1072 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي ، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا )
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1072):
قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى في [(مسنده) (ج8/ص332)]:
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ فَيْرُوزَ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَصْحَابُ كَرْمٍ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، فَمَاذَا نَصْنَعُ؟ قَالَ: ((تَتَّخِذُونَهُ زَبِيبًا)) قُلْتُ: فَنَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ مَاذَا؟ قَالَ: ((تُنْقِعُونَهُ عَلَى غَدَائِكُمْ، وَتَشْرَبُونَهُ عَلَى عَشَائِكُمْ، وَتُنْقِعُونَهُ عَلَى عَشَائِكُمْ، وَتَشْرَبُونَهُ عَلَى غَدَائِكُمْ)) قُلْتُ: أَفَلَا نُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَشْتَدَّ ؟ قَالَ: ((لَا تَجْعَلُوهُ فِي الْقُلَلِ، وَاجْعَلُوهُ فِي الشِّنَانِ، فَإِنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ صَارَ خَلًّا)).
أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا أَعْنَابًا، فَمَاذَا نَصْنَعُ بِهَا ؟ قَالَ: ((زَبِّبُوهَا))، قُلْنَا: فَمَا نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ؟ قَالَ: ((انْبِذُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ، وَاشْرَبُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ، وَانْبِذُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ، وَاشْرَبُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ، وَانْبِذُوهُ فِي الشِّنَانِ، وَلَا تَنْبِذُوهُ فِي الْقِلَالِ، فَإِنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ صَارَ خَلًّا)).
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح، وضمرة هو ابن ربيعة، والشيباني في السند الثاني هو يحيى بن أبي عمرو.
الحديث أخرجه أبو داود، والدارمي، فقال رحمه الله: أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله ابن الديلمي، عن أبيه، …، وذكر الحديث.
===================
سيكون الحديث في عدة أمور على النحو التالي:
الأمر الأول:
أ – التخريج:
ذكر الحديثان الإمام النسائي في السنن، كتاب الأشربة، ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة، وما لا يجوز،
الأول برقم (5735)، والثاني: برقم (5736).
وأخرج أبوداود في السنن، كتاب الأشربة، باب في صفة النبيذ، حديث رقم 3710، بنحوه، إلا أن في أوله: قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَنْ نَحْنُ وَمِنْ أَيْنَ نَحْنُ فَإِلَى مَنْ نَحْنُ؟ قَالَ: «إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا أَعْنَابًا مَا نَصْنَعُ بِهَا؟ … وذكر الحديث.
والحديث أورده الوادعي رحمه الله في ((الجامع الصحيح)) (4/ 224)، تحت باب: ” بعض الآنية التي لا ينتبذ فيها، ثم نسخ النبي صلى الله عليه وسلم”. وأورد في الباب أحاديث غير هذا.
قال الأثيوبي حفظ الله في (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى): ” أخرجه هنا -55/ 5737 و5738 – وفي “الكبرى” 56/ 5244 و5245. وأخرجه (د) في “الأشربة” 3710 (أحمد) في “مسند الشاميين” 17576 (الدارمي) في “الأشربة” 2016. والله تعالى أعلم”. انتهى.
ب – شرح الحديث:
قوله رحمه الله تعالى: ” ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة، وما لا يجوز”.
قال الأثيوبي عفا الله تعالى عنه: (الأنبذة): جمع نبيذ، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو الماء الذي نبد فيه تمرات؛ لتخرج حلاوتها إلى الماء. وفي “النهاية” 5/ 7: النبيذ: ما يعمل من الاشربة، من التمر، والزبيب، والعسل، والحنطة، والشعير، وغير ذلك، يقال: نبذت التمر، والعنب: إذا تركت عليه الماء؛ ليصير نبيذا، فصرف من المفعول إلى فعيل، وانتبذته: اتخذته نبيذا، سواء كان مسكرا، أو غير مسكر، فإنه يقال له: نبيذ، ويقال للخمر المعتصر من العنب: لبيذ، كما يقال للنبيذ: خمر. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب”. انتهى.
قال الشيخ عبد المحسن في تبوبيب أبي داود رحمه الله: ” أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: “باب في صفة النبيذ”، يعني: أن النبيذ الذي يسوغ شربه ويسوغ استعماله هو الذي لم يصل إلى حد الإسكار، وذلك بأن يترك مدة لا يصل فيها إلى حد الإسكار ثم يشرب”. انتهى.
