11 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع وتأليف نورس الهاشمي
2189 حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ وَمَعَنَا بَدَنَتَانِ فَأَزْحَفَتَا عَلَيْنَا فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لِي سِنَانٌِ هَلْ لَكَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَيْنَاهُ فَسَأَلَهُ سِنَانٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُهَنِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَمْ يَحُجَّ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيكَ
الجواب سيف:
2189 هو في الصحيح المسند برقم 587 لكن هنا زيادة خرجت أنا وسنان ومعنا بدنتان فأزحفتا علينا …. وفيه أيضا: حج عن أبيك
فهو على الشرط
________
الحج عن الغير
فإنَّ من المسائل التي اختلف فيها العلماء سلفاً وخلفاً مسألة “الحج عن الغير”، ويُمكن لنا أن نلخص ذلك الخلاف وتفريعاته وأسبابه، وأقوال المختلفين واستدلالاتهم وردودهم، من خلال هذين النقلين:
قال الحافظ النووي رحمه الله في [شرح صحيح مسلم 9/ 98]: ((ومذهب الجمهور: جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب؛ وهو الزمانة والهرم ونحوهما، وقال مالك والليث والحسن بن صالح: لا يحج أحدٌ عن أحدٍ إلا عن ميت لم يحج حَجَّةَ الإسلام؛ قال القاضي: وحُكي عن النخعي وبعض السلف: لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإنْ أوصى به، وقال الشافعي والجمهور: يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره سواء أوصى به أم لا، ويجزئ عنه، ومذهب الشافعي وغيره: أنَّ ذلك واجب في تركته، وعندنا يجوز للعاجز الإستنابة في حجِّ التطوع على أصح القولين، واتفق العلماء على: جواز حج المرأة عن الرجل؛ إلا الحسن بن صالح فمنعه، وكذا يمنعه من منع أصل الاستنابة مطلقاً)).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في [الفتح 4/ 69 70] تعليقاً على حديث الخثعمية: ((وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز الحج عن الغير؛ واستدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة حج مَنْ لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه؛ واستدلوا بما في السنن وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس أيضاً: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يلبي عن شبرمة، فقال: أحججت عن نفسك؟ فقال: لا، قال: “هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة”، واستدل به على أنَّ الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس، وعكس بعض المالكية فقال: مَنْ لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب، وأجابوا عن حديث الباب: بأنَّ ذلك وقع من السائل على جهة التبرع وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب، وبأنها عبادة بدنية فلا تصح النيابة فيها كالصلاة، وقد نقل الطبري وغيره: الإجماع على أنَّ النيابة لا تدخل في الصلاة، قالوا: ولأنَّ العبادات فرضت على جهة الإبتلاء وهو لا يوجد في العبادات البدنية إلا بإتعاب البدن؛ فبه يظهر الإنقياد أو النفور، بخلاف الزكاة فإنَّ الإبتلاء فيها بنقص المال وهو حاصل بالنفس وبالغير، وأجيب: بأنَّ قياس الحج على الصلاة لا يصح لأنَّ عبادة الحج مالية بدنية معاً، فلا يترجح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة، ولهذا قال المازري: من غَلَّبَ حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة ومن غَلَّبَ حكم المال ألحقه بالصدقة، وقد أجاز المالكية: الحج عن الغير إذا أوصى به، ولم يجيزوا ذلك في الصلاة، وبأنَّ حصر الإبتلاء في المباشرة ممنوع؛ لأنه يوجد في الآمر مِن بذلهِ المال في الأُجرة، وقال عياض: لا حُجَّةَ للمخالف في حديث الباب؛ لأنَّ قوله “أنَّ فريضة الله على عباده” الخ معناه: أنَّ إلزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أبي بصفة منْ لا يستطيع؛ فهل أحج عنه؟ أي هل يجوز لي ذلك؟ أو هل فيه أجر ومنفعة؟ فقال: نعم، وتعقِّب بأنَّ في بعض طرقه
التصريح بالسؤال عن الإجزاء فيتم الاستدلال، وتقدم في بعض طرق مسلم: “أنَّ أبي عليه فريضة الله في الحج”، ولأحمد في رواية “والحج مكتوب عليه”، وادَّعى بعضهم أنَّ هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختصَّ سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير حكاه ابن عبد البر؛ وتعقِّب بأنَّ الأصل عدم الخصوصية، واحتج بعضهم لذلك بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين فزاد في الحديث: “حج عنه وليس لأحد بعده”، ولا حجة فيه لضعف الإسنادين مع إرسالهما، وقد عارضه قوله في حديث الجهنية الماضي في الباب “اقضوا الله فالله أحق بالوفاء”، وادَّعى آخرون منهم: أنَّ ذلك خاص بالابن يحج عن أبيه؛ ولا يخفى أنه جمود، وقال القرطبي: “رأى مالك أنَّ ظاهر حديث الخثعمية مخالف لظاهر القرآن فرجَّح ظاهر القرآن، ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره ومن جهة أنَّ القول المذكور قول امرأة ظنتْ ظناً، قال: ولا يقال قد أجابها النبي صلى الله عليه وسلم على سؤالها ولو كان ظنها غلطاً لبينه لها؛ لأنا نقول: إنما أجابها عن قولها “أفاحج عنه” قال: “حجي عنه”، لما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأبيها” اهـ، وتُعقِّب بأنَّ في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك حجة ظاهرة، وأما ما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس فزاد في الحديث: “حُجَّ عن أبيك: فإنْ لم يزده خيراً لم يزده شراً”، فقد جزم الحفاظ بأنها رواية شاذة، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها للمخالف.
ومن فروع المسألة: أنْ لا فرق بين من استقرَّ الوجوب في ذمته قبل العضب أو طرأ عليه؛ خلافاً للحنفية، وللجمهور ظاهر قصة الخثعمية، وأنَّ مَنْ حَجَّ عن غيره وقع الحج عن المستنيب خلافاً لمحمد بن الحسن؛ فقال: يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر النفقة، واختلفوا فيما أذاعوا في المعضوب، فقال الجمهور: لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن ميئوساً منه، وقال أحمد وإسحاق: لا تلزمه الإعادة لئلا يفضى إلى إيجاب حَجَّتين، واتفق من أجاز النيابة في الحج: على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت أو عضب، فلا يدخل المريض لأنه يُرجى برؤه، ولا المجنون لأنه تُرجى إفاقته، ولا المحبوس لأنه يُرجى خلاصه، ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه، والله أعلم)).
وردت عدة أحاديث في مشروعية الحج عن الغير، منها ما هو متعلِّق بفريضة الحج، ومنها ما هو متعلِّق بالنذر، ومنها ما هو متعلِّق بالوصية، ومنها مطلق، ومن جهة الحاج والمحجوج عنه: وردت أحاديث منها حج الابن أو البنت عن الأب أو الأم.
الحديث الأول: حديث الخثعمية
أخرج الشيخان وغيرهما عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وفي لفظ عند مسلم: “فَحُجِّي عَنْهُ”، وعند ابن ماجه بلفظ: إنَّ أبي شيخ كبير قد أفند وأدركته فريضة الله على عباده في الحج، ولا يستطيع أداءها؛ فهل يجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، وفي لفظ آخر عند أحمد والدارمي وابن ماجه: “قال: نعم؛ فإنه لو كان على أبيك دين قضيته”.
الحديث الثاني: حديث الجُهينية
أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: “نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا؛ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ، فاقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ”.
الحديث الثالث: حديث بريدة
أخرج مسلم وغيره عن بريدة رضي الله عنه قال: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: “وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ”، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: “صُومِي عَنْهَا”، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ؛ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: “حُجِّي عَنْهَا”.
الحديث الرابع: حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه
أخرج أصحاب السنن عن أبي رزين أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إنَّ أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: “حجَّ عن أبيك واعتمر”.
الحديث الخامس: حج الرجل عن أخته التي نذرت الحج وماتت
أخرج البخاري وغيره عن عبدالله بن عباس أنه قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ ” قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: “فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ”.
وهو عند ابن حبان بلفظ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَرَأَيْتَ لَوَ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ” أي مطلق غير مقيد بالنذر!، وقد نبَّه الشيخ الألباني رحمه الله في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: أنَّ هذه القصة في حج النذر خاصة فقال: ((فإنَّ ظاهرها أنها لم تحج حَجَّة الإسلام، وليس كذلك، وإنما هي حَجَّةُ نَذْرٍ، فقد أخرج أحمد (1/ 345) عن وكيع … بلفظ: “إنَّ أختي نذرت أن تَحُجَ وقد ماتت”، وكذلك أخرجه البخاري (6699) والطيالسي (2621) وأحمد أيضاً (1/ 239 240) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (12/ 50/ 12443) من طرقٍ أُخرَ عن شعبة … به، وكذلك أخرجه النسائي (2/ 4) وابن الجارود (501) وابن خزيمة (4/ 346/ 3041))).
الحديث السادس: حجُّ الرجل عن أبيه الميت أو الحي الذي لا يستطيع الحج
أخرج النسائي وابن حبان والطبراني وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: “أَرَأَيْتَ لَوَ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ ” قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: “حُجَّ عَنْ أَبِيكَ”.
قلت: تفيد هذه الأحاديث ان الحج عن الغير مشروط بعدم الاستطاعة إما لكبر سنه ولا يستطيع السفر أو مريض لا يرجى برؤه.
