1070 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي ، وعبدالحميد البلوشي، وكديم.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله . ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا )
———‘——–‘—–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1070):
قال الإمام البزار رحمه الله كما في كشف الأستار:
حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا عبد الواحد ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن خاله رضي الله عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في المجلس، فشخص بصره إلى رجل في المسجد يمشي، فقال : ((أبا فلان)) ، قال : لبيك يا رسول الله ، ولا ينازعه الكلام إلا قال : يا رسول الله ، قال له : ((أتشهد أني رسول الله ؟)) قال : لا ، قال : ((أتقرأ التوراة ؟)) قال: نعم ، قال : ((والإنجيل ؟)) قال : نعم ، قال : ((والقرآن ؟)) قال : والذي نفسي بيده لو نشاء لقرأته، ثم ناشده: ((هل تجدني في التوراة والإنجيل ؟)) قال: نجد مثلك، ومثل مخرجك، ومثل هيأتك، فكنا نرجو أن يكون فينا، فلما خرجت خوفنا أن تكون أنت هو، فنظرنا فإذا لست أنت هو، قال : ((ولم ذاك ؟)) قال: معه من أمته سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير، فقال: ((والذي نفسي بيده لأنا هو، وإنهم لأمتي، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا)).
قال البزار: لا نعلم أحدًا يرويه عن رسول الله إلا بهذا الإسناد.
قال أبو عبد الرحمن: هو حديث حسن.
وقد أخرجه ابن حبان كما في “الموارد” ص (518). وعبد الواحد هو ابن زياد، كما جاء مصرحًا به عند ابن حبان كما في “الموارد”.
===================
سيكون الحديث في عدة أمور على النحو التالي:
الأمر الأول:
الحديث أخرجه البزار رحمه الله في البحر الزخار المسمى مسند البزار (9ج/برقم3700)، مكتبة العلوم والحكم- المدينة.
وأورده الهيثمي رحمه الله في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، برقم (18698)، باب فيمن يدخل الجنة بغير حساب، وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه، (6580)، والطبري في الكبير (854)، و(855)، وعزاه ابن حجر في الإصابة إلى الحسن بن سفيان في مسنده (3/209).
وقد بوب في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (ج6/192): ” ذكر عناد بعض أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
والحديث أورده الوادعي رحمه الله في ((الجامع الصحيح)) (3/ 339-340)، تحت باب: “قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه”، ذكر قبل الحديث، حديث قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه المشهورة قبل إسلامه.
وفي () بوب: باب فيمن يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
قلت سيف : ورد في الصحيح المسند :
1440 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : سألت ربي عزوجل فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا ، فقلت : أي رب إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي ؟ قال : إذن أكملهم لك من الأعراب.
حديث “إن الله وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حَثَيَات”
الحَثْيَة: مقدار ما يُغترف بكلتا اليدين.
—
واستنكر محققو المسند 14/327 لفظة في الحديث قالوا: لفظة (فاستزدته ) زادها زهير وهو له مناكير .
وقالوا يشهد له حديث أبي بكر في مسند أحمد برقم 22 وفيه ( فزادني مع كل ألف سبعين ألف. قال أبوبكر رضي الله عنه : فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافات البوادي. لكن إسناده فيه ضعف لجهالة الراوي عن أبي بكر والمسعودي اختلط
ورد بلفظ ( وما أرى بقي من أمتي شئ ) قال الألباني عن الزيادة منكرة راجع الضعيفة
——
وحديث الحثيات ضعفه باحث :
لكن الشيخ مقبل أورد هذه الأحاديث في كتابه الشفاعة وحسن بعضها وجعل بعضها في المتابعات
وقال عن حديث أبي أمامة : حديث حسن قال ابن كثير إسناد جيد وفيه ( … مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثياته )
وحديث رفاعة وفيه ( وعدني ربي عزوجل أن يدخل من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وإني لأرجو ألا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة) ويحيى بن ابي كثير صرح بالتحديث عند احمد في بعض الطرق قال ابن كثير : هذا عندي على شرط الصحيح
هذه احسن الطرق والبقية ما بين الضعف الشديد والضعف وبعضها يحتمل الضعف أو الحسن . ومنها ما ضرب عليه الإمام أحمد من كتابه وعلق ابنه على سبب الضرب وراجع كتاب الشفاعة.
وكون أن الحثية الواحدة تشمل السماوات والأرض فرب العزة يختار من يشاء
وورد في الحديث الآخر ثبوت لفظ القبضة أو القبضتين :
2250 – ( صحيح )
عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار …. فيقولون ربنا أخرجنا من أمرتنا ثم يقول أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان في قلبه مثقال ذرة قال أبو سعيد فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الآية ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) قال فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير قال ثم يقول الله شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين قال فيقبض قبضة من النار أو قال قبضتين ناس لم يعملوا لله خيرا قط قد احترقوا حتى صاروا حمما قال فيؤتى بهم إلى ماء يقال له ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم عتقاء الله قال فيقال لهم: ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم عندي أفضل من هذا قال فيقولون ربنا وما أفضل من ذلك قال فيقول رضائي عليكم فلا أسخط عليكم أبدا
قال صاحبنا أبوصالح : الحديث متفق أخرجه البخاري 7439 ومسلم 1/114-117 نقلته من السلسلة الصحيحة 2250
—-
الأمر الثاني: المسائل المتعلقة بالحديث:
الحديث يدور عن بعض الأمور وهي فيمن يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وكذلك دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة خاصة في ذلك.
