1093 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3
والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——–”——-“——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘———‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1093):
قال الإمام الترمذي رحمه الله: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي المَالُ)).
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي
ب – التخريج:
أخرجه الترمذي (2/ 54) و البخاري في ” التاريخ الكبير ” (4/ 1 / 222)
و ابن حبان (2470) و الحاكم (4/ 318) و أحمد (4/ 160) و القضاعي في
” مسند الشهاب ” (ق 86/ 1) من طرق عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد
الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن كعب بن عياض قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول فذكره. و قال الترمذي: ” حديث حسن صحيح غريب “. و قال
الحاكم: ” صحيح الإسناد ” و وافقه الذهبي.
و قد أعله العقيلي من كل طرقه فأخرجه من حديث أبي هريرة. في ” الضعفاء ” (299) عن علي
بن قتيبة حدثنا مالك عن موسى الأحمر عنه مرفوعا به. و قال: ” ليس له أصل من
حديث مالك و لا من وجه يثبت و علي ابن قتيبة الرفاعي بصري لين الحديث، عن
” الثقات ” بالبواطيل و ما لا أصل له “.
ورد في القرآن ذكر الفتنة بالمال وسيأتي في البحث إن شاء الله
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث. وباقي الروايات:
بوب الإمام الترمذي رحمه الله على الحديث: ” باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال “.
“وهذا الحديث وما كان على شاكلته محمول على تربية النبي ? أصحابه وأمته على الزهد في الدنيا، وعلى قصر الأمل فيها، فلا تطول آمالهم ولا يشتغل بالدنيا اشتغال من يعيش فيها طويلاً، وإنما يترقب الموت في كل حين وفي كل لحظة”.
” قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَثْقِيلِ الْوَاوِ، الْبَغَوِيُّ، أَبُو الْعَلَاءِ الْمَرْوَزِيُّ، صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا (بْنِ نُفَيْرٍ) بِنُونٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرًا الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيِّ الْحِمْصِيِّ، ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ، مُخَضْرَمٌ. (عَنْ كَعْبِ) بفتح الكاف وسكون العين المهملة بعدها موحدة (بْنِ عِيَاضٍ) بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره ضاد معجمة، الْأَشْعَرِيِّ لَهُ صُحْبَةٌ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، رَوَى عَنْهُ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ – كما جاء في (تحفة الأحوذي)، وجاء في (دليل الفالحين): روى عنه جابر بن عبد الله، وقيل: روت عنه أم الدرداء، خرّج عنه الترمذي والنسائي، قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً)) أَيْ: ضَلَالًا وَمَعْصِيَةً، فهو بكسر الفاء: أي: ما يمتحنون ويختبرون: أي: يعاملون به معاملة المختبر للجاهل بحاله.
قال الراغب في «مفرداته»: جعلت الفتنة كالبلاء يستعمل في الخير والشر.
وهما في الشدّة أظهر معنى وأكثر استعمالاً، قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} (الأنبياء: 35) اهـ.
قوله: ((وَفِتْنَةُ أُمَّتِي)) ما تمتحن به في دنياها ((المَالُ)) أَيِ: اللَّهْوُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ الْبَالَ عَنِ الْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ وَيُنْسِي الْآخِرَةَ. كما قال: ((إن هذا المال حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون)).
(رواه الترمذي) في الزهد من «جامعه»، ورواه النسائي في الرقاق من «سننه»، ورواه ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم في كتاب «معرفة الصحابة» كما في «أسد الغابة» (وقال) أي الترمذي (حديث حسن صحيح).
وفتنة المال من الفتن العظيمة، لذا يكون هناك سؤالان موجهان إلى العبد يوم القيامة كلاهما عن المال من الأسئلة الأربعة؛ فقد رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ)). [قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الإشبيلي في (الأحكام الصغرى) (871)، وصححه الألباني].
فمعناه: “أنّ الإنسانَ يُسألُ يومَ القِيامةِ عنِ المالِ الذي في يدِهِ في الدُنيا، فإنْ كانَ أخَذَهُ من طريقِ غيرِ الحرامِ لا يكونُ عليهِ مؤاخذةٌ، لكنْ بِشَرطِ أنْ يَكونَ ما أنفقَهُ فيهِ أمرٌ أباحَهُ الشرعُ، فالنّاسُ في أمرِ المالِ ثلاثَةُ أصنَافٍ: اثنانِ هالكانِ، وواحدٌ ناجٍ.
فالهالكانِ:
أحدُهُما: الذي جمعَ المالَ منْ حرامٍ.
والآخرُ: الذي جمعَهُ منْ حلالٍ ثمّ صرفَهُ في الحرامِ،
وكذلِكَ الذي يصرِفُهُ في الحلالِ للرياءِ هالِكٌ”.
و”هذا الحديث وما كان على شاكلته مثل حديث: عبد الله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنهما- قال: مر علينا رسول الله ? ونحن نعالج خصًّا لنا فقال: ((ما هذا؟)) فقلت: قد وَهَى فنحن نصلحه، فقال: ((ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)). [أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ?، باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال، (4/ 569)، برقم: (2336)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 139)، برقم: (592)].
محمول على تربية النبي ? أصحابه وأمته على الزهد في الدنيا، وعلى قصر الأمل فيها، فلا تطول آمالهم ولا يشتغل بالدنيا اشتغال من يعيش فيها طويلاً، وإنما يترقب الموت في كل حين وفي كل لحظة”.
“فالإنسان لا يطول أمله في الدنيا ويبني الآمال العريضة في العيش فيها والتوسع في لذاتها وحطامها فيشيد القصور الشاسعة التي تصلح لمن يخلد ولا يموت، فالأمر أقرب من ذلك وقد يبغته الموت قبل أن يسكن في هذه الدار، وكثير من الناس بنوا دوراً لم يسكنوها، وأملوا آمالا لم يحصلوها، وجمعوا أموالاً لم يأكلوها، ولو علموا أن الموت يباغتهم تلك المباغتة لعرفوا قدر هذا الحديث: أن الأمر أعجل أو أسرع من ذلك، فيشتغل الإنسان بعمارة آخرته مع أخذه من دنياه ما يحتاج إليه، ولكن لا يعيش لها، فالله خلقه لعبادته، فلا يقدم على الآخرة إقدام المفاليس”.
وانظر: أيضًا [(تحفة الأحوذي)].
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث،، فوق ما تقدم:
1 – أن من الفتن العظيمة التي تشغل الناس عن الطاعات فتنة المال.
2 – وسؤال العبد يوم القيامة عن المال بسؤالين من أربعة أسئلة يدل على خطورته، ولذا على العبد أن يحاسب نفسه من أين يأخذه وفيما ينفقه.
3 – الحديث فيه دلالة من دلالة النبوة وهي افتتان الناس بالمال، وبصور شتى.
4 – ذكر صورة من صور تزهد النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا.
5 – فيه الحث على فعل الخيرات، واستغلال الأوقات، واجتناب كل ما يعيق طريق العبد عن الآخرة.
الوجه الرابع: مسائل متممة:
المسألة الأولى: معنى الفتن، وفيه أربعة أمور:
أولاً: الفتنة في اللغة:
قال الأزهري: جماع معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك: فتنتُ الفضة والذهب، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد، ومن هذا قول الله عز وجل: ” يوم هم على النار يفتنون ” أي يحرقون بالنار. (تهذيب اللغة 14/ 296).
قال ابن فارس: ” الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار ” (مقاييس اللغة 4/ 472). فهذا هو الأصل في معنى الفتنة في اللغة.
قال ابن الأثير: الفتنة: الامتحان والاختبار … وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار من المكروه، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء. (النهاية 3/ 410).وبنحو من هذا قال ابن حجر في الفتح (13/ 3).
وقد لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة، بقوله: ” الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار”. (لسان العرب لابن منظور).
ثانيًا: معاني الفتنة في الكتاب والسنة:
1 – الابتلاء والاختبار؛ كما في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} العنكبوت/2 أي وهم لا يبتلون كما في ابن جرير.
2 – الصد عن السبيل والرد: كما في قوله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك} المائدة/ من الآية49 قال القرطبي: معناه: يصدوك ويردوك.
3 – العذاب: كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل:110) فتنوا: أي عذبوا.
4 – الشرك، والكفر: كما في قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) البقرة/193 قال ابن كثير: أي شرك.
5 – الوقوع في المعاصي والنفاق: كما في قوله تعالى في حق المنافقين (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي) الحديد/ من الآية14 قال البغوي: أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات.
6 – اشتباه الحق بالباطل: كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) لأنفال/73 فالمعنى: ” إلا يوالى المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به (تكن فتنة في الأرض) أي شبهة في الحق والباطل.” كذا في جامع البيان لابن جرير.
7 – الإضلال: كما في قوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته) المائدة / 41، فإن معنى الفتنة هنا الإضلال. البحر المحيط لأبي حيان (4/ 262)
8 – القتل والأسر: ومنه قوله تعالى: (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) النساء / 101. والمراد: حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم. كما عند ابن جرير.
9 – اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم: كما في قوله تعالى: {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} أي يوقعوا الخلاف بينكم كما في الكشاف (2/ 277).
10 – الجنون: كما في قوله تعالى (بأيِّكم المفتون).فالمفتون بمعنى المجنون.
11 – الإحراق بالنار: لقوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}. (البروج:10)
قال ابن حجر: ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن. الفتح (11/ 176)
تنبيه: قال ابن القيم رحمه الله: ” وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه أو يضيفها رسوله إليه كقوله: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} وقول موسى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} فتلك بمعنى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لون وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر، والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام … حتى يتقاتلوا و يتهاجروا لون آخر. زاد المعاد ج: 3 ص: 170. [معنى كلمة الفتنة في القرآن الكريم].
ثالثًا: أنواع الفتنة:
يقول ابن القيم: “الفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما.
أما النوع الأول: وهو فتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى. وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب. وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في كل أمور الدين ظاهرة وباطنة.
أما النوع الثاني: من الفتنة ففتنة الشهوات.
وقد جمع سبحانه بين الفتنتين في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ}. أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا} [التوبة:69]. فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.
فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق العمل.
فالأول: فساد من جهة الشبهات والثاني: من جهة الشهوات. وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل. فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة، ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة” (إغاثة اللهفان).
رابعًا: الفروق: الفرق بين الفتنة والاختبار والابتلاء:
أ – الفرق بين الفتنة والاختبار:
هو أن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، ويكون في الخير والشر ألا تسمع قوله تعالى: {أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]. وقال تعالى: {لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن:16، 17]. فجعل النعمة فتنة؛ لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرف حاله أدخل النار، واللّه تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشر وإنما المراد بذلك شدة التكليف.
ب – أما الفرق بين الاختبار والابتلاء:
فهو أن الابتلاء عادة لا يكون إلا بتحميل المكاره والمشاق. والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنعمة كما قد يقال إنه مختبر بها ويجوز أن يقال: إن الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الذي يقع بكنه الشيء وحقيقته فالفرق بينهما بين.
والفتنة تأتي أيضا بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} [العنكبوت:1 – 3]. (من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)
المسألة الثانية: الدنيا دار امتحان وابتلاء
إذاً من التعريف السابق نعلم أنه سبحانه وتعالى خلق “هذه الحياة الدنيا، وجعلها دار ابتلاء وامتحان، وخلق فيها من الفتن ما يتميز به الصادق من الكاذب، وما يتبين به المخلص من المنافق؛ يقول تعالى: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 – 3].
فكان من حكمة الله وعدله أن أوجد آفات وقواطع في طريق الجنة والدار الآخرة؛ إذ إنه لو لم يوجد الله ذلك لكانت الطريق معمورة بالسالكين، ولاستوى في ذلك المؤمن والمنافق والصالح والفاجر”.
المسألة الثالثة (3): فتنة حذر الله منها وحذر منها رسوله: فتنة المال!
الأدلة من القرآن الكريم:
1. يقول سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28].
2. وأخبر سبحانه بأن النفوس تحب المال حبًا كثيرًا شديدًا؛ كما في قوله: {وَتَاكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 19، 20]،
3. وقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8].
- وأخبر سبحانه أيضا بأن مَن فتَنَه المال عن الله وذكره وعبادته أنه من الخاسرين للسعادة الأبدية والنعيم المقيم؛ لأنهم آثروا ما يفنى على ما يبقى، يقول جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [المنفقون: 9].
وقد مرات الآيات عند تعريف الفتنة، والمعاني التي وردت في القرآن الكريم في كل سياق.الأدلة من السنة النبوية:
1. وقد حذرنا رسولنا من الوقوع في شباك فتنة المال، وبين بأن من وقع في ذلك فإن دينه وتقواه في خطر عظيم؛ يقول: ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)) أخرجه أحمد.
2. والترمذي، وقال: ((إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال)) أخرجه أحمد وغيره.
3. وكانت فتنة المال من الفتن التي خشيها النبي على أمته، ذلك أنها ستلهيهم عن دينهم وتورث بينهم العداوة والبغضاء وتهلكهم؛ قال: ((والله، لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) أخرجه البخاري.تنويه:
“إن هذه الآيات والأحاديث من الله ورسوله هي حجة على الناس لا حجة لهم، فإنّ من الناس من يظن أن إخبار الله ورسوله عن شيء أنه فتنة وأن النفوس تميل إليه أن ذلك تبرير وتصحيح للافتتان به، وهذا فهم خاطئ، بل إن بيان ذلك من أجل الحذر ومعرفة خطورة ذلك الأمر، وأنه مؤثر على دين الإنسان وسيره إلى الله”.
المسألة الرابعة (4): مفاسد فتنة المال:
“وإن من الفتن العظيمة فتنة قد فرقت بين الأرحام وقطعت بينهم المحبة والوئام، فتنة أوقعت بين كثير من الناس العداوة والبغضاء، فتجدهم يبغضون من أجلها ويعادون من أجلها، بل وقد يتقاتلون من أجلها”!!
“ولسائلٍ أن يسأل: ما العلامة التي تدل على أن الإنسان مفتون بالمال؟ وما الضابط في ذلك؟ وهل كل معاملة بالمال تعتبر فتنة به؟ وهل طلب الرزق والسعي في الأرض والتجارة والتكسب هي فتنة بالمال؟ وهل لبس الملابس الطيبة وركوب السيارة المريحة وسكنى البيت الواسع هي من الفتنة بالمال؟
والجواب عن ذلك: اعلم أن علامة الفتنة بالمال هو أن يؤدّي بك ذلك المال إلى ترك واجب أو فعل محرم، مثل أن يكسب مالاً جديدًا أو يحبس مالاً عنده فإن هذا هو عين الفتنة بالمال”.
وإن من مفاسد فتنة المال:
1. أكل أموال الناس بالباطل، وقد ورد النهي عن ذلك؛ بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.
وفي السنة المطهرة جاء التهديد والوعيد على ذلك، فعن عُرْوَةَ بن الزُّبيْر أنَّ سعِيدَ بنَ زَيْدِ بْنِ عمْرو بْنِ نُفَيْلِ، خَاصَمتْهُ أرْوَى بِنْتُ أوْسٍ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَم، وَادَّعَتْ أنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أرْضِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: أنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أرْضِها شَيْئًا بعْدَ الَّذِي سمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّه ?،؟ قَالَ: مَاذا سمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّه ?؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إِلَى سبْعِ أرضينَ فَقَالَ لَهُ مرْوَانٌ: لا أسْأَلُكَ بَيِّنَةً بعْد هَذَا، فَقَال سعيدٌ: اللَّهُمَّ إنْ كانَتْ كاذبِةً، فَأَعْمِ بصرهَا، وَاقْتُلْهَا في أرْضِهَا، قَالَ: فَمَا ماتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وبيْنَما هِي تمْشي في أرْضِهَا إذ وَقَعَتْ في حُفْرةٍ فَمَاتتْ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلِمٍ عنْ مُحمَّدِ بن زَيْد بن عبداللَّه بن عُمَر بمَعْنَاهُ وأَنَّهُ رآهَا عَمْياءَ تَلْتَمِسُ الجُدُرَ تَقُولُ: أصَابَتْني دعْوَةُ سعًيدٍ، وَأَنَّها مرَّتْ عَلى بِئْرٍ في الدَّارِ الَّتي خَاصَمَتْهُ فِيهَا، فَوقَعتْ فِيها، وَكانَتْ قَبْرهَا.
2. ومنها أكل الربا، الذي جاء التحذير منه في القرآن والسنة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
3. ومنها: أكل أموال اليتامى، قد لا يتورع المفتون بالمال من أكل أموا اليتامى، وقد جاء التهديد والوعيد على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}.
4. ومنها استغلال الوصايا والأوقاف التي أوقفت على الأعمال الخيرية من بعض المفتونين للمصالح الخاصة، وقد استغل كثير من هذه الأوقاف في بعض البلدان الإسلامية بسبب طمع الطامعين، من الجماعات الحزبية، والعصابات.
5. كراهية الانفاق في سبيل الله: وعلى رأسها الزكاة الواجبة، فبعض الناس ينفق الأموال الطائلة في الولائم والعزائم وفي أمور اللهو والترف، وحينما يُدعى للإنفاق فيما يعتق رقبته وينجيه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، رأيت الكراهية في وجهه، فيعرض و ينسى قول الله جل وعلا في حق المنافقين: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:81].
- عدم التحري في المعاملات المالية وعدم السؤال عن ما يدخل إليه أمن حرام أمن حلال، والتساهل في ذلك، وعدم سؤال أهل العلم عما يشكل عليه من المعاملات «ولن تزولا عبد يوم القيامة حتى يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه»، وإن من أعظم الفتن التي وقع فيها بعض الناس أن يتتبع الرخص ومن يجيز له المعاملات الربوية والمحرمة -نسأل الله السلامة والعافية-، وليتذكر الإنسان يوم العرض على الله ويتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما جسد نبت على السحت فالنار أولى به».
7. عدم إعطاء الأجير أجره، من خادم وغيره
8. لا يؤدي الحقوق الواجبة عليه سوء على الأهل أو العيال، ومن يعول؛ {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:233].
9. الذين يسألون أموال الناس من غير حاجة، بل يسألونها تكثرا وطمعًا في الزيادة؛ يقول: ((من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر)) أخرجه مسلم.
10. الاشتغال بالمال- ولو كان حلالاً- عن طاعة الله وعن ذكره وشكره، كما قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]، ويقول سبحانه: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [الفتح:11].11. إنفاق المال للصد عن سبيل الله، وإغواء عباد الله بأنواع من الفتن، فكل من أنفق الأموال في المنابر ويريد ذلك، فقد قال الله تعالى عنه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].
- المراءات والمباهاة بالمال والمنّ به -وخاصة إذا كانت نفقة شرعية-. وهو نوع من المنّ والأذى، كما قال جل وعلا: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:264].
ويدخل في ذلك من يقتطعون أموال الناس بالأيمان الكاذبة، أو بالتحايل والتدليس والغش، وأحيانًا بالقهر والجبر والطغيان، إن من وقع في ذلك فيجب عليه أن يتوب إلى الله ويستغفره ويُرجع الحقوق إلى أهلها قبل أن يفاجئه الموت، فعن أبي أمامة الحارثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ـ: بالحلف الكاذب ـ فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة))، فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرا يا رسول الله؟! فقال: ((وإن قضيبا من أراك)) أخرجه مسلم، وقال: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار)) متفق عليه. [فتنة المال].المسألة الخامسة (5): عواقب أكل مال الحرام:
1) أن الله لا يقبل من آكل الحرام عملا صالحا ولا صدقة؛ كما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم-: “من جمع مالا حراما، ثم تصدق به، لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه” [رواه ابن خزيمة وحسنه الألباني].
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم- قال: ((لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “بل من أنفق من الحرام، فإن الله -تعالى- يذمه ويستحق بذلك العقاب في الدنيا والآخرة”.
وعن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال: “لا يقبل اللّه صلاة امراء في جوفه حرام”.
قال سفيان الثوري: “من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول، والثوب لا يطهره إلا الماء، والذنب لا يكفره إلا الحلال، كيف يقبل من آكل الحرام عمل أو يرفع له دعاء والله -تعالى- يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
وقال وهب بن الورد: “لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال أم حرام”.
2) أن مصير آكله إلى النار -نعوذ بالله من غضبه وعذابه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم-: عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: “الأجوفان: الفم والفرج” [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].
وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه آله وسلم- قال: “لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام” [صححه الألباني]
3) أنه سبب من أسباب عذاب القبر؛ فهذا مجاهدٌ قُتلَ في سبيلِ الله، فقال الصحابةُ -رضي الله عنه-: هنيئاً لهُ الشهادةِ يا رسول الله، فقال صلى الله عليه آله وسلم: “كلاَّ والذي نفسي بيده إنّ الشملةَ، لتلتهبُ عليه ناراً، أخذها يوم خيبر من الغنائم، لم تُصبها المقاسم” قال: فَفَزِعَ الناسِ فجاءَ رجلٌ بشراكٍ أو شراكين، وقال: أخذتهما يوم خيبر فقال رسولُ الله -صلى الله عليه آله وسلم-: “شراكٌ أو شراكان في النار” [متفق عليه].
قال الإمام الذهبي في الكبائر: “وجاء في حديث فيه طول: أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم الحجارة وهو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له”.
أيا من عاش في الدّنيا طويلا *** وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى *** وجمعٍ من حرام أو حلال
هب الدّنيا تقاد إليك عفوا *** أليس مصير ذلك للزّوال!
4) أن أكل المال الحرام من أعظم أسباب حرمان الرزق الطيب المبارك؛ وقد قال صلى الله عليه آله وسلم في الحديث الذي يحسنه بعض أهل العلم: “إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه”.
فكم من درهم حرام حُرم به العبد دراهم من الحلال، ولو تعفف العبد عن الحرام وقنع بما كتب الله له من الحلال لفتح الله عليه من أبواب رزقه ما يكفيه ويغنيه، فإنه -تعالى- قد أخذ على نفسه ذلك، فقال: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق: 2 – 3].
5) أن المال الحرام ماحق لبركة المال؛ كما حدث بذلك حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم- قال: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما، اليمين الفاجرة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب” [رواه البخاري ومسلم].
6) أن كاسب المال الحرام متعرض للعنة الله ورسوله، فكم جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه آله وسلم لعن الراشي والمرتشي؟ وكم جاء في الأحاديث النبوية لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، ولعنة بائع الخمرة ومبتاعها، ولعنة السارق ولعنة مغير منار الأرض، وهي حدودها ليأخذ من الأرض ما لا حق له فيه.
فآكل المال الحرام ملعون بلعنة الله، وملعون بلعنة رسوله -صلى الله عليه آله وسلم-.
واللعن، هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله -تعالى- وهو الحرمان والخسران المبين -أعاذنا الله وإياكم من ذلك-.
7) أنه من أسباب: حرمان العبد من كثير من الأعطيات الربانية، والمنح الإلهية.
8) أن الله -تعالى- لا يستجيب لآكل الحرام دعوة، ولا ترفع له إلى السماء مسألة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم-: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51] وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك” [رواه مسلم والترمذي].
لمثل هذا قال بعض السلف: “لا تستبطئ الإجابةَ وقد سددتَ طُرقَها بالمعاصي”
إطابةَ المطعم سببٌ من أسباب قبول الدعاء؛ كما قال وهبُ ابن منبِّه -رحمه الله-: “مَن سرَّه أن يستجيب الله دعوتَه فليُطيب طُعْمَتَه”.
ولَمَّا سئل سعدُ بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: “تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم-؟ فقال: “ما رفعتُ إلى فمي لُقمةً إلاَّ وأنا عالِمٌ من أين مجيئُها ومن أين خرجت”.
9) أن أكل الحرام من أسباب زوال نعم الله على العبد، وحلول نقمه عليه تماماً؛ كما قال الله -تعالى- لأكلة الربا: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:279].
10) أن أكل الحرام سبب لحلول النقم، والعقوبات العامة على الأمة، وزوال نعم الله عليها في اقتصادها وأمنها؛ فللمكاسب المحرمة آثارٌ سيئة على الفرد والجماعة؛ تُنزع البركات، وتفشو العاهات، وتحل الكوارث. أزمات مالية مستحكمة، وبطالة متفشية، وتظالم وشحناء.
قال ابن حجر الهيتمي: “وَلِهَذِهِ الْقَبَائِحِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا التُّجَّارُ وَالْمُتَسَبَّبُونَ وَأَرْبَابُ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الظَّلَمَةَ فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَهَتَكُوا حَرِيمَهُمْ، بَلْ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارَ فَأَسَرُوهُمْ وَاسْتَعْبَدُوهُمْ، وَأَذَاقُوهُمْ الْعَذَابَ وَالْهَوَانَ أَلْوَانًا، وَكَثْرَةُ تَسَلُّطِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْحَرِيمِ إنَّمَا حَدَثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَمَّا أَنْ أَحْدَثَ التُّجَّارُ وَغَيْرُهُمْ قَبَائِحَ ذَلِكَ الْغِشِّ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَعَظَائِمِ تِلْكَ الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَادَعَاتِ وَالتَّخَيُّلَاتِ الْبَاطِلَةِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِأَيِّ طَرِيقٍ قَدَرُوا عَلَيْهَا، لَا يُرَاقِبُونَ اللَّهَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَخْشَوْنَ سَطْوَةَ عِقَابِهِ وَمَقْتِهِ، مَعَ أَنَّهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِالْمِرْصَادِ: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19] ”
وَقد ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِأَبِيهِ: أَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلَاءٌ، فَخَرَجُوا مَخْرَجًا، فَأَوْحَى اللَّهُ -عز وجل- إِلَى نَبِيِّهِمْ أَنْ أَخْبِرْهُمْ: إِنَّكُمْ تَخْرُجُونَ إِلَى الصَّعِيدِ بِأَبْدَانٍ نَجِسَةٍ، وَتَرْفَعُونَ إِلَيَّ أَكُفًّا قَدْ سَفَكْتُمْ بِهَا الدِّمَاءَ، وَمَلَاتُمْ بِهَا بُيُوتَكُمْ مِنَ الْحَرَامِ، الْآنَ حِينَ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ؟ وَلَنْ تَزْدَادُوا مِنِّي إِلَّا بُعْدًا.
11) فساد القلب وحرمان حلاوة الطاعة ونورها وقبولها؛ لأن القلب قد غطى عليه المأكل الحرام، فلا يوجد فيه لحلاوة الطاعة موضع، وحلاوة الطاعة ولذة العبادة نعمة ومنحة ربانية يسعد الله بها أوليائه وصالحي عباده، وآكل الحرام ليس منهم فأنى له أن يصل لذلك.
قال بعض السلف: “إن العبد يأكل أكلة فيتقلب قلبه فينغل كما ينغل الأديم ولا يعود إلى حاله أبدا”.
أَكلُ الخَبيثِ بِهِ تعمى القُلوبُ فَلا *** تُحَدِث بِها ظُلمَةً تَفضي إلى كُلَلِ
وأكل الحرام يجرأ صاحبه على المعاصي والحرمات والموبقات، وهذا ثمرة فساد قلبه بأكل الحرام، قال سهل -رضي الله عنه-: “من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم يعلم، ويتبع ذلك حلول سخط الله وغضبه عليه”.
12) التعرض لسوء الخاتمة؛ ومهما ضعف الإيمان ضعف حب الله -تعالى- وقوى حب الدنيا فيصير بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب الله -تعالى- إلا من حيث حديث النفس، ولا يظهر له أثر في مخالفة النفس، والعدول عن طريق الشيطان، فيورث ذلك الانهماك في اتباع الشهوات، حتى يظلم القلب ويقسو ويسود، وتتراكم ظلمة النفوس على القلب، فلا يزال يطفئ ما فيه من نور الإيمان على ضعفه، حتى يصير طبعا ورينا، فإذا جاءت سكرات الموت ازداد حب الله ضعفا لما يبدو من استشعار فراق الدنيا، وهي المحبوب الغالب على القلب، فيتألم القلب باستشعار فراق الدنيا، وينقلب ذلك الحب الضعيف لله بغضا، فإن اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطرت فيها هذه الخطرة، فقد ختم له بالسوء، وهلك هلاكا مؤبدا”.
قال الهيثمي: “وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يَخْتِمَ اللَّهُ لَهُ بِسُوءٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ اعْتِيَادُ الرِّبَا وَالتَّوَرُّطُ فِيهِ عَلَامَةً عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ، إذْ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَيْفَ يُخْتَمُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ بِخَيْرٍ؟!
وَهَلْ مُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ إلَّا كِنَايَةٌ عَنْ إبْعَادِهِ عَنْ مَوَاطِنِ رَحْمَتِهِ وَإِحْلَالِهِ فِي دَرَكَاتِ شَقَاوَتِه”
زاد رزين: “فإن ذلك لا تجاب لهم دعوة”. [عقوبات أكل المال الحرام] بتصرف.
المسألة السادسة (6): من الجوانب الهامة في الوقاية من فتنة المال:
1) فالإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأنه هو الكامل، والغني، وأن المخلوقات مهما بلغة فهي مفتقرة إلى الله تعالى؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. وقال: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}. آيات تؤكد غنى الخالق وفقر المخلوق، أيًا كان ذلك المخلوق فهو الفقير مهما بلغت أملاكه، إذا أدرك ذلك فإنه يحتقر نفسه ويعظم ربه، وينجو من الفتنة.
2) أن يعتقد ما حصل عليه من المال، وما امتلكه، إنما ذلك كله من الله سبحانه وتعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}. ولقد ذم الله سبحانه وتعالى قارون الذي نسب المال إلى علمه حيث قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} فنسبه إلى نفسه، فرد الله سبحانه وتعالى عليه قائلاً: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}.
3) والثقة بالله سبحانه وتعالى من أهم جوانب النجاة من هذه الفتنة، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)). رواه الترمذي.
4) دعاء الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وقاية من هذه الفتنة، ومن الأدعية في هذا الشأن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)). رواه البخاري.
5) ومن طرق النجاة من هذه الفتنة التأمل في ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا من مصير أرباب الأموال الذين لم يقدروا النعمة، كقارون الذي خسف الله به وبدراه الأرض.
6) ومما جاء من الوقاية من هذه الفتنة في كتاب الله سبحانه وتعالى من التهديد والوعيد لأولئك الذين يغلبون محبة الأموال على محبة الله ورسوله؛ كما في قوله سبحانه: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
7) ومن ذلك العلم بحال سيد البشر وخير الأنبياء، فاستمع ما يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في ذلك قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو مضطجع على حصير فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه ….. فقال يا بن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا قلت بلى. (الحديث) رواه مسلم.
وعن عروة عن عائشة أنها قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نار فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أبياتهم فيسقيناه. رواه البخاري.
ولما كانت هذه بعض حال النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في شأن العيش، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يدعو بكثرة المال، بل كا يدعو بأن يكون رزقه كفافا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم ارزق آل محمد قوتا)). رواه البخاري.
8) ومن الجوانب الهامة في النجاة من فتنة المال ما ورد من بيان حقيقة هذا المال، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذي الحليفة فرأى شاة ميتة شائلة برجلها فقال: ((أترون هذه الشاة هينة على صاحبها قالوا نعم قال: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء)) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. رواه الحاكم.
9) ومن جوانب النجاة من فتنة الدنيا، الصبر على ضيق العيش، والاقتصاد في الإنفاق، ورد عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال: ((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر)). رواه مسلم.
10) ومن جوانب السلامة من فتنة الدنيا الإيمان بزوال الدنيا وما فيها، فإيمان العبد أن هذه الدنيا وهذا المال زائل لا محالة يؤدي إلى عدم التعلق الشديد بالمال وجمعه.
11) فإذا آمن الإنسان بذلك الحساب فإن وراء الحساب جزاء، إما نعيم أو جحيم، أما النعيم ففيه صنوف من التلذذ بأنواع من المال خير من تلذذ صاحبه في الدنيا، فإذا كان على سبيل المثال صاحب المال يرغب في الدنيا بالقصور الفاخرة، فإن في الجنة قصورًا لا تدانيها قصور الدنيا، قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
12) الإيمان بالقضاء والقدر الذي يتمثل بعدد من المسائل:
1 – أن يدرك صاحب الغنى أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فلا يغتر بماله، فكما أن الله سبحانه أغناه، فهو سبحانه قادر على إفقاره، وإغناء غيره من الناس؛ قال تعالى: {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ}.
2 – أن كثرة المال وسعة الرزق ليست دليلاً على الرضا بل ابتلاء من الله لصاحب المال، وفي قارون ومصيره عبرة وعظة.
3 – أن الحال الاقتصادية للإنسان لا تدوم، فربما يكون الإنسان غنيًا وقد كتب عليه في القدر أن يكون فقيرًا، وكذلك العكس ربما كان الإنسان فقيرًا وكتب عليه في القدر أن يكون غنيًا، والواقع يدل على ذلك فكم هم أرباب الملايين قد أثقلوا بالديون وأودعوا السجون، وقال شاعر يصف حاله وصديقه، وما أحسن ما قال الشاعر:
تراني مقبلاً فتصد عني وتزعم أنني أبغي رضاك *** سيغنيني الذي أغناك عني فلا فقري يدوم ولا غناك
4 – أن يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى هو الذي قسم الأرزاق، عن عبد الله قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب)) هذا حديث صحيح الإسناد تفرد به أحمد. رواه الحاكم. [انظر: فتنة المال]
المسألة السابعة (7): «خُطُورَةُ التَّعَدِّي عَلَى المَالِ العَامِّ»
الناسُ في جُمْلَتِهِم لا يَرْقُبُونَ في المالِ العامِّ، وهو مَالٌ تَعَلَّقَت به جميعُ ذِمَمِ المُسلمينَ في جميعِ أحوالِهِم وأحيانِهِم، لا يَرْقُبُونَ في هذا المَالِ العامِّ إلًّا وَلَا ذِمَّةً وَلَا يُرَاعُونَهُ بحالٍ أبدًا، وإِنَّمَا يَسِيرُونَ على القَاعِدَةِ القَدِيمَةِ التي يَحْفَظُهَا الجميعُ: إِذَا خَرِبَ بَيْتُ أَبِيكَ فَخُذْ لَكَ مِنْهُ قَالَبًا!!
*أَسْبَابُ تَهَاونِ المُسلمينَ بالمالِ العامِّ:
السَّبَبُ في هذا وفي أنه قد استقرَّ في أذهانِ الناسِ أنَّ بَيْتَ أبيهِم قد خَرِبَ، وأنه يَنْبَغِي عَلَيْهِم أنْ يَتَحَصَّلُوا على أيِّ شيءٍ مِن المَنَافِعِ بأيِّ صورةٍ مِن الصورِ هو أنَّ كثيرًا مِن المُتَكَلِّمِينَ في الدِّينِ أَفْرَادًا وَجَمَاعَات، إِعْلَامًا وَغَير ذلك، يتكلمونَ عن مَفَاسِدَ تَتَعَلَّقُ بالحكوماتِ، ويتكلمونَ نَاقِدِينَ الحُكَّامَ والحكومات على مُسْتَوَى الشُّعُوبِ الإسلاميةِ في كلِّ بِقَاعِ الأرضِ!!
وقُل لي بربِّكَ ماذا يَفْعَلُ العَامَّةُ المَسَاكِينَ عِنْدَ نَقْدِ الحكوماتِ وَعِنْدَ نَقْدِ الحُكَّامِ، وعند ما يَسْتَقِرُّ في أَذْهَانِ هؤلاء العَوَامِّ المَسَاكِينَ أَنَّ الفَسَادَ قد اسْتَشْرَى في المُجْتَمَعِ بحيثُ إنه لا يُمْكِنُ بحالٍ مِن الأحوالِ أنْ يَتَأَتَّى إِصْلَاحٌ؟!!
قُل لي بربِّكَ إذا ما وَصَلَ النَّاسُ إلى هذه الحَالَةِ مِن الإِحْبَاطِ، ما الذي يُمْكِنُ أنْ يُرْجَى مِن الصَّلَاحِ مِن وَرَاءِ ذلك؟!!
ما هي المصلحةُ الشرعيةُ التي تَعُودُ على المُجْتَمِعِ المُسْلِمِ مِن نَشْرِ المَفَاسِدِ إعلامًا عند العوامِّ الذين ليسوا مِن أهلِ الحلِّ والعقدِ، والذين لا يملكونَ تغييرًا للواقعِ بحالٍ، وإنما يُحِسُّ الواحدُ منهم أنه غريبٌ لا ينتمي إلى بلدِهِ؟!!
كثيرٌ مِن الجماعاتِ التي تَتَبَنَّى السياساتِ منهجًا والتي تُكْثِرُ مِن نقدِ الحكوماتِ وَنَقْدِ الحُكَّامِ على مستوى العالَمِ الإسلاميِّ أَوْصَلَت المَجْمُوعَ المُسْلِمَ بالشعوبِ المُسْلِمَةِ في أَقْطَارِ الأرضِ إلى حَالَةٍ مِن الاستهتارِ بالمَالِ العَامِّ، وبالإحساسِ بأنَّ الأرضَ المُسْلِمَةَ، الأرضُ التي هي أرضُ الإسلامِ، أصبحَ الإحساسُ بالانتماءِ إليها يكادُ يكونُ معدومًا؛ لأنَّهُم يُحِسُّونَ مِن هذا النقدِ للحكوماتِ والحكامِ أنهم لا يحيَوْنَ في أرضِهِم، وأنَّ البلادَ ليست ببلادِهِم، وأنهم غُرباءُ على هذه البلادِ.
هذا النَّقْدُ الجَائِرُ لِتِلْكَ السِّيَاسَاتِ مَهْمَا كانت فَاشِلَةً، وَمَهْمَا كانت لا يُدَافَعُ عنها، ولَكِنْ هذا الإعلامُ الذي يظَلُّ هكذا مُعارِضًا، ويُغَذِّي هذه المجموعات مِن الأُمَمِ المُسْلِمَةِ في شعوبِ الأرضِ الإسلامية؛ يُغَذِّيهَا بِكُلِّ ما يدعو إلى الإحباطِ، وبكلِّ ما يدعو إلى عدمِ الانْتِمَاءِ، وبكُلِّ ما يدعو إلى تسليمِ الأرضِ والتفريطِ في العِرضِ إذا جدَّ الجِدُّ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ العظيم.
فعلينا أنْ نَتَّقِيَ اللهَ ربَّنَا في أُمَّتِنَا، وفي أرضِنَا المُسلمةِ التي أَقَامَنَا اللهُ ربُّ العالمين عليها، نُدَافِعُ عنها إلى آخرِ قَطْرَةٍ مِن دِمَائِنَا، وإلى آخرِ ما في أَرْوَاحِنَا مِن دِمَاءٍ وَمَا في عُرُوقِنَا مِن دِمَاءٍ.
«عُقُوبَةُ الغُلُولِ -سَرِقَةُ المَالِ العَامِّ-»
عُقُوبَةُ الغُلُولِ كَمَا قَالَ اللهُ –جَلَّت قُدْرَتُهُ- في كِتَابِهِ العَظِيمِ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَاتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161].
وأمَّا عقوبتُهُ في القَبْرِ، فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» أنَّ النبيَّ ? أَخْبَرَ عن الرَّجُلِ الذي غَلَّ شَمْلَةً يَوْمَ خَيْبَر، فَقَالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَر مِن المَغَانِمِ قَبْلَ المَقَاسِمِ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ نَارًا».
الشَّمْلةُ: تَلْفِيعَةٌ، أو هي كِسَاءٌ يُمْكِنُ أنْ يُحِيطَ به المَرْءُ بَدَنَهُ.
النبيُّ ? كَمَا في «الصَّحِيحَيْنِ» عن عُمَرَ مَرَّ مع الصَّحَابَةِ على قُبُورٍ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: فلانٌ شهيدٌ، ثم قالوا: فلانٌ شهيدٌ، ثم قالوا: فلانٌ شهيدٌ.
فقالَ النبيُّ ? للقبرِ الثالث: «كلَّا، إنِّي رَأَيْتُهُ في النَّارِ في بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ».
إذن؛ الغُلُولُ: هو الأَخْذُ مِن المَالِ العَامِّ، يُعَاقَبُ به المُرْءُ في قَبْرِهِ اشْتِعَالًا له عَلَيْهِ في قَبْرِهِ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ?.
وكذلك العقوبةُ به في المَوْقِفِ، فعن أبي هُريرة في «الصحيحين» قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ? ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ …. ».
وَيَلْحَقُ بذلك -عِبَادَ اللهِ- هَدَايَا المُوَظَّفِينَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ حديثَ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ الذي أخرجَهُ مسلمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- في «الصَّحِيحِ»، قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ? رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ فَقَالَ: هَذَا لَكُم وَهَذَا أُهْدِيَ لِي -هَذَا لَكُم: يَعْنِي الصَّدَقَةَ التي جَمَعَهَا-، فقامَ النبيُّ ? على المِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ ?: «مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى عَمَلٍ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُم وَهَذَا لِي، أَفَلَا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَاتِي أَحَدُكُم مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ».
«سَبَبُ تَعْظِيمِ الرَّسُولِ ? لِأَمْرِ الغُلُولِ -الأَخْذُ مِن المَالِ العامِّ-»
لِمَ عظَّمَ الرسولُ ? وشدَّدَ في أمرِ الغُلُولِ وهو الأخذُ مِن المالِ العامِّ؟
أولًا: لأنَّ المالَ العامَّ تتعلقُ به ذِمَمُ جميعِ أفرادِ الأُمَّةِ.
وكما قال المرءُ قديمًا وكان صادقًا: إنْ أردتُم حاكمًا كَعُمَر فَكُونُوا رَعِيَّةً كَرَعِيَّةِ عُمَر، فَلَا تَلُومُوا إِلَّا أَنْفُسَكُم.
[حُرْمَةُ المَالِ العَامِّ وَخطُورَةُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ، للشيخ محمد سعيد رسلان]
المسالة الثامنة (8): مشكل الحديث.
قال الطحاوي رحمه الله (11/ 99): “بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)، ومن قوله: (لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال).
قال: ففي هذا الحديث أن فتنة أمته المال، فكيف يجوز أن تكون فتنة النساء أعظم من ذلك؟ فكان جوابنا له في ذلك: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من فتنة النساء) هو على الفتنة التي تلحق الرجال دون النساء، وفي ذلك ما قد دل أنه ترك صلى الله عليه وسلم في أمته فتنا سوى النساء، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: (فتنة أمتي المال) على فتنة تعم الرجال والنساء من أمته، فكانت تلك الفتنة أوسع وأكثر أهلا من الفتنة الأخرى، وكل واحدة منهما فأهلها الأهل الذين قد دل كل واحد من هذين الحديثين عليهم من هم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من تحذيره من فتنة الدنيا ومن فتنة النساء”.
ثم أسند الطحاوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل بالنساء)، وقال: ” فكان في هذا الحديث ذكره فتنة النساء التي ذكرها في حديث أبي عثمان النهدي، وذكر فتنة الدنيا، وفيها الفتنة بالمال المذكورة في حديث كعب بن عياض والفتن بما سوى ذلك، والله الموفق”.
قال ابن باز ” يقول النبي ?: اتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اللهم صل عليه وسلم، وهذه الأمة فتنتها في المال وفي النساء أيضًا، على خطر الذي يقع لهم في النساء شر كثير، نسأل الله العافية، ولهذا في الحديث الصحيح: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء في الصحيحين. ولهذا قال في حديث أبي سعيد: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء.”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ: عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى].
المسألة التاسعة (9): الفتاوى الواردة:
هل يجوز أن نقول عن المال وسخ الدنيا؟
الجواب: لا ما يقال هذا؛ لأنه هو زينة الحياة الدنيا؛ {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}.
العلامة عبد المحسن العباد – حفظه الله -[من شرح صحيح مسلم (25 – 01 – 1436)].