1101 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1101):
1101 – قال الحاكم في المستدرك (4/ 543)
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، ثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأَدْرَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: ((يَوْمُ الْخَلاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ))، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَوْمُ الْخَلاصِ؟ فَقَالَ: ((يَجِيءُ الدَّجَّالُ، فَيَصْعَدُ أُحُدًا، فَيَطَّلِعُ، فَيَنْظُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَيَقُولُ لأَصْحَابِهِ: أَلا تَرَوْنَ إِلَى هَذَا الْقَصْرِ الأَبْيَضِ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ؟ ثُمَّ يَاتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مَنْ نِقَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَاتِي سُبْحَةَ الْجُرُفِ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ، ثُمَّ تَرْتَجِفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَلا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلا مُنَافِقَةٌ، وَلا فَاسِقٌ وَلا فَاسِقَةٌ، إِلا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَتَخْلُصُ الْمَدِينَةُ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلاصِ)).هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي ب – التخريج:
أورد الحديث الحاكم في مستدركه، كتاب الفتن والملاحم، (5/ص5)، برقم (8696).و رواه أحمد: (18996).وأورد الوادعي الحديث في (جامعه) في موضعين: الأول: فضائل المدينة. (4/ 159).والثاني: الإيمان بعلامات الساعة. (1/ 337). قال الشيخ الألباني: أخرجه أحمد (4/ 338) وحنبل (46/ 2 – 47/ 1) والحاكم (4/ 427 و 543) وقال:
(صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي
وهو كما قالا إن سلم من الانقطاع بين عبد الله بن شقيق ومحجن فقد أدخل بينهما رجاء بن أبي رجاء الباهلي في رواية لأحمد (46/ 1) وإسنادها أصح من إسناده الرواية الأولى لكنها على كل حال لا بأس بها في الشواهد انتهى. [قصة المسيح الدجال].
قلت سيف: رجح الدارقطني في العلل 3390 كونه عن رجاء عن محجن. وكذا ابونعيم
ونقل باحث أن رجاء وثقه الإمام مسلم نقله الخطيب. وحديث رجاء ليس فيه أنه يصعد جبل أحد.
فبقي لفظة (صعوده لأحد) وكذلك قوله (أترون هذا القصر الأبيض). لا شاهد لها ثم أحد من المدينة والدجال محرم عليه دخول المدينة. كما في الأحاديث الصحيحة.
أما بقية ألفاظ الحديث فلها شواهد:
ففي البخاري 1881 من حديث أنس
ليسَ مِن بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ، والمَدِينَةَ، ليسَ له مِن نِقَابِهَا نَقْبٌ، إلَّا عليه المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ.
وأخرجه مسلم 2943 وعنده: فينزل بالسبخة فترجف المدينة. وفي رواية: فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه. وقال: فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
والسبخة أرض ذات ملح ونزٍّ.
والرواق: الثقل فسطاطه وقبته.
مصلت: جرده من غمده.
لفظ حديث رجاء:
قال الإمام أحمد: ثنا عفان: ثنا أبو عوانة: ثنا أبو بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء الباهلي، عن محجن – قال عفان: وهو ابن الأدرع.
قال: وثنا حماد، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن بن الأدرع قال: قال رجاء:
أقبلتُ مع محجن ذات يومٍ، حتى إذا انتهينا إلى مسجد البصرة، فوجدنا بريدة الأسلمي على بابٍ من أبواب المسجد جالساً. قال: وكان في المسجد رجلٌ يقال له “سكبة” يطيل الصلاة. فلما انتهينا إلى باب المسجد وعليه بريدة – قال: وكان بريدة صاحب مزاحات – قال: “يا محجن، ألا تصلي كما يصلي سكبة! “. قال: فلم يردّ عليه محجن شيئاً، ورجع.
قال: وقال لي محجن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي، فانطلق يمشي. حتى صعد أحداً، فأشرف على المدينة. فقال: ((ويل أمها من قريةٍ يتركها أهلها كأعمر ما تكون! يأتيها الدجال، فيجد على كل بابٍ من أبوابها ملكاً مصلتاً، فلا يدخلها)).
قال: ثم انحدر. حتى إذا كنا بسدة المسجد، رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي في المسجد، ويسجد ويركع ويسجد ويركع. قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن هذا؟)) قال: فأخذتُ أطريه له. قال: قلتُ: يا رسول الله، هذا فلان، وهذا وهذا. قال: ((اسكت! لا تسمعه فتهلكه)).
قال: ثم انطلق يمشي. حتى إذا كنا عند حجرةٍ، لكنه رفض يدي ثم قال: ((إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره)). اهـ
ولفظُ أبي عمر الضرير وداود بن شبيب:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجز يمين المدينة في حاجة. فلما رجعتُ، ذهبتُ معه حتى صعد أحداً، فأشرف على المدينة. فقال: ((ويل أمك قرية يدعك أهلك وأنت خير ما يكون!)). ثم نزل، ونزلتُ معه.
حتى أتينا بباب المسجد، فرأى رجلاً يصلي. فوضع يده على منكبي فأناره بضوئه، فقال: ((أيقوله صادقاً؟)) قالها ثلاثاً. قلت: يا رسول الله، هذا؟ وهذا أعبد أهل المدينة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق! لا تسمعه فتهلكه)) قالها ثلاثاً.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر، وكره لها العسر)) قالها ثلاثاً. اهـ
ولذلك قال أبو نعيم في معرفة الصحابة (ص2573) بعد إيراده روايتي أبي بشر وكهمس: ((رواه حماد بن سلمة، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق نحوه)). اهـ
قلتُ: فبانَ أن حماد بن سلمة حدَّث بهذا الحديث الذي فيه قصة محجن مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأسنده عن سعد الجريري، عن عبد الله بن شقيق بنفس إسناد كهمس بإسقاط رجاء بن أبي رجاء. وهو الإسناد الذي أعلَّه الدارقطنيّ، فقال في علله في ذات الموضع الذي أشرتَ إليه آنفاً (س3390، 14/ 25): ((ورواه كهمس، عن عبد الله بن شقيق، عن محجن، فلم يذكر فيه رجاء بن أبي رجاء. والصحيح: حديث شعبة وأبي عوانة، عن أبي بشر)). اهـ
الوجه الثاني: ما يستفاد من الحديث:
1 – … تنبيه: هذه إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم وإخبار منه بأن مسجده يرفع ويبيض بالجض لأنه في زمنه كان مبنيا بالجريد
الوجه الثالث: المسائل الملحقة: (قسمين)
القسم الأول: فتنة المسيح الدجال
المسألة الأولى (1): المسائل المتعلقة بفتن الدجال
سبق وأن مر تقسيم الفتن، فالله جعل هذه الأمة آخر الأمم، وفيها تظهر أشراط الساعة، وعليها تقوم القيامة، وأخبر – سبحانه – عن قُرب ذلك، فقال: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1].
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا ذكرَ الساعة احمرَّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، حتى كأنَّه مُنذِرُ جيشٍ يقول: صبَّحَكم ومسَّاكم؛ رواه مسلم.
وسأل المُشركون النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – عن زمن قيامِها مِرارًا، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) [الأعراف: 187].
ومن رحمته – سبحانه – بعباده: أن جعل للساعة أماراتٍ قبل قيامها؛ ليعود الناسُ إلى ربِّهم، وأخبرَ تعالى عن أماراتِ اقترابها، فقال: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَاتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد: 18].
وأول علاماتُ الساعة الكُبرى إن خرجَت فالأُخرى على إثرِها قريبٌ منه، وأمرٌ كبيرٌ جعلَه الله من علامات الساعة وهو الدجال، ما من نبيٍّ إلا حذَّر أمَّتَه منه، قال – عليه الصلاة والسلام -: «ما بعثَ الله من نبيٍّ إلا أنذرَ أمَّتَه، أنذَرَه نوحٌ والنبيُّون من بعدِه»؛ رواه البخاري.
وأنذَر منه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أمَّتَه، فقال: «إني لأُنذِركمُوه»؛ رواه البخاري.
وكان – عليه الصلاة والسلام – يتعوَّذ في صلاتِه من فتنته، ويُعلِّم أصحابَه التعوُّذ منه كما يُعلِّمهم السورةَ من القرآن، ويعِظُ صحابتَه ويُخبِرُهم عن قُرب ظهور ذلك الأمر.
قال النوَّاس بن سمعان – رضي الله عنه -: حتى ظننَّاه في طائفة النخل – أي: عند النخل الذي بجانبهم -؛ رواه مسلم.
وكان السلفُ يأمرون بالتذكير به حينًا بعد حين، قال السفَّارينيُّ – رحمه الله -: “مما ينبغي لكل عالمٍ أن يبُثَّ أحاديث الدجَّال بين الأولاد والنساء والرجال، ولاسيَّما في زماننا هذا الذي اشرأبَّت فيه الفتنُ، وكثُرت فيه المِحَن، واندرَسَت فيه معالمُ السنن”.
والدجَّال حيٌّ الآن في ديرٍ جزيرةٍ من جُزر البحر، مُقيَّدٌ بوَثَاقٍ شديد، يداه مجموعةٌ إلى عُنقِه ما بين رُكبتَيْه إلى كعبَيْه بالحديد، وخروجُه قد دنا، قال عن نفسي: «وإني أُوشِك أن يُؤذَن لي في الخروج»؛ رواه مسلم.
وعلامات خروجِه: ألا يُثمِر نخلُ بَيْسان – وهي مدينةٌ بين حَوران وفلسطين – بعد أن كان يُثمِر. قال ياقوتُ الحمويُّ – رحمه الله -: “وقد رأيتُها مِرارًا فلم أرَ فيها غيرَ نخلتين حائلتين” أي: غير مُثمِرتين.
ومن أمارات خروجه: ذَهابُ ماء بُحيرة طبريَّة، والآن قلَّ ماؤُها، وهو في نُقصان.
ومن علاماته: ذَهابُ ماء عين زُغَر – بلدةٌ في الشام -، وعدم زراعة أهلها بماء تلك العين.
وأولُ مخرَجه من حيٍّ يُقال له “اليهودية” في مدينة أصبهان من أرض خُراسان، يخرُج ومعه سبعُون ألفًا من يهودِها، وله حرسٌ وأعوانٌ.
وهو شابٌّ أحمرُ جسيمٌ كبيرُ الخِلقة، واسعُ الجبهة، فيه انحِناء، له شعرٌ كثيرٌ مُجعَّد، عينُه كأنَّها عنبةٌ طافية – أي: ظاهرةٌ عوراء -.
قال عنه تميمٌ الداريُّ – رضي الله عنه – وقد رآه -: أعظمُ إنسانٍ رأيناه قطُّ خلقًا.
وهو أكبرُ خلقٍ في هذه الدنيا، قال – عليه الصلاة والسلام -: «ما بين خلقِ آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبرُ من الدجَّال»؛ رواه مسلم.
وبيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – صفاتِه ليعرِفه الناسُ إذا خرج، وأنه الدجَّال لا ربُّ العالمين كما يزعُم.
ولأن الدجَّال سيخرُج في هذه الأمة أخبرَنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بصفةٍ فيه لم يذكُرها أحدٌ من الأنبياء، قال – عليه الصلاة والسلام -: «سأقولُ لكم فيه قولاً لم يقُلْه نبيٌّ لقومِه، تعلَمون أنه أعوَر، وأن الله ليس بأعوَر»؛ رواه البخاري.
وخروجُه في حالِ خفِّةٍ من الدين وإدبارٍ من العلم؛ ليتميَّز المؤمنُ من الكافر، ويتبيَّن المُسلمُ من المُرتاب، فيدَّعِي أنه ربُّ العالمين، ويُفتنُ به العبادُ بما يخلُقُه الله معه من الخوارِق.
وإذا خرجَ فرَّ الناسُ في الجِبال فزعًا منه، وحينَها يُغلَقُ بابُ التوبة، قال – عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثٌ إذا خرجنَ لا ينفعُ نفسًا إيمانُها لم تكُن آمنَت من قبلُ أو كسبَت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربِها، والدجَّال، ودابَّةُ الأرض»؛ رواه مسلم. [من أشراط الساعة الكبرى: المسيح الدجال]
المطلب الأول: معنى المسيح:
ذكر أبو عبد الله القرطبي ثلاثة وعشرين قولاً في اشتقاق هذا اللفظ [التذكرة (2/ 358)]، وأوصلها صاحب (القاموس) إلى خمسين قولاً.
وهذه اللفظة تطلق على الصديق، و على الضليل الكذاب. فالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام الصديق. والمسيح الدجال الضليل الكذاب، فخلق الله المسيحين أحدهما ضد الآخر.
فعيسى عليه السلام مسيح الهدى, يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله.
والدجال – لعنه الله – مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات كإنزال المطر, وإحياء الأرض بالنبات وغيرهما من الخوارق. وسمي الدجال مسيحاً: لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوماً.
وجاء في الحديث: ((إن الدجال ممسوح العين)) رواه مسلم (2934). [أشراط الساعة للوابل ص (213)].
وكذلك جاء ما يدل على المعنى الثاني
المطلب الثاني: معنى الدجال:
أما لفظ الدجال فهو مأخوذ من قولهم: دجل البعير إذا طلاه بالقطران وغطاه به.
وأصل الدجل: معناه الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه، والدجال: المموه الكذاب الممخرق وهو من أبنية المبالغة على وزن فعَّال، أي يكثر منه الكذب والتلبيس.
وجمعه: دجالون، وجمعه الإمام مالك على دجاجلة وهو جمع تكسير، وذكر القرطبي أن الدجال في اللغة يطلق على عشرة وجوه.
ولفظة الدجال: أصبحت علماً على المسيح الأعور الكذاب، فإذا قيل: (الدجال) فلا يتبادر إلى الذهن غيره.
وسمي الدجال دجالاً: لأنه يغطي الحق بالباطل، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم.
وقيل: لأنه يغطي الأرض بكثرة جموعه. والله أعلم. [التذكرة (2/ 330)، وأشراط الساعة ص (214)].
المطلب الثالث: فتنة الدجال من أعظم الفتن، وما جاء فيه، وصفته:
وفتنته من أعظم الفتن التي تمر على البشرية عبر تاريخها، ففي (صحيح مسلم) عن أبي الدهماء وأبي قتادة قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر نأتي عمران بن حصين، فقال ذات يوم إنكم لتجاوزوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أعلم بحديثه مني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال)) [م]. وفي رواية: ((أمر أكبر من الدجال)) [م].
من أجل ذلك فإن جميع الأنبياء حذروا أقوامهم من فتنته ولكن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان أكثر تحذيرا لأمته منه. ففي (صحيح البخاري) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: ((إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور)). وفي (الصحيحين) عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بعث نبي إلا وأنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر)).
ويقول ابن الأثير: سمي الدجال مسيحاً؛ لأن عينه الواحدة ممسوحة، والمسيح: الذي أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب فهو فعيل بمعنى مفعول بخلاف المسيح عيسى بن مريم فإنه فعيل بمعنى فاعل سمي به؛ لأنه كان يمسح المريض فيبرأ بإذن الله.
والدجال الكذاب. وسمي دجالا كما يقول ابن حجر: لأنه يغطي الحق بباطله ويقال: دجل البعير بالقطران والإناء بالذهب إذا طلاه .. وقال ابن دريد: سمي الدجال؛ لأنه يغطي الحق بالكذب، وقيل: لضربه نواحي الأرض وقيل بل قيل ذلك؛ لأنه يغطي الأرض. ومن صفاته كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف – أو يهراق – رأسه ماء قلت من هذا قالوا ابن مريم. ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين، كأن عينه عنبة طافية قالوا هذا الدجال. أقرب الناس به شبها ابن قطن)) [خ، م]. وعن عبادة بن الصامت أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم – قال يزيد – ربكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا)) قال يزيد ((تروا ربكم حتى تموتوا)) [حم، د، قال الألباني في السنن: صحيح].
قلت سيف: مختلف الحديث 123
عن عبادة بن الصامت أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم – قال يزيد – ربكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا)) قال يزيد ((تروا ربكم حتى تموتوا)) [حم، د، قال الألباني في السنن: صحيح].
يشكل لفظ (قصير) مع ما ورد: قال عنه تميمٌ الداريُّ – رضي الله عنه – وقد رآه -: أعظمُ إنسانٍ رأيناه قطُّ خلقًا.
وهو أكبرُ خلقٍ في هذه الدنيا، قال – عليه الصلاة والسلام -: «ما بين خلقِ آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبرُ من الدجَّال»؛ رواه مسلم.
فكيف التوفيق؟
قلت سيف بن دورة:
حديث عبادة وفيه أنه قصير أفحج ..
أخرجه أبوداود 4320 … وقلت في تخريجه فيه بقية مدلس تدليس تسوية ولم يصرح بالحديث في كل طبقات السند. وراجع تحقيقي لكشف الأستار 3389.
قال العباد في شرح السنن:
هذا يدل على أنه رجل من بني آدم، وهو قصير ليس بالطويل، وهو مع قصره عظيم الخلقة كما في بعض الأحاديث.
وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح:
قَوْلُهُ: (” قَصِيرٌ “)، وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهِ أَعْظَمَ إِنْسَانٍ، وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَصِيرًا بَطِينًا عَظِيمَ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ ; لِكَوْنِهِ كَثِيرَ الْفِتْنَةِ، أَوِ الْعَظَمَةُ مَصْرُوفَةٌ إِلَى الْهَيْبَةِ.
قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ
________
ويكون خروجه من المشرق من إحدى بلاد فارس يقال لها خراسان.
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الدجال يخرج من أرض بالشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة)) [د، جه، قال الألباني: صحيح].
ولكن ظهور أمره عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، عن النواس مرفوعا: ((إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا)).
وسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن المدة التي يمكثها في الأرض، فقالوا: وما لبثه في الأرض؟ قال: ((أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم. قلنا يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قالوا: لا اقدروا له قدره)) [م].
وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن اليوم يطول حقيقةً لا مجازاً. ولن يستطيع دخول مكة والمدينة، فعن أبي هريرة مرفوعاً: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)) [خ، م] .. [القيامة الصغرى، ص224].
المطلب الرابع: إمكانات الدجال التي تسبب الفتنة، وفيه خمس فروع:
الفرع الأول: سرعة انتقاله في الأرض
ففي حديث النواس بن سمعان في (صحيح مسلم): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن إسراع الدجال في الأرض فقال: ((كالغيث استدبرته الريح))، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيجول في أقطار الأرض ولا يترك بلدا إلا دخله إلا مكة والمدينة؛ ففي حديث أنس في (الصحيحين): ((ليس من بلدٍ إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة)).
الفرع الثاني: جنته وناره
ومما يفتن الدجال به الخلق أن معه ما يشبه الجنة والنار أو معه ما يشبه نهرا من ماء ونهرا من نار، وواقع الأمر ليس كما يبدو للناس فإن الذي يرونه نارا إنما هو ماء بارد وحقيقة الذي يرونه ماء باردا نار.
ففي (صحيح مسلم) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معه (أي: الدجال) جنة ونار، فناره جنة وجنته نار)).
الفرع الثالث: استجابة الجماد والحيوان لأمره
ففي حديث النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)). [م].
الفرع الرابع: قتله ذلك الشاب ثم إحياؤه إياه
عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: ((يأتي وهو مُحَرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس – أو من خير الناس – فيقول له أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر فيقولون لا. قال فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن – قال – فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه)). [خ، م].
الفرع الخامس: عقيدة أهل السنة والجماعة في المسيح الدجال
قال النووي في (شرحه لمسلم): قال القاضي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى: من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره ونهريه واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى: ومشيئته ثم يعجزه الله تعالى: بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ولكن الذي يدعي مخارف وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهذا غلط من جميعهم؛ لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه،
ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفا من أذاه؛ لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأمر فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص فيصدقه من صدقه في هذه الحالة. [القيامة الصغرى].
المسألة الثانية (2): مما يعصم العبد من فتنة المسيح الدجال:
كان كل نبي يُنذِر قومَه الأعورَ الدجال، إلا أن النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- اختُص بزيادة التحذير والإنذار؛ فإن الدجال خارج في هذه الأمة لا محالة؛ لأنها آخر الأمم، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- آخر الرسل، وخاتم النبيين.
ومن أسباب العِصمة منه: العلمُ الشرعيُّ بمعرفة أسماء الله وصفاتِه؛ فالدجَّال أعورُ، وربُّنا – سبحانه – ليس بأعوَر، والله لا يراه أحدٌ في الدنيا، والدجَّال يراه الناس، والدجَّال مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ يقرؤه كل قارئٍ وغير قارئٍ.
قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: “المؤمنُ يتبيَّن له ما لا يتبيَّن لغيره، ولاسيَّما في الفتن”.
والفِرارُ من الفتن والابتِعادُ عنها عصمةٌ منها بإذن الله، قال – عليه الصلاة والسلام -: «من سمِع بالدجَّال فليَنْأَ عنه – أي: ليهرُب -؛ فوالله إن الرجلَ ليأتيه وهو يحسبُ أنه مؤمنٌ فيتَّبِعه مما يبعثُ به من الشُّبُهات، أو لما يبعثُ به من الشُّبُهات»؛ رواه أبو داود.
والتمسُّك بالدين فيه النجاة من الدجَّال؛ فإن أتباعَه غيرُ المؤمنين.
فمنها: سكنى المدينة ومكة المشرفتين تعصم من فتنة الدجال.
فقد روي في البخاري ومسلم من حديث الإِمام مالك عن نعيم المجمر عن نعيمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عَلَى انْقَابِ المدينة مَلاَئكةٌ لا يدخلها الطاعونُ ولا الدجال)).
وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعيد عن أبيه، حدثني أبو بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل المدينةَ رُعْبُ المسيح الدجالِ لها يومئذ سَبْعَةُ أبْوابٍ على كل بابٍ ملكان)).
وقد روي هذا من غير وجه عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة، وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع ومحجن بن الأدرع.
وقال الترمذي: حدثنا عبده بن عبد الله الخزاعي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتِي الدجالُ المدينةَ فيجدُ الملائكةَ يَحْرُسُونَها فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال إِن شاءَ الله))
وأخرجه البخاري، عن يحيى بن موسى وإسحاق بن أبي عيسى عن يزيد بن هارون ومحجن وأسامة وسمرة بن جندب رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ثبت في الصحيح: ((أنَّهُ لا يدخلُ مكةَ ولا المدينةَ؛ تَمْنَعهُ الملائكةُ))
لشرف هاتين البقعتين فهما حرمان آمنان منه، وإنما إذا نزل نزل عند سبخة المدينة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات إما حساً أو معنى على القولين فيخرج منها كل منافق ومنافقة ويومئذ تنفي المدينة خبثها ويسطع. طيبها كما تقدم في الحديث، والله أعلم.
ومنها: ذكر ما يعصم من الدجال الاستعاذة المخلصة باللّه تعصم من فتنة الدجال
فمن ذلك الاستعاذة من فتنته، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة وأنه أمر أمته بذلك أيضاً فقال: “اللَّهم إنا نعوذُ بك من عَذاب جَهَنَّمَ ومن فتنةِ القبْر ومنْ فتنة الْمَحْيَا والممَاتِ ومِنْ فتنةِ المسِيح الدجال”.
وذلك من حديث أنس وأبي هريرة وعائشة وابن عباس وسعد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغيرهم:
والاستعاذة بالله من الفتنة تكون في الصلاة عقب التشهد الأخير من كل صلاة، فقد روى الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في صلاته، فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تَشَهَّدَ أحدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) رواه مسلم.
وكان طاوس – رحمه الله – يأمُر ابنَه بإعادة الصلاة إذا لم يقرأ بهذا الدعاء في صلاتِه.
ومنها: أنه ينبغي لكل مسلم -لاسيما من عنده علم- أن يبث أحاديث الدجال بين الناس، فقد ورد إن من علامات خروجه نسيان ذكره على المنابر، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر” رواه البيهقي.
ومنها: حفظ آيات من سورة الكهف؛ قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي والاستعاذة من الدجال متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود.
والقرآنُ الكريمُ أصلُ العِصمة من كل فتنةٍ، ومن سمِع بخرُوجه وهو حافظٌ لعشر آياتٍ من أول سورة الكَهف عُصِم منه بإذن الله، ومن رآه فليقرَأ عليه فواتِح سُورة الكَهف.
قال – عليه الصلاة والسلام -: «فمن أدركَه منكم فليقرَأ عليه فواتِح سورة الكَهف»؛ رواه مسلم. وهذا من خصوصيات سورة الكهف التي جاءت الأحاديث بالحث على قراءتها، وخاصة في يوم الجمعة؛ عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمُعتين” رواه الحاكم وهو صحيح.
وإذا كثُر أتباعُه وعمَّت فتنتُه ينزلُ عيسى – عليه السلام – عند المنارة الشرقية بدمشق، فيلتفُّ عباد الله حولَه، فيلحقُ عيسى – عليه السلام – بالدجَّال حين توجُّهه إلى بيت المقدِس، فيُدرِكُه عند بابِ لُدٍّ في فلسطين، فإذا رآه الدجَّالُ ذابَ ذوَبَان المِلح، فيلحَقُه عيسى – عليه السلام – فيقتُلُه بحربةٍ. [النهاية في الفتن والملاحم، فتنة المسيح الدجال، من أشراط الساعة الكبرى: المسيح الدجال]
القسم الثاني: المسجد النبوي وحدود المدينة النبوية.
المسألة (1):بناء المسجد النبوي (الرحيق المختوم)
وأول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول:
(اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ** فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة)
وكان يقول:
(هذا الحِمَالُ لا حِمَال خَيْبَر ** هذا أبَرُّ رَبَّنَا وأطْهَر)
وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في العمل، حتى إن أحدهم ليقول:
لئن قَعَدْنا والنبي يَعْمَل ** لذاك مِنَّا العَمَلُ المُضَلَّل
وكانت في ذلك المكان قبور للمشركين، وكان فيه خرب ونخل وشجرة من غَرْقَد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخَرِب فسويت، وبالنخل والشجرة فقطعت، وصفت في قبلة المسجد، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، وجعلت عضادتاه من حجارة، وأقيمت حيطانه من اللبن والطين، وجعل سقفه من جريد النخل، وعُمُده الجذوع، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب، وطوله مما يلى القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وكان أساسه قريبًا من ثلاثة أذرع.
وبني بجانبه بيوتًا بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم، وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب.
ولم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقى وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات، وبرلمان لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية.
وكان مع هذا كله دارًا يسكن فيها عدد كبير من فقراء المهاجرين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار ولا مال ولا أهل ولا بنون.
وفي أوائل الهجرة شرع الأذان، يعلن كل يوم خمس مرات بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتنفي كل كبرياء في الكون وكل دين في الوجود، إلا كبرياء الله، والدين الذي جاء به عبده محمد رسول الله. وقد تشرف برؤيت الأذان في المنام أحد الصحابة الأخيار عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة بكاملها مروية في كتب السنة والسيرة. [الرحيق المختوم]
المسألة (2): توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ
تأسيس المسجد والقبلة إلى بيت المقدس (1هـ)
أسَّس النبي –صلى الله عليه وسلم- المسجد في ربيع الأول من العام الأول من هجرته –صلى الله عليه وسلم-، وكان طوله سبعين ذراعًا، وعرضه ستين ذراعًا، أي ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضًا. جعل أساسه من الحجارة، والدار من اللَّبِن وهو الطوب الذي لم يحرق بالنار، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبني معهم اللَّبِن والحجارة، وكان سقفه من الجريد، وله ثلاثة أبواب: الباب الأول: في الجهة الجنوبية. الباب الثاني: في الجهة الغربية، ويسمى باب عاتكة، ثم أصبح يعرف بباب الرحمة. الباب الثالث: من الجهة الشرقية، ويسمى باب عثمان، ثم أصبح يعرف بباب جبريل.
وكانت إنارة المسجد تتم بواسطة مشاعل من جريد النخل، توقد في الليل.
ظلَّ هذا الوضع دون تغيير لمدة 17 شهرًا أو يزيد، وهي مدة صلاة المسلمين ناحية بيت المقدس، فلما نزلت آية تحويل القبلة في صلاة الظهر قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإجراءات اللازمة في مسجده الشريف، فأغلق الباب الكائن في الجدار الجنوبي -جدار القبلة الحالية- وفتح بدلاً منه بابًا في الجدار الشمالي -جدار القبلة سابقًا-.
التوسعة الأولى في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- (7هـ)
لما عاد النبي –صلى الله عليه وسلم- من غزوة خيبر قام بأول توسعة لمسجده الشريف على قطعة أرض اشتراها سيدنا عثمان بن عفان –رضي الله عنه- على نفقته؛ وذلك نظرًا لزيادة عدد المسلمين، وقد تم ذلك في المحرم سنة 7هـ، فزاد 20 مترًا في 15 مترًا تقريبًا، حتى صار المسجد مربعًا 50م×49.5م2، ومساحته الكلية 2475م2، بزيادة قدرها: 1415م2، وبلغ ارتفاع الجدران 3.50م، وعدد الأبواب: 3 أبواب، وعدد الأعمدة 35 عمودًا، وكانت الإنارة عبارة عن مشاعل من جريد النخل، إضافة لبعض الأسرجة التي توقد بالزيت.
وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
التوسعة الثانية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (17هـ)
كثر عدد المسلمين في عهد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، وظهر تصدع ونخر في بعض أعمدة المسجد، فقرَّر عمر -رضي الله عنه- عام 17هـ توسعة المسجد. وقد امتدت التوسعة في ثلاث جهات: إلى الجنوب خمسة أمتار، وإلى الغرب عشرة أمتار، وإلى الشمال خمسة عشر مترًا. ولم يزد في الجهة الشرقية لوجود حجرات أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-. وبعد هذه التوسعة، صارت مساحته الكلية: 3575م2، بزيادة قدرها: 1100م2، وارتفاع جدرانه 5.50م، وعدد أبوابه: ستة أبواب، وله ستة أروقة، وجعل له ساحة داخلية (صحن المسجد) فرشت بالرمل والحصباء من وادي العقيق. وجعل له ساحة أخرى خارجية، تسمى “البطيحاء”، وهي ساحة واسعة تقع شمال المسجد، أعدت للجلوس لمن يريد التحدث في أمور الدنيا وإنشاد الشعر، وذلك حرصًا من الخليفة عمر -رضي الله عنه- على أن يظل للمسجد هيبته ووقاره في قلوب المسلمين. وظلت إنارة المسجد تتم بواسطة الأسرجة التي توقد بالزيت.
التوسعة الثالثة في عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (29 – 30هـ)
مع مرور السنين ازداد عدد المسلمين، وضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين، وساءت حال أعمدته، فأمر الخليفة عثمان سنة 29هـ بزيادة مساحة المسجد وإعادة إعماره، فاشترى الدور المحيطة به من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، ولم يتعرض للجهة الشرقية لوجود حجرات زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها. وتم البناء بالحجارة المنقوشة (المنحوتة) والجص، وبنى الأعمدة من الحجارة، ووضع بداخلها قطع الحديد والرصاص لتقويتها، وبنى السقف من خشب الساج القوي الثمين المحمول على الأعمدة. وأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 4071م2، بزيادة قدرها 496م2.
وبلغ ارتفاع الجدران 5.50م، وعدد الأروقة: 7 أروقة، وعدد الأبواب: 6 أبواب، وعدد الأعمدة: 55 عمودًا، وله ساحة داخلية واحدة. وفي هذه العمارة ظهر لأول مرة بناء المقصورة في محراب المسجد لحماية الإمام، وبها فتحات يراه منها المصلون. وصارت إنارة المسجد تتم بواسطة قناديل الزيت الموزعة في أنحاء المسجد.
التوسعة الرابعة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (88 – 91هـ)
أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، واليه على المدينة المنورة عمر بن عبد العزيز سنة 88هـ بزيادة مساحة المسجد وإعادة إعماره، ووفر له المواد الضرورية والعمال اللازمين، فشرع عمر ببناء المسجد، واستمر البناء إلى عام 91هـ. وقد أحدثت هذه العمارة تغييرات كثيرة في مبنى المسجد، وأضافت إليه عناصر جديدة لم تكن موجودة من قبل، ومنها: بناء المآذن الأربعة على أركان المسجد، وإيجاد المحراب المجوف، وزخرفة حيطان المسجد من الداخل بالرخام والذهب والفسيفساء، وتذهيب السقف ورؤوس الأساطين، وعتبات الأبواب. وقد تمت التوسعة من جميع الجهات بما فيها الجانب الشرقي، حيث أدخلت الحجرات الشريفة، وعمل حولها حاجز من خمسة أضلاع، (انظر: معالم ومرافق – الحجرات الشريفة). بلغت مساحة المسجد بعد هذه التوسعة 6440م2، بزيادة قدرها: 2369م2، وارتفاع الجدران: 12.50م، وعدد الأروقة: 17 رواقًا، وعدد الأبواب: 4 أبواب، وعدد النوافذ: 14 نافذة، وارتفاع المآذن يتراوح بين 27.50 و 30 مترًا، وله ساحة داخلية واحدة. وما زالت الإنارة تتم في المسجد بواسطة قناديل الزيت الموزعة في أنحائه.
التوسعة الخامسة في عهد الخليفة المهدي العباسي (161 – 165هـ)
زار الخليفة المهدي العباسي المسجد النبوي الشريف سنة 160هـ، فرأى الحاجة إلى توسعته وإعادة إعماره، فأمر بذلك، ولما عاد إلى مركز الخلافة في بغداد أرسل الأموال اللازمة لذلك. وقد تركزت الزيادة على الجهة الشمالية للمسجد، واستمر البناء فيها حتى عام 165هـ، وكان مقدار الزيادة: 2450م2، وأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 8890 م2. وبلغ ارتفاع جدران المسجد: 12.50م، وعدد الأروقة: 19 رواقًا، وعدد الأبواب: 24 باباً. وبلغ عدد النوافذ في المسجد: 60 نافذة، منها: 19 نافذة في كل من الجدارين الشرقي والغربي، و11 نافذة في كل من الجدارين الشمالي والجنوبي. وبذلك تحققت الإضاءة الطبيعية، والتهوية الجيدة للمسجد، وأما الإنارة ليلاً فكانت تتم -كالسابق- بواسطة قناديل الزيت الموزعة على أنحاء المسجد.
العمارة بعد الحريق الأول (654هـ)
حصل الحريق الأول للمسجد النبوي أول رمضان سنة 654هـ في عهد الخليفة العباسي المستعصم، ولما علم الخليفة بذلك بادر سنة 655هـ بإصلاح المسجد وإعادة إعماره، وأرسل الأموال اللازمة لذلك، ولكن البناء لم يتم بسبب غزو التتار وسقوط بغداد سنة 656هـ. فتولى الأمر بعد ذلك السلاطين المماليك في مصر، فتمت عملية البناء والترميم سنة 661هـ، وعاد المسجد إلى ما كان عليه قبل الحريق، وكان ممن ساهم في بناء المسجد وتأثيثه ملك اليمن المظفر الذي أرسل منبرًا جديدًا بدلاً من المنبر المحترق. وأرسل الظاهر بيبرس سنة 665هـ مقصورة خشبية لتوضع حول الحاجز المخمس المحيط بالحجرات الشريفة، ثم بنى السلطان المملوكي المنصور قلاوون سنة 678هـ القبة التي فوق الحجرة الشريفة، وأصبحت منذ ذلك الحين علامة مميزة للمسجد النبوي. وفي عام 706هـ، أمر السلطان محمد بن قلاوون ببناء المئذنة الرابعة (مئذنة باب السلام التي هدمت في العهد الأموي).
عمارة القبة
في عام 678هـ أمر السلطان المملوكي المنصور قلاوون الصالحي بعمارة قبة فوق الحجرة النبوية الشريفة، فجاءت مربعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها، مصنوعة من أخشاب كسيت بألواح بالرصاص. وفي الفترة من عام 755 – 762هـ جدَّد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ألواح الرصاص التي على القبة الشريفة. وفي عام 765هـ عمل السلطان شعبان بن حسين بعض الإصلاحات في القبة الشريفة. وفي عام 881هـ أبدل السلطان قايتباي سقف الحجرة الخشبي بقبة لطيفة، جاءت تحت القبة الكبيرة.
وفي عام 886هـ احترقت القبة الكبيرة باحتراق المسجد النبوي الشريف، فأعاد السلطان قايتباي بناءها بالآجر عام 892هـ، ثم ظهرت بعض الشقوق في أعاليها فعمل لها بعض الترميمات، وجعلها في غاية الإحكام. وفي عام 974هـ أصلح السلطان سليمان القانوني العثماني رصاص القبة الشريفة ووضع عليها هلالاً جديدًا. وفي عام 1228هـ جدَّد السلطان محمود الثاني العثماني القبة الشريفة، ودهنها باللون الأخضر، فاشتهرت بالقبة الخضراء، بعد أن كانت تعرف بالبيضاء أو الزرقاء أو الفيحاء. ومنذ بداية العهد السعودي وإلى تاريخ إعداد هذه المعلومة 1419هـ أعيد صبغ القبة باللون الأخضر عدة مرات، مع بعض الإصلاحات والترميمات اللازمة لها.
التوسعة السادسة في عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي (886 – 888هـ)
حصل الحريق الثاني للمسجد النبوي عام 886هـ فتمت الكتابة بذلك للسلطان الأشرف قايتباي، فحزن حزنًا شديدًا، وأرسل بالأموال والصناع والمواد اللازمة، وأمر بإعمار المسجد، وقد امتدت العمارة حتى رمضان 888هـ، وجرى زيادة على مساحة المسجد الأولى مقدارها: 120م2، وأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 9010م2. وبلغ ارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة 18 رواقًا، وسدت معظم أبواب التوسعة العباسية، وبقي للمسجد 4 أبواب فقط، وزيدت مئذنة في المسجد فصار عدد المآذن خمسًا. وأحدثت شرفات ونوافذ وطاقات في الأجزاء العليا من الجدران للتهوية والإضاءة، وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة. أما الإنارة فهي كالسابق بقناديل الزيت الموزَّعة في أنحاء المسجد.
وبعد انتهاء البناء، حضر السلطان الأشرف إلى المدينة، وأوقف بعض الأوقاف على المسجد النبوي الشريف، ومنها: رباط، ومدرسة، وطاحون، وسبيل، وفرن، وغير ذلك.
التوسعة السابعة في عهد السلطان العثماني عبد المجيد
الإنارة: 600 مصباح زيتي، ثم أدخلت الإنارة الكهربائية على يد السلطان عبد المجيد، وأضيء المسجد لأول مرة في 25 من شعبان 1326هـ.
اعتنى السلاطين العثمانيون بالمسجد النبوي الشريف، وأجروا عليه بعض الإصلاحات والترميمات، وظلَّ المسجد على حاله حتى عام 1265هـ، عندما ظهرت تشققات على بعض جدرانه وقبابه وسقفه، فكتب شيخ الحرم داود باشا إلى السلطان العثماني عبد المجيد خان بذلك، فأمر السلطان بتجديد عمارة المسجد بشكل عام، وأرسل الصناع المهرة والأموال اللازمة. واستمرت أعمال البناء والزخرفة إلى عام 1277هـ، وكان مقدار الزيادة في هذه العمارة: 1293م2، فأصبحت المساحة الكلية للمسجد: 10303م2، وارتفاع الجدران: 11م، وعدد الأروقة: 19 رواقًا، والأبواب: 5 أبواب، والمآذن 5 مآذن، يتراوح ارتفاعها بين 47.50 و 60م، وأصبح عدد الأعمدة: 327 عمودًا، والقباب: 170 قبة. وبقي للمسجد ساحة داخلية واحدة، وبني في أقصى الجهة الشمالية من المسجد كتاتيب لتعليم القرآن الكريم، وفتح لها طاقات بشبابيك من حديد خارج المسجد وداخله، وتمت إنارة المسجد بوضع: 600 مصباح زيتي، موزعة في أنحاء المسجد.
التوسعة الثامنة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود (1370 – 1375هـ)
بلغت المساحة المضافة في هذه التوسعة 6024م2. وتتكون التوسعة من مستطيل طوله من الشمال إلى الجنوب 128م، وعرضه من الشرق إلى الغرب 91م يتألف من صحن شمال المبنى العثماني، يتوسطه جناح من ثلاثة أروقة يمتد من الشرق إلى الغرب، وفي الجانب الشرقي للصحن جناح يتكون من ثلاثة أروقة، ومثله في الجانب الغربي أيضًا، وشمال الصحن بني الجناح الأخير للمسجد، ويتكون من خمسة أروقة، وبهذا يصبح مجموع الأروقة في هذه التوسعة 14 رواقًا. وقد احتفظت التوسعة بالأبواب الخمسة التي كانت في التوسعة المجيدية، وأضافت إليها مثلها، فأصبح مجموع الأبواب بعد هذه التوسعة عشرة أبواب، ثلاثة منها بثلاثة مداخل. وفي ركني الجهة الشمالية أقيمت مئذنتان ارتفاع الواحدة 72م تتكون من أربعة طوابق، وبهذا يصبح مجموع المآذن بعد التوسعة أربع مآذن. وقد أقيمت هذه التوسعة على شكل هيكل من الخرسانة المسلحة بلغ ارتفاع جدرانها 12.55م مكونة من 706 أعمدة، وفيها 170 قبة، و44 نافذة. وقد أدخلت عليها الإنارة الكهربائية، وبلغ عدد المصابيح فيها 2427 مصباحًا.
التوسعة التاسعة في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز (1393هـ)
أضيفت مساحة 40.550م في الجهة الغربية الخارجية للمسجد على مرحلتين:
الأولى: 35.000م2، والثانية: 5.550م2.
وأقيمت عليها مظلات من الألياف الزجاجية (فيبرجلاس) لتكون مصلى إضافيًّا في أوقات الذروة، خاصة في أوقات الحج والزيارة وشهر رمضان.
رغم التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف فإن الحاجة إلى توسعته أيضًا تجددت بسبب تزايد أعداد الزائرين؛ لذا قرر الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله عام 1393هـ إجراء توسعة جديدة تمثلت في تخصيص الأرض الواقعة غرب المسجد النبوي للصلاة، فرصفت الأرض ونصب فوقها مظلات، وزودت بالكهرباء، ومكبرات الصوت، والمراوح السقفية. بلغت مساحة القسم المضاف 35.000م2، ثم أضيفت مساحة أخرى بلغت 5.550م2.
التوسعة العاشرة في عهد الملك خالد (1398هـ)
في 18 من رجب عام 1397هـ خصص الملك خالد الأرض الواقعة في الجنوب الغربي من الحرم النبوي الشريف لخدمات المصلين والزائرين، حيث أقيم على قسم منها مظلات للصلاة تحتها، والمساحة الباقية جعلت مواقف لسيارات المصلين والزائرين. بلغت مساحة هذه الأرض 43000م2.
التوسعة الكبرى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود (1405 – 1414هـ)
بعد التغيرات الكبيرة التي طرأت على عالمنا الإسلامي على صعيد النمو السكاني أو النمو الاقتصادي أو الوعي الديني، والتي أدت إلى تضاعف أعداد الزائرين تضاعفًا كبيرًا ضاق بهم المسجد الشريف، أصدر خادم الحرمين الشريفين بعد الزيارة التي قام بها إلى المدينة أمره الكريم بوضع التصميمات لتوسعة ضخمة للمسجد النبوي الشريف؛ لتستوعب الزيادات الطارئة، والمتوقعة في الأعوام القادمة. وفي يوم الجمعة 1405هـ قام خادم الحرمين الشريفين بوضع حجر الأساس لهذه التوسعة. وفي شهر محرم من عام 1406هـ كانت بداية العمل، واستمر حتى 15 – 11 – 1414هـ حين وضع خادم الحرمين الشريفين اللبنة الأخيرة في أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف. وأصبحت مساحة المسجد 384.000م2، تشمل: الدور الأرضي، والسطح، والقبو. وعلى الجهات الأربع للتوسعة ساحات ممتدة تبلغ مساحتها 235.000م2. [انظر: توسعات المسجد النبوي عبر التاريخ]
المسألة (3): حدود حرم المدينة النبوية:
لقد جاء في تحديد المدينة حديثان صحيحان وهما:
– ما رواه علي – رضي الله عنه – مرفوعاً: ” المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدلٌ “متفق عليه. البخاري برقم (6755)، ومسلم برقم (1370).
– ما رواه أنس بن مالك مرفوعاً وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نظر إلى المدينة فقال: ” اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدّهم وصاعهم “. رواه البخاري برقم (2893)، ومسلم برقم (1365).
وبناءً على ذلك فإن هذين الحديثين يبينان الجهات الأربع للمدينة، فمن جهة الشمال جبل ثور – وهو جبل صغير شمالي أحد – ومن جهة الجنوب جبل عير – وهو ممتد في الشرق إلى الغرب ويشرف طرفه الغربي على ذي الحليفة، وطرفه الشرقي على المنطقة المتصلة بمنطقة قباء من جهة الجنوب الغربي، ومن جهة الشرق الحرة الشرقية – وهي إحدى اللابتين حيث إن المراد باللابة الحرة، وهي الأرض التي قد ألبستها حجارة سود، ومن الغرب الحرة الغربية – وهي اللابة الأخرى.
وقد صرح النووي – رحمه الله – وغيره بدخول الحرتين في حرم المدينة.
(شرح صحيح مسلم للنووي9/ 136).
ويتعلق بهذا التحديد أمور:
1 – حمايتها من الدجال
كما جاء في حديث أنس بن مالك مرفوعاً: ” ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق “.رواه البخاري برقم (1881)، ومسلم برقم (2943).
2 – حمايتها من الطاعون:
كما جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال “. رواه البخاري برقم (1880)، ومسلم برقم (5731).
3 – حب النبي – صلى الله عليه وسلم – لها، وتمكن حبها من قلوب المؤمنين: حيث دعا بذلك رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – كما جاء في حديث عائشة – رضي الله عنها – وفيه: ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد … ” الحديث. رواه البخاري برقم (1888)، ومسلم برقم (1376).
4 – تحريم صيدها وقطع أشجارها: كما جاء ذلك عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها، لا يقطع عِضَاهُها، ولا يصاد صيدها ”
أخرجه مسلم في الصحيح برقم (1362). وكذلك روى مسلم – رحمه الله – في الصحيح مثله عن سعد بن أبي وقاص برقم (1363).
5 – تحريم لقطتها إلا لمن يريد تعريفها: كما جاء ذلك من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لكل نبي حرم وحرمي المدينة، اللهم إني أحرمها بحُرَمِك أن يُؤوى فيها محدث ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد ”
رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 318)، وصححه الشيخ أحمد شاكر وحسنة المناوي والهيثمي والسيوطي وصاحب كتاب فضائل المدينة د. صالح الرفاعي.
6 – دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لأهلها بالبركة في مدهم وصاعهم:
كما أخرجه البخاري برقم (2893)، ومسلم (1365) من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نظر إلى المدينة فقال: ” اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم “، وأخرج مسلم في الصحيح برقم (1373) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فإذا أخذه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعا لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه “.
7 – خيرية المدينة المطلقة وشفاعته – صلى الله عليه وسلم – لمن سكنها وثبت فيها وصبر على شدتها:
كما ثبت ذلك من حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – مرفوعاً: ” المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة ” رواه مسلم برقم (1363).
8 – أنها تنفي خبثها وتَنصَع طَيِّبَهَا:
كما أخرج ذلك البخاري برقم (7211)، ومسلم برقم (1383) من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها ” أي تميزه ويستقر فيها.
والذي يظهر أن تأويل هذا الحديث ما جاء موضحاً فيما رواه الطبراني في الأوسط برقم (2186) بسند لا بأس به من حديث جابر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” يا أهل المدينة اذكروا يوم الخلاص ” قالوا: وما يوم الخلاص؟ قال: ” يقبل الدجال حتى ينزل بذباب، فلا يبقى بالمدينة مشرك ولا مشركة ولا كافر ولا كافرة ولا منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، ويخلص المؤمنون، فذلك يوم الخلاص “.
9 – الترهيب الشديد من إحداث الحدث بالمدينة
كما جاء في حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” المدينة حرم من عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرف ولا عدل “رواه البخاري ومسلم.
10 – الترهيب الشديد من إرادة أهلها بسوء: كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء “رواه البخاري.
11 – أُروز الإيمان إلى المدينة: كما أخرج البخاري برقم (1876)، ومسلم برقم (147) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها “.
12 – فضل الموت بالمدينة حرسها الله: كما في حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها “رواه الإمام أحمد (2/ 47)، والترمذي برقم (3917)، وابن ماجة برقم (3112) وهو حديث صحيح.
13 – فضل التصبح بتمرها ووقايته بإذن الله – تعالى -من السمّ والسحر:
كما أخرج مسلم في صحيحه برقم (2047) من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي “. وفي لفظ ” من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ” وأخرج برقم (2048) عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن في عجوة العالية شفاءً، أو إنها ترياق أول البُكرة “. [حدود المدينة حرسها الله].
وجاء أيضًا في [مختصر الفقه الإسلامي]: من الشرق الحرة الشرقية .. ومن الغرب الحرة الغربية .. ومن الشمال جبل ثور خلف جبل أحد .. ومن الجنوب جبل عير وبسفحه الشمالي وادي العقيق. انتهى.
المسألة () الفتاوى: السؤال: يقول في سؤاله الثاني: نرجو من سماحة الشيخ توضيحاً مفصلاً لحدود حرم المدينة النبوية حيث اتسعت رقعة العمران ولا يدري بعض السكان -سكان المدينة- أهو داخل الحرم أم خارجه؟.الجواب: قد بلغني أنها وضعت حدود، والنبي قال: ما بين عير إلى ثور عير في جهة وثور في جهة حول أحد، وفي بعضها: ما بين لابتيها وقد بلغني أنه وضعت حدود الآن توضح الحرم -حرم المدينة- وفي الإمكان سؤال العلماء في المدينة؛ لأن هناك حدود قد .. حين وجودي في المدينة في الجامعة هناك يعني اهتمام بوضع الحدود اللازمة ولعلها وضعت. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز].
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.