1096 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——–”——-“——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘——–‘
———‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1096):
عن لقيط بن صبرة
كنتُ وافدَ بنى المنتَفِقِ أو فى وفدِ بنى المنتَفِقِ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ فلمَّا قدِمنا علَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فلَم نصادِفْهُ فى منزلِهِ وصادَفْنا عائشةَ أمَّ المؤمنينَ قالَ فأمَرَت لَنا بخزيرةٍ فصُنِعَت لَنا قالَ وأُتِينا بقِناعٍ ولم يقل قُتَيْبةُ القِناعَ والقِناعُ الطَّبقُ فيهِ تمرٌ ثمَّ جاءَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ هل أصبتُمْ شيئًا أو أُمِرَ لَكُم بشَاءٍ قالَ قُلنا نعَم يا رسولَ اللَّهِ قالَ فبَينا نحنُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جلوسٌ إذ دفعَ الرَّاعى غَنمَهُ إلى المِراحِ ومعَهُ سَخلةٌ تيعَرُ فقالَ ما ولَّدتَ يا فُلانُ قالَ بَهْمةً قالَ فاذبَح لَنا مَكانَها شاةً ثمَّ قالَ لا تَحسِبنَّ ولم يقل لا تَحسَبنَّ أنَّا من أجلِكَ ذبَحناها لَنا غنمٌ مِائةٌ لا نريدُ أن تَزيدَ فإذا ولَّدَ الرَّاعى بَهْمةً ذبَحنا مَكانَها شاةً قالَ قلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لى امرأةً وإنَّ فى لسانِها شيئًا يعنى البَذاءَ قالَ فطلِّقها إذًا قالَ قلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ لَها صُحبةً ولى مِنها ولَدٌ قالَ فمُرها يقولُ عِظها فإن يَكُ فيها خيرٌ فستَفعلُ ولا تضرِبْ ظعينتَكَ كضَربِكَ أُميَّتَكَ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ أخبِرنى عنِ الوُضوءِ قالَ أسبغِ الوضوءَ وخلِّل بينَ الأصابعِ وبالِغْ فى الاستنشاقِ إلَّا أن تَكونَ صائمًا
أخرجه أبو داود (142) واللفظ له، والترمذي (788)، والنسائي (114) مختصراً، وابن ماجه (407، 448) مفرقاً مختصراً، وأحمد (17846) باختلاف يسير
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي
ب – التخريج: وقد بوب عليه الوادعي رحمه الله في (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين)، كتاب: النكاح والطلاق، وشيء من أحكام النسوة، باب: المرأة تقوم بالضيافة إذا لم يكن زوجها موجودًا إذا أمنت الفتنة. وأورد الحديث أيضًا تحت باب: المبالغة في الاستنشاق لمن ليس بصائم.
أورد الحديث أبو داود في السنن، كتاب الطهارة، بَابٌ فِي الِاسْتِنْثَارِ.
• الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث:
فيقول الإمام أبو داود، في سُننه -رحمه الله تعالى-:
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، فِي آخَرِينَ) يعني: في رجال آخرين من الشيوخ، حدَّثوه، (قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ) من بني المنتفق، وبعضهم يقول: لقيط بن صبرة هو أبو رزين العقيلي، (عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ) يعني: هو الذي يُمثِّلهم.
والوافد: جمعه وفد، كصاحب وصحب، والوفد قوم يفدون على الملوك، يُمثِّلون مَنْ وراءهم، ويتحدثون باسمهم، وفي الغالب أنَّهم يُختارون من القوم، فالذين يفدون يُمثلون قومهم، لا بُد أن يكونوا ممن اختير ليُمثل من وراءه، فيكون اختيارهم بعناية. ما يُقال: يروح خمسة، يروح عشرة، يروح كذا من غير أن يعينوا.
(أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ) ابن عامر بن عقيل، (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ) جاؤوا إلى منزله- عليه الصلاة والسلام- ما وجدوه، قد خرج في حاجة. قالوا: (وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) ما وجدوه، وجدوا عائشة أم المؤمنين، (فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ) الخزيرة: لحم يُقطَّع صغارًا ويُغلى – يُطبخ -، ثم يوضع عليه شيء من الدقيق، يُسمَّى خزيرة. فإن كان ماءً ودقيق فقط بدون لحم فهو عصيدة، يسمونها عصيدة. وهناك شيء يُسمَّى الحريرة، يعرفها المغاربة، خزيرة وحريرة، بعضهم يقول: الحريرة مثل العصيدة، دقيق بالماء المغلي دون لحم.
(فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ) قناع، يقولون له: طبق، وفي عرف بعض الناس يُسمَّى صحنًا. (بِقِنَاعٍ) – وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: (الْقِنَاعَ) في نسخة، ولم يُقم قتيبة: القناع، أي: لم يتلفظ به تلفظًا صحيحًا، هكذا في بعض النُّسخ. وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ،
المراح: الذي تأوي إليه الماشية بالليل، هذا هو المُراح بـ (ضم الميم).
(وَمَعَهُ سَخْلَة تيعر) والسخلة: ولد الشاة، أو العنز حين يولد، فإن زادت قليلًا فهي بهمة، (وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ) يعني: تصوِّت، صوتها يُقال له: يَعار.
(فَقَالَ: «مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟»، قَالَ: بَهْمَةً) يعني: أطلق البهمة على السخلة. المقصود: أنَّه يريد أنَّها أنثى، وليست بذكر.
(قَالَ: «فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً» ” رزقنا بهذه السخلة، اذبح مكانها شاة من الغنم التي عندك، (ثُمَّ قَالَ: ” لَا تَحْسِبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا»، «فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً» فقد يُحرج الضيف إذا عرف أنَّه تُكلِّف له،
هذا عكس بعض الناس، {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [سورة آل عمران:188].
قوله «لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً» هذا من الزهد في الدنيا، لا يريد التكاثر، إنَّما يريد هذا العدد من أجل الحاجة، يذبح منها، ويضيف منها، ويأكل منها، ويتصدق، ويشرب من لبنها، ويُستفاد من درِّها ونسلها،
قوله (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا – يَعْنِي الْبَذَاءَ -) في اللسان، ترفع الصوت، وتتكلم بألفاظ غير مناسبة. (قَالَ: «فَطَلِّقْهَا إِذًا»)؛ لأنَّ مثل هذه الزوجة متعبة.
(قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ) يعني: مدة طويلة عندي وأنا صابر ومحتسب عليها، ولي أولاد.
قَالَ: «فَمُرْهَا» ” يعني: مرها أن تكف لسانها، وأن تتأدب، وأدِّبها، وعظها.
) «فَمُرْهَا» يَقُولُ: «عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ» (يعني: تمتثل إن كان فيها خير، وإن لم تمتثل فمعناه أنَّه ليس فيها خير، «فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ» يعني الموعظة مطلوبة، والهجران، والضرب غير المُبرِّح
قوله «وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ» أُمَيَّة: تصغير أَمة، لا تضرب زوجتك التي تسمى الظعينة؛ لأنها تظعن وترحل مع زوجها، «كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ» هذا نهي عن ضرب النساء الضرب المُبرِّح الذي قد يجرح، وقد يكسر. أمَّا الضرب الذي يؤدب ولا يُبرِّح، ولا يجرح، ولا يكسر فهذا مأمور به إذا لم تمتثل المرأة وتتأدب بالهجر والموعظة.
الأُمَيَّة: تصغير أَمة، هل هو مأذون بضربها؟ لا، لكن هذا من باب بيان الواقع، الناس يضربون المماليك، وجاء النهي عن ضربهم، وأذيتهم، والتقصير في نفقتهم، لكنه هذا الواقع -واقع الناس يفعلون ذلك-، وليس معنى هذا أنَّه إقرار للواقع.
«أَسْبِغِ الْوُضُوءَ» وهو تبليغه مواضعه، «وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» للتأكد من وصول الماء. «وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» بين أصابع اليدين، وكذلك الرجلين من باب أولى،
«وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» في رواية السحاب بن القطان: «بالغ في المضمضة والاستنشاق» والأنف لا يُمكن التحكم فيه مع المبالغة، بخلاف الفم، يُمكن أن يُبالغ في المضمضة ومع ذلك يتحكم في فمه، وما دام وردت الرواية التي تقرن بين المضمضة والاستنشاق في المبالغة إلا أن يكون صائمًا حينئذٍ لا نحتاج إلى القياس. [شرح سنن أبي داودد].
قلت سيف: لفظة المضمضة شاذة.
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث، والروايات الملحقة، فوق ما تقدم:
– فيه دليل على أنه لا تجب الهجرة على كل أسلم؛ لأن بني المنتفق وغيرهم لم يهاجروا بل أرسلوا وفودهم، وهو كذلك إذا كان في موضع يقدر على إظهار الدين فيه. قاله صاحب (بذل المجهود شرح سنن أبي داود).-
– فيه ذكر منائحه صلى الله عليه وسلم.- يدل على كرم عائشة رضي الله عنها.- أن المرأة إذا عرفت أن زوجها لا يمنعها من شيء معين مما يوجب الإذن، فلها أن تفعله في غيبته.
قال الوادعي رحمه الله:- للمرأة أن تقوم بالضيافة إذا لم يكن زوجها موجودًا إذا أمنت الفتنة.- المبالغة في الاستنشاق لمن ليس بصائم. انتهى.
– على صاحب الدار، والحلال إذا وقع له ما يحرج الضيف أو يظن أنه سيكلف صاحب الدار، أن يبين ذلك؛ حتى لا يحرج الضيف، عملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
– زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا؛ حيث أنه لا يريد التكاثر، إنَّما يريد هذا العدد من أجل الحاجة.
– الرسول -عليه الصلاة والسلام- طريقته، ومنهجه أنَّه إذا وُلِّد له شيء ذبح مكانه واحدة من كبار، نريد أن لا تزيد.
فقه الأسرة:
– من الأمور التي تفسد بين الزوجين بذاءة اللسان وهي رفع الصوت، والتكلم بألفاظ غير مناسبة. – على الزوجين أن ينظرا في ما يكون به التوازن الأسري.
– أن في الأمور الزوجية وخاصة في الطلاق ينظر إلى المصلحة الراجحة، وإن من المصالح إذا كان بينهما طول صحبة وأولاد.
– إذا حصل أي سوء تفاهم على الزوجين أن يبادرا بالصلح، والموعظة الحسنة.
المفتي والمستفتي:
– فيه أن على السائل أن يوضح مسألته بكل جوانبها؛ حتى تكون إجابة المفتي وفق مقاصد الشريعة، ويؤدي الحقوق.- فيه استغلال وجود العلماء في طرح المسائل المهمة، وما يهم المرء في يومه وليلته.- الحرص على معرفة تفاصيل المسائل، وما يضبط فهمها؛ عند وجود أهل العلم.
الوجه الرابع: متممة المسائل:
المسألة الأولى (1): معنى المضمضة والاستنشاق والاستنثار؟
1) المعنى: أ – ” (المضمضة): إدخال الماء في الفم، وإدارته، ثم مجه على خلاف بين أهل اللغة في المج، هل هو من حقيقة المضمضة أو لا؟ بمعنى أنَّه إذا أدخله وأداره، ثم ابتلعه، هل يُقال: تمضمض، أم ما يُقال؟ إذا قلنا إنَّ المج من حقيقة المضمضمة، قلنا: ما تمضمض، وإذا قلنا: إنَّه يكفي إدخال الماء، وإدارته في الفم يكفي في تحقيق مسمى المضمضة،
ب – “و (الاستنشاق): هو جذب الماء إلى داخل الأنف بالنَّفس، “استنشق” أدخله إلى داخل أنفه بالنَّفس.
وأما (الاستنثار): إخراج الماء من الأنف بالنَّفس أيضًا”.
2) حكمهما؟ سيأتي إن شاء الله تعالى,
المسألة الثانية (2): المَضمَضة والاستنشاق والاستنثار.
الراجح من أقوال أهل العلم أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء والغسل:
أولاً: الوضوء: اختلف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل، والصحيح من أقوالهما أنهما واجبتان، لا يصح الوضوء ولا الغسل إلا بهما، لأنهما داخلان في غسل الوجه المأمور به في الآية الكريمة.
قال الحجاوي في “الزاد” في “باب فروض الوضوء وصفته” (ص 29):
” فروضه ستة: غسل الوجه – والفم والأنف منه – وغسل اليدين ومسح الرأس – ومنه الأذنان – وغسل الرجلين (وأرجلكم إلى الكعبين) والترتيب والموالاة – وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله – ” انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه:
” قوله: والفم والأنف منه، أي: من الوجه؛ لوجودهما فيه فيدخلان في حده، وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء، لكنهما غير مستقلين، فهما يشبهان قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة، وأشار بيده على أنفه)، وإن كانت المشابهة ليست من كل وجه ” انتهى.
“الشرح الممتع” (1/ 119).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
” ثبتت المضمضة والاستنشاق في الوضوء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، وهما داخلان في غسل الوجه، فلا يصح وضوء من تركهما أو ترك واحدا منهما ” انتهى.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (4/ 78).
وكون الآية لم تفصل بذكر المضمضة والاستنشاق لا يعني عدم الوجوب؛ لأن السنة مبينة للقرآن، وقد جاءت السنة بالمضمضة والاستنشاق، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخلّ بهما أو أحدهما في وضوء، فكان هذا بيانا للأمر الوارد في القرآن بغسل الوجه في الطهارة.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (1/ 83):
” كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ , وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَامُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ” انتهى.
فمن ترك المضمضة أو الاستنشاق في طهارة لم تصح طهارته، سواء كان عامدا أو ناسيا.
قال المرداوي في “الإنصاف” (1/ 153):
” قَوْلُهُ (وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ) يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ … وَهَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ … وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ , فَتَرْكُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا , وَلَوْ سَهْوًا: لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ. قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا عَلَى الْأَشْهَرِ , وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى ” انتهى.
وقال علماء اللجنة للإفتاء:
” إذا نسي الإنسان غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه ولو صغيرا: فإن كان في أثناء الوضوء أو بعده مباشرة ولا زالت آثار الماء على أعضائه لم تجف من الماء – فإنه يغسل ما نسيه من أعضائه وما بعده فقط، أما إن ذكر أنه نسي غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه بعد أن جفت أعضاؤه من الماء، أو في أثناء الصلاة أو بعد أداء الصلاة – فإنه يستأنف الوضوء من جديد، كما شرع الله ويعيد الصلاة كاملة لانتفاء الموالاة في هذه الحالة وطول الفصل، والله سبحانه أوجب غسل جميع أعضاء الوضوء، فمن ترك جزءا ولو يسيرا من أعضاء الوضوء فكأنما ترك غسله كله، ويدل لذلك ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ فترك موضع الظفر على قدمه، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. قال: فرجع فصلى) أخرجه مسلم (243) وابن ماجه (666) ” انتهى.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (4/ 92).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” الترتيب في الوضوء واجب، لذلك إذا توضأ ثم بعد أن خرج من المتوضأ رأى أن مرفقه لم يصله الماء، فيرجع فيغسله ثم يمسح رأسه ويغسل رجليه، أما إذا وجد أن رجليه لم تصبها الماء، فيغسل رجليه فقط؛ لأن الرجلين آخر الأعضاء في الوضوء.
إذا نسي المضمضة والاستنشاق فيفعلهما ثم يغسل يديه إلى المرافق ويمسح رأسه ويغسل رجليه. إذاً: فهو يعيد العضو الذي حدث فيه الخلل وما بعده، إلا إذا طال الوقت فيعيد الوضوء كاملاً ” انتهى من “الشرح المختصر على بلوغ المرام” (2/ 73) – مفرغ
ثانيًا: الغسل: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء.
وقيل: يصح بدونهما.
والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد ” انتهى من “الشرح الممتع”.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “إذا أصاب الإنسان جنابة فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء، لكن لابد من المضمضة والاستنشاق ” انتهى. [“فتاوى نور على الدرب” (120/ 20)].
فرع: يستحب للمغتسل أن يتوضأ في بداية غسله، فإن لم يفعل وأفاض الماء على جميع جسده أجزأه ذلك وصح غسله، وله أن يتمضمض ويستنشق في أول غسله أو في آخره أو وسطه؛ لأن الغسل لا يجب فيه الترتيب. وانظر: “المغني” (1/ 140).
جاء في “الموسوعة الفقهية” (11/ 100، 102):
“التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالاَةُ فِي الْغُسْل غَيْرُ وَاجِبَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَال اللَّيْثُ: لاَ بُدَّ مِنَ الْمُوَالاَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الامَامِ مَالِكٍ، وَالْمُقَدَّمُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: وُجُوبُ الْمُوَالاَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لأِصْحَابِ الامَامِ الشَّافِعِيِّ.
فَعَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ: إِذَا تَوَضَّأَ مَعَ الْغُسْل لَمْ يَلْزَمِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ
مِنْ أَجْل ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ غَسْل عُضْوٍ أَوْ لُمْعَةٍ مِنْ عُضْوٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَمْ فِي غَيْرِهَا، تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ وَحْدَهُ بَعْدُ، طَال الْوَقْتُ أَوْ قَصُرَ، وَلَوْ غَسَل بَدَنَهُ إِلاَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ تَدَارَكَهَا، وَلَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا.
وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَرَكَ الْوُضُوءَ فِي الْغُسْل، أَوِ الْمَضْمَضَةَ أَوِ الاِسْتِنْشَاقَ كُرِهَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَاتِيَ بِهِ وَلَوْ طَال الْفَصْل دُونَ إعَادَةٍ لِلْغُسْل. وَيَجِبُ تَدَارُكُهُمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ إِذْ هُمَا وَاجِبَانِ فِي الْغُسْل عِنْدَهُمْ، بِخِلاَفِهِمَا فِي الْوُضُوءِ، فَهُمَا فِيهِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ “. “الموسوعة الفقهية” (11/ 100 – 101)
الفرع: حُكم المَضمَضة والاستنشاق:
القول الأول: من قال بالوجوب. وقد سبق ذكر شيء من ذلك. قالوا في (الموسوعة الفقهية): ” تجِب المضمضةُ والاستنشاقُ في الوضوء، وهو مذهَبُ الحنابلة، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف، واختاره بعض الظَّاهريَّة، وابنُ تيميَّة، وابن القيِّم، والشوكانيُّ، وابن باز، والألبانيُّ، وابنُ عثيمين.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6].وجه الدَّلالة: أنَّ الله أمَر بغَسلِ الوجهِ، والفمُ والأنفُ منه.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1 – عن لَقِيط بن صَبِرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا توضَّأتَ فمَضمِضْ)).
2 – عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم، فليجعلْ في أنفه، ثم لينثرْ)).
ثالثًا: أنَّ كلَّ مَن وصف وضوءَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستقصيًا، ذكر أنَّه تمضمضَ واستنشق، ومداومتُه عليهما تدلُّ على وجوبِهما؛ لأنَّ فِعلَه وقع بيانًا وتفصيلًا للوضوءِ المأمورِ به في كتابِ الله”. انتهى.
القول الثاني: الاستحباب.”وقال بعض الأئمة: المضمضة والاستنشاق في الوضوء سُنَّة، ولا تجب؛ لأنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لمن سأله عن الوضوء، قال: «توضأ كما أمرك الله» يعني: في القرآن، والقرآن ليس فيه مضمضمة ولا استنشاق. قالوا: ما دام أحال على ما في القرآن، وليس في القرآن مضمضة ولا استنشاق، مما يدل على أنَّ الأمر مصروف من الوجوب إلى الاستحباب. وهذا الكلام فيه نظر، من وجهين:
الأول: أنَّ المضمضة والاستنشاق داخلة في الوجه، وهو مما أمر الله بغسله.
الأمر الثاني: أنَّ الله أمر بما هو أعم من القرآن، أمر بالقرآن، وأمر بما جاء عن نبيه، أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فالمسلم مأمور بأن يتمضمض ويستنشق لأمر النبي- عليه الصلاة والسلام-
أهل القول الثاني يقولون: لأن الوجه ما تحصل به المواجهة
والجواب أنهما داخلان في مُسمَّى الوجه،
فالقول المحقق: إنَّ المضمضة والاستنشاق واجبان من الواجبات، وإن كان وجوبهما ليس مثل وجوب الفروض الأربعة التي لم يختلف فيها أهل العلم”. [شرح سنن أبي داود رحمه الله تعالى].
الفرع الثَّاني: صفةُ المضمضة والاستنشاق:
قالوا في (الموسوعة الفقهية): السُّنَّة في المضمضة والاستنشاق: أن يَجمَعَهما في غَرفةٍ واحدة؛ فيأخذ غرفةً يتمضمضُ منها، ثم يَستنشِق، ثم يأخذ غَرفةً ثانيةً، يفعل بها كذلك، ثم ثالثةً كذلك، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة، والحنابلة، وهو قولٌ للمالكيَّة، اختاره المازريُّ، وابن رشد الجَدُّ، واختاره ابن دقيق العيد، وابن تيميَّة، وابن القيِّم، وابن باز، وابن عثيمين.
الدليل مِن السُّنَّةِ:
ما ورَد عن عبد الله بن زيد رَضِيَ اللهُ عنه في وصْف وُضوء النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفيه: ((فمضمضَ، واستنشَقَ، واستنثر ثلاثًا بثَلاثِ غَرَفات من ماءٍ))، وفي رواية: ((مضمض، واستنشق من كفٍّ واحدةٍ، ففعَلَ ذلك ثلاثًا)). انتهى.
المسألة الثالثة (3): لماذا كان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن تزيد غنمه على المائة؟
لم يكن يتملك منها إلا ما له حاجة إليه، وما سوى ذلك ينفقه في سبل الخير.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ) رواه البخاري (2389) ومسلم (991).
وعن أَبي ذَرٍّ، قَالَ: (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ عِشَاءً، اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِي ذَهَبًا، تَاتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَّا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا – وَأَرَانَا بِيَدِهِ – ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الأَكْثَرُونَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا) رواه البخاري (6268).
وأما اقتصاره صلى الله عليه وسلم على العدد مائة؛ فحكمة ذلك علمها عند الله تعالى؛ ويمكن أن يقال: إن هذا العدد غير مقصود لذاته، وإنما هذا العدد كان فيه الكفاية، ولم يكن محتاجا إلى أكثر من ذلك.
جاء في “المنهل العذب المورود” (2/ 87):” قوله (لنا غنم الخ) جملة مستأنفة كالتعليل للذبح؛ أي لا نريد زيادتها على المائة؛ لأن هذا القدر كاف لما تدعو إليه الحاجة، والزيادة عليه ربما جرت إلى الاشتغال بالدنيا، وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن كان معصوما لكنه مشرّع ” انتهى.
وقال العظيم آبادي في “عون المعبود”:”لأن هذا القدر [يعني المائة] كافٍ لإنجاح حاجتي ” انتهى.
المسألة الرابعة (4):
وروى ابن سعد عن إبراهيم بن عبد، قال: (كانت منائح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الغنم عشراً:
الأولى: عَجْوة …..
قال ابن الأثير: كانت له (صلى الله عليه وسلم) شاة تسمى غَوْثة، وقيل غيثة، وعنَزْ تسمى اليُمن.
وروى ابن سعد عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: كانت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعنُزُ منائح ترعاهن أم أيمن. راجع سبل الهدى والرشاد (7/ 412 – 413).
وروى أيضاً عن محمد بن عبد الله الحصين قال: (كانت ترعى منائح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأحد وتروح كل ليلة على البيت الذي يدور فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منها شاة تسمى قمراً، ففقدها يوماً، فقال: (ما فعلت؟) فقالوا: ماتت يا رسول الله، قال: (ما فعلتم بإهابها؟) قالوا: ميتة، قال: (دباغها طَهورها) أخرجه ابن سعد في طبقاته (1/ 496).
ذكر لقاحه (صلى الله عليه وسلم):
روى ابن مسعود عن معاوية بن عبد الله بن أبي رافع قال: (كانت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) لِقاح وهي التي أغار عليها القوم بالغابة وهي عشرون لقحة، وكانت التي يعيش بها أهل محمد (صلى الله عليه وسلم) يراح إليه كل ليلة بقربتين من لبن، وكان فيها لقائح لها غرز كما في الهدى خمس وأربعون، لكن المحفوظ من أسمائهن سنذكره.
الأولى: الحناء. الثانية: السَّمراء. الثالثة: العرِيس. الرابعة: السَعْدية. الخامسة: البَعوم، بالباء الموحدة، والعين المعجمة.
يراح إليه لبنهن كل ليلة، وكان فيها غلام لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمى يساراً، فاستاقها العرنيون وقتلوا يساراً ونحروا الحِناء.
السادسة: الرِّياء …….
وروى ابن سعد عن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت: (كان عيشنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لَقَائح بالغابة، كان قد فرقها على نسائه، فكانت لي منها لقمة تسمى العريس فكان لنا منها ما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة لقيحة تسمى السَّمراء غزيرة، ولم تكن كلقحتي، فقرب راعيهن اللَّقاح إلى مرعى الغابة تصيب من أثلها وطِرْفائها فكانت تروح على أبياتنا، فتؤتى بها فيْحلبان فيأخذ لقحة يعني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أغزر منها بمثل لبنها أو أكثر). انظر سبل الهدى و الرشاد (7/ 7/408).
الفتاوى الواردة:
2 – ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة “صدفة”؟ لا بأس باستعمال كلمة قابلت فلاناً صدفة، لأن مراد المتكلم بذلك أنه قابله بدون اتفاق سابق، وبدون قصد منه، وليس المراد أنه قابله بدون تقدير من الله عز وجل.
وقد ورد استعمال هذه الكلمة في بعض الأحاديث. منها: ما رواه مسلم (2144) عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ (يعني بعبد الله بن أبي طلحة) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. . . الحديث. والميسم أداة تستخدم في الكي.
وروى أبو داود (142) عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. . . الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (3/ 393):
“ليس قول الإنسان قابلت فلاناً صدفة محرّماً أو شركاً، لأن المراد منها قابلته دون سابق وعد أو اتفاق على اللقاء مثلاً وليس في هذا المعنى حرج” اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة “صدفة”؟
فأجاب رحمه الله:”رأينا في هذا القول أنه لا بأس به، وهذا أمر متعارف، ووردت أحاديث بهذا التعبير: صادفْنا رسول الله صادفَنا رسول الله.
. فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3/ 117).
الشيخ الألباني-رحمه الله تعالى-: قول
هل يجوز هذا التعبير: ” حدَثَ هذا صُدفة “؟.
الجواب: هذه الكلمة في حد ذاتها ما فيه إشكال مثل كلمة الحظ فالمتكلم بها هو ونيته فإن كان يقصد صدفة بمعنى لا قدر فهو كفر وإن كان يقصد بلفظة الحظ بمعنى لا قدر, كذلك كلمة نصيب مع أنه مذكور في القرآن, يقصد لا قدر فهو كفر. أما إن كان يقصد أن هذا كله بأمر الله وتقديره فما فيه شيء.
سلسلة الهدى والنور | شريط رقم -216 –