1077 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1077):
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
——–
——–
الصحيح المسند 1077:
قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عن مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا – أَوْ قَالَ: إِنِّي أَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا -. فَقَالَ: ((وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا، رَحِمَكَ اللهُ)).
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح إلا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ وقد وثقه النسائي وابن معين، كما في “تهذيب التهذيب”.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي. سبق تحت رقم (1075).
ب – التخريج:
الوجه الثاني: فقه الحديث:
إن الله جل وعلا جعل هذا الدين شاملا لكل زمان ومكان، فلا يقبل الله دينا سواه، لذا كانت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات النبوية.
فقد جعل الله تعالى هذه الرسالة شاملة في أحكامها الثلاثة العقيدة والعملية والأخلاقية، وكمل الله هذا الدين وما طائر يطير بجناحيه إلا وقد ذكر الله لنا كيف نتعامل معه.
ومن رحمة الله تعالى أن بين لنا هذه الأحكام، وكيف يتعايش العبد وهو على هذه القيم الشاملة؟ فكان من رحمة الله أن بين لنا كيف يتعامل الإنسان مع من حوله، ومن ذلك التعامل مع الحيوانات في تربيتها وذبحها وتوزيع لحمها، وإذا ماتت دون الذبح.
وقد بين الشارع كيفية ذبحها وما يكون قبل الذبح وأثناء وبعد الذبح؟ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث: ما يستفاد من الحديث، والروايات الملحقة:
1 – عظم أجر من رحم الشاة.
2 – الحثُّ على الإحسان إلى الحيوان.
3 – الحثُّ على الإحسان إلى الناس؛ لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجراً.
4 – الجزاء من جنس العمل.
الوجه الرابع: المسائل المتعلقة بالحديث، وفيه:
وسيكون الحديث في أمور كالتالي:
1 – الذكاة وشروطها:
تعريف الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر أو ذبح أو جرح.
فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.
أنواعُ التَّذْكيةِ: (طريقتان)
أ – الذَّكاةُ الاختِياريَّةُ: يَحرُمُ أكْلُ حَيوانِ البَرِّ المَقدورِ عليه، قَبلَ ذَبحِه أو نَحْرِه.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب:
1 – قَولُه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلى قَولِه تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. وجهُ الدَّلالةِ: قَولُه تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} فاستثنى سُبحانَه وتعالى المُذَكَّى مِنَ المُحَرَّمِ، والاستِثناءُ مِن التَّحريمِ إباحةٌ.
2 – قَولُه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4].
3 – قَولُه تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف: 157]. وجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ تعالى أحَلَّ لنا الطَّيِّباتِ، والحُرمةُ في الحَيوانِ المأكولِ؛ لِمَكانِ الدَّمِ المَسفوحِ، وأنَّه لا يَزولُ إلَّا بالذَّبحِ والنَّحْرِ.
ثانيًا: مِنَ الإجْماعِ نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ عَبدِ البَرِّ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ القَطَّانِ، والنَّوويُّ، وابنُ حَجَرٍ العَسْقلانيُّ.
ثالثًا: أنَّ غيرَ المُذَكَّى يُسَمَّى مَيْتةً، والمَيتةُ مُحَرَّمةٌ بالإجماعِ.
ب – الذَّكاةُ الاضطِراريَّةُ:
يحِلُّ أكلُ الحَيوانِ المُذَكَّى ذَكاةً اضطِراريَّةً، وذلك بجَرْحِه في أيِّ مَوضِعٍ مِن بَدَنِه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وهو مَذهَبُ الظَّاهِريَّةِ، وبَعضِ المالِكيَّةِ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ.
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عَبَايةَ بنِ رِفاعةَ، عن جَدِّه رافِعِ بنِ خَديجٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كنَّا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذي الحُلَيفةِ مِن تِهامةَ، فأصَبْنا غَنَمًا وإبِلًا، فعَجِلَ القَومُ فأغْلَوا بها القُدورَ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَرَ بها، فأُكفِئَت ثمَّ عَدَل عَشرًا مِن الغَنَمِ بجَزورٍ، ثمَّ إنَّ بَعيرًا نَدَّ، وليس في القَومِ إلَّا خَيلٌ يَسيرةٌ، فرماه رجُلٌ، فحَبَسَه بسَهمٍ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ لهذه البَهائِمِ أوابِدَ، كأوابِدِ الوَحشِ، فما غَلَبَكم منها، فاصنَعوا به هكذا)).
قلت سيف بن دورة: أخرجه البخاري ومسلم
ثانيًا: من الآثار
قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: (ما أعجَزَك مِنَ البهائِمِ مِمَّا في يَدَيك، فهو كالصَّيدِ، وفي بَعيرٍ ترَدَّى في بئرٍ مِن حيثُ قَدَرْتَ عليه، فذَكِّهْ).
ثالثًا: أنَّ الذَّبحَ إذا لم يَكُنْ مَقدورًا- ولا بُدَّ من إخراجِ الدَّمِ لإزالةِ المحرِّمِ وتَطييبِ اللَّحمِ، وهو الدَّمُ المسفوحُ- فيُقامُ سَبَبُ الذَّبحِ مَقامَه، وهو الجَرحُ، على الأصلِ المعهودِ في الشَّرعِ مِن إقامةِ السَّبَبِ مَقامَ المُسَبَّبِ عند العُذرِ والضَّرورةِ، كما يُقامُ السَّفَرُ مَقامَ المَشقَّةِ، والنِّكاحُ مَقامَ الوَطءِ، والنَّومُ مُضطَجِعًا أو مُتَوَرِّكًا مقامَ الحَدَثِ، ونحوِ ذلك.
رابِعًا: أنَّها تَدفَعُ عن نفسِها، فلا يُقدَرُ عليها بالذَّكاةِ الاختياريَّةِ، فيُجزِئُ فيها العَقرُ، (وهو الجَرحُ في أيِّ مَوضِعٍ كان).
خامِسًا: أنَّه يتعَذَّرُ ذَكاتُه في الحَلقِ، فصار كالصَّيدِ. [الموسوعة الفقهية – الدرر السنية]
الطريقة الشرعية في الذبح:
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: “إن كانت الذبيحة بقرة أو من المعز والغنم، يذبحها على جنبها يسدحها على جنبها الأيسر، ثم يضع رجله على رأسها ثم ينحرها، يجعل رجله على رقبتها ثم يمسك الرأس بيده ويذبحها الحلقوم والمريء، يقطع الحلقوم والمرئ والودجين، يعني العرقين المحيطين بالحلقوم والمريء، هذه السنة، ويضع رجله على صفحتها حتى يكون أسهل عليها من الاضطراب، ويكون الذبح بسكين حادة قوية بقوة، حتى لا يعذبها ويكون في الحلق، يقطع الحلقوم والمريء والودجين، هذا الكمال، وإن قطع الحلقوم والمرئ كفى، وإن قطع معهما أحد الودجين كفى، ولكن الأفضل أنه يقطع الحلقوم والمريء والودجين، وهو ماسك الرأس بيده اليسرى ويذبح باليمنى، وإن كان المذبوح بعيرًا يطعنه بالحربة في لبته، الذي بين الصدر والرقبة، اللبة في محل الطعن والذبح، ولو ذبحها مثلما يذبح البقرة أجزأ، لكن كونه مع اللبة أفضل، ويسمي الله عند الذبح، يقول: باسم الله والله أكبر عند الذبح، هذا هو المشروع في الذبح. ويسمى الطعن في اللبة نحر، ويسمى قطع الحلقوم والمريء بالسكين يسمى ذبح، ويكون الأفضل مستقبل القبلة، يوجهها إلى القبلة. هذا هو الأفضل ولو ذبح إلى غير القبلة أجزأت، لكن كونها إلى القبلة أفضل ” [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى].
ويشترط للذكاة شروط تسعة:
1 – الأول: أن يكون المذكي عاقلاً مميزاً فلا يحل ما ذكاه مجنون أو سكران أو صغير لم يميز أو كبير ذهب تمييزه ونحوهم.
2 – الثاني: أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً وهو من ينتسب إلى دين اليهود والنصارى. فأما المسلم فيحل ما ذكاه سواء كان ذكراً أم أنثى عدلاً أم فاسقاً طاهراً أم محدثاً. وأما الكتابي فيحل ما ذكاه سواء كان أبوه وأمه كتابيين أم لا. وقد أجمع المسلمون على حل ما ذكاه الكتابي لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} المائدة ولأن النبي أكل من شاة أهدتها له امرأة يهودية.
3 – الشرط الثالث: أن يقصد التذكية لقوله تعالى: (إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة. والتذكية فعل خاص يحتاج إلى نية فإن لم يقصد التذكية لم تحل الذبيحة مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط.
4 – الشرط الرابع: أن لا يكون الذبح لغير الله فإن كان لغير الله لم تحل الذبيحة كالذي يذبح تعظيماً لصنم أو صاحب قبر أو ملك أو والد ونحوهم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}. المائدة إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}. المائدة
5 – الشرط الخامس: أن لا يسمي عليها باسم غير الله مثل أن يقول باسم النبي أو جبريل أو فلان فإن سمى عليها باسم غير الله لم تحل وإن ذكر اسم الله معه لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} المائدة إلى قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} المائدة
وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: ((من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)).رواه مسلم.
6 – الشرط السادس: أن يذكر اسم الله تعالى عليه فيقول عند تذكيتها باسم الله لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} الأنعام وقول النبي: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)). رواه البخاري وغيره فإن لم يذكر اسم الله تعالى عليها لم تحل لقوله تعالى: {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} الأنعام ولا فرق بين أن يترك اسم الله عليها عمداً مع العلم أو نسياناً أو جهلاً لعموم هذه الآية ولأن النبي جعل التسمية شرطاً في الحل والشرط لا يسقط بالنسيان والجهل، ولأنه لو أزهق روحها بغير إنهار الدم ناسياً أو جاهلاً لم تحل فكذلك إذا ترك التسمية لأن الكلام فيهما واحد من متكلم واحد فلا يتجه التفريق. وإذا كان المذكي أخرس لا يستطيع النطق بالتسمية كفته الإشارة الدالة لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.التغابن.
7 – الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم من حديد أو أحجار أو زجاج أو غيرها لقول النبي: “ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة”. رواه الجماعة. وللبخاري في رواية غير السن والظفر فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة. وفي الصحيحين أن جارية لكعب بن مالك رضي الله عنه كانت ترعى غنماً له بسلع فأبصرت بشاة من الغنم موتاً فكسرت حجراً فذبحتها به فذكروا ذلك للنبي فأمرهم بأكلها.
8 – الشرط الثامن: إنهار الدم أي إجراؤه بالتذكية لقول النبي: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه)). ثم إن كان الحيوان غير مقدور عليه كالشارد والواقع في بئر أو مغارة ونحوه كفى إنهار الدم في أي موضع كان من بدنه والأولى أن يتحرى ما كان أسرع إزهاقاً لروحه لأنه أريح للحيوان وأقل عذاباً.
9 – الشرط التاسع: أن يكون المذكي مأذوناً في ذكاته شرعاً.
3 – آداب الذكاة:
للذكاة آداب ينبغي مراعاتها، ولا تشترط في حل التذكية بل تحل بدونها فمنها:
1 – استقبال القبلة بالذبيحة حين تذكيتها.
2 – الإحسان في تذكيتها بحيث تكون بآلة حادة يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة وقيل هذا من الآداب الواجبة لظاهر قول النبي: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)). رواه مسلم.
3 – أن تكون الذكاة في الإبل نحراً وفي غيرها ذبحاً فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة. ويذبح غيرها على جنبها الأيسر فإن كان الذابح أعسر يعمل بيده اليسرى ذبحها على الجنب الأيمن إن كان أريح للذبيحة وأمكن له. ويسن أن يضع رجله على عنقها ليتمكن منها وأما البروك عليها والإمساك بقوائمها فلا أصل له من السنة وقد ذكر بعض العلماء أن من فوائد ترك الإمساك بالقوائم زيادة إنهار الدم بالحركة والاضطراب.
4 – قطع الحلقوم والمريء زيادة على قطع الودجين وانظر الشرط الثامن من شروط الذكاة.
5 – أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.
6 – أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.
7 – أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له بعد التسمية والتكبير ويسأل الله قبولها فيقول بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عني إن كانت له أو عن فلان إن كانت لغيره. اللهم تقبل مني إن كانت له أو من فلان إن كانت لغيره.
4 – مكروهات الذكاة:
للذكاة مكروهات ينبغي اجتنابها فمنها:
1 – أن تكون بآلة كالة أي غير حادة وقيل يحرم ذلك وهو الصحيح.
2 – أن يحد آلة الذكاة والبهيمة تنظر.
3 – أن يذكي البهيمة والأخرى تنظر إليها.
4 – أن يفعل بعد التذكية ما يؤلمها قبل زهوق نفسها مثل أن يكسر عنقها أو يسلخها أو يقطع شيئاً من أعضائها قبل أن تموت وقيل يحرم ذلك وهو الصحيح.
5 – الحِكمَةُ مِن مَشروعيَّةِ الذَّكاةِ:
1 – أنَّ اللَّحمَ لا يَطِيبُ إلَّا بخُروجِ الدَّمِ، وذلك بالذَّبحِ أو النَّحْرِ؛ ولهذا حُرِّمَت المَيتَةُ؛ لأنَّ المُحَرَّمَ- وهو الدَّمُ المسفوحُ- فيها قائِمٌ.
2 – أن يتذَكَّرَ الإنسانُ إكرامَ اللهِ له، بإباحةِ إزهاقِ رُوحِ الحَيوانِ؛ لأكلِه والانتِفاعِ به بعدَ مَوتِه.
3 – أنَّ ذَبحَ الحَيوانِ بالطَّريقةِ المَشروعةِ فيه مِن يُسرِ إزهاقِ نَفسِه ما ليس في غَيرِه.
4 – لأنَّ الدَّمَ المَسفوحَ حَرامٌ نَجِسٌ لا يُؤكَلُ ولا يُنتَفَعُ به، ولا يَخرُجُ إلَّا بالذَّبحِ أو النَّحْرِ. [موسوعة الفقهية]
6 – أخطاء تقع عند الذبح
1 – من الأخطاء: ما يفعله كثير من الناس من منع البهيمة من تحريك يديها أو رجليها بعد ذبحها ويظن أن ذلك من تمام الذبح وكماله.
2 – يظن بعض الناس أنه لابد من الجهر بالنية عند الذبح وأنه إذا لم يجهر بها فإنها لا تجزئ وهذا غير صحيح، فإن الجهر بالنية سنة وليس بواجب.
[وانظر: كتاب التَّذْكيةِ من الموسوعة الفقهية، ومختصر من كتاب أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله بتصرف، بعنوان: “الأضحية أحكام وآداب (1) “].
– الحيوانات وما ورد فيها في النصوص والآثار من بيان مكانتها والرفق بها:
في القرآن الكريم:
1 – قال تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)} سورة النازعات.
2 – قال جل وعلا: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى (54)} سورة طه.
3 – قال جل وعز: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَاكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)}.سورة يس.
4 – قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)} النحل.
5 – قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَاكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)} سورة النخل.
في السنة النبوية:
1 – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَاكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: “لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي”، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)). [أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم (6009)].
“ولم يكن – عليه الصلاة والسلام – يطيق أن يرى دابة تحمل فوق طاقتها، ونهى أن يُتخذَ مَن فيه روح غرضاً للتسلية، كحال ما يُعرَف بمصارعة الثيران، ونهى عن التحريش بين البهائم. وأنكر على أهل الجاهلية شق آذان الأنعام.
2 – عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَاكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)). [أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة، برقم (2242)].
ش (فدخلت فيها) أي بسببها (خشاش الأرض) بفتح الخاء المعجمة وكسرها وضمها حكاهن في المشارق الفتح أشهر وهي هوام الأرض وحشراتها.
3 – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: ((مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟))، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: ((أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ)). [رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، برقم (2549)،
قال الألباني: صحيح. السلسلة الصحيحة 1/ 28].
4 – عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً»
[رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، برقم (2548)،
قال الألباني: صحيح].
– وقد وردت أقوال للصحابة تحث على الرفق بالحيوان ومنها:
أ ـ عن المسيِّب بن دار قال: ” رأيتُ عمرَ بنَ الخطّابِ ضربَ جَمَّالا، وقالَ: لِمَ تَحمِلُ على بعيرِكَ ما لا يُطيق؟! “.
ب ـ عن عاصم بن عُبيد الله بن عاصِم بن عمرَ بنِ الخطاب: ” أنَّ رجُلا حَدَّ شَفْرَةً، وأخذ شاةً لِيذبَحَها، فضَرَبَهُ عمرُ بالدِّرَّة، وقال: أتعَذِّبُ الرّوحَ؟! ألا فعلتَ هذا قبلَ أن تَأخُذَهَا؟! “.
ج ـ عن مُحمد بنِ سِيرين: أنَّ عمرَ رضي الله عنه رأى رجلاً يَجُرُّ شاةً لِيذبَحَها، فضَرَبَهُ بالدِّرَّةِ، وقال: سُقْها ـ لا أمَّ لكَ ـ إلى الموتِ سَوْقًا جمِيلا “.
د ـ كان لأبي الدَّرْداء جَمَلٌ يُقال له: (دمون)، فكان إذا اسْتَعارُوه منه؛ قال: لا تَحْمِلوا عليه إلا كَذَا وكذا؛ فإنه لا يُطيقُ أكثرَ مِن ذلك، فلما حَضَرَتْهُ الوفاةُ قال: يا دمون! لا تُخاصِمْني غَدًا عندَ ربِّي؛ فإني لمْ أكنْ أحْمِلُ عليكَ إلا ما تُطيقُ “.
ر ـ عن أبي عثمان الثقفي قال: كانَ لِعمرَ بنِ عبدِ العزيز ـ رضي الله عنه ـ غلامٌ يَعْمَل على على بَغْلٍ له، يأتيهِ بدِرْهَمٍ كلَّ يومٍ، فجاء يومًا بدرهمٍ ونِصف، فقال: أما بدا لكَ؟ قال: نفقتِ السوقُ. قال: لا؛ ولكنكَ أتْعَبْتَ البَغْلَ! أجِمَّهُ ثلاثةَ أيّامٍ.
ز. عن وهب بن كيسان أن ابن عمر رأى راعي غنم في مكان قبيح. وقد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه فقال ابن عمر: ويحك يا راعي الغنم حولها فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل راع مسؤول عن رعيته. رواه أحمد 5869
وراجع السلسلة الصحيحة 1/ 29 حيث ذكر هذه الآثار وقال ان الاسلام هو الذي وضع مبدأ الرفق بالحيوان خلافا لما يظنه بعض الجهال بالإسلام أنه من وضع الكفار
أين هذا التطبيق العملي للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، من دعاوى فارغة لا تطبيق لها على أرض الواقع.
– وجوب الرفق بالحيوان
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ” تسرنا إجابتكم على ضوء نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة الواردة بالحث على الإحسان الشامل للحيوان مأكول اللحم وغير مأكولة مع طائفة من الأحاديث مما صح في الوعيد لمعذبه سواء كان ذلك نتيجة تجويع أو إهمال في حالة نقل أو سواه.
فمما جاء في الحث على الإحسان الشامل للحيوان وسواه قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأصحاب السنن: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته))، وفي رواية: ((فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته))، وفي إغاثة الملهوف منه صح الخبر بعظيم الأجر لمغيثه وغفران ذنبه وشكر صنيعه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش …..
وكما حث الإسلام على الإحسان وأوجبه لمن يستحقه نهى عن خلافه من الظلم والتعدي فقال تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وقال تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}، وفي صحيح مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما مر بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: (من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا).
وفيه عن أنس رضي الله عنه نهى رسول الله أن تصبر البهائم – أي تحبس حتى تموت- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن قتل أربع من الدواب: النحلة والنملة والهدهد والصرد)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وفي سنن أبي داود عن أبي واقد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت)) وأخرجه الترمذي بلفظ: ((ما قطع من الحي فهو ميت))، وعن أبي مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها))، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: ((من حرق هذه))؟ قلنا: نحن قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)) رواه أبو داود. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها)) قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: ((أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به)) رواه النسائي والحاكم وصححه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على حمار قد وسم في وجهه فقال: ((لعن الله الذي وسمه)) رواه مسلم وفي رواية له: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه)) وهذا شامل للإنسان والحيوان.
فهذه النصوص وما جاء في معناها دالة على تحريم تعذيب الحيوان بجميع أنواعه حتى ما ورد الشرع بقتله، ومنطوق هذه الأدلة ومفهومها الدلالة على عناية الإسلام بالحيوان سواء ما يجلب له النفع أو يدرأ عنه الأذى، فالواجب جعل ما ورد من ترغيب في العناية به وما ورد من ترهيب في تعذيبه في أي جانب يتصل به أن يكون نصب الأعين وموضع الاهتمام، ولا سيما النوع المشار إليه من الأنعام لكونه محترما في حد ذاته أكلا ومالية، ويتعلق به أحكام شرعية في وجوه الطاعات والقربات من جهة، ومن أخرى لكونه عرضة لأنواع كثيرة من المتاعب عند شحنه ونقله بكميات كبيرة خلال مسافات طويلة، ربما ينتج عنها تزاحم مهلك لضعيفها، وجوع وعطش وتفشي أمراض فيما بينها، وحالات أخرى مضرة تستوجب النظر السريع والدراسة الجادة من أولياء الأمور بوضع ترتيبات مريحة شاملة لوسائل النقل والترحيل والإعاشة، من إطعام وسقي وغير ذلك من تهوية وعلاج، وفصل الضعيف عن القوي الخطر، والسقيم عن الصحيح في كل المراحل حتى تسويقها قدر المستطاع، وهو اليوم شيء ممكن للمؤسسات المستثمرة والأفراد والشركات المصدرة والمستوردة وهو من واجب نفقتها على ملاكها ومن هي تحت يده بالمعروف.
ومما يؤسف له ويستوجب الإنكار والتحذير منه: الطرق المستخدمة اليوم في ذبح الحيوان مأكول اللحم في أكثر بلدان العالم الأجنبي وما يمهد له عند الذبح بأنواع من التعذيب كالصدمات الكهربائية في مركز الدماغ لتخديره ثم مروره بكلاليب تخطفه وتعلقه منكسا وهو حي مارا بسير كهربائي حتى موضع من يتولى ذبحه لدى بعض مصانع الذبح والتعليب، ومنها نتف ريش الدجاج والطيور وهي حية أو تغطيسها في ماء شديد الحرارة وهي حية أو تسليط بخار عليها لإزالة الريش زاعمين أنه أرفق بما يراد ذبحه من الحيوان، حسبما هو معلوم عن بعض تلك الطرق للذبح، وهذا فيه من التعذيب ما لا يخفى مخالفته لنصوص الأمر بالإحسان إليه والحث على ذلك في الشريعة الإسلامية السمحاء وكل عمل مخالف لها يعتبر تعديا وظلما يحاسب عليه قاصده، لما سلف ذكره، ولما صح في الحديث: ((إن الله ليقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) فكيف بمن يعقل الظلم ونتائجه السيئة ثم يقدم عليه. وبناء على النصوص الشرعية ومقتضياتها بوب فقهاء التشريع الإسلامي لما يجب ويستحب أو يحرم ويكره بخصوص الحيوان بوجه عام وبما يتعلق بالذكاة لمباح الأكل بوجه تفصيلي خاص، نسوق طائفة مما يتعلق بجانب الإحسان إليه عند تذكيته، ومنه: المستحبات الآتية:
1 – عرض الماء على ما يراد ذبحه للحديث السابق: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) الحديث.
2 – أن تكون آلة الذبح حادة وجيدة، وأن يمرها الذابح على محل الذكاة بقوة وسرعة، ومحله اللبة من الإبل والحلق من غيرها من المقدور على تذكيته.
3 – أن تنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى إن تيسر ذلك موجهة إلى القبلة.
4 – وذبح غير الإبل مضجعة على جنبها الأيسر موجهه إلى القبلة ويضع رجله على صفحة عنقها غير مشدودة الأيدي أو الأرجل وبدون لي شيء منها أو كسره قبل زهوق روحها وسكون حركتها، ويكره خنع رقبتها قبل ذلك، أو أن تذبح وأخرى تنظر.
هذه المذكورات مما يستحب عند التذكية للحيوان رحمة به وإحسانا إليه، ويكره خلافها، وكل ما لا إحسان فيه كجره برجله، فقد روى عبد الرزاق موقوفا أن ابن عمر رأى رجلا يجر شاة برجلها ليذبحها فقال له: (ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا).
أو أن يحد الشفرة والحيوان يبصره وقت الذبح لما ثبت في مسند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم) وما ثبت في معجمي الطبراني الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها قال: ((أفلا قبل هذا؟ أتريد أن تميتها موتتين)) أما غير المقدور على تذكيته كالصيد الوحشي أو المتوحش، وكالبعير يند فلم يقدر عليه فيجوز رميه بسهم أو نحوه بعد التسمية عليه مما يسيل الدم غير عظم وظفر، ومتى قتله السهم جاز أكله لأن قتله بذلك في حكم تذكية المقدور عليه تذكية شرعية ما لم يحتمل موته بغير السهم أو معه.
وهذا جرى ذكره منا على سبيل الإفادة بمناسبة طلبكم لا على سبيل الحصر، لما ورد وصح نقله بشأن الحيوان على اختلاف أنواعه، فالإسلام دين الرحمة وشريعة الإحسان ومنهاج الحياة المتكامل والطريق الموصلة إلى الله ودار كرامته، فالواجب الدعوة له والتحاكم إليه والسعي في نشره بين من لا يعرفه وتذكير عامة المسلمين بما يجهلون من أحكامه ومقاصده ابتغاء وجه الله، فمقاصد التشريع الإسلامي في غاية العدل والحكمة، فلا تحريم من كل نافع حيواني خلافا لما عليه البوذيون، ولا إباحة لكل ضار منه خلافا لما عليه أكلة الخبائث من الخنزير والسباع المفترسة وما في حكمها، ولا ظلم ولا إهدار لحرمة كل محترم من نفس أو مال أو عرض، فنشكر الله على نعمه التي أجلها نعمة الإسلام مع الابتهال إليه أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن لا يجعلنا بسبب تقصيرنا فتنة للقوم الكافرين وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبلغ البلاغ المبين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. “. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى، بعنوان: وجوب الرفق بالحيوان].