1106 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-”——”——-”
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1106):
مسند محمود بن لبيد رضي الله عنه
قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب في مسجدنا فلما سلم منها قال اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم للسبحة بعد المغرب.قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث حسن.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: صلوات التطوع (تعريفها ، وأنواعها ، وفضلها)
(1-1) تعريف صلوات التطوع
(التطوع) في اللغة : تكلف الطاعة ، أو التبرع بما لا يلزم من الخير ، أو الزيادة التي ليست لازمة.
ولا يقال : (تطوع) ، إلا في باب الخير والبر.
وفي الشرع : الزيادة على ما وجب بحق الإسلام ، سواء كانت هذه الزيادة واجبة أم لا
وبما أن الصلوات الواجبة بحق الإسلام هي : الصلوات الخمس في اليوم والليلة : صلاة الفجر، وصلاة الظهر ، وصلاة العصر ، وصلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
وبما أن التطوع هو ما زاد على الفرض ؛ سواء كان واجباً أم لم يكن .
فإن صلوات التطوع ، هي: الصلوات الزائدة على الفروض الخمسة ؛ سواء كانت هذه الصلوات واجبة أم لا .
فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم (صلوات التطوع).
(2-1) أنواع صلوات التطوع
التطوع نوعان :
الأول : التطوع المطلق ، وهو الذي لم يأت فيه الشارع بحد .
فمثلاً : صدقة التطوع لك أن تتبرع في سبيل الله بما شئت ، ولو نصف تمرة ، ولك أن تتطوع بالصلاة في الليل والنهار مثنى مثنى .
الثاني : التطوع المقيد ، وهو ما جاء له حد في الشرع .
فمثلاً : من أراد أن يأتي بسنة الفجر الراتبة ؛ لا يتحقق منه الإتيان بها إلا بركعتين قبل صلاة الفجر بعد دخول وقتها بنية راتبة الفجر ، وكذا مثلاً : من أراد أن يصلي صلاة الكسوف ؛ لا تتحقق صلاته إلا بالصفة المشروعة ، وكذا صلاة العيدين … وغيرها من السنن التي جاء الشرع لها بوصف معين.
وموضوعنا هو: النوع الثاني من التطوع ؛ أعني : التطوع المقيد .
(3-1) فضل صلوات التطوع
وردت في فضل صلوات التطوع أحاديث كثيرة ؛ منها :
أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة” . قال: ” يقول ربنا جل وعز لملائكته – وهو أعلم -: انظروا في صلاة عبدي ؛ أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة ؛ كتبت له تامة ، و إن كان انتقص منها شيئاً ، قال : انظروا ؛ هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع ؛ قال: أتمموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم” أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة.
والحديث فيه بيان حكمة من حكم مشروعية صلوات التطوع.
ب)عن ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي ؛ قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته بوضوئه وحاجته ، فقال لي :”سل” . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال :” أو غير ذلك؟”. قلت : هو ذاك! قال: ” فأعني على نفسك بكثرة السجود”. أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
وهو في صحيح أبي داود 810 ، وهو في الصحيح المسند 1478
ج)عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ؛ قال : لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت : أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة (أو قال: قلت : بأحب الأعمال إلى الله )؟ فسكت ، ثم سألته ؟ فسكت ، ثم سألته الثالثة ؟ فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: ” عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة ؛ إلا رفعك الله بها درجة ، وحط بها عنك خطيئة” . قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء ، فسألته ؟ فقال لي مثل ما قال لي ثوبان.[ أخرجه مسلم 488 ].
والحديثان يدلان على فضيلة الإكثار من صلوات التطوع.[انظر: بغية المتطوع في صلاة التطوع، للدكتور: محمد بن عمر بازمول- بتصرف يسير].
الوجه الثاني: السنن الرواتب (فضلها ، ووصفها ، وأحكامها):
المقصود بالسنن الرواتب : الصلوات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها أو يرغب في صلاتها مع الصلوات الخمس المفروضة ؛ قبلها أو بعدها.
ويشتمل هذا الباب على الفصول التالية :
(1-2) فضل السنن الرواتب.
(2-2) وصفها وأحكامها.
وبيان ذلك فيما يلي:
(1-2) فضل السنن الرواتب
وردت في فضل السنن الرواتب أحاديث: منها في فضل السنن الرواتب على الإجمال، ومنها في فضل بعض أفرادها؛ من ذلك :
أ) ما جاء عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ؛ أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :” ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة ؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة (أو : إلا بنى له بيت في الجنة)”. أخرجه مسلم.
