1112 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1112):
قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لمَّا حضرَ معاذَ بنَ جبلٍ الموتُ، قيلَ لهُ: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ أوصِنا. قالَ: أجلسوني، فقالَ: إنَّ العلمَ والإيمانَ مكانَهما من ابتغاهما وجدَهما، – يقولُ ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ -، والتمِسوا العلمَ عندَ أربعةِ رهطٍ عندَ: عويمرٍ أبي الدَّرداءِ، وعندَ سلمانَ الفارسيِّ، وعندَ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، وعندَ عبدِ اللَّهِ بنِ سلامٍ الَّذي كانَ يهوديًّا فأسلمَ؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: ((إنَّهُ عاشِرُ عشرةٍ في الجنَّةِ)).هذا حديث حسن غريب.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْمَوْتُ قِيلَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْصِنَا. قَالَ: أَجْلِسُونِي. فَقَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا، يَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ)). قال الوادعي: هذا حديث حسن.
===================
الحديث في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، (ج4/ 86).
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث:
كان التَّابعونَ رحِمهم اللهُ يَطلُبون العِلمَ مِن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويَطلُبون مِنهم وصاياهم، وفي هذا الحديثِ يقولُ يَزيدُ بنُ عَمِيرةَ: “لَمَّا حضَر معاذَ بنَ جبلٍ الموتُ”، أي: لَمَّا كان في مرَضِ موتِه، “قيل له”، أي: ممَّن حولَه مِن الحاضِرين: “يا أبا عبدِ الرَّحمنِ”، وهي كنيةُ مُعاذٍ رضِيَ اللهُ عنه، “أوصِنا”، أي: قُلْ لنا مِن عِلْمِك ما نَلتزِمُه بعدَ موتِك، فيَنفَعَنا اللهُ به في الدُّنيا والآخرةِ، فقال لهم معاذٌ: “أجلِسوني” لِمَا به مِن شدَّةِ المرَضِ، فقال: “إنَّ العِلمَ والإيمانَ مَكانَهما، مَنِ ابتَغاهما وجَدهما- يقولُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ-“، أي: إنَّ الإنسانَ يحصُلُ عليهما إذا ما اشتغَل بطلَبِهما، وتَكرارُه لذلك إسماعًا وتأكيدًا لأهمِّيَّتِها، “والْتَمِسوا العِلمَ”، أي: اطلُبوه، “عندَ أربعةِ رَهْطٍ”، أي: نفرٍ أو أشخاصٍ، والرَّهطُ: ما دون العشَرةِ مِن الأشخاصِ؛ “عندَ عُوَيْمِرٍ أبي الدَّرداءِ، وعندَ سَلْمانَ الفارسيِّ، وعندَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعندَ عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ الَّذي كان يهوديًّا فأسلَم”، وهذا إشارةٌ مِنه إلى ما عند عبدِ اللهِ بنِ سلَامٍ مِن عِلمِ الكتابَينِ؛ “فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: إنَّه”، أي: عبدَ اللهِ بنَ سَلَامٍ، “عاشِرُ عشَرةٍ في الجنَّةِ”، أي: عاشِرٌ مِن الَّذين أسلَموا مِن اليهودِ، أو ممَّا عدَا العشَرةَ المبشَّرةَ، أو: يَدخُلُ الجنَّةَ بعدَ تِسعةَ عشَرَ مِن الصَّحابةِ، فليس عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ مِن العَشَرةِ المبشَّرين بالجنَّةِ. [الموسوعة الحديثية-]
الوجه الثاني: فوائد الحديث:
وفي الحَديثِ: بيانُ أهميَّةِ طلبِ العِلمِ، وأنَّه مِن أَوْلَى ما يُوصَى به.
وفيه: بيانُ فَضلِ ومَنْقبةِ هؤلاءِ الصَّحابةِ الأربعةِ رضِيَ اللهُ عنهم جميعًا. [الموسوعة الحديثية-الدرر السنية]
وفيه: إرشاد الناس إلى العلماء الذين عرفوا بالعلم، وأخذوه من أهله، وساروا على سير السلف في العلم والعمل والأخلاق
وفيه: أن المريض يوصي بالمعروف، وهكذا فعل معاذ رضي الله عنه، وأيضًا في صحيح البخاري (3700) وصية عمر رضي الله عنه، تلك الوصية، وصية عظيمة أوصى بالمهاجرين، وأوصى بالأنصار، وأوصى بالأعراب، وأوصى بأهل الذمة،
وفبه أنه ينبغي للمريض بل ولو كان على فراش الموت: ألا يفرِّط في النصح للمرضى، ولغير المرضى، حتى للأصحاء، الزائرين.
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان في فراشه الذي مات فيه أيضًا كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر “وجاء رجلٌ شابٌّ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أنّ ذلك كفاف، لا عليّ ولا لي. فلمّا أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض، قال: ردوا عليّ الغلام، قال: ابن أخي ارفع ثوبك، إنّه أبقى لثوبك، وأتقى لربّك.” رواه البخاري (3700)، هذا وهو مطعون، وفي حالة مرض الموت.
الوجه الثالث: مسائل:
المسألة الأولى: موت العلماء: سبق وأن مر الحديث عن موت العلماء في الصحيح المسند، ويحسن الإشارة والتذكير بشيء من ذلك:
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَاتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} سورة الرعد:41، قال المفسرون في هذه الآية أقوالاً:
الأول: أنه ما يفتح الله على نبيه من الأرض، والمعنى: أولم ير كفار مكة أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض من حولهم.
والثاني: أنها القرية أو البلدة تخرب حتى تبقى الأبيات في ناحيتها والناحية الأخرى خراب، فيرون قراهم وبلداتهم تخرب أطرافها.
والثالث: نقص البركة، ونقص أهل القرية، ونقص الأنفس والثمرات.
والرابع: ذهاب فقهاء الأرض وأخيارها.
والخامس: موت أهلها.
وقد أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد، والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قال: “موت علمائها وفقهائها، وأهل الخير منها”. وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَاتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} سورة الرعد:41قال: “موت علمائها وفقهائها”، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قال عكرمة: لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكاناً تقعد فيه، ولكن هو الموت.
وقال مجاهد: هو موت العلماء. رواه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} سورة الرعد:41، قال: موت علمائها وفقهائها، وفي هذا المعنى: الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها *** متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيى إذا ما الغيث حل ها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلف
قال ابن كثير رحمه الله: والقول الأول أولى، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية، كقوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى} سورة الأحقاف:27.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره: عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَاتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} سورة الرعد:41، قال: ذهاب فقهائها، وخيار أهلها.
قال أبو عمر بن عبد البر: قول عطاء في تأويل الآية حسن جداً تلقاه أهل العلم بالقبول.
قال القرطبي: ومعروف في اللغة أن الطرف الكريم من كل شيء: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَاتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} سورة الرعد: 41
موت الفقهاء والأخيار.
فرع: بعض ما ورد من أقوال الصحابة عن الاحتضار:
أبو هريرة رضي الله عنه:
بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري أيتهما يؤخذ بي.
و دخل مروان على أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه، فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم، إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات. [مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (8/ 441)].
حذيفة رضي الله عنه: عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر قال أرسلني حذيفة بن اليمان ورجلا آخر نشتري له كفنا فاشتريت له حلة حمراء جيدة بثلاث مائة درهم فلما أتيناه قال أروني ما اشتريتم فأريناه فقال ردوها ولا تغالوا في الكفن اشتروا لي ثوبين أبيضين نقيين فإنهما لن يتركا علي إلا قليلا حتى ألبس خيرا منهما منهما أو شرا منهما [مصنف عبد الرزاق (3/ 432)].
سلمان الفارسي رضي الله عنه: عن حبيب بن الحسن وحميد بن مورق العجلي أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال عهد عهده الينا رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب قال فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلا اكافا ووطاء ومتاعا قوم نحوا من عشرين درهما.
وعن عامر بن عبد الله عن سلمان أنه حين حضر الموت عرفنا به بعض الجزع فقالوا ما يجزعك يا أبا عبد الله وقد كان لك سابقة في الخير شهدت مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحا عظاما قال يحزنني ان حبيبنا محمدا. صلى الله عليه وسلم عهد الينا حين فارقنا فقال ليكف المؤمن كزاد الراكب فهذا الذي احزنني.
قال فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا هكذا قال عامر والباقون من الرواة يذكرون الدراهم.
وعن أبي سفيان عن اشياخه قال ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد ما يبكيك يا ابأعبد الله توفي رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض قال فقال سليمان أما اني ما ابكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله. صلى الله عليه وسلم عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الاسأود وإنما حوله اجانة أو جفنة أو مطهرة قال فقال له سعد يا أبا عبد الله اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك فقال يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند حكمك إذا حكمت وعند بذل إذا قسمت. [صفة الصفوة المؤلف: ابن الجوزي (1/ 125)]
قلت سيف: راجع الصحيحة 1716 حيث ذكر له طرق عن سلمان فهو على شرط الذيل على الصحيح المسند من طريق عامر بن عبد قيس حيث ذكر الألباني له راويين. ووثقه العجلي
وله طرق أخرى فيها انقطاع وضعف لكنها في المتابعات والشواهد
وراجع علل ابن أبي حاتم 1912 حيث رجح أن طريق ثابت الراجح فيها الإرسال وهذا تعليل لهذا الإسناد فقط
عبادة بن الصامت رضي الله عنه: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عُبَادَةَ الْوَفَاةُ قَالَ: أَخْرِجُوا فِرَاشِي إِلَى الصَّحْنِ يَعْنِي الدَّارَ , ثُمَّ قَالَ: اجْمَعُوا لِي مَوَالِيَ وَخَدَمِي وَجِيرَانِي , وَمَنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ , فَجَمَعُوا لَهُ , فَقَالَ: إِنَّ يَوْمِي هَذَا لَأُرَاهُ آخِرَ يَوْمٍ يَاتِي عَلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنَ الْآخِرَةِ , وَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ فَرَطَ مِنِّي بِيَدِي أَوْ بِلِسَانِي شَيْءٌ وَهُوَ وَالَّذِي نَفْسُ عُبَادَةَ بِيَدِهِ الْقِصَاصُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَمَا خَرَجَ عَلَى أَحَدِكُمْ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا اقْتَصَّ مِنِّي قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ نَفْسِي , فَقَالُوا: بَلْ كُنْتَ وَالِدًا , وَكُنْتَ مُؤَدَّبًا. قَالَ: وَمَا قَالَ لِخَادِمٍ: سُوءًا قَطُّ. قَالَ: فَقَالَ: أَغَفَرْتُمْ لِي مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا فَاحْفَظُوا وَصِيَّتِي أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَبْكِي عَلَيَّ , وَإِذَا خَرَجَتْ نَفْسِي فَتَوَضَّئُوا وَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ , ثُمَّ يَدْخُلُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَسْجِدَهُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ لِعِبَادِهِ وَلِنَفْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبِرِ وَالصَّلَاةِ}، ثُمَّ أَسْرِعُوا بِي إِلَى حُفْرَتِي , وَلَا يَتَّبِعْنِي نَارٌ , وَلَا تَصْنَعُوا عَلَيَّ أُرْجُوَانًا. [الزهد لهناد بن السري، بَابٌ مِنَ الْمَوْعِظَةِ، برقم (785) (2/ 405)]
قلت سيف: فيه عيسى بن سنان الأكثر على تضعيفه. وعبادة بن محمد لم أجد له ترجمه
فرع: في وصايا الصحابة رضي الله عنهم عند الاحتضار:
أولاً: وصية الصديق رضي الله عنه: السُّنَّةُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ، جَامِعُ أَمْرِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، برقم (345) عَنْ زُبَيْدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَخْلِفُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: ” تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا عُمَرَ فَظًّا غَلِيظًا، فَلَوْ قَدْ وَلِيَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ، فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ، وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ” أَبِرَبِّي تُخَوِّفُونِي؟ أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ “، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ، إِنْ أَنْتَ حَفِظْتَهَا، إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا، وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ أَنْ لَا يُوضَعَ فِيهِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَصْلَحَ مَا عَمِلُوا، وَأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَيَقُولُ قَائِلٌ: لَا أَبْلَغُ هَؤُلَاءِ، وَذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ بِأَسْوَأِ الَّذِي عَمِلُوا، وَأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ
صَالِحَ مَا عَمِلُوا، فَيَقُولُ الْقَائِلُ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَذَكَرَ آيَةَ الرَّحْمَةِ وَآيَةَ الْعَذَابِ، لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا زَاهِدًا، وَلَا يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ غَيْرَهُ، وَلَا يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَبْغَضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَنْ تُعْجِزَهُ ” * وهو صحيح لغيره
قلت سيف: أخرجها ابن أبي شيبة 38211 وغيره من طريق زبيد بن الحارث أن أبا بكر حين حضره الموت. …. وزبيد ذكر في المراسيل فيمن لم يلق أحدا من الصحابة.
