1089 – 1090 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
———
صحيح البخاري
بَابُ يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى البُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الكُوفَةُ قَالَ: «لاَ حَتَّى نَدْخُلَهَا»
1089 – حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ [ص:44]: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ»
1090 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: «تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ»
-_-_-_-_-_
قال العثيمين رحمه الله تعالى عند الحديث الأول:
مراد البخاري رحمه الله أنه لا يشترط أن يقطع المسافة حتى يبيح له القصر.
بل يباح له القصر وإن لم يقطع مسافة القصر.
قلت سيف بن محمد: نقل ابن المنذر الاجماع على ان لمن يريد السفر ان بقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت: فالجمهور إلى أنه لابد من مفارقة جميع البيوت …. ثم اختاره ابن المنذر؛ وعلل ذلك بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره (ونقله عنه في الفتح)
اثر علي بن ربيعة فيه وقاء بن إياس وهو ضعيف جدا. وكذلك علي بن ربيعة فيحيي بن سعيد تعجب من حديث دعاء الركوب وقال: كان علي بن ربيعة حدثا في زمان علي بن أبي طالب
قوله (وبذي الخليفة ركعتين) ورد في مسلم (وبذي الحليفة العصر ركعتين).
حديث أنس لا يدل أنه لابد أن يسير هذه المسافة ليباح له القصر. فالنبي صلى الله عليه وسلم هذه أول صلاة صادفته في ذي الحليفة. لذا كان حديث عائشة علق القصر بالسفر.
وتأويل عثمان ذكر ابن حجر له عدة احتمالات وكذلك ابن عثيمين في شرحه لصحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وذكروا تعقبات على أغلب الاحتمالات
لكن أحسن شئ عندي ما ورد في انكاره على علي بن ابي طالب في التمتع ولما احتج علي عليه بفعلها زمن النبي صلى الله عليه قال عثمان: كنا خائفين. أخرجه احمد
فلعله رأى ان ذلك خاصا في زمن الخوف والصحيح انه رخصة من الله اصبحت للمسافر مطلقا. انتهى كلامي
واستدل بلفظة (فرضت) وجوب الركعتين في صلاة السفر. وأجيب بقوله تعالى (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة).
ومنهم من حمل قول عائشة (فرضت) بمعنى قدرت. والدليل أن عائشة كانت تتم.
ولا يلزم أن تأويل عائشة هو نفس تأويل عثمان. إنما التشابه في أن كليهما عنده تأويل. (الفتح بمعناه)
قال صاحبنا أبوصالح:
التعقب على القول بفرضية الركعتين بالآية (فليس عليكم جناح) فيه تعقب لأن لقائل أن يقول الآية في صلاة الخوف وليست في موضع النزاع، وأما تفسير (فرضت الصلاة) ب “قدرت ” فلقائل أن يقول هذا تأويل بدون قرينة مخالف للمتبادر.
ورد ما يدل أن الآية أيضا في السفر ففي صحيح مسلم من حديث ثعلبة أن الآية ليست خاصة بصلاة الخوف
(686) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، – قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا – عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتُ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»
قال الشيخ عبدالمحسن في شرح سنن أبي داود؛: فالآية اختلف فيها، والذي جاء في حديث عمر يدل على أنها كما تدل على قصر الكيفية تدل على قصر الكمية كذلك.
سؤال ما حكم صلاة القصر في السفر؟
وكيف الجمع بين قول الله تعالى “ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة”
وبين قوله صلى الله عليه وسلم “أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر؟
الجمع بينهما:
المراد بالقصر ههنا قصر
الكمية لأن ما هو الأصل لا يقال فيه: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وأصرح من ذلك دلالة على هذا ما رواه الإمام أحمد عن عمر رضي اللّه عنه قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم، زاد مسلم والنسائي عن عبد اللّه بن عابس قال: فرض اللّه الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى اللّه عليه وسلم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فكما يصلي في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلي في السفر.
فهذا ثابت عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي اللّه عنها لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان ولكن زيد في صلاة الحضر، فلما استقر ذلك صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربع كما قاله ابن عباس واللّه أعلم لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان وأنها تامة غير مقصورة كما هو مصرح به في حديث عمر رضي اللّه عنه، وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} قصر الكيفية كما في صلاة الخوف، ولهذا قال: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} الآية، ولهذا قال بعدها: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية، فبين المقصود من القصر ههنا وذكر صفته وكيفيته ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدَّره بقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الارض فليس علكيم جناح أن تقصروا من الصلاة}، وقال مجاهد: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} يوم كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات بركوعهم، وسجودهم، وقيامهم معاً جميعاً، فهمَّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم.
وقال ابن جرير عن أمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد قال لعبد اللّه بن عمر: إنا نجد في كتاب اللّه قصر صلاة الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال عبد اللّه: إنا وجدنا نبينا صلى اللّه عليه وسلم يعمل عملاً عملنا به، فقد سمى صلاة الخوف مقصورة وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر، وأقره ابن عمر على ذلك واحتج على قصر الصلاة بفعل الشارع لا بنص القرآن، واصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضاً عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان تمام غير قصر إنما القصر في صلاة المخافة فقلت: وما صلاة المخافة؟ فقال: يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء فيصلي بهم ركعة فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.
تطرق العلماء الذين قالوا بصلاة السفر تامة غير قصر لهذا الحديث باختصار تام:
وقد يقال: إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف، وقصر العدد بنقصان ركعتين، وقيد ذلك بأمرين:
(1) -الضرب في الأرض،
(2) -والخوف،
فإذا وجد الأمران أبيح القصران، فيصلون صلاة خوف مقصورا عددها، وأركانها، وإن انتفى الأمران، وكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران، فيصلون صلاة كاملة، وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده، فإن وجد الخوف، والإقامة، قصرت الأركان، واستوفي العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، وإن وجد السفر، والأمن قصر العدد، واستوفيت الأركان، وصليت صلاة أمن, وهذا أيضا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامة باعتبار تمام أركانها، وإنها لم تدخل في قصر الآية انتهى.
الحجة الثانية:
قوله – صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: “صدقة تصدق الله بها عليكم، فإن الظاهر من قوله: “صدقة” أن القصر رخصة فقط.
وأجيب بأن الأمر بقبولها يدل على أنه لا محيص عنها، وهو المطلوب.
(ذخيرة العقبى)
والشيخ محمد علي آدم في آخر البحث رجح قول الجمهور وأنها غير واجبة والشيخ ابن عثيمين قال القولان متكافئاان ….
وعن ابن تيمية أنه قال كما في المجموع ((22) / (83)):
وأما قوله تعالى {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فهنا علق القصر بسببين: الضرب في الأرض والخوف من فتنة الذين كفروا؛ لأن القصر المطلق يتناول قصر عددها وقصر عملها وأركانها. مثل الإيماء بالركوع والسجود فهذا القصر إنما يشرع بالسببين كلاهما كل سبب له قصر. *فالسفر يقتضي قصر العدد*
و*الخوف يقتضي قصر الأركان*.
ولو قيل: إن القصر المعلق هو قصر الأركان فإن صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر لكان وجيها. ولهذا قال: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة}. فقد ظهر بهذا أن القصر لا يسوى بالجمع فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعته لأمته بل الإتمام في السفر أضعف من الجمع في السفر.
فإن الجمع قد ثبت عنه أنه كان يفعله في السفر أحيانا و*أما الإتمام فيه فلم ينقل عنه قط* وكلاهما مختلف فيه بين الأئمة فإنهم مختلفون في جواز الإتمام: وفي ” جواز الجمع متفقون على جواز القصر وجواز الإفراد. فلا يشبه بالسنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه في أسفاره وقد اتفقت الأمة عليه، [فلا يصار] إلى أن ما فعله في سفره مرات متعددة [متفق عليه] وقد تنازعت فيه الأمة. انتهى
عن بعض الباحثين أنه قال:
رد الشيخ الالباني رحمه الله على ابن حزم رداً طويلاً وكذا تكلم عن طاوس والشعبي في: (السلسلة الصحيحة:6/ 386) فقال:
(هذا ولقد شذ في هذه المسألةابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم، واحتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث
كثيرة صحيحة. وليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة المفهوم، وبعضها بدلالة المنطوق. ولا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض المتمذهبة.
وليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، وإلا لم يخالفها إن شاء الله تعالى، وأما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها ولكنه لم يرها حجة لدلالتها بطريق المفهوم، وليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، ومذهبهم هو الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليهافكان عليه أن يذكرها مع جوابه عنها، ليكون القاريء على بينة من الأمر.
وإن من غرائبه أنه استشهد لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق – وهو في ” مصنفه ” ((2) / (519)) – من طريق داود بن أبي عاصم قال: ” سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال:
ركعتان. قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وآمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن شئت أو دع “. قلت: وسنده صحيح، وقال عقبه: ” وهذا بيان جلي بأمر ابن عمرالمسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط “. قلت: وهذا فهم عجيب، واضطراب في الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. وغاية ما فيه أن ابن أبي عاصم بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن الصلاة وهم – يعني الحجاج – في منى: هل يقصرون أيضا؟
فأجابه بالإيجاب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه الرواية، وهو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في ” باب الصلاة في السفر ” في جملة أحاديث وآثار في القصر، وكذلك أورده ابن أبي شيبة في باب ”
من كان يقصر الصلاة ” من ” مصنفه ” ((2) / (451)). وداود بن أبي عاصم هذا طائفي
مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، والمسافة بينها وبين منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، وكأنه يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في منى هو ومن كان معه من المكيين الحجاج. والله أعلم.
وإن مما يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان
إذا صلى في مكة ومنى لنفسه قصر، وإذا صلى وراء الإمام صلى أربعا. فلو كان سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم، لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من الإتمام في هذه الحالة، ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله، ويؤيد هذا أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره، فروى عبد الرزاق ((2) / (542) / (4381)) بسند صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين وأنا مسافر؟ قال: صل بصلاتهم. أورده في ” باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين “.
وذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه، إلا أن بعضهم فصل، فقال في
المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا، وإن أدركهم جلوسا صلى ركعتين. ولم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما هو قول ابن حزم! وأما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم قال: ” كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر صلى إليها أخرى، وإذا أدرك ركعتين اجتزأهما “، وقال ابن حزم: ” تميم بن حذلم من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه “. قلت: نعم، ولكنه مع شذوذه عن كل الروايات التي أشرت إليها في الباب وذكرنا بعضها، فإن ابنه عبد الرحمن ليس مشهورا بالرواية، فقد أورده البخاري في ” التاريخ ” ((3) / (1) / (265)) وابن أبي حاتم ((2) / (2) / (218)) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا، وذكره ابن حبان في ” الثقات ” ((7) / (68)) برواية المغيرة. وهذا قال فيه الحافظ في ” التقريب “:” كان يدلس “.
وذكر أيضا من طريق مطر بن فيل عن الشعبي قال: ” إذا كان مسافرا فأدرك من صلاةالمقيم ركعتين اعتد بهما “. ومطر هذا لا يعرف. وعن شعبة قال: سمعت طاووسا وسألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيم ركعتين؟ قال: ” تجزيانه “. قلت: وهذا صحيح إن سلم إسناده إلى شعبة من علة، فإن ابن حزم لم يسقه لننظر فيه.
*وجملة القول*
*أنه إن صح هذا وأمثاله عن طاووس وغيره، فالأخذ بالآثار المخالفة لهم أولى لمطابقتها لحديث الترجمة وأثر ابن عمر وغيره. والله أعلم.) *أ. هـ
قال ابن عبد البر في “التمهيد” ((7) / (75) – (76)): ومن هذا الباب مراعاة الركعة عند مالك وجماعة معه؛ المسافر يصلي وراء المقيم، وقد اختلف العلماء فيها:
– فقال مالك وأصحابه إذا لم يدرك المسافر من صلاة المقيم ركعة صلى ركعتين، وإن أدرك مع المقيم ركعة صلى أربعا، وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة،
– وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل، وأبو ثور: إذا دخل المسافر في صلاة المقيم؛ صلى صلاة مقيم أربعا وإن أدركه في التشهد، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس وجماعة من التابعين،
* وفي هذه المسألة أيضا قولان آخران يردهما هذا الحديث
أحدهما: أن المسافر إذا أدرك ركعتين من صلاة المقيم استجزأ بهما، وسلم بسلامه، روي هذا عن طاوس والشعبي،
والآخر: أن للمسافر أن ينوي خلف المقيم صلاة مسافر، فإذا تشهد في الجلسة الوسطى سلم وخرج، وإن أدرك المقيم جالسا صلى هو صلاة مسافر،
هذا قول إسحاق بن راهويه، وهذان قولان ضعيفان شاذان، والناس على القولين الأولين) انتهى النقل عن الباحث
فوائد الباب:
1 – استعانة البخاري بآثار الصحابة في فهم النصوص.
2 – يشرع القصر بمفارقة البنيان، ويبدأ الإتمام عند عودة المسافر بدخول أول البنيان.
3 – من ترك النص لتأويل من العلماء لا يتابع عليه، مع الاعتذار له، وهو مأجور في كل حال.
4 – إذا نوى المسلم السفر لا يبيح ذلك له القصر في داره حتى يخرج من البنيان.
5 – بين المدينة وذي الحليفة نحو سبعة كيلو مترات.
6 – الصحيح من أقوال أهل العلم أن الصلاة الرباعية أول ما فرضت كانت ركعتين، ثم زيدت في الحضر بعد الهجرة، وأقرت صلاة السفر ركعتين على ما كانت قبل.
7 – فيه مشروعية السفر بعد الظهر.
8 – لا يدخل القصر للمسافر في صلاة المغرب بالنص والإجماع.
9 – ينصح بمراجعة سلسلة الأحاديث الصحيحة 2814 و2815 مع تعليقات الألباني.