وسيكون الحديث عن دلائل النبوة الذي تعتبر مصدرًا من مصادر السيرة، وقد ألف في دلائل النبوة كتب كثيرة.
أولاً: مقدمة دلائل النبوة:
قال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [ الحديد: 25 ] أي: بالدلائل والآيات البينات التي تدلُّ على صدقهم.
وأما دلائل النبوة تكون:
أ – دلائل الآيات والمعجزات.
تعريفها: وهي: ما يجريه الله على أيدي رسله وأنبيائه من أمور خارقة للسنن الكونية المعتادة التي لا قدرة للبشر على الإتيان بمثلها، كتحويل العصا إلى أفعى تتحرك وتسعى، فتكون هذه الآية الخارقة للسنة الكونية المعتادة دليلاً غير قابل للنقض والإبطال، يدلُّ على صدقهم فيما جاؤوا به.
وهذه الآيات أنواع:
إذا استقرأنا الآيات والمعجزات التي أعطاها الله لرسله وأنبيائه نجدها تندرج تحت ثلاثة أمور: العلم، والقدرة، والغنى. [انظر: مجموع الفتاوى (11/312-313)]
– فالإخبار بالمغيبات الماضية والآتية، كإخبار عيسى قومه بما يأكلونه وما يدخرونه في بيوتهم، وإخبار رسولنا صلى الله عليه وسلم بأخبار الأمم السابقة، وإخباره بالفتن وأشراط الساعة التي ستأتي في المستقبل، كل ذلك من باب العلم.
– وتحويل العصا أفعى، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وشقّ القمر وما أشبه هذا من باب القدرة.
– وعصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الناس، وحمايته له ممن أراد به سوءاً، ومواصلته للصيام مع عدم تأثير ذلك على حيويته ونشاطه من باب الغنى.
وهذه الأمور الثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، التي ترجع إليها المعجزات لا ينبغي أن تكون على وجه الكمال إلاّ لله تعالى، ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالبراءة من دعوى هذه الأمور {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [ الأنعام: 50 ].
فالرسول صلى الله عليه وسلم يبرأ من دعوى علم الغيب، وملك خزائن الأرض، ومن كونه مَلَكاً مستغنياً عن الطعام والشراب والمال. والرسل ينالون من هذه الثلاثة المخالفة للعادة المطردة، أو لعادة أغلب الناس بقدر ما يعطيهم الله تعالى، فيعلمون من الله ما علمهم إيّاه، ويقدرون على ما أقدرهم عليه، ويستغنون بما أغناهم به.
ولكل معجزاته التي خصه الله بها.
ب – بشارات الأمم السّابقة. كما سيأتي مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم في ثلاثة مراحل:
وللعلماء في بيان دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام طرق عدة، ومنها سرد الأدلة، وشرح الأحاديث والتعليق عليها، ومنها بيان السمات البارزة لنبوته صلى الله عليه وسلم، ومنها بيان المراحل، ..، وغير ذلك.
وهنا سيكون بإذن الله تعالى ذكر المراحل الثلاثة، وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: الدلائل على النبوة قبل نبوته وإرساله عليه الصلاة والسلام.
المرحلة الثانية: الدلائل على نبوته عليه الصلاة والسلام في حياته صلى الله عليه وسلم بعد البعثة.
المرحلة الثالثة: الدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم فيما ظهر بعد وفاته مما أخبر به من أمور الغيب.
فتبدأ هذه المراحل كالتالي:
المرحلة الأولى: الدلائل على النبوة قبل نبوته وإرساله عليه الصلاة والسلام، فيسكون في أمور:
ويمكن الحديث في هذه المرحلة بعدة طرق، فمن ذلك الحديث عن ما جاءت من البشارات عن نبينا صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، وما جاء عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك الحديث من حين مولده إلى بعثته صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، والرجال الذين عرفوا صفاته صلى الله عليه وسلم الدقيقة في الكتب السابقة كورقة بن نوفل، وهرقل، و النجاشي ملك الحبشة، وعبد الله بن سلام، وغيرهم.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل بوصف النبوة والرسالة الخاتمتين، والبشارة به؛ قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 197] فالآية تبين أنَّ من الآيات البينات الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وصدق ما جاء به – علم بني إسرائيل بذلك، وهو علم مسجل محفوظ مكتوب في كتبهم التي يتداولونها؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [ الشعراء: 196].
الأمر الأول: الأدلة الدالة من (النصوص الشرعية) أن نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكِره في التوراة والإنجيل:
1 – دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإنَّ آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول أمري، دعوةُ إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني، أنه خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام)) أخرجه أحمد وغير، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وورد من وجوه مرسله
قلت سيف بن دورة :
في الصحيح المسند
1450 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى وجبت لك النبوة ؟ قال : فيما بين خلق آدم ونفخ الروح فيه
لكن هناك بحث يبين أنه لا يصح حديث . فراجع تعليقنا على الصحيح المسند 1450 لخلصنا مضمون البحث .
وقد أخبرنا الله أنَّ خليل الرحمن إبراهيم وابنه إسماعيل كان يبنيان البيت الحرام ويدعوان، ومن دعائهما ما قصه علينا في سورة البقرة {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [ البقرة: 127-129 ].
وقد استجاب الله دعاء خليله إبراهيم وابنه نبيّ الله إسماعيل، وكان محمد صلى الله عليه وسلم هو تأويل تلك الاستجابة. ولا تزال التوراة الموجودة اليوم – على الرغم مما أصابها من تحريف – تحمل شيئاً من هذه البشارة، فنجد فيها أنَّ الله استجاب دعاء إبراهيم في إسماعيل، فقد ورد في التوراة في سفر التكوين في الإصحاح السابع عشر فقرة (20): (وأمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمّة عظيمة كبيرة). وهذا النصُّ ورد في التوراة السامرية بألفاظ قريبة جداً مما أثبتناه هنا، والترجمة الحرفية للتوراة العبرانية لهذا النص: وأمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأكثره (بمأد مأد) .
وقد ذكر ابن القيم أنَّ بعض نسخ التوراة القديمة أوردت النص كما أثبتناه هنا.
ودلالة هذه البشارة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من وجوه:
الأول: أنَّ الأمة العظيمة عند الله لا بدَّ أن تكون مسلمة، ولم توجد هذه الأمّة من نسل إسماعيل إلاّ بعد بعثة الرسول وانتشار المسلمين في المشارق والمغارب.
الثاني: النصّ العبراني (مأد مأد) صريح في اسم الرسول صلى الله عليه وسلم فالمترجمون ترجموه (جداً جداً أو كثيراً كثيراً) والصواب هو: محمد، لأنها تلفظ بالعبراني (مؤد مؤد) واللفظ العبراني قريب من العربي.
الثالث: قوله: اثني عشر رئيساً يلد، هذا موافق لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيلي أمر هذه الأمة اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.
2 – بشارة موسى عليه الصلاة والسلام
لقد جاء بني إسرائيل الخبرُ اليقين بالنبيِّ الأميّ، على يد نبي الله موسى منذ أمد بعيد، جاءهم الخبر اليقين ببعثه، وبصفاته، ونهج رسالته، وبخصائص ملته، فهو النبي الأمي، وهو يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحلُّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، يضع عن من يؤمنون به من بني إسرائيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم، فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به، وأتباع هذا النبي يتقون ربهم، ويخرجون زكاة أموالهم ويؤمنون بآيات الله. . وجاءهم الخبر اليقين بأن الذين يؤمنون بهذا النبي الأمي، ويعظمونه ويوقرونه وينصرونه ويؤيدونه ويتبعون النور الذي أنزل معه {أولئك هم المفلحون}.
قال تعالى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156-157].
بقية هذه البشارة في التوراة:
وقد بقي من هذه البشارة بقية في التوراة، ففي سفر التثنية، الإصحاح (18) فقرة 18-19 قال الله لموسى: (أقيم لهم أي لبني إسرائيل نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع كلامي الذي يتكلّم به باسمي أنا أطالبه).
ودلالة هذه البشارة على رسولنا صلى الله عليه وسلم بيَّنه، ذلك أنّه من بني إسماعيل وهم إخوة بني إسرائيل، فجدُّهم هو إسحاق، وإسماعيل وإسحاق أخوان، ثم هو أوسط العرب نسباً، وقوله: مثلك، أي: صاحب شريعة مثل موسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل الله كلامه في فمه حيث كان أميّاً لا يقرأ من الصحف، ولكنَّ الله يوحي إليه كلامه، فيحفظه ويرتله، وهو الرسول المرسل إلى الناس كافة، وبنو إسرائيل مطالبون باتباعه وترك شريعتهم لشريعته، ومن لم يفعل فإنَّ الله معذبه (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).
ومما يعرفنا أنَّ هذه البشارة هي بقية البشارة العظيمة التي أوحى الله بها إلى موسى، وأخبرنا بها القرآن الكريم، أن هذه البشارة وردت في موقف معين، فعندما اختار موسى من قومه سبعين رجلاً لميقات الله أخذتهم الرجفة، وذلك بسبب طلبهم رؤية الله جلَّ وعلا، فدعا موسى ربَّه وتوسل إليه، فبعثهم الله من بعد موتهم، قال الله بعد توسل موسى ودعائه {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ..} الآيات.
وإذا رجعت إلى التوراة في سفر الخروