(11) – 12 نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
: (12) – ((12)) [صحيح] وعن أنس بن مالك قال:
رجعنا من غزوة تبوك مع النبي – – فقال:
«إن أقوامًا خَلْفَنا ((3)) بالمدينة، ما سَلَكْنا شِعْبًا ((4)) ولا واديًا إلاَّ وهم معنا، حَبَسَهم العُذرُ».
رواه البخاري وأبو داود، ولفظه: أن النبي – – قال:
«لقد تركتُم بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتُم مَسيرًا، ولا أنفقتُم مِن نَفَقَةٍ، ولا قَطَعتُم من واد إلاَّ وهم معكم».
قالوا: يا رَسولَ الله! وكيف يَكونونَ معنا وهم بالمدينةِ؟ قال:
«حَبَسَهُم المرضُ».
——-
قال ابن الجوزي: هَؤُلاءِ قوم صدقت نياتهم فِي الخُرُوج إلى تِلْكَ الغُزاة، فحبسهم القدر بِالمرضِ، فَكانُوا كَأنَّهُمْ غزوا، وعَلى هَذا جَمِيع أفعال الخَيْر مَتى نَواها الإنْسان فَمَنعه القدر، كتب لَهُ ثَواب الفِعْل. ومن جنس هَذا: {قد صدقت الرءيا} [الصافات (105)] ورُبما زادَت النِّيَّة الصادقة على الفِعْل، لِأن الفاعِل قد يُلاحظ عمله، والممنوع بالعذر لا يرى إلّا عَجزه. [كشف مشكل الحديث ((3) / (112) – (113))].
وقال الملا علي القاري: قالَ الطِّيبِيُّ: يَدُلُّ هَذا عَلى أنَّ القاعِدِينَ الأضِرّاءَ يُشارِكُونَ المُجاهِدِينَ فِي الأجْرِ، ولا يَدُلُّ عَلى اسْتِوائِهِما فِيهِ، والدّالُّ عَلى نَفْيِ الِاسْتِواءِ قَوْلُهُ تَعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء (95)] وقَوْلُهُ تَعالى: {وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا} [النساء (95)] دَرَجاتٍ؛ أيْ عَلى غَيْرِ الأضِرّاءِ، أوْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ والأضِرّاءِ دَرَجَةً وهِيَ الغَنِيمَةُ ونُصْرَةُ دِينِ اللَّهِ تَعالى فِي الدُّنْيا، وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلَيْهِمْ دَرَجاتٍ فِي العُقْبى. [مرقاة المفاتيح ((6) / (2472))].
قالَ النَّوَوِيُّ: وفِي هَذا الحَدِيثِ فَضِيلَةُ النِّيَّةِ فِي الخَيْرِ وأنَّ مَن نَوى الغَزْوَ وغَيْرَهَ مِنَ الطّاعاتِ فَعَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوابُ نِيَّتِهِ وأنَّهُ كُلَّما أكْثَرَ مِنَ التَّأسُّفِ عَلى فَواتِ ذَلِكَ وتَمَنّى كَوْنَهُ مَعَ الغُزاةِ ونَحْوِهُمْ كَثُرَ ثَوابُهُ واللَّهُ أعْلَمُ. شرح النووي لمسلم ((13) / (57)).
و قال ابن عبدالبر: هَذا أبْيَنُ شَيْءٍ فِيما قُلْنا لِأنَّ هَؤُلاءِ لَمّا نَوَوُا الجِهادَ وأرادُوهُ وحَبَسَهُمُ العُذْرُ كانُوا فِي الأجْرِ كَمَن قَطَعَ الأوْدِيَةَ والشِّعابَ مُجاهِدًا بِنَفْسِهِ وهَذا أشْبَهُ الأسْبابِ بِالَّذِي عَلَيْهِ النَّوْمُ فَمَنَعَهُ مِن صَلاةٍ كانَ قَدْ عَزَمَ عَلَيْها ونَوى القيام إليها. [التمهيد ((12) / (267))].
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: وهذا يدل على أن المعذور شرعا من فعل الشيء، وهو يحب أن يفعله – لولا العذر – أنه مع العاملين، وله أجر العاملين. [فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (12) / (289) —
ابن باز (ت (1420))].
و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: فمعني الحديث أن الإنسان إذا نوي العمل الصالح، ولكنه حبسه عنه حابس فإنه يكتب له أجر ما نوي.
أما إذا كان يعلمه في حال العذر؛ أي: لما كان قادرًا كان يعلمه، ثم عجز عنه فيما بعد؛ فإنه يكتب له أجر العمل كاملًا، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا». فالمتمني للخير، الحريص عليه؛ إن كان من عادته أنه كان يعلمه، ولكنه حبسه عنه حابس، كتب له أجره كاملًا.
فمثلًا: إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تمامًا من غير نقص.
وكذلك إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعًا، ولكنه منعه منه مانع، ولم يتمكن منه؛ فإنه يكتب له أجره كاملًا، وكذلك إن كان من عادته أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم عجز عن ذلك، ومنعه مانع، فإنه يكتب له الأجر كاملًا.
وغيره من الأمثلة الكثيرة.
أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله؛ فإنه يكتب له أجر النية فقط، دون أجر العمل.
ودليل ذلك: أن فقراء الصحابة قالوا: يا رسول الله سبقنا أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم – يعني: أن أهل الأموال سبقوهم بالصدقة والعتق- فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «أفلا أخبركم بشي إذا فعلتموه أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد إلا من عمل مثل ما عملتم! فقال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين» ففعلوا، فعلم الأغنياء بذلك؛ ففعلوا مثلما فعلوا، فجاء الفقراء إلى الرسول صلي الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا؛ ففعلوا مثله، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» والله ذو الفضل العظيم. ولم يقل لهم: إنكم أدركتم أجر عملهم، ولكن لا شك أن لهم أجر نية العمل.
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن آتاه الله مالًا؛ فجعل ينفقه في سبل الخير، وكان رجل فقير يقول: لو أن لي مال فلان لعملت مثل عمل فلان، قال النبي صلي الله عليه وسلم: «فهو بنيته النبي صلي الله عليه وسلم فأجرهما سواء».
أي سواء في أجر النية، أما العمل فإنه لا يكتب له أجره إلا إن كان من عادته أن يعمله.
*وفي هذا الحديث: إشارة إلى من يخرج في سبيل الله، في الغزو، والجهاد في سبيل الله، فإن له أجر ممشاه، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم: «ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا ولا شعبا إلا وهم معكم».
ويدل لهذا قوله تعالي: (ذَلِكَ بِأنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلًا إلّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ) (ولا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا إلّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة: (120) / (121)).
ونظير هذا: أن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء، ثم خرج إلى المسجد؛ لا
يخرجه إلا الصلاة؛ فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة.
وهذا من فضل الله – عزوجل – أن تكون وسائل العمل فيها هذا الأجر الذي بينه الرسول صلي الله عليه وسلم. والله الموفق. اهـ. [شرح رياض الصالحين ((1) / (36) – (38))].