1100 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1100):
مسند مجاشع بن مسعود رضي الله عنه
1100 – قال أبو داود رحمه الله: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ: مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ فَعَزَّتِ الْغَنَمُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ».
قال أبو داود وهو مجاشع بن مسعود.
هذا حديث حسن.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي ب – التخريج:
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث. وباقي الروايات:
أورد أبو داود حديث مجاشع بن مسعود السلمي رضي الله عنه، أنه قال: [(عزت الغنم)] معناه: أنها قلَّت، فالعزة هنا بمعنى القلة، والعزيز هو الشيء الذي قل ولم يكثر ويتيسر وجوده، والمقصود عزت الغنم الكبيرة.
قوله: [(إن الجذع يوفي مما يوفي به الثني)] هذا محمول على الضأن؛ لأن الحديث قد جاء بأنه لا تجزئ الجذع من المعز إلا عن أبي بردة الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها تجزئ عنك ولن تجزئ عن أحد بعدك)، فيكون هذا محمولاً على الجذع من الضأن. [شرح الشيخ عبد المحسن العباد].
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث، والروايات الملحقة، فوق ما تقدم:
– إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِي
– فضل علم الصحابة
– -فضل العلم المحفوظ في الصدور.
– الإنتفاع بمرافقة العالم.
– بث العلم خاصة وقت الحاجة
– يسر الشريعة.
– عدل الشريعة فلم تكلف الناس فوق طاقتهم ولم تقبل منهم الدنيء من أموالهم لأن المقصود الإخلاص لله وتزكية النفوس.
الوجه الرابع: المسائل الملحقة:
المسألة الأولى (1): المدخل في أحكام الأضحية
* الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل.
* وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين.
أما الكتاب:
1 – {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
2 – وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل: جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل.
3 – وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}.
ومن السنة:
1 – ما جاء في صحيح البخاري (5558) ومسلم (1966) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما.
2 – وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي. رواه أحمد (4935) والترمذي (1507)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1475).
3 – وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة فقال: ضح بها. رواه البخاري (5547).
4 – وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين. رواه البخاري (5545).
* فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين. يعني: طريقتهم.
ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم.
* واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك وأحمد في المشهور عنهما. وكان أبوبكر وعمر لا يضيحان لكي لا يقال أنها واجبة.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.” انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة لابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: ” الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، فيُضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته ” [فتاوى ابن عثيمين 2/ 661].
ويشترط للأضحية ستة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها؛ لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الانْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.
الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً، بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن». رواه مسلم. وهي المسألة المتعلق بالباب.
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي أربعة:
1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.
2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: «أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى». رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي» وذكر نحوه.
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية بما تعيب بها، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزاء الأضحية بما يأتي:
1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها.
2 ـ المبشومة حتى تنشط ويزول عنها الخطر.
3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر.
4 ـ المصاب بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر.
5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.
6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة. هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة.
الشرط الرابع: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.
وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه.
الشرط الخامس: أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء». وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى». وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل». رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهاراً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
المسألة الثانية (2): فرع: السنِّ المجزئة في أضحية العيد
فالأصلُ في الأُضحية أنه لا يجزئ منها إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى: {لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} [الحج: (34)]، وهي الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام؛ قال تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْن} [الأنعام: (143) ـ (144)]، وهي: الإبلُ والبقر والغنم ـ وهي نوعان: الضأنُ والمعز ـ ذكورُها وإناثُها وإِنْ كانَتْ تصحُّ بالجنسين، غير أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ مِنَ الأنثى لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضلِ الرِّقاب: «أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العتق» باب: أيُّ الرِّقابِ أفضلُ؟ ((2518))، ومسلمٌ في «الإيمان» ((84))، مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.]، أمَّا السنُّ المُجْزِئة فالثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ: فالثَّنِيَّةُ مِنَ الإبل: ما له خمسُ سنين ودَخَل في السادسة. والثنيَّة مِنَ البقر: ما له سنتان ودَخَل في الثالثة. والثنيَّة مِنَ الضأن: ما له سنةٌ ودَخَل في الثانية. والثنيَّة مِنَ المعز: ما له سنةٌ ودَخَل في الثانية.
