1102 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1102):
مسند محمد بن حاطب رضي الله عنهما
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن أبي مالك الأشجعي، قال كنت جالسا مع محمد بن حاطب، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني قد رأيت أرضا ذات نخل فاخرجوا)) فخرج حاطب وجعفر في البحر قبل النجاشي، قال: فولدت أنا في تلك السفينة.
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي
ب – التخريج:
أخرج الحديث أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي وكذلك صاحب سبل الرشاد قال: رجال الصحيح
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث.
قوله: ((إني قد رأيت …… ))
وجاء في البخاري (3352) ومسلم (4217) عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي [أي ظني] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ. . . الحديث.
وروى البخاري (3906) أيضا عن عائشة قالت:. . . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قال الحافظ: وَالْحَرَّة أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ , وَهَذِهِ الرُّؤْيَا غَيْر الرُّؤْيَا السَّابِقَة في حَدِيث أَبِي مُوسَى الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اِبْن التِّين: كَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ دَار الْهِجْرَة بِصِفَةٍ تَجْمَع الْمَدِينَة وَغَيْرهَا , ثُمَّ أُرِيَ الصِّفَة الْمُخْتَصَّة بِالْمَدِينَةِ فَتَعَيَّنَتْ اهـ
وأما عن أول من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن البراء رضي الله عنه قال: ” أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء. . . “.رواه البخاري (4560).
وفي الحديث التالي مختصر لكثير من أحداث الهجرة النبوية:
عن عائشة قالت:. . . . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ -وَهُوَ الْخَبَطُ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. . . ثم قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَاتِينَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ [أي: أريد المصاحبة] بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثَّمَنِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ [أي: حاذق سريع الفهم] فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ [أي يخرج من عندهما آخر الليل] فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَاتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ. وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ. وَاسْتَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيَا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ. . .
وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ.
قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَخَطَطْت بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا [المراد أنه خرج خفيةً] فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ
عَلَيْهِمْ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي [أي لم يأخذا مما معي شيئاً] وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا. فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ. ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنْ الشَّامِ فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ [أي حصن] مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ [هو الموضع الذي يجفف فيه التمر] لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: لَا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ فَارْحَمْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ. رواه البخاري (3906).
—–
قوله (رأيت أرضا ذات نخل):
فيه إثبات الرؤية المنامية ورؤيا الأنبياء وحي. ويمكن إيجاز الكلام عن الرؤية كالتالي:
قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [الزمر: 42]
والنفس سر من أسرار الله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}} [الإسراء: 85] وتوفيها كليا أو جزئيا سر من أسراره تعالى، فلا تعلم نفس أين تذهب الروح أثناء النوم؟ ولا تعلم مدى اتصالها بجسد النائم، ولا تعلم ما يجري منها، وما يجري لها في موتتها الصغرى، التي تتكرر كل يوم.
ومما هو معلوم أن الوحي الإلهي للأنبياء، منه الإلهام، ومنه المنام، فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس قبل أن تستوفي رزقها وأجلها مثل للإلهام، ومثله الإيحاء إلى أم موسى أن أرضعيه، ورؤيا إبراهيم عليه السلام، أنه يذبح ولده، ورؤيا يوسف عليه السلام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له، ورؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول المسلمين المسجد الحرام آمنين، أمثلة للمنام.
فالرؤيا الصادقة، يراها المؤمن أو ترى له، إنما تكون إفاضة وكرما من الله تعالى، ليستبشر، أو ليأخذ حذره، فهي مبشرات ومنذرات، وهي جزء من النبوة، ولمحة من لمحاتها، حتى وإن رآها كافر، فهي نعمة، والمنعم ينعم على الكافر، لعله يعتبر ويؤمن، كما ينعم على المؤمن ليزداد إيمانا وشكرا.
وقد حكى لنا القرآن الكريم رؤيا ملك مصر سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر، وأخر يابسات، وكيف تحقق تأويل يوسف عليه السلام لها؟ كما حكى رؤيا صاحبي السجن، وكيف تحققت؟ حقائق لا يسهل إنكارها، لكنها نوع مما يراه النائم، لا يحكم به على كل رؤيا يراها، بل قد يرى في منامه تحقيق رغبات مكبوتة عنده أثناء يقظته، وقد يرى خليطا من مشكلات تشغله في حياته، وقد يرى ما يوسوس به الشيطان له من أحزان ومخاوف، ومن هنا كانت النصائح النبوية:
1. إذا حلم أحدكم حلما يكرهه، فلينفت عن يساره، وليتحول عن جنبه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها، وأن يكتمها، ولا يحدث بها إلا حبيبا لبيبا، فإنها لا تضره.
2. وإذا رأى ما يحب فليستبشر، ويحكيها لحبيب لبيب، ليعبرها له.
3. وإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرؤياه خير وصادقة، فإن الشيطان لا يتمثل به.
4. وعلى المؤمن أن يحرص على الصدق في معاملاته، لتصدق رؤياه، فأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا.
5. وعلى من يعبر الرؤيا أن يحسن الظن، وأن يتجه بتأويله إلى خير الاحتمالات، وأن يكون خبيرا ذكيا لبيبا، فهي – غالبا – تعتمد على الإشارات.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤى، وفسرها، وقصها على أصحابه، ورأى أصحابه رؤى وفسرها لهم، وفسرها بعضهم لبعض، وشجعهم وحثهم على تعبير الرؤيا، فإنها من الله تعالى، وإنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.”. [فتح المنعم].
قال الحافظ ابن حجر: وهما بمعنى واحد، بالنسبة إلى أمور الآخرة، في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص، فرؤيا النبي كلها صادقة، وقد تكون صالحة، وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا، كما وقع في رؤيا يوم أحد بقر يذبح وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص وجهي، يجتمعان في مادة وينفرد كل منهما في مادة أخرى، إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، فيجتمعان في رؤيا سارة لا تحتاج إلى تعبير، وتنفرد الصالحة في السارة التي تحتاج إلى تعبير فهي صالحة غير صادقة بنفسها، وتنفرد الصادقة برؤيا سوء لا تحتاج إلى تعبير، فهي صادقة، غير صالحة، وأما إن فسرنا الصادقة بأنها غير الأضغاث، فالصالحة أخص مطلقا، أي فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وينفرد الأعم في مادة أخرى فتجتمع الصادقة والصالحة في غير الأضغاث السارة، وتنفرد الصادقة في غير الأضغاث السيئة.
وقال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري: الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام، أو يخبر به من لا يكذب، والصالحة ما يسر. اهـ. [فتح المنعم].
——
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث:
– فيه دلالة من دلالات النبوية: أن الله أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بهجرته، وكيف طبيعة ذلك الأرض، جاء في البخاري: عَنْ أَبِي مُوسَى، أُرَاهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ …..
– أن الرؤيا أنواع، كما ذكرنا قريبا.
– نص بعض أهل العلم على إمكانية رؤية الله تعالى في المنام منهم شيخ الإسلام ابن تيمية. وفيه حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه. وصححه البخاري والترمذي والألباني وهو محتمل أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعبر الرؤيا تعبيرا صحيحا
والله أعلم. [فتح المنعم، بتصرف].
فيه رد على من يتحدث في الدين، ويدعو إلى الله تعالى وهو على جهل، ويستدل بقول: بلغوا عني ولو آية.
والصحابة رضي الله عنهم سواء الذين ذهبوا إلى مدينة كابن أم مكتوم ومصعب بن عمير كانا يعلمان النس القرآن.
– وفيه أن على من ذهب إلى بلاد الكفر أن يكون على علم وبصيرة في دينه، كما كان جعفر رضي الله عنه.
الوجه الرابع::
المسألة الأولى (1): أحكام الرؤى
توطئة: – فمرائي الأنبياء والصالحين فيها منافع مهمة، وثمرات طيبة، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: “وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان، وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف -عليه السلام- وما جاء في الآثار الصحاح فيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها، وعلى أنها حكمة بالغة، ونعمة يمن الله بها على من يشاء، وهي المبشرات الباقية بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-” [التمهيد: 24/ 49].-
“ما أقسام الناس بالنسبة للرؤيا، فإن الناس فيها أقسام:
فأما الأول فهم: الأنبياء، ورؤياهم كلها صدق ووحي معروفة. وأما الصالحون الغالب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.
– مسألة مهمة: هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟
أما رؤى الأنبياء حق ووحي يؤخذ منها أحكام، أما رؤى الناس بشارات، نذر، إخبار عن أشياء تقع في المستقبل، هكذا، وليست مجالاً ولا مأخذاً للأحكام”.
وإليك هذا التفصيل:
1. الرؤيا الصادقة وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. (البخاري 6472 ومسلم 4201)
2. والرؤيا مبدأ الوحي. (البخاري 3 وسلم 231)
3. وصدقها بحسب صدق الرائي، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا. (مسلم 4200)
- وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها فيكون للمؤمنين شيء من العوض بالرؤيا التي فيها بشارة لهم أو تصبير وتثبيت على الدّين. (البخاري 6499 وسلم 4200)
ونظير هذا الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصحابة ولم تظهر عليهم لاستغنائهم عنها بقوة إيمانهم واحتياج من بعدهم إليها لضعف إيمانهم.
5. والأحلام ثلاثة أنواع منها رحماني ومنها نفساني ومنها شيطاني وقال النبي صلى الله عليه وسلم “الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام”. (البخاري 6499 ومسلم 4200)
6. ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام.
7. وأما رؤيا غير الأنبياء فتُعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها. وهذا مسألة خطيرة جدا ضلّ بها كثير من المُبتدعة من الصوفية وغيرهم.
8. ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة ويذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة.
9. وأصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية.
انظر لما سبق ” مدارج السالكين ” (1/ 50 – 52).وقال الحافظ ابن حجر:
10. جميع المرائي تنحصر على قسمين:
أ. الصادقة، وهي رؤيا الأنبياء ومَن تبعهم مِن الصالحين، وقد تقع لغيرهم بندور (أي نادرا كالرؤيا الصحيحة التي رآها الملك الكافر وعبّرها له النبي يوسف عليه السلام) والرؤيا الصّادقة هي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم.
ب. والأضغاث وهي لا تنذر بشيء، وهي أنواع:
الأول: تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه، أو رأى أنه واقع في هَوْل ولا يجد من ينجده، ونحو ذلك.
والثاني: أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا، ونحوه من المحال عقلاً.
الثالث: أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام، وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة، أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيراً وعن الماضي قليلاً.
انظر: ” فتح الباري ” (12/ 352 – 354).
11. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها: فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره: فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره “. رواه البخاري (6584) ومسلم (5862).
– وعن أبي قتادة قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” الرؤيا الصالحة من الله، والحلُم من الشيطان، فمَن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره”.
رواه البخاري (6594) ومسلم (5862).
والنفث: نفخ لطيف لا ريق معه.
– وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه “.
رواه مسلم (5864).
قال ابن حجر: فحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء:
أ. أن يحمد الله عليها.
ب. وأن يستبشر بها.
ج. وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره.
وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء:
أ. أن يتعوذ بالله من شرها.
ب. ومن شر الشيطان.
ج. وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا.
د. ولا يذكرها لأحد أصلاً.
هـ. ووقع (في البخاري) في باب القيد في المنام عن أبي هريرة خامسة وهي الصلاة ولفظه فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصّه على أحد وليقم فليصلّ ووصله الإمام مسلم في صحيحه.
و. وزاد مسلم سادسة وهي: التحول من جنبه الذي كان عليه …..
وفي الجملة فتكمل الآداب ستة، الأربعة الماضية، وصلاة ركعتين مثلا والتحوّل عن جنبه إلى النوم على ظهره مثلا.
انظر: ” فتح الباري ” (12/ 370).
21. وفي حديث أبي رزين عند الترمذي ولا يقصها إلا على وادّ بتشديد الدال اسم فاعل من الوُدّ أو ذي رأي وفي أخرى ولا يحدِّث بها إلا لبيبا أو حبيبا وفي أخرى ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح قال القاضي أبو بكر بن العربي أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعْلِمه بما يعوّل عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فان عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت.
انظر: ” فتح الباري ” (12/ 369).
قال الإمام البغوي:
13. واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساماً، فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب، أو من جهة السنة، أو من الأمثال السائرة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقَلْب (أي العكس). أ. هـ ” شرح السنة ” (12/ 220).
وذكر رحمه الله أمثلة، ومنها:
= فالتأويل بدلالة القرآن: كالحَبْل، يعبَّر بالعهد، لقوله تعالى واعتصموا بحبل الله.
= والتأويل بدلالة السنة: كالغراب يعبر بالرجل الفاسق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقاً.
= والتأويل بالأمثال: كحفر الحفرة يعبَّر بالمكر، لقولهم: من حفر حفرة وقع فيها.
= والتأويل بالأسماء: كمن رأى رجلا يسمى راشداً يعبَّر بالرُشْد.
= والتأويل بالضد والقلب: كالخوف يعبر بالأمن لقوله تعالى (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً).
- أما كتاب ” تفسير المنام ” المنسوب لابن سيرين: فقد شكك كثير من الباحثين في نسبته إليه، وعليه: فلا يجزم بتلك النسبة لهذا الإمام العلَم. والله أعلم [آداب الرؤى وتفسير الأحلام].
——–
المسألة الثانية (2): أحكام الهجرة
أولاً: تعريف الهجرة:
الهجرة لغة:
اسمٌ من هجر يهجُر هَجْرا وهِجرانا. (انظر: لسان العرب:8 – 4616).
قال ابن فارس: “الهاء والجيم والراء أصلان، يدل أحدهما على قطيعة وقطع، والآخر على شد شيء وربطه. فالأول الهَجْر: ضد الوصل، وكذلك الهِجْران، وهاجر القوم من دار إلى دار: تركوا الأولى للثانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكة إلى المدينة” (معجم مقاييس اللغة:6 – 34).
وضبط ابن منظور أيضاً التي بمعنى الخروج من أرض إلى أرض بضم الهاء: الهُجْرة. (انظر: لسان العرب:8 – 4617).ويكون الهجر بالقلب واللسان والبدن. (انظر: التوقيف على مهمات التعاريف:738).
فمن الهجر بالبدن قوله تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) [النساء:34].
ومن الهجر باللسان قول عائشة رضي الله عنها لما قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم” قالت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك (أخرجه البخاري:5228).
ومن الهجر بالقلب ما جاء في حديث: “من الناس من لا يذكر الله إلا مهاجراً” (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه:33862)، قال ابن الأثير نقلاً عن الهروي: “يريد هِجران القلب وترك الإخلاص في الذكر، فكأنّ قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له” (النهاية:5 – 245).
وقد تجتمع هذه الوجوه كلها أو بعضها في بعض أنواع الهجر.
الهجرة شرعاً: عرّفها غير واحد بأنها ترك دار الكفر والخروج منها إلى دار الإسلام (انظر: التعريفات للجرجاني:256، والمفردات للراغب:537، وجامع العلوم والحكم لابن رجب:1/ 72 – 73).
وأعم منه ما قاله الحافظ ابن حجر: “الهجرة في الشرع ترك ما نهى الله عنه” (فتح الباري:1 – 16)، وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “المهاجر من هجر ما نهى الله عنه” (أخرجه البخاري:10)، وهي تشمل الهجرة الباطنة والهجرة الظاهرة، فأما الهجرة الباطنة فهي ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء وما يزيّنه الشيطان، وأما الظاهرة فهي الفرار بالدين من الفتن (انظر: فتح الباري:1 – 54)، والأولى أصل للثانية.
ولما كانت الثانية أعظم أمارات الأولى وأكمل نتائجها خص بعض العلماء التعريف بها كما تقدم. ثم لما كانت هجرته -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة أشرف الهجرات وأشهرها انصرف اللفظ عند الإطلاق إليها.
وأما لفظ الهجرتين فهو عند الإطلاق يراد به من هاجر إلى الحبشة قال صلى الله عليه وسلم لهم (لكم هجرتان) (انظر: لسان العرب:8 – 4617).
ثانيًا: الأدلة الواردة في الهجرة: أ. القرآن الكريم:
1 – قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:218].
2 – قال الله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [النساء: (89)].
3 – قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: (97) -100].
4 – قال الله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
5 – قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ) [الأنفال: (72) -73].
6 – قال الله تعالى: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].
7 – قال الله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت: (26)].
8 – قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً) [المزمل: 10].
9 – قال الله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر: 5].
ب. أما الأدلة من السنة:
1 – عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال لي: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أما عملت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟! وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟! وأن الحج يهدم ما كان قبله؟! ” (أخرجه مسلم: (121)).
2 – عن أبي فاطمة الإيادي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ اللهِ! حدِّثني بعملٍ أستقيم عليه وأعملُه: “عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها” (رواه النسائي: (4178)، وصححه الألباني وهو في الصحيح المسند 1245)
3 – عن عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتابِ اللهِ، وَأَقْدَمُهُمْ قِراءَةً، فإنْ كانَتْ قِراءَتُهُمْ سَواءً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فإنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَواءً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا” (رواه مسلم: (673)).
4 – عن سبرة بن الفاكه المخزومي الأسد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ الشَّيطانَ قعدَ لابنِ آدمَ بأطرُقِهِ، فقعدَ لَهُ بطريقِ الإسلامِ، فقالَ: تُسلمُ وتذرُ دينَكَ ودينَ آبائِكَ وآباءِ أبيكَ، فعَصاهُ فأسلمَ، ثمَّ قعدَ لَهُ بطريقِ الهجرةِ، فقالَ: تُهاجرُ وتدَعُ أرضَكَ وسماءَكَ، وإنَّما مثلُ المُهاجرِ كمَثلِ الفرسِ في الطِّولِ، فعَصاهُ فَهاجرَ، ثمَّ قعدَ لَهُ بطريقِ الجِهادِ، فقالَ: تُجاهدُ فَهوَ جَهْدُ النَّفسِ والمالِ، فتُقاتلُ فتُقتَلُ، فتُنكَحُ المرأةُ، ويُقسَمُ المالُ، فعصاهُ فجاهدَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ: فمَن فعلَ ذلِكَ كانَ حقًّا على اللَّهِ عزَّ وجلَّ أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ، ومن قُتِلَ كانَ حقًّا على اللَّهِ عزَّ وجلَّ أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ، وإن غرِقَ كانَ حقًّا على اللَّهِ أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ، أو وقصتهُ دابَّتُهُ كانَ حقًّا على اللَّهِ أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ” (رواه النسائي: (3134)، وصححه الألباني).
قال سيف وصاحبه: قال العراقي: إسناده صحيح كما في تخريج الاحياء. ونقل صاحب أنيس الساري تحسين ابن حجر: وقال: وهو كما قال (تخريجنا لنضرة النعيم)
فهو على شرط الذيل على الصحيح المسند
5 – عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أَنا زعيمٌ، والزَّعيمُ الحميلُ لمن آمنَ بي، وأسلمَ وَهاجرَ ببيتٍ في رَبضِ الجنَّةِ، وببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ” (رواه النسائي: (3133) وهو في الصحيحة 273. وكذلك في الصحيح المسند 1062).
6 – عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ أَيُّ الإيمانِ أَفضَلُ؟ قال: “الهجرة” (أخرجه أحمد في مسنده: (17027)، وصححه شعيب الأرنؤوط).
قال سيف وصاحبه: هو في مسلم 832 وفيه زيادات وكذلك عند أحمد زيادات منها (فرجعت إلى أهلي [وقد أسلمت]، ومنها (فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين) وعند أحمد (ثم يقوم فيحمد الله عزوجل ويثني عليه بالذي هو أهل ثم يركع ركعتين) أما في مسلم (قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه) فصار الحمد والثناء بمجموع الروايتين؛ بعد الوضوء وفي الصلاة
وانظر معرفة الصحابة لأبي نعيم فقد ذكر عدة رواة عن أبي أمامة كذلك؛ سليم بن عامر وضمرة بن حبيب ونعيم وزكريا وابواسلام الدمشقي وعمرو بن عبدالله الشيباني
وذكره الدارقطني في سننه من طريق أخرى عن عكرمة به وقال: هذا ثابت صحيح، وكما ذكرنا هو في مسلم
وراجع الصحيحة 551.
انتهى من تخريجنا لنضرة النعيم
7 – عن الحارث بن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله” (رواه الترمذي: (2863)، وصححه الألباني. وهو في الصحيح المسند 285).
8 – عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ ” قال: الله ورسوله أعلم، فقال: “المهاجرون، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول الخزنة: أوقد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب؟! وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك. قال: فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس” (أخرجه الحاكم: (2389)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (96)).
قلت سيف: هو في مسلم لكن بلفظ 2979 حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا بن وهب أخبرني أبو هانئ سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال * ألسنا من فقراء المهاجرين فقال له عبد الله ألك امرأة تأوي إليها قال نعم قال ألك مسكن تسكنه قال نعم قال فأنت من الأغنياء قال فإن لي خادما قال فأنت من الملوك \ 1 \ # 2979 قال أبو عبد الرحمن وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وأنا عنده فقالوا يا أبا محمد إنا والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لهم ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم * يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا قالوا فإنا نصبر لا نسأل شيئا
وذكره ابوعوانه في مستخرجه
7471 – حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْلَمُونَ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ” فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يَاتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَسْتَفْتِحُونَ فَيَقُولُ لَهُمُ الخَزَنَةُ: أوَحُوسِبْتُمْ؟، قَالُوا: بِأَيِّ شَيْءٍ يُحَاسِبُونَا إِنَّمَا كَانَتْ أَسْيَافُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى مِتْنَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: فَتُفْتَحُ لَهُمْ، قَالَ: فَيَقِيلُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ عَامًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا النَّاسُ ”
فهذه الزيادة على شرط الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيحين)
9 – عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هلْ لكَ في حِصْنٍ حَصِينٍ ومَنْعَةٍ؟ قالَ: “حِصْنٌ كانَ لِدَوْسٍ في الجاهِلِيَّةِ، فأبى ذلكَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصارِ، فَلَمّا هاجَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المَدِينَةِ، هاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو وهاجَرَ معهُ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فأخَذَ مَشاقِصَ له، فَقَطَعَ بها بَراجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَداهُ حتّى ماتَ، فَرَأَىهُ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو في مَنامِهِ، فَرَأَىهُ وهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورَأَىهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فقالَ له: ما صَنَعَ بكَ رَبُّكَ؟ فقالَ: غَفَرَ لي بهِجْرَتي إلى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقالَ: ما لي أراكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قالَ: قيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ ما أفْسَدْتَ، فَقَصَّها الطُّفَيْلُ على رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: اللَّهُمَّ ولِيَدَيْهِ فاغْفِرْ (رواه مسلم: (116)).
قلت سيف: ضعفه بعض أهل الأئمة
10 – عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رجلًا سألَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أيُّ الهجرةِ أفضلُ؟ قالَ: “أَن تَهْجرَ ما كرِهَ ربُّكَ وَهُما هجرتانِ هِجرةُ الحاضرِ وَهِجرةُ البادي فأمّا هجرةُ البادي فيُطيعُ إذا أُمِرَ ويُجيبُ إذا دُعِيَ وأمّا هجرةُ الحاضرِ فَهيَ أشدُّهما بليَّةً وأعظمُهُما أجرًا” (رواه أحمد: (11) – (62)، وصححه أحمد شاكر وهو في الصحيح المسند 795).
11 – عن مجاهد بن جبر المكي قال: قُلتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما: إنِّي أُرِيدُ أنْ أُهاجِرَ إلى الشَّامِ، قالَ: لا هِجْرَةَ، ولَكِنْ جِهادٌ، فانْطَلِقْ فاعْرِضْ نَفْسَكَ، فإنْ وجَدْتَ شيئًا وإلّا رَجَعْتَ. وقالَ النَّضْرُ: أخْبَرَنا شُعْبَةُ، أخْبَرَنا أبو بشْرٍ، سَمِعْتُ مُجاهِدًا، قُلتُ لِابْنِ عُمَرَ: فقالَ: لا هِجْرَةَ اليومَ أوْ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ (رواه البخاري: (4309)، قوله: وَقَالَ النَّضْرُ … معلق).
قلت سيف: في تغليق التعليق:
4310 – وَقَالَ النَّضْرُ أَنا شُعْبَةُ أَنا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ انْتَهَى
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى الإِسْمَاعِيلِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ نَاجِيَةَ وَالْقَاسِمُ وَمَكِّيٌّ قَالُوا ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنا النَّضْرُ أَنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّامِ قَالَ لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن جِهَادٌ فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ فَإِنْ أَصَبْتَ شَيْئًا وَإِلا فَارْجِعْ لَفْظُ ابْنِ نَاجِيَةَ
وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ
فهو على شرط الذيل على الصحيح المسند
12 – عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ يَومَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: “لا هِجْرَةَ، ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ، فانْفِرُوا” (رواه البخاري: (1834)).
13 – عن عطاء بن أبي رباح قال زُرْتُ عائِشَةَ مع عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْناها عَنِ الهِجْرَةِ فَقالَتْ: “لا هِجْرَةَ اليَومَ، كانَ المُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أحَدُهُمْ بدِينِهِ إلى اللَّهِ تَعالى، وإلى رَسولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، مَخافَةَ أنْ يُفْتَنَ عليه، فأمّا اليومَ فقَدْ أظْهَرَ اللَّهُ الإسْلامَ، واليومَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شاءَ، ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ” (أخرجه البخاري: (3900)، ومسلم: (1864)).
14 – عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “ستكون هجرةٌ بعد هجرةٍ فخيارُ أهلِ الأرضِ ألزمُهم مهاجرَ إبراهيمَ ويبقى في الأرضِ شرارُ أهلِها تلفظُهم أرَضُوهم تقذُرُهم نفسُ اللهِ وتحشُرهُم النّارُ مع القِردةِ والخنازيرِ” (أخرجه أبو داود: (2482)، وأحمد في مسنده: (11) – (153)، وصححه الألباني في الصحيحة رقم:3203).
15 – عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه قال: بَلَغَنا مَخْرَجُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ونَحْنُ باليَمَنِ، فَخَرَجْنا مُهاجِرِينَ إلَيْهِ أنا وأَخَوانِ لي أنا أصْغَرُهُمْ، أحَدُهُما أبو بُرْدَةَ، والآخَرُ أبو رُهْمٍ، إمّا قالَ: بضْعٌ، وإمّا قالَ: في ثَلاثَةٍ وخَمْسِينَ، أوِ اثْنَيْنِ وخَمْسِينَ رَجُلًا مِن قَوْمِي، فَرَكِبْنا سَفِينَةً، فألْقَتْنا سَفِينَتُنا إلى النَّجاشِيِّ بالحَبَشَةِ، فَوافَقْنا جَعْفَرَ بنَ أبِي طالِبٍ، فأقَمْنا معهُ حتّى قَدِمْنا جَمِيعًا، فَوافَقْنا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وكانَ أُناسٌ مِنَ النّاسِ يقولونَ لَنا، يَعْنِي لأهْلِ السَّفِينَةِ: سَبَقْناكُمْ بالهِجْرَةِ، ودَخَلَتْ أسْماءُ بنْتُ عُمَيْسٍ، وهي مِمَّنْ قَدِمَ معنا، على حَفْصَةَ زَوْجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- زائِرَةً، وقدْ كانَتْ هاجَرَتْ إلى النَّجاشِيِّ فِيمَن هاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ على حَفْصَةَ، وأَسْماءُ عِنْدَها، فَقالَ عُمَرُ حِينَ رَأى أسْماءَ: مَن هذِه؟ قالَتْ: أسْماءُ بنْتُ عُمَيْسٍ، قالَ عُمَرُ: الحَبَشِيَّةُ هذِه البَحْرِيَّةُ هذِه؟ قالَتْ أسْماءُ: نَعَمْ، قالَ: سَبَقْناكُمْ بالهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أحَقُّ برَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنكُمْ، فَغَضِبَتْ وقالَتْ: كَلّا واللَّهِ، كُنْتُمْ مع رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُطْعِمُ جائِعَكُمْ، ويَعِظُ جاهِلَكُمْ، وكُنّا في دارِ -أوْ في أرْضِ- البُعَداءِ البُغَضاءِ بالحَبَشَةِ، وذلكَ في اللَّهِ وفي رَسولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وايْمُ اللَّهِ لا أطْعَمُ طَعامًا ولا أشْرَبُ شَرابًا، حتّى أذْكُرَ ما قُلْتَ لِرَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ونَحْنُ كُنّا نُؤْذى ونُخافُ، وسَأَذْكُرُ ذلكَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأَسْأَلُهُ، واللَّهِ لا أكْذِبُ ولا أزِيغُ، ولا
أزِيدُ عليه. فَلَمّا جاءَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قالَتْ: يا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ عُمَرَ قالَ: كَذا وكَذا؟ قالَ: فَما قُلْتِ له؟ قالَتْ: قُلتُ له: كَذا وكَذا، قالَ: “ليسَ بأَحَقَّ بي مِنكُمْ، وله ولِأَصْحابِهِ هِجْرَةٌ واحِدَةٌ، ولَكُمْ أنتُمْ -أهْلَ السَّفِينَةِ- هِجْرَتانِ، قالَتْ: فَلقَدْ رَأَيْتُ أبا مُوسى وأَصْحابَ السَّفِينَةِ يَاتُونِي أرْسالًا، يَسْأَلُونِي عن هذا الحَديثِ، ما مِنَ الدُّنْيا شيءٌ هُمْ به أفْرَحُ ولا أعْظَمُ في أنْفُسِهِمْ ممّا قالَ لهمُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، قالَ أبو بُرْدَةَ: قالَتْ أسْماءُ: فَلقَدْ رَأَيْتُ أبا مُوسى وإنَّه لَيَسْتَعِيدُ هذا الحَدِيثَ مِنِّي” (رواه البخاري: (4230)).
16 – عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ” (رواه مسلم (2948)).
17 – عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال قال رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يقيمُ بين أظهُرِ المشركينَ” قالوا: يا رسولَ اللهِ لم قال: “لا تراءى ناراهُما” (رواه أبو داود: (2645)، وصححه الألباني وهو في الصحيح المسند 322).
18 – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب. فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا، فقتله، فكمّل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجلٍ عالمٍ. فقال: إنه قتل مائة نفسٍ، فهل له من توبةٍ؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا؟ فإن بها أُناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوءٍ. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم: فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة” (أخرجه البخاري:3470، ومسلم:2766).
19 – عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تَنقطِعُ الهِجرةُ حتّى تَنقطِعَ التَّوبةُ، ولا تَنقطِعُ التَّوبةُ حتّى تطلُعَ الشَّمسُ مِن مغرِبِها” (رواه أبو داود: (2479)، وصححه الألباني). فيه أبي هند البجلي الراوي عن معاوية مجهول. قال محققو المسند لكن ورد من طريق مالك بن يخامر عن عبدالرحمن بن عوف وعبدالله بن عمرو وقرن معهما معاوية أخرجه أحمد 1671 وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند … ولفظه عند أحمد:
1671 – حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ يَرُدُّهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ عَنِ ابْنِ السَّعْدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتَلُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَل
حسنه محقق كشف الأستار (1747)
وأبو تراب في منتخب الأخبار
قال ابن كثير: إسناد حسن
وقال الإلباني في الصحيحة (4\ 240) إسناد صحيح رجاله ثقات
و راجع الإرواء (5/ 33)
وكذلك حسنه محققوا المسند َ
20 – عن جنادة بن أبي أمية رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ الهجرةَ لا تنقطعُ ما كانَ الجِهادُ” (أخرجه أحمد:4 – 99، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (1674). ومقبل في الصحيح المسند 263).
21 – عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ” (أخرجه البخاري: (10)، ومسلم: (40)).
22 – عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لِامْرِئٍ ما نَوى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ” (رواه البخاري: (6689)، ومسلم: (1907)).
23 – عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بيْنَ لَابَتَيْنِ”، وَهُما الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَن هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذلكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وَرَجَعَ إلى المَدِينَةِ بَعْضُ مَن كانَ هَاجَرَ إلى أَرْضِ الحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “عَلَى رِسْلِكَ، فإنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي”، قالَ أَبُو بَكْرٍ: هلْ تَرْجُو ذلكَ بأَبِي أَنْتَ؟ قالَ: “نَعَمْ”، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ” (رواه البخاري: (2297)).
24 – عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: لَقَلَّ يَوْمٌ كانَ يَاتي على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إلّا يَاتي فيه بَيْتَ أبِي بَكْرٍ أحَدَ طَرَفَيِ النَّهارِ، فَلَمّا أُذِنَ له في الخُرُوجِ إلى المَدِينَةِ، لَمْ يَرُعْنا إلّا وقدْ أتانا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ به أبو بَكْرٍ، فَقالَ: ما جاءَنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذِه السّاعَةِ إلّا لأمْرٍ حَدَثَ، فَلَمّا دَخَلَ عليه قالَ لأبِي بَكْرٍ: “أخْرِجْ مَن عِنْدَكَ”، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّما هُما ابْنَتايَ، يَعْنِي عائِشَةَ وأَسْماءَ، قالَ: “أشَعَرْتَ أنَّه قدْ أُذِنَ لي في الخُرُوج” قالَ: الصُّحْبَةَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: “الصُّحْبَةَ”، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ عِندِي ناقَتَيْنِ أعْدَدْتُهُما لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إحْداهُما، قالَ: قدْ أخَذْتُها بالثَّمَنِ (رواه البخاري: (2138)).
25 – عن أبي عثمان النهدي قال: أنَّ صُهيبًا حينَ أراد الهجرةَ إلى المدينةِ قال له كفّارُ قُرَيشٍ: أتَيْتَنا صُعلوكًا فكثُر مالُكَ عندَنا وبلَغْتَ ما بلَغْتَ ثمَّ تُريدُ أنْ تخرُجَ بنفسِكَ ومالِكَ واللهِ لا يكونُ ذلكَ فقال لهم: أرأَيْتُم إنْ أعطَيْتُكم مالي أتُخَلُّونَ سبيلي؟ فقالوا: نَعم فقال: أُشهِدُكم أنِّي قد جعَلْتُ لهم مالي فبلَغ ذلك النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: “ربِح صُهَيْبٌ ربِح صُهَيْبٌ” (أخرجه ابن حبان في صحيحه: (7082)، وقال الألباني في فقه السيرة: (157): صحيح، لم نجده مسنداً، لكن أورده ابن هشام في السيرة: (1) – (477)).
قلت سيف: ذكره ابن سعد عن هوذة بن خليفة أخبرنا عوف عن أبي عثمان قال بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة. …
ورواه غيره عن عوف عن أبي عثمان النهدي أن صهيبا. …
بينما رواه جعفر بن سليمان الضبعي ثنا عوف عن أبي عثمان النهدي عن صهيب. ….
فربما يقصد عن قصة صهيب. لذا قال البوصيري صحيح أن كان أبي عثمان سمعه من صهيب
26 – عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في بَيْتِ أبِي بَكْرٍ، حِينَ أرادَ أنْ يُهاجِرَ إلى المَدِينَةِ، قالَتْ: فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ، ولا لِسِقائِهِ ما نَرْبِطُهُما به، فَقُلتُ لأبِي بَكْرٍ: واللَّهِ ما أجِدُ شيئًا أرْبِطُ به إلّا نِطاقِي، قالَ: فَشُقِّيهِ باثْنَيْنِ، فارْبِطِيهِ: بواحِدٍ السِّقاءَ، وبِالْآخَرِ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ، فَلِذلكَ سُمِّيَتْ ذاتَ النِّطاقَيْنِ (رواه البخاري: (3907)).
27 – عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لمكَّةَ: “ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سَكَنتُ غيرَكِ” (رواه الترمذي: (3926)، وصححه الألباني). وهو في الصحيح المسند من حديث عبدالله بن عدي بن حمراء 710 وصححه من هذا الوجه ابن عبدالبر نقله عنه ابن حجر في الفتح. وألزم الدارقطني به الشيخين كما في تخريج الكشاف.
28 – عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قُلتُ للنبيِّ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: وأَنا في الغارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا، فَقالَ: “ما ظَنُّكَ يا أبا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما” (رواه البخاري: (3653)، ومسلم: (2381)).
29 – عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لَمّا أقْبَلَ النبيُّ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلى المَدِينَةِ تَبِعَهُ سُراقَةُ بنُ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ، فَدَعا عليه النبيُّ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَساخَتْ به فَرَسُهُ قالَ: ادْعُ اللَّهَ لي ولا أضُرُّكَ، فَدَعا له، قالَ: فَعَطِشَ رَسولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَمَرَّ براعٍ، قالَ أبو بَكْرٍ: فأخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فيه كُثْبَةً مِن لَبَنٍ، فأتَيْتُهُ فَشَرِبَ حتّى رَضِيتُ (رواه البخاري: (3908)، ومسلم: (2009)).
30 – عن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه قال: جاءَتْنا رُسُلُ كفّارِ قُريشٍ يجعَلونَ في رسولِ اللهِ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وأبي بكرٍ دِيَةَ كلِّ واحدٍ منهما لِمَن قتَلهما أو أسَرهما قال: فبينما أنا جالسٌ في مجلِسٍ مِن مجالسِ قومي بني مُدلِجٍ أقبَل رجُلٌ منها حتّى قام علينا فقال: يا سُراقةُ إنِّي رأَيْتُ آنفا أَسوِدَةً بالسّاحلِ لا أُراها إلّا محمَّدًا وأصحابَه قال سُراقةُ: فعرَفْتُ أنَّهم هم فقُلْتُ: إنَّهم ليسوا بهم ولكنَّك رأَيْتَ فلانًا وفلانًا انطلَقوا بنا ثمَّ لبِثْتُ في المجلِسِ ساعةً ثمَّ قُمْتُ فدخَلْتُ بيتي فأمَرْتُ جاريتي أنْ تُخرِجَ لي فرَسي وهي مِن وراءِ أكَمَةٍ فتحبِسَها علَيَّ وأخَذْتُ رُمحي فخرَجْتُ به مِن ظَهرِ البيتِ فخطَطْتُ به الأرضَ فأخفَضْتُ عاليةَ الرُّمحِ حتّى أتَيْتُ فرَسي فركِبْتُها ورفَعْتُها تُقرِّبُ بي حتّى إذا رأَيْتُ أَسْوِدَتَهم فلمّا دنَوْتُ مِن حيث يُسمِعُهم الصَّوتُ عثَر بي فرَسي فخرَرْتُ عنها فأهوَيْتُ بيدي إلى كِنانتي فاستخرَجْتُ الأزلامَ فاستقسَمْتُ بها فخرَج الَّذي أكرَهُ فعصَيْتُ الأزلامَ وركِبْتُ فرَسي ورفَعْتُها تُقرِّبُ بي حتّى إذا سمِعْتُ قراءةَ رسولِ اللهِ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو لا يلتفتُ وأبو بكرٍ يُكثِرُ الالتفاتَ ساخَتْ يدا فرَسي في الأرضِ حتّى بلَغَتا الرُّكبتَيْنِ فخرَرْتُ عنها فزجَرْتُها فنهَضْتُ ولم تكَدْ تُخرِجُ يدَيْها فلمّا استوَتْ قائمةً إذا عُثانٌ ساطِعٌ في السَّماءِ قال مَعمَرٌ: قُلْتُ لأبي عمرِو بنِ العَلاءِ: ما العُثانُ؟ فسكَت ساعةً ثمَّ قال: هو الدُّخانُ مِن غيرِ نارٍ قال مَعمَرٌ: قال الزُّهريُّ في حديثِه: فاستقسَمْتُ بالأزلامِ فخرَج الَّذي أكرَهُ ألّا أضُرَّهم فنادَيْتُهما بالأمانِ فوقَفا فركِبْتُ فرَسي حتّى جِئْتُهم ووقَع في نفسي حتّى لقِيتُ مِن الحَبْسِ عنهم أنَّه سيظهَرُ أمرُ رسولِ اللهِ -صَلّى
اللهُ عليه وسلَّمَ- فقُلْتُ: إنَّ قومَك قد جعَلوا فيك الدِّيَةَ وأخبَرْتُهم مِن أخبارِ أسفارِهم وما يُريدُ النّاسُ بهم وعرَضْتُ عليهم الزّادَ والمتاعَ فلَمْ يرزَؤُوني شيئًا ولَمْ يسأَلوني إلّا أنْ قالوا: أَخْفِ عنّا فسأَلْتُه أنْ يكتُبَ لي كتابَ مُوادَعةٍ فأمَر به عامرَ بنَ فُهَيرةَ فكتَب لي في رُقعةٍ مِن أَدَمٍ بيضاءَ.
قلت سيف: ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحن من رواية الزهري عن عروة من حديث عائشة أخرجه البخاري 3906 عزاه إليه في جامع الأصول مطولا ومن ضمنه حديث الزهري أن عبدالرحمن لن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: …..
31 – عن أم سلمة هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسولَ اللَّهِ لا أسمعُ اللَّهَ ذَكرَ النِّساءَ في الهجرَةِ فأنزلَ اللَّهُ تبارك وتعالى (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ” (رواه الترمذي: (3023)، وقال الألباني: صحيح لغيره).
حكم الترمذي بارساله لأن مجاهد لم يسمع أم سلمة.
وذكر من حديث أم سلمة أخرجه أحمد 26575 بمعناه وقلنا على شرط الذيل.
وورد عن سلمه من ولد أم سلمه … وسلمه روى عنه عدد ونسبه أبو يعلى سلمه بن عمر بن أبي سلمه
وولي القضاء كما في أخبار القضاة فيمكن أن نضعه من طريق سلمه من ولد أم سلمة على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
ثالثا: بعض أقوال العلماء:
1. قال زكريا الأنصاري الشافعي في كتابه “أسنى المطالب” (4/ 207):
تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ عَلَى مُسْتَطِيعٍ لَهَا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ اهـ.
- وقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ المالكي: الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ , وَكَانَتْ فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. من “نيل الأوطار” (8/ 33) للشوكاني.
وفي “الموسوعة الفقهية” (20/ 206):
دَارُ الْحَرْبِ: هِيَ كُلُّ بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً. (من) الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ: الْهِجْرَةُ. قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّاسَ فِي شَانِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ:أ – مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ , وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا , وَلا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى لا تَجِدُ مَحْرَمًا , إنْ كَانَتْ تَامَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي الطَّرِيقِ , أَوْ كَانَ خَوْفُ الطَّرِيقِ أَقَلَّ مِنْ خَوْفِ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. . .
ب – مَنْ لا هِجْرَةَ عَلَيْهِ: وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا , إمَّا لِمَرَضٍ , أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ , أَوْ ضَعْفٍ كَالنِّسَاءِ , وَالْوِلْدَانِ. لقوله تعالى: (إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا).
ج – مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ , وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ , وَهُوَ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْجِهَادِ , وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. باختصار3.
قال ابن حجر رحمه الله: “.” (لا هجرة بعد الفتح” أي: فتح مكة، أو المراد ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها، فلا تجب الهجرة من بلد فتحه المسلمون، أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة: الأول: قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه ولا أداء واجباته، فالهجرة منه واجبة.
الثاني: قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم.
الثالث: عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر” (فتح الباري:6 – 190).
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (9/ 236) مبينا أصناف الناس في حكم الهجرة:
” فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: ثم ذكر بنحو كلام ابن حجر
قال النووي رحمه الله عند حديث: “أما عملت أن الإسلام يهدم ما كان قبله”: “فيه عظيم موقع الإسلام والهجرة والحج، وأن كل واحد منها يهدم ما كان قبله من المعاصي” (شرح مسلم:2 – 497).
4. قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: “إظهاره دينَه -المسلم الذي يعيش بين المشركين- ليس مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا وغير ذلك، إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلال” (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم:1/ 91 – 92).
- قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكره لحديث: “ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجَرَ إبراهيم” قال: “فقد أخبر أن خير أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام، وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حران وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم ودين نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلى المدينة لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم تعدل مهاجر نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة” (مناقب الشام وأهله:80).
6. قال النووي رحمه الله: “قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين والورعين ومن يقتدى بهم، وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته” (شرح صحيح مسلم:17 – 82).
7. قال ابن حجر رحمه الله: “فيه -أي حديث قاتل المائة نفس- فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها، وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه، ولهذا قال له الأخير: ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها” (فتح الباري:6/ 517 – 518).
8. قال النووي رحمه الله: “قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وتأولوا هذا الحديث -أي حديث: “لا هجرة بعد الفتح”- تأولين: أحدهما: لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام، فلا تتصور منها الهجرة.
الثاني: وهو الأصح، أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازاً ظاهراً انقطعت بفتح مكة ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة، لأن الإسلام قوي وعز بعد فتح مكة عزاً ظاهراً بخلاف ما قبله” (شرح مسلم:13 – 8).
9. قال الآلوسي رحمه الله: “اعتذروا عن تقصيرهم في إظهار الإسلام، وإدخالهم الخلل فيه بالاستضعاف والعجز عن القيام بمواجب الدين بين أهل مكة، فلذا قعدوا وناموا، أو تعللوا عن الخروج معهم، والانتظام في ذلك الجمع المكسر بأنهم كانوا مقهورين تحت أيديهم، وأنهم فعلوا ذلك كارهين، وعلى التقديرين لم تقبل الملائكة ذلك منهم، كما يشير إليه قوله سبحانه: (قالوا) أي: الملائكة (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) أي: إن عذركم عن ذلك التقصير بحلولكم بين أهل تلك الأرض أبرد من الزمهرير، إذ يمكنكم حل عقدة هذا الأمر الذي أحل بدينكم بالرحيل إلى قطر آخر من الأرض، تقدرون فيه على إقامة أمور الدين، كما فعل من هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة، أو إن تعللكم عن الخروج مع أعداء الله تعالى لما يغيظ رسوله صلى الله عليه وسلم بأنكم مقهورون بين أولئك الأقوام غير مقبول؛ لأنكم بسبيل من الخلاص عن قهرهم، متمكنون من المهاجرة عن مجاورتهم والخروج من تحت أيديهم (فأولئك) الذين شرحت حالهم الفظيعة (مأواهم) أي: مسكنهم في الآخرة (جهنم) لتركهم الفريضة المحتومة، فقد كانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام” ().
10. قال الله تعالى: (وَلا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [النور:22] قال الطبري رحمه الله: “هم الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم في جهاد أعداء الله، وكان مِسْطَح منهم؛ لأنه كان ممن هاجر من مكة إلى المدينة” (جامع البيان؛ للطبري).
- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: عند قوله تعالى: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (وَقَالَ) إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا: (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) أي: هاجر أرض السوء، ومهاجر إلى الأرض المباركة، وهي الشام، (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) أي: الذي له القوة، وهو يقدر على هدايتكم، ولكنه حَكِيمٌ ما اقتضت حكمته ذلك” (تيسير الكريم الرحمن؛ للشيخ ابن سعدي). [انظر: الهجرة]
رابعًا حكم الإقامة في بلد الكفار؟
أولا: إقامة المسلم في بلاد الكفر، قد أفتى أهل العلم بأن الأصل عدم جوازها، وذلك للآتي:
1 – ورود الأحاديث النبوية بالنهي عن إقامة المسلم في بلاد الكفر، والأمر بمفارقة الكفار؛ ومن ذلك:
ما ورد عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، وصححه الألباني في ” إرواء الغليل ” (5/ 29 – 30).
قال الحافظ ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) قال: وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يَامَن عَلَى دِينه اهـ. “فتح الباري” شرح حديث رقم (2825).
وعَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ جَرِيرٌ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ، وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: (أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ) رواه النسائي (4177)، وصححه الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (2/ 227).
2 – بلاد الكفر في هذا الزمن كثرت بينهم الفواحش وتفننوا فيها حتى أصبحت من عاداتهم وعرفهم ولا ينكرها عندهم أحد إلا عابوه. فمثل هذه البلاد إذا سافر إليها المسلم ليعيش فيها فقد عرض نفسه للفتن والفواحش.
ثانيا:
السفر والإقامة في بلاد الكفر إنما نهي عنهما لأنهما ذريعة إلى الفساد، إما فساد الشهوات والفواحش، وإما فساد الدين بجملته فبأن يفتن المرء عن دينه، وينتقل إلى دين آخر. وقد تقرر أن ما هو محرم تحريم الوسائل والذارئع؛ فإنه قد يباح للضرورة أو الحاجة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:” وما كان منهيا عنه لسد الذريعة، لا لأنه مفسدة في نفسه: يشرع إذا كان فيه مصلحة راجحة” انتهى من ” مجموع الفتاوى (23/ 214).
وهذه الحالة – أي وجود مصلحة راجحة – تتصور إذا توفر شرطان هامَّان عند هذا المسافر إلى بلاد الكفر والمقيم فيها:
الشرط الأول: أن يتمكن من إظهار دينه، وممارسة شعائره، وأن يغلب على ظنه الأمن من فتن الشبهات والشهوات المبذولة هناك بيسر.
الشرط الثاني: أن تكون هناك مصلحة راجحة في سفره وإقامته في بلاد الكفر لا يمكن تحقيقها في بلاد المسلمين كطلب علم مهم لا يوجد في بلاد المسلمين أو دعوة إلى دين الله، ونحو هذا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:” السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجا إلى ذلك.
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة … ” انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” (6/ 131 – 132).
قال تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} العنكبوت/56
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (6/ 290): “هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم” اهـ
====
المسألة الثالثة (3): هل يستدل بالهجرة إلى الحبشة على جواز الإقامة ببلاد الكفار؟
لما اشتد أذى المشركين على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرشدهم إلى الهجرة إلى الحبشة، وبين أن فيها ملكا لا يُظلم عنده أحد.
قال ابن إسحاق في “السيرة”، ص174: ” ومنع الله بأبي طالب، رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وما يصيبهم من البلاء والشدة، وأن الله تعالى قد أعفاه من ذلك، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم من قومهم، وأنه ليس في قومهم من يمنعهم، كما منعه عمه أبو طالب، أمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم: إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده، في أرض صدق؛ فتحرزوا عنده، يأتيكم الله عز وجل بفرج منه، ويجعل لي ولكم مخرجاً، فهاجر رجال من أصحابه إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفروا إلى الله عز وجل بدينهم، واستخفى آخرون بإسلامهم” انتهى.
وأخرج ابن سعد في “الطبقات” (1/ 159) عن الزهري قال: ” لما كثر المسلمون، وظهر الإيمان، وتحدث به، ثار ناس كثير من المشركين من كفار قريش، بمن آمن من قبائلهم، فعذبوهم وسجنوهم، وأرادوا فتنتهم عن دينهم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفرقوا في الأرض. فقالوا: أين نذهب يا رسول الله؟ قال: ههنا. وأشار إلى الحبشة. وكانت أحب الأرض إليه أن يهاجر قبلها. فهاجر ناس ذوو عدد من المسلمين منهم من هاجر معه بأهله. ومنهم من هاجر بنفسه. حتى قدموا أرض الحبشة ” انتهى.
وعلى ذلك: فليس في هذه الهجرة دليل على الإقامة المطلقة في بلاد الكفر، بل فيها الانتقال من دار الكفر الظالم أهلها، إلى دار كفر لا ظلم فيها، فإنه لم يكن للإسلام في هذا الوقت: دولة، ولا دار، بل كانت مكة، كغيرها من البلاد: تحت سلطان المشركين، وتصرفهم”. [هل يستدل بالهجرة إلى الحبشة على جواز الإقامة ببلاد الكفار؟]
المسألة الرابعة (4): الفتاوى الواردة، وكلمات:
1) حكم الهجرة من بلاد المسلمين
السؤال: حضرت كلمة لرجل ألقاها في بعض الأمكنة وقرأ حديث لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ثم قال: إنه لا يجوز الهجرة من بلاد المسلمين إلى بلد آخر بحجة أن الدين ضعف، وقال: لا هجرة بعد الفتح، فما الرد عليه؟
الجواب: الهجرة هجرتان، هجرة واجبة مفترضة، وهجرة فيها خلاف هل تفترض أو تستحب؟!
فالهجرة الواجبة مع القدرة: كالهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، إذا لم يستطع إظهار دينه، وبيان ما أوجب الله عليه من توحيد الله والإخلاص له، والبراءة من الشرك وأهله، وإظهار ما أوجب الله من الشعائر هذه واجبة كما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة لما حصل من الكفار من المضايقة والأذى.
والهجرة الثانية: الهجرة من بلاد المسلمين إذا ظهرت فيها المعاصي والبدع، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها تجب إذا ظهر في أي بلد البدع والأهواء والمنكرات مثل: الزنا والخمور ونحو ذلك وجب الهجرة عند جمع من أهل العلم، وقال آخرون: لا تجب، ولكن يجب على المؤمن أن ينكر المنكر حسب طاقته بيده ثم لسانه ثم قلبه كما جاءت به الأحاديث، ولا تجب الهجرة.
فمن قال بوجوبها قال: لأن المعنى في الهجرة الكبرى سلامة الدين وكذلك هنا إذا هاجر، فإنه إذا بقي بين العصاة أو الجاهلين وبين أهل البدع يخشى عليه أن يصيبه ما أصابه من البدع والجهار بالمعصية، فالقول بهجرته من بين المسلمين المجاهرين بالمعاصي قول قوي حتى يسلم دينه من هذه البدع وهذه المعاصي الظاهرة.
ومن قال لا تجب قال: إن النبي قال: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ولم يقل فليهاجر فلهذا لا تجب الهجرة من المعاصي ولكن تجب من بلاد الشرك. [مسائل متفرقة في العقيدة، الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله].
2) أعظم أنواع الهجرة – هجرة القلوب (للشيخ صالح الفوزان)
1. إن الهجرة معناها لغةً: مفارقة الإنسان غيره ببدنه أو بلسانه أو بقلبه. ومعناها شرعاً: مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة. وهي من ملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات:99] أي مهاجر من أرض الكفر إلى الإيمان، وقد هاجر عليه الصلاة والسلام ببعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى، والبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام …… ثم ذكر أدلة ذلك وأنواع الهجرات وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي:
هجر أمكنة الكفر … وهجر الأشخاص الضالين … وهجر الأعمال والأقوال الباطلة .. وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة.
فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي، أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛ فهم يتحدثون عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان، وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!!
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة، بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم، فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟
فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74]. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم