1084 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
——”——-”——”
——-‘——–‘———‘
——–‘——–‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1083):
قال الإمام أبو داود رحمه الله:
1084 – قال الإمام الطبراني رحمه الله في «الدعاء» (ج3ص1447):
حدثنا محمد بن الفضل السقطي ثنا سعيد بن سليمان (ح) وحدثنا عبيد ابن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا أبو أسامة عم مسعر بن زياد بن علاقة عن عمه وهو قطبة بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء».
قال أبو عبدالرحمن الوادعي: هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث.
قوله: ((اللَّهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق)): والأخلاق جمع خلق، قال القرطبي: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة؛
فالمحمودة: على الإجمال أن تكون من غيرك على نفسك، فتنتصف منها ولا تنتصف لها، وعلى التفصيل العفو، والحلم، والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتودد ولين الجانب ونحو ذلك.
والمذمومة: ضد ذلك وهي منكرات الأخلاق التي سأل صلى الله عليه وسلم ربه أن يجنبه إياها في هذا الحديث، وفي قوله {اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي} أخرجه أحمد وصححه ابن حبان. وهو في الصحيح المسند 1540
وفي دعائه صلى الله عليه وسلم في الافتتاح: {واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها سواك، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها غيرك} ومنكرات الأعمال ما ينكر شرعا أو عادة ومنكرات الأهواء جمع هوى، والهوى هو ما تشتهيه النفس من غير نظر إلى مقصد يحمد عليه شرعا.
ومنكرات الأدواء جمع داء وهي الأسقام المنفرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها كالجذام، والبرص، والمهلكة: كذات الجنب {وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سيئ الأسقام}. [انظر: سبل السلام]
قوله: ((اللَّهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق)):
و (المنكرات): الإنكار ضد العرفان، والمنكر كل فعل تتفق في استقباحه العقول, وتحكم بقبحه الشريعة.
قوله: ((والأعمال)): أي منكرات الأعمال الظاهرة: كالقتل, والزنى, وشرب الخمر, والسرقة، والبطش، والتعدي، والظلم بغير حق، وغير ذلك.
قوله: ((الأهواء)): جمع هوَى, وهو هوى النفس، وميلها إلى المستلذات, والانهماك في الشهوات الباطلة؛ لأنه يشغل عن الطاعة، ويؤدي إلى الأشر، والبطر، والاستعاذة كذلك من: الزيغ، والضلالات الفاسدة في الاعتقادات، والشبهات؛ فإن الشرّ كلّ الشرّ أن يكون الهوى يُصيَّر صاحبه باتباعه كالعابد له, فلا شيء في الشرّ أزيد منه؛ لأنه يضيّع الدنيا والدين، والعياذ باللَّه، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه} [سورة الجاثية , الآية: 23].
قال تعالى:
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُط ا)
[سورة الكهف 28]
[انظر: فيض القدير، 2/ 110, الفتوحات الربانية، 3/ 639, تحفة الذاكرين، ص 422].
فتضمَّنت هذه الاستعاذات المهمّة من كلّ الذنوب الظاهرة والباطنة.
فهذا دعاء من الأدعية الجوامع التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمن يتحرى الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو بها؛ لأنها أفضل من غيرها، وإذا دعا بشيء آخر من الدعوات الطيبة التي لا محذور فيها فلا بأس؛ لأن الله جل وعلا قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] فالمؤمن يدعو ويتحرى بدعواته ما يحتاج إليه، يطلب خيري الدنيا والآخرة، يستعيذ بالله من شر الدنيا والآخرة، وإذا تحرى الدعوات الواردة كان ذلك أفضل ومن ذلك، ((اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء)) في اللفظ الآخر: ((اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي ولساني)) [رواهُ أَبو داودَ، والترمذيُّ وقالَ: حديثٌ حسنٌ] ((شر سمعي)) أي: بأن أسمع كلام الزور والبهتان، وغيره من العصيان، أو بأن لا أسمع به حقاً ((ومن شر بصري)) أعاد الجار والمجرور، مع أن العاطف يقوم مقامهما اهتماماً بالمعطوف، وإيماء إلى أنه جنس غير ما قبله، وذلك بأن أنظر إلى محرم، ومنه النظر على وجه الإحتقار لأحد من العباد، أو أهمل النظر والاعتبار في مخلوقات الله سبحانه ((ومن شر لساني)) بأن أتكلم فيما لا يعنيني، أو أسكت عما يعنيني ((ومن شر قلبي)) بأن أشغله بغير الله، وبغير أمره ((ومن شر مني)) بأن أوقعه في غير محله، أو يوقعني في مقدمات الزنى من النظر، واللمس، والمشي، والعزم، وأمثال ذلك، ووقع في رواية أبي: داود يعني فرجه، وقيل: هي جمع منية وهي طول الأمل.
قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يتحرى جوامع الدعاء»، ومن أجمع الدعاء: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي من كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر، وهكذا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) هذا دعاء عظيم ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)) كان يعوذ بها الحسن والحسين عليه الصلاة والسلام عند النوم ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة))
والخلاصة أنه يتحرى الأدعية النبوية إذا تيسرت وعرفها، وإذا دعا بغيرها من الدعوات الطيبة فلا بأس، ليس الدعاء توقيفي في هذا بل ما تيسر له من الدعوات الطيبة التي تناسبه وتنفعه دعا بها ما لم يكن فيها إثم أو قطيعة رحم كما قال . [شرح الحديث من دليل الفالحين، وسبل السلام، وشرح رياض الصالحين – 466 من حديث: (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء) للشيخ عبد العزيز باز]. بتصرف يسير.
الوجه الثاني: ما يستفاد:
1 – أن مما ينبغي للمؤمن أن يكثر من ذكر الله عزوجل.
2 – أن يحرص على الأذكار الجامعة الثابتة.
3 – لا بأس بالدعاء بغير ما ورد في النصوص الشرعية بشرط أن لا يكون فيها محضور شرعي.
4 – استغلال الأوقات في الذكر في الذهاب والإياب، وفي المجالس … .
5 – الذكر سبب عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل.
الوجه الثالث: المسائل المتعلقة بالدعاء:
1) فضل الذكر والحث عليه، وأهميته:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
الآيات التي تحث على الذكر كثيرة في كتاب الله عزوجل منها:
– قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:41 – 42] الآية من سورة الأحزاب،
– ومنها قوله تعالى: { … ِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]، وهذه الآية في سورة الأحزاب فيها وعدهم بالأجر العظيم والمغفرة على ذكرهم لله، وعلى قيامهم بهذه الأعمال الطيبة.
– وهكذا قوله سبحانه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10]
– قوله سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] كل هذه فيها الحث على ذكر الله عزوجل.
فينبغي للمؤمن أن يكثر من ذكر الله، وذكر الله يكون بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار والدعاء.
– وأفضل ذلك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال النبي : ((أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))
– ومن ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل)).
– وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب)) يعني: يعتقها ((وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله)) وهذا حديث عظيم صحيح رواه الشيخان في الصحيحين، والأحاديث في الذكر كثيرة جدًا.
ووصيتي ونصيحتي لكل من يسمع هذا الكلام أن يكثر من ذكر الله في جميع الأحوال، وأن يجتهد في ذلك في الطريق في المسجد في البيت في السيارة في الطائرة في القطار في كل مكان يرجو ثواب الله ويخشى عقابه سبحا.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
المقدم: اللهم آمين. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى]
وفي أًهَمِّيَّةُ ذِكْرِ الله، قال الشيخ عبد الرزاق العباد:
إن ذكر الله – جلّ وعلا – هو أزكى الأعمال وخيرها وأفضلها عند الله تبارك وتعالى، ففي المسند للإمام أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم وغيرها من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى)) [مسند الإمام أحمد (21599، 21601)، سنن الترمذي (3377) واللفظ له].
فهذا الحديث العظيم أفاد أفضلية الذكر، وأنه يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله تعالى، قال ابن رجب رحمه الله: ” وقد تكاثرت النصوص بتفضيل الذّكر على الصدقة بالمال وغيره من الأعمال ” [جامع العلوم والحكم (الحديث الخامس والعشرون، ص: 66)]. ثم أورد حديث أبي الدرداء المتقدم، وجملة من الأحاديث الأخرى الدالة على المعنى نفسه.
وورد بيان تفضيل الذكر على غيره من الأعمال عن غير واحد من الصحابة والتابعين كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، أورد بعض هذه الأقوال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم.
روى الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ!!، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ)) [رواه الإمام أحمد في المسند (15553) والطبراني في الدعاء (1887) واللفظ له].
قلت سيف بن دورة: قال محققو المسند: إسناده ضعيف. وفيه زبان بن فائد وهو ضعيف. وقد وثق وكذلك ابن لهيعة.
قال السندي: قوله أكثرهم لله تعالى ذكرا. أي جهاد أكثرهم. أي: أكثر المجاهدين ذكرا، أي: من أكثر ذكر الله تعالى في جهاده، فجهاده أكثر أجرا وهكذا الصوم وغيره. انتهى
وهو في ضعيف الترغيب 906
وزبان أحاديثه مناكير. وسهل بن معاذ لا بأس به إلا في روايته عن زبان.
وذكر عبدالرزاق البدر في الحج وتهذيب النفس: أن له شاهدا مرسلا بإسناد صحيح رواه ابن المبارك في الزهد قال: أخبرني حيوة قال حدثني زهرة بن معبد أنه سمع أبا سعيد المقبري يقول: قيل: يا رسول الله أي الحاج أعظم أجرا؟ …..
وله شاهد آخر أورده ابن القيم في كتابه الوابل الصيب. قال: وقد ذكر ابن أبي الدنيا حديثا مرسلا. ….
قلت سيف بن دورة: ولم أجد هذا الحديث المرسل في كتب ابن أبي الدنيا. فالله أعلم
ودل الحديث َّ على أهمية الذكر وأنه هو الغاية المقصودة من القيام بجميع الطاعات والعبادات، فأكثر الصائمين أجراً أكثرهم لله ذكراً.
وذِكر الله أكبر من كل شيء وأفضل كل شيء، قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] ” أي: ذِكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم أكبر من ذكركم له في عباداتكم وصلواتكم، وهو ذاكرٌ من ذكَره، قال معناه ابن مسعود وابن عباس وأبو الدرداء وأبو قرَّة وسلمان والحسن وهو اختيار الطبري، وقيل: ذكركم الله في صلاتكم وفي قراءة القرآن أفضل من كلِّ شيء، وقيل المعنى: إن ذكر الله أكبر مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر، قال ابن زيد وقتادة: ولذكر الله أكبر من كلِّ شيء أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر “. [تفسير القرطبي (سورة العنكبوت، آية 45)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الصحيح أن معنى الآية: أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي مشتملة على ذكر الله تعالى، ولما فيها من ذكر الله تعالى أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر))، وقد سئل سلمان الفارسي رضي الله عنه: ((أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن! ولذكر الله أكبر)) [رواه الطبري في تفسيره (20/ 183)]، وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه سُئل: أيّ العمل أفضل؟ قال: ((ذكر الله أكبر)) ” [انظر الوابل الصيب لابن القيم (ص151 – 152)].
وقد أمر الله في كتابه عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره قياماً وقعوداً وعلى الجنوب، بالليل والنهار، وفي البر والبحر، وفي السفر والحضر، وفي الغنى والفقر، وفي الصحة والسقم، وفي السر والعلن، وفي كل حال، ورتب لهم على ذلك جزيل الأجر وعظيم الثواب وجميل المآب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب:41 – 44].
ففي هذه الآية الحث على الإكثار من ذكر الله تعالى وبيان ما يترتب على ذلك من أجر عظيم وخير عميم؛ وقال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:151ـ152]، فالجزاء من جنس العمل؛ فمن ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكر الله في ملأٍ ذكره الله في ملأٍ خير منهم، ومن نسي الله نسيه الله.
والذاكرون الله كثيراً والذاكرات هم المفرِّدون السابقون إلى الخيرات المحظوظون بأرفع الدرجات وأعلى المقامات، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ: سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ)) [صحيح مسلم (2676)].
ولكن؛ بِمَ ينال العبد ذلك؟
وهذا سؤال عظيم يجدر بكل مسلم أن يقف عنده ويعرف جوابه، ومن أحسن ما روي عن السلف في معنى الذاكرين الله كثيراً والذاكرات: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((المراد: يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً، وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى)) [الأذكار للنووي (ص 10)].
وفي هذا المعنى قول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: ” وأقل ذلك أن يلازم الإنسان أوراد الصباح والمساء وأدبار الصلوات الخمس وعند العوارض والأسباب، وينبغي مداومة ذلك في جميع الأوقات على جميع الأحوال، فإن ذلك عبادة يسبق بها العامل، وهو مستريح، وداع إلى محبة الله ومعرفته، وعون على الخير وكف اللسان عن الكلام القبيح ” [تفسير السعدي (الأحزاب آية 41، ص: 667)].
وأسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى أن يجعلني وإياكم من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، من الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
*****
2) (من آداب الدعاء)
” أولاً: إن الله تعالى يحب أن يُسأل، ويُرغبَ إليه في كل شيء، ويغضب على من لم يسأله، ويستدعي من عباده سؤاله، قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60.
و وقد مر أن للدعاء من الدين منزلة عالية رفيعة؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (3372) وأبو داود (1479) وابن ماجه (3828) وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” (2590).
ثانياً:
آداب الدعاء:
1. أن يكون الداعي موحداً لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ممتلئاً قلبه بالتوحيد، فشرط إجابة الله للدعاء: استجابة العبد لربه بطاعته وترك معصيته، قال الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.
2. الإخلاص لله تعالى في الدعاء، قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5، والدعاء هو العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص شرط لقبوله.
3. أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف/180.
- الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله، روى الترمذي (3476) عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ) وفي رواية له (3477): (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَا بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ). قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ) صححه الألباني في “صحيح الترمذي” (2765، 2767).
5. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) رواه الطبراني في “الأوسط” (1/ 220)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع” (4399).
- استقبال القبلة، روى مسلم (1763) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ) فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ. . . الحديث.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ.7. رفع اليدين، روى أبو داود (1488) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (1320).
ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير المنتظر أن يُعْطَى، روى أبو داود (1486) عن مَالِكِ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (1318).
قلت سيف بن دورة: وبعضهم يضعفه وراجع لتفصيل مسألة أنواع رفع الأيدي. حديث أبي هريرة في الصحيح المسند
1329 – قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى حتى رأيت أو رئي بياض إبطيه.
قال معتمر أراه في الاستسقاء
وكذلك حديث عمير مولى آبي اللحم وهو في الصحيح المسند 1028 وفيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الوزراء قائما يستسقي رافعا يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه
وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة؟
نص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (4/ 25) أنها تكون مضمومة. ونص كلامه: ” وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في السنة ولا في كلام العلماء ” انتهى.
وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَلُوْا اللهَ بِبُطُوْنِ أَكُفِّكُمْ، وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُوْرِهَا» (صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير، عن أبي بكرة، انظر صحيح الجامع [3634])، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعا جَعَلَ بَاطنَ كَفِّهِ إِلَى وَجْهِهِ” (صحيح: رواه الطبراني في الكبير، انظر صحيح الجامع [4721])، وتقليب الكفين عند الدعاء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء (نيل الأوطارللشوكاني [4/ 10])، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا (أخرجه الضياء [468]، وأبو داود [1489]، وصححه الألباني).
قلت سيف بن دورة: الراجح الوقف. وراجع حديث 1521 في الصحيح المسند.
وأورد ابن رجب عن عائشة قالت: إن الله يحب أن يدعا هكذا – وأشارت بالسبابة، وروي عنها مرفوعاً، وعن ابن الزبير موقوفا
واختار ابن راهوية التخيير بين رفع اليدين أو الإصبع.
8. اليقين بالله تعالى بالإجابة، وحضور القلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي (3479)، وحسنه الشيخ الألباني في “صحيح الترمذي” (2766).
قلت سيف بن دورة: احد أسانيده فيه صالح المري متروك، والإسناد الثاني فيه ابن لهيعة. لكن معناه صحيح.
9. الإكثار من المسألة، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735).
10. الجزم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ) رواه البخاري (6339) ومسلم (2679).
قال الإمام النووي رحمه الله: قَوْله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاء، وَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّه لَا مُسْتَكْرِه لَهُ»، وَفِي رِوَايَة: «فَإِنَّ اللَّه صَانِع مَا شَاءَ لَا مُكْرِه لَهُ» وَفِي رِوَايَة: «وَلْيَعْزِمْ الرَّغْبَة فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء أَعْطَاهُ»، قَالَ الْعُلَمَاء: “عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا، وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب، وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا، وَقِيلَ: هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تعالى فِي الْإِجَابَة، وَمَعْنَى الْحَدِيث: اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب، وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة”، قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه، وَاَللَّه تعالى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي آخِر الْحَدِيث: «إِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ»، وَقِيلَ: سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِعْفَاء عَلَى الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ (شرح النووي على مسلم [39 – 40])
11. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية) الأعراف/55، وقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء/90، وقال: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) الأعراف/205.
- استحباب تكرار الدعاء وطلب المغفرة ثلاثًا: فعن ابن مسعود رضي الله عنه في حديث دعائه صلى الله عليه وسلم على الملأ من قريش قال: وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش ثَلَاث مَرَّات» (البخاري [240]، مسلم [1794]).
الحديث بطوله روى البخاري (240) ومسلم (1794)13. إطابة المأكل والملبس، روى مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) قال ابن رجب رحمه الله: فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا. هـ.
14. إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) الأعراف/55، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا عليه السلام بقوله: (إذ نادى ربه نداءً خفياً) مريم/3 “.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ» (البخاري [6610]، ومسلم [2704]، وأحمد في المسند [19520]، وأبو داود [1528] عن أبي موسى رضي الله عنه)، وفي رواية للبخاري: «إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ» (البخاري [2992])، وفي رواية للإمام أحمد: «إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» (صحيح: رواه أحمد في المسند [19599])
قال الإمام النووي رحمه الله: “اربعوا بهمزة وصل، وبفتح الباء الموحدة، معناه ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه، وأنتم تدعون الله تعالى، وليس هو بأصم، ولا غائب، بل هو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر، إذا لم تدع الحاجة إلى رفعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه”. اهـ (النووي شرح مسلم [17/ 26])، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: “نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء من الآية:110] فِي الدُّعَاءِ” (البخاري [4722، 7526]، ومسلم [447])، وذكر ابن القيم رحمه الله عشرة فوائد عظيمة في إخفاء الدعاء من أراد أن يتتبعها فعليه بمراجعتها في كتابه (التفسير القيم).
15 – استحباب الوضوء: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ» -وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ-، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ» (البخاري [6383]، ومسلم [2498]، وابن حبان في صحيحه [7198])، وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي”. قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوَ خَيْرٌ»، فَقَالَ: “ادْعُهُ”، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ» (صحيح: أخرجه الترمذي [3578]، وابن ماجة [1385]، والحاكم في المستدرك [1180]، وغيرهم، انظر صحيح الجامع للألباني [1279]).
16 – النهي عن الاعتداء في الدعاء: عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ، إِذَا دَخَلْتُهَا”، فَقَالَ: “أَيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» (صحيح: رواه أحمد [16847] وأبو داود [96]، وابن ماجة [3864]، وابن حبان [6763] والحاكم، وانظر صحيح الجامع [2396]) ” قال العلامة شرف الحق العظيم آبادي رحمه الله قال بعض الشراح: “إنما أنكر عبد الله على ابنه في هذا الدعاء لأن ابنه طمع ما لا يبلغه عملاً حيث سأل منازل الأنبياء، وجعله من الاعتداء في الدعاء لما فيه من التجاوز عن حد الأدب، وقيل لأنه سأل معينًا، والله أعلم” اهـ، وقال أيضًا: “والمراد بالاعتداء فيه مجاوزة الحد، وقيل الدعاء بما لا يجوز ورفع الصوت به والصياح، وقيل سؤال منازل الأنبياء عليهم السلام” اهـ (عون المعبود [1/ 118])، وقال ابن القيم رحمه الله وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف من الآية:55]، قيل المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء إلى أن قال: “فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدًا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحبه رسوله، وفسر
الاعتداء برفع الصوت أيضًا في الدعاء”. قال ابن جريح: “من الاعتداء رفع الصوت في الدعاء، والنداء في الدعاء والصياح، وبعد فالآية أعم من ذلك كله، وإن كان الاعتداء في الدعاء مرادًا بها فهو من جملة المراد، والله لا يحب المعتدين في كل شيء، دعاء كان أو غيره، كما قال: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة من الآية:190، المائدة من الآية:87]، وعلى هذا فيكون قد أمر بدعائه وعبادته وأخبر أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا، فإن أعظم العدوان هو الشرك، وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لا بد أن يكون داخلاً في قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف من الآية:55] ومن العدوان: أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مُدلّ كالمستغني بما عنده المدل على ربه به، وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد”. ومن الاعتداء: أن تعبده بما لم يشرعه، وتثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه، فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب، وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين: أحدهما: محبوب للرب تبارك وتعالى مُرضي له، وهو الدعاء تضرعا وخفية.
الثاني: مكروه له مبغوض مسخوط، وهو الاعتداء، فأمر بما يحبه الله وندب إليه وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو ابلغ طرق الزجر والتحذير، وهو أنه لا يحب فاعله، ومن لم يحبه الله فأي خير يناله؟ وفي قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف من الآية:55] عقب قوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف من الآية:55] دليل على أن من لم يدعه تضرعًا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم، فقسمت الآية الناس إلى قسمين داع لله تضرعًا وخفية، ومعتد بترك ذلك (التفسير القيم للإمام ابن القيم [1/ 388 – 390]).
17 – النهي عن السجع في الدعاء: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَاتِى الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ. يَعْنِى لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ” (البخاري [6337])، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “أصل السجع: القصد المستوى، وسجع الحمامة موالاة صوتها على طريق واحدة”. قال الليث: “سجع الرجل إذا انطق بالكلام له فواصل، وقول رسول الله: «أسجع كسجع الأعراب»، إنما كرهه لمشاكلته كلام الكهان، ونهى عن السجع في الدعاء؛ لأن ذلك ينبغي عن حرقة القلب لا عن تصنع، وقد يقع عن تصنع، وقد يقع غير تصنع فلا يذم لقوله: «أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع» (غريب الحديث [1/ 463]) “، وقال الحافظ بن حجر رحمه الله في شرحه قول ابن عباس”: أي لا تقصد إليه، ولا تشغل فكرك به، لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء” (الفتح [11/ 143])، وقال الإمام الخطابي رحمه الله: “وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء والأدعية يسمونه (الألف اسم) صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل والجرأة على الله عز وجل، أكثرها زورًا وافتراءً على الله عز وجل، فليتجنبها الداعي إلا ما وافق الصواب إن شاء الله”. اهـ (شأن الدعاء [16، 17]).
18 – النهي عن أن تحجر واسعًا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: “اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا”، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا»، يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ (البخاري [6010]).
19 – صفة الدعاء المستجاب:
قال ابن القيم رحمه الله: “وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب، وذلاً له وتضرعًا ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة، والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة، فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم” (الجواب الكافي للإمام ابن القيم رحمه الله ط. دار الريان [ص:9]).
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز:
” الدعاء له آداب في الإسلام آداب عظيمة وهي: الإقبال على الله، وحضور القلب في الدعاء أن تحضر قلبك في الدعاء، وأن تستقبل القبلة، وأن ترفع يديك تلح بالدعاء وتكرر الدعاء، تبدأ بحمد الله والصلاة على النبي ثم تدعو، كل هذا من آدابه، وإذا كنت على طهارة فهو أكمل.
ومن آدابه: الحذر من أكل الحرام، تكون حريصًا على أن يكون طعامك طيبًا وملبسك طيبًا وأكسابك طيبة، فإن أكل الحرام من أسباب حرمان الإجابة، والمعاصي من أسباب حرمان الإجابة.
فالعناية بطاعة الله والاستقامة على طاعة الله والحذر من المعاصي والحذر من أكل الحرام كل هذا من أسباب الإجابة.
والتساهل بالمعاصي أو بالكسب المحرم من أسباب منع الإجابة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نعم.” [الموقع الرسمي]
مختصر من آداب الدعاء وأسباب الإجابة:
1 – الإخلاص لله.
2 – أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بذلك.
3 – الجزم في الدعاء واليقين بالإجابة.
4 – الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال.
5 – حضور القلب في الدعاء.
6 – الدعاء في الرخاء والشدة.
7 – لا يسأل إلا الله وحده.
8 – عدم الدعاء على الأهل، والمال، والولد، والنفس.
9 – خفض الصوت بالدعاء بين المخافتة والجهر.
10 – الاعتراف بالذنب والاستغفار منه والاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها.
11 – عدم تكلف السجع في الدعاء.
12 – التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.
13 – رد المظالم مع التوبة.
14 – الدعاء ثلاثًا.
15 – استقبال القبلة.
16 – رفع الأيدي في الدعاء.
17 – الوضوء قبل الدعاء إن تيسر.
18 – أن لا يعتدي في الدعاء.
19 – أن يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره (قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بنفسه بالدعاء وثبت أيضًا أنه لم يبدأ بنفسه كدعائه لأنس، وابن عباس، وأم إسماعيل، وغيرهم. وانظر التفصيل في هذه المسألة في شرح النووي لصحيح مسلم [15/ 144] وتحفة الأحوذي وشرح سنن الترمذي [9/ 328] والبخاري مع الفتح [1/ 218]).
20 – أن يتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه، أو بدعاء رجل صالح حي حاضر له.
21 – أن يكون المطعم والمشرب والملبس من حلال.
22 – لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم.
23 – أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
24 – الابتعاد عن جميع المعاصي (أعمال الحج إعداد وجمع وترتيب/ عبد الله بن أحمد العلاف، دار الطرفين للنشر والتوزيع بالسعودية، نقلاً عن الموسوعة الشاملة).
فائدة: وهناك كتاب في آداب الدعاء:
آداب الدعاء أدب المرتعي في علم الدعاء، المؤلف: يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، المحقق: محمد خلوف العبد الله، الناشر: دار النوادر
3) أسباب استجابة الدعاء وموانعه:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير) الداء والدواء ص35.
فيتبين من ذلك أن هناك أحوالا و آدابا و أحكاما يجب توفرها في الدعاء و في الداعي، و أن هناك موانع و حواجب تحجب وصول الدعاء واستجابته يجب انتفاؤها عن الداعي وعن الدعاء، فمتى تحقق ذلك تحققت الإجابة.
4 – السجود، ترجى فيه الإجابة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)) ويقول : ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) أي حري أن يستجاب لكم، رواه مسلم في صحيحه.
5 – آخر كل صلاة قبل السلام يشرع فيه الدعاء، وهذا الوقت ترجى فيه الإجابة لأن النبي لما علمهم التشهد قال: ((ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)).
5) فوائد الذكر.
1 – أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
2 – أنه يرضي الرحمن عزوجل.
3 – أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4 – أنه يجلب للقلب الفرح والسرور.
5 – أنه يقوي القلب والبدن.
6 – أنه ينور الوجه والقلب.
7 – أنه يجلب الرزق.
8 – أنه يحط الخطايا.
9 – أنه سبب نزول السكينة.
10 – أنه غراس الجنة. [الوابل الصيب لابن القيم]