل: اللهم، افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم، إني أسألك من فَضْلِكَ” [صحيح مسلم برقم ((713)).].
وَمَعْنَاهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: مَهْمَا بَلَغَكُمْ عَنِّي مِنْ خَيْرٍ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ مَكْرُوهٍ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ [عَنْهُ]} ((13)).
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ عَزْرَة ((14)) عَنِ الْحَسَنِ العُرَني، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَتْ ((15)) أَتَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَتِ [الْمَرْأَةُ] ((16)) فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ نِسَائِكَ؟ فَقَالَ: مَا حَفِظْتُ إِذًا وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعُتْبِيِّ ((17)) قَالَ: كَانَتْ تَجِيئُنَا كُتُبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَيَكْتُبُ فِي آخِرِهَا: وَمَا كَانَتْ ((18)) مِنْ ذَلِكَ إِلَّا كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} “. انتهى.
2 – قال الله تعالى: {* أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة (44)]
قال الحافظ ابن كثير في [تفسير القرآن العظيم (4/ 344 – 345)]:
” يَقُولُ تَعَالَى: كَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ -يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنْتُمْ تَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَهُوَ جِمَاعُ الْخَيْرِ-أَنْ تَنْسَوْا أَنْفُسَكُمْ، فَلَا تَاتَمِرُوا بِمَا تَامُرُونَ النَّاسَ بِهِ، وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ تَتْلُونَ الْكِتَابَ، وَتَعْلَمُونَ مَا فِيهِ عَلَى مَنْ قَصر فِي أَوَامِرِ اللَّهِ؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِأَنْفُسِكُمْ؛ فَتَنْتَبِهُوا مِنْ رَقدتكم، وَتَتَبَصَّرُوا مِنْ عَمَايَتِكُمْ. وَهَذَا كَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله تعالى: {أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} قَالَ: كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَامُرُونَ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِتَقْوَاهُ، وَبِالْبِرِّ، وَيُخَالِفُونَ، فَعَيّرهم اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَلِكَ قَالَ السُّدِّيُّ”.
[(فعيرهم)، يعني: عابهم وذمهم، وهذا ليس خاصاً ببني إسرائيل، بل هو عام لبني إسرائيل ولهذه الأمة، ولهذا قال بعضهم: مضى القوم ولم يعن به سواكم، أي: أن المراد هذه الأمة؛ لأن بني إسرائيل قد مضوا، والله تعالى إنما ذكر هذا ليحذرنا من أن نفعل مثل فعلهم، فيصيبنا ما أصابهم. فالواجب على الإنسان إذا أمر بالمعروف أن يكون أول المؤتمرين به، وإذا نهى عن منكر أن يكون أول المنتهين عنه، ولا شك أنه قبيح بالإنسان أن يأمر الناس بالخير ويتخلف عنه، ولكن كما سيأتي أن الإنسان عليه واجبات: الأول: واجب العمل، والثاني: واجب الدعوة. فيعمل بالواجب ويدعو الناس إليه، وإذا قصر في واحد منهما لم يسقط الآخر، فإذا كان الإنسان مقصر في الامتثال فلا يدعوه هذا التقصير إلى ألا يدعو غيره، بل يدعو ولو كان مقصراً، لكنه عيب منه، فهذا مما يعاب به الإنسان ويذم].
قال الحافظ: “وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: {أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقُونَ كَانُوا يَامُرُونَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَيَدَعُونَ العملَ بِمَا يَامُرُونَ بِهِ النَّاسَ، فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ أَمَرَ بِخَيْرٍ فَلْيَكُنْ أَشَدَّ النَّاسِ فِيهِ مُسَارَعَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ: {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أَيْ: تَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أَيْ: تَنْهَوْنَ النَّاسَ عن الكفر بما عِنْدَكُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ والعَهْد مِنَ التَّوْرَاةِ، وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدي إِلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي، وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، يَقُولُ: أَتَامَرُونَ النَّاسَ بِالدُّخُولِ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُسلم الجَرْمي، حَدَّثَنَا مَخْلَد بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابة فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يمقُت النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا”. [يعني: يحاسب نفسه حتى تستقيم على طاعة الله].
