1079 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1079):
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
—-”’——”——”’
الصحيح المسند 1079
قال الإمام الترمذي رحمه الله:
عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة.
وأخرجه أحمد 5/ 34
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح إلا عروة بن عبد الله القشيري، وقد وثقه أبو زرعة.
===================
راجع الصحيح المسند 1352 حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال لهذا الأمر أو على هذا الأمر عصابة على الحق ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله.
الكلام على حديث 1079 من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ –ترجمة الراوي. سبق تحت رقم (1075).
ب – التخريج:
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 1/ 688: أخرجه الترمذي (2/ 30) من طريق الطيالسي و هو في ” المسند ” (ص 145 رقم 1076) و كذا أحمد (3/ 436، 5/ 35) و ابن حبان (2313) من طريق شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا. و قال الترمذي: ” حديث حسن صحيح “. قلت: وهو على شرط الشيخين، و قد أخرج الخطيب (8/ 417 – 418، 10/ 282) الشطر الأول منه من هذا الوجه، ورواه أبو نعيم في ” الحلية ” (7/ 230). و الشطر الثاني أخرجه ابن ماجه (2/ 6 – 7)، وله شواهد كثيرة فراجع بعضها فيما تقدم برقم (270، 1108). انتهى.
رجال الإسناد الثاني الذين لم يذكروا في الإسناد الأول:
[5] يزيد بن هارون: هو يزيد بن هارون بن زاذان السُّلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي. ثقة حافظ متقن عابد.
تابع يزيد وغيره يحيى بن سعيد على رواية هذا الحديث عن شعبة، ولم يتفرّد به شعبة عن معاوية، فقد تابعه عليه إياس بن معاوية فرواه عن أبيه، أخرجه أبو نعيم في ” الحلية ” (7/ 230 – 231، الكتاب العربي)، فقال: ” مشهور من حديث إياس، غريب من حديث مسعر “.
وتابعه صدقة بن المنتصر أبو شعبة الشعباني عند الفسوي في “المعرفة والتاريخ” (2/ 170)، وابن حبان في ” الثقات ” (8/ 319). ولكن الإسماعيلي في ” معجم أسامي شيوخه ” (2/ 679 – العلوم والحكم)، ومن طريقه الخطيب البغدادي في ” تاريخه ” (10/ 182) [وأخرجه ابن عساكر (37/ 201) من غير طريق الإسماعيلي] رواه عن صدقة بن المنتصر عن شعبة عن معاوية، فأدخل شعبة بين صدقة ومعاوية. والله أعلم.
وقد ادعى ابن عساكر في ” تاريخه ” (1/ 307) أن شعبة تفرّد به بعد أن ساق له عدّة طرق، وهو مردود بكلام أبي نعيم المتقدم. وعلى كل حال؛ فالحديث صحيح لا غبار عليه، ولشطره الأول شاهد من حديث ابن عمرو عند ابن عساكر (1/ 308) وغيره، ولكنه حديث منكر، خرجه الشيخ الألباني في ” الضعيفة ” (6385). وشطره الثاني له شواهد كثيرة، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” الاقتضاء ” (1/ 6 – السنة المحمدية) وغيره: إنه متواتر.
وحديث قرّة؛ صححه الترمذي، وابن حبان، والألباني – رحمهم الله -. والله أعلم.
كلام الشيخ علي الرملي على الحديث في شرحه على الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين:
[تبيه:] حاول البعض متعنّتاً أن يضعف هذا الحديث لهذا الأمر، وهو أن قرة بن إياس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله مرسلاً، وبماذا تعلق؟ تعلق بقول معاوية بن قرة – بقول ابنه -: “لا أدري أَسَمِعَ أبي من النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يسمع”، وتكلّفَ جداً حقيقةً …… والشك ليس بعلم فهو صحابي في سن التمييز. … أثبت الإمام البخاري رحمه الله صحبته، وأبو حاتم الرازي وابن السَّكَن وغيرهم من العلماء، والروايات بأسانيد صحيحة عنه تثبت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في سن التمييز. فالإسناد كما ترون صحيح لا غبار عليه، ومعاوية سمع من أبيه.
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث.
“فالطائفةُ الناجيةُ والمنصورةُ المذكورةُ في الحديثِ إنَّما هي طائفةٌ متمسِّكةٌ بالإسلام المصفَّى المحض ـ علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا ـ تقوم بما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه رضي الله عنهم، لا تَلْتَفِتُ إلى أقوالِ المُخالِفِين، ولا يَضُرُّها أراجيفُ المُناوِئين والخاذلين، ولا تأخذُها في اللهِ لومةُ لائمٍ، كما صحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ ـ وفي روايةِ مسلمٍ: مَنْ خَذَلَهُمْ ـ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» ([مُتَّفَقٌ عليه: مِنْ حديثِ مُعاويةَ بنِ أبي سفيان رضي الله عنهما])، وهي جماعةٌ واحدةٌ لا تَقْبَلُ التعدُّدَ والتشطيرَ ولا الانقسامَ والتجزئة، تمتدُّ مِنْ زَمَنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوَّلَ الأمَّةِ إلى قيامِ الساعةِ آخِرَ الأمَّة، والمقصودُ جنسُ الطائفةِ مِنْ أجيالٍ تنقرضُ ويَخْلُفُهم آخَرُون بنَفْسِ مُقوِّماتِ الطائفةِ المنصورةِ الثابتةِ بأصولها ومنهجِها ودعوتِها ورجالها، لا ينقطع وجودُها بل يَسْتَمِرُّ على مَرِّ العصور إلى قيامِ الساعة، تُعْلِي كلمةَ الحقِّ، وتُظْهِرُ التوحيدَ والشرع، ويكون الدِّينُ معها عزيزًا مَنيعًا قائمًا على تَقْوَى مِنَ الله ورضوانٍ”.
فقوله: ((إذا فسد)): “الفساد: معروف، وهو ضد الصلاح، والمراد بالفساد فساد الدين، بدليل آخر الحديث، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم فساد أهل الشام علامة على فساد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه بيّن أن هذا الفساد ليس عامّاً، بل ستبقى جماعة من أمته على الحق إلى قيام الساعة”.
قال الراغب في “مفردات ألفاظ القرآن”: الفساد لغة: خروج الشيء عن الاعتدال، قل ذلك الخروج أو كثر، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال: فسد فساداً وفسوداً”.
وفي بيان أن الصلاح ضد الفساد قال تعالى في سورة الأعراف (39/نزول): { .. وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}، والفساد اسم لجميع المعاصي، نقل ابن كثير ـ رحمه الله ـ في “تفسيره” عن أبي العالية قوله: “من عصى الله في الأرض فقد أفسد فيها؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة”.
وظهور الفساد وانتشاره لا يتم عبثاً، ولا اعتباطاً وإنما يتم بسبب إعراض الناس عن طاعة الله تعالى، وارتكابهم المعاصي؛ قال تعالى في سورة الروم (84/نزول): {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ .. (41)}.
ومن مظاهر الفساد انتشار الشرك والظلم، والقتل، وسفك الدماء، والأحقاد والعدوان، ونقص البركة في الزروع، والثمار، والمطاعم، والمشارب، وغير ذلك مما هو مفسدة وليس بمنفعة؛ قال تعالى في سورة البقرة: { .. وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}، فالله تعالى نفى محبته للفساد من الأصل.
وبناء عليه فمن واجب أهل الشام أن يكونوا على طاعة الله تعالى، وأن يبتعدوا عن الشرك والظلم، وأن لا يكونوا عصاة ضالين.
وقد أكرم الله تعالى بني إسرائيل وأمرهم الدخول إلى الأرض المقدسة، فلما أفسدوا فيها كما قال تعالى في سورة بني إسرائيل: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}. واللام في قوله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ}، و {لَتَعْلُنَّ} لام القسم، بمعنى أقسم أنكم لتعصن وأقسم أنكم لتستكبرن، وهي تشبه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته معلماً إياهم ومخبراً لهم: ((لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قيل يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟!)).
فلما فسد بنو إسرائيل في المرة الأولى سلط الله عليهم بختنصر، قال تعالى في السورة ـ وهي سورة الإسراء أيضاً ـ {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَاسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً}.
قال ابن كثير رحمه الله: “أي: سلطنا عليكم جنداً من خلقنا أولي بأس شديد أي: قوة وعدة وعدد وسلطنة شديدة، {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} أي: تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم أي: بينها، ووسطها، وانصرفوا ذاهبين وجائين، لا يخافون أحداً وكان وعداً مفعولاً”.
وهكذا فعل تيطس لما فسد بنو إسرائيل في المرة الثانية، قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}.
وبناء على ما تقدم فقد جمع الله تعالى في سورة بني إسرائيل، -وهي سورة الإسراء-، بين مسألتين هامتين:
الأولى: شرف الحادثة العظيمة وهي حادثة الإسراء بالنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما فيها من قصص، وعبر، وابتلاء، فهي مفخرة في حق أمته ـ، وبناء عليه كان لأهل الشام فضيلة عظيمة من أجل:
1 – بركة المكان، وهي الأرض المقدسة.
2 – بركة الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ على منهج النبوة.
3 – بركة الفائدة التي اجتمعت لأمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين أعطيت تاريخ من سبقها من الأمم ـ خاصة تاريخ بني إسرائيل ـ لاستخلاص العبر، وتجنب الويلات.
والثانية: بيان ما تناولته نهايات أمة بني إسرائيل من الفساد الذي منعها من مواصلة مهمتها في الأفضلية والخيرية ….. والأمر المشترك {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا}، وقوله في السورة: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}.
وبلاد الشام أرض مقدسة، وقد تضافرت الأدلة الواضحة، والبينات الناصعة، في كتاب الله العزيز، وفي أقوال النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحيحة، على أنها أرض البركة، وأرض المحشر والمنشر، ومن بركة هذه الأرض أن كثيراً من الأنبياء كانوا فيها، وفيها المسجد الأقصى، وهي مهاجر إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومسرى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحل معراجه إلى السماء.
. فابتدأ أبو بكر الخليفة الأول ـ رضي الله عنه ـ فتحها، وكانت عنايته بفتحها أكثر من عنايته بفتح العراق، وقد نقل ابن تيمية في “المجموع” (4/ 448) قولاً له: “لكفر من كفور الشام أحب إلي من فتح مدينة بالعراق”.
ومن ثم استكمل فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: “والنصوص التي في كتاب الله وسنة رسوله، وأصحابه في فضل الشام وأهل الغرب على نجد والعراق وسائر أهل المشرق، أكثر من أن تذكر هنا، بل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من النصوص الصحيحة في ذم المشرق وأخباره بأن الفتنة ورأس الكفر منه، ما ليس هذا موضعه، وإنما كان فضل المشرق عليهم بوجود أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ، وذاك كان أمراً عارضاً ولهذا لما ذهب علي ـ رضي الله عنه ـ ظهر منهم من الفتن والنفاق والردة والبدع ما يعلم به أن أولئك كانوا أرجح.
وقال: وكذلك أيضاً لا ريب أن في أعيانهم من العلماء والصالحين من هو أفضل من كثير من أهل الشام، كما كان علي وابن مسعود وعمار وحذيفة ونحوهم، أفضل من أكثر من بالشام من الصحابة، لكن مقابلة الجملة وترجيحها لا يمنع اختصاص الطائفة الأخرى بأمر راجح”. انتهى
وهذا الفهم السلفي للصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قائم ولله الحمد، بناء على ما كان من وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بملازمتها والهجرة إليها، فقد أخرج أبو داود، والحاكم، عن عبد الله بن عمرو، وأخرج أحمد، وابن عساكر عن عبد الله بن عمر قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم)).
قلت سيف بن دورة: كان الألباني يضعفه في ضعيف أبي داود ثم تراجع فصححه في الصحيحة 3202
فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم))، تذكير منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأهمية أن يكون أهل الشام على الصلاح “على الصراط المستقيم”
وسيأتي كلام شيخ الإسلام في مناقب أهل الشام –إن شاء الله تعالى-.
وخلاصة ما تقدم: فينبغي لأهل الشام أن يعودوا إلى طاعة ربهم ـ عز وجل ـ، ويعالجوا ما وقعوا فيه من الفساد، يعاونهم في ذلك إخوانهم من المؤمنين حتى يصير الخير في عامة المسلمين.
والمراد بـ ((الشام)) هنا مايسمّى اليوم بالأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، مع اختلاف يسير في حدود هذه الدول مع الدول المجاورة لها.
قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين)): والطائفة المنصورة:
1 – هم أهل الحديث كما نصّ على ذلك غير واحد من علماء السلف – رضي الله عنهم – منهم يزيد بن هارون، وعبد الله بن المبارك، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل. ذكرهم الخطيب البغدادي في ” شرف أصحاب الحديث ” [(ص10 و25و26و27، دار إحياء السنة النبوية)].
أما البخاري فقال مرّة: ” أهل العلم ” [انظر: ” صحيح البخاري ” (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (10) قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تزال طائفة .. ))، ص1259، دار السلام]،
ومرّة قال:” أهل الحديث ” [انظر ” شرف أصحاب الحديث ” (ص27، دار إحياء السنة) للخطيب البغدادي] ولاتعارض بين قوليه؛ فأهل العلم في زمنه هم أهل الحديث كما أشار إلى ذلك في كتابه ” خلق أفعال العباد” (ص60 – 61، المعارف).
والمراد بأهل الحديث: علماء السلف المختصون بالحديث تعلُّماً وتعليماً، الذين كانوا على منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يغيّروا ولم يبدّلوا. وقد ذكر جماعةً منهم الإمامُ البخاريُّ في ” خلق أفعال العباد ” (ص61، المعارف).
ويدخل في ذلك كل من كان على منهجهم وعقيدتهم. وظهورهم يكون بالحجة والبرهان، وقمع شبهات أهل الكفر والنفاق والبدع، يدل على ذلك وصفهم بالعلم، وبأهل الحديث. وهو أحد الجهادين اللذين شرعهما الله – تبارك وتعالى -.
ولا يصح أن يفهم هذا الحديث على معنى الظهور بالسيف؛ فإن ظهورهم على الناس بالسيف يقتضي إصلاح الناس، وقمع الفساد، وإشارة الحديث تدل على أنهم غير قادرين على ذلك في بداية الأمر، وتفسير العلماء لمعنى هذه الطائفة لا يساعد على هذا المعنى، علماً أنه لا يمنع ذلك ظهورهم بالسيف في بعض الأحيان؛ إذا توفّرت أسبابه ودواعيه والقدرة عليه. ولكن الأصل الدائم هو ظهورهم بالحجة والبيان، كما هو الحال في هذا الزمان.
وفي رواية عند مسلم في ” صحيحه ” برقم: (1925)، عن سعد بن أبي وقاص: ((لا يزال أهل الغرب)).
والراجح من كلام أهل العلم أن المراد بأهل الغرب هم أهل الشام، والذي جعلنا نرجِّح هذا القول دون غيره؛ أنه قول معاذ بن جبل الصحابي الجليل، والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة إذا كان الصحابي راوي الحديث، وهو قول الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله.
والمراد من ذلك – والله أعلم -: أن الطائفة المنصورة عند فساد الناس لا ينقطع وجودها وظهورها في بلاد الشام، ولا يعني ذلك أنهم لا يوجدون في بلاد أخرى. [شرح الجامع الصحيح المسند]
قوله: ((حتى تقوم الساعة)):
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ((حتى تقوم الساعة)): والمراد بقيام الساعة قرب قيامها، وإنما أولناه بذلك لأجل أن يصح الجمع بينه وبين حديث: ((أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء)) [أخرجه أحمد وغيره]
وأهل السنة والجماعة هم خيار الخلق بعد الأنبياء، فلا يمكن أن تدركهم الساعة.
فنسأل الله أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين. انتهى المراد. [مذكرة على العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى]
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث، والروايات المتعلقة بالفرقة الناجية:
1 – “بيان فضيلة أهل الشام، فهم ـ كما في نص هذا الحديث ـ المعيار الذي عليه يتم قياس حال الأمة من خير أو شر. ونبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث أخرى صحيحة إلى فضيلة أهل الشام حين يكونوا على منهج النبوة. فهم حزب الله من عباده، وأن الله تعالى قد تكفل بهم. وهم خيار أهل الأرض على اعتبار أنهم ألزم أهل الأرض مهاجر إبراهيم “الأرض المقدسة”. وهم الطائفة المنصورة على نحو ما سيأتي بيانه.”.
2 – أن الفساد سينتشر حتى يصل في أخره إلى أهل الشام.
3 – لا تزال طائقة من هذه الأمة باقية على الحق حتى قيام الساعة.
4 – على العبد أن يسعى أن يتخلق بأخلاق هذه الطائقة المنصورة؛ وذلك بتعلم العلم المبني على النصوص الشرعية، بفهم بسلف الصالح، والحذر من البدع والمبتدعة.
5 – أن الطائفة المنصورة لا تظهر بسلطان السيف فقط -كما يدعيه الخوارج-، وإنما ظهورهم تكون أيضًا بالحجة والبيان، كما هو الحال في هذا الزمان، علماً أنه لا يمنع ذلك ظهورهم بالسيف في بعض الأحيان؛ إذا توفّرت أسبابه ودواعيه والقدرة عليه.
وإشارة الحديث تدل على أنهم غير قادرين على ذلك في بداية الأمر.
6 – أن سبب ضلال الخوارج حصرهم لمعنى الجهاد بالسيف والسنان، دون الحجة والبيان!
وسيأتي بيان أوجه الخطأ لهذا الفهم إن شاء الله تعالى
7 – “التحذير من الفساد، وأنه إذا وقع في أهل الشام خاصة فلا خير في أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم “.
- قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في “مجموع الفتاوى” (4/ 449): “والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة، وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام، فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان منها: العلم والإيمان والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق، وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصوراً مؤيداً في كل وقت”.أ. هـ
وقال ـ رحمه الله ـ في “المجموع” (20/ 319): ثم إن بغداد إنما صار فيها من العلم والإيمان ما صار، وترجحت على غيرها بعد موت مالك وأمثاله من علماء أهل الحجاز؛ وسكنها من أفشى السنة بها وأظهر حقائق الإسلام، مثل أحمد بن حنبل، وأبي عبيد، وأمثالهما من فقهاء الحديث، ومن ذلك الزمان ظهرت بها السنة في الأصول والفروع، وكثر ذلك فيها وانتشر منها إلى الأمصار، وانتشر أيضاً من ذلك الوقت في المشرق والمغرب .. ” الى آخر ما قاله ـ رحمه الله ـ. فالشاهد في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)). بيان أن هذه الطائفة بإذن الله ـ تعالى ـ منصورة، وتأكيداً على أنهم بالشام ما ذكرناه مسبقاً مما ورد من فضل لأهلها إذ كانوا على منهج الحق، فقد جاء في الصحيحين، ومسند أحمد فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانئٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ))، فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ ـ وَرَفَعَ صَوْتَهُ ـ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: “وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ”.
وفي رواية أخرجها الإمام أحمد: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ حَدَّثَنِي الأنْصَارِيُّ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ ـ يَعْنِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَم ـَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ وَإِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا هُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ)). وأخرج مسلم في “صحيحه” عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((لا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)). قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: “فأخبر أن أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة، ويغلبون أخرى، وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً. وكان أهل المدينة يسمون الأوزاعي: إمام أهل المغرب. ويسمون الثوري شرقياً ومن أهل الشرق. وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ـ عليه السلام ـ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الأمَّةَ)). الحديث أخرجه مسلم، وأحمد، والحارث بن أبي أسامه، وهو في الصحيحة (1960)، و (2236). وفي رواية صحيحة أن أميرهم: المهدي. ومن المعلوم أن عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، ونقل ابن رجب الحنبلي في “فضائل الشام” قول مطرِّف: فنظرت في هذه العصابة فوجدتهم أهل الشام.
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ)). الحديث أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم، والطبراني في الكبير، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقاه الذهبي والألباني (الصحيحة:1959) ومن المعلوم أن عيسى ابن مريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدرك المسيح الدجال بباب لد بفلسطين فيقتله”.
وسيأتي ذكر الخلاف في ذكر من هم الطائفة المنصورة غير ما سبق الإشارة إليه في فقه الحديث.
قال الشيخ علي الرملي:
9 – وفي الحديث إشارة إلى أنه سيبقى في الناس من يخالفهم ويحاربهم، ومن يخذلهم ولا ينصرهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بشرهم بأنهم دائماً منصورون معانون من الله تبارك وتعالى.
10 – وفي الحديث دلائل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدث بهذا الحديث كان أهل الشام كفاراً، والكفر أكبر أنواع الفساد، ففي هذا الحديث إشارة إلى أنهم سيدخلون في دين الله ويَصلُحون بعد فسادهم، وقد حصل ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفسد بعد صلاحها، وسيكون آخر الناس فساداً أهل الشام، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم تمام الوقوع.
الدليل الثالث: إخباره صلى الله عليه وسلم أن دين الله الذي أتى به سيبقى قائما ً بقيام الطائفة المنصورة به، وبالحفاظ عليه، والذب عنه، وتنقيته من شوائب الشرك والبدع.
وهذا هو الواقع؛ ففي وقت صلاح الناس، كان الدين قوياًّ منيعاً عند أكثرهم، وبعد فسادهم وكثرة أهل الشقاق والبدع بينهم، بقي فيهم طائفة تدافع وتذب عنه، وتصفي الشوائب التي تعلق به.
ولا أعلم طائفة اليوم تقوم بواجب تصفية الدين من الشرك والبدع والخرافات وآراء الرجال البعيدة عن الكتاب والسنة، ونصح المسلمين بالتمسك بهما، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان؛ والبعد عن الحزبية وتفريق الأمة؛ كالعلماء وطلبة العلم الذين هم على منهج أهل الحديث وعقيدتهم وعلى منهج سلف هذه الأمة وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ مثل:
الشيخ عبد العزيز بن باز،
والشيخ محمد ناصر الدين الألباني،
والشيخ محمد بن صالح العثيمين،
والشيخ مقبل بن هادي الوادعي،
وغيرهم من علماء المسلمين الذين على منهج أهل الحديث الذي كان عليه الإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ..
فلو أنهم سكتوا وسكت غيرهم لضاعت أصول دين الإسلام وأحكامه بين هوى فلان وخطأ الآخر، فجزى الله خيراً علماءنا الأفاضل على ما أدوا من واجب النصح لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ومراد شيخنا -الوادعي- من ذكر هذا الحديث في هذا الباب؛ بيان فضيلة أهل العلم من أهل السنة والجماعة على غيرهم من الناس؛ إذ إنهم أصل الطائفة المنصورة التي بشّر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأي فضل خير من التمسك بالدين والحفاظ عليه، وهو عمل الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم. كما نبه على ذلك في آخر كلامه – رحمه الله. [شرح الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين].
وقد سبق في الأحاديث السابقة ذكر شيء من علامات النبوة وكان منها أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات الي ستحصل في المستقبل.
11 – ” قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تزال طائفة من أمتي)). فيه دليل على أنّها فئة من الأمّة وليست كل الأمّة، وفيه إيماءة إلى أن هناك فئات أخرى، وطوائف أخرى.
12 – قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يضرهم من خالفهم)). يدلّ على أن هناك فرقاً أخرى تخالف الطائفة المنصورة فيما هم عليه من أمر الدين، وهذا كذلك يوافق مدلول حديث الافتراق حيث إن الفرق الثنتين والسبعين تخالف الفرقة الناجية فيما هم عليه من الحق.
13 – فيه بشرى لأهل الحق، فحديث الطائفة المنصورة يبشّرهم بالظفر والنصر والظهور في الدنيا.
14 – والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي أمر الله أي الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا ينافي هذا حديث: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة))؛ لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة وعند تظاهر أشراطها”.
الوجه الرابع: المسائل المتعلقة بالحديث، وفيه:
وسيكون الحديث في سبعة أمور كالتالي:
1 – النصوص الواردة في فضل الشام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (مناقب الشام وأهله): “ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء”.
أ – الآيات الواردة في فضل الشام وأهله:
وهذه المناقب أمور: أحدها البركة فيه، ثبت ذلك بخمس آيات من كتاب الله تعالى:
سيأتي ذكر الآيات في كلام ابن تيمية إن شاء الله
ب – الأحاديث في فضل أهل الشام:
1 – الصحيحة في فضل أهل الشام
الأحاديث التي صححا الألباني رحمه الله تعالى في كتاب: (تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي). والتي في بدايتها (ولفظ) لم يذكرها الشيخ رحمه الله تعالى في الكتاب، وهي باللون الأحمر.
[1]- عن زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه سلم: ((يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام))، قالوا: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟ قال: ((تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام)).
[2]- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم: ((ستنجدون أجنادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ، وجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا باليَمَنِ))، قال عبد الله: فقمت، قلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: ((وعليكم بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِه، فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ تكفَّل لِي بالشام وأهله)). قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث، يقول: وَمَنْ تكفَّل اللَّهُ بِهِ فَلا ضيعة عليه.
[3]- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ((إني رأيت عمودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فنظرتُ فَإِذَا هُوَ نورٌ ساطعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا إِنَّ الإِيمَانَ -إِذَا وَقَعَتِ الفتن- بالشام)).
ولفظ: عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا أنا نائم إذ رأيتُ عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننتُ أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام)) [أخرجه أحمد (21733)، وصحّحه الأرناؤوط].
[4]- عن أبي ذر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ((الشام أرض المحشر والمنشر)).
[5]- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ, عَنْ أبيه -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ((إِذَا فسدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فِيكُمْ، لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي منصورين، لا يضرُّهم مَنْ خَذَلَهم حَتَّى تقومَ الساعةُ)).صحح هذا اللفظ ولم يذكره المؤلف (الربعي).
[6]- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- الفجر، ثم أقبل على القوم، فقال: ((اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنَا، اللهم بارك لنا في حَرَمِنَا، وبارك لنا في شَامِنَا)). فقال رجل: وفي العراق؟ فسكت, ثم أعاد, قال الرجل: وفي عراقنا, فسكت، ثم قال: ((اللهم بارك لنا في مدينتا، وبارك لنا في مُدِّنَا وصاعِنَا، اللهم بارك لنا في شامِنَا، اللهم اجعل مع البركة بركةً، والذي نفسي بيده، ما من المدينة شِعْبٌ ولا نَقْبٌ، إلا وعليه ملكان يحرسانها تقدموا عليها … )). الحديث.
ولفظ البخاري: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا))، قالوا: “يا رسول الله، وفي نجدنا؟ ” فأظنه قال في الثالثة: ((هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)) [أخرجه البخاري (1037)].
[7]- عن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ لنا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا: ((إني رأيتُ الملائكة في المنامِ أخذوا عمود الكتاب، فعمدوا به إلى الشام، فإذا وقعت الفتنُ فإن الإيمان بالشام)).
[8]- عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم: ((سَتَخْرُجُ نَارٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ من حَضْرَمَوْت تحشرُ الناس))، قلنا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((عليكم بالشام)).
[9]- عن بهز بن حيكم بن معاوية القشيري, عن أبيه, عن جده قَالَ: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أين تأمرني؟ فقال: ((ها هنا))، وأومأ بيده نحو الشامِ، قال: ((إنكم محشورون رجالًا وركبانًا، ومُجْرَون على وجوهِكم)).
[10]- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم قال: ((فُسطاطُ المسلمين يوم الملحمةِ بـ”الغوطة”، إلى جانب مدينةٍ يُقال لها: “دمشق”؛ من خيرِ مدائنِ الشامِ)). وفي رواية ثانية قال: سمعت النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((يومُ الملحمةِ الكبرى؛ فُسطاطُ المسلمين بأرضٍ يقالُ لها:”الغوطة”، فيها مدينةٌ يقالُ لها “دمشق”؛ خير منازِل المسلمين يومئذٍ)).
[11]- عن عوف بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: “أتيتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, وهو في بناءٍ له، فسلَّمتُ عليه, فقال: ((عوف؟)) قلت: نعم يا رسول الله! قال: ((ادخل))، فقلت: كلِّي أم بعضي، قال: ((بل كلك))، قال: فقال لي: ((اعدد عوف! ستًّا بين يدي الساعة؛ أولهن: موتي)). قال: فاستبكيت حتى جعلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يسكتني. قال: ((قل: إحدى، والثانية: فتح بيت المقدس، قل: اثنين، والثالثة: فتنة تكون في أمتي، وعظَّمَّها. والرابعة: موتان يقعُ في أمتي يأخذهم كقُعاص الغنم، والخامسة: يفيضُ المالُ فيكم فيضًا، حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيظلُّ يسخَطُها، قل: خمسًا، والسادسة: هدنةٌ تكون بينكم وبين بني الأصفر، يسيرون إليكم على ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفًا، فسطاطُ المسلمين يومئذٍ في أرض يقال لها:”الغوطة”، فيها مدينة، ويقال لها: “دمشق”)).
[12]- عن أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه- أنه سمع رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يقول: ((ينزل عيسى ابن مريم -عليهما السلامُ- عند المنارةِ البيضاء شرقي دمشق)).
[13]- عن النواس بن السمعان الكلابيّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- يقول: ((ينزلُ عيسى بنُ مريم -عليه السلام- عندَ المنارةِ البيضاء شرقيّ دمشق)). أخرجه مسلم.
[14]- عن أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه, أنه سمع رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يقول: ((ينزلُ عيسى بنُ مريم -عليه السلامُ- عندَ المنارةِ البيضاء شرقيِّ دمشقَ، عليه ممصَّرتان1، كأنَّ رأسَه يقطُر منه الجُمان2)).
1 الممصَّرة من الثياب: التي فيها صُفرة خفيفة.
2 الجمان: صغار اللؤلؤ، وقيل: حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. “نهاية”.
[15]- حدث أبو هريرة -رضي الله عنه، أنه سمع رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يقول: ((إذا وقعت الملاحِمُ بعث الله من دمشقَ بعثًا من الموالي، أكرمَ العرب فرسًا، وأجودهم سلاحًا، يؤيدُ الله بهم الدين)). قال الألباني: حسن.
إلى هنا انتهت الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني في كتاب: (تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي).
[16]- عن ابن حَوالة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ابن حوالة، إذا رأيتَ الخلافة قد نزلت أرض المقدَّسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذٍ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك)) [أخرجه أحمد (22487)، وأبو داود (2535)، وصحّحه الألباني في صحيح أبي داود (2286)].
[17]- عن النواس بن السمعان الكلابيّ رضي اللَّه عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، فقال: ((إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولستُ فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنته))، قلنا: “وما لبثه في الأرض؟ ” قال: ((أربعون يوماً: يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم))، فقلنا: “يا رسول الله، هذا اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ ” قال: ((لا، اقدروا له قدره، ثم ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيُدرِكه عند باب لد، فيقتله)). [أخرجه مسلم (2937)].
[18]- عن معاوية رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أُمّتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» [أخرجه البخاري (3641)، ومسلم (1037)، وزاد البخاري في روايته وأحمد (16932): فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: “سمعتُ معاذ بن جبل يقول: وهم بالشام”].
[19]- عن سلمة بن نفيل رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين على الناس يرفع الله قلوب أقوام يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» [أخرجه أحمد (16965)، وحسّنه الألباني في السسلة الصحيحة (1961)].
2 – الأحاديث الضعيفة في فضل الشام وأهله: راجع لها تخريج الألباني
2 – فضائل ومناقب الشام.
كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (مناقب الشام وأهله):
فصل
ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء وهى أحد ما اعتمدته فى تحضيضي المسلمين على غزو التتار وأمرى لهم بلزوم دمشق ونهيى لهم عن الفرار إلى مصر وإستدعائى العسكر المصرى إلى الشام وتثبيت الشامى فيه، وقد جرت فى ذلك فصول متعددة وهذه المناقب أمور:
أحدها: البركة فيه: ثبت ذلك بخمس آيات من كتاب الله تعالى:
– 1قوله تعالى في قصة موسى: {قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَاتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وَقَالُوا مَهْمَا تَاتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ. وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ. فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ. وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 129ـ 137]. ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.
– 2وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ … } [الإسراء: 1]. وحوله أرض الشام.
– 3وقوله تعالى في قصة إبراهيم: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ. وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 70 – 71]. ومعلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والفرات.
– 4وقوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا … } [الأنبياء: 81]. وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
– 5 وقوله تعالى في قصة سبأ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبأ: 18]. وهما كانا بين اليمن مساكن سبأ وبين منتهى الشام من العمارة القديمة كما قد ذكره العلماء.
فهذه خمس نصوص حيث ذكر الله أرض الشام في هجرة إبراهيم إليها ومسرى الرسول إليها وانتقال بني إسرائيل إليها ومملكة سليمان بها ومسير سبأ إليها: وصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها.
وأيضاً ففيها الطور الذي كلم الله عليه موسى. والذي أقسم الله به في (سورة الطور) وفي: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 1 – 2]. وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها مسرى نبينا ومنها معراجه، وبها ملكه وعمود دينه وكتابه وطائفة منصورة من أمته؛ وإليها المحشر والمعاد كما أن من مكة المبدأ. فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: { … لِأَوَّلِ الْحَشْرِ … } [الحشر: 2]. نبه على الحشر الثاني؛ فمكة مبدأ وإيليا معاد في الخلق، وكذلك في الأمر فإنه أسري بالرسول من مكة إلى إيليا. ومبعثه ومخرج دينه من مكة وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى مملكة المهدي بالشام، فمكة هي الأول والشام هي الآخر: في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية.
ومن ذلك أن بها طائفة منصورة إلى قيام الساعة وهي التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة» وفيهما عن معاذ بن جبل قال: “وهم في الشام”. وفي تاريخ البخاري مرفوعاً قال: “وهم بدمشق”. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة»، قال أحمد بن حنبل: “أهل المغرب هم أهل الشام”، وهم كما قال لوجهين: أحدهما: “أن في سائر الحديث بيان أنهم أهل الشام”.
الثاني: “أن لغة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مدينته في أهل المغرب”. هم أهل الشام ومن يغرب عنهم. كما أن لغتهم في أهل المشرق هم أهل نجد والعراق، فإن التغريب والتشريق من الأمور النسبية، فكل بلد له غرب قد يكون شرقاً لغيره وله شرق قد يكون غرباً لغيره، فالاعتبار في كلام النبي صلى الله عليه وسلم بما كان غرباً وشرقاً له حيث تكلم بهذا الحديث وهي المدينة، ومن علم حساب الأرض كطولها وعرضها علم أن (حران، والرقة، وسيمسياط) على سمت مكة، وأن الفرات وما على جانبيها بل أكثره على سمت المدينة بينهما في الطول درجتان. فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة، وما كان شرقيها فهو شرقي المدينة، فأخبر أن أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة ويغلبون أخرى، وهكذا هو الواقع؛ فإن جيش الشام ما زال منصوراً وكان أهل المدينة يسمون (الأوزاعي) إمام أهل المغرب، ويسمون (الثوري) شرقياً ومن أهل المشرق. ومن ذلك أنها خيرة الله من الأرض أو أن أهلها خيرة الله وخيار أهل الأرض، واستدل (أبو داود) في سننه على ذلك بحديثين: حديث عبد الله بن خوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستجندون أجناداً: جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق»، فقال الخوالي: “يا رسول الله: اختر لي”. قال صلى الله عليه وسلم: «عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده. فمن أبى فليلحق بيمنه وليتق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله». وكان الخوالي يقول: “ومن تكفل الله به فلا ضعية عليه”. ففي هذا الحديث مناقب: أنها خيرة. وحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم تقذرهم نفس الرحمن، تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم حيثما باتوا وتقيل معهم حيثما قالوا».
فقد أخبر أن خير أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم؛ بخلاف من يأتي إليه أو يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام. وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حران وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم ودين نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً، وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل لنا مهاجر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة. ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في حديث الترمذي، ومن ذلك أن الله قد تكفل بالشام وأهله، كما في حديث الخوالي، ومن ذلك: «أن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام» كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر. ومن ذلك أن عمود الكتاب والإسلام بالشام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت كأن عمود الكتاب أخذ من تحت رأسي فأتبعته بصري فذهب به إلى الشام». ومن ذلك أنها عقر دار المؤمنين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وعقر دار المؤمنين الشام». ومن ذلك أن منافقيها لا يغلبوا أمر مؤمنيها، كما رواه أحمد في المسند في حديث. وبهذا استدللت لقوم من قضاة القضاة وغيرهم في فتن قام فيها علينا قوم من أهل الفجور والبدع الموصوفين بخصال المنافقين لما خوفونا منهم، فأخبرتهم بهذا الحديث، وأن منافقينا لا يغلبوا مؤمنينا، وقد ظهر مصداق هذه النصوص النبوية على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار، وأظهر الله للمسلمين صدق ما وعدناهم به وبركة ما أمرناهم به، وكان ذلك فتحاً عظيماً ما رأى المسلمون مثله منذ خرجت مملكة التتار، التي أذلت أهل الإسلام؛ فإنهم لم يهزموا ويغلبوا كما غلبوا على (باب دمشق) في الغزوة الكبرى، التي أنعم الله علينا فيها من النعم بما لا نحصيه؛ خصوصاً وعموماً.
والحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. المصدر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [27/ 505 – 511].
3 – البركة في أهل الشام يظهر في عدة أوحه:
“أولاً: البركة في أهلها من الأنبياء والرسل:
ولقد أتم الله هذه البركة بالإسراء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصلاته إماماً بالأنبياء والمرسلين.
ثانياً: البركة في أهلها من المؤمنين على منهج النبوة: وسبق ذكر صفاتهم وثباتهم خاصة ضد التتار
المسائل المتعلقة بالفرقة الناجية غير ما مر معنا في الأحاديث السابقة
4 – “صفات الطائفة المنصورة:
يؤخذ من مجموع الأحاديث المتقدمة والروايات الأخرى الصفات التالية للطائفة المنصورة:
1 – أنها على حق:
فجاء الحديث بأنهم (على حق)، وأنهم (على أمر الله)، وأنهم (على هذا الأمر)، وأنهم (على الدين).
وهذه الألفاظ تجتمع في الدلالة على استقامتهم على الدين الصحيح الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.
2 – أنها قائمة بأمر الله:
وقيامهم بأمر الله يعني:
أ ــ أنهم تميزوا عن سائر الناس بحمل راية الدعوة إلى الله.
ب ــ وأنهم قائمون بمهمة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
3 – أنها ظاهرة إلى قيام الساعة:
وقد وصفت الأحاديث هذه الطائفة بكونهم: (لا يزالون ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)، وبكونهم (ظاهرين على الحق) أو (على الحق ظاهرين) أو (ظاهرين إلى يوم القيامة) أو (ظاهرين على من ناوأهم).
وهذا الظهور يشمل:
ـ: الوضوح والبيان وعدم الاستتار فهم معرفون بارزون مستعلون.
ـ: ثباتهم على ما هم عليه من الحق والدين والاستقامة والقيام بأمر الله.
4 – أنها صابرة مصابرة:
عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر) “.
5 – الفرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية (فتاوى ابن باز رحمه الله تعالى)
السؤال: يسأل أخونا عن الفرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وما صفات كل منهما؟
الجواب: الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة، وصفاتها اتباع السلف والسير على منهج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وأتباعهم بإحسان، وهم المذكورون في قوله جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ … } [التوبة:100] الآية.
6 – الرد على أهل البدع (الخوارج) في فهم حديث الطائفة المنصورة
في رواية «يقاتلون من خالفهم»؟ قالوا أن هذه الطائفة ظاهرة في كل وقت وفي كل حين بقتال الكفار، هذا فهم خطأ، الذي يدلكم على خطئه ثلاثة أمور:
الأمر الأول: هذا الحديث من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- خبر، فيلزم على فهمهم أن تكون في كل وقت، وفي كل عصر طائفة ظاهرة بالقتال على الكفار، هل هذا موجود على مر الزمان؟ الجواب: لا؛ إذًا يلزم من فهمهم تخلف صدق كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
النقطة الثانية: هذا الفهم الذي فهموه اجتزءُوا فيه على بعض النصوص دون بعض، لو تتبعوا بقية النصوص الواردة في الجهاد لفهموا أن ذكر القتال في هذا الحديث أنهم يقاتلون الكفار هو من باب ذكر الأغلب في فهم هذا الحديث بالنسبة للسامعين في زمنه -صلى الله عليه وسلم- وإلا فإن المعنى يكون لا يزالون ظاهرين في حال قوتهم بالسيف والسنان، وفي حال ضعفهم بالحجة والبرهان، وهذا كلام أهل السنة، و علماء الإسلام إنما فسروا الطائفة الظاهرة المنصورة بأهل الحديث،. [الشيخ: محمد بن عمر بازمول، موقع ميراث الأنبياء، التصنيف: شبهات والرد عليها].
7 – بعض خصائص الفرقة الناجية؛ الطائفة المنصورة للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[نبذة مختصرة: بيان لبعض خصائص الفرقة الناجية الطائفة المنصورة، وقد أرجع الشيخ هذه الخصائص إلى أقسام ثلاث، منها ما هو متصل بمنهج التلقي، ومنها ما يتصل بقواعد العقيدة، ومنها ما يتعلق بمنهج التعامل مع أصناف الخلق، ومسائل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] ..
أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية، وهذه أسماء متقاربة متحدة الدلالة، وفي المعنى بعضها يدل على الآخر كما ذكرت لك.
إذا نظرت إلى هذه السِّمات والخصائص التي ستأتي فإنك ستجد أنها منقسمة إلى عدة أقسام:
منها ما هو متصل بالأصل الأصيل الذي هو منهج التلقي ومعرفة الأدلة التي يُستدل بها …… فيما يرومه من مسائل.
والقسم الثاني: فيما يتصل بقواعدهم في العقيدة التي بها تميزوا عن فرقة الضلال من الخوارج والمرجئة والمعتزلة وأشباه هذه الفرق التي خالفت طريقة الصحابة رضوان الله عليهم.
والقسم الثالث: ما يتعلق بمنهج التعامل مع أصناف الخلق، ومسائل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعامل مع -كما ذكرت- أصناف المسلمين من طائعين ومبتدعة وعصاة إلى غير ذلك.
أما:
القسم الأول
فإن أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة على الحق ساروا على وفق ما أمر الله جل وعلا في معرفة ما يستدل به؛ فالخوارج مثلا أخذوا ببعض أدلة القرآن دون بعض، وأخذوا ببعض السنة دون بعض، والمرجئة أخذوا ببعض دون بعض، وهكذا أهل الاعتزال أخذوا ببعض دون بعض، وهكذا، أيضا سلطوا العقل على الأدلة؛ فجعلوا الدليل تابعا للعقل،
لهذا كان مصدر التلقي في معرفته في المسائل كلها؛ في مسائل الغيب والإيمان والقضاء والقدر، بل في التوحيد والربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وما سيأتي من مباحث، لا بد من معرفة كيف تستدل؟ وبما تستدل؟
فأدلة أهل السنة والجماعة على مسائلهم في الأمور التي تميزوا بها عن غيرهم واتفقوا عليها: هي الكتاب والسنة والإجماع. وأما العقل فيجعلون العقل تابعا للنقل،
القسم الثاني
القواعد التي رعاها أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الفرقة الناجية التي رعوها حتى فارقوا أهل الضلال بتمسكهم بالكتاب والسنة؛ القواعد في عقيدتهم وفي سلوكهم:
أولا: قالوا إنّ التوحيد الذي أمر الله جل وعلا به في كتابه هو أن يؤمن به جل وعلا دون ما سواه يكون في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته.
فقرّر أهل السنة والجماعة أنّ التوحيد الذي ينجي العبد في العبادة إنما هو أن يوقن بأنّ الله هو المستحق للعبادة وحده. مفارقة لطريقة الأشاعرة مثلا والمعتزلة والمتكلمين الذين قالوا إنّ التوحيد المطلوب من العبادة الذي ينجيهم هو توحيد الربوبية، فالأشاعرة ومن نحى نحوهم لما فسروا الإله بأنه القادر على الاختراع، وفسروا الإله تارة بأنه المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه، كما قال صاحب السَّنوسية من كتبهم يقول –يسمونها أم البراهين- يعني التي فيها البراهين الكافية وهي ليست كذلك، قال: فمعنى لا إله إلا الله لا مستغنى عما سواه ولا مفتقر عليه كل ما عداه إلا الله. إذ الإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه، هذا كل أحد يؤمن بأن الرب بأن الله جل وعلا مستغن عن الخلق وأن الخلق مفتقرون عليه، هذا يؤمن به أبو جهل
و السلف والصحابة فمن بعدهم إلى زماننا هذا ممن لزم هذا المنهج يعلمون أنّ الابتلاء وقع في الألوهية وممن أبرز هذا أيّما إبراز وركز عليه الحافظ الإمام ابن جرير الطبري في التفسير؛ فركّز عليه، وهناك من قبله من أئمة السنة، لكن هو كرر هذا المعنى في تفسيره في ذكر توحيد الربوبية نصا، وتوحيد الألوهية نصا.
أما توحيد الأسماء والصفات فمعناه الإيمان بأن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلى وأنه لا مثيل له في أسمائه ولا في ما اتصف به من الصفات على ما قال جل وعلا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، والذين خالفوا طريقة أهل السنة قالوا إن الصفات لا يثبت منها كل ما جاء في القرآن والسنة، وإنما تقسم الصفات إلى صفات دل عليها العقل، وصفات لم يدل عليها العقل بل دل العقل على أنه لا يوصف جل وعلا بها، وهذا تفريق بين كلام الله جل وعلا، والأخذ ببعض وردّ بعض؛ لأن الله جل وعلا لما وصف نفسه في كتابه وسمى نفسه جعل المجال مجالا واحدا، وجعل الطريق طريقا واحدا، لم يفرّق بين صفة وصفة؛ لأنها كلها أمور غيبية
القاعدة الثانية: أنهم يؤمنون بأن الله جل وعلا جعل لكل شيء قدَرا كما أنه جعل لكل شيء قدْرا فما خلق الله من شيء إلا بقدَر سبحانه وتعالى قال جل وعلا {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2] وقال سبحانه في سورة القمر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وقال سبحانه {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:38] فإذن الإيمان بالقدر هذا من سِمَة أهل السنة والجماعة، () من الإيمان بالقدر؛ مما تميزوا به أنهم يعلمون أن الله جل وعلا جعل لكل شيء سببا، فأناط المسببات والنتائج بالأسباب وبالمقدمات، فيقول أهل السنة والجماعة إن الله جل وعلا جعل السبب ينتج المسبب، ومن فعل سببا فقد أتى بالواجب عليه، فإنه من الواجب على العبد أنْ يأتي بالأسباب التي توصل إلى المقصود، فأعظم الأسباب التي توصل إلى المقصود الإيمان بالله جل وعلا حتى ينجو العبد، أعظم الأسباب التي توصل إلى المقصود طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، الإيمان بالقرآن وهكذا، فهذه من الأسباب العظيمة حتى لا يتمنى أحد على الله الأماني، كذلك في الأمور الكونية جعل الله جل وعلا الماء منبتا للزرع، قال جل وعلا {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9] وكله بأمر الله لو أراد الله جل وعلا أن يبطل فعل النار أن تؤثر بالإحراق لأبطل –لاحظ- لأبطل السبب، كما أبطلها حين قُذف إبراهيم عليه السلام في النار {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] هذا قول أهل السنة.
أما أهل البدع، والجبرية فإنهم ماذا يقولون؟ يقولون: لما شربتَ الماء أحدث الله لك الشعور بالارتواء
من منهج أهل السنة والجماعة في باب القدر أيضا أنهم قالوا إنّ الإنسان جعله الله جل وعلا مخيّرا يختار طريق الحق ويختار طريق الضلال، كما قال سبحانه {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] يعني طريق الخير وطريق الشر، يختار،
من القواعد أيضا في هذا الباب أنّ أمور الغيب بعامة بابها واحد كما ذكرنا، وأنه لا يُتَعَرَّضُ فيها بالتأويل أنْ يُصرف اللفظ الذي في القرآن والسنة مما يتعلق بالغيب إلى معنى آخر لا يدل عليه الظاهر لأجل العقل، وهذا هو طريقة المتكلمين؛ من المعتزلة، الأشاعرة، الماتريدية، والكلابية، وفئات كثيرة، ويدخل فيهم الرافضة، والزيدية، الإباضية، والخوارج، كلهم ينحون منحى التأويل هذا، يقولون العقل دلَّنا على أنّ هذه لا نحملها على ظاهرها، تحملونها على أي شيء؟ نحملها على معنى ثان. يؤولونها بما يتفق مع العقل، هذا تأويل باطل.
القاعدة الرابعة في هذا الأمر المهم أنّ أهل السنة والجماعة تميزوا بأنهم في الإيمان يقولون: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد؛ قول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛
أما الخوارج والمعنزلة ومن خالف، فإنهم جعلوا الإيمان شيئا واحدا إما أن يأتي كله، وإما أن يزول كله.
القسم الثالث
من خصائص أهل السنة والجماعة ما يتعلق بالمنهج الذي سلكوه تجاه الصحابة رضوان الله عليهم أو في الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو نحو ولاة الأمر وما شابه هذه المسائل. فكانوا على الحق في حب الصحابة، وبقوا على المفهوم الصحيح للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وطاعة أولياء الأمور. وراجع لذلك كتب عقائد أهل السنة.
انتهى كلام الشيخ باختصار