1107 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-”——”——-”
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1107):
مسند معاذ بن جبل رضي الله عنه قال أبو داود رحمه الله: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حيوة بن شريح قال سمعت عقبة بن مسلم يقول حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وأوصى بذلك معاذ الصنابحي، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن. قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند.
رواه أبو داود (1522) والنسائي (1303)، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث.:
“التوفيق إلى العبادة السليمة منة الله تعالى؛ وقد قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات:17]، فهو سبحانه الذي يهدي إلى الطريق المستقيم، والعبد الذي يُريد النجاة والفلاح لا بُدَّ أن يطلب الإعانة من الله القادر، وكان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب هذه الإعانة، وأقلُّ ما يطلب من ذلك أن يطلب هذه الإعانة خمس مرات يوميًّا دبر الصلوات المكتوبات؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ؛ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ». فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». وفي هذا الدعاء لَخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم الإعانة المطلوبة من الله في ثلاثة أمور: الذكر، والشكر، وحسن العبادة. وإذا تدبَّرنا في الأمور الثلاثة وجدنا أن العبد المُعَان على هذه الأمور عبدٌ ناجٍ بإذن الله؛
فعن الذكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ». قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ»، فالذاكرون هم السابقون. وعن الشكر قال تعالى: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
أمَّا حسن العبادة فهو يشمل كلَّ ما يُعين على أداء المهمَّة الأولى للإنسان في هذه الأرض؛ فقد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. فما أعظم أن يطلب العبدُ من ربِّه أن يُعِينه على أن يكون ذاكرًا شاكرًا عابدًا، ولِكَوْن هذا الدعاء عظيمًا لهذه الدرجة جعله رسول الله يأتي في هذه الصورةِ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، فقد عَلَّمَه الرسول صلى الله عليه وسلم إياه بعد أن قال له: «يَا مُعَاذُ؛ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ» “.
فقد “أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: والله إني لأحبك، والله إني لأحبك].
قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده)].
يعني: أخذ بيد معاذ وهذا فيه زيادة الأنس، وكذلك حتى يكون متهيئاً ومستعداً لما يلقي عليه.
قوله: [(والله إني لأحبك)] وكونه عليه الصلاة والسلام أقر وحلف على ذلك فهذه منقبة عظيمة لـ معاذ رضي الله عنه وأرضاه، ثم أرشده إلى ذلك العمل”.
“وقد ورد أنّ من السنة إذا أحب الرجل أخاه أن يعلمه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه» رواه أبو داود والترمذي. وعن أنس أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمته؟ قال: لا. قال: أعلمه. قال: فلحقه فقال: إني أحبك في الله. فقال: أحبَّك الذي أحببتني فيه. رواه أبو داود”.
[فقال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))]
وفي الحديث “ثلاثة أمور حض النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً على أن يستعين بالله في تحقيقها:
الأمر الأولى: ذكر الله. قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعني))، طلب العون من الله عبادة، والمسلم يقول في كل ركعة يقرأ فيها بأم الكتاب: {إياك نستعين}.قال ابن القيم وهو يعلق على هذا الدعاء: “من أفضل ما يسأل الرب -تبارك وتعالى- الإعانة على مرضاته، وهذا الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ”. [مدارج السالكين: 1/ 78].و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤاله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين” [مدارج السالكين:1/ 78].
والمراد بالذكر: أن يتحرك اللسان بالكلمات التي تعبدنا الله بها، كالحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله .. .
والذكر أيسر العبادات وأصعبها! كيف ذلك؟ أيسرها؛ لأنه لا يُكلفك أكثر من أن تحرك به لسانك.
والعسير: الاستمرار عليه وإدامته. هذا لا يوفق له إلا المخلصون، فليس الشأن أن تذكر الله، وإنما أن تديم ذلك وتكثر منه. فإن الله تعالى قال عن المنافقين: {ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء: 142]. وأما المؤمنون فقد أمرهم بقوله: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} (الأحزاب: 41).
وسبيل الإكثار من الذكر أمران:
الأول: الدعاء بأن يوفقك الله لذلك كما في هذا الحديث.
الثاني: بالتعرف على فضله، وتوطين النفس بين الحين والآخر على الاستمرار عليه، ومن جاهد نفسه في ذلك وفقه الله؛ فمن يتصبر يصبره الله، ومن يصدق في سعيه يوفقه الله.
ويكفي لبيان فضل الذكر قول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10). وللفلاح ركنان: حصول المرغوب، وفوات المرهوب، والذكر يحقق هذين الأمرين”.
====
الأمر الثاني: الشكر.
“أولاً: الشكر هو: المجازاة على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان، وأجل من يستحق الشكر والثناء على العباد هو الله جل جلاله؛ لما له من عظيم النعَم والمنن على عباده في الدِّين والدنيا، وقد أمرنا الله تعالى بشكره على تلك النعم، وعدم جحودها، فقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) البقرة/ 152.
ثانياً:
أعظم من قام بهذا الأمر، فشكر ربَّه، حتى استحق وصف ” الشاكر ” و ” الشكور ” هم الأنبياء والمرسلون عليهم السلام:
قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) النحل/ 120، 121.
وقال تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) الإسراء:/ 3.
ثالثاً:
ذكر الله تعالى بعض نعمه على عباده، وأمرهم بشكرها، وأخبرنا تعالى أن القليل من عباده من قام بشكره عز وجل.
1. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/ 172.
2. وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) الأعراف/ 10.
3. وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الروم/ 46.
- ومن النعم الدينية: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/ 6.
وغير ذلك كثير، هذه بعض النعم، ويصعب حصرها بل يستحيل، كما قال الله تعالى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم/ 34، ثم منَّ الله علينا فغفر لنا تقصيرها في شكر تلك النعم، فقال: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/ 18.
والمسلم دائم الطلب من ربِّه تعالى أن يعينه على شكره تعالى؛ إذ لولا توفيق الله لعبده، وإعانته: لما حصل الشكر، ولذا شرع في السنَّة الصحيحة طلب الإعانة من الله على شكره تعالى.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).
وكان الشكر على النِّعَم سبباً في زيادتها، كما قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/ 7.
رابعاً: كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة؟ يكون الشكر بتحقيق أركانه، وهي شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
الشكر يكون: بالقلب: خضوعاً واستكانةً، وباللسان: ثناءً واعترافاً، وبالجوارح: طاعةً وانقياداً.
” مدارج السالكين ” (2/ 246).
وتفصيل ذلك:
1. أما شكر القلب: فمعناه: أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده، وأن ينعقد على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له، قال تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) النحل/ 53.
وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب، بل هو واجب، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى: كفر.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولاً، واعترافاً، وبذلك يتم التوحيد، فمن أنكر نعَم الله بقلبه، ولسانه: فذلك كافر، ليس معه من الدين شيء.
ومَن أقر بقلبه أن النعَم كلها من الله وحده، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله، وتارة يضيفها إلى نفسه، وعمله، وإلى سعي غيره – كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس -: فهذا يجب على العبد أن يتوب منه، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها، وأن يجاهد نفسه على ذلك، ولا يتحقق الإيمان، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله، قولاً، واعترافاً.
فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان: اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه، وعلى غيره، والتحدث بها، والثناء على الله بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم، وعبادته.”القول السديد في مقاصد التوحيد ” (ص 140).
وقال تعالى مبيناً حال من يجحد نسبة النعم لله تعالى: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) النحل/ 83.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
أي: يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك، وهو المتفضل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك، ويعبدون معه غيره، ويسندون النصر والرزق إلى غيره.” تفسير ابن كثير ” (4/ 592).
2. وأما شكر اللسان: فهو الاعتراف لفظاً – بعد عقد القلب اعتقاداً – بأن المنعَم على الحقيقة هو الله تعالى، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل.
قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبده محمد صلى الله عليه وسلم: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) الضحى/ 8، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/ 11.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
أي: وكما كنت عائلا فقيراً فأغناك الله: فحدِّث بنعمة الله عليك.
” تفسير ابن كثير ” (8/ 427).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَاكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا).
رواه مسلم (2734).
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
والحمد هنا بمعنى الشكر، وقد قدمنا: أن الحمد يوضع موضع الشكر، ولا يوضع الشكر موضع الحمد، وفيه دلالة على أن شكر النعمة – وإن قلَّت -: سببُ نيل رضا الله تعالى، الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة، وسيأتي قول الله عز وجل لأهل الجنة حين يقولون: ” أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: (ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟) فيقولون: ما هو؟ ألم تبيض وجوهنا، وتدخلنا الجنة، وتزحزحنا عن النار؟، فيقول: (أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً).
وإنما كان الشكر سبباً لذلك الإكرام العظيم لأنَّه يتضمَّن معرفة المنْعِم، وانفراده بخلق تلك النعمة، وبإيصالها إلى المنعَم عليه، تفضلاًّ من المنعِم، وكرماً، ومنَّة، وأن المنعَم عليه فقيرٌ، محتاجٌ إلى تلك النعَم، ولا غنى به عنها، فقد تضمَّن ذلك معرفة حق الله وفضله، وحقّ العبد وفاقته، وفقره، فجعل الله تعالى جزاء تلك المعرفة: تلك الكرامة الشريفة.” المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ” (7/ 60، 61).
ومن هنا قال بعض السلف: ” مَن كتم النعمة: فقد كفَرها، ومن أظهرها ونشرها: فقد شكرها”.
قال ابن القيم – تعليقاً على هذا -:
وهذا مأخوذ من قوله: (إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة: أحب أن يَرى أثر نعمته على عبده).”مدارج السالكين ” (2/ 246).
ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله: تذاكروا النِّعَم، فإنَّ ذِكرها شكرٌ.
3. وأما شكر الجوارح: فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام.
وقد قال الله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً) سبأ/ من الآية 13.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا).
رواه البخاري (4557) ومسلم (2820).
قال ابن بطَّال – رحمه الله -:
قال الطبري: والصّواب في ذلك: أن شكر العبد هو: إقراره بأن ذلك من الله دون غيره، وإقرار الحقيقة: الفعل، ويصدقه العمل، فأما الإقرار الذي يكذبه العمل، فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق، ولكنه يقال شكر باللسان، والدليل على صحة ذلك: قوله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) سبأ/ 13، ومعلوم أنه لم يأمرهم، إذ قال لهم ذلك، بالإقرار بنعمه؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلاًّ منه عليهم، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم حين تفطرت قدماه في قيام الليل: (أفلا أكون عبدًا شكوراً).”شرح صحيح البخارى ” (10/ 183، 184).
وقال أبو هارون: دخلتُ على أبي حازم، فقلت له: يرحمك الله، ما شكرُ العينين؟ قال: إذا رأيتَ بهما خيراً: ذكرته، وإذا رأيتَ بهما شرّاً: سترته، قلت: فما شكر الأذنين؟ قال: إذا سمعتَ بهما خيراً: حفظته، وإذا سمعتَ بهما شرّاً: نسيتَه.
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
الشكر على درجتين: إحداهما واجب، وهو أن يأتي بالواجبات، ويتجنب المحرمات، فهذا لا بد منه، ويكفي في شكر هذه النعم، … .
ومن هنا قال بعض السلف: ” الشكر: ترك المعاصي “.
وقال بعضهم: ” الشكر أن لا يُستعان بشيءٍ من النعَم على معصيته “.
وذكر أبو حازم الزاهد شكرَ الجوارح كلها: ” أن تكف عن المعاصي، وتستعمل في الطاعات “، ثم قال: ” وأما مَن شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه: فمثَلُه كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه، فلم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من البرد، والحر، والثلج، والمطر “.
الدرجة الثانية من الشكر: الشكر المستحب، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض، واجتناب المحارم: بنوافل الطاعات، وهذه درجة السابقين المقربين … .” جامع العلوم والحكم ” (ص 245، 246) “. [كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه تعالى؟].
======
الأمر الثالث: حسن العبادة.
والعبادة لا تكون حسنة إلا إذا توفر فيها أمران:
الإخلاص، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا أخلص المرء في عبادته ولم توافق عبادته عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مردودة عليه، وإذا تابع ولم يخلص لم تقبل، فلابد من اجتماع الأمرين في كل عبادة نقوم بها.
رأى سعيد بن المسيب رحمه الله رجلا يصلي بعد الفجر، فأنكر عليه، فقال له الرجل: يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: “إن الله لا يعذب على الصلاة، ولكن عذب على مخالفة السنة” رواه البيهقي، وعبد الرزاق في المصنف، والدارِمي.
======
فهذا الحديث جمع بين طاعة الجنان، واللسان والأركان.
((فاللهم أعني على ذكرك)) هذه طاعة اللسان.
((وشكرك)) طاعة الجنان.
((وحسن عبادتك)) طاعة الأركان.
ومما دل عليه هذا الحديث فضل معاذ بن جبل وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: وَأَعْلَمُهُمْ –الأمة- بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» رواه الترمذي.
وقال عنه: مُعَاذُ بن جَبَلٍ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ» رواه الطبراني. أي: برمية حجر.
سبب اختيار معاذ دون غيره؟
أولاً: هو أعلم الناس بالحلال والحرام، فهو من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، وقد نفع الله بعلمه خلقاً كثيراً في اليمن، كما نفع به في الشام بعد عودته، وفيها توفي رضي الله عنه.
وقد قال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلام: (يا معاذ! إني أحبك) أعظم شرف، حيث يكفي أن يحبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمرء مع من أحب، وهذه تزكية من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإرساله إلى اليمن تزكية أخرى.
قوله: [وأوصى بذلك معاذ الصنابحي، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن].
فائدة: علماء الحديث رحمهم الله تعالى قد سموا هذا الحديث بالحديث المسلسل بالمحبة،
قال العراقي: تسلسل لنا بقول كل من رواته لمن بعده: وأنا أحبك، فقل … [شرح التبصرة والتذكرة: 1/ 196].
“هذا [الحديث] يدل على مشروعية هذا الدعاء دبر الصلوات المفروضة، ولكن ما المراد بدبر الصلاة؟ يحتمل أن يكون قبل الفراغ من الصلاة، ويحتمل أن يكون بعدها؛ لأن الدبر هو آخر الشيء وما يلي آخر الشيء، والصلاة آخرها السلام؛ فيكون الذي قبله وما بعده ويكون هو آخرها، هذا دبر وهذا دبر، وكونه يؤتى بهذا الدعاء قبل السلام أو بعده كل ذلك يمكن أن يدخل تحت هذا الحديث.
وقد جاء الدعاء بعد السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: (كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) هذا فيه الدعاء بعد الصلاة.
فإذاً: يكون دعاؤه قبل وبعد الصلاة، وهنا جاء بلفظ مطلق وهو الدبر وهو يشمل ما قبل وما بعد الصلاة.”. [شرح سنن أبي داود للعباد].
وسيأتي – إن شاء الله تعالى – تفصيل ذلك، والفرق بين الدعاء والذكر في أدبار الصلوات.
قال ابن القيم رحمه الله: ” بلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ أنه قال: ما تركتها عقيب كلِّ صلاة”. [زاد المعاد (1/ 304)].
وهذا الدعاء هل يقال قبل السلام أو بعده؟ قولان لأهل العلم واختار شيخ الإسلام أن يقال قبل السلام، والله تعالى أعلم.
[انظر: مطوية الأذكار للشيخ عبد الرزاق العباد، وشرح سنن أبي داود للعباد، شرح الحديث المسلسل بالمحبة، سُنَّة طلب الإعانة على الذكر والشكر وحسن العبادة. – بتصرف].
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث، فوق ما تقدم:
1 – … في الدعاء بهذه الألفاظ القليلة مطالب الدنيا والآخرة. [تطريز رياض الصالحين].
2 – في حديث معاذ الدلالة على تواضع النبي وحسن خلقه ومعاشرته لأصحابه وتواضعه لهم
3 – دعوة جامعة يستحب أن يقولها الإنسان في آخر كل صلاة قبل أن يسلم في الفريضة والنافلة هذه الدعوة المباركة. لأن الرسول قال في حديث ابن مسعود بعدما علمه التشهد قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو يعني قبل أن يسلم، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس، لكن قبل السلام أفضل.
4 – وفي هذا أن الرسول قال: إني لأحبك فدل على أن الإنسان إذا أحب إنسانا يخبره يقول: إني لأحبك في الله؛ لمزيد الصلة بينهما والتواضع والمحبة والتعاون والتواصي بالحق وصفاء القلوب.
5 – فهذا فيه فائدتان: إحداهما: شرعية المحبة في الله، وأن التحاب في الله من الأمور المطلوبة، وقد تقدم الحديث قوله : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((رجلين تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه))، وتقدم حديث عنه أنه قال: يقول الله يوم القيامة: ((أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي))، وتقدم الحديث الآخر يقول الله سبحانه: ((وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في المتباذلين)) يعني الذين يبذلون العطية في المحبة في الله.
6 – والمسلم إذا قيل له: إني أحبك، يقول: أحبك الله الذي أحببتني له.
7 – ومن فوائد المحبة في الله التواصي بالحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى، هذه من فوائد المحبة في الله.
8 – أن المتحابين يتعاونون على الخير ويتواصون بالحق والصبر عليه، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، هذه من فوائد المحبة في الله. وفق الله الجميع.
=====
الوجه الرابع: المسائل الملحقة:
المسألة الأولى (1): المقصود بالذكر والدعاء دبر الصلاة
أولا: دبر الصلاة: عقبها وخلفها، أو آخرها.
وقد ورد الترغيب في الذكر والدعاء دبر الصلوات في عدة أحاديث، منها:
1 – ما رواه البخاري (6330) ومسلم (594) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ).
2 – وروى البخاري (6329) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. قَالَ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَاتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا).
وللبخاري (843): (تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ).
ولمسلم (595): (تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً).
3 – وروى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً).
والمراد بدبر الصلاة في هذه الأحاديث: عقب الصلاة وخلفها، أي: بعد السلام، كما جاء مصرحا به في بعض الروايات، وكذلك ما جاء في قراءة آية الكرسي والمعوذات دبر الصلاة، فإن المراد بذلك بعد السلام.
4 – قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” (1/ 294) حول حديث معاذ: ” ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا [أي ابن تيمية] يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دبر كل شيء منه كدبر الحيوان ” انتهى.
5 – وروى الترمذي (3499) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) والحديث حسنه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي.
والظاهر أن المراد بدبر الصلاة هنا: قبل السلام.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والظاهر أن المراد بدبر الصلوات المكتوبة في حديث أبي أمامة “إن صح” آخر الصلاة” انتهى. “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (13/ 268).
وقد ذكر أهل العلم في ذلك: أن ما ورد في النصوص مقيداً بدبر الصلاة، فإن كان ذِكْراً (كالتسبيح والتحميد والتكبير وقراءة آية الكرسي والمعوذات) فالمراد بدبر الصلاة هنا: بعدها.
وإن كان دعاءً، فالمراد بدبر الصلاة: آخرها، أي قبل التسليم.
إلا إذا جاء ما يدل على أن هذا الدعاء المعين يقال بعد التسليم، كقوله صلى الله عليه وسلم (استغفر الله ثلاثاً)، فهذا دعاء ولكن دلت السنة على أنه يقال بعد السلام.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
ما المراد بدبر الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الحث على الدعاء أو الذكر دبر كل صلاة؟ هل هو آخر الصلاة أو بعد السلام؟
فأجاب:
“دبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام، ويطلق على ما بعد السلام مباشرة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعاء، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه لما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد، ثم قال: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) وفي لفظ: (ثم ليتخير بعد المسألة ما شاء). متفق على صحته.
ومن ذلك: حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح.
ومن ذلك: ما رواه البخاري رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة: (اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، ومن عذاب القبر).
أما الأذكار الواردة في ذلك، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ذلك في دبر الصلاة بعد السلام. ومن ذلك أن يقول حين يُسلم: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً ثم ينصرف الإمام بعد ذلك إلى المأمومين ويعطيهم وجهه، ويقول الإمام والمأموم والمنفرد بعد هذا الذكر والاستغفار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ويستحب أن يقول المسلم والمسلمة هذا الذكر بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثم يُسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثاً وثلاثين ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وهذا كله قد ثبتت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُستحب أن يقرأ بعد ذلك آية الكرسي مرة واحدة سراً، ويقرأ: (قل هو الله أحد) والمعوذتين بعد كل صلاة سراً مرة واحدة، إلا في المغرب والفجر فيُستحب له أن يكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات، ويُستحب أيضاً للمسلم والمسلمة بعد صلاة المغرب والفجر أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث. عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك” انتهى.”مجموع فتاوى ابن باز” (11/ 194).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:”والمتأمل في هذه المسألة يتبن له: أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها، وإن كان دعاء فهو في آخرها.
أما الأول: فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر؛ فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) النساء/103، وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين). فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة.
وأما الثاني: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد التشهد الأخير محلا للدعاء، فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء فيه، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعاً، أو بعيداً بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق”.انتهى. “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (13/ 268).
ثانيا: لا يشرع رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة؛ لعدم ورود ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (7/ 103): ” ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك ” انتهى.
المسألة الأولى (2): مطوية: (الأَذْكَارُ بَعْدَ السَّلاَمِ)، من كتاب: أذكار الطهارة والصلاة، المؤلف: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
الحديث هنا سيكون عن الأذكار التي يقولها المسلم إذا انصرف من صلاته بعد السلام، وقد جاء في هذا أحاديث عديدة:
منها: ما رواه مسلم في صحيحه عن ثوبان رضي الله عنه قال: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا انْصَرَفَ مِنَ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثاً، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ “.
قَالَ الوَلِيدُ ـ أحد رواة الحديث ـ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ أَسْتَغْفِرُ اللهَ. [صحيح مسلم (رقم:591)].
قوله: ” اللَّهمَّ أنت السلام ” السلام اسم من أسماء الله الحسنى التي أمرنا الله بدعائه بها في قوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [سورة: الأعراف، الآية (180)]، ومعناه: أي المنَزَّه عن كلِّ عيب وآفة ونقص، وهو سبحانه منَزَّهٌ عن كلِّ ما ينافي صفات كماله، ومنزه عن مماثلة أحد من خلقه، أو أن يكون له ند بوجه من الوجوه.
وقوله: “ومنك السلام” أي: أنَّ السلامة من المهالك إنما ترجى وتستوهب منك وحدك، ولا ترجى من أحد سواك، وهذا مستفاد من أسلوب الحصر في قوله: “ومنك السلام” أي: وحدك دون غيرك.
وقوله: “تباركت ذا الجلال والإكرام” تباركت: أي تعاليت وتعاظمت، وذا الجلال والإكرام، أي: يا صاحب الجلال والإكرام، وهما وصفان عظيمان للرب سبحانه دالان على كمال عظمته وكبريائه ومجده، وعلى كثرة صفاته الجليلة وتعدد عطاياه الجميلة، مما يستوجب على العباد أن تمتلئ قلوبُهم محبة وتعظيماً وإجلالاً له.
والحكمةُ من الإتيان بالاستغفار بعد الصلاةِ هي إظهارُ هَضْم النَّفس، وأنَّ العبدَ لَم يَقُم بحقِّ الصلاة، ولَم يأت بما ينبغي لها على التَّمام والكمال، بل لا بدَّ أن يكونَ قد وَقَعَ في شيء من النَّقص والتقصير، والمقصِّرُ يستغفرُ لعلَّه أن يُتجاوَزَ عن تقصيره، ويكونَ في استغفاره جَبْرٌ لِمَا فيه من نقص أو تقصير.
ثم يشتغل المصلِّي بعد ذلك بالتهليل، فعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب المغيرة إلى معاوية بن أبي سفيان: “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا فَرَغَ مِنَ الصَلاَةِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ”. [صحيح البخاري (رقم:844)، وصحيح مسلم (رقم:593)].
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: ” لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ “. رواه مسلم. [صحيح مسلم (رقم:594)].
قوله: “ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ” أي: لا ينفع صاحب الغنى منك غناه وإنَّما ينفعُه طاعته لك وإيمانه بك وامتثاله لأمرك.
وقوله: “لا إله إلاَّ الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون” أي: نحن على هذا التوحيد والإخلاص ولو كره الكفار ذلك.
ثمَّ يَشرَعُ المسلمُ بعد ذلك في التسبيحات الواردة التي كان يقولها صلى الله عليه وسلم أدبار الصلوات:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتْسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ المِائَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرْتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبدِ البَحْرِ “. [صحيح مسلم (رقم:597)]
وعنه رضي الله عنه قال: ” جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ: ألاَ أُحَدِّثُكُمْ بأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؛ تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ” [صحيح البخاري (رقم:843)، وصحيح مسلم (رقم:595)].
قال أبو صالح ـ راوي الحديث عن أبي هريرة ـ: ” يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر حتى يكون منهنَّ كلُّهن ثلاثاً وثلاثاً” لكن هذا فهم منه للحديث، والأظهر أنَّ المجموعَ لكلِّ كلمة من هؤلاء الكلمات بأن يسبح ثلاثاً وثلاثين ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين كما في حديث أبي هريرة السابق. [انظر: فتح الباري لابن حجر (2/ 32)].
وعن عبد الله عمرو رضي الله عنهما عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “خَصْلَتَانِ ـ أَوْ خَلَّتَانِ ـ لاَ يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بهِمَا قَلِيلٌ؛ يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْراً، وَيَحْمَدُ عَشْراً، وَيُكَبِّرُ عَشْراً، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمَائَةٍ باللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسِمِائَةٍ فِي المِيزَانِ، وَيُكَبِّرُ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ إِذا أَخَذَ مَضْجِعَهُ، وَيَحْمَدُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، فَذَلِكَ مِائَةٌ باللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي المِيزَانِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا بيَدِهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بهِمَا قَلِيلٌ؟ قَالَ: يَاتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ، وَيَاتِيهِ فِي صَلاَتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا” رَواه أبو داود، والترمذي. [سنن أبي داود (رقم:565)، وسنن الترمذي (رقم:3410)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب (رقم:606)].
ويُستحب للمسلم أن يقرأ أدبار الصلوات {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:
” أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأ المُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ “. [سنن أبي داود (رقم:1523)، وسنن النسائي (رقم:1336)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح أبي داود (رقم:134)]، والمراد بالمعوذات هذه السُّوَر الثلاث، وقد أطلق عليه المعوذات تغليباً. [انظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 132)].
وأن يقرأ كذلك آية الكرسي لحديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ “. رواه النسائي فِي عمل اليوم والليلة. [عمل اليوم والليلة (رقم:100)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (رقم:6464)].
والمراد بقوله “لَم يمنعه من دخول الجنة إلاَّ أن يموت” أي: لَم يكن بينه وبين دخول الجنة إلاَّ الموت.
قال ابن القيم رحمه الله: ” بلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ أنه قال: ما تركتها عقيب كلِّ صلاة”. [زاد المعاد (1/ 304)].
ومن المشروع للمسلم أن يقول أدبار الصلوات ما أوصى به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه، ففي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بيَدِهِ يَوْماً وَقَالَ: يَا مُعَاذٍ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذٍ، لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” [سنن أبي داود (رقم:1522)، وسنن النسائي (رقم:1303)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح أبي داود (رقم:1347)]،
وهذا الدعاء هل يقال قبل السلام أو بعده؟ قولان لأهل العلم واختار شيخ الإسلام أن يقال قبل السلام، والله تعالى أعلم.
*****
قال الامام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: (من برنامج نور على الدرب الشريط 14):
يستحب للمؤمن والمؤمنة الاشتغال بالذكر والدعاء في أوائل الليل وأوائل النهار. فيستحب للمؤمن أن يكثر من ذكر الله في هذه الأوقات؛ لأن الله جل وعلا أمر بذكره وتسبيحه بكرة وعشيا. والعشي آخر النهار. والبكرة أول النهار. فيشتغل بما يسر الله له من الذكر مثل: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير) (سبحان الله، والحمد لله، ولا الله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، (وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) وهكذا الأدعية المناسبة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذا تيسرت له وحفظها ودعا بها، وهي طيبة يدعو بها في أول الليل وأول النهار كل ذلك مما ينبغي فعله.
وإذا تيسر له مراجعة الكتب المؤلفة في هذا مثل: الأذكار للنووي ورياض الصالحين، والترغيب والترهيب والوابل الصيب لابن القيم. وغيرها من الكتب التي تنفعه ويستفيد منها فهذا أحسن.
====
=====
المسألة الأولى (3): حكم الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة
قال الشيخ عبد القادر الجنيد:
الحمد لله رب كل شيء ومليكه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله النبي الأمي محمد بن عبد الله المنيب الأواه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن والاه.
أما بعد، أيها الأخ الأريب النبيه – زادك الله فقهاً في دينه وشرعه -:
فهذا مبحث لطيف عزيز حول: “دعاء الله – عز وجل – عقب الانتهاء من صلاة الفريضة”، وما لأهل العلم من فقهاء ومحدثين من كلام في استحبابه، وقد وسمته بهذه العنونة:
” إيناس البحَّاثة بأقوال العلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة “.
عسى الله تعالى أن ينفع به طالب علم وهدى، ويجمع له به شتات ما علق في ذهنه عن هذه المسألة في أثناء طلب العلم ومذاكرته وقراءة كتب أهله، إن ربي سميع الدعاء.
وسوف يكون الكلام عن هذا الموضوع في عشر وقفات تأتي بإذن الله على جميع ما يتعلق به، وتسهيلاً وتيسيراً لي ولأخي القارئ اللبيب ـ لا زال من الله في تسديد ـ.
فأقول مستعيناً بالله القدير الكريم ربي ـ عز وجل ـ:
الوقفة الأولى / عن الاتفاق المنقول على استحباب الدعاء عقب الانتهاء من صلاة الفريضة.
قال العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه “المجموع” (3/ 465):
اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم ـ رحمهم الله ـ على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره، ويستحب أن يدعو أيضاً بعد السلام بالاتفاق، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب “الأذكار”، منها: عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ … اهـ
وقال الحافظ ابن رجب البغدادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (5/ 254):
واستحب أيضاً أصحابنا وأصحاب الشافعي الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقاً. اهـ
وقال العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الإحكام شرح أصول الأحكام” (1/ 241):
فصل في الذكر بعدها
أي: في الدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة، وقد أجمع العلماء على استحبابه بعدها. اهـ
ومن باب الزيادة:
فقد قال العلامة السلفي الشهير سليمان بن سحمان ـ رحمه الله ـ كما في “الدرر السنية في الأجوبة النجدية” (4/ 317):
وأما الدعاء بعد المكتوبة، فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار، من غير رفع اليدين، كما ورد في “الصحيحين” وغيرهما من الكتب، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمنعه، ولا أحد من أتباعه، ولا أحد من أهل الحديث. اهـ
وجاء في كتاب “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” (2/ 126 – 127) لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي ـ رحمه الله ـ:
ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة، فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((أَسْمَعُ الدُّعَاءِ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ)).اهـ
الوقفة الثانية / عن النقول الواردة عن الأئمة والعلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة أو فعلهم له أو إشارتهم إلى مشروعيته.
ودونكم من وقفت على كلامه منهم، ومواضعه ومخرجه.
1 – الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رحمه الله ـ والملقب بالصادق.
إذ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (5/ 138 عند رقم:6329و6330):
وأخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال: ((الدُّعَاءُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ النَّافِلَةِ كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ)).اهـ
2 – التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي ـ رحمه الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق الصنعاني ـ رحمه الله ـ في “مصنفه” (3645):
عن معمرٍ عن قتادة في قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قال: ((إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ)).
وإسناده صحيح.
وقال الحافظ ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في “تفسيره” (24/ 498):
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قال: ((أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه)).
وإسناده حسن أو صحيح.
وفي كتاب “تصحيح الدعاء” (ص:430):
المطلب الأول: الأذكار المشروعة بعد الصلاة …
ثم بعد الذكر يشرع في الأدعية التي دَلَّ عليها مجمل قول الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ((فإذا فرغت من صلاتك فانصب ـ أي: بالغ في الدعاء ـ وسله حاجتك)) كما في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما، ونحوه عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل. اهـ
3 – الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “الأم” (1/ 243):
وأستحب للمصلى منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة. اهـ
4 – الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ.
إذ قال الحافظ ابن رجب البغدادي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (5/ 255رقم:844):
والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يسر بالباقي، ويعقد التسبيح والتكبير والتحميد سراً، ويدعو سراً. اهـ
وقال أيضاً (5/ 236 رقم:841 – 842):
وقال القاضي أبو يعلى في “الجامع الكبير”:
ظاهر كلام أحمد: أنه يسن للإمام الجهر بالذكر خ عقب الصلوات بحيث يسمع المأموم، ولا يزيد على ذلك.
وذكر عن أحمد نصوصاً تدل على أنه كان يجهر ببعص الذكر، ويسر الدعاء، وهذا هو الأظهر. اهـ
5 – الإمام محمد بن إسماعيل البخاري ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في “صحيحه” (عند حديث رقم: 6329) هذا التبويب:
” باب الدعاء بعد الصلاة “.
وقال بدر الدين العيني الحنفي ـ رحمه الله ـ في كتابه “عمدة القاري شرح صحيح البخاري” (22/ 293):
أَي: هذا باب في بيان الدعاء بعد الصلاة المكتوبة. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري” (11/ 137رقم:6329و6330):
أي: المكتوبة، وفي هذه الترجمة رَدٌّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يُشرع. اهـ
وقد كان الباب الذي قبله هو:
” باب الدعاء في الصلاة “.
وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في “شرح سنن النسائي” (15/ 382 خ):
وهذه الدعوات وإن كانت محتملة لأن تكون قبل السلام، لكن الظاهر كونها بعد السلام، كما هو رأي المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ، فإنه أوردها لذلك، وقد تبع في هذا الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث إنه عقد في “صحيحه” في كتاب “الدعوات” باباً للدعاء في الصلاة، وباباً للدعاء بعد الصلاة. اهـ
وقال أيضاً (15/ 385رقم:1347):
والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاري والنسائي. اهـ
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه “تصحيح الدعاء” (ص:430):
ولذا عقد البخاري في “صحيحه” هذه الترجمة: ” باب الدعاء بعد الصلاة “، وقفاه أهل السنن عل ذلك، مثل النسائي وأبي داود وابن خزيمة وغيرهم. اهـ
6 – الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِستاني ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في “سننه” (1505 – 1513) هذا التبويب:
” باب ما يقول الرجل إذا سلم “.
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد السلام.
7 – الإمام محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في “سننه” (3567) هذا التبويب:
” باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه في دبر الصلاة “.
وذكر تحته حديث مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون، قالا: ((كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُكَتِّبُ الغِلْمَانَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ القَبْرِ)).
8 – الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في “السنن الصغرى” (1346و1347و1348) هذه التبويبات الثلاثة:
1 – ” نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم “.
2 – ثم ألحقه بهذا: ” نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة “.
3 – ثم ثلث بهذا: ” باب التعوذ في دبر الصلاة “.
وسبق نقل كلام الأثيوبي.
9 – الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في “صحيحه” (1/ 366 – 367و369رقم:743 – 747و751) هذه التبويبات الثلاثة:
1 – ” باب جامع الدعاء بعد السلام في دبر الصلاة “.
2 – ” باب التعوذ بعد السلام من الصلاة “.
3 – ” باب الأمر بمسألة الرب عز وجل في دبر الصلوات المعونة على ذكره وشكره وحسن عبادته والوصية بذلك “.
ثم ذكر تحتها جملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد السلام.
10 – الحافظ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه “الأوسط” (3/ 400 – 402) هذا التبويب:
” ذكر جامع الدعاء بعد التسليم “.
ونقل تحته أدعية ثلاثة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا فرغ من صلاته.
11 – الحافظ أبو حاتم ابن حبان البُستي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في “صحيحه” (2021 و 2025) هذين التبويبين:
1 – ” ذكر الأمر بسؤال العبد ربه ـ جل وعلا ـ أن يعينه على ذكره وشكره وعبادته في عقب الصلاة “.
2 – ” ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله ـ جل وعلا ـ في عقيب الصلاة التفضل عليه بمغفرة ما تقدم من ذنبه “.
12 – الإمام الحسين بن مسعود البغوي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه “شرح السنة” (3/ 223و230) هذا التبويب:
” باب الذكر بعد الصلاة “.
وضمنه جملة من الأذكار مع هذا الدعاء: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْرِ)).
13 – الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه “الترغيب في الدعاء” (ص:131رقم:80 – 87) هذا التبويب:
” باب في الدعاء عقيب الصلوات “.
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد السلام.
14 – الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “المغني” (2/ 251):
فصل: ويستحب ذكر الله تعالى، والدعاء عقيب صلاته، ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر. اهـ
وقال في كتابه “الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل” (1/ 44):
فصل: ويستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة، ودعاؤه، واستغفاره. اهـ
15 – العلامة مجد الدين أبو البركات عبد السلام ابن تيمية الحنبلي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه “المنتقى في الأحكام الشرعية” (1/ 353 – 355رقم:807 – 813) هذا التبويب:
” باب: في الدعاء والذكر بعد الصلاة “.
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها عقب الصلاة.
16 – القاضي محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه “غاية الإِحكام في أحاديث الأحكام” (2/ 221 – 223رقم:2615 – 2623) هذا التبويب:
” ذكر أذكاره وأدعيته صلى الله عليه وسلم عقيب السلام “.
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها عقب الصلاة.
17 – العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “المجموع” (3/ 465):
قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد، وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف، وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الامام بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له، وإن كان قد أشار إليه صاحب “الحاوي” فقال: إن كانت صلاة لا يتنفل بعدها كالصبح والعصر استدبر القبلة واستقبل الناس ودعا، وان كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب والعشاء فيختار أن يتنفل في منزله، وهذا الذى أشار إليه من التخصيص لا أصل له، بل الصواب استحبابه في كل الصلوات. اهـ
18 – شيخ المالكية أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المالكي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” (1/ 215رقم:478 – 484):
وقد اتفق مساق هذه الأحاديث والتي قبلها: على أن أدبار الصلوات أوقات فاضلة للدعاء والأذكار، يرتجى فيها القبول، ويُبْلَغُ ببركة التفرغ لذلك إلى كل مأمول. اهـ
19 – العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في “الفتاوى” (ص:127 – 128):
إن دعاء الإمام للجماعة في أدبار الصلوات ليس في السنة ما يعضده، بل فيها ما ينافيه، فإن الذي يجب الاقتداء به سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت عنه من العمل بعد الصلوات إما ذكر مجرد لا دعاء فيه، كقوله: ((اللهم لا مانع لما لا أعطيت)) وأشباه ذلك، وإما دعاء يخص به نفسه، كقوله: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) وأشباهه.
ولم يثبت أنه دعا للجماعة، وما زال كذلك مدة عمره، ثم الخلفاء الراشدون بعده، ثم السلف الصالح. اهـ
وقال في كتابه “الاعتصام” (2/ 452 – 454):
لأن حاله – عليه السلام – في أدبار الصلوات مكتوبات أو نوافل كانت بين أمرين:
إما أن يذكر الله تعالى ذكراً هو في العرف غير دعاء، فليس للجماعة منه حظ إلا أن يقولوا مثل قوله أو نحواً من قوله، كما في غير أدبار الصلوات، كما جاء أنه كان يقول في دبر كل صلاة: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير … “. ونحو ذلك، فإنما كان يقوله في خاصة نفسه، كسائر الأذكار، فمن قال مثل قوله فحسن، ولا يمكن في هذا كله هيئة اجتماع.
وان كان دعاء، فعامة ما جاء من دعائه – عليه السلام – بعد الصلاة مما سمع منه إنما كان يخص به نفسه دون الحاضرين، كما في الترمذي … اهـ
ثم ذكر خمسة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد سلامه من الصلاة، وقال:
فتأملوا سياق هذا الأدعية كلها مساق تخصيص نفسه بها دون الناس. اهـ
20 – العلامة ابن سيّد الناس اليعمري الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه ” النفح الشذي شرح جامع الترمذي” (4/ 563):
الثانية عشرة: قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد، وهو مستحب عقيب الصلوات كلها بلا خلاف، وأما من خص ذلك بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له. اهـ
21 – الشيخ محمد بن محمد بن علي بن همام المعروف بابن الإمام ـ رحمه الله ـ.
إذ بوب في كتابه ” سلاح المؤمن في الدعاء والذكر” (ص:340و343رقم: 629 – 638) هذا التبويب:
” ما يدعو به بعد الصلاة “.
ثم ذكر تحته جملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد سلامه من الصلاة.
22 – الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “فتح الباري” (11/ 137 – 138رقم:6329و6330) معلقاً على قول الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ: ” باب الدعاء بعد الصلاة “:
أي: المكتوبة، وفي هذه الترجمة رَدٌّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يُشرع. اهـ
ثم شرع في الرد على من قال بعدم المشروعية، وذكر عدة أحاديث في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاته.
23 – الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في “الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية” (3/ 893 رقم:239و3/ 1012 رقم:286):
السنة أن يستفتح دعاء عقب الصلاة وغيرها بحمد الله تعالى، والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
24 – وجاء في كتاب “مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح” (ص:119 – 120) من كتب الحنفية:
فصل: في الأذكار الواردة بعد الفرض.
القيام الى السنة متصلاً بالفرض مسنون، وعن شمس الأئمة الحلواني: لا بأس بقراءة الأوراد بين الفريضة والسنة، ويستحب للإمام بعد سلامه أن يتحول إلى يساره للتطوع بعد الفرض، وأن يستقبل بعده الناس، ويستغفرون الله ثلاثاً، ويقرؤون آية الكرسي والمعوذات، ويسبحون الله ثلاثاً وثلاثين ويحمدونه كذلك ويكبرونه كذلك، ثم يقولون: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”، ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين. اهـ
ثم قال الشارح:
“ثم يدعون لأنفسهم وللمسلمين” بالأدعية المأثورة الجامعة لقول أبي أمامة: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات)) ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((والله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).اهـ
25 – الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “المدخل” (2/ 263):
والسنة الماضية أن لا يترك الذكر والدعاء عقب الصلاة. اهـ
26 – جاء في كتاب “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” (2/ 126 – 127) لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي ـ رحمه الله ـ:
ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة، فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((أَسْمَعُ الدُّعَاءِ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ)).اهـ
27 – الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “آداب المشي إلى الصلاة” (ص:11 – 12):
ويسن ذكر الله، والدعاء والاستغفار عقب الصلاة، فيقول: “أستغفر الله” ثلاثاً، ثم يقول: “اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون”، “اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد”.
ثم يسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: “لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
ويقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قبل أن يكلم أحداً من الناس: “اللهم أجرني من النار” سبع مرات.
والإسرار بالدعاء أفضل، وكذا بالدعاء المأثور، ويكون بتأدب وخشوع وحضور قلب ورغبة ورهبة لحديث: ((لا يستجاب الدعاء من قلب غافل)) ويتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ويتحرى أوقات الإجابة، وهي: ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلاة المكتوبة، وآخر ساعة يوم الجمعة، وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي، ولا يكره أن يخص نفسه إلا في دعاء يؤمَّن عليه، ويكره رفع الصوت. اهـ
28 – العلامة محمد بن الأمير الصنعاني ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “سبل السلام شرح بلوغ المرام” (ص980:-981عند رقم:1465):
يتأكد الدعاء بعد الصلاة المكتوبة لحديث الترمذي عن أبي أمامة … ، وقد وردت أحاديث في الدعاء بعد الصلاة معروفة. اه
ـ
29 – الشيخ محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي” (2/ 169رقم:297 – 299):
لا ريب في ثبوت الدعاء بعد الانصراف من الصلاة المكتوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً. اهـ
30 – العلامة صديق حسن القَنوجي البخاري الهندي ـ رحمه الله ـ.
فإن له وروى أبو داود (1522) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ورواه النسائي (1303) بلفظ: (فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
والمراد بدبر الصلاة هنا: آخر الصلاة قبل التسليم؛ لأن “دبر الشيء” يكون منه، ويتأكد هذا بقوله في رواية النسائي: (في كل صلاة). قد طبعت في كتابه “دليل الطالب على أرجح المطالب” (ص:521 – 527) بعنوان:
” الفاكهة العريضة في جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة “.
وكان مما قاله بعد حديث أبي أمامة، وحديث معاذ بن جبل ـ رضي الله عنهما ـ، (ص:525):
وهذان الحديثان يدلان على الدعاء بعد الفريضة. اهـ
وقال أيضاً:
وإلا الدعاء بعد الفريضة ثابت كما تقدم. اهـ
وقال أيضاً (ص:526):
فثبت الدعاء بعد الفريضة. اهـ
31 – العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البابطين النجدي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في “الدرر السنية في الأجوبة النجدية” (4/ 315):
الدعاء بعد الفرائض، إن فعله إنسان بينه وبين الله فحسن، وأما رفع الأيدي في هذه الحال فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا ما أرى الإنكار على فاعله، ولو رفع يديه. اهـ
32 – العلامة سليمان بن سحمان ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في “الدرر السنية في الأجوبة النجدية” (4/ 317):
وأما الدعاء بعد المكتوبة، فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار، من غير رفع اليدين، كما ورد في “الصحيحين” وغيرهما من الكتب، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يمنعه، ولا أحد من أتباعه، ولا أحد من أهل الحديث. اهـ
33 – العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “الإحكام شرح أصول الأحكام” (1/ 241):
فصل في الذكر بعدها
أي: في الدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة، وقد أجمع العلماء على استحبابه بعدها. اهـ
وقال أيضاً (1/ 245 – 246):
ويستحب للعبد إذا فرغ من صلاته واستغفر الله وذكره وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة مما تقدم وغيره، أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة مستجاب. اهـ
34 – الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ.
إذ قال كما في “فتاوى نور على الدرب” (9/ 166 – 167):
الدعاء بعد الصلاة لا يكره، بل مستحب، كونه يدعو بينه وبين ربه في آخر الصلاة بعد الذكر، كل هذا جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا دعا في آخر الصلاة قبل أن يسلم هذا أفضل، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس، بينه وبين ربه، أما أن يكون الدعاء جماعياً من الجماعة أو مع الإمام فهذا غير مشروع، بل بدعة، أو يكون مع رفع الأيدي هذا بدعة بعد الفرائض، لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد الفرائض الخمس، ولم يحفظ عن أصحابه فيما بلغنا، فليس للناس أن يحدثوا شيئاً لم يفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، لكن الدعاء لا بأس به بينه وبين ربه، قبل السلام وبعد السلام لا بأس. اهـ
35 – الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “تصحيح الدعاء” (ص:430):
المطلب الأول: الأذكار المشروعة بعد الصلاة …
ثم بعد الذكر يشرع في الأدعية التي دل عليها مجمل قول الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ((فإذا فرغت من صلاتك فانصب ـ أي: بالغ في الدعاء ـ وسله حاجتك)) كما في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما، ونحوه عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل.
ولذا عقد البخاري في “صحيحه” هذه الترجمة: ” باب الدعاء بعد الصلاة “، وقفاه أهل السنن عل ذلك، مثل النسائي وأبي داود وابن خزيمة وغيرهم. اهـ
وقال أيضاً (ص:438):
وفي مسألتنا السنة كما ترى بعد السلام من الصلاة المكتوبة هو: الذكر مع الرفع رفعاً يسيراً في بعضه لا كله، والدعاء، وقراءة ما ذكر من القرآن الكريم …
هذه سنن أربع دَلَّ عليها هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه لأمته في هذه العبادة المقيدة بحال الفراغ من الصلاة المكتوبة، وما سوى ذلك فهو قدر زائد على المشروع لا دليل عليه. اهـ
36 – العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ سلمه الله ـ.
إذ قال كما في “المنتقى من فتاوى الفوزان” (2/ 680):
الدعاء بعد الصلاة لا بأس به، لكن كل مسلم يدعو بمفرده، يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين، ويدعو بمصالح دينه ودنياه، يدعو منفرداً، لا يكون الدعاء جماعياً، أما الدعاء الجماعي بعد الصلاة فهو بدعة، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن القرون المفضلة أنهم كانوا يدعون دعاءً جماعياً، بأن يرفع الإمام يديه، ثم يرفعون أيديهم ويدعو، وهم يدعون معه، هذا من البدع، أما أن يدعو كل شخص بدون رفع صوت، ولا تشويش فهذا لا بأس به، سواء كان بعد الفريضة، أو بعد النافلة. اهـ
وقال في كتابه “الملخص الفقهي” (1/ 159):
ثم بعد الفراغ من هذه الأذكار يدعو سراً بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة وهذه الأذكار العظيمة أحرى بالإجابة, ولا يرفع يديه بالدعاء بعد الفريضة كما يفعل بعض الناس، فإن ذلك بدعة, وإنما يفعل هذا بعد النافلة أحياناً, ولا يجهر بالدعاء, بل يخفيه، لأن ذلك أقرب إلى الإخلاص والخشوع, وأبعد عن الرياء. اهـ
وقال أيضاً كما في شريط مسجل، وموجود بموقعه الإلكتروني:
الدعاء بعد الصلاة الفريضة بأن يدعو الإنسان لنفسه منفرداً، وبدون رفع صوت هذا مشروع ومطلوب. اهـ
37 – العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “شرح سنن النسائي” (15/ 385رقم:1347):
قد تلخص مما ذكر من الأدلة أن الدعاء عقب الصلاة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، فلا يسع أحداً إنكاره …
والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاري والنسائي، وقد تقدم في كلام الحافظ ابن رجب أنه مذهب الإمام أحمد، بل نقل أن أصحاب أحمد وأصحاب الشافعي استحبوا الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقاً. انتهى.
فإذا ثبتت الأحاديث بذلك، وعمل بها أهل العلم أو بعضهم فلا وجه للإنكار. اهـ
38 – صنف الشيخ محمد هاشم التَّتَوي السندي ـ رحمه الله ـ رسالة بعنوان: “التحفة المرغوبة في أفضلية الدعاء بعد المكتوبة”.
وقد اختصرت ضمن مجموع طبع بعنوان: “ثلاث رسائل في استحباب الدعاء ورفع اليدين فيه بعد صلاة المكتوبة” (ص:15 – 47).
هذا وقد صنف غير واحد من متأخري الحنفية والشافعية والمالكية رسائل مفردة في مشروعية الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة.
39 – الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ.
إذ قال في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة” (6/ 60 رقم:2544):
وجملة القول:
إنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد الصلاة إذا دعا.
وأما دعاء الإمام وتأمين المصلين عليه بعد الصلاة، كما هو المعتاد اليوم في كثير من البلاد الإسلامية، فبدعة لا أصل لها، كما شرح ذلك الإمام الشاطبي في “الاعتصام” شرحاً مفيداً جداً لا أعرف له نظيراً، فليراجع من شاء البسط والتفصيل. اهـ
وظاهر هذا الكلام أنه ـ رحمه الله ـ يرى مشروعية الدعاء بعد الصلاة إذا فعله الإنسان فيما بينه وبين نفسه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو، لكن من دون رفع لليدين.
وقد كلمت أحد الأفاضل المهتمين بأقواله وفتاويه وكتبه وأشرطته أن يبحث هل له قول آخر، أو أوضح من هذا، لكنه تأخر عليَّ فلم يسعفني بشيء، وعسى أن ييسر الله تعالى له قريباً.
ـ[انظر: مقال بعنوان: “إيناس البحَّاثة بأقوال العلماء في استحباب الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الفريضة”، للشيخ: عبد القادر بن محمد الجنيد]
المسألة (4):فَوائِدِ الذِّكرِوَقَد ذَكَرَ الإِمَامُ العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ –رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ العَظِيم ((الوَابِلُ الصَّيِّبُ)) كَثِيرًا مِنَ فَوائِدِ الذِّكرِ فليراجع فإنه مهم
المسألة الأولى (5): الفتاوى
1) وسئل رحمه الله هل الدعاء عقيب الفرائض أم السنن أم بعد التشهد في الصلاة؟
الجواب
فأجاب: السنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها ويأمر بها أن يدعو في التشهد قبل السلام كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول بعد التشهد: {اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال.} وفي الصحيح أيضا أنه أمر بهذا الدعاء بعد التشهد وكذلك في الصحيح أنه كان يقول بعد التشهد قبل السلام: {اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت} وفي الصحيح أن أبا بكر قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال: {قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم}. وفي الصحيح أحاديث غير هذه أنه كان يدعو بعد التشهد وقبل السلام وكان يدعو في سجوده وفي رواية كان يدعو إذا رفع رأسه من الركوع وكان يدعو في افتتاح الصلاة ولم يقل أحد عنه أنه كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام بل كان يذكر الله بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير كما جاء في الأحاديث الصحيحة والله أعلم.2) وسئل عن قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة في جماعة هل هي مستحبة أم لا؟ وما كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟ وقوله: ” دبر كل صلاة “؟.
الجواب:
فأجاب: الحمد لله قد روي في قراءة آية الكرسي عقيب الصلاة حديث لكنه ضعيف ولهذا لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمد عليها فلا يمكن أن يثبت به حكم شرعي ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاؤه يجهرون بعد الصلاة بقراءة آية الكرسي ولا غيرها من القرآن فجهر الإمام والمأموم بذلك والمداومة عليها بدعة مكروهة بلا ريب فإن ذلك إحداث شعار بمنزلة أن يحدث آخر جهر الإمام والمأمومين بقراءة الفاتحة دائما أو خواتيم البقرة أو أول الحديد أو آخر الحشر أو بمنزلة اجتماع الإمام والمأموم دائما على صلاة ركعتين عقيب الفريضة ونحو ذلك مما لا ريب أنه من البدع. وأما إذا قرأ الإمام آية الكرسي في نفسه أو قرأها أحد المأمومين فهذا لا بأس به إذ قراءتها عمل صالح وليس في ذلك تغيير لشعائر الإسلام كما لو كان له ورد من القرآن والدعاء والذكر عقيب الصلاة. وأما الذي ثبت في فضائل الأعمال في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الذكر عقيب الصلاة ففي الصحيح عن المغيرة بن شعبة أنه كان يقول دبر كل صلاة: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد}. وفي الصحيح أيضا عن ابن الزبير أنه كان يقول: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} وثبت في الصحيح أنه قال: {من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وذلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر}.
وقد روي في الصحيحين أنه يقول: كل واحد خمسة وعشرين ويزيد فيها التهليل وروي أنه يقول كل واحد عشرة ويروى إحدى عشرة مرة وروي أنه يكبر أربعا وثلاثين. {وعن ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم} قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته وفي لفظ {: ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير}. فهذه هي الأذكار التي جاءت بها السنة في أدبار الصلاة. (5/ 227) الفتاوى لشيخ الإسلام.3) وسئل عن جماعة يسبحون الله ويحمدونه ويكبرونه هل ذلك سنة أم مكروه؟ وربما في الجماعة من يثقل بالتطويل من غير ضرورة؟
الجواب:
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله فصل وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: {سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسئولات مستنطقات}. وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك وروي أن أبا هريرة كان يسبح به. (5/ 225)
4) وسئل عن جماعة يسبحون الله ويحمدونه ويكبرونه هل ذلك سنة أم مكروه؟ وربما في الجماعة من يثقل بالتطويل من غير ضرورة؟
الجواب:
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه وأما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة: الأول محرم والثاني أقل أحواله الكراهة فإن مراءاة الناس في العبادات المختصة كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن من أعظم الذنوب قال الله تعالى: {فويل للمصلين} {الذين هم عن صلاتهم ساهون} {الذين هم يراءون} {ويمنعون الماعون} وقال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}. فأما المرائي بالفرائض فكل أحد يعلم قبح حاله وأن الله يعاقبه لكونه لم يعبده مخلصا له الدين والله تعالى يقول: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص} فهذا في القرآن كثير. وأما المرائي بنوافل الصلاة والصوم والذكر وقراءة القرآن: فلا يظن الظان أنه يكتفى فيه بحبوط عمله فقط بحيث يكون لا له ولا عليه بل هو مستحق للذم والعقاب على قصده شهرة عبادة غير الله إذ هي عبادات مختصة ولا تصح إلا من مسلم ولا يجوز إيقاعها على غير وجه التقرب بخلاف ما فيه نفع العبد كالتعليم والإمامة فهذا في الاستئجار عليه نزاع بين العلماء والله أعلم. (5/ 226)
المسألة (): تعليقات الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله على الحديث، من شرح رياض الصالحين
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين:
10/ 384 – وعن مُعَاذٍ، أَنَّ رَسُول اللَّه ، أَخَذَ بِيَدِهِ وَقالَ: يَا مُعَاذُ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك. حديث صحيحٌ، رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.
11/ 385 – وعن أَنسٍ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَمَرَّ بِهِ رجل، فَقال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ : أَأَعْلمتَهُ؟ قَالَ: لا قَالَ: أَعْلِمْهُ فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح.
قال الشيخ عبد العزيز رحمه الله تعالى: ” هذان الحديثان في المحبة لله، وفي الذكر، وفي آخر الصلاة في الدعاء، آخر الصلاة فيهما فوائد.
في حديث معاذ الدلالة على تواضع النبي وحسن خلقه ومعاشرته لأصحابه وتواضعه لهم، فيه أنه أخذ بيد معاذ، ومعاذ هذا هو ابن جبل من الأنصار من الخزرج رضي الله عنه، من أهل العلم والبصيرة والتقدم في الخير رضي الله عنه قال: إني لأحبك ثم قال: لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك دعوة جامعة يستحب أن يقولها الإنسان في آخر كل صلاة قبل أن يسلم في الفريضة والنافلة هذه الدعوة المباركة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك دعوة كريمة جامعة يستحب أن يقولها قبل أن يسلم لأن الرسول قال في حديث ابن مسعود بعدما علمه التشهد قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو يعني قبل أن يسلم، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس، لكن قبل السلام أفضل.
وفي هذا أن الرسول قال: إني لأحبك فدل على أن الإنسان إذا أحب إنسانا يخبره يقول: إني لأحبك في الله؛ لمزيد الصلة بينهما والتواضع والمحبة والتعاون والتواصي بالحق وصفاء القلوب، ويؤيد هذا الحديث الثاني أن رجلا قال للرسول : إني أحب فلانا، فقال: أعلمته؟ قال: لا، قال: قم فأعلمه، فلما أعلمه قال: أحبك الذي أحببتني له، فهذا فيه فائدتان: إحداهما: شرعية المحبة في الله، وأن التحاب في الله من الأمور المطلوبة، وقد تقدم الحديث قوله : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم رجلين تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، وتقدم حديث عنه أنه قال: يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي، وتقدم الحديث الآخر يقول الله سبحانه: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في المتباذلين يعني الذين يبذلون العطية في المحبة في الله.
وفيه من الفوائد: أن الإنسان إذا قيل له: إني أحبك، يقول: أحبك الله الذي أحببتني له، إذا قال له: إني أحبك في الله، يجيبه ويقول: أحبك الله الذي أحببتني له، هذا هو المشروع.
ومن فوائد المحبة في الله التواصي بالحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى، هذه من فوائد المحبة في الله، من فوائدها: أن المتحابين يتعاونون على الخير ويتواصون بالحق والصبر عليه، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، هذه من فوائد المحبة في الله. وفق الله الجميع. “. انتهى.