قال الحافظ: “وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُمْ عَنِ الشَّيْءِ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله تعالى: {أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
وَالْغَرَضُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى خَطَئِهِمْ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، حَيْثُ كَانُوا يَامُرُونَ بِالْخَيْرِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ بِالْبِرِّ مَعَ تَرْكِهِمْ لَهُ، بَلْ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ [مَعْرُوفٌ] وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ، وَلَكِنَّ [الْوَاجِبَ وَ] الْأَوْلَى بِالْعَالِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ أَمْرِهِمْ بِهِ، وَلَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ شُعَيْبٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هُودٍ: (88)]. فَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِعْلِهِ وَاجِبٌ، لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِتَرْكِ الْآخَرِ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي لَا يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ”.
ولهذا قال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم.
” فإذًا ما الذي أنكره الله عز وجل على بني إسرائيل هنا؟ هذا التوبيخ أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ [سورة البقرة:44] إنما هو بسبب أنهم أمروا بالمعروف، وتركوا الامتثال، فليس الإنكار أنهم يأمرون بالمعروف، فهذا مطلوب، ولكن ما صاحب ذلك من ترك الامتثال، فقبُح فعلهم بذلك، ولو أردنا أن نصور مراتب الناس بهذا الاعتبار.
نقول: أعلى المراتب هو الذي يفعل المعروف، ويأمر غيره به، ويترك المنكر، وينهى غيره عنه، هذه المرتبة العليا التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن.
المرتبة التي بعدها: هي: أن يكون الإنسان يعمل المعروف، لكنه لا يأمر غيره به، فيكون مُقصرًا بهذا، المرتبة الثالثة: أن يكون هذا الإنسان يأمر غيره بالمعروف، ولكنه هو غير مُمتثل، فلا يفعل المعروف، فهذه الحالة هي التي أنكرها الله على بني إسرائيل، فهذا والذي قبله كل واحد منهما فعل أحد الواجبين، وأما المرتبة الأولى: فذاك الكامل الذي فعل الواجبين، امتثل وأمر.
الثاني: امتثل ولم يأمر.
الثالث: أمر ولم يمتثل في نفسه.
المرتبة الرابعة: وهي ذاك الذي لم يمتثل في نفسه، ولم يأمر غيره.
الخامسة: هو الذي لم يمتثل في نفسه، وينهى عن المعروف أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى [سورة العلق:9 – 12]
فهو ليس على الهدى، ولم يأمر بالتقوى، فهذا أحط المراتب، ينهى الآخرين عن الخير والمعروف، ويُثبطهم عنه، كما كان المنافقون يفعلون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [سورة الأحزاب:18]
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [سورة التوبة:47] فهذا شر الناس.
أما إن كان ذلك من قبيل المندوب، أو من قبيل المُستحب، فهو لا يمتثل، لكن يأمر الآخرين به، فهذه حال أكثر الدعاة إلى الله، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، وهذا الذي قال فيه السلف -رحمهم الله- بأنه لو لم يأمر إلا من كان مُمتثلاً لم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه أحد عن منكر، لكن يحاول الإنسان أن يُكمل نفسه، وأن يتقي الله ما استطاع ….
ولا تقل للناس إذا وقعتم في المعصية، يكون عليك من الوزر كذا وكذا، حينما تُهمل كذا، لا لا، قل: حينما نُهمل، حينما نُقصر، حينما نُضيع، حينما نُذنب، فأنت معهم”.
قال الحافظ ابن كثير: “وَأَضْعَفُ مِنْهُ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَالِمَ يَامُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنِ ارْتَكَبَهُ، [قَالَ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ لَهُ: لَوْ كَانَ الْمَرْءُ لَا يَامُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مَا أَمَرَ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَصَدَقَ مَنْ ذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ؟ قُلْتُ]، وَلَكِنَّهُ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ-مَذْمُومٌ عَلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ وَفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ، لِعِلْمِهِ بِهَا وَمُخَالَفَتِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ؛ وَلِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا هشام بن عمار، حدثنا علي بْنُ سُلَيْمَانَ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي تَميمة الهُجَيمي، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيَحْرِقُ نَفْسَهُ. [المعجم الكبير ((2) / (165)) وقال الهيثمي في المجمع ((1) / (185)): “رجاله موثقون”.].
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قلت سيف: اعله ابوحاتم فقال: لا يشبه حديث الأعمش لأن الأعمش لم يرو عن أبي نميمة شيئا وهو بأبي إسحاق أشبه.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ جُدْعَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ شِفَاهُهُمْ تُقْرَض بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ ” قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانُوا يَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ؟.
وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ، وَتَفْسِيرِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَال، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ.
وَكَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ”.
[كل هذه الأحاديث تدور على علي بن جدعان وهو ضعيف، فيكون الحديث ضعيفاً].
قال الحافظ: ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ بِبَلْخٍ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى أُنَاسٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ. قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ ” قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ، الَّذِينَ يَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ”. [علي بن زيد هو علي بن زيد بن جدعان المذكور في السند الأول.]
قال الحافظ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ -أَيْضًا-مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدَّستَوائيّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ -يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ-خَتَنِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ تُقْرض شِفَاهُهُمْ، فَقَالَ: “يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ ” قَالَ: هَؤُلَاءِ الْخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ؛ أَفَلَا يَعْقِلُونَ؟ [صحيح ابن حبان برقم ((35)) “موارد” وتفسير ابن أبي حاتم ((1) / (151)).قوله: (ختن) يعني: صهره زوج ابنته.
وهذه الأحاديث قد يقال: إنها يشد بعضها بعضاً، فالسند هذا يشد السند الآخر إذا لم يكن فيه ضعيف شديد.
قلت سيف بن دورة: حديث أنس هو في الصحيح المسند 81. وحسناه في كتابنا المنتقى من صحيح الترغيب
نصيحة الحكام سراً، وحكم الخروج عليهم:
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لِأُسَامَةَ -وَأَنَا رَدِيفُهُ-: أَلَا تُكَلِّمُ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُرَون أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ. إِنِّي لَا أُكَلِّمُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا دُونُ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا -لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنِ افْتَتَحَهُ”
“وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لِرَجُلٍ إِنَّكَ خَيْرُ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا -بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: “يُجَاء بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ بِهِ أَقْتَابُهُ، فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أهلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا أَصَابَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَامُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ”.
َرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَان الْأَعْمَشِ، بِهِ نَحْوَهُ [صحيح البخاري برقم ((3267)) وصحيح مسلم برقم ((2989))].
[يعني: قيل أسامة: ألا تكلم عثمان؟ يعني: في بعض المسائل، فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم، أكلمه فيما بيني وبينه ولا أفتح شراً على الناس، وهذا دليل على أنه ينبغي مناصحة ولاة الأمور في السر ولا تكون في العلن
وأما العاصي فلا يجوز الخروج عليه، وإنما تكره المعاصي وتبذل النصيحة لولاة الأمور بسرية وبالطريقة المناسبة، وأما الخروج على ولاة الأمور فهذا يسبب الفوضى، والاضطراب، وإراقة الدماء، وانقسام الناس، واختلال الأمن، والزراعة، والمعيشة، والاقتصاد، والتعليم، وتتربص الأعداء بهم الدوائر، وتتدخل الدول الكافرة، إلى غير ذلك من المفاسد، فلا يجوز الخروج على ولاة الأمور كما قرر ذلك أهل السنة في عقائدهم كالطحاوي وغيره، حيث قال: ولا تنزع يداً من طاعة، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة.
وهذا معروف عند أهل العلم، وقرر هذا أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية والمجدد الإمام محمد عبد الوهاب وأئمة الدعوة وغيرهم، وأما الدعوة إلى الخروج بالمعاصي فهذه طريقة الخوارج.
ومثل المعاصي المنكرات فإنها تبين وتنكر، فيبين ويقال: الربا حرام ولا يجوز التعامل به، وتبرج النساء حرام، ويرد على أهل الباطل الذين يكتبون باطلهم في الصحف.]
[وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ يُعَافِي الْأُمِّيِّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَا يُعَافِي الْعُلَمَاءَ” [ورواه أبو نعيم في الحلية ((2) / (7)) من طريق الإمام أحمد وقال: “هذا حديث غريب تفرد به سيار عن جعفر، ولم نكتبه إلا من حديث أحمد بن حنبل”. وقال عبد الله بن أحمد: “هذا حديث منكر حدثني به أبي، وما حدثني به إلا مرة”.
معنى لفظة: (الأميين)
قوله: (يعافي الأميين) يعني: الذين لا يعلمون ولا يكتبون ولا يقرءون، وسموا أميين نسبة إلى الأمهات؛ لأن الغالب أن الأم لا تعلم ولا تقرأ ولا تكتب، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة:2]، والرسول نبي أمي منسوب إلى أمه؛ لأن الأم لا تقرأ ولا تكتب في الغالب، ومعنى الحديث: إن الله يعافي الأميين الذين لا يعلمون ما لا يعافي الذين يعلمون، فالأمي الذي لا يعلم جاهل، والجاهل ليس كالعالم، فإثم العالم أعظم من إثم الجاهل، فالجاهل قد يكون معذوراً.
بيان معنى حديث: (كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه … )
وقوله: (كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه).
لاشك أنه يكون في ترك الأمور الواجبة كالصلاة، وفعْل الأمور المحرمة، وأما النوافل فأمرها سهل إذا أمر بها ولم يأتها.].
قال الحافظ: “وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّهُ يَغْفِرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعِينَ مَرَّةً حَتَّى يَغْفِرَ لِلْعَالِمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} [الزُّمَرِ: (9)].
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطَّلِعُونَ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُونَ: بِمَ دَخَلْتُمُ النَّارَ؟ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ إِلَّا بِمَا تَعَلَّمْنَا مِنْكُمْ، فَيَقُولُونَ: إِنَّا كُنَّا نَقُولُ وَلَا نَفْعَلُ”، رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ الرَّقِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ الرَّوَاسِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عن الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَذَكَرَهُ].
قلت سيف بن دورة: عبدالله بن حكيم متروك بل كذبه الجوزجاني (تراجم رجال الدارقُطني وأحال لترجمته في الميزان) والحديث في الضعيفة 126 لكن وقع فيه أبوبكر الداهري بن عبدالله بن حكيم
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وأنهى عن المنكر، قال: أو بلغت ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْجُو. قَالَ: إِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ تفْتَضَح بِثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَافْعَلْ. قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ((25)) {أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أَحْكَمْتَ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَالْحَرْفُ الثَّانِي. قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّفِّ: (2)، (3)] أَحْكَمْتَ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فالحرفَ الثَّالِثُ. قَالَ: قَوْلُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ شعيب، عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هُودٍ: (88)] أَحْكَمْتَ هَذِهِ الْآيَةَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَابْدَا بِنَفْسِكَ.
رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ.
قلت سيف بن دورة: أسنده الشجري في اماليه والبيهقي في الشعب من طريق بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن الضحاك عن ابن عباس به وبشر بن الحسين قال ابوحاتم يكذب على الزبير ساق مائة حديث عن الزبير عن انس لا يصح منها شيء.
قال ابن حبان يروي بشر بن الحسين عن الزبير نسخة موضوعة شبيها بمئة وخمسين حديثا …. لسان الميزان
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ ((26)) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاش، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ [سَعِيدِ بْنِ] الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَلَمْ يَعْمَلْ هُوَ بِهِ لَمْ يَزَلْ فِي ظِلِّ سُخْطِ اللَّهِ حَتَّى يَكُفَّ أَوْ يَعْمَلَ مَا قَالَ، أَوْ دَعَا إِلَيْهِ، إِسْنَادُهُ فِيهِ ضَعْفٌ” [ورواه أبو نعيم في الحلية ((2) / (7)) من طريق الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع ((7) / (276)): “فيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات”].
قلت سيف بن دورة: عبد الله بن خراش: قال ابن حجر ضعيف وأطلق عليه ابن عمار الكذب. قال الذهبي: ضعفوه.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنِّي لِأَكْرَهُ الْقَصَصَ لِثَلَاثِ آيَاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وَقَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّفِّ: (2)، (3)] وَقَوْلُهُ إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هُودٍ: (88)].