وفي رواية للترمذي والنسائي فسر هذه الركعات :” أربع ركعات قبل الظهر ، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر” [ حديث صحيح].
قلت سيف : رواية الترمذي من طريق عنبسه عن أم سلمة عنبسه مجهول حال وحكم عليه النسائي بالاضطراب حيث ورد بلفظ أربع قبل الظهر وأربع بعد الظهر.
فإن كان ترجيح فنرجح لفظ الركعتين بعد الظهر حيث ثبت في مسلم اثنتي عشر ركعة .
والحديث يدل على استحباب المثابرة على صلاة ثنتي عشرة ركعة تطوعاً كل يوم.
ومن حافظ على السنن الرواتب ؛ دخل في هذا الفضل المذكور في هذا الحديث ؛ إذ أنه يصلي قطعاً في كل يوم ثنتي عشرة ركعة وأكثر.
ففي الحديث: فضيلة المحافظة على السنن الرواتب عموماً والمذكورة في الحديث خصوصاً، والله أعلم.
وقد ثبت فعل الرسول صلى الله عليه و سلم للسنن الرواتب ، فاجتمع لها القول والفعل منه عليه الصلاة والسلام.
ب) عن ابن عمر رضي الله عنهما ؛ قال:” حفظت من النبي صلى الله عليه و سلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته ، وركعتين قبل صلاة الصبح ، وكانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه و سلم فيها ، حدثتني حفصة: أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر ؛ صلى ركعتين”
وفي رواية للبخاري ولمسلم نحوها زيادة :” وسجدتين بعد الجمعة”.
وفي مسلم :” فأما المغرب والعشاء والجمعة ؛ فصليت مع النبي صلى الله عليه و سلم في بيته “.
وفي رواية الترمذي : ” حفظت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر ركعات يصليها بالليل والنهار”
(2-2) وصف السنن الراتبة وأحكامها:
يشتمل هذا الفصل على بيان السنن الراتبة لكل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، من خلال خمسة مباحث، لكل صلاة مفروضة مبحث يتعلق براتبتها ، أدرج تحته المسائل المتعلقة به.
و إليك البيان:
(1-2-2) راتبة صلاة الفجر :
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية :
أولاً : حكمها .
ثانياً : وصفها وفضلها .
ثالثاً: تخفيفها .
رابعاً : ما يقرأ فيها .
خامساً : الاضطجاع بعدها .
سادساً : من فاتته .
وتفصيل القول في هذه المسائل كما يلي :
أولاً : حكمها :
راتبة الفجر من آكد السنن الراتبة، وكان صلى الله عليه وسلم يتعاهدها ولا يدعها في حضر ولا سفر.
ولم يصح عنه صلى الله عليه و سلم ما يدل على وجوبها.
والدليل على صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم لركعتي الفجر في السفر: ما ثبت عن أبي مريم ؛ قال :” كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر، فأسرينا ليلة ، فلما كان في وجه الصبح ؛ نـزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فنام ونام الناس ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا ، فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤذن فأذن ، ثم صلى الركعتين قبل الفجر ، ثم أمره فأقام ، فصلى بالناس ، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة”[حديث صحيح لغيره].
قلت سيف : ثبت قضاء الركعتين في حديث أبي قتادة. …… فتوضؤا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر. …… رواه مسلم 681
كما يدل على مشروعية صلاتها عند فوات صلاة الفجر عن وقتها ، فإنه يشرع في صلاة راتبة الفجر ثم صلاة الفجر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : وصفها وفضلها :
راتبة الفجر ركعتان ، تصليان قبل صلاة الفجر ، وقد ورد في فضلها أحاديث منها:
أ) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم ؛ قال: “ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها” . أخرجه مسلم.
والحديث يدل على استحباب ركعتي الفجر والترغيب فيهما.
ب) عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : ” لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر”. أخرجه الشيخان.
والحديث يدل على تأكيد المحافظة على ركعتي الفجر .
وقد اجتمع في هذه الراتبة : القول منه صلى الله عليه وسلم في الترغيب فيها ، والفعل منه صلى الله عليه وسلم في المحافظة عليها .
ج) وعنها رضي الله عنها ؛ قالت : ” إن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر ، وركعتين قبل [الصبح] الغداة” . أخرجه البخاري والنسائي.
وهذه الأحاديث تدل على فضل ركعتي الفجر ، و أنها من أوكد الرواتب .
ثالثاً: تخفيفهما :
كان من هديه صلى الله عليه و سلم أن يخفف ركعتي الفجر ، فلا يطيل القراءة فيهما ، ومن الأحاديث الدالة على ذلك :
أ) ما جاء عن أم المؤمنين حفصة ؛ قالت :” إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح ؛ ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة”. أخرجه الشيخان.
ب) عن عائشة ؛ قالت: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إنّي لأقول : هل قرأ بأم الكتاب؟”. أخرجه الشيخان.
والحديثان يدلان على مشروعية تخفيف ركعتي الفجر .
رابعاً: ما يقرأ فيهما :
أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه :” أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ في ركعتي الفجر : {قل يا أيها الكافرون}، و {قل هو الله أحد}”.[رواه مسلم ].
ب) عن ابن عباس رضي الله عنهما : ” أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في ركعتي الفجر : في الأولى منهما : { قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا…} الآية التي في البقرة [136] ، و في الآخرة منهما : {آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون} [آل عمران :52]”.
وفي رواية :” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في ركعتي الفجر : {قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا} [البقرة : 136]، والتي في آل عمران : {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران : 64]”[أخرجه مسلم (حديث رقم 727)].
خامساً: الاضطجاع بعدهما :
يستحب المسلم إذا صلى راتبة الفجر في البيت أن يضطجع على شقه الأيمن ، وذلك لما ورد :
أ) عن أبي هريرة ؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع على شقه الأيمن”. أخرجه الترمذي.
قلت سيف : رجح بعض الأئمة أن الأمر بالاضطجاع شاذ إنما الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم
ب) عن عائشة :” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى سنة الفجر ، فإن كنت مستيقظة؛ حدثني ، و إلا ؛ اضطجع حتى يؤذن بالصلاة”. أخرجه البخاري.
وهل يكون هذا في البيت أو في المسجد ؟
[جاء في الحاشية: قال العلامة الألباني :” لكن لا نعلم أن أحداً من الصحابة فعله – يعني : الاضطجاع بعد راتبة الفجر- في المسجد ، بل قد أنكره بعضهم ، فيقتصر على فعله في البيت كما هو سنته صلى الله عليه و سلم “. أهـ. “صلاة التراويح” (ص 90)]
سادساً: من فاتته ركعتا الفجر :
يشرع لمن فاتته ركعتا الفجر أن يصليهما بعد صلاة الفجر مباشرة أو بعد طلوع الشمس، والأفضل أن يصليهما بعد طلوع الشمس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” من لم يصل ركعتي الفجر ؛ فليصلهما بعد ما تطلع الشمس”. أخرجه الترمذي.
أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .وسكت عليه الذهبي . لكن أعله الترمذي بتفرد عمرو بن عاصم وان المعروف بهذا السند حديث من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح.
ونقل هذا التعليل ابن رجب ثم نقل أوجه أخرى من الاختلاف .
عن قيس بن قهد (بالقاف المفتوحة وسكون فدال مهملة) رضي الله عنه ؛ أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح ، ولم يكن ركع ركعتي الفجر ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ سلم معه ، ثم قام فركع ركعتي الفجر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، فلم ينكر ذلك عليه “. أخرجه الترمذي وابن حبان. [حديث حسن لغيره].
والحديث يدل على جواز قضاء راتبة الفجر بعد الفرض لمن لم يصلها قبل الفرض.
حديث قيس بن قهد ورد من طريق ابن جريج عن عطاء عن قيس بن سهل قال ابوحاتم :: هذا خطأ إنما هو عطاء عن سعد بن سعيد عن قيس بن قهد
قال البخاري : قيس بن عمرو جد يحيى بن سعيد الأنصاري له صحبة . وقال بعضهم : قيس بن قهد ، ولم يثبت . التاريخ الكبير 7/142 .
وفيه انقطاع والطحاوي رجح عليه حديث أبي هريرة من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس. أخرجه الترمذي
وقال البيهقي : تفرد به عمرو بن عاصم وهو ثقه . انتهى
لكن أعله الترمذي قال : بأن المعروف حديث من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس
و قال وقد روي أن ابن عمر فعله
هو المعروف عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . انتهى
——-‘—–‘——‘
(2-2-2) راتبة صلاة الظهر :
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية:
أولاً : حكمها .
ثانياً : وصفها وفضلها .
ثالثاً : من فاتته الأربع قبل الظهر .
