1075 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
———-‘———–‘———-
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1075):
مسند قرة بن إياس رضي الله عنه
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عفان قال حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: في صيام ثلاثة أيام من الشهر ((صوم الدهر، وإفطاره)).
قال أبو عبد الرحمن رحمه الله: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا وهب حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((في صيام ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر وإفطاره)).
قال أبو عبد الرحمن رحمه الله: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
* وأخرجه البزار كما في كشف الأستار فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عمرو بن علي، ثنا يحيى بن سعيد القطان، ثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((صوم ثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر كله وإفطاره)).
قال البزار: لا نعلم له طريقا عن قرة بن إياس إلا هذا.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره)).
قال أبو عبد الرحمن رحمه الله: هذا حديث صحيح.
===================
الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول: في السند. (ترجمة الرواي، تخريجه).
أ – ترجمة الراوي.
قرة بن إياس بن هلال بن رياب المزني
1 – اسمه ونسبه:
هو قُرَّةُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ هِلَالِ، المزنى، وَمُزَيْنَةُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: مُزَيْنَةُ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ، الصحابي.
قال بن أبي حاتم: ويقال له: قرة بن الأغر بن رياب.
وجد إياس بن معاوية بن قرة، قاضي البصرة الموصوف بالذكاء.
وكان يكنى بابنه معاوية.
وكان يسكن البصرة، وداره بها بحضرة العوقة.
النسب: البصري, المزني
2 – له صحبه:
قال البخاري وابن السكن: له صحبة.
3 – الروايات:
أ – روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم.
ب – روى عنه: جاء في (الوافي بالوفيات): لم يرو عنه غير ابنه معاوية بن قرة.
وفي تهذيب الكمال: روى له البخاري في “الأدب”، والباقون سوى مسلم.
4 – المشاهد: وذكره ابن سعد في طبقة من شهد الخندق.
5 – وفاته:
توفي عام: 64
وقال أبو عمر قتل في حرب الأزارقة في زمن معاوية، وأرخه خليفة: سنة أربع وستين، فيكون معاوية المذكور هو بن يزيد بن معاوية. [الإصابة].
جاء في التاريخ الكبير: قَالَ لِي عَبد اللهِ بْن مُحَمد: حدَّثنا وهب بْن جَرير، قال: حدَّثنا أَبي، ومُحَمد بْنُ أَبي عُيَينَة، وأكثر الكلام عن مُحَمد بن أَبي عُيَينَة، قالا: حدَّثنا مُعاوية بن قُرَّة، قال: خرجنا مع ابن عُبَيس بْن كريز القُرَشِيّ نَحوًا مِن عشرين ألفا، فقُتِلَ أَبِي قُرَّةُ، فَحَمَلتُ على قاتله فقتلتُه، وكانت الحَرُورية خمسمئة، وقُِتَل ابن الأَزرَق، وابْن عُبَيس.
وفي تهذيب الكمال: ” وقرة هذا قتلته الأزارقة، وذلك أن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عبيس ابن كريز القرشي العبشمي خرج في زمن معاوية في نحو من عشرين ألفا يقاتلون الأزارقة ومعه أخوه مسلم بْن عبيس بْن كريز، وهما ابنا عم عَبد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز، وكان في العسكر قرة بْن إياس المزني، وابنه معاوية بْن قرة، فقتل قرة في ذلك اليوم، وقتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عبيس، وأخوه مسلم، قتل عَبْد الرَّحْمَنِ نافع بْن الأزرق، وقتل يومئذ معاوية بْن قرة قاتل ابيه، وكان عبد الرحمن ابن عبيس، قد استعمله عثمان على كرمان”.
6 – ما روي عنه: (منها ما ذكره الوادعي في الصحيح المسند تسع أحاديث دون الروايات الملحقة)
– وأخرج البغوي وابن السكن من طريق عروة بن عبد الله بن قشير حدثني معاوية بن قرة عن أبيه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه، وأنه لمطلق الإزار الحديث. قال البغوي: غريب لا أعلم رواه غير زهير عن عروة. وصحح الوادعي رحمه الله رواية أبي داود كما في صحيح المسند (1078)
– عن معاوية بن قرة عن أبيه، قال: يا بني، إذا كنت في مجلس ترجو خيره، فعجلت بك حاجة. فقلت: السلام عليكم؛ فأنت شريكهم فيما يصيبون من ذلك المجلس. حلية الأولياء (2/ 301)
راجع: الترجمة الإصابة في تمييز الصحابة، وغيرها مما ذكر من المصادر.
7 – مع النبي صلى الله عليه وسلم
أ – مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه رضي الله عنه، ودعائه له.
– قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا وكيع عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسي. قال الوادعي: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
* حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن أبي إياس عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له ومسح رأسه. قال الوادعي: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح. الصحيح المسند للوادعي (1076)
ب – إدخاله رضي الله عنه يده في جيب النبي صلى الله عليه وسلم
– قال أبو داود رحمه الله: حدثنا النفيلي وأحمد بن يونس قالا حدثنا زهير حدثنا عروة بن عبد الله قال ابن نفيل ابن قشير أبو مهل الجعفي حدثنا معاوية بن قرة حدثني أبي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار قال فبايعته ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم.
قال عروة فما رأيت معاوية ولا ابنه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر ولا يزرران أزرارهما أبدا. قال الوادعي: هذا حديث صحيح. الصحيح المسند (1078)
ج – زهده وتأثره بالنبي صلى الله عليه وسلم
– قال الإمام أحمد رحمه الله: قال حدثنا سليمان حدثنا روح قال حدثنا بسطام بن مسلم عن معاوية بن قرة قال قال أبي لقد عمرنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الأسودان ثم قال هل تدري ما الأسودان قلت لا قال التمر والماء. قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث صحيح. الصحيح المسند (1083).
=====
=====
الوجه الثاني: في شرح الحديث.
قوله: (مسند قرة بن إياس رضي الله عنه)، ابن عمار بن معاوية.
قوله: ((في صيام ثلاثة أيام من الشهر)): قال الطيبي: الصوم إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود، عن تناول الأطيبين والاستمناء، وهو وصف سلبي، وإطلاق العمل عليه يجوز ((من كل شهر صيام الدهر)) فسروه بالسنة؛ فإن تم فالمراد به عدد حسنات الصوم للثلاثة من كل شهر مضاعفة بثلاث مائة وستين يوما.
فـ (الدهر) كله يعني: ثلاثة أيام والحسنة بعشرة أمثالها تكون ثلاثين يوما فتكون صوم الدهر كله.
قوله: ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر في صيام الدهر وإفطاره))، يعني: “صيامه في مضاعفة الله، وإفطاره في رخصة الله، كما كان أبوهريرة رضي الله عنه وأبو ذر يقولان ذلك، وكانا يصومان ثلاثة أيام من كل شهر، ويقولان في سائر أيام الشهر: نحن صيام؛ ويتأولان؛ لأنهما صيام في مضاعفة الله، وهما مفطران في رخصة الله، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر منهم: أبو هريرة رضي الله عنه وأبو الدرداء وأبو ذر وغيرهم”. ” وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام ثلاثة أيام من كل شهر” [لطائف المعارف لابن رجب]
ألفاظ بعض الروايات:
قال المباركفوري في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) عند قوله: ((ثلاث من كل شهر)) أي: صوم الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر، قيل: هو أيام البيض، وقيل: أي: ثلاث كان وأيام البيض أولى -انتهى.
قوله: ((رمضان إلى رمضان)) أي وصوم رمضان من كل سنة منتهيا إلى رمضان ((فهذا صيام الدهر كله)) أي: حكما لقوله تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وهذا إنما هو في غير رمضان، وإنما ذكر رمضان لدفع توهم دخوله في كل شهر.
ومن المعلوم إن صوم رمضان فرض فلا بد منه، والمعنى: إن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر في الفضيلة واكتساب الأجر، لكنه من غير تضعيف على حد {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن. وقيل: المعنى عن كل واحد من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ومن صوم رمضان كل واحد منهما صيام الدهر.
أما صيام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنه صام الشهر، ومن صام ثلاثة أيام من شهور السنة فقد صام السنة فهذا صيام الدهر، وأما صيام رمضان إلى رمضان فيحتمل أن يكون المراد إن صيام رمضان مع ست من شوال صيام الدهر كما وقع في حديث أبي أيوب الآتي، أو يقال: إن صيام رمضان من حيث كونه صوم فرض يزيد على النفل فيكون صيامه مساويا لصيام الدهر بل زايدا عليه، ويقال: أنه أخبر أولا بأن صيام رمضان مع ست من شوال صيام الدهر. ثم أخبر بأن صيام رمضان فقط بدون صوم ست من شوال يساوي صيام الدهر في الأجر والثواب كذا قيل، ولا يخفى ما فيه.
ووقع في رواية من حديث عبد الله ابن عمرو الآتي (صم من كل شهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر).
قال ابن دقيق العيد: هو مأول عندهم على أنه مثل أصل صيام الدهر من غير تضعيف للحسنات، فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسى الواقع في الخارج والحامل على هذا التأويل، إن القواعد تقتضى إن المقدر لا يكون كالمحقق، وإن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح أو المشقة فكيف يستوي من فعل الشيء بمن قدر فعله له فلأجل ذلك، قيل: إن المراد أصل الفعل في التقدير لا الفعل المرتب عليه التضعيف في التحقيق-انتهى.
ثم قوله ((ثلاث)): قيل إنه مبتدأ خبره قوله “فهذا صيام الدهر” والفاء زائدة أو ما دل عليه هذه الجملة.
وقال الطيبي: وقع في رواية للنسائي “ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله” وهذا يؤيد كون “ثلاث” مبتدأ وكون قوله “فهذا صيام الدهر” خبرا له. انتهى.
قوله: ((صيام حسن)) أي: محبوب إلى الله أو خفيف على النفس أو تستحسنه الملائكة أو العقلاء من أهل الإيمان.
أقوال العلماء:
أولاً: صوم ثلاثة أيام من كل شهر
يستحب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وعلى هذا عامة أهل العلم، واتفقت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.
قال ابن قدامة: “صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب لا نعلم فيه خلافاً” ((الشرح الكبير)) (3/ 94)، وانظر: (فتح القدير للكمال ابن الهمام) (2/ 303)، و ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) ص 425، و (التاج والإكليل للمواق) (2/ 414)، و ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 517)، و (مغني المحتاج للشربيني الخطيب) (1/ 447)، و (المغني لابن قدامة) (3/ 59)، و ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337)، و) المحلى) (7/ 17).
الأدلة:
1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر)). أخرجه البخاري ومسلم.
2 – عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم)). أخرجه مسلم.
ثانيًا: استحباب صيام أيام البِيض
استحب جمهور أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وجماعةٌ من المالكية، أن يكون صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر في الأيام البِيض.
واستشهدوا بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أوصاه بصيام أيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وقد اختلف أهل العلم في تصحيح الأحاديث الواردة في صيام أيام البِيض، وتحديدها بالثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وبوب الإمام البخاري في صحيحه، فقال في كتاب الصوم: باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، ثم أورد فيه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية (10/ 404): “الأفضل لمن أراد صيام ثلاثة أيام من الشهر أن يصوم أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة غيرها فلا بأس … ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة وأبا الدرداء بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يحدد أيام البيض”.
وروي عن موسى الهذلي قال: ((سألت ابن عباس عن صيام ثلاثة أيام البيض، فقال: كان عمر يصومهن)) [أخرجه الحارث في مسنده كما في ((المطالب العالية)) (6/ 208) , و ((بغية الباحث للهيثمي)) (1/ 219) , وابن جرير كما في ((تهذيب الآثار)) (2/ 856)، والحديث قال عنه النيسابوري كما في ((شرح ابن ماجه لمغلطاي)) (1/ 647): هذا حديث تام حسن، وقال ابن حجر في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (1/ 107): رجاله ثقات].
وهذه الأيام هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي؛ وسميت هذه الأيام بذلك لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها لآخرها لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها. انظر ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447) و ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 93). ويصح أن تقول (أيام البيض) أو (الأيام البيض) انظر: ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 226). [الموسوعة الفقهية (1/ 435 – 436)].
الوجه الثالث: فقه الحديث.
1) قال ابن قاسم: اتفق أهل العلم على سنية صيام ثلاثة أيام من كل شهر اهـ، وقال أيضاً: واتفق العلماء على أنه يستحب أن تكون الثلاثة المذكورة وسط الشهر. كما حكاه النووي وغيره اهـ.
2) تعيين هذه الأيام الثلاثة من كل شهر، وقال ابن الملقن: وقد اختلف العلماء في تعيينها اختلافاً كثيراً .. ، وهو اختلاف في تعيين الأحسن والأفضل لا غير. ا. هـ. سيأتي نقل كلام الحافظ إن شاء الله تعالى.
3) فصيام ثلاثة أيام من كل شهر دون تعيين أيام معينة، جاءت أحاديث في عدم تحديدها بأيام معينة عن أكثر من عشرة من الصحابة وأكثرها في السنن.
4) وصيام أيام البيض من كل شهر، جاءت أحاديث في تحديد أيام البيض عن أكثر من ست من الصحابة رضي الله عنهم وأكثرها في السنن.
5) قال ابن عثيمين في الشرح الممتع: تعيينها في أيام البيض كتعين الصلاة في أول وقتها، يعني: أفضل وقت للأيام الثلاثة هو أيام البيض؛ لكن من صام الأيام الثلاثة في غير أيام البيض حصل على الأجر، وحصل له صيام الدهر، وقال صاحب منحة العلام: قال ابن باز: الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس فيه ذكر البيض، بل يصوم متى شاء، كما جاء في حديث ابن عمرو وأبي هريرة في الصحيحين وحديث أبي الدرداء في مسلم، وهي أصح بكثير من حديث أبي ذر، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر في العشر الأول، أو في العشر الأوسط، أو في العشر الأخيرة، حصل له الأجر، وإذا وافق أيام البيض فذلك أفضل جمعاً بين الأحاديث كلها. والله تعالى أعلم.
6) من فضائل صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
الفضل الأول: قوله ((فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر))، قال ابن قاسم قال الشيخ: مراده أن من فعل هذا حصل له أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر اهـ، وقال أيضاً ابن قاسم وقوله ” وذلك ” أي صيام ثلاثة أيام من كل شهر ” مثل صيام الدهر ” وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فيعدل صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الشهر كله، فيكون كمن صام الدهر من غير حصول المشقة في صومه. وللترمذي من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – ” من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر ” فأنزل الله {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها .. } اليوم بعشر اهـ، وصححه الألباني.
الفضل الثاني: أن في صيام ثلاثة أيام من كل شهر علاج لأمراض القلب المعنوية كالغل والحسد ونحوها، فعن عمرو بن شرحبيل: ((ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر)) رواه النسائي، وصححه الألباني. [انظر: التعليق على أحاديث كتاب الصيام من كتاب رياض الصالحين]
الوجه الرابع: ما يستفاد من الحديث، والروايات الملحقة:
1 – استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وفضيلة ذلك.
2 – أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعتبر من القرب العظيمة.
3 – حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيام هذه الثلاث أيام.
4 – حث النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فأبي هريرة رضي الله عنه وأبي الدرادء وأبي ذر هؤلاء الثلاثة أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم بوصية واحدة لكن كل واحد في وقت.
5 – اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر أحسن وأفضل – إذا تيسر -؛ لأنها أيام البيض.
6 – وإذا تركها بعض الشهور أو عرض له عارض لا بأس؛ لأنها نافلة مستحبة. قاله ابن باز رحمه الله تعالى.
7 – تيسير الله هذه العبادات، وكرمه على عباده.
8 – وأن صوم التطوع غير مختص بزمن معين، بل كل السنة صالحة له، إلا رمضان والعيدين والتشريق قاله النووي.
9 – عدل صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الشهر كله، فيكون كمن صام الدهر من غير حصول المشقة في صومه.
10 – أن في صيام ثلاثة أيام من كل شهر علاج لأمراض القلب المعنوية كالغل والحسد ونحوها.
جاء في (تطريز رياض الصالحين، وبهجة الناظرين شرح رياض الصالحين):
11 – صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر كله، وذلك بالتضعيف؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
12 – يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء كانت البيض أوالسود أو الغرر.
13 – استحباب المداومة على صيام ثلاثة أيام.
14 – إيماء إلى أن المراد حصول مثل ثواب صوم الشهر باعتبار تضاعف الحسنة عشرًا، وذلك حاصل بأي ثلاثة كانت.
15 – جاء التنصيص على أيام البيض، وأيام البيض هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
16 – استحباب المداومة على صيام البيض في الحضر والسفر.
17 – الأيام البيض هي أيام الليالي البيض؛ بوجود القمر طول الليل فيهن.
18 – بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وشفقته عليهم، وإرشاده إياهم إلى ما يصلحهم، وحضه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه.
الوجه الخامس:
من أفضل صور التطوع المطلق صيام يوم وفطر يوم لمن قدر عليه؛ كما جاء في الحديث: ((أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا)) البخاري 1131 مسلم 1159.
ويشترط في الأفضلية ألاَّ يضعفه عمّا هو أولى كما في روايةٍ للحديث: ((كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى)) البخاري 1977 مسلم 1159.
ثانيهما: التطوُّع المقيد: وهو أفضل من التطوُّع المطلق من حيث العموم، وينقسم إلى قسمين:
الأول: المقيّد بحال الشخص، كالشاب الذي لم يستطع الزواج كما في حديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) البخاري 5066 مسلم 1400.
فإن مشروعية الصيام في حقه تتأكد مادام أعزب، ويزداد التأكد كلما ازدادت المثيرات له، من غير تحديد بأيام معينة.
الثاني: المقيد بوقت معين، وهذا متنوع فبعضه: أسبوعي، وبعضه شهري وبعضه سنوي.
أ – فالأسبوعي: هو استحباب صيام الاثنين و الخميس؛ فعن عَائِشَةَ قَالَتْ “إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس” [النسائيِ2320 وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير4897]، وسئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ قَال: (َ (ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) النسائي 2358 وابن ماجه 1740 وأحمد 8161، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1583، وسُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاثْنَيْنِ، فَقَالَ ((فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ)) مسلم1162.
ب – والشهري: هو استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ((أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ)) البخاري 1178 مسلم 721.
والمستحب كونها أوسط الشهر الهجري المسماة أيام البيض؛ فعن أَبِي ذَرٍّ قَال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِذَا صُمْتَ شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ)) النسائي 2424 ابن ماجه 1707 أحمد 210، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 673.
ج- والسنوي: منه ما هو يوم معين، ومنه ما هو فترة يسن الصوم فيها.
فمن (الأيام المعينة):
1 ـ يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر محرم؛ فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: “مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ وَلا شَهْرًا إِلا هَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي رَمَضَانَ”. البخاري 2006 مسلم 1132.
ويسن أن يصوم معه يوما قبله أو يوما بعده لمخالفة اليهود.
2 ـ يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، واستحبابه خاص بمن لم يكن واقفاً بعرفة؛ كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضل الثلاث الماضية كلها: ((ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ)) مسلم 1162.