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو:
مَا أَقْبَحَ التَّزْهِيدَ مِنْ وَاعِظٍ … يُزَهِّدُ النَّاسَ وَلَا يَزْهَدُ …
لَوْ كَانَ فِي تَزْهِيدِهِ صَادِقًا … أَضْحَى وَأَمْسَى بَيْتُهُ الْمَسْجِدُ …
إِنْ رَفَضَ النَّاسُ فَمَا بَالَهُ … يَسْتَفْتِحُ النَّاسَ وَيَسْتَرْقِدُ …
الرِّزْقُ مَقْسُومٌ عَلَى مَنْ تَرَى … يُسْقَى لَهُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ …
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَلَسَ أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ الزَّاهِدُ يَوْمًا عَلَى مَجْلِسِ التَّذْكِيرِ فَأَطَالَ السُّكُوتَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَامُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى … طَبِيبٌ يُدَاوِي وَالطَّبِيبُ مَرِيضُ …
قَالَ: فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ الشَّاعِرُ:
وَصَفْتَ التُّقَى حَتَّى كَأَنَّكَ ذُو تقى … وريح الخطايا من شأنك تقطع …
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَاتِي مِثْلَهُ … عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ …
فَابْدَا بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا … فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ …
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى … بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ …
3 – قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [لصف:2 – 3].قال العلامة عبد الرحمن السعدي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به”. [تيسير الكريم الرحمن]
ب. السنة الصحيحة. عن أَبي زيد أسامة بن حارثة رضي الله عنهما، قَالَ: سمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَوْمَ القيَامَةِ فَيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُ بَطْنِهِ فَيدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْه أهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأمُرُ بالمعْرُوفِ وَتنهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فَيقُولُ: بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وأنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. قوله: (تَنْدلِقُ) هُوَ بالدالِ المهملةِ، ومعناه تَخرُجُ. وَ (الأَقْتَابُ): الأمعاءُ، واحدها قِتْبٌ.
ج. الآثار.
1 – قَالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: ” إِنَّ النَّاسَ قَد أَحسَنُوا القَولَ كُلُّهُم، فَمَن وَافَقَ قَولُهُ فِعلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ، وَمَن خَالَفَ قَولُهُ فِعلَهُ فَإِنَّمَا يُوبِّخُ نَفسَهُ.
2 – عن بعض السلف أنه قيل له: حدثنا، فسكت ثم قيل له: حدثنا، فقال: أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله تعالى [تفسير القرطبي (18/ 80)].
3 – قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكني أرجو فيه الأجر [رواه ابن أبي شيبة: (7/ 111)، وأبو داود في الزهد: (1/ 320)، وأبو نعيم (1/ 213)].
قلت سيف بن دورة: هو من طريق أبي وائل عن أبي الدرداء وسنده جيد
4 – قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: لو أن المرء لم يعظ أخاه حتى يحكم نفسه ويكمل في الذي خلق له لعبادة ربه إذاً تواكل الناس بالخير، وإذاً يرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستحلت المحارم وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض [رواه أبو نعيم: (5/ 276 – 277)].
5 – قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر، قال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ [تفسير القرطبي: (1/ 368)، وتفسير ابن كثير: (1/ 86)].
6 – قال الحسن لمطرف رحمهما الله تعالى: عظ أصحابك، فقال: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر [تفسير القرطبي: (1/ 367)].
د. الأشعار.
إذا العلم لم تعمل به كان حجةً *** عليك ولم تُعذر بما أنت حاملُ
فإن كنت قد أبصرت هذا فإنما *** يصدّق قول المرء ما هو فاعلُ
[ …….. ]
اعمل بعلمك تغنم أيها الرجل *** لا يتفع العلم إن لم يحسن العمل
والعلم زين وتقوى الله زينته *** والمتقون لهم في علمهم شغل
وحجة الله يا ذا العلم بالغة *** لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل
تعلم العلم واعمل ما استطعت به *** لا يلهينك عنه اللهو والجدل. [ …….. ]
ر. الأقوال.
1. نقل الحافظ ابن حجر عن بعض أهل العلم قوله: يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه منه ضرراً ولو كان الآمر متلبساً بالمعصية؛ لأنه في الجملة يؤجر على الأمر بالمعروف، ولا سيما إن كان مطاعاً، وأما إثمه الخاص به فقد يغفره الله تعالى له، وقد يؤاخذه به [فتح الباري: (13/ 53)].
2 – قَالَ الإِمَامُ ابنُ الجَوزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: إِخوَاني، اِسمَعُوا نَصِيحَةَ مَن قَد جَرَّبَ وَخَبَرَ، إِنَّهُ بِقَدرِ إِجلالِكُم للهِ عَزَّ وَجَلَّ يُجِلُّكُم، وَبِمِقدَارِ تَعظِيمِ قَدرِهِ وَاحتَرَامِهِ، يُعَظِّمْ أَقدَارَكُم وَحُرمَتَكُم. وَلَقَد رَأَيتُ وَاللهِ مَن أَنفَقَ عُمُرَهُ في العِلمِ إِلى أَن كَبُرَت سِنُّهُ، ثم تَعَدَّى الحُدُودَ فَهَانَ عِندَ الخَلقِ، وَكَانُوا لا يَلتَفِتُونَ إِلَيهِ مَعَ غَزَارَةِ عِلمِهِ وَقُوَّةِ مُجَاهَدَتِهِ. وَلَقَد رَأَيتُ مَن كَانَ يُرَاقِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في صَبوَتِهِ مَعَ قُصُورِهِ بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلِكَ العَالِمِ فَعَظَّمَ اللهُ قَدرَهُ في القُلُوبِ، حَتى عَلِقَتهُ النُّفُوسُ وَوَصَفَتهُ بما يَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الخَيرِ.
3 – قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: «فيجب على المذكِر -بالكسر- والمذكَر -بالفتح- أن يعملا بمقتضى التذكرة وأن يتحفظا عن عدم المبالاة بها؛ لئلا يكونا حمارين من حمر جهنم [أضواء البيان (1/ 463)].
4 – جاء في النصيحة التي وجهها الفقيه الحنبلي أبو الفضل إسحاق بن أحمد العَلْثِي إلى العلامة ابن الجوزي رحمة الله تعالى عليهما: ولو كان لا ينكر من قلَّ علمه على من كثر علمه إذن لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قال تعالى: (كانوُا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) بل ينكر المفضول على الفاضل وينكر الفاجر على الولي، على تقدير معرفة الولي [ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: (3/ 447)].
5 – قال الجصاص رحمه الله تعالى: من لم يفعل سائر المعروف ولم ينته عن سائر المناكير فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه [أحكام القرآن للجصاص: (2/ 320)].
6 – قال القرطبي رحمه الله تعالى: اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر [تفسير القرطبي (1/ 366)].
7 – قال النووي رحمه الله تعالى: قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به، والنهى وإن كان متلبساً بما ينهى عنه [شرح مسلم: (2/ 23)].
8 – قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فكلٌ من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف، وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف … والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهي عن المنكر وإن ارتكبه [تفسير ابن كثير: (1/ 86)].
9 – قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: فالحق أن الأمر بالمعروف غير ساقط عن صالح ولا طالح، والوعيد على المعصية لا على الأمر بالمعروف؛ لأنه في حد ذاته ليس فيه إلا الخير [أضواء البيان: (1/ 463)]. [مخالفة القول الفعل].
الوجه الثاني: الباب فيه:
1 – “الوعيد الشديد في حق من خالفت أفعاُله أقوالَه، أي في حق من يأمر بالمعروف ولا يعمل به، وينهى عن المنكر ويرتكبه”.
2 – من عدم الإخلاص أو الفقه، اقتصار الإنسان على العناية بالسنن الظاهرة، عن الاهتمام بالباطن وإصلاحه. د
3 – بغض الناس للداعية الذي تخالف أفعاله أقواله ونفرتهم منه.
4 – لا ينبغي ترك الدعوة إلى الله بحجة التقصير في فعل الواجبات أو السنن، بل الواجب مجاهدة النفس على مطابقة القول للفعل والعمل.
5 – التناقض بين القول والعمل يزرع بذور النفاق في القلوب.
6 – من التوازن النفسي عند الداعية موافقة القول العمل.
7 – صور للسلف الصالح في قلة كلامهم وكثرة عملهم. [مخالفة القول الفعل]
8 – حدد عملا صالحا، وتبين أحكامه الشرعية، واعمل به، ثم ادع من حولك إليه، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}.
- “وجوب العمل بالعلم؛ ذلك أن الغرض من التعلم هو العمل به ابتغاء مرضات الله-تبارك وتعالى-.
10. التحذير من النفاق، ومن سلوك طريق المنافقين، ذلك أن النفاق إظهار الإنسان خلاف ما يبطن، وهذا الذي عذب هذا العذاب أظهرت أفعاله غير أقواله.
11. أن على الإنسان أن يبدأ أولاً بإصلاح نفسه، ومجاهدته على الاستقامة على أمر الله، وذلك بأن يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي.
12. أنه يجب على الإنسان أن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، حتى وإن لم يكن عاملاً بكل يأمر به أو ينهى عنه؛ لأن الإنسان معرض للخطأ وللزلل، ولم يعصم من ذلك إلا الرسل والأنبياء، ذلك أن البعض من الناس لما يسمع مثل هذه النصوص ربما يسبب له إحباط فيترك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه مقصر، وأنه غير عامل بكل يأمر به، وغير تارك لكل ما ينهى عنه، ولا شك أن تقصيره في العمل بما يدعو إليه خطأ، وتركه للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطأ آخر”.