1087 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا)
——‘——-‘——-‘
——‘——-‘——-‘
——‘——-‘——-‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1087):
قال الإما النسائي: أَخْبَرَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: «كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ وَنَزَلَتِ الزَّكَاةُ، لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ، وَكُنَّا نَفْعَلُهُ».
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواه، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي (سبق)
ب – التخريج:
أخرجه النسائي في السنن، 23 – كتاب الزكاة / باب: فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة / حديث رقم 2506.
الوجه الثاني: بيان الحديث والمسائل الملحقة:
أولا: المسائل المتعلقة بزكاة الفطر: (ينتظم الحديث فيه في ستة أمور):
1) مشكل الحديث
قال الطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار (5/ 242 – 259): باب بيان مشكل ما روي عن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري في نسخ زكاة الفطر وفي نسخ فرض صوم يوم عاشوراء
وذكر حديث قيس بن سعد وقال:
فتأملنا ما في حديث قيس هذا مما كان عليه صوم يوم عاشوراء قبل فرض صوم شهر رمضان، فوجدناه مما قد وافقه عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
1879 – عن علقمة، عن عبد الله ودخل عليه الأشعث بن قيس يوم عاشوراء وهو يطعم، فقال: يا أبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء. قال: «قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك، فأما أنت مفطر فادن فاطعم»
ووجدنا مما قد وافقت عليه عائشة أيضا:
1882 – عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه»
ووجدنا مما وافقه عليه جابر بن سمرة:
1885 – عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعهدنا عليه، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم يتعهدنا عليه.
قال أبو جعفر: اتفق عبد الله بن مسعود وعائشة وجابر بن سمرة في صوم يوم عاشوراء على ما قد رويناه عنهم فيه، وقد روي عن عبد الله بن عباس أنه كان يصام بخلاف ذلك.
1886 – عن ابن عباس، أنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله عز وجل فيه موسى صلى الله عليه وسلم على فرعون، فقال: «أنتم أولى بموسى صلى الله عليه وسلم منهم فصوموه».
قال أبو جعفر: ففي هذا دليل أنهم كانوا يصومونه للشكر لا لفرض، وقد يحتمل أن يكون كانوا يصومونه للشكر لا على ما في حديث ابن عباس هذا، ثم فرض عليهم صومه، فكانوا يصومونه للفرض على ما في أحاديث ابن مسعود وعائشة وجابر بن سمرة، وقد روي في توكيد وجوب صومه كان أيضا مما قد دل على أنه كان للفرض لا للشكر.
1887 – حدثنا علي بن شيبة، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي، عن عمه، قال: غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبحة يوم عاشوراء وقد تغدينا، فقال: «أصمتم هذا اليوم؟» فقلنا: قد تغدينا. قال: «أتموا بقية يومكم».
وذكر أحاديث أخرى في هذا المعنى
قال أبو جعفر: ولم يكشفهم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هل أكلوا أو لم يأكلوا، فدل ذلك أن أمره إياهم بصوم بقية يومهم يستوي من كان أكل قبل ذلك فيه ومن لم يأكل.
قال أبو جعفر: فدل ذلك أنه كان حينئذ كشهر رمضان بعد أن كان هو الفريضة.
فقال قائل: فقد رأينا من دخل عليه شهر رمضان ولم يعلم بدخوله عليه فأكل، ثم علم في يومه ذلك أنه في رمضان أنه يؤمر بالإمساك عما يمسك عنه الصائم في بقيته وبقضاء يوم مكانه، ولم يؤمر بذلك في صوم يوم عاشوراء، في الوقت الذي كان صومه فرضا؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله جل وعز وعونه: أن ذلك إنما كان عندنا والله أعلم أن الفرض كان لحقهم في يوم عاشوراء بعدما دخلوا فيه وبعدما قد كان دخولهم فيه غير مفروض عليهم، وقد دل على ذلك ما في حديث أبي سعيد الخدري الذي قد رويناه في هذا الباب من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أمره من كان حوله فيه بما أمرهم به فيه، فكانوا كمن بلغ من الصبيان وكمن أسلم من النصارى في يوم من شهر رمضان، فيؤمرون بصوم بقيته وإن كانوا قد أكلوا قبل ذلك، ولا يؤمرون بقضاء يوم مكانه.
وأما ما في حديث قيس ومن وافقه ممن ذكرنا على ما وافقه عليه مما ذكره فيه من صوم يوم عاشوراء ومما ذكره فيه من صدقة الفطر فإنه قد روي عن عبد الله بن عمر ما يخالف ذلك.
1893 – كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: حدثنا عارم، وكما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد صاع من شعير أو صاع من تمر. قال: فعدله الناس بمدين من حنطة». وكما حدثنا علي بن شيبة، وأبو أمية قالا: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
1894 – وكما حدثنا أحمد بن محمد بن سلام العطار البغدادي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ذكر وأنثى حر أو مملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير – يعني صدقة الفطر.
وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: حدثنا القعنبي، قال: حدثنا مالك، وكما حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزادا:» من المسلمين «، ولم يذكرا التعديل الذي في بعض ما قبله من تعديل الناس: مدين من حنطة.
ففي هذا الحديث ذكر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وفيه تعديل الناس إياها بمدين من حنطة، وذلك لا يكون إلا مع بقاء فرضها، فكان هذا مخالفا لما قاله قيس في ذلك، غير أنا تأملنا ما قاله قيس فيه فوجدنا له وجها محتملا لما قاله فيه، وهو أنه قد كانت صدقة الفطر في البدء في فرضها على مثل ما في زكاة الأموال عليه في فرضها بعد أن فرضت فيها حتى صارت في فرضها كالصلوات الخمس في الإيمان بها، وفي وجوب الكفر على من جحدها، فكانت صدقة الفطر كذلك، ثم فرضت زكاة الأموال، فرد الفرض الذي كان فيها إلى زكاة الأموال، وجعل مكانه لزكاة الفطر فرض دون ذلك على ما في حديث ابن عمر مما لو جحده جاحد لم يكن بجحده إياه كافرا، كما يكون بجحده زكاة الأموال كافرا.
فهذا هو معنى صحيح يخرج به ما قال قيس في فرض زكاة الفطر كان عليه. والله عز وجل نسأله التوفيق. انتهى كلام الطحاوي رحمه الله تعالى.
“ومِنْ أحكامه: نسخُ وجوب صيام عاشوراء إلى الاستحباب بحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «صَامَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ» ((11) -[أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ وجوبِ صوم رمضان ((1892)) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.])
وفي حديثِ عائشة رضي الله عنها: « .. فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» ((12) -[أخرجه البخاريُّ في «الصوم» بابُ صيامِ يوم عاشوراء ((2002))، ومسلمٌ في «الصيام» ((1125))، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.])
قال الحافظ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «مع العلم بأنه ما تُرِكَ استحبابُه، بل هو باقٍ؛ فدَلَّ على أنَّ المتروكَ وجوبُه .. بل تأكُّدُ استحبابه باقٍ ولا سيَّما مع استمرار الاهتمام به حتَّى في عام وفاته صلَّى الله عليه وسلَّم حيث يقول: «لَئِنْ عِشْتُ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ»، ولترغيبه في صومه، وأنه يكفِّرُ سَنَةً، وأيُّ تأكيدٍ أبلغُ مِنْ هذا؟» ((13) -[«فتح الباري» لابن حجر ((4) / (247)).]).
لذلك لا يصحُّ اعتقادُ وجوبِ صيام يوم عاشوراء، ولا اعتقادُ وجوبِ أو استحباب قضائه لمَنْ فاتَه صيامُه، ولا تخصيصُ صوم التاسع فقط دون العاشر، كما لم يَرِدْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه رضي الله عنهم في هذا اليومِ إلَّا صيامُه؛
«فالمعتمَدُ عند أهل الإسلام أنه لا يصحُّ في يومِ عاشوراءَ حديثٌ، لا فيه ولا في ليلته، وكُلُّ حديثٍ يروى في ذلك وفي التوسعة على العيال في يومِ عاشوراءَ فهو موضوعٌ لا يصحُّ، ولا يَثْبُتُ فيه سوى صيامِه ويومٍ قبلَه؛ لأنه يومٌ نجَّى اللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ فيه نبيَّه موسى عليه السلام» ((14) -[راجع «تصحيح الدعاء» ((109)).]) “. وراجع [شهر الله المحرَّم ـ سننٌ ومحدثاتٌ ـ].
2) زكاة الفطر مَسائِلُ وأحكامٌ
[الحكمة مِنْ مشروعية زكاة الفطر]
فالعبادة ـ في الإسلام بعمومها سواءٌ كانَتْ بدنيةً أو ماليةً ـ تُنظِّمُ علاقةَ الفرد بربِّه وتَصِلُها، وتُقوِّي الإيمانَ وتُزكِّي النفس.
ومِنَ العبادات المالية: الزكاةُ التي تُعَدُّ ـ في مُجْمَلها ـ نظامًا تكافليًّا ربَّانيًّا لا نظيرَ له في التنظيمات الأخرى؛ فهي تُزكِّي أخلاقَ المُزَكِّي وتُطهِّرُه مِنْ داء البخل والشحِّ وعبادةِ المال، تشرح صَدْرَه، وتُكفِّرُ خطاياه وذنوبَه، وتُنمِّي مالَه، وتنشر قيم المودة وتمحي أمراض الحسد وجرائم السرقة.
وزكاةُ الفطر ـ في حَدِّ ذاتها ـ لا تخرج عن المَعاني والحِكَمِ السابقة؛ فهي زكاةُ بَدَنٍ تحمل مَعْنَى مُواساةِ الأغنياء للفُقَراء؛ فتُدْخِلُ السرورَ عليه في يومٍ يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم ((1) -[انظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (56)).])، كما تُطهِّرُ الصائمَ مِنْ ذَنْبِه الذي لَحِقَهُ خلالَ صومِه بسبب اللَّغْوِ والرَّفَثِ والفحش؛
ويتجلَّى هذا المعنى ـ بوضوحٍ ـ في قولِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» ((2) -[أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ زكاةِ الفطر ((1609))، وابنُ ماجه في «الزكاة» بابُ صدقةِ الفطر ((1827))، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» ((3570)).]).
وبعد بيانِ الحكمةِ مِنْ مشروعية زكاة الفطر أَتناوَلُ بعضَ المَسائلِ المُخْتلَفِ فيها والمُفرَّعةِ عنها؛ لبيانِ الراجح مِنها ضِمْنَ مَسائِلَ وأحكامٍ على الوجه التالي:
المسألة الأولى: حكمُ زكاة الفطر وشرطُ وجوبها:
زكاة الفطر ـ مِنْ حيث حكمُها التكليفيُّ ـ فرضُ عينٍ على كُلِّ مَنْ تَوفَّرَتْ فيه شروطُ وجوبِها، وهي:
• شرطُ الإسلام: فلا تجب زكاةُ الفطر على الكافر حُرًّا كان أو عبدًا عند الجمهور، خلافًا للشافعية [انظر: «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني ((1) / (402))].])؛ فلا تُقْبَلُ من الكافر القرب؛ لذلك قيَّدَها حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما اللاحقُ: «مِنَ المسلمين»
• شرط القدرة لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: (286)]،
- أضافَ الجمهورُ شَرْطَ الحُرِّيَّةِ في وجوبِ زكاة الفطر؛ فلا تجب ـ عندهم ـ إلَّا على مَنْ كان حُرًّا مسلمًا؛ لأنَّ غيرَ الحُرِّ لا يَمْلِك ولا يُملَّكُ ٍ» ((6) -[انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ ((111))، «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (56))، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني ((1) / (402)).]).
ولا يُشْتَرَطُ: مِلْكُ النِّصابِ في وجوبِ أداءِ زكاة الفطر، غيرَ أنه يُشْتَرَطُ له الغنى، وحَدُّه عند الجمهور: أَنْ يملك فَضْلَ قوتِه وقوتِ مَنْ في نفقته ليلةَ العيد ويومَه، وهو مَذْهَبُ المالكيةِ والشافعية والحنابلة على تفصيل [انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ ((111))، «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (279))، «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (72))، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني ((1) / (403))].])،وعُمْدَتُهم في ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ سَأَلَ ـ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ ـ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ» قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُغْنِيهِ؟» قَالَ: «مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ»، وفي لفظِ أبي داود: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ» ((8) -[أخرجه أحمد ((17625))، وأبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ يعطي مِنَ الصدقة وحَدِّ الغنى ((1629))، وابنُ حبَّان ((545))، مِنْ حديثِ سهل بنِ الحنظلية الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» ((546)).]).
وخالَفَ الأحنافُ في حَدِّ الغنى، واعتبروه في مِلْكِ النِّصاب؛ فلا تجب زكاةُ الفطر ـ عندهم ـ إلَّا على مَنْ يملك نِصابًا مِنْ أيِّ مالٍ كان، فاضلًا عن الحوائج الأصلية، مُسْتدِلِّينَ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» ((9) -[علَّقه البخاريُّ في «الوصايا» بابُ تأويلِ قول الله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: (11)] ((5) / (377))، وأخرجه أحمدُ موصولًا ((7155))، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وهو عند البخاريِّ بلفظِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»،
ومذهبُ الجمهورِ أقوى؛ لأنَّ زكاة الفطرِ زكاةُ أبدانٍ لا تزيد بزيادةِ المال حتَّى يُعْتَبَرَ فيها وجوبُ النِّصاب؛ فهي أَشْبَهُ بالكفَّارات لا بزكاة الأموال؛ لذلك لم يُقيِّدْها الشارعُ بغِنًى أو فَقْرٍ كما قيَّد زكاةَ الأموال في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» ((11) -[أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ وجوبِ الزكاة ((1395))، ومسلمٌ في «الإيمان» ((19))، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.])؛
فوَرَدَ فرضُ زكاةِ الفطر مُطلَقًا عن تقييدٍ؛ فشَمِلَ الصغيرَ والكبير، والذَّكَرَ والأنثى، والحُرَّ والعبد.
أمَّا حديثُ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فجوابُه مِنْ وجوهٍ:
الأوَّل: أنَّ النفي في لفظِ الحديث يدلُّ على الكمال لا الصحَّة، أي: لا صدقةَ كاملةٌ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى، ويدلُّ عليه حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَا بِمَنْ تَعُولُ» ((12) -[أخرجه البخاريُّ ((1426)) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلمٌ في «الزكاة» ((1034)) بلفظِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَا بِمَنْ تَعُولُ» مِنْ حديثِ حكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه.])،
وهذا لا يَلْزَمُ منه أَنْ لا تكون الصدقةُ مِنَ الفقير، غايةُ ما يدلُّ عليه هو تفضيلُ الغنى مع القيامِ بحقوقه على الفقر، وقد بيَّن ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ هذا المعنى بقوله: «والمختارُ أنَّ معنى الحديث: أَفْضَلُ الصدقةِ ما وَقَعَ بعد القيام بحقوقِ النفس والعيال، بحيث لا يصير المتصدِّقُ محتاجًا بعد صدقتِه إلى أحَدٍ؛ فمَعْنَى الغِنَى في هذا الحديثِ: حصولُ ما تُدْفَعُ به الحاجةُ الضروريةُ كالأكل عند الجوع المُشوِّشِ الذي لا صَبْرَ عليه، وسَتْرِ العورةِ، والحاجةِ إلى ما يَدْفَعُ به عن نَفْسِه الأذى» ((13) -[«فتح الباري» لابن حجر ((3) / (296)).]).
الثاني: أنه مُعارِضٌ لحديث الجمهور، ودليلُهم أَخَصُّ في بيانِ حَدِّ الغنى في زكاة الفطر.
الثالث: أنَّ قياسَ مَنْ يملك قوتَ يومِه وليلتِه على العاجز مُطْلَقًا في عدم وجوب زكاة الفطر عليه قياسٌ مع ظهور الفارق.
هذا، وقد ثَبَتَتْ فَرْضيةُ زكاة الفطر بحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» ((14) -[أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ فَرْضِ صدقة الفطر ((1503))، ومسلمٌ في «الزكاة» ((984)، (986))، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.])، وحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما ـ أيضًا ـ قال: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، قَالَ عَبْدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» ((15) -[أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقة الفطر صاعًا مِنْ تمرٍ ((1507))، ومسلمٌ في «الزكاة» ((984))، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.])، وادَّعى ابنُ المنذر ـ رحمه الله ـ إجماعَ أهلِ العلم على فَرْضيتها -[انظر: «الإجماع» لابن المنذر ((35)).
لكن قال بعضُهم: إنها سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، وبهذا قال أهلُ الظاهر، وذَهَبَ مُتأخِّرُو المالكيةِ إلى أنها سنَّةٌ، وقال آخَرون: إنها منسوخةٌ بزكاة الأموال؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمر بها قبل نزول الزكاة، فلمَّا نزلَتْ آيةُ الزكاة لم يُؤْمَرُوا بها ولم يُنْهَوْا عنها، [انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ ((113))، «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (278))، «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (55))].]).
وخالَفَ الأحنافُ في تسميتها فرضًا؛ لأنَّ الفرض ـ عندهم ـ لا يَثْبُتُ إلَّا بدليلٍ قطعيٍّ، وليس أمرُ زكاةِ الفطر كذلك؛ لذلك قالوا بوجوبها، وحَمَلُوا الفرضَ في الحديثِ على التقدير.
وقد رجَّحَ ابنُ قُدامةَ ـ رحمه الله ـ تسميتَها بالفرض بقوله: «وقال بعضُ أصحابنا: وهل تُسمَّى فرضًا مع القول بوجوبها؟ على روايتين، والصحيحُ أنها فرضٌ؛ لقولِ ابنِ عمر: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ»، ولإجماعِ العُلَماءِ على أنها فرضٌ، ولأنَّ الفرض إِنْ كان الواجبَ فهي واجبةٌ، وإِنْ كان الواجبَ المُتأكِّدَ فهي مُتأكِّدةٌ مُجْمَعٌ عليها» -[«المغني» لابن قدامة ((3) / (55)).])
المسألة الثانية: المعنيُّون بزكاة الفطر وترتيبُهم:
زكاةُ الفطر تجب على المسلم المالكِ لمِقْدارِ الزكاة الذي يزيد عن قوتِه وقوتِ عِيالِه يومًا وليلةً؛ فهذا حَدُّ الغنى في زكاة الفطر ـ عند الجمهور ـ دون اعتبارٍ في وجوبها نِصابَ الزكاةِ ـ كما تقدَّم ـ.
-[اتَّفَقَ المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ على وجوبِ إخراج زكاة الفطر عن نَفْسِه وعن كُلِّ مَنْ تجب عليه نَفَقَتُه شرعًا، مع اختلافٍ يسيرٍ في التفاصيل، وخالَفَتْهم الحنفيةُ في ذلك، فيرى هؤلاء أنه يجب إخراجُ زكاةِ الفطر إذا كان غنيًّا مالكًا للنِّصاب عن نَفْسه وعن كُلِّ مَنْ له ولايةٌ عليه، وهُمُ: ابنُه الصغيرُ وابنتُه الصغيرةُ، وابنُه الكبيرُ إِنْ كان مجنونًا، وهذا في حالةِ كونهم فُقَراءَ، أمَّا إِنْ كانوا أَغْنِيَاءَ فإنه يُخْرِجُها مِنْ أموالهم؛ وبناءً عليه فالحنفيةُ لا ترى أَنْ يُخْرِجَ الفطرةَ عن بَنِيهِ الكِبارِ ووالدَيْه وأقارِبِه وزوجتِه، سواءٌ كانوا أغنياءَ أو فُقَراءَ؛ لأنه وإِنْ كانَتْ تَلْزَمُه نَفَقَتُهم إذا كانوا فُقَراءَ إلَّا أنَّ ولايتَه عليهم قاصرةٌ، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (279))، «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (69))، «المجموع» للنووي ((6) / (113))، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ ((114))، «بدائع الصنائع» للكاساني ((2) / (106))، «تبيين الحقائق» للزيلعي ((1) / (306))].])
ومفهومُ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما يدلُّ على أنَّ زكاة الفطر لا يجب إخراجُها عن الأصول والفروع إِنْ كانوا أَغْنِيَاءَ، ولا عن زوجةٍ لم يدخل بها؛ لأنه لا تَلْزَمُه نَفَقَتُها، وإنما تجب الفطرةُ عن زوجته أو مُطلَّقتِه طلاقًا غيرَ بائنٍ.
فالحاصل: أنَّ كُلَّ مَنْ لا تجب عليه نَفَقَتُه لا تَلْزَمُه زكاتُه إلَّا ما استثناهُ الدليلُ؛ فمِنْ ذلك: لا تَلْزَمُه زكاةُ البائنِ إلَّا إذا كانَتْ حاملًا؛ لقوله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: (6)]
وإِنْ كانَتْ ناشزةً فلا تجب عليه فطرتُها بلا خلافٍ ((23) -[انظر: «المجموع» للنووي ((6) / (116)).])
كما اتَّفقَ العُلَماءُ على أنه لا يُخْرِجُ عن زوجته الكافرةِ مع أنَّ نفقتها تَلْزَمُه، وإنما خرجَتْ هذه الصُّوَرُ عن القاعدة لوجودِ دليلِ النصِّ أو الإجماع.
أمَّا عن ترتيبِ المعنيِّينَ بزكاة الفطر مِنْ جهةِ الأولوية إذا لم يكن عنده ما يكفي الجميعَ فإنه يبدأ بنَفْسِه ـ أوَّلًا ـ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ابْدَا بِنَفْسِكَ» ((25) -[أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» ((997)) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.])
ثمَّ بمَنْ يَعُولُ ـ ثانيًا ـ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَابْدَا بِمَنْ تَعُولُ» (-[سبق تخريجه.])،
ثمَّ اختلفوا في أولويةِ مَنْ يعول في الترتيب، فرجَّح ابنُ قُدامةَ ـ رحمه الله ـ زوجتَه فرَقيقَه ثمَّ أُمَّه ثمَّ أباهُ، ثمَّ الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ على ترتيبهم في الميراث، واستدلَّ على ترتيبه بما نصُّه: «لأنَّ الفطرة تنبني على النفقة؛ فكما يبدأ بنَفْسِه في النفقة فكذلك في الفطرة، فإِنْ فَضَلَ آخَرُ أَخْرَجَهُ عن امرأته؛ لأنَّ نَفَقَتَها آكَدُ؛ فإنَّ نَفَقَتَها تجب على سبيلِ المُعاوَضةِ مع اليسار والإعسار، ونفقة الأقارِبِ صِلَةٌ تجب مع اليسار دون الإعسار، فإِنْ فَضَلَ آخَرُ أخرجه عن رقيقه؛ لوجوبِ نفقتهم في الإعسار .. وتُقدَّمُ فطرةُ الأمِّ على فطرة الأب لأنها مُقدَّمةٌ في البرِّ؛ بدليلِ قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للأعرابيِّ لمَّا سأله: «مَنْ أَبَرُّ؟» قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثمَّ مَنْ؟» قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثُمَّ مَنْ»، قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثمَّ مَنْ؟» قال: «ثُمَّ أَبَاكَ» ((27) -[أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في بِرِّ الوالدَيْن ((5139))، والترمذيُّ في «البرِّ والصِّلَة» بابُ ما جاء في بِرِّ الوالدين ((1897))، مِنْ حديثِ بَهْزِ بنِ حكيم بنِ مُعاوِيةَ بنِ حَيْدةَ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه. وهو عند البخاريِّ في «الأدب» باب: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بحُسْنِ الصحبة؟ ((5971))، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» ((2548))، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظِ: «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ .. ».])
ويحتمل تقديم فطرة الأب لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ((28) -[أخرجه ابنُ ماجه في «التجارات» بابُ ما للرَّجُلِ مِنْ مالِ ولَدِه ((2291)) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» ((1486)).])
ثمَّ بالجدِّ، ثمَّ الأقرب فالأقرب، على ترتيبِ العَصَبات في الميراث» ((29) -[«المغني» لابن قدامة ((3) / (74)).]) [بتصرُّف].
المسألة الثالثة: في وقت زكاة الفطر:
أُضيفَتِ الزكاةُ إلى الفطر وسُمِّيَتْ به؛ لأنَّ الفطر هو سببُ وجوبها مِنْ بابِ إضافةِ الشيءِ إلى سببه، مع اختلافِ أهل العلم في سبب الوجوب: أهو الفطرُ المعتادُ أَمِ الفطرُ الطارئُ؟ ـ كما سيأتي بيانُه ـ كما أنه يُرادُ بالزكاة: الصدقةُ عن البدن والنَّفْسِ، لا الصدقةُ عن المال.
وقد اخْتَلَفَ العُلَماءُ في بدايةِ وقتِ وجوبِ زكاة الفطر، وفي وقتِ أدائها، وفي التعجيل بها قبل وجودِ سببها، وهذه المَسائلُ الثلاثُ نَتناوَلُها في الفروع التالية:
الفرع الأوَّل: في بدايةِ وقتِ وجوب زكاة الفطر:
اختلفَتْ أنظارُ العُلَماءِ في بدايةِ وقتِ وجوبِ زكاة الفطر على مذهبَيْن مشهورين:
والظاهر أنَّ المذهبَ الأوَّلَ وهو الاعتدادُ بطلوع الفجر قويٌّ مُتَّجِهٌ، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «ويُقوِّيهِ قولُه في حديث الباب [حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما]: «وأَمَرَ بها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى الصلاة» ((32) -[سبق تخريجه» (-[«فتح الباري» لابن حجر ((3) / (368)).]) ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» -[أخرجه أبو داود في «الصوم» باب: إذا أَخْطَأَ القومُ الهلالَ ((2324)) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» ((3869)).])
فأضافَ الفطرَ على الإطلاق إلى اليوم، أي: الفطر بالنهار يومَ تُفْطِرون، ولأنَّ الزكاة أُضيفَتْ إلى الفطر إضافةَ وجوبٍ، والإضافةُ دليلُ الاختصاص، والسببُ أَخَصُّ بحُكْمِه مِنْ غيره، ولأنَّ الليلَ ليس مَحَلًّا للصوم، وإنما يَتبيَّنُ الفطرُ الحقيقيُّ بالأكل بعد طلوعِ فجرِ يومِ الفطر.
وفائدةُ الخلافِ في هذه المسألة: تظهر فيمَنْ ماتَ أو وُلِدَ أو أَسْلَمَ بعد غروبِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان:
((35) -[نَقَلَ ابنُ المنذرِ الإجماعَ على أَنْ لا زكاةَ على الجنين في بطنِ أمِّه، قال: فكان أحمدُ بنُ حنبلٍ يُحِبُّه ولا يُوجِبُه، [انظر: «الإجماع» لابن المنذر ((36))]. ونَقَلَ بعضُ الحنابلةِ روايةً عنه بالإيجاب، وبه قال ابنُ حزمٍ، لكِنْ قيَّده بمائةٍ وعشرين يومًا مِنْ يومِ حَمْلِ أُمِّه به، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وتُعُقِّبَ بأنَّ الحَمْلَ غيرُ مُحَقَّقٍ، وبأنه لا يُسَمَّى صغيرًا لغةً ولا عُرْفًا» [«فتح الباري» لابن حجر ((3) / (369))، وانظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (80))].])
وكذلك مَنْ أَسْلَمَ بعد الغروب أو بَنَى على زوجته أو مَلَكَ عبدًا أو أَيْسَرَ ماليًّا فلا تَلْزَمُه زكاةٌ؛ لأنه لم يكن مِنْ أهلها وقتَ وجوبها ((36) -[انظر: المَصادِرَ الفقهية السابقة.]).
الفرع الثاني: في وقت وجوب أداء زكاة الفطر:
يذهب الجمهورُ مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة وبعضِ الحنفية إلى أنَّ وقتَ وجوبِ أداءِ زكاة الفطر مُتعيِّنٌ بيوم العيد كالأضحية؛ فيَحْرُمُ تأخيرُها عن ذلك اليومِ بدونِ عذرٍ، فإِنْ أخَّرَها وَجَبَ إخراجُه لها قضاءً لا أداءً، والمُسْتحَبُّ فيها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى المصلَّى.
((37) -[انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ ((111))، «المغنيَ» لابن قدامة ((3) / (66))، «شرح الزركشي على مختصر الخِرَقي» ((2) / (536))، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني ((1) / (402)).]).
وخالَفَ الحنفيةُ في ذلك فرأَوْا أنَّ وقتَ وجوبِ أدائها وقتٌ مُطْلَقٌ عن تعيينٍ؛ فيجوز له أَنْ يُؤدِّيَها في يوم العيد أو في يومٍ غيرِه، ولا يَترتَّبُ عليه إثمٌ في تأخيرِها عن يوم العيد، والمُسْتحَبُّ في إخراجِ زكاةِ الفطر ـ عندهم ـ هو أداؤُها يومَ العيد ((38) -[انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني ((2) / (111))، «تبيين الحقائق» للزيلعي ((1) / (311)).]).
هذا، وذَهَبَ أهلُ التحقيق مِنْ أهل العلم إلى وجوبِ إخراجِ زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويَحْرُمُ تأخيرُها إلى ما بعد وقتها بدونِ عذرٍ شرعيٍّ، فإِنْ أخَّرَها بعد الصلاةِ فلا تكون زكاةً، وإنما هي صدقةٌ مِنَ الصدقات، وهذا القولُ الأخيرُ هو الراجح، ويدلُّ عليه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» ((39))، وحديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» ((40)). وانطلاقًا مِنْ دلالة هذين الحديثين بيَّن ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ هَدْيَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إخراجِ هذه الصدقةِ بقوله: «ومقتضى هذين الحديثَيْن أنه لا يجوز تأخيرُها عن صلاة العيد، وأنها تَفُوتُ بالفراغ مِنَ الصلاة، وهذا هو الصوابُ؛ فإنه لا مُعارِضَ لهذين الحديثين ولا ناسِخَ، ولا إجماعَ يدفع القولَ بهما، وكان شيخُنا [أي: ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ] يُقوِّي ذلك وينصره. ونظيرُه ترتيبُ الأضحيةِ على صلاة الإمامِ لا على وقتِها، وأنَّ مَنْ ذَبَحَ قبل صلاة الإمام لم تكن ذبيحتُه أضحيةً بل شاةَ لحمٍ، وهذا ـ أيضًا ـ هو الصوابُ في المسألة الأخرى، وهذا هَدْيُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الموضعين» ((41) -[«زاد المَعاد» لابن القيِّم ((2) / (21) ـ (22)).])،
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنَّ زكاة الفطر لا تسقط بفواتِ وقتِها على الصحيح ((42) -[وخالَفَ في ذلك الحسنُ بنُ زيادٍ مِنَ الحنفية وبعضُ الشافعية، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني ((2) / (111))، «المجموع» للنووي ((6) / (126))].])؛ لأنها حقُّ العبدِ، تَعَلَّقَ بذِمَّةِ مَنْ وجبَتْ عليه لمُسْتَحِقِّه؛ فهي دَيْنٌ لهم لا يسقط إلَّا بالوفاء به، أمَّا حَقُّ اللهِ في تحريمِ التأخير عن وقتِ أدائها فلا يُكفِّرُه إلَّا الندمُ والاستغفارُ والعملُ الصالح.
الفرع الثالث: في حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقت وجوبها:
يرى الأحنافُ ـ في المشهور ـ جوازَ تعجيلِ زكاة الفطر قبل وجودِ سببها وهو الفطرُ مِنْ رمضان السَّنَةَ والسنتين؛ لأنها زكاةٌ فأَشْبَهَتْ زكاةَ المالِ التي وَرَدَ فيها حديثُ أبي داود وغيرِه عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ؛ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، قَالَ مَرَّةً: «فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ» ((43) -[أخرجه أبو داود في «الزكاة» ((1624)) بابٌ في تعجيل الزكاة، والترمذيُّ في «الزكاة» ((678)) بابُ ما جاء في تعجيل الزكاة، وابنُ ماجه في «الزكاة» ((1795))، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» ((3) / (347)) وفي «صحيح أبي داود» ((1436)).])، وفي روايةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ» ((44) -[أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» ((1886))، ويشهد له حديثَا عليٍّ السابقان.]).
وذهَبَتِ الشافعيةُ إلى جوازِ إخراجها مِنْ أوَّلِ شهرِ رمضان، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ مُعلِّلًا هذا الرأيَ بما نصُّه: «لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطرِ منه، فإذا وُجِدَ أحَدُهما جازَ تقديمُها على الآخَرِ كزكاة المال بعد مِلْكِ النِّصاب وقبل الحول، ولا يجوز تقديمُها على رمضان لأنه تقديمٌ على السببين؛ فهو كإخراجِ زكاةِ المال قبل الحول والنِّصاب» ((46) -[«المجموع» للنووي ((6) / (126)).]).
وذهبَتِ المالكيةُ والحنابلةُ إلى جوازِ تقديمِها على سببِ وجوبها بيومٍ أو يومين، وفي المسألةِ أقوالٌ أخرى
والصحيحُ: جوازُ تقديمِها للمُوكَّلِ بتوزيعها قبل الفطر بيومٍ أو يومين، ويدلُّ عليه: حديثُ نافعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» ((48) -[أخرجه ابنُ حبَّان ((3299))، والبيهقيُّ ((7738)). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني ((846)).])، وحديثُ نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ ـ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ـ .. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» ((49) -[أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقة الفطر على الحرِّ والمملوك ((1511)) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.])
وليس المرادُ مِنْ قوله: «الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا» الفُقَراءَ، وإنما هُمُ الجُبَاةُ الذين يُنصِّبُهم الإمامُ لجَمْعِ صدقةِ الفطر، بدليلِ ما رواهُ مالكٌ عن نافعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ» ((50) -[أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» ((1) / (285))، والبيهقيُّ ((7369)). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني ((846)).])، قال في «إرواء الغليل»: «ويُؤيِّدُ ذلك ما وَقَعَ في روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ مِنْ طريق عبد الوارث عن أيُّوب: قلتُ: «متى كان ابنُ عمر يُعطي؟» قال: «إذا قَعَدَ العاملُ»، قلت: «متى يقعد العاملُ؟» قال: «قبل الفطر بيومٍ أو يومين» ((51) -[أخرجه ابنُ خزيمة ((2397)). قال الألبانيُّ: «إسنادُه صحيحٌ، رجالُه كُلُّهم ثِقاتٌ رجالُ الشيخين غيرَ القزَّاز، وقد وثَّقَهُ النسائيُّ والدارقطنيُّ وغيرُهما».])» ((52) -[«إرواء الغليل» للألباني ((3) / (335)).]).
المسألة الرابعة: في مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر وحُكْمِ إخراجه بالقيمة:
أَتناوَلُ ـ في هذه المسألة ـ مقدارَ المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر ونوعَه في الفرع الأوَّل، وأُخصِّصُ الفرعَ الثانيَ لمسألةِ إخراجِ زكاة الفطر بالقيمة.
الفرع الأوَّل: في مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر ونوعِه:
المقدار الواجب في زكاة الفطر ـ عند الحنفية ـ هو نصفُ صاعٍ مِنْ بُرٍّ أو صاعٌ مِنْ شعيرٍ أو صاعٌ مِنْ تمرٍ، واستدلُّوا على هذا المقدارِ في هذه الأنواعِ الثلاثة ـ وهي: الحنطةُ والشعيرُ والتمرُ ـ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» -[أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ ((1619)) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ عن أبيه رضي الله عنهما. وصحَّح الألبانيُّ هذا الشطرَ مِنَ الحديثِ لشواهده، انظر: «صحيح أبي داود» ((1434)) و «صحيح الترغيب» ((1086)).
وأمَّا الزيادةُ في الشطر الثاني منه وهي: «أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى» فضعيفةُ الإسناد، انظر: «المشكاة» ((1820)) و «ضعيف الترغيب» ((663)).])
وبقول ثعلبة بن صُعَيْرٍ رضي الله عنه: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعِ تَمْرٍ أَوْ صَاعِ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَاسٍ»، زَادَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ: «أَوْ صَاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ»، ثُمَّ اتَّفَقَا: «عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ» ((55) -[أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ ((1620)) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ عن أبيه رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» ((1434)).]).
وتُعَدُّ هذه الأنواعُ الثلاثةُ ـ عندهم ـ أصولًا لغيرها مِنَ الأجناس الأخرى، والاعتبارُ فيها بالقيمة لكونها منصوصًا عليها، أي: أنَّ هذه الأنواعَ الثلاثةَ تُقوَّمُ، ثمَّ بقيمةِ المُقوَّمِ منها يُشْتَرَى الجنسُ المُرادُ إخراجُه.
أمَّا المقدارُ الواجبُ في زكاة الفطر ـ عند الجمهور مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة ـ فهو صاعٌ عن كُلِّ فردٍ مِنْ جميعِ الأجناس المُخْرَجِ منها ممَّا يُعَدُّ قوتًا؛ عملًا بحديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه أنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ ـ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»
-[الأَقِط: هو لبنٌ مُجفَّفٌ يابسٌ مُسْتحجِرٌ يُطْبَخُ به، [انظر: «النهاية» لابن الأثير ((1) / (57))].])،
(57) -[اختلف العُلَماءُ في قَدْرِ البُرِّ الواجبِ في زكاة الفطر: أهو نصفُ الصاعِ أم الصاعُ؟ فالجمهور على أنَّ القَدْرَ الواجبَ هو الصاعُ مِنْ بُرٍّ؛ عملًا بحديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وظاهِرُه أنه أراد بالطعام: القمحَ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ» ((58) -[أخرجه البخاريُّ مختصرًا في «الزكاة» بابُ صاعٍ مِنْ زبيبٍ ((1508))، ومسلمٌ في «الزكاة» ((985))، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. ولفظُ البخاريِّ: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: «أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ»».]).
لذلك كان نوعُ المُخْرَجِ أو جنسُه الواجبُ عند المالكية والشافعية هو ما كان غالِبَ قوتِ البلد، أو قوت المُكلَّفِ إذا لم يَقْدِرْ على قوتِ البلد، بينما الحنابلةُ خَلَصُوا إلى القول بأنَّ الواجب يَتعيَّنُ عليه في أَحَدِ الأصناف الواردةِ في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه المُتقدِّم، وهي: الحنطةُ والشعيرُ والتمرُ والأَقِطُ والزبيب.
وسببُ اختلافهم ـ إذَنْ ـ هو اختلافُهم في مفهومِ حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه المُتقدِّم: فمَنْ فَهِمَ منه التخييرَ بين الأصناف المذكورة في الحديث قال: أيَّ صنفٍ أَخْرَجَ أَجْزَأَ عنه، ولا يَعْدِلُ عن هذه الأصنافِ إلَّا في حالةِ انعدامها فإنه ـ والحالُ هذه ـ يجزيه كُلُّ مُقْتاتٍ مِنَ الحبوب والثمار.
ومَنْ فَهِمَ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنَّ اختلافَ المُخْرَجِ ليس سببُه الإباحةَ والتخيير، وإنما سببُه اعتبارُ قوتِ المُخْرِجِ أو قوتِ غالِبِ البلد قال بهذا الاعتبار ((59) -[انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (281))، «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (65))، «المجموع» للنووي ((6) / (129))، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ ((115))، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني ((1) / (406)).]).
[انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (281))، «المغنيَ» لابن قدامة ((3) / (57))].
أمَّا مذهب أبي حنيفة فنصفُ صاعٍ مِنَ البُرِّ وهو قياسُ أحمد ـ رحمه الله ـ في بقيَّةِ الكفَّارات، وبه قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ[انظر: «الاختيارات الفقهية» للبعلي ((91) ـ (92))].
وأيَّدُوا ذلك بقولِ مُعاوِيةَ رضي الله عنه في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وبقولِ عُرْوةَ بنِ الزبير ـ رحمه الله ـ عن أَسْمَاءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما: «أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِهَا ـ الْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْمَمْلُوكِ ـ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُونَ بِهِ»
[أخرجه أحمد ((26936))، والطبرانيُّ في «المعجم الكبير» ((24) / (82))، والطحاويُّ في «شرح مُشْكِل الآثار» ((3408)). وقال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» ((387)): «وسندُه صحيحٌ على شرط الشيخين»]، وبما تقدَّم ذِكْرُه مِنْ حُجَجِ الأحناف، [انظر: «تمام المنَّة» ((387))].
وسببُ اختلافهم تعارُضُ الآثارِ المُتقدِّمة، فمَنْ أَخَذَ بظاهِرِ حديثِ أبي سعيدٍ وقاسَ البُرَّ في ذلك على الشعير سوَّى بينهما في الوجوب، ومَنْ أَخَذَ بالأحاديث المنصوصِ فيها على قَدْرِه بنصف صاعٍ مِنْ بُرٍّ فرَّق بينه وبين سائِرِ الأنواع الأخرى، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (281))].
هذا، وجديرٌ بالتنبيه أنَّ الزيادة على المقدار الشرعيِّ الواجبِ لمَنْ عَلِمَها لا حَرَجَ فيها، بل تدخل في بابِ التطوُّع والنافلة، ولا يُعَدُّ خروجًا عن النصِّ، وإنما النقصُ عن المقدار الواجبِ إذا الْتزمَهُ المُكلَّفُ يُعَدُّ تجاوُزًا عن النصِّ؛ فلا يجوز ذلك قولًا واحدًا، ويُوضِّحُ ذلك ما جاء في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية ((25) / (70)) أنه: «سُئِلَ ـ رحمه الله ـ عمَّنْ عليه زكاةُ الفطر ويعلم أنها صاعٌ ويزيد عليه ويقول هو نافلةٌ: هل يُكْرَهُ؟ فأجاب: الحمد لله، نعم يجوز بلا كراهيةٍ عند أَكْثَرِ العُلَماء كالشافعيِّ وأحمد وغيرِهما، وإنما تُنْقَلُ كراهيتُه عن مالكٍ، وأمَّا النقصُ عن الواجب فلا يجوز باتِّفاقِ العُلَماء».])؛
الفرع الثاني: في إخراج زكاة الفطر بالقيمة:
أمَّا إخراجُ زكاةِ الفطر بالقيمة فقَدْ مَنَعَ مِنْ ذلك الجمهورُ [المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ]، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يُجِزْ عامَّةُ الفُقَهاءِ إخراجَ القيمةِ وأجازَهُ أبو حنيفة» ((60) -[«شرح مسلم» للنووي ((7) / (60))، وانظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة ((3) / (65))، «المجموع» للنووي ((6) / (144)).]).
ويُفضِّلُ الحنفيةُ إخراجَ القيمةِ مِنَ النقود في زكاة الفطر على إخراجِ العين
وعلَّلوا ذلك بأنَّ المقصود مِنْ أداءِ زكاة الفطر إغناءُ الفقيرِ الذي يَتحقَّقُ غِناهُ بالعين أو بالقيمة، وأنَّ سَدَّ الطج
بأداءِ القيمة أَنْفَعُ للفقير وأَيْسَرُ له لدَفْعِ حاجته.
((61) -[انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني ((2) / (108))، «الاختيار» لابن مودود ((1) / (123))، «تبيين الحقائق» للزيلعي ((1) / (308)).])،
أمَّا مذهبُ الجمهور فقَدْ علَّلوا مَنْعَ إخراجِ القيمة في زكاة الفطر بورودِ النصِّ في الطعام دون التعرُّض للقيمة، فلو جازَتْ لَبيَّنَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّ التعامل بالنقود كان قائمًا والحاجة تدعو إليها، والمعلومُ ـ تقعيدًا ـ أنَّ «تَاخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، فضلًا عن أنَّ القيمةَ في حقوقِ الناسِ يَلْزَمُها التراضي، والزكاةُ ليس لها مالكٌ مُعيَّنٌ حتَّى يتمَّ التراضي معه أو إبراؤُه.
وسببُ الخلافِ في مسألةِ إخراجِ القيمة بدلًا مِنَ العين يرجع إلى المسألتين التاليتَيْن:
• الأولى: هل الأصلُ في الأحكام والمعاني الشرعيةِ التعبُّدُ أو التعليل؟
• الثانية: هل زكاةُ الفطر تجري مجرى صدقةِ الأموال، أم تجري مجرى صدقةِ الأبدان كالكفَّارات؟
وعليه، فمَنْ لاحَظَ التعليلَ والغرضَ الذي مِنْ أَجْلِه شُرِعَ حكمُ زكاة الفطر، وأجراها مجرَى صدقةِ الأموال؛ قال بجوازِ إخراجِ القيمةِ لأنها تُحَقِّقُ قَصْدَ الشارعِ في شَرْعِه الحكمَ.
ومَنْ لاحَظَ التعبُّدَ والْتزامَ ظاهِرِ النصِّ وأَجْرَاها مجرى صدقةِ الأبدانِ كالكفَّارات والنذور والأضحية؛ قال: لا يجوز إخراجُ القيمةِ ويتعيَّنُ إخراجُ ما وَرَدَ به النصُّ مع مُراعاةِ مفهومه ((63) -[انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية ((25) / (72))، «أسباب اختلاف الفقهاء» لعبد الله التركي ((61)).]).
والظاهرُ أنَّ الشرع إذا نصَّ على الواجبِ وعيَّنَ نوعَه وَجَبَ الْتزامُ ظاهِرِ النصِّ؛ احتياطًا للدِّينِ وعملًا بأنَّ الأصل في حكمِ زكاةِ الفطرِ التعبُّدُ، وأنها تجري مجرَى صدقةِ البَدَنِ لا المال؛ لذلك لا يجوز العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة، كما لا يجوز ذلك في الأضحية والكفَّارات والنذور ونحوِها، وهذا هو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمد رحمهم الله. قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ مُقرِّرًا هذا المعنى بقوله: «إنَّ صدقةَ الفطرِ تجري مجرى كفَّارةِ اليمين والظِّهارِ والقتل والجماع في رمضان ومجرى كفَّارة الحجِّ؛ فإنَّ سببها هو البَدَنُ، ليس هو المالَ، كما في السنن عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أنه فَرَضَ صدقةَ الفطر طُهْرةً للصائم مِنَ اللغو والرفث وطُعْمةً للمساكين، مَنْ أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَنْ أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصدقات» ((64))، وفي حديثٍ آخَرَ أنه قال: «أَغْنُوهُمْ في هذا اليومِ عن المسألة» (ضعفه البيهقي وابن حجر بأبي معشر وراجع تمام المِنَّة)
ولهذا أَوْجَبَها اللهُ طعامًا كما أَوْجَبَ الكفَّارةَ طعامًا، وعلى هذا القولِ فلا يُجْزِئُ إطعامُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهُمُ الآخذون لحاجةِ أَنْفُسِهم؛ فلا يعطي منها في المُؤلَّفةِ ولا الرِّقاب ولا غيرِ ذلك، وهذا القولُ أَقْوَى في الدليل» ((66) -[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية ((25) / (73)).
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنه إذا كان الأصلُ الواجبُ إخراجَ زكاة الفطر عينًا لا قيمةً على الوجه الذي نصَّ عليه الشرعُ إلَّا أنه يجوز ـ في حالاتٍ استثنائيةٍ طارئةٍ ـ العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة: كمَنْ أخَّر إخراجَ الزكاةِ إلى وقتِ وجوبِ أدائها الأفضل، وهو يوم العيد قبل الصلاة ـ كما تقدَّم ـ ولكِنْ حالَ دون إخراجها فيه نومٌ أو نسيانٌ أو غيرُهما مِنَ العوارض، ولم يجد عينًا في ذلك الوقت يُخْرِجها، وخَشِي فواتَ وقتها وإلَّا عُدَّتْ صدقةً مِنَ الصدقات؛ فإِنْ أخرجها بالقيمة ـ في هذه الحالِ المضطرِّ إليها ـ فإنها تُجزِئُه.]).
المسألة الخامسة: في مَصْرِف زكاة الفطر:
اختلف الفُقَهاءُ في مَصْرِف زكاة الفطر على قولين:
أحَدُهما: أنَّ مَصْرِفَ زكاةِ الفطر هو مَصْرِفُ زكاةِ المال الثمانية؛ عملًا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: (60)]، وهذا هو مذهبُ جمهورِ العُلَماء مِنَ الحنفية والشافعية، والمشهورُ عن الحنابلة.
والثاني: أنَّ زكاةَ الفطرِ خاصَّةٌ بالفُقَراءِ
والمساكينِ ولا تُصْرَفُ إلَّا إليهم، وهو مذهبُ المالكيةِ والحنابلةِ على قولٍ ((67) -[انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني ((2) / (112))، «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (282))، «المغنيَ» لابن قدامة ((3) / (78))، «المجموع» للنووي ((6) / (144)، (186)).])،
واختارَهُ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ، وهو الراجحُ لمُناسَبتِه لمشروعيةِ زكاةِ الفطر، واختصاصِها بالفُقَراءِ والمساكينِ على وجه الحصر في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وفيه: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»، ولأنَّ آية التوبةِ المذكورةَ عامَّةٌ في جميعِ مَصارِفِ زكاة المال لا صدقةِ الفطر على ما جرَتْ به السنَّةُ العملية، أمَّا زكاةُ الفطر فهي مُتعلِّقةٌ بالأبدان فأَشْبَهَتِ الكفَّارةَ؛ فلا يُجْزِئُ إخراجُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهو مَنْ يأخذ لحاجته، لا في الرِّقابِ والمُؤلَّفةِ قلوبُهم وغيرِ ذلك» ((69) -[«اختيارات ابنِ تيمية» للبعلي ((91))، وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية ((25) / (73)).]).
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنه لا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلى الحربيِّ المستأمن بالإجماع ((70) -[«بدائع الصنائع» للكاساني ((2) / (112)).])
كما لا يجوز إعطاؤها لغير المسلمين
عند عامَّةِ الفُقَهاء، خلافًا لأبي حنيفة الذي أجازَ دَفْعَها إلى أهل الذمَّة.
-[نَقَلَ ابنُ المنذر في «الإجماع» ((36)) الإجماعَ على أنَّ زكاةَ الأموالِ لا تُعْطَى لكافرٍ بقوله: «وأجمعوا على أنه لا يُعْطَى مِنْ زكاةِ المالِ أَحَدٌ مِنْ أهل الذِّمَّة».])
وسببُ اختلافهم في سببِ جوازِها: أهو الفقرُ أم الفقرُ والإسلامُ معًا؟ [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد ((1) / (282)).])
والجمهورُ على أنَّ سببَ جوازِها هو الفقرُ والإسلامُ معًا؛ لأنَّ سِياقَ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ في قوله: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» (-[سبق تخريجه])
يُفيدُ بظاهِرِه أنَّ المُرادَ: مَساكينُ المسلمين لا غيرِهم، وهو المُتبادِرُ إلى الذهن، وصَرْفُه إلى غيرِه يحتاج إلى دليلٍ، ولأنَّ الأصل المُقرَّرَ في زكاة الأموال والمنصوصَ عليه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لمُعاذٍ رضي الله عنه عندما بَعَثَهُ إلى اليمن: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ .. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» -[تقدَّم تخريجه).
أمَّا غيرُ المسلم فتجوز فيه الصدقةُ العامَّةُ غيرُ الواجبة كما نُقِلَ عن الحسن البصريِّ أنه قال: «لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ حَقٌّ، وَلَكِنْ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ» ((75) -[أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» ((1990))، وانظر: «تمام المنَّة» ((389)).])
وعلى هذا تُحْمَلُ الآيةُ التي استدلَّ بها الأحنافُ على الجواز في قوله تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة].
[انظر: زكاة الفطر مَسائِلُ وأحكامٌ].
أحاديثُ ضعيفةٌ متعلِّقةٌ بمسائلِ زكاة الفطر:
وأختم هذه الأخطاءَ بإيرادِ جملةٍ مِنَ الأحاديث الضعيفة في مسائلَ متعلِّقةٍ بزكاة الفطر، والتي أَفْضَتْ إلى مرجوحيةِ أقوالِ العلماء، وتسبَّبَتْ في إبعادهم عن الصواب في المسائل المطروحة، وأَعرِضُ جملتَها على الترتيب الألفبائي، المرفوعة أوَّلًا، ثمَّ تليها الموقوفةُ ثانيًا فيما يلي:
أوَّلًا: الأحاديث الضعيفة المرفوعة:
(1) ـ «أَخْرِجُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ»، وَكَانَ طَعَامُنَا ـ يَوْمَئِذٍ ـ الْبُرَّ وَالتَّمْرَ وَالزَّبِيبَ:
أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» ((1) / (224)) رقم: ((613))، والدارقطنيُّ ((2101))، مِنْ حديثِ أوس بنِ الحَدَثان رضي الله عنه.
قال الألبانيُّ في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» ((2116)): «ضعيفٌ جدًّا»، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي ((2) / (426))، «مجمع الزوائد» للهيثمي ((3) / (81)).
(2) ـ «أَدُّوهَا إِلَى وُلَاتِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ بِهَا»:
أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» ((8695)) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَمَرْتَنَا بِالزَّكَاةِ: زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَنَحْنُ نُؤَدِّيهَا، فَكَيْفَ بِنَا إِنْ أَدْرَكْنَا وُلَاةً لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا؟» فَقَالَ: الحديث».
قال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» ((3) / (80)): «وفيه عبد الحليم بنُ عبد الله، وهو ضعيفٌ».
(3) ـ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ»:
أخرجه الدراقطنيُّ بهذا اللفظ ((2104))، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» ((4) / (164)) رقم: ((7695))، وابنُ الجوزيِّ في «التحقيق» ((2) / (49))، مِنْ طريقِ النعمان بنِ راشدٍ عن الزهريِّ عن ابنِ أبي صُعَيرٍ رضي الله عنه.
والنعمانُ بنُ راشدٍ ضعيفٌ، قال أحمد: مُضطرِبُ الحديث، وابنُ أبي صُعَيْرٍ مختلفٌ في صحبته، وقد قال أحمد: ليس بمعروفٍ، وضعَّفه ابنُ المدينيِّ.
والحديثُ ـ بهذا اللفظِ ـ مخالفٌ لِمَا أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ ((1620)) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ رضي الله عنهما، وفيه: «أَوْ صَاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ»، وهو صحيحٌ، انظر: «صحيح أبي داود» ((1434)) و «صحيح الترغيب» ((1086)) كلاهما للألباني.
(4) ـ «أُمِرْنَا أَنْ نُعْطِيَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَمَنْ أَدَّى بُرًّا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى شَعِيرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى زَبِيبًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى سلْتًا قُبِلَ مِنْهُ»:
أخرجه الدراقطنيُّ ((2091))، والبيهقيُّ ((7714))، وابنُ الجوزيِّ في «التحقيق» ((2) / (51))، مِنْ طريقِ محمَّد بنِ سيرين عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وهذا منقطعٌ، قال ابنُ عبد الهادي في «التنقيح» ((3) / (107)): «قال الإمام أحمد وابنُ المدينيِّ وابنُ معينٍ والبيهقيُّ: محمَّد بنُ سيرين لم يسمع مِنِ ابنِ عبَّاسٍ شيئًا»، وقال الزيلعيُّ في «نصب الراية» ((2) / (425)): «وقال ابنُ أبي حاتمٍ في «عِلَلِه»: سألتُ أبي عن هذا الحديث فقال: حديثٌ مُنْكَرٌ»، وانظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن ((5) / (630)).
(5) ـ «أُنْزِلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ»:
أخرجه ابنُ خزيمة ((2420)) مِنْ حديثِ عمرو بنِ عوفٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى]، فَقَالَ: الحديث».
قال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» ((3) / (80)): «وفيه كثير بنُ عبد الله، وهو ضعيفٌ».
(6) ـ «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْبَادِي»:
أخرجه الدارقطنيُّ ((2081))، والبيهقيُّ ((7728))، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما.
وضعَّفه الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» ((3665)).
(7) ـ «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ، صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ»:
أخرجه الدراقطنيُّ ((2116)) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
والحديث صحيحٌ إلى أبي هريرة موقوفًا، وضعيفٌ مرفوعًا. انظر: «مسند أحمد» ـ تحقيق أحمد شاكر ـ ((7) / (440))، و «السلسلة الضعيفة» للألباني ((3666)).
(8) ـ «شَهْرُ رَمَضَانَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا يُرْفَعُ إِلَّا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ»:
أخرجه الديلميُّ في «مسند الفردوس» ((901)) مِنْ حديثِ جرير بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه.
وأورده ابنُ الجوزيِّ في «العِلَل المتناهية» ((824))، وضعَّفه الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» ((43)).
(9) ـ «صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ»:
أخرجه الدارقطنيُّ ((2119))، ومِنْ طريقه ابنُ الجوزيِّ في «التحقيق» ((2) / (49)) وفي «الموضوعات» ((2) / (149))، والجورقانيُّ في «الأباطيل» ((2) / (76))، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
والحديث ضعيفٌ جدًّا، انظر: «نصب الراية» للزيلعي ((2) / (412))، «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» للشوكاني ((60))، «ضعيف الجامع» للألباني ((3470)).
(10) ـ «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ»:
أخرجه الدارقطنيُّ ((2093))، والحاكم ((1) / (410)) رقم: ((1494))، والبيهقيُّ ((7703))، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ .. » إلخ.
والحديث ضعيفٌ بذِكْرِ البُرِّ، قال البيهقيُّ: «وذِكْرُ البُرِّ فيه ليس بمحفوظٍ». انظر: «نصب الراية» للزيلعي ((2) / (424)).
(11) ـ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نُخْرِجَهَا قَبْلَ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْسِمُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ إِذَا انْصَرَفَ، وَقَالَ: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ»:
أخرجه بهذا اللفظِ ابنُ زنجويه في «الأموال» ((2397))، وأخرجه الدارقطنيُّ ((2133)) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ»، والبيهقيُّ ((7739)) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ»، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
وفيه أبو مَعْشَرٍ: أشارَ البيهقيُّ إلى تضعيفه. قال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» ((388)): «ولذلك جَزَمَ الحافظُ بضَعْفِ الحديث في «بلوغ المَرام»، وسَبَقهُ النوويُّ في «المجموع» ((6) / (126))».
وأخرجه أبو القاسمِ الشريفُ الحُسَيْنيُّ في «الفوائد المُنْتَخَبَة» ((13) / (147) / (2)) بلفظِ: «أَغْنوهم عن السؤال»، وفيه القاسمُ بنُ عبد الله وهو العُمَريُّ المدنيُّ، قال الحافظ: «متروكٌ: رَمَاهُ أحمدُ بالكذب»، [انظر: «نصب الراية» للزيلعي ((2) / (432))، «بلوغ المَرام» لابن حجر ((628))، «إرواء الغليل» للألباني ((3) / (334)) عند الحديث: ((844))].
(12) ـ «لَا يَزَالُ صِيَامُ الْعَبْدِ مُعَلَّقًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى يُؤَدِّيَ زَكَاةَ فِطْرِهِ»:
أخرجه النعاليُّ [الرافضيُّ] في «حديثه» ((77)) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
والحديث منكرٌ، انظر: «العِلَل المتناهية» لابن الجوزي ((823))، «السلسلة الضعيفة» للألباني ((6827)).
وتقدَّم نحوُه بلفظٍ آخَرَ مِنْ حديثِ جرير بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه عند الحديث رقم: ((8)).
(13) ـ «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ سُلْتٍ»:
أخرجه الحاكم ((1498))، والدارقطنيُّ ((2117))، مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه.
وفيه سليمان بنُ أرقم، قال ابنُ عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» ((3) / (112)): «سليمان بنُ أرقم أجمعوا على ضعفِه»، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي ((2) / (422)).
(14) ـ «يَا زَيْدُ، أَعْطِ زَكَاةَ رَاسِكَ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ»:
أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» ((4806)) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه.
قال الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» ((3) / (81)): «وفيه عبد الصمد بنُ سليمان الأزرق، وهو ضعيفٌ».
ثانيًا: الأحاديث الضعيفة الموقوفة:
(1) ـ «زَكَاةُ الفِطْرِ عَنْ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ»:
أخرجه ابنُ زنجويه في «الأموال» ((2375)) عن عليٍّ رضي الله عنه بلفظ: «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ تَعُولُ … ». وأخرجه عبد الرزَّاق ((3) / (315))، وبنحوه البيهقيُّ ((7684)) بلفظ: «عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ».
وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» ((3) / (330)) رقم: ((840)). وانظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر ((2) / (353)).
(2) ـ «كان عثمانُ يعطي صدقةَ الفطرِ عن الحَبَل»:
أخرجه ابنُ أبي شيبة في «مصنَّفه» ((2) / (432))، وعبد الله بنُ أحمد في «مسائل أبيه» ((170))، وابنُ حزمٍ في «المحلَّى» ((6) / (132)) عن حُمَيْدٍ فذَكَره.
وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» ((3) / (330)) رقم: ((841)).
(3) ـ «كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ لَيُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبِيهِ مِنْ غِلْمَانِهِ»:
أخرجه الدارقطنيُّ ((2120)): «أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ .. » إلخ، وقال: «عثمان هو الوقَّاصيُّ: متروكٌ».
وأخرجه ابنُ الجوزيِّ في «الموضوعات» ((2) / (149))، والجورقانيُّ في «الأباطيل» ((2) / (99))، وقال: «هذا حديثٌ منكرٌ، وعثمان بنُ عبد الرحمن هذا هو الوقَّاصيُّ، قال أبو عبد الرحمن النسائيُّ: هو متروكُ الحديث».
(4) ـ «كَانُوا يَجْمَعُونَ إِلَيْهِ [أي: أبي مَيْسَرَةَ رضي الله عنه] صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَيُعْطِيهَا أَوْ يُعْطِي مِنْهَا الرُّهْبَانَ»:
أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» ((1997)).
قال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» ((389)): «فهو مع كونه مقطوعًا موقوفًا على أبي مَيْسَرَةَ ـ واسْمُه: عمرو بنُ شُرَحْبِيلَ ـ فلا يصحُّ عنه؛ لأنَّ أبا إسحاقَ هو السبيعيُّ: مختلطٌ مدلِّسٌ، وقد عنعنه».
(5) ـ «لَا أُخْرِجُ إِلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ»:
أخرجه الدارقطنيُّ ((2096))، والحاكم ((1495))، مِنْ قولِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه.
وذِكْرُ صاعِ الحنطة فيه ليس بمحفوظٍ كما قال أبو داود عند الحديث رقم: ((1616))، وراجِعْ كلامَ ابنِ عبد الهادي في «التنقيح» ((2) / (111)) رقم: ((1603)).
تمَّ بعون الله وتوفيقه.
واللهَ نسأل صحَّةَ الاقتداء، وصِدْقَ الرجاء، وحُسْنَ القضاء والجزاء، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
4) مقادير زكاة الفطر
• عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» [أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وصحَّحه الألباني في «صحيح أبي داود» (1427)].
• وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ» [أخرجه البخاري (1504)، ومسلم (984)].
• وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ العَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» [أخرجه البخاري (1506)، ومسلم (985)].
====