1089 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
——‘——-‘——-‘
——‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1089):
قال الإمام أبو داود في السنن: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، قَالَ: كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلْفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ».
قال أبو عبدالرحمن: صحيح على شرط الشيخين، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها كما في (الإلزامات) برقم (53).
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي
هو ” قيس بن أبي غرزة بن عمير بن وهب الغفاري، وقيل: الجهني.
سكن الكوفة ومات بها، له حديث واحد.
أخرجه الثلاثة. . [أسد الغابة] بتصرف
وقال ابن عبد البر رحمه الله في الاستيعاب” رواه عنه أبو وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل السوق وقال لهم: «يا معشر التجار، إن بيعكم هذا مما يحضره الحلف، فشوبوه بالصدقة». وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق». ومنهم من يجعلهما حديثين. روى عنه الحكم بن عتيبة ولا أدري أسمع منه أم لا؟ “.
ب – التخريج:
أورد الحديث أبو داود في السنن، كتاب البيوع، باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو، حديث رقم (3326).
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث. وباقي الروايات:
(فمر بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسمانا باسم هو أحسن منه): أي من اسمنا الأول، قيل: لأن اسم التاجر أشرف من اسم السمسار في العرف العام. ولعل وجه الأحسنية أن السماسرة تطلق الآن على المكاسين، أو لعل هذا الاسم في عهده – صلى الله عليه وسلم – كان يطلق على من فيه نقص اهـ.
والأحسن ما قاله الطيبي – رحمه الله: وذلك أن التجارة عبارة عن التصرف في رأس المال طلبا للربح، والسمسرة كذلك، لكن الله – تعالى – ذكر التجارة في كتابه غير مرة على سبيل المدح، كما قال – تعالى: هل أدلكم على تجارة تنجيكم وقوله تجارة عن تراض وقوله: تجارة لن تبور اهـ. ولعله أراد أيضا قوله: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار تنبيها لهم بهذا الاسم على أن يكونوا موصوفين بهذه النعوت خصوصا، وفي هذا الاسم إيماء إلى قوله – تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية …. وقال الطيبي – رحمه الله: ربما يحصل من الكلام الساقط وكثرة الحلف كدورة في النفس، فيحتاج إلى إزالتها وصفائها، فأمر بالصدقة لتنزيل تلك الكدورة وتصفيتها. وقال: وفيه إشعار بكثرة التصدق، فإن الماء القليل الصافي لا يكتسب من الكدورة إلا كدورة اهـ. ولكن ورد: أنه سبق درهم مائة ألف درهم،
—
التاجر المسلم يجب عليه أن “يتفقه” فيما يتعلق بتجارته؛ حيث أن ذلك أصبح عليه من الفروض العينية بعد أن كانت من الفروض الكفائية، وفي الجانب الآخر عليه أن يتعلم “الآداب” التي يجب على التاجر أن يتسم بها.
وفي حديث الباب، آداب التجارة، ونظراً لما يقع من كثير من التجار من الحلف واللغو والكذب أرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – التجار إلى أن يخلطوا بيعهم بالصدقة فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل
قال صاحب عون المعبود: [(إن البيع يحضره اللغو): أي غالباً وهو من الكلام ما لا يعتد به, وقيل هو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغو وهو صوت العصافير. ذكره الطيبي. قال القاري: والظاهر أن المراد منه ما لا يعنيه وما لا طائل تحته وما لا ينفعه في دينه ودنياه انتهى. (والحلف): أي إكثاره أو الكاذب منه، (فشوبوه): بضم أوله أي اخلطوا ما ذكر من اللغو والحلف قاله القاري] عون المعبود شرح سنن أبي داود 9/ 124.
وقد ورد في فضل الصدقة نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم”.
وقد ورد في فضل الصدقة نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -.
أ. فأما من القرآن الكريم:
منها قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} سورة الحديد الآية 18.
وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} سورة البقرة الآية 245.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة الآية 274.
ب. وأما من السنة الصحيحة.
فعن حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال عمر – رضي الله عنه – أيكم يحفظ حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الفتنة قال: قلت أنا أحفظه كما قال قال إنك عليه لجريء فكيف قال قلت: فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف قال سليمان قد كان يقول الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر … ) رواه البخاري.
وعن عدي بن حاتم – صلى الله عليه وسلم – قال سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل) رواه مسلم.
المسألة الرابعة (4): هل يجوز الحلف في البيع والشراء إذا كان صاحبه صادقاً؟
الحمد لله، ” الحلف في البيع والشراء مكروه مطلقاً , سواء كان كاذبا أو صادقاً , فإن كان كاذباً في حلفه فهو مكروه كراهة تحريم , وذنبه أعظم وعذابه أشد , وهي اليمين الكاذبة , وهي وإن كانت سبباً لرواج السلعة , فهي تمحق بركة البيع والربح , ويدل لذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة , ممحقة للبركة) , أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما , وهذا لفظ البخاري , انظر: “فتح الباري” (4/ 315)
ولما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة , ولا ينظر إليهم , ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار , وقال أبو ذر: خابوا وخسروا , من هم يا رسول الله؟ قال: (المسبل , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) , أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 102) , وأخرج الإمام أحمد نحوه في مسنده.
أما إن كان الحلف في البيع والشراء صادقاً فيما حلف عليه , فإن حلفه مكروه كراهة تنزيه؛ لأن في ذلك ترويجاً للسلعة , وترغيباً فيها بكثرة الحلف , وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران/77 , ولعموم قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) المائدة/89 ولقوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) البقرة/224 , ولعموم ما رواه أبو قتادة الأنصاري السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع , فإنه ينفّق ثم يمحق) أخرجه مسلم في صحيحه , وأحمد في المسند , والنسائي , وابن ماجه , وأبو داود ” انتهى. [“فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” (13/ 8)].
ذم كثرة الحلف في التجارات:
كثير من التجار يكثرون من الحلف في البيع والشراء، فتراهم يحلفون بالله عز وجل على أتفه الأمور ولا يعلمون أن كثرة الحلف مكروهة، هذا إذا كان الحالف صادقاً؛ قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} سورة المائدة الآية 89. قال القرطبي: [أي: بترك الحلف فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم هذه التكليفات] تفسير القرطبي 6/ 285.
ونقل القرطبي أيضاً عن بعض المفسرين في قوله تعالى: {ولآ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية 224، [بأن المعنى لا تكثروا من اليمين بالله تعالى فإنه أهيب للقلوب؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} وذمَّ من كثَّر اليمين؛ فقال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} والعرب تمتدح بقلة الأيمان … ] تفسير القرطبي 3/ 97.
وأما إذا كان الحالف كاذباً متعمداً للكذب فقد وقع في الحرام؛ قال الله تعالى: {إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة آل عمران الآية 77.
وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن كثرة الحلف في البيع والشراء ويلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس؛ فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) رواه مسلم.
قال الإمام النووي: [وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه، وينضم إليه ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 220.
وأخيراً فإن التاجر إذا كثر منه الحلف فعليه أن يكثر من الصدقة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) أي اخلطوه بالصدقة رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 640.
—-
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث:
1 – على التاجر أن يتعلم ما يتعلق بتجارته، والآداب فيه.
2 – أثر الأخلاق في التعامل مع الناس في المجتمع.
3 – أثر الدعوة العملية في التخلق بأخلاق الإسلام في سرعة نشر الدين.
4 – الكل يمثل الإسلام في مكانه، فالإسلام لا يتعلق فقط بالمستقيم.
الوجه الرابع: المسائل الملحقة: وهي أربع مسائل، كالتالي:
المسألة الأولى (1): ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التجارة والبيع، والشراء، ما يلي:
“أولا: الهدي في مباشرة البيع وعدمه.
1. عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة مع عمه أبي طالب؛ وعمل لخديجة كذلك، وسافر لذلك إلى بلاد الشام , وكان أيضا يتاجر في الأسواق؛ فمجنة، وعكاظ: كانت أسواقاً في الجاهلية، وكان التجار يقصدونها للبيع، والشراء.
2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر البيع بنفسه -كما سيأتي في حديث جمل عمر، وجمل جابر رضي الله عنهما-، أو يُوكل ذلك إلى أحدٍ من أصحابه، كما في عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ قَالَ: أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِينَاراً يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَةً – أَوْ شَاةً – فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ. رواه الترمذي (1258) وأبو داود (3384) وابن ماجه (2402)، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
ثانيًا: الهدي في الذي يجب أن يتسم به التاجر.
1. بالبرِّ؛ فعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ)، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ. فَقَالَ: (إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ، وَبَرَّ، وَصَدَقَ). رواه الترمذي (1210) وابن ماجه (2146)، وصححه الألباني في ” صحيح الترغيب ” (1785).
- الصدق؛ فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا). رواه البخاري (1973) ومسلم (1532). وهذا سبب من أسباب البركة في التجارة.
3. الصدقة؛ لحديث قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ رضي الله عنه.
4. بالسماحة، واليسر في البيع والشراء؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى). البخاري (1970).
قال ابن حجر – رحمه الله -: وفيه الحض على السماحة في المعاملة , واستعمال معالي الأخلاق , وترك المشاحة , والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم. ” فتح الباري ” (4/ 307).فرع: من صور سماحته صلى الله عليه وسلم:
أ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: (بِِعْنِِيهِِ) قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (بِعْنِيهِ) فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ). رواه البخاري (2610).
ب. وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ: فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ: (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: (بِعْنِيهِ)، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ). رواه البخاري (1991) ومسلم (715) – واللفظ له -.
5. وكان صلى الله عليه وسلم يحسن أداء الحقوق لأهلها، ويحث عليه؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ)، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ (أَعْطُوهُ)، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً). رواه البخاري (2182) ومسلم (1601).
6. وكان صلى الله عليه وسلم يحث على إقالة النادم؛ فعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). رواه أبو داود (3460) وابن ماجه (2199)، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.
والإقالة: هي المسامحة، والتراجع عن البيع، أو الشراء، وتدل على كرمٍ في النفس.
” وصُورَة إِقَالَة الْبَيْع: إِذَا اِشْتَرَى أَحَد شَيْئًا مِنْ رَجُل ثُمَّ نَدِمَ عَلَى اِشْتِرَائِهِ، إِمَّا لِظُهُورِ الْغَبْن فِيهِ أَوْ لِزَوَالِ حَاجَته إِلَيْهِ، أَوْ لِانْعِدَامِ الثَّمَن: فَرَدَّ الْمَبِيع عَلَى الْبَائِع، وَقَبِلَ الْبَائِع رَدَّهُ: أَزَالَ اللَّه مَشَقَّته وَعَثْرَته يَوْم الْقِيَامَة؛ لِأَنَّهُ إِحْسَان مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي , لِأَنَّ الْبَيْع كَانَ قَدْ بَتَّ فَلَا يَسْتَطِيع الْمُشْتَرِي فَسْخه ” انتهى. من “عون المعبود”.
7. وكان صلى الله عليه وسلم يساوم في الشراء، ولا يبخس الناس بضاعتهم؛ كما مر معنا في حديث جمل جابر.
وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ ” هَجَرَ ” فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، فَبِعْنَاهُ. رواه الترمذي (1305) وقال: حسن صحيح، وأبو داود (3336) والنسائي (4592) وابن ماجه (2220).
8. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر برجحان الوزن إذا اشترى؛ فعن سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: (رأى) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (زِنْ وَأَرْجِحْ). وهو تتمة الحديث السابق.
9. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإنظار المعسر، والحط عنه، فعن أبي اليسر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ). رواه مسلم (3006).
10. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعامل بالربا، وبيع الغرر، وبيع العِينة، والتجارة بالمحرمات , وعن الغش والخداع.
والأدلة على ذلك كثيرة، ومشتهرة”.
هذا ما نقل من تجارته صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية، وأما تفاصيل ما كان يفعله من التجارة فلا يعرف إلا ما ورد.
المسألة الثانية (2): آداب التاجر.
أولاً:
“إن التجارة في الإسلام تحكمها ضوابط وقيم أخلاقية ينبغي على التجار التحلي بها، وهذه الضوابط والقيم مستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – ومن سير الصحابة والسلف في تعاملهم التجاري”،
فمن الأمور العامة التي يراعيها التاجر من الأخلاق:
أ. العدل والإحسان.
وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان في الأمور كلها، فالعدل في التجارة يجري من التاجر مجرى رأس المال فهو سبب للنجاة، والإحسان فهو يجري من التجارة مجرى الربح فهو سبب الفوز ونيل السعادة.
فلا ينبغي على التاجر أن يقصر على العدل دون الإحسان؛ وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} والمراد من الإحسان فعل ما ينتفع به العامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضلٌ منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم.
ب. الصدق والأمانة والنصيحة، وهي من أعظم أخلاق التجار؛ فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن. سنن الترمذي 3/ 515. وفيه ضعف منجبر كما قال العلامة الألباني في غاية المرام ص 124.
ج. من الأمور التي ينبغي للتجار ألا يتعاملوا بها الغبن، وهو أن يُغلب أحد المتبايعين، وهو نوع من الخداع.
” ولا بد من إشارة سريعة إلى دور التجار المسلمين في نشر الإسلام، فقد عمل التجار المسلمون على نشر الدعوة الإسلامية بين أهل البلاد التي رحلوا إليها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالسلوك الطيب والتعامل الحسن والتودد إلى أهل البلاد، وقد دخل كثير من الناس في الإسلام عن طريق التجار المسلمين، فعرفت تركستان الشرقية في الصين الإسلام عن طريق التجار المسلمين فانتشر الإسلام بين الصينيين، وقد وصل التجار المسلمون إلى بلدان جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا والفلبين .. وغيرها، وكان التجار المسلمون وراء وصول الإسلام إلى جزر المالديف التي تقع في الجنوب الغربي من سريلانكا، ودخل الإسلام فيتنام أيضاً عن طريق التجار المسلمين. وكان للتجار المسلمين دور بارز في نقل الإسلام من الشمال الإفريقي إلى وسط وشرق وجنوب إفريقيا.
ووصل الإسلام إلى ألبانيا وغيرها من مناطق البلقان عن طريق التجار المسلمين قبل الفتح العثماني.
وبعد هذا العرض الموجز جداً نرى أن أخلاق التجار المسلمين وحسن تعاملهم مع الناس كان له أكبر الأثر في انتشار الإسلام في مناطق شاسعة من العالم”.
ثانيًا: آداب التاجر المسلم:
1) النية الحسنة.
أن يجعل التاجر نيته في عمله الوصول إلى الرزق الحلال، وإعفاف نفس وأهل عن الحرام، وأن يجعل من عمله وسيلة لنيل رضا الله عز وجل.
فالنية الصالحة هي التي تقلب الأمور العادية إلى عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل؛
2) التبكير في طلب الرزق
ينبغي التبكير في طلب الرزق، قال الإمام الترمذي: [باب ما جاء في التبكير بالتجارة] ثم روى بإسناده عن صخر الغامدي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لأمتي في بكورها، قال: وكان -أي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا بعث سريةً أو جيشاً بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله) … قال أبو عيسى – الترمذي- حديث صخر الغامدي حديث حسن … ] سنن الترمذي.
قال في التحفة: [(فأثرى) أي: صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة. وإجابة هذا الدعاء منه – صلى الله عليه وسلم -].
3) أن يحرص على الذكر.
فعلى التاجر أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل بالتهليل والتسبيح، فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل، وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة حديث الذكر من السلام.
ولعموم الذكر ذكر الوارد، وأيضًا إن من أهم مفاتيح الرزق وأسبابه التي يُستنزل بها الرزق من الله عز وجل الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من الذنوب؛ قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} سورة نوح الآيات 10 – 12.
وقال الله تعالى عن هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} سورة هود الآية 52. فحرص التاجر على ذكر الله وداوم على التوبة والاستغفار، مما يعود نفعه في الدنيا والآخرة.
4) طرح السلام ورده
طرح السلام -أي التسليم- من السنن الثابتة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ فقد صح في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) رواه البخاري ومسلم.
وثبت في الحديث أيضاً عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: (أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسبع: … وإفشاء السلام، وإبرار المقسم) رواه البخاري ومسلم.
وهو من علامات الحب. فتعظم المحبة وتزول البغضاء والحسد الناتجه عن التجارات:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.
“فالسلام هي تحيتنا التي ينبغي أن نستعملها وهي تحية عظيمة تحمل معنى عظيماً فهي دعاء بالسلامة من الآفات في الدين والنفس ولأن في تحية المسلمين بعضهم لبعض بهذا اللفظ عهداً بينهم على صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم”.
فيبتعد التاجر المسلم عن أنواع التحية المحرمة، ويبدأ بهذه الصيغة الواردة في النصوص، ثم يبدأ بما يتعلق بأحوال والبيع، ولا يكتفي بإشارة اليدي فقط.
5) السماحة في (البيع والشراء وإنظار المعسر).
السهولة والسماحة في البيع والشراء أمر مطلوب شرعاً، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها:
أ. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء) رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 327.
ب. عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً إذا باع سهلاً إذا اشترى سهلاً إذا اقتضى) رواه الترمذي وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 326.
فاطلب حقك برفق ولين فهذه هي السماحة في الاقتضاء.
وأما إنظار المعسر فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية 280. وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في دين الربا إلا أن سائر الديون ملحق به لحصول المعنى الجامع بينهما فإذا أعسر المديون وجب إنظاره وهو اختيار الإمام الطبري.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه … ) رواه مسلم.
وعن أبي اليسر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله في ظل عرشه) رواه مسلم.
وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه) رواه مسلم.
وعن حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا قال لا قالوا تذكر قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر قال الله عز وجل تجوزوا عنه) رواه مسلم.
وفي رواية عن حذيفة – رضي الله عنه – قال: (أُتيَ اللهُ بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له ماذا عملت في الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثاً قال: يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي) فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من في رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) رواه البخاري ومسلم.
6) الصدق والأمانة
الصدق مطلوب من المسلم عموماً في كل أموره وأحواله؛ قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة الآية 119.
وثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الصدق يهدي إلى البر … ) رواه البخاري ومسلم.
والصدق مطلوب من التاجر المسلم خصوصاً نظراً لأهمية الصدق في المعاملات
7) الخلق الحسن:
قال جل وعلا: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم الآية 4.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحث على الخلق الحسن.
والأخلاق الحسنة كالصدق والأمانة والوفاء بالعقود والعهود وحسن المعاملة وإنظار المعسرين وترك المماطلة في سداد الديون وأداء الحقوق لأصحابها ونحو ذلك من الأخلاق الفاضلة الحميدة كلها مطلوبة من المسلم بشكل عام ومن التاجر المسلم على وجه الخصوص.
8) وفاء الكيل والميزان
أوجب الله عز وجل إيفاء الكيل والميزان؛ فقال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} سورة الأنعام الآية 152.
وقال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} سورة الإسراء الآية 35.
وقال تعالى: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ} سورة الشعراء الآية 181.
وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} سورة الرحمن الآية 9.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى تطفيف الكيل والميزان فيقول الله عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة المطففين الآيات 1 – 6.
أخي التاجر إياك والتطفيف في الكيل الميزان فإنه من أسباب الهلاك وما كسبته من التطفيف في الكيل الميزان سحت محرم.
9) من آداب البيع والشراء خلطهما بالصدقة
وقد مر بيان ذلك في شرح الحديث وفقهه.
10) الوفاء بالوعد
كثيرٌ من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – أمرت بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك، وذمت من لم يف بوعده، فمن هذه النصوص؛ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية 1. فهذه الآية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك.
قال الزجاج: [المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم مع بعضكم مع بعض] نقله عنه القرطبي في تفسيره 6/ 33.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف الآية 3.
وهذه الآية من أشد الآيات في وجوب الوفاء بالوعد؛ لأنها تضمنت الذم الشديد لمن لم يف بما يعد.
كما أن الله سبحانه وتعالى ذم بعض المنافقين الذين لم يفوا بوعودهم كما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْآتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّاآتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} سورة التوبة الآيات 75 – 77.
كما أن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهودهم ووعودهم وأثنى عليهم؛ كما في قول الله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} سورة البقرة الآية 177.
وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} سورة النجم الآية 37.
وورد في السنة النبوية ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد فمن ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف) رواه البخاري ومسلم.
وغيرها من الأحاديث.
11) الإقالة
والإقالة عند الْفُقَهَاءِ هي: [رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ]. الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 324.
والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب
تنبيه:
أولهما: ما ورد في بعض ألفاظ أحاديث الإقالة من قوله – صلى الله عليه وسلم – (من أقال مسلماً بيعته) فإن ذكر المسلم في الحديث ورد من باب التغليب وإلا فإقالة غير المسلم كإقالة المسلم قال الإمام الصنعاني: [وأما كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ, وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْماً أَغْلَبِيّاً وَإِلَّا فَثَوَابُ الْإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ مَنْ أَقَالَ نَادِماً أَخْرَجَهُ الْبَزَّار] سبل السلام 3/ 796.
والثاني: إن الْإِقَالَةُ َتَكُونُ وَاجِبَةً إذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ, لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِداً أَوْ مَكْرُوهاً وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَاسِ الْمَالِ صَوْناً لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُور, لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإمكان, وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ وَاجِبَةً إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارّاً لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيراً, وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ بِالْيَسِيرِ هُنَا, لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ] الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 325.
12) وضع الجوائح
الجائحة عند الفقهاء: كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم به، كعارضٍ سماويٍ، مثل: البرد والحر والجراد والمطر.
عن عطاء بن أبي رباح قال: (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق) رواه أبو داود.
والجائحة لها أثر واضح في التخفيف عمن أصابته؛ ويدل على ذلك عدة أحاديث وردت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – منها:
عن جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) رواه مسلم.
وعن أنس – رضي الله عنه – (أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي قالوا: وما تزهي؟ قال: تحمر، فقال: إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك؟) رواه مسلم.
وعن جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أمر بوضع الجوائح) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: أصيب رجل في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) رواه النسائي.
ويؤخذ من هذه الأحاديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بوضع الجوائح حتى لا يأكل المسلم مال أخيه بالباطل.
13) إياك وحلف الأيمان!
وسبق الكلام عليه اول البحث
——
إن من قواعد البيع والشراء في الشريعة الإسلامية تحريم الغش بكل صوره وأشكاله وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الغش منها ما ثبت في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (مرََّ على صُبرة طعام -كومة- فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى عند مسلم: (من غشنا فليس منا).
قال صاحب عون المعبود: [قال الخطابي: معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا, يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي … وهذا كما يقول الرجل لصاحبه أنا منك وإليك, يريد بذلك المتابعة والموافقة, ويشهد لذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}] سورة إبراهيم الآية 36. عون المعبود شرح سنن أبي داود 9/ 231.
وهذه الأدلة ظاهرة الدلالة على تحريم الغش باعتباره وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل إذ أن حقيقة الغش هي إخفاء وكتمان ما في السلعة من نقص أو عيب. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29.
والغش ينافي عصمة أموال المسلمين التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كما جاء في الحديث الشريف من قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279.
والغش بمقتضى الأحاديث السابقة يعتبر من كبائر الذنوب.
قال ابن حجر الهيتمي المكي: [تنبيه: عدُّ هذا -الغش- كبيرة هو ظاهر بعض ما في هذه الأحاديث من نفي الإسلام عنه مع كونه لم يزل في مقت الله أو كون الملائكة تلعنه … وضابط الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل فيجب عليه أن يعلمه به ليدخل في أخذه على بصيرة، ويؤخذ من حديث واثلة وغيره ما صرح به أصحابنا أنه يجب أيضاً على أجنبي علم بالسلعة عيباً أن يخبر به مريد أخذها وإن لم يسأله عنها كما يجب عليه إذا رأى إنساناً يخطب امرأة ويعلم بها أو به عيباً أو رأى إنساناً يريد أن يخالط آخر لمعاملة أو صداقة أو قراءة … وعلم بأحدهما عيباً أن يخبر به وإن لم يستشر به كل ذلك أداء للنصيحة المتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 543.
وقد ذكر بعض أهل العلم مضار الغش وهي:
1. الغش طريق موصل إلى النار.
2. الغش دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفسٍ هانت عليه نفسه فأوردها مورد الهلاك والعطب.
3. الغش يبعد عن الله وعن الناس.
4. الغش طريق لحرمان إجابة الدعاء.
5. الغش طريق لحرمان البركة في المال والعمر.
6. الغش دليل على نقص الإيمان.
14) إياك أن تبيع سلعة معيبة دون أن تبين للمشتري العيب
يجب على البائع أن يبين للمشتري ما في السلعة من عيب إن كان فيها ويحرم عليه أن يكتم شيئاً من عيوبها فإذا أعلم المشتري بالعيب ثم اشترى السلعة مع علمه بالعيب يكون البائع قد أبرأ ذمته؛ فقد جاء في الحديث عن أبي سباع قال: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع فلما خرجت بها أدركني وهو يجر إزراه فقال: يا عبد الله اشتريت؟ قلت: نعم. قال: بُينَ لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردت بها سفراً أو أردت بها لحماً؟ قلت: أردت بها الحج. قال: فإن بخفها نقباً. فقال صاحبها: ما أردت أي هذا أصلحك الله تفسد علي؟ قال: إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (لا يحل لأحد يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بيَّنه) رواه الحاكم والبيهقي وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وقال العلامة الألباني حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2/ 337 – 338.
فبيع السلعة المعيبة دون بيان العيب نوع من الغش، والغش محرم بجميع أشكاله وأنواعه
وسبق في الحديث تحذير صاحب الصبره التي أصابها ماء ولم يبين.
15) ردُّ المفقودات إلى أصحابها
ورد في الحديث عن أنس – رضي الله عنه – قال: مرَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بتمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) رواه البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن حجر: [قوله – صلى الله عليه وسلم -: (لأكلتها) ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات … ] فتح الباري 5/ 107 – 108.
وقال الإمام الترمذي: [وقد رخص بعض أهل العلم إذا كانت اللقطة يسيرة أن ينتفع بها ولا يعرفها. وقال بعضهم إذا كان دون دينار يعرفها قدر جمعة وهو قول اسحق بن إبراهيم] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 518.
وأما الأمور ذات القيمة فيجب تعريفها لمدة سنة كما ثبت في الحديث عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال: (أصبت صرة فيها مئة دينار فأتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: عرِّفها حولاً فعرفتها حولاً فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال: عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثاً، فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً) رواه البخاري.
قال الإمام النووي: [وأما التعريف سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة ولا في معنى التافهة … ولا بد من تعريفها سنة بالإجماع] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 386.
ثم قال الإمام النووي: [والتعريف أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه وفي الأسواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس فيقول: من ضاع منه شيء؟ من ضاع منه حيوان؟ من ضاع منه درهم؟ ونحو ذلك، ويكرر ذلك بحسب العادة. قال أصحابنا: فيعرفها أولاً في كل يوم ثم في الأسبوع ثم في أكثر منه] ن المصدر السابق 4/ 386 – 387.
16) إياك والنجش
النجش هو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شرائها؛ ليغري المشتري بالزيادة، والنجش حرام بنص أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن النجش) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه) رواه البخاري ومسلم.
ومن صور النجش أن يأتي الرجل الذي يفصل السلعة إلى صاحب السلعة فيستام بأكثر مما تسوى وذلك عندما يحضره المشتري يريد أن يغتر المشتري به وليس من رأيه الشراء إنما يريد أن يخدع المشتري بما يستام، وهذا ضرب من الخديعة. قال الشافعي: وإن نجش رجل فالناجش آثم فيما يصنع والبيع جائز؛ لأن البائع غير الناجش هذا ما قاله الإمام الترمذي.
إياك واستغلال جهل المشتري بالأسعار:
منع النبي – صلى الله عليه وسلم – تلقي الركبان من أهل البادية قبل وصولهم للسوق لما في ذلك من استغلال لجهلهم بالأسعار ولما فيه من التضييق على أهل الحاضرة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: (نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد) رواه البخاري. وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) رواه مسلم.
قال الإمام النووي: [قوله: (نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يبيع حاضر لباد). وفي رواية (قال طاووس لابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكن له سمساراً).
هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي, وبه قال الشافعي والأكثرون. قال أصحابنا: والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه, فيقول له البلدي: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى] شرح النووي على صحيح مسلم.
وعلة النهي عن بيع الحاضر للبادي: [ … ما يؤدي إليه هذا البيع من الإضرار بأهل البلد، والتضييق على الناس. والقصد أن يبيعوا للناس برخص. قال ابن القاسم: لم يختلف أهل العلم في أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لنفع الحاضرة، لأنه متى ترك البدوي يبيع سلعته، اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها، وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد، ضاق على أهل البلد، وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – في تعليله إلى هذا المعنى] الموسوعة الفقهية الكويتية9/ 82.
ويمكن أن يكون النهي حتى لا يحول أهل الحاضرة بين وصول أهل البادية إلى الأسواق ومعرفة الأسعار الحقيقية فيشتري أهل الحاضرة السلع بأرخص الأسعار ثم يغالون في أسعارها.
17) احذر الرشوة والهدية للمسوؤل
روى الإمام البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه – قال: (استعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدي إليَّ. فقام النبي – صلى الله عليه وسلم – فصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلَّا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر … ).
جاء في المغني عند الكلام على الهدية للقاضي قال: [ولا يقبل هدية من لم يكن يهدي إليه قبل ولايته وذلك؛ لأن الهدية يقصد بها في الغالب استمالة قلبه ليعتني به في الحكم فتشبه الرشوة … ] المغني 10/ 68.
وبناء على ما تقدم أقول لك أخي التاجر إياك أن تقدم هدايا للموظفين الذين لهم علاقة بتجارتك لتسهيل معاملاتك، فهذه الهدايا ما هي في الحقيقة إلا رشاوى وقد ورد في الحديث (أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لعن الراشي والمرتشي) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني. واللعن هو الطرد من رحمة الله. فاحذر أخي التاجر أن تكون من المطرودين من رحمة الله تعالى.
18) احذر أكل السحت
ورد الوصف بأكل السحت في ثلاث آيات من القرآن الكريم وذلك في سورة المائدة، قال الله تعالى في وصف اليهود: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} سورة المائدة الآيتان 41 – 42.
وقال الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة المائدة الآية 62.
وقوله تعالى: {لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} سورة المائدة الآية 63.
قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي الحرام وسمي المال الحرام سحتاً لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. انظر تفسير القرطبي 6/ 183.
وقيل لأنه لا بركة فيه لأهله فيهلك هلاك الاستئصال غالباً. وقيل لأنه يسحت مروءة الإنسان. والسحت المقصود في الآية هو الرشوة على الحكم وذلك على المشهور عند المفسرين وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري. تفسير الألوسي 3/ 309.
وروى الإمام البخاري تعليقاً عن محمد بن سيرين أنه قال: [كان يقال السحت الرشوة في الحكم].
وقال الحافظ ابن حجر: [وأشار ابن سيرين بذلك إلى ما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قوله في تفسير السحت أنه الرشوة في الحكم أخرجه ابن جرير بأسانيد عنهم. ورواه من وجه آخر مرفوعاً ورجاله ثقات ولكنه مرسل ولفظه: كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم] فتح الباري 5/ 360.
قال الحافظ ابن عبد البر: [وفيه دليل على أن كل ما أخذه الحاكم والشاهد على الحكم بالحق أو الشهادة بالحق سحت وكل رشوة سحت وكل سحت حرام ولا يحل لمسلم أكله وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين.
وقال جماعة من أهل التفسير في قول الله عز وجل: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قالوا: السحت الرشوة في الحكم وفي السحت كل ما لا يحل كسبه] فتح المالك 8/ 223.
ويدخل تحت السحت كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله، ومن السحت الربا والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة والأصنام والتماثيل والمال المأكول بالباطل كمن يسأل الناس وهو ليس بحاجة فإن ما يأكله من المال يعتبر سحتاً فقد جاء في الحديث عن قبيصة بن مخارق الهلالي – رضي الله عنه – قال: (تحملت حمالة فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسأله فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. قال ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال سداداً من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) رواه مسلم. [فقه التاجر المسلم. بتصرف].