رابعاً : من فاتته الركعتان بعد الظهر .
و إليك بيان ذلك بالتفصيل :
أولاً : حكمها :
راتبة صلاة الظهر من السنن المستحبة التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه و سلم قولاً وفعلاً .
ولم يأت ما يدل على وجوبها .
ثانياً : وصفها وفضلها :
راتبة الظهر : إما أن تصلى أربعاً قبل صلاة الظهر وأربعاً بعدها ، وإما أن تصلى أربعاً قبل الظهر واثنتين بعدها ، وإما أن تصلى اثنتين قبل صلاة الظهر واثنتين بعدها ، أي ذلك فعل المسلم بنية راتبة صلاة الظهر ، أجزأه ، وكان مؤدياً هذه السنة.
والدليل على مشروعية هذه الصفة الأحاديث التالية :
أ) عن أم حبيبة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ” من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها ، حرمه الله على النار ” . أخرجه الترمذي وابن ماجه.
والحديث يدل على استحباب صلاة أربع ركعات قبل الظهر ، وأربع ركعات بعد الظهر، والمحافظة عليها .
ب) عن عبد الله بن شقيق ؛ قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه ؟ فقالت : كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، ويصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين ، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر ، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً ، وكان إذا قرأ وهو قائم؛ ركع وسجد وهو قائم ، و إذا قرأ قاعداً ؛ ركع وسجد وهو قاعد ، وكان إذا طلع الفجر ؛ صلى ركعتين”. أخرجه مسلم.
قلت : والحديث يدل على مشروعية صلاة أربع قبل الظهر واثنتين بعدها.
والظاهر أنه كان يصليها عليه الصلاة والسلام متصلة بتشهدين دون فصل بالتسليم، فتؤدى كالصلاة الرباعية، وتخصص من عموم حديث :” صلاة الليل والنهار مثنى مثنى”.’
قال أبو عيسى الترمذي : “والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم ؛ يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات ، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق و أهل الكوفة ، وقال بعض أهل العلم : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ؛ يرون الفصل بين كل ركعتين ، وبه يقول الشافعي و أحمد” . “سنن الترمذي” (2/289-290).
ج) وتقدم في فضل السنن الرواتب حديث أم حبيبة ؛ قالت : سمعت الرسول صلى الله عليه و سلم:” ما من عبد مسلم ، يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة ، تطوعاً غير فريضة؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة (أو : إلا بنى له بيت في الجنة )، [أربع ركعات قبل الظهر ، وركعتين بعد الظهر …] ” الحديث .
د) وتقدم حديث عائشة رضي الله عنها :” كان لا يدع أربعاً قبل الظهر…”.
هـ) وتقدم حديث ابن عمر رضي الله عنهما :” حفظت من النبي صلى الله عليه و سلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها … “.
ثالثاً: من فاتته الأربع قبل الظهر :
ورد عن الرسول صلى الله عليه و سلم ؛ أنه كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر ؛ صلاهن بعد صلاة الظهر.
عن عائشة :” إن النبي كان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر ؛ صلاهن بعدها”. أخرجه الترمذي وابن ماجه. وهو صحيح
قلت سيف : في مسائل أحمد لأبي داود 1876 : وسأله عن حديث قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبدالله بن شقيق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر . قال أحمد يرويه غير واحد ليس يذكرون هذا فيه يعني يروون حديث خالد عن عبدالله بن شقيق سألت عائشة عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي فليس هذا فيه . انتهى
يقصد الإمام أحمد أن هشيم ويزيد بن زريع رووه عن خالد عن عبدالله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوع فقالت : كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يرجع الى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا ….. ورواية هشيم أخرجها مسلم 730
وأخرجها مسلم أيضا من طريق بديل وايوب عن عبدالله بن شقيق به
وكذلك من طريق حميد عن عبدالله بن شقيق
وعن ابن سيرين عن عبد الله بن شقيق به
وعن هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة
وغيرهم ممن ذكرهم مسلم ببيان أن النبي صلى الله عليه وسلم. إن النبي صلى الله عليه وسلم. كان يصلي أحيانا قاعدا في قيام الليل
وتابع عبدالوهاب الثقفي عن خالد وخالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي . هشيم على لفظه
وتوبع قيس بن الربيع عليه تابعه ابن المبارك عن خالد الحذاء لكن قال الترمذي عن رواية ابن المبارك حسن غريب
وصححوه بمرسل عبدالرحمن بن أبي ليلى
المهم كلام الأئمة يدل على غرابة هذا الحديث . لكن فقهه صحيح فثبت قضاء سنة الظهر بعد العصر فمن باب الولى تقضى بعد الظهر انتهى كلامي سيف
رابعاً: من فاتته الركعتان بعد الظهر :
عن كريب مولى ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ، فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعاً ، وسلها عن الركعتين بعد [صلاة] العصر ، وقل : إنا أخبرنا أنك تصلينهما ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عنهما (قال ابن عباس : وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها)؟ قال كريب : فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به ، فقالت : سل أم سلمة . فخرجت إليهم ، فأخبرتهم بقولها ، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة ، فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عنهما ، ثم رأيته يصليهما ، أما حين صلاهما ؛ فإنه صلى العصر ، ثم دخل وعندي نسوة من بنى حرام من الأنصار ، فصلاهما فأرسلت إليه الجارية ، فقلت : قومي بجنبه ، فقولي له : تقول أم سلمة : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ! إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين ، وأراك تصليهما ” فإن أشار بيده ؛ فاستأخري عنه. قال: ففعلت الجارية ، فأشار بيده ، فاستأخرت عنه ، فلما انصرف؛ قال :”يا بنت أبي أمية ! سألت عن الركعتين بعد العصر ؟ إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان “. أخرجه الشيخان.
قلت –أي: محمد بازمول-: الحديث يدل على مشروعية قضاء سنة الظهر البعدية إذا فاتتا .
فإن قيل : ذكر في الحديث أن أم سلمة قالت :” يا رسول الله ! سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما” ، وهذا يقتضي النهي عن تلك الركعتين ؟!
فالجواب : الظاهر من الحديث أن النهي عن هاتين الركعتين بعد العصر إنما هو لمن داوم عليهما ظناً أنها سنة
[جاء في الحاشية: ” أما مدوامته صلى الله عليه و سلم على صلاتها ؛ فهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام قالت السيدة عائشة “……… وكان إذا صلى صلاة أثبتها “. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر ، حديث رقم 835).”]،
لكن يقال بنفي الخصوصية وان الجواز ما دامت الشمس بيضاء نقيه :
ألا ترى أنه ذكر في الحديث نفسه أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصليهما :” اقرأ عليها السلام منا جميعاً وسلها عن الركعتين بعد العصر ، وقل : إنا أخبرنا أنك تصلينهما … فقالت السيدة عائشة : سل أم سلمة ” ، فلو كان المراد من النهي عن الركعتين بعد العصر على الإطلاق ؛ ما صلتهما عائشة . والله أعلم .
وقد ثبت ما يدل على هذا ؛ فإن ابن عباس قال في هذا الحديث : ” كنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها ” ؛ يعني : أنه كان ينهى الناس عن الصلاة بعد العصر مطلقاً، والظاهر أن عائشة بلغها هذا ، فقالت : وهم عمر ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. وفي رواية عنها : قالت: لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر . قال: فقالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك”. رواه مسلم.
فدل هذا على النهي عن الصلاة عند غروب الشمس ، ومفهومه أن الصلاة بعد العصر والشمس بيضاء نقية غير داخل في النهي ، وهذا المفهوم جاء منطوقاً في حديث عن علي ابن أبي طالب مرفوعاً :” نهى عن الصلاة بعد العصر ؛ إلا والشمس مرتفعة”. أخرجه أبو داود والنسائي ، وفي رواية لأحمد :” لا تصلوا بعد العصر ؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة”. [حديث صحيح].
قلت سيف : سبق بيان صحته . والتعقيب على البيهقي في رده للحديث وحسنه محققو المسند 2/322
راجع شرحنا للبخاري المسمى رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري 1233
(3-2-2) راتبة صلاة العصر :
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية :
أولاً : حكمها .
ثانياً : فضلها .
ثالثاً : صفتها .
وبيانها فيما يلي :
أولاً : حكمها :
راتبة العصر من السنن الرواتب، التي ثبت الترغيب فيها من الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت فعله لها ؛ فالمحافظة عليها من الأمور المستحبة.
ثانياً : فضلها :
ورد في فضل راتبة العصر الحديث التالي :
عن ابن عمر ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً”. أخرجه أحمد والترمذي و أبو داود.[ حديث حسن].