وفي مجموع الفتاوى – (ج 22 / ص 38)
وَسُئِلَ: عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي لِلَّهِ بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَالْعَمَلِ الَّذِي بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ.
فَأَجَابَ:
وَأَمَّا عَمَلُ النَّهَارِ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ بِالنَّهَارِ: فَهُمَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، لَا يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُؤَخِّرَهُمَا إلَى اللَّيْلِ؛ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ}. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ}. فَأَمَّا مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا}. وَأَمَّا مَنْ فَوَّتَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا قَضَاءً أَصْلًا، وَمَعَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لَا تَبْرَا ذِمَّتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْوَاجِبِ، وَلَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْعِقَابُ، وَيَسْتَوْجِبُ الثَّوَابَ؛ بَلْ يُخَفِّفُ عَنْهُ الْعَذَابَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْقَضَاءِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ التَّفْوِيتِ، وَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى مُسْقِطٍ آخَرَ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ حَقَّانِ: فَعَلَ أَحَدَهُمَا، وَتَرَكَ الْآخَرَ. قَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} وَتَاخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ السَّهْوِ عَنْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ إضَاعَتُهَا تَاخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْوَيْلَ لِمَنْ أَضَاعَهَا وَإِنْ صَلَّاهَا، وَمَنْ كَانَ لَهُ الْوَيْلُ لَمْ يَكُنْ قَدْ يُقْبَلُ عَمَلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُنُوبٌ أُخَرُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ فِي نَفْسِ الْعَمَلِ لَمْ يُتَقَبَّلْ ذَلِكَ الْعَمَلُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي وَصِيَّتِهِ لِعُمَرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَحَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة – (ج 8 / ص 5794)
أما قول الصديق رضي الله عنه: إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة. فالمقصود أن الإنسان لا يثاب على النافلة حتى تؤدى الفريضة، بمعنى أنه إذا فعل النافلة مع نقص الفريضة كانت جبراً لها وإكمالا فلم يكن فيها ثواب النافلة، ويبين ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن وجدت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقض منها شيئا قال انظروا هل تجدوا له من تطوع، فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك. رواه النسائي عن أبي هريرة وصححه الألباني.
ولهذا قال بعض السلف النافلة لاتكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره يحتاج للمغفرة. قال ابن تيمية: فإذا لم يكن العبد قد أدى الفرائض كما أمر لم يحصل له مقصود النوافل ولا يظلمه الله فإن الله لا يظلم مثقال ذرة بل يقيمها مقام نظيرها من الفرائض كمن عليه ديون لأناس ويريد أن يتطوع لهم بأشياء، فإن وفاهم وتطوع لهم كان عادلاً محسناً، وإن وفاهم ولم يتطوع كان عادلا، وإن أعطاهم ما يقوم مقام دينهم وجعل ذلك تطوعا كان غالطا في جعله، بل يكون من الواجب الذي يستحقونه. اهـ.
ومما سبق يتبين أن المقصود من قول أبي بكر ليس ترك النوافل حتى إتمام الفرائض الفائتة، وإنما المقصود عدم تحصيل الثواب المرجو من النافلة إلا إذا أدى الفريضة كاملة كما شرعها الله وإلا جبرت النقص الواقع في الفريضة. [حاشية: أسباب رفع العقوبة عن العبد لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق علي بن نايف الشحود (1/ 20)]
ثانيًا: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ففي صحيح البخاري (3700): رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قَبْلَ أنْ يُصَابَ بأَيَّامٍ بالمَدِينَةِ، وقَفَ علَى حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وعُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كيفَ فَعَلْتُمَا، أتَخَافَانِ أنْ تَكُونَا قدْ حَمَّلْتُما الأرْضَ ما لا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أمْرًا هي له مُطِيقَةٌ، ما فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: انْظُرَا أنْ تَكُونَا حَمَّلْتُما الأرْضَ ما لا تُطِيقُ، قَالَ: قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لَأَدَعَنَّ أرَامِلَ أهْلِ العِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إلى رَجُلٍ بَعْدِي أبَدًا، قَالَ: فَما أتَتْ عليه إلَّا رَابِعَةٌ حتَّى أُصِيبَ، …..
فَدَخَلْنَا عليه، وجَاءَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عليه، وجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أبْشِرْ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ ببُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِن صُحْبَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَدَمٍ في الإسْلَامِ ما قدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ ولِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، قَالَ: ودِدْتُ أنَّ ذلكَ كَفَافٌ لا عَلَيَّ ولَا لِي، فَلَمَّا أدْبَرَ إذَا إزَارُهُ يَمَسُّ الأرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلَامَ، قَالَ: يا ابْنَ أخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فإنَّه أبْقَى لِثَوْبِكَ، وأَتْقَى لِرَبِّكَ يا عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ، انْظُرْ ما عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وثَمَانِينَ ألْفًا أوْ نَحْوَهُ، قَالَ: إنْ وفَى له، مَالُ آلِ عُمَرَ فأدِّهِ مِن أمْوَالِهِمْ، وإلَّا فَسَلْ في بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ، فإنْ لَمْ تَفِ أمْوَالُهُمْ فَسَلْ في قُرَيْشٍ، ولَا تَعْدُهُمْ إلى غيرِهِمْ، فأدِّ عَنِّي هذا المَالَ انْطَلِقْ إلى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، ولَا تَقُلْ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فإنِّي لَسْتُ اليومَ لِلْمُؤْمِنِينَ أمِيرًا، وقُلْ: يَسْتَاذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أنْ يُدْفَنَ مع صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ واسْتَاذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ السَّلَامَ، ويَسْتَاذِنُ أنْ يُدْفَنَ مع صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، ولَأُوثِرَنَّ به اليومَ علَى نَفْسِي، فَلَمَّا أقْبَلَ، قيلَ: هذا عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، قدْ جَاءَ، قَالَ: ارْفَعُونِي، فأسْنَدَهُ رَجُلٌ إلَيْهِ، فَقَالَ: ما لَدَيْكَ؟ قَالَ: الذي تُحِبُّ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ أذِنَتْ، قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، ما كانَ مِن شيءٍ أهَمُّ إلَيَّ مِن ذلكَ،
فَإِذَا أنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، فَقُلْ: يَسْتَاذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فإنْ أذِنَتْ لي فأدْخِلُونِي، وإنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إلى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ، وجَاءَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ والنِّسَاءُ تَسِيرُ معهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عليه، فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، واسْتَاذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لهمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقالوا: أوْصِ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ، قَالَ: ما أجِدُ أحَدًا أحَقَّ بهذا الأمْرِ مِن هَؤُلَاءِ النَّفَرِ، أوِ الرَّهْطِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو عنْهمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وعُثْمَانَ، والزُّبَيْرَ، وطَلْحَةَ، وسَعْدًا، وعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، وليسَ له مِنَ الأمْرِ شيءٌ – كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ له – فإنْ أصَابَتِ الإمْرَةُ سَعْدًا فَهو ذَاكَ، وإلَّا فَلْيَسْتَعِنْ به أيُّكُمْ ما أُمِّرَ، فإنِّي لَمْ أعْزِلْهُ عن عَجْزٍ، ولَا خِيَانَةٍ، وقَالَ: أُوصِي الخَلِيفَةَ مِن بَعْدِي، بالمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، أنْ يَعْرِفَ لهمْ حَقَّهُمْ، ويَحْفَظَ لهمْ حُرْمَتَهُمْ، وأُوصِيهِ بالأنْصَارِ خَيْرًا، {الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ والإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ}، أنْ يُقْبَلَ مِن مُحْسِنِهِمْ، وأَنْ يُعْفَى عن مُسِيئِهِمْ، وأُوصِيهِ بأَهْلِ الأمْصَارِ خَيْرًا، فإنَّهُمْ رِدْءُ الإسْلَامِ، وجُبَاةُ المَالِ، وغَيْظُ العَدُوِّ، وأَنْ لا يُؤْخَذَ منهمْ إلَّا فَضْلُهُمْ عن رِضَاهُمْ.
وأُوصِيهِ بالأعْرَابِ خَيْرًا، فإنَّهُمْ أصْلُ العَرَبِ، ومَادَّةُ الإسْلَامِ، أنْ يُؤْخَذَ مِن حَوَاشِي أمْوَالِهِمْ، ويُرَدَّ علَى فُقَرَائِهِمْ، وأُوصِيهِ بذِمَّةِ اللَّهِ، وذِمَّةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُوفَى لهمْ بعَهْدِهِمْ، وأَنْ يُقَاتَلَ مِن ورَائِهِمْ، ولَا يُكَلَّفُوا إلَّا طَاقَتَهُمْ، فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا به، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، قَالَ: يَسْتَاذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قَالَتْ: أدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مع صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِن دَفْنِهِ اجْتَمع هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عبدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أمْرَكُمْ إلى ثَلَاثَةٍ مِنكُمْ ….. قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ له عَلِيٌّ، ووَلَجَ أهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ.
“وفي هذا الحديثِ: فضْلُ عُمرَ رضيَ اللهُ تعالَى عنه، وعَظيمُ شَفقتِه على المُسلِمين، وعَدلُه بين النَّاسِ جميعًا، حيثُ استَوْفى في وَصِيَّتهِ جميعَ الطَّوائفِ؛ لأنَّ الناسَ إمَّا مسلمٌ وإمَّا كافرٌ؛ فالكَافرُ إمَّا حَرْبِيٌّ ولا يُوصى بِهِ، وإمَّا ذِمِّيٌّ وقدْ ذكَرَه، والمسلِمُ إمَّا مُهاجِرِيٌّ أو أَنصارِيٌّ أو غيرُهما، وكلُّهمْ إمَّا بَدَوِيٌّ وإمَّا حَضرِيٌّ، وقدْ بيَّن الجميعَ. وفيه: أنَّ الإمامَ والحاكِمَ مُستأمَنٌ على رعيَّتِه، وعليه أنْ يَسألَ ويتحرَّى عن أحوالِهم ولا يَظلُمهم. وفيه: أنَّ الشُّورَى بين أهل الحَلِّ والعَقدِ في المُلمَّات سبيلٌ للخروجِ منها”.
وعن ابن عباس أنه دخل على عمر حين طعن فقال: أبشر يا أمير المؤمنين أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كفر الناس وقاتلت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خذله الناس وتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك رجلان وقتلت شهيدا فقال: أعد فأعاد فقال: المغرور من غررتموه لو أن ما على ظهرها من بيضاء وصفراء لافتديت به من هول المطلع [صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (15/ 314)] وأخرجه ابن أبي شيبة قلت سيف: من طريقين عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن ابن عباس به وظاهر إسناده الصحة. وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند حيث في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو راض عن عمر
ثالثًا: معاذ بن جبل رضي الله عنه. حديث الباب.
====
المسألة الثاني: الصحابة رضي الله عنهم سادة المفتين والعلماء، ويعود لهم الفضل في نشر العلم في الأمة. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الصحابة سادة المفتين والعلماء
وكما أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها فهم سادات المفتين والعلماء.
قال الليث عن مجاهد: “العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم” وقال سعيد عن قتادة في قوله تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} قال: “أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”.
وقال يزيد بن عمير: “لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل: يا أبا عبد الرحمن أوصنا قال أجلسوني إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما يقول: ذلك ثلاث مرات التمس العلم عند أربعة رهط: عند عويمر بن أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام”.
وقال مالك بن يخامر: “لما حضرت معاذ الوفاة …. اطلب العلم عند أربعة فذكر هؤلاء الأربعة ثم قال: فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز فعليك بمعلم إبراهيم” قال: “فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلا قلت يا معلم إبراهيم”.
وقال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق قال: قال عبد الله: “علماء الأرض ثلاثة فرجل بالشام والآخر بالكوفة وآخر بالمدينة فأما هذان فيسألان الذي بالمدينة والذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء”.
وقال الشعبي: “ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض فكان عمر وعبد الله وزيد ابن ثابت يستفتي بعضهم من بعض وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض” قال الشيباني: “فقلت للشعبي: وكان أبو موسى بذاك فقال ما كان أعلمه قلت فأين معاذ فقال هلك قبل ذلك”.
وقال أبو البختري: “قيل لعلي بن أبي طالب حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عن أيهم؟ قال عن عبد الله بن مسعود قال: قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفاه بذلك. قال: فحدثنا عن حذيفة قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين قالوا: فأبو ذر قال: كنيف ملاء علما عجز فيه قالوا: فعمار؟ قال مؤمن نسي إذا ذكرته ذكر خلط الله الإيمان بلحمه ودمه ليس للنار فيه نصيب. قالوا فأبو موسى قال صبغ في العلم صبغة قالوا فسلمان قال علم العلم الأول والآخر بحر لا ينزح منا أهل البيت قالوا فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين قال إياها أردتم كنت إذا سئلت أعطيت وإذا سكت ابتديت”.
وقال مسلم عن مسروق: “شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة: إلى علي وعبد الله وعمر وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي بن كعب ثم شاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله”.
وقال مسروق أيضا: “جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا كالإخاذ: الإخاذة تروي الراكب والإخاذة تروي الراكبين والإخاذة تروي العشرة والإخاذة لو نزل بها اهل الأرض لأصدرتهم وإن عبد الله من تلك الإخاذ”.
وقال الشعبي: “إذا اختلف الناس في شيء فخذوا بما قال عمر”.
وقال ابن مسعود: “إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم”.
وقال أيضا: “لو أن علم عمر وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر”.
وقال حذيفة: “كأن علم الناس مع علم عمر دس في جحر”
وقال الشعبي: “قضاة هذه الأمة عمر وعلي وزيد وأبو موسى”.
وقال سعيد بن المسيب: “كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود بأنه عليم معلم”
وبدأ به في قوله: “خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد ومن أبي بن كعب ومن سالم مولى أبي حذيفة ومن معاذ بن جبل ولما ورد أهل الكوفة على عمر أجازهم وفضل أهل الشام عليهم في الجائزة فقالوا: يا أمير المؤمنين تفضل أهل الشام علينا فقال: يا أهل الكوفة أجزعتم أن فضلت أهل الشام عليكم لبعد شقتهم وقد آثرتكم بابن أم عبد”
وقال عقبة بن عمرو: “ما أرى أحدا أعلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله” فقال أبو موسى: “إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حين لا ندخل” أخرجه الحاكم من طريق مالك بن الحارث وهو الاشتر عن أبي مسعود عقبة بن عمرو. فهو على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند.
وقال عبد الله: “ما أنزلت سورة إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ولو أني أعلم أن رجلا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته” صحيح مسلم
وقال زيد بن وهب: “كنت جالسا عند عمر فأقبل عبد الله فدنا منه فأكب عليه وكلمه بشيء ثم انصرف فقال عمر كنيف ملاء علما”.
ضعيف الإرواء 7/ 280
وقال الأعمش عن إبراهيم: “إنه كان لا يعدل بقول عمر وعبد الله إذا اجتمعا فإذا اختلفا كان قول عبد الله أعجب إليه لأنه كان ألطف”
وقال عبد الله بن بريدة في قوله تعالى {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً} قال: “هو عبد الله بن مسعود”
وقيل لمسروق: “كانت عائشة تحسن الفرائض قال والله لقد رأيت الأحبار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض”.
وقال أبو موسى: “ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألناه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما”
وقال ابن سيرين: “كانوا يرون أعلمهم بالمناسك عثمان بن عفان ثم ابن عمر بعده”.
وقال شهر بن حوشب: “كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له” وقال علي: “أبو ذر أوعى علما ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيئا حتى قبض”
وقال مسروق: “قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم”.
وقال الجريري عن أبي تميمة: “قدمنا الشام فإذا الناس مجتمعون يطيفون برجل قال: قلت: من هذا قالوا: هذا أفقه من بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا عمرو البكالي”. قلت سيف: اختلفوا في صحبة عمرو البكالي راجع جامع التحصيل.
وقال سعيد: “قال ابن عباس وهو قائم على قبر زيد بن ثابت هكذا يذهب العلم”
وكان ميمون بن مهران إذا ذكر ابن عباس وابن عمر عنده يقول: “ابن عمر أورعهما وابن عباس أعلمهما”
وقال أيضا: “ما رأيت أفقه من ابن عمر ولا أعلم من ابن عباس” وكان ابن سيرين يقول: “اللهم أبقني ما أبقيت ابن عمر اقتدي به”
تاريخ دمشق وفيه اشهل صدوق يخطئ.
وقال ابن عباس: “ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:”اللهم علمه الحكمة”
وقال أيضا: “دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: “اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب” ولما مات ابن عباس قال: “محمد بن الحنفية مات رباني هذه الأمة”.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: “ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا ولا أثقب نظرا حين ينظر مثل ابن عباس وإن كان عمر بن الخطاب ليقول له: قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولأمثالها”.
وقال عطاء بن أبي رباح: “ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقها وأعظم إن أصحاب الفقه عنده وأصحاب القرآن وأصحاب الشعر عنده بصدرهم كلهم في واد واسع”.
وقال ابن مسعود: “لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عسره منا رجل”.
وقال مكحول: “قيل لابن عباس أنى أصبت هذا العلم قال: بلسان سؤول وقلب عقول”.
وقال مجاهد: “كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه”.
وقال طاووس: “أدركت نحوا من خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر ابن عباس شيئا فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم” وقيل لطاووس: “أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم انقطعت إلى ابن عباس فقال أدركت سبعين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا تدارءوا في شيء انتهوا إلى قول ابن عباس”.
وقال ابن أبي نجيح: “كان أصحاب ابن عباس يقولون ابن عباس أعلم من عمر ومن علي ومن عبد الله ويعدون ناسا فيثب عليهم الناس فيقولون لا تعجلوا علينا إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلا وعنده العلم ما ليس عند صاحبه وكان ابن عباس قد جمعه كله”.
وقال الأعمش: “كان ابن عباس إذا رأيته قلت أجمل الناس فإذا تكلم قلت أفصح الناس فإذا حدث قلت أعلم الناس” وقال مجاهد: “كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه النور”.
فصل عمر بن الخطاب:
قال الشعبي: “من سره أن يأخذ بالوثيقة في القضاء فليأخد بقول عمر” وقال مجاهد: “إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به”.
وقال ابن المسيب: “ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب” وقال أيضا: “كان عبد الله يقول: “لو سلك الناس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا لسلكت وادي عمر وشعبه” وقال بعض التابعين: “دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه”.
وقال محمد بن جرير: “لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرروا فتياه ومذاهبه في الفقه غير ابن مسعود وكان يترك مذهبه وقوله لقول عمر وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه ويرجع من قوله إلى قوله”.
وقال الشعبي: “كان عبد الله لا يقنت وقال ولو قنت عمر لقنت عبد الله”.
فصل عثمان بن عفان:
وكان من المفتين عثمان بن عفان قال ابن جرير: “غير أنه لم يكن له أصحاب يعرفون والمبلغون عن عمر فتياه ومذاهبه وأحكامه في الدين بعده كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه
علي بن أبي طالب وأما علي بن أبي طالب عليه السلام فانتشرت أحكامه وفتاويه ولكن قاتل الله الشيعة فإنهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلا ما كان من طريق أهل بيته
وأصحاب عبد الله بن مسعود كعبيدة السلماني وشريح وأبي وائل ونحوهم وكان رضي الله عنه وكرم وجهه يشكو عدم حملة العلم الذي أودعه كما قال إن ههنا علما لو أصبت له حملة”.
فصل الأئمة الذين نشروا الدين والفقه:
والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود وأصحاب زيد بن ثابت وأصحاب عبد الله بن عمر وأصحاب عبد الله بن عباس فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة: فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود قال ابن جرير: “وقد قيل إن ابن عمر وجماعة ممن عاش بعده بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يفتون بمذاهب زيد بن ثابت وما كانوا أخذوا عنه مما لم يكونوا حفظوا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا”.
وقال ابن وهب: “حدثني موسى بن علي اللخمي عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية فقال من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ومن أراد المال فليأتني”.
وأما عائشة فكانت مقدمة في العلم والفرائض والأحكام والحلال والحرام
وكان من الآخذين عنها الذين لا يكدون يتجاوزون قولها المتفقهين بها القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها وعروة بن الزبير ابن أختها أسماء قال مسروق: “لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض” وقال عروة بن الزبير: “ما جالست أحدا قط كان أعلم بقضاء ولا بحديث بالجاهلية ولا أروى للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة”. [“إعلام الموقعين عن ربّ العالمين” / (1/ 15،21)]
وهناك مؤلفات في تاريخ المبرزين من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم.
المسألة: الثالثة: تراجم بعض الصحابة رضي الله عنهم. وقد مر في صحيح مسلم ذكر تراجم بعض الصحابة رضي الله عنه لكن لنذكر هنا شيئا عن:
1 – عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
كان من علماء الصحابة وقرائهم، ومن أشبههم هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المعلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعثه عمر إلى الكوفة أميراً ومعلّما.
– عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد.
– عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «أحسنت» رواه ابن أبي شيبة.
– وقال عبد الرحمن بن يزيد: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد» رواه البخاري.
– روى الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات؛ فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل. فقال: ومن هو ويحك؟
قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه). رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وغيرهم.
– وروى الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري في صحيحه.
وفضائله كثيرة.
توفي سنة 32هـ.
2 – أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
– من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، ومن كبار القراء، جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معروفاً بالعلم والحكمة عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
– عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا …. فذكر الأخذ عن جماعة من الصحابة منهم أبو الدرداء
– تصدّر للإقراء في الشام على عهد عثمان بن عفان، وكثر طلاب العلم عنده جداً، وذكر الذهبي في السير أنّ الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن, وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما, فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء -يعني: يعرض عليه.
– روى أبو قلابة الجرمي عن أبي الدرداء أنه قال: نزل القرآن على ست آيات: آية مبشرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار). رواه يحيى بن سلام البصري.
توفي سنة 32هـ.
المسألة الرابعة: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم
من عقائد أهل السنة والجماعة أنهم يشهدون لمن شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم فهناك أشخاص أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة، وهناك آخرون أخبر ببعض النعيم المعد لهم في الجنة، وكل ذلك شهادة منه صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة، وسواء ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم الشخص من أهل الجنة أو أخبر أن له كذا أو مكانته في الجنة كذا أو أخبر أنه رآه في الجنة الكل يشهد له أهل السنة والجماعة بالجنة تصديقاً منهم لخبر الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن عشرة من المهاجرين بأنهم في الجنة وسماهم بأعيانهم وبشرهم بها أولئك العشرة هم:
(1) أبو بكر: عبد الله بن عثمان الصديق الأكبر.
(2) أبو حفص: عمر بن الخطاب.
(3) أبو عبد الله: عثمان بن عفان.
(4) أبو الحسن: علي بن أبي طالب.
(5) أبو محمد: طلحة بن عبيد الله.
(6) أبو عبد الله: الزبير بن العوام.
(7) أبو إسحاق: سعد بن أبي وقاص.
(8) أبو محمد: عبد الرحمن بن عوف.
(9) أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح.
(10) أبو الأعور: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
وهؤلاء العشرة رضي الله عنهم انتظم تبشيرهم بالجنة حديث واحد.
روى الإمام الترمذي وغيره عن سعيد بن زيد ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص – قال: فعد هؤلاء التسعة، وسكت عن العاشر، فقال القوم: ننشدك الله يا أبا الأعور من العاشر؟ قال: نشدتموني بالله أبو الأعور في الجنة))
رواه الترمذي (3748). قال المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (9/ 255): [له طرق]، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). قلت سيف: و هو في الصحيح المسند
هؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة رضي الله عنهم وكلهم من المهاجرين وتبشير العشرة هؤلاء بالجنة لا ينافي تبشير غيرهم، فقد جاء تبشير غيرهم في غير ما خبر، ولأن العدد في الحديث لا ينفي الزائد وممن بشر بالجنة سوى هؤلاء العشرة كثير منهم:-
(11) بلال بن رباح:
بلال بن رباح الحبشي المؤذن واسم أمه حمامة اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي صلى الله عليه وسلم، وأذن له، شهد بدراً وأحداً وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخى بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، خرج رضي الله عنه مجاهداً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات بالشام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد بشر رضي الله عنه بالجنة في غير ما حديث، فقد روى البخاري رحمه الله من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال)).
وعند مسلم بلفظ: (( …. ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال)).
وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة، قال بلال: ما عملت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي)).
(12) زيد بن حارثة:
هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس وزيد هذا هو والد أسامة بن زيد الحب ابن الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدعى زيد بن محمد حتى نزلت ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب: 5]، استشهد في مؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة رضي الله عنه.
ومما جاء في بشارته بالجنة ما أخرجه ابن عساكر عن زيد بن الحباب: حدثني حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة)).
قلت سيف: هو في الصحيحة 5678 و 1859 وعزاه لابن عساكر من طريق حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. انتهى
لكن الإمام أحمد يستنكر رواية حسين بن واقد عن ابن بريدة العلل ومعرفة الرجال 2/ 22 و 1/ 301
وورد من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد مطولا أخرجه البيهقي في البعث والنشور والاجري في الشريعة والعبدي. متهم
فهذا الحديث اشتمل على منقبة ظاهرة لزيد بن حارثة حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحد الذين رأى لهم بعض النعيم المعد لهم في الجنة.
(13) حاطب بن أبي بلتعة:
هو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي، يكنى أبا عبد الله، وقيل يكنى أبا محمد واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي، حليف قريش، ويقال: إنه من مذجح، وقيل: هو حليف للزبير بن العوام، وهو من أهل اليمن، والأكثر أنه حليف لبنى أسد بن عبد العزى، شهد بدراً والحديبية، ومات سنة ثلاثين بالمدينة، وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه ذو النورين عثمان.
وقد جاء النص عليه في أنه من أصحاب الجنة، وممن يقطع له بدخولها فيما رواه مسلم بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه ((أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية)) (6).
فهذا الحديث تضمن فضيلة لأهل بدر والحديبية على وجه العموم ولحاطب على وجه الخصوص، حيث نص عليه باسمه أنه من أهل الجنة وأن النار لا تمسه رضي الله عنه وأرضاه.
(14) عكاشة بن محصن:
هو عكاشة بن محصن بن حرثان بن مرة بن بكير بن غنم بن دودان بن أسيد بن خزيمة الأسدي حليف بني عبد شمس من السابقين الأولين البدريين أهل الجنة، قتل شهيداً في قتال أهل الردة زمن أبي بكر الصديق قتله طليحة بن خويلد الأسدي الذي ادعى النبوة وقد هداه الله – عز وجل – فرجع إلى الإسلام. شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة.
فقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد ورأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر. فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا هكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرق الناس، ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن، فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر، فقال: أمنهم أنا؟ فقال: سبقك بها عكاشة)).
وعند الإمام مسلم من حديث عمران بن حصين، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم)).
فهذان الحديثان فيهما منقبة ظاهرة لعكاشة بن محصن رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من المقطوع لهم بدخول الجنة.
(15) سعد بن معاذ:
هو أبو عمرو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي سيد الأوس، وأمه كبشة بنت رافع، لها صحبة، أسلم رضي الله عنه بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير، ثم كان سبباً في إسلام قومه كلهم، شهد بدراً، وأحداً، والخندق، ورمي يوم الخندق بسهم فعاش بعد ذلك شهراً حتى حكم في بني قريظة حكمه المشهور الذي وافق فيه حكم الله من فوق سبع سماوات، وبعد ذلك مات بسبب انتقاض جرحه وذلك سنة خمس.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم ببعض ما أعد الله له في الجنة من النعيم، قد روى الشيخان من حديث البراء رضي الله عنه، قال: ((أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال: تعجبون من لين هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين)) (9).
ورويا أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه، قال: ((أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال: والذي نفس محمد بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا)). ففي هذين الحديثين: إشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة، وأن أدنى ثيابه فيها التي هي المناديل خير من تلك الجبة التي أثارت العجب في نفوس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المنديل أدنى الثياب، فغيره أفضل، وفيهما إثبات الجنة لسعد بن معاذ رضي الله عنه.
(16) ثابت بن قيس بن شماس:
هو: ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، وأمه امرأة من طيئ، يكنى أبا محمد بابنه محمد، وقيل: أبا عبد الرحمن، كان رضي الله عنه خطيب الأنصار، ويقال له: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وقتل يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وقد وردت بشارته بالجنة فيما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر. كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله، وهو من أهل النار فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة)).
وروى الإمام مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك، أنه قال: ((لما نزلت هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمر، وما شأن ثابت؟ أشتكى؟ قال سعد: إنه لجاري وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو من أهل الجنة)).
وفي رواية أخرى له عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية. واقتص الحديث، ولم يذكر سعد بن معاذ، وزاد: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة.
هذه الأحاديث تضمنت منقبة عظيمة لثابت بن قيس رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من أهل الجنة رضي الله عنه وأرضاه.
(17) حارثة بن سراقة:
هو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، أمه الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك، شهد بدراً، وقتل يومئذ شهيداً، قتله حبان بن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض، وكان خرج نظاراً يوم بدر ورماه فأصاب حنجرته فقتله، وهو أول قتيل قتل ببدر من الأنصار.
وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى بإسناده إلى أنس رضي الله عنه، قال: ((أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي؟ إنها جنات كثيرة، وإنه في جنة الفردوس)).
وروى أيضاً: بإسناده إلى أنس بن مالك ((أن أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة – وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب – فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)).
في هذين الحديثين منقبة ظاهرة لحارثة بن سراقة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمه بأنه في الجنة وأنه أصاب من الجنان أعلاها، وهي الفردوس.
(18) حارثة بن النعمان:
هو: حارثة بن النعمان بن نقع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، يكنى أبا عبد الله، شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضلاء الصحابة، توفي رضي الله عنه في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
وحارثة هذا وردت بشارته بالجنة فيما صح من الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البر كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه)).
ورواه أبو عبد الله الحاكم بلفظ: ((دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلكم البر كذلكم البر)).
قال الطيبي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((كذلكم البر كذلكم البر)): (المشار إليه ما سبق والمخاطبون الصحابة، فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم رأى هذه الرؤيا وقصها على أصحابه، فلما بلغ إلى قوله النعمان نبههم على سبب نيل تلك الدرجة بقوله ((كذلكم البر))، أي: حارثة، نال تلك الدرجة بسبب البر وموقع هذه الجملة التذييل كقوله تعالى: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34]، وفيه من المبالغة أنه جعل جزاء البر براً، وعرف الخبر بلام الجنس تنبيهاً على أن هذه الدرجة القصوى لا تنال إلا ببر الوالدين والتكرار للاستيعاب) (21). اهـ.
حديث عائشة في شأن حارثة بن النعمان في الصحيح المسند 1536
(19) عبد الله بن سلام: هو: عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف من ذرية يوسف بن يعقوب صلى الله عليه وسلم، كان حليفاً للأنصار، وهو أحد أحبار اليهود أسلم رضي الله عنه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه في الجاهلية الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، توفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين.
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة.
روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: ((ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأحقاف: 10] الآية)).
ورويا أيضاً – عن قيس بن عباد، قال: ((كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج، وتبعته، فقلت إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة فقيل له: ارقه، قلت: لا أستطيع فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت العروة فقيل له: استمسك فاستيقظت وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت. وذاك الرجل عبد الله بن سلام)).
وفي (سنن الترمذي) من حديث طويل عن معاذ بن جبل، قال: ((إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – أي في ابن سلام – إنه عاشر عشرة في الجنة)).
هذه الأحاديث تضمنت الشهادة بالجنة لعبد الله بن سلام وأنه من المقطوع لهم بها.
قال ابن كثير في ترجمة عبد الله بن سلام: (وهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو ممن يقطع له بدخولها) (25).
(20) أم سليم بنت ملحان:
هي: أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. اختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، ويقال: الغميصاء، أو الرميصاء كانت تحت مالك بن النضر، أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت أنساً في الجاهلية، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، فغضب مالك وخرج إلى الشام، فمات، فتزوجت بعده أبا طلحة الأنصاري.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها وسمع صوت حركة مشيها في الجنة.
فقد روى البخاري بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة)) (26).
وعند مسلم بلفظ: ((أريت الجنة، فرأيت امرأة أبي طلحة)) (27).
وروى مسلم بإسناده إلى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك)) (28).
فهذه الأحاديث تضمنت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة لأم سليم رضي الله عنها.
وهناك جماعة من أهل بيت النبوة غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وردت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها دلالة واضحة في أنهم ممن يقطع لهم بدخول الجنة، منهم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد، فقد بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (29)، وابنته فاطمة رضي الله عنها أخبر بأنها سيدة نساء أهل الجنة (30) وولداها الحسن والحسين فقد بين عليه الصلاة والسلام بأنهما سيدا شباب أهل الجنة (31)، وحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنه دخل الجنة فنظر فيها فإذا جعفر يطير مع الملائكة (32) وإذا حمزة متكئ على سرير (33).
فكل من تقدم ذكره شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة على سبيل التنصيص عليه باسمه منفرداً، كما شهد صلى الله عليه وسلم بالجنة لخلق كثير من الصحابة على سبيل الجمع كأهل بدر وأهل بيعة الرضوان، فأهل بدر كان عددهم رضي الله عنهم بضعة عشر وثلاثمائة، فهؤلاء أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة فقد روى البخاري من حديث طويل عن علي رضي الله عنه، وفيه أنه قال: ((لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم)) (34).
وأما أهل بيعة الرضوان فقد كان عددهم ألفاً وأربعمائة (35) وكلهم شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأنهم ممن يقطع لهم بدخولها، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر عند مسلم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها)) (36).
فقد قال أهل العلم: (معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً … وإنما قال إن شاء الله للتبرك لا للشك).
فأهل السنة والجماعة يشهدون بالجنة لكل من قدمنا ذكره في هذا المبحث (38)، بل يشهدون بالجنة لجميع الصحابة من مهاجرين وأنصار حيث إن الله تعالى وعدهم جميعاً بالحسنى كما قال: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد: 10]. [الموسوعة العقدية- الدرر السنية]