قال العثيمين: فإن كان عاجزا عن أداء الفريضة، فإما أن يكون عجزه طارئا يرجى زواله، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، ثم يؤدي الفريضة بنفسه، مثل أن يكون في أشهر الحج مريضا مرضا طارئا يرجى زواله، وهو لم يؤد الفريضة، فإننا نقول له: انتظر حتى يعافيك الله وحج، إن أمكنك في هذه السنة فذاك، وإلا ففي السنوات القادمة، أما إذا كان عجزه عن الحج عجزا لا يرجى زواله، كالكبير، والمريض مرضا لا يرجى زواله، فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه.
قال الشيخ العباد في شرح سنن ابي داود: والحديث مطابق للترجمة من جهة أن يحج الرجل عن غيره، فهذا يدل على أن للإنسان أن يحج عن غيره، وهذا إذا كان ميتاً، وأما إذا كان حياً، فيجوز ذلك في حالتين اثنتين: إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر، كما جاء في هذا الحديث وحديث الخثعمية السابق، والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، وهو في معناه. انتهى
والنائب لابد أولا أن يحج عن نفسه ثم عن غيره كما جاء في قصة شبرمة. (لحديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة). رواه أحمد واحتج به وأبو داود وابن حبان والطبراني. قال البيهقي: إسناده صحيح وفي لفظ للدارقطني: (هذه عنك وحج عن شبرمة). ص 240 صحيح، ارواء الغليل.
(حج عن أبيك) فيه جواز الحج عن الغير واستدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بما في السنن وصحيح بن خزيمة وغيره من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يلبي عن شبرمة فقال أحججت عن نفسك فقال لا قال حج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة
كذا في الفتح. تحفة الأحوذي (3/ 581).
قال العلامة ابن قدامة المقدسي رحمه الله في [المغني 3/ 185]: ((لا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب مَنْ يقدر على الحج بنفسه إجماعاً، قال ابن المنذر: “أجمع أهل العلم على أنَّ من عليه حَجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه”)).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في [فتح الباري 4/ 70]: ((واتفق مَنْ أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت أو عضَب، فلا يدخل المريض لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه)).
وقالت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله [فتاوى اللجنة الدائمة (11/ 51)]: ((يجوز للمسلم الذي قد أدَّى حجَّ الفريضة عن نفسه أن يحجَّ عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنِّه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتاً للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إنْ كان مَنْ يُراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يُرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق، ونحو ذلك، فإنه لا يجزئ الحج عنه)).
قال العلامة الفوزان في المنتقى: إنه إذا كان حج عن والده قبل أن يحج عن نفسه حجة الإسلام؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الإنسان عليه أن يحج عن نفسه أولاً قبل أن يحج عن غيره؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (لما سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: ومن شبرمة؟. قال: أخ لي. قال: هل حججت عن نفسك؟. قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة) [رواه أبو داود في سننه (2/ 167)، ورواه ابن ماجه في سننه (2/ 969)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 336، 337)].
فعلى الإنسان أن يؤدي فرضه أولاً، وأن يحج عن نفسه أولاً، ثم يحج عن غيره، وإذا كان الأمر كذلك؛ أي: أنه لم يحج عن نفسه؛ فإن حجته عن والده وقعت عن نفسه، ويحج بعد ذلك عن والده، فيكون ما فعله لنفسه هو، ويكون ما يفعله مستقبلاً لوالده.
رجح الشيخ الالباني – رحمه الله – مذهب الامام مالك في ان الحج مقيد بالولد عن والده او الوصية المسبقة من المحجوج عنه قبل وفاته. في سلسلة الهدى و النور.
مسألة: هل يجب الحج على من فرط؟
وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله الاستدلال بالأحاديث السابقة على وجوب الحج على المفرِّط، وردَّ استدلالات المانعين عن الحج عن المفرِّط، فقال رحمه الله في [شرح العمدة 2/ 138]: ((مسألة: “فمَنْ فرَّط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة” وجملة ذلك: أنَّ مَنْ وجب عليه أن يحج بنفسه أو نائبه في حياته ففرَّط في ذلك حتى مات وله تركة وجب أن تخرج من ماله حَجة وعمرة؛ إذا قلنا بوجوبها (أي وجوب العمرة) وهو المشهور في المذهب، وكذلك مَنْ وجب عليه ولم يفرِّط وهو مَنْ كان به مرض يُرجى برؤه أو كان محبوساً أو ممنوعاً أو كان بطريقه عاقة أو ضاق الوقت عن حجته وعمرته أو لم يكن للمرأة محرم إذا قلنا بوجوب الحج في ذمتهم ، ويكون هذا الحج ديناً عليه يخرج من رأس ماله مقدَّماً على الوصايا والمواريث؛ هذا مذهب أحمد نصَّ عليه في موضع وأصحابه، كما قلنا مثل ذلك في الزكاة والصيام؛ لأنَّ الحجَّ دَينٌ من الديون بدليل)).
قلت سيف:
تنبيه: حديث (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة). الراجح عند أحمد وقفه نقله ابن حجر في البلوغ، وقال ابن المنذر: لا يثبت (راجع تحقيق البلوغ طبعة الآثار)