قلت سيف : الحديث في الصحيح المسند 714 لكن قال صاحب الدراية في الذيل على أحاديث معلة : أنكره أبوزرعة على محمد بن المثنى . وذكر عمرو بن علي أنه يروي المنكرات . وكذلك أنكره أبوالحسن بن القطان .
لكن صححنا حديث علي بن أبي طالب في مسند أحمد 1375 وفيه أربع قبل العصر وقلنا على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند وسيأتي الحديث في صفة ركعات الصلاة قبل العصر
ثالثاً : صفتها :
راتبة العصر ، أربع ركعات ، موصولات بتشهدين كالصلوات الرباعية ، يسلم في آخرهن، تصلى قبل صلاة العصر .
عن عاصم بن ضمرة السلولي ، قال : سألنا علياً عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار؟ فقال: إنكم لا تطيقونه . فقلنا : أخبرنا به ؛ نأخذ منه ما استطعنا . قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر ؛ يمهل ، حتى إذا كانت الشمس من هاهنا (يعني: من قبل المشرق) بمقدارها من صلاة العصر من هاهنا (يعني: من قبل المغرب) ؛ قام فصلى ركعتين ، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا (يعني: من قبل المشرق) مقدارها من صلاة الظهر من هاهنا ؛ قام فصلى أربعاً ، وأربعاً قبل الظهر إذا زالت الشمس ، وركعتين بعدها ، وأربعاً قبل العصر ، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين “. قال علي :” فتلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار ، وقل من يداوم عليها ” أخرجه الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية للنسائي :” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حين تزيغ الشمس ركعتين ، وقبل نصف النهار أربع ركعات ، يجعل التسليم في آخره”[حديث حسن].
قال أبو عيسى الترمذي : ” حديث علي حديث حسـن ، واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر ، واحتج بهذا الحديث ، وقال إسحــاق : ومعنى أنه يفصل بينهن بالتسليم ؛ يعني : التشهد. ورأى الشافعي و أحمد صلاة الليل والنهــار مثنى مثنى؛ يختاران الفصل في الأربع قبل العصر “.اهـ.
قلت –أي: محمد بازمول-: الظاهر هو ما قاله إسحاق بن إبراهيم ، ويؤيده الرواية التي عند النسائي: “يجعل التسليم في آخره”[“السلسلة الصحيحة” (حديث رقم 237)].، ويرشحه أنه لو كان المراد بالتسليم للخروج من الصلاة في قوله :”يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين …” ، لو كان المراد التسليم للخروج من الصلاة ؛ للزم المصلي أن ينوي ذلك ، وهذا لم يرد شرعاً ، فدل هذا على أن المراد بالتسليم على الملائكة المقربين … إلخ : التشهد ، خاصة وقد ورد مرفوعاً أن التشهد فيه التسليم على كل عبد صالح في السماء و الأرض.
وعليه ؛ فتخصص هذه الراتبة من عموم حديث :”صلاة الليل والنهار مثنى مثنى”.
والحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي هذه الأربع الركعات قبل العصر ؛ فعدها من السنن الرواتب هو الصواب إن شاء الله ؛ لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، وبالله التوفيق .
(4-2-2) راتبة صلاة المغرب :
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالية :
أولاً : حكمها .
ثانياً : صفتها وفضلها .
ثالثاً : تأكيد صلاتها في البيوت .
وبيان ذلك كما يلي :
أولاً : حكمها :
راتبة المغرب سنة من السنن الرواتب ، التي يستحب للمسلم المحافظة عليها ، وقد ثبتت هذه السنة عنه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل.
ثانياً : صفتها وفضلها :
راتبة المغرب ركعتان ، تصليان بعد صلاة المغرب ، وتقدم في النص عليها :
حديث أم حبيبة ؛ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة ؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة (أو : إلا بني له بيت في الجنة ): [أربع ركعات قبل الظهر ، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب …]”.
وحديث ابن عمر رضي الله عنه ؛ قال :”حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب في بيته …”.
وحديث عبد الله بن شقيق ؛ سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن تطوعه ؟فقالت: “كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، وكان يصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل فيصلي ركعتين …”.
ثالثاً: تأكيد صلاتها في البيوت :
كان من هديه صلوات الله وسلامه عليه صلاة التطوع في البيت إلا ما كان لعارض ، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم التأكيد على صلاة راتبة المغرب في البيوت .
عن محمود بن لبيد ؛ قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل ، فصلى بهم المغرب ، فلما سلم ؛ قال :” اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم “. أخرجه أحمد ، وصححه ابن خزيمة.[حديث حسن].
عن كعب بن عجرة ؛ قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل ، فلما صلى ؛ قام ناس يتنفلون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “عليكم بهذه الصلاة في البيوت”. أخرجه أبو داود والنسائي.[ حديث حسن لغيره].
قلت –أي: محمد بازمول-: الحديثان يدلان على تأكيد استحباب صلاة راتبة المغرب في البيوت.
(5-2-2) راتبة العشاء :
وتتعلق بها مسألتان :
أولاً : حكمها .
ثانياً : صفتها وفضلها .
أولاً : حكمها :
راتبة العشاء من السنن الراتبة ؛ فهي صلاة يستحب للمسلم أن يحافظ عليها ؛ لثبوت فعلها عنه صلى الله عليه وسلم ؛ كما ثبت الترغيب فيها بقوله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : صفتها وفضلها :
تقدم حديث ابن عمر :” حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات … وركعتين بعد العشاء في بيته “.
وتقدم حديث عبد الله بن شقيق ؛ قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن تطوعه ؟ فقالت : ” … ويصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين “.
وتقدم حديث أم حبيبة ؛ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة ؛ إلا بنى الله له بيتاً في الجنة … [… وركعتين بعد العشاء …] “.
قلت : وهذه الأحاديث فيها أن راتبة العشاء ركعتين بعد صلاة العشاء. [انظر: بغية المتطوع في صلاة التطوع، للدكتور: محمد بن عمر بازمول- بتصرف يسير].
الوجه الثالث: ظاهر الأحاديث التي ورد فيها الأمر بصلاة سنة المغرب البعدية في البيت
فقد ورد عن محمود بن لبيد ؛ قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل ، فصلى بهم المغرب ، فلما سلم ؛ قال :” اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم “. أخرجه أحمد ، وصححه ابن خزيمة.
عن كعب بن عجرة ؛ قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب في مسجد بني عبد الأشهل ، فلما صلى ؛ قام ناس يتنفلون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “عليكم بهذه الصلاة في البيوت”. أخرجه أبو داود والنسائي.
قال الشيخ محمد بازمول في حاشية (بغية المتطوع ): اعلم أن ظاهر الأمر في الحديثين يقتضي وجوب صلاتهما في البيوت ، لكن صرفه عن الوجوب أمور :
منها: أن أصل راتبة المغرب الاستحباب لا الوجوب ؛ فكيف يكون الفرع واجباً و الأصل مستحباً ؟!.
ومنها : ما يستفاد مما يلي :
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل بعد إيراده في “المسند” لحديث محمود بن لبيد المتقدم (5/428) :”قلت لأبي (أحمد بن حنبل) : إن رجلاً قال: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد ؛ لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه صلاة البيوت . قال: من قال هذا؟ قلت: محمد بن عبد الرحمن . قال: ما أحسن ما قال (أو : ما أحسن ما انتزع)!”. اهـ.
قلت -أي: محمد بازمول- : قال أبو حفص (لعله البرمكي أو العكبري لا أدري أيهما) في توجيه هذه العبارة عن أحمد نقله عنه ابن قيم الجوزية في “زاد المعاد” (1/313) ؛ قال:” ووجهه: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة في البيوت ، وقال المروزي : من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصياً ؟ قال [أحمد بن حنبل] : ما أعرف هذا! قلت له: يحكى عن أبي ثور أنه قال : هو عاص. قال: لعله ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :” اجعلوها في بيوتكم”. قال أبو حفص : ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت وترك المسجد؛ أجزأه ؛ فكذلك السنة”. انتهى كلامه.
قال ابن القيم متعقباً :” وليس هذا وجهه عند أحمد رحمه الله ، وإنما وجهه أن السنن لا يشترط لها مكان معين، ولا جماعة ، فيجوز فعلها في البيت والمسجد” اهـ.
قلت -أي: محمد بازمول- : ومن القرائن ما أشار إليه ابن خزيمة حيث بوب على حديث محمود بن لبيد :”باب الأمر بأن يركع الركعتين بعد المغرب في البيوت بلفظ “أمر” قد يحسب بعض من لم يتبحر العلم أن مصليها في المسجد عاص؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم أمر “أن يصليها في البيوت” ، ثم بوب بعده:” باب ذكر =الخبر المفسر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تصلى الركعتان بعد المغرب في البيوت ، والدليل على أن الأمر بذلك أمر استحباب لا أمر إيجاب ، إذ صلاة النوافل في البيوت أفضل من النوافل في المساجد”.
وساق حديثاً بهذا المعنى. “صحيح ابن خزيمة” (1/209-210).انتهى.
للفائدة: ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى فصلا بعنوان: “هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنن الرواتب”، في كتابه زاد المعاد.
===
أقوال العلماء في افضلية صلاة النافلة في المنزل
الأفضل أن تُصلى صلاة النافلة في البيوت ، اللهم إلا إن كان يسن لها الاجتماع في المسجد كصلاة الكسوف ، أو ثبت الترغيب بأدائها في المسجد مثل التنفل قبل صلاة الجمعة ، وقد ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله ، ومن الأدلة على ذلك :
- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً “.
رواه البخاري ( 422 ) ومسلم ( 777 ) .
قال النووي :
قوله صلى الله عليه وسلم ” اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ”
معناه : صلُّوا فيها ، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة ، والمراد به : صلاة النافلة ، أي : صلوا النوافل في بيوتكم .
” شرح مسلم ” ( 6 / 67 ) .
- عن زيد بن ثابت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة – قال : حسبت أنه قال : من حصير – في رمضان فصلى فيها ليالي ، فصلَّى بصلاته ناسٌ من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم ، فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ” .
رواه البخاري ( 698 ) ومسلم ( 781 ) .
قال الحافظ ابن حجر :
ظاهره أنه يشمل جميع النوافل ؛ لأن المراد بالمكتوبة : المفروضة ، لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع ، وكذا ما لا يخص المسجد كركعتى التحية ، كذا قال بعض أئمتنا .
” فتح الباري ” ( 2 / 215 ) .
- عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه فقالت كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين .
رواه مسلم ( 730 ) ، ونحوه من حديث ابن عمر في الصحيحين .
قال النووي في شرحه :
فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها ، ولا خلاف في هذا عندنا ، وبه قال الجمهور وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل .
” شرح مسلم ” ( 6 / 9 ) .
- عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ” .
رواه مسلم ( 778 ) .
قال المناوي :
” إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده ” : يعني : أدى الفرض في محل الجماعة ، وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه ، ” فليجعل لبيته ” : أي : محل سكنه ، ” نصيبا ” : أي : قِسما ، ” من صلاته ” : أي : فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال ” فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته ” : أي : من أجلها وبسببها ، ” خيراً ” : أي كثيراً عظيماً ، لعمارة البيت بذكر الله وطاعته ، وحضور الملائكة ، واستبشارهم ، وما يحصل لأهله من ثواب وبركة .
وفيه : أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام …
” فيض القدير ” ( 1 / 418 ) .
والأدلة على ذلك أكثر من هذا ، فصلاته صلى الله عليه وسلم الرواتب ، وقيام الليل ، والضحى كل ذلك كان في بيته صلى الله عليه وسلم ، وقد تركنا ذلك اختصاراً وفيما سبق كفاية ، وقد ذكر بعض العلماء لذلك حِكَماً :
قال ابن قدامة :
والتطوع في البيت أفضل … ولأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص ، وأبعد من الرياء ، وهو من عمل السر ، وفعله في المسجد علانية والسر أفضل .
” المغني ” ( 1 / 442 ) .
وفيه أيضاً : تذكير الناسي ، وتعليم الجاهل من أهل البيت أو من يراه .
وأما الدليل على استحباب فعل صلاة الكسوف في المسجد :
- عن أبي بكرة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجرُّ رداءه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس فقال صلى الله عليه وسلم : إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم .
رواه البخاري ( 993 ) .
وأما الدليل على استحباب التطوع قبل صلاة الجمعة في المسجد :
- عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر ، ثم ادَّهن أو مسَّ من طيبٍ ، ثم راح فلم يفرِّق بين اثنين ، فصلَّى ما كتب له ، ثم إذا خرج الإمام أنصت : غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ” .
رواه البخاري ( 868
، قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى: وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل السنن والتطوع في البيت إلا لعارض. اهـ.
وقد وردت أحاديث تدل على أنه صلى الراتبة في المسجد، كما في حديث ابن عمر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين بعد الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعشاء ففي بيته. رواه البخاري.
وكذا حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد. رواه أبو داود.
قال في عون المعبود: ظاهره أنه كان يصليهما في المسجد فيحمل على أن فعلهما فيه لعذر منعه من دخول البيت والأظهر أنه يحمل على بيان الجواز. اهـ.