ولا يجزئ في الأضحية دون هذا السنِّ فيها جميعًا، باستثناءِ ما إذا تَعسَّر الثَّنِيُّ مِنَ الضَّانِ؛ فإنه يجزئ الجَذَعُ، وهو: ما له ستَّةُ أشهرٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّانِ» [أخرجه مسلمٌ في «الأضاحي» ((1963)) ومِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه.]، فظاهرُ الحديثِ يقتضي عَدَمَ إجزاء الجَذَعِ مِنَ الضَّانِ إلَّا عند العَجْزِ عن المُسِنَّةِ، أمَّا الأحاديثُ الواردةُ في جواز الجذع مِنَ الضأن في الأضحية، فإنَّ الصحيحَ منها يُحْمَلُ على العجز عن المُسِنَّة لعدمِ وجودها في الحال أو لغلاءِ سِعرها؛ لحديث عاصم بنِ كُلَيْبٍ عن أبيه قال: «كُنَّا نُؤَمِّرُ عَلَيْنَا فِي الْمَغَازِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَكُنَّا بِفَارِسَ فَغَلَتْ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ الْمَسَانُّ، فَكُنَّا نَاخُذُ الْمُسِنَّةُ بِالْجَذَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَامَ فِينَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ فَقَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَأَصَابَنَا مِثْلُ هَذَا الْيَوْمِ فَكُنَّا نَاخُذُ الْمُسِنَّةَ بِالْجَذَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ» [أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابُ ما يجوز مِنَ السنِّ في الضحايا ((2799))، والنسائيُّ في «الضحايا» باب المُسِنَّة والجَذَعة ((4383))، وابنُ ماجه في «الأضاحي» بابُ ما تجزئ مِنَ الأضاحي ((3140))، والحاكم ((7538))، مِنْ حديثِ مُجاشِعِ بنِ مسعودٍ السُّلَميِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» ((1146)).]. [انظر: السنِّ المجزئة في أضحية العيد]
ولهذا يقال أولاً: اتفق العلماء رحمهم الله على أن الشرع قد ورد بتحديد سِنٍّ في الأضحية لا يجوز ذبح أقل منه، ومن ذبح أقل منه فلا تجزئ أضحيته. انظر: “المجموع” (1/ 176) للنووي.
وقد وردت أحاديث تدل على ذلك:
فمنها: ما رواه البخاري (5556) ومسلم (1961) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ. وفي رواية: (عَنَاقاً جَذَعَةً). وفي رواية للبخاري (5563) (فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا؟) قَالَ: (اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ) وفي رواية: (لا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ). ثُمَّ قَالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ).
ففي هذا الحديث أن الجذعة من المعز لا تجزئ في الأضحية، وسيأتي معنى الجذعة.
قال ابن القيم في “تهذيب السنن”:قَوْله: (وَلَنْ تُجْزِئ عَنْ أَحَد بَعْدك) وَهَذَا قَطْعًا يَنْفِي أَنْ تَكُون مُجْزِئَة عَنْ أَحَد بَعْده ” انتهى.
ومنها: ما رواه مسلم (1963) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّانِ).
ففي هذا الحديث أيضاً التصريح بأنه لا بد من ذبح مسنة، إلا في الضأن فيجزئ الجذعة.
قال النووي في “شرح مسلم”:
” قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّان فِي حَال مِنْ الأَحْوَال ” انتهى.
وقال الحافظ في “التلخيص” (4/ 285):
” ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة , والإجماع على خلافه , فيجب تأويله بأن يحمل على الأفضل , وتقديره: المستحب ألا يذبحوا إلا مسنة ” انتهى.
وكذا قال النووي في “شرح مسلم”.
وقال في “عون المعبود”:” هذا التَّاوِيل هُوَ الْمُتَعَيِّن ” انتهى.
ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة والدالة على جواز الجذع من الضأن في الأضحية، ومنها حديث عُقْبَة بْن عَامِر رضي الله عنه قال: (ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَعٍ مِنْ الضَّان) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (4382). قَالَ الْحَافِظ سَنَده قَوِيّ وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (5/ 83) في ذكر شروط الأضحية:” الشرط الثاني: أن تبلغ سن التضحية , بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز , وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن , فلا تجزئ التضحية بما دون الثنية من غير الضأن , ولا بما دون الجذعة من الضأن. . . وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء , ولكنهم اختلفوا في تفسير الثنية والجذعة ” انتهى.
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
” لا أعلم خلافاً أن الجذع من المعز ومن كل شيء يضحى به غير الضأن لا يجوز، وإنما يجوز من ذلك كله الثني فصاعداً، ويجوز الجذع من الضأن بالسنة المسنونة ” انتهى من “ترتيب التمهيد” (10/ 267).
قال النووي في “المجموع” (8/ 366):
” أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني , ولا من الضأن إلا الجذع , وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه بعض أصحابنا ابن عمر والزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن. وعن عطاء والأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن ” انتهى.
ثانياً: وأما السن المشترط في الأضحية بالتحديد فقد اختلف في ذلك الأئمة:
فالجذع من الضأن: ما أتم ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة، وعند المالكية والشافعية ما أتم سنة.
والمسنة (الثني) من المعز: ما أتم سنة عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وعند الشافعية ما أتم سنتين.
والمسنة من البقر: ما أتم سنتين عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وعند المالكية ما أتم ثلاث سنوات.
والمسنة من الإبل: ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
انظر: “بدائع الصنائع” (5/ 70)، “البحر الرائق” (8/ 202)، “التاج والإكليل” (4/ 363)، “شرح مختصر خليل” (3/ 34)، “المجموع” (8/ 365)، “المغني” (13/ 368).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ” أحكام الأضحية”:” فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن ” انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/ 377): ” دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر، ومن المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية، وهذا هو المستيسر من الهدي؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً ” انتهى.
وقال الكاساني في “بدائع الصنائع” (5/ 70):
” وتقدير هذه الأسنان بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ; حتى لو ضحى بأقل من ذلك سِنًّا لا يجوز، ولو ضحى بأكثر من ذلك سِنًّا يجوز، ويكون أفضل , ولا يجوز في الأضحية حَمَل ولا جدي ولا عجل ولا فصيل ; لأن الشرع إنما ورد بالأسنان التي ذكرناها وهذه لا تسمى بها ” انتهى. الإسلام
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ” هذه الأحاديث كلها تتعلق بالضحايا وما يجزئ منها، قد دلت هذه الأحاديث على أنه المجزئ من الضحايا هو المسن الذي تم له سنة من المعز والضأن، ويجزئ الجذع من الضأن خاصة، والثني من غير ذلك، الثني من البقر، والثني من الإبل، ولا يجزئ ما دون ذلك، ويقول : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن، ودلت الأحاديث الأخرى على أن الجذعة من الضأن يقوم مقام الثني من المعز، فالضحايا كلها والهدايا كلها إنما يجزئ منها الثني، فالثني من الإبل ما تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما تم له سنتان ودخل في الثالثة، وفي المعز والضأن ما تم له سنة ودخل في الثانية، ويجزئ الجذع من الضأن خاصة وهو الذي تم له ستة أشهر فأكثر من الضأن خاصة للأحاديث التي ذكرها المؤلف، وذلك أن الجذعة من الضأن له قوة وله جسم كبير يشبه الثني من المعز أو أعظم، ولهذا من رحمة الله وحكمة الله أن أجزأ الجذع من الضأن، ومن شرط ذلك أن يكون بعد صلاة العيد، فمن ذبح قبل صلاة العيد فشاته شاة لحم لا تجزئ، من شرط الضحايا أن تذبح بعد الصلاة، فمن ذبح قبل الصلاة فلا ضحية له، شاته شاة لحم إلا أبا بردة بن نيار فإنها أجزأته، عناق عنده بسنة خاصة ولم تجزئ عن أحد بعده لأنه ضحى قبل الصلاة فشاته شاة لحم، وأخبر الرسول أن هذه العناق عنده تجزئ ولن تجزئ عن أحد بعده. وفق الله الجميع. “. [منتقى الأخبار (في مدينة الطائف) 13 من حديث: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم)].
قال (بداية المجتهد ونهاية المقتصد): وأما المسألة الثالثة: وهي معرفة السن المشترطة في الضحايا
فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز الجذع من المعز بل الثني فما فوقه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بردة لما أمره بالإعادة: ((يجزيك ولا يجزي جذع عن أحد غيرك)). واختلفوا في الجذع من الضأن: فالجمهور على جوازه، وقال قوم: بل الثني من الضأن. وسبب اختلافهم معارضة العموم للخصوص فالخصوص هو حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) خرجه مسلم. والعموم هو ما جاء في حديث أبي بردة بن نيار خرجه من قوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك)). فمن رجح هذا العموم على الخصوص وهو مذهب أبي محمد بن حزم في هذه المسألة؛ لأنه زعم أن أبا الزبير مدلس والمدلس عندهم من ليس يجري العنعنة من قوله مجرى المسند لتسامحه في ذلك، وحديث أبي بردة لا مطعن فيه. وأما من ذهب إلى بناء الخاص على العام على ما هو المشهور عند جمهور الأصوليين، فإنه استثنى من ذلك العموم جذع الضأن المنصوص عليها، وهو الأولى، وقد صحح هذا الحديث أبو بكر بن صفور، وخطأ أبا محمد بن حزم فيما نسب إلى أبي الزبير في غالب ظني في قول له رد فيه على ابن حزم. انتهى.