السند الأول:
(عن عبد الله بن الديلمي، عن أبيه فيروز) الديلمي رضي الله تعالى عنه، أنه (قال: قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله، إنا أصحاب كرم وقد أنزل الله عز وجل تحريم الخمر، فماذا نصنع؟ قال) -صلى الله عليه وسلم- (تتخذونه زبيبا، قلت: فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال) -صلى الله عليه وسلم- (تنقعونه) أي تخلطونه بالماء ليصير شرابا، وهو من نقع ينقع ثلاثيا، من باب نفع، أو أنقع بالألف ينقع رباعيا، قال في “اللسان”: نقع الشيء في الماء وغيره ينقعه نقعا، فهو نقيع، وأنقعه: نبذه، وأنقعت الدواء وغيره في الماء، فهو منقع، والنقيع، والنقوع: شراب يتخذ من زبيب ينقع في الماء من غير طبخ. انتهى.
(على غدائكم) بالفتح، والمد: الطعام الذي يؤكل أول النهار. قاله في “اللسان” (وتشربونه على عشائكم) بالفتح، والمد أيضا: الطعام الذي يؤكل عند العشاء بالكسر (وتنقعونه على عشائكم، وتشربونه على غدائكم”، قلت: “أفلا نؤخره حتى يشتد؟) أي أيجوز لنا تأخيره من هذا الوقت الذي ذكرته؟ (قال) -صلى الله عليه وسلم- (لا تجعلوه في القلل) بضم القاف، وفتح اللام: هي الجرار الكبار، واحدتها قلة بضم القاف، وتشديد اللام، وهذا النهي محمول على ما قبل النسخ، فقد جاء بعد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: “انتبذوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكرا، والله تعالى أعلم.
(واجعلوه في الشنان) بكسر الشين المعجمة: جمع شن بفتحها، وتشديد النون: قال الخطابي في “المعالم” 5/ 278 – 279: الشنان: هي الأسقية من الأدم، وغيرها، واحدها شن، وأكثر ما يقال ذلك في الجلد الرقيق، أو البالي من الجلود. انتهى.
وسبب النهي عن أن يجعل في القلل نفس علة النهي عن الدباء، والحنتم، ونحوهما، من الإسراع في الإسكار. والله تعالى أعلم. (فإنه إن تأخر صار خلا) أي صار خمرا، ثم تخلل، والمراد التحذير عن أن يكون خمرا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان. قاله الأثيوبي في (الذخيرة).
السند الثاني:
وقوله: [(قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا أَعْنَابًا، فَمَاذَا نَصْنَعُ بِهَا ؟)].
يظهر من السؤال أن الأعناب كانت عندهم كثيرة وأنها تزيد عن حاجتهم في استعمالها فاكهة، فقال: ((زَبِّبُوهَا))، أي: حولوها إلى زبيب، يقال: زببت العنب: إذا جعلته زبيبا، فتزبب هو. يعني: يبسوها حتى تكون زبيباً، والزبيب يستعمل طول السنة.
وقوله: [قُلْنَا: فَمَا نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ؟ قَالَ: ((انْبِذُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ، وَاشْرَبُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ))].
هذا هو محل الشاهد، وهو بيان النبيذ الذي يجوز استعماله، يشرب في وقت مبكر وهو لم يصل إلى حد الإسكار؛ لأن هذه الفترة قصيرة لا يصل فيها إلى حد الإسكار، فقوله: ((انْبِذُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ))، يعني: في وقت غدائكم، واشربوه في وقت عشائكم.
وقوله: [((وَانْبِذُوهُ فِي الشِّنَانِ، وَلَا تَنْبِذُوهُ فِي الْقِلَالِ))].
وقوله: (انبذوه) بوصل الهمزة، وكسر الموحدة، أمر من نبذ، من باب ضرب، ويحتمل أن يكون بقطع الهمزة، من الإنباذ، وهو بمعناه، يقال: نبذه، وأنبذه، وانتبذه، ونبذه بالتشديد، قاله في “القاموس”.
(الشنان) هي القرب التي تؤخذ من الجلود، وغالباً أن الجلد إذا كان قديماً يقال له: شن، وأما إذا كان جديداً فيمكن أن يقال له: شن، لكن الغالب أنه يستعمل في الشيء القديم الذي تغير أو حصل له اسوداد بسبب طول المكث، بخلاف الشيء الجديد فإنه يختلف لونه عن لون القديم.
و(القلال) بالكسر: جمع قلة، وتجمع على قلل، كما في الرواية الماضية، والقلل هي الجرار وغيرها، لكن عرفنا فيما مضى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في القلل، ولكنه رخص فيه في الآخر كما جاء في حديث بريدة، حيث قال: ((كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً)).
وقوله: [((فَإِنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ صَارَ خَلًّا))].
يعني: إذا طال مكثه فإنه يتغير. [انتهى تعليق الشيخ عبد المحسن على الحديث الذي أورده أبو داود، بتصرف يسير]
[تنبيه]: وقع في نسخ “المجتبى”، و”الكبرى”: “الشيباني” بالشين المعجمة، بدل “السيباني” بالسين المهملة، وهو تصحيف، والصواب المهملة، راجع “سنن أبي داود” 3/ 334 – و”تحفة الأشراف” 8/ 273. والله تعالى أعلم. و”ابن الديلمي”: هو عبد الله المذكور في السند الماضي. قاله الشيخ الأثيوبي في (الذخيرة).
الأمر الثاني: المسائل المتعلقة بالحديث:
أ – الفوائد.
قال الأثيوبي حفظه الله تعالى في (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى): ” في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز شرب النبيذ الذي ينبذ أول النهار، ويشرب آخره، وبالعكس.
(ومنها): الاهتمام بالسؤال عن الأمور الدينية.
(ومنها): جواز الانتباذ في الشنان.
(ومنها): جواز الجمع بين شرب النبيذ وأكل العشاء، والغداء، فلا يعد هذا إسرافا.
(ومنها): تحريم شرب ما تأخر وقته من الأنبذة حتى يصير خمرا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل”. انتهى من (الذخيرة).
(ومنها): أنه كان عليه الصلاة والسلام يرشد المستفتي إلى البديل المباح. وهذا من جودة المفتي وتوسعته، وإرشاد السائل إلى البديل.
وقد جاء في بيان المدة حديث أخرجه النسائي، برقم (5740)، عن ابن عباس، قال: كان ينبذ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيشربه من الغد، ومن بعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة، فإن بقي في الإناء شيء، لم يشربوه أهريق. قال الأثيوبي: أخرجه مسلم في “الأشربة” (2004).
قال الأثيوبي حفظه الله تعالى في (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى، وهو بيان الشراب الذي يجوز شربه، وهو ما كان من النبيذ إلى ثلاثة أيام.
(ومنها): ما قاله النووي رحمه الله تعالى: في هذه الأحاديث دلالة على جواز الانتباذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلوا، لم يتغير، ولم يغل، وهذا جائز بإجماع الأمة. وأما سقيه الخادم بعد الثلاث، وصبه، فلأنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيره، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتنزه عنه بعد الثلاث. انتهى “شرح مسلم” 13/ 173 – 174.
(ومنها): ما قاله القرطبي رحمه الله تعالى: هذا الحديث، وما في معناه يدل على جواز الانتباذ، وشربه حلوا، وعلى أكثر قدر المدة التي يشرب إليها، وهي مقدرة في هذا الحديث يعني رواية مسلم- بيومين وليلتين، غير أنه جعل غاية اليومين العصر، ثم سقاه الخادم، وفي الرواية الأخرى: “المساء، ثم أمر به فأريق”، وظاهر هاتين الروايتين أنهما مرتان، أما الأولى، فإنه لم يظهر فيه ما يقتضي إراقته، وإتلافه، لكن اتقاه في خاصة نفسه أخذا بغاية الورع، وسقاه الخادم؛ لأنه حلال جائز، كما قال في أجرة الحجام: “اعلفه ناضحك”، يعني رقيقك. وأما في المرة الأخرى، فتبين له فساده، فأمر بإراقته، ولا يسبتعد أن يفسد النبيذ فيما بين العصر والمغرب في آخر مدته في شدة الحر. انتهى “المفهم” 5/ 271 – 272. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. انتهى (الذخيرة)
ب – فيما يتعلق بالخمر.
المسألة الأولى: تعريف الخمر وحكمه وحكمة تحريمه:
1 – تعريف الخمر:
الخمر لغة: كل ما خَامَرَ العقل، أي غطاه من أي مادة كان.
وشرعاً: كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو غيره، أو مطبوخاً أو غير مطبوخ. والسُّكْر: هو اختلاط العقل، والمُسْكِر: هو الشراب الذي جعل صاحبه سكران، والسكران: خلاف الصاحي.
2 – حكمه:
حكم الخمر التحريم، وكذا سائر المسكرات، فكل مسكر خمر، فلا يجوز شرب الخمر، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وشربه كبيرة من الكبائر، والخمر محرمة بالكتاب والسنة والإجماع؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90].
فالأمر بالاجتناب دليل على التحريم.
ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (كل شراب أسكر فهو حرام) [رواه البخاري برقم (5585)، ومسلم برقم (2001)] وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) [أخرجه مسلم برقم (2003) -75]. والأحاديث في تحريمها، والتنفير منها، كثيرة جداً تبلغ التواتر.
وقد أجمعت الأمة على تحريمها.
3 – الحكمة في تحريم الخمر:
لقد أنعم الله عز وجل على الإنسان بنعم كثيرة، منها نعمة العقل التي ميزه بها عن سائر المخلوقات، ولما كانت المسكرات من شأنها أن تفقد الإنسان نعمة العقل، وتثير الشحناء والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن الصلاة، وعن ذكر الله، حرمها الشارع، فالخمر خطرها عظيم، وشرها جسيم، فهي مطية الشيطان التي يركبها للإضرار بالمسلمين. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ) [المائدة: 91].
المسألة الثانية: حد شارب الخمر، وشروطه، وبم يثبت؟
1 – حد شارب الخمر:
حد شارب الخمر الجلد، ومقداره: أربعون جلدة، ويجوز أن يبلغ ثمانين جلدة، وذلك راجع لاجتهاد الإمام، يفعل الزيادة عند الحاجة إلى ذلك، إذا أدمن الناس الخمر، ولم يرتدعوا بالأربعين؛ لحديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في قصة الوليد بن عقبة: (جلد النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّةٌ، وهذا أحب إليَّ) [رواه مسلم برقم (1707).]، ولحديث أنس – رضي الله عنه -: (أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين) [رواه مسلم برقم (1706)].
2 – شروط إقامة حد الخمر: يشترط لإقامة الحد على السكران شروط، وهي:
– أن يكون مسلماً، فلا حدَّ على الكافر.
– أن يكون بالغاً، فلا حد على الصبي.
– أن يكون عاقلاً، فلا حد على المجنون، والمعتوه.
– أن يكون مختاراً، فلا حد على المكره والناسي وأمثاله. وهذه الشروط الثلاثة يدل عليها قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه). وقوله صلى الله عنه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة…) الحديث .
– أن يكون عالماً بالتحريم، فلا حد على الجاهل.
– أن يعلم أن هذا الشراب خمر، فإن شربه على أنه شراب آخر، فلا حد عليه.
3 – ما يثبت به حد الخمر:
يثبت حد الخمر بأحد أمرين:
1 – الإقرار بالشرب، كأن يقر، ويعترف بأنه شرب الخمر مختاراً.
2 – البينة، وهي شهادة رجلين عدلين، مسلمين عليه.
المسألة الثالثة: حكم المخدرات والاتجار بها:
1 – حكم المخدرات سوى الخمر:
يقصد بالمخدرات ما يغشي العقل والفكر، ويصيب متعاطيها بالكسل، والثقل، والفتور، من البنج والأفيون والحشيش ونحوها. والمخدرات حرام كيفما كان تعاطيها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (كل شراب أسكر فهو حرام) [رواه البخاري برقم (5585)، ومسلم برقم (2001)]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام…)[ رواه مسلم برقم (2003)] الحديث، ولعظم خطر هذه المواد المخدرة، وشدة إفسادها، وفتكها بشباب الأمة، ورجالها، وشغلهم عن طاعة ربهم، وجهاد أعدائهم، ومعالي الأمور.
2 – حكم الاتجار بالمواد المخدرة:
ورد النهي عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في تحريم بيع الخمر، فقد روى جابر – رضي الله عنه – عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) [رواه مسلم برقم (1581)].
ولقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه)[ رواه أبو داود برقم (3488)، وأحمد (1/ 242)، وهو صحيح (انظر التعليق على مسند أحمد 4/ 95 ح 2221) طبعة الأرناؤوط].
ولذا قال العلماء: إن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه، وأكل ثمنه.
ولما كانت المخدرات يتناولها اسم الخمر، فإنَّ النهي عن بيع الخمر يتناول هذه المخدرات شرعاً، فلا يجوز بيعها إذن، ويكون المال المكتسب من الاتجار بها حراماً. انتهى المقصود [الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، نخبة من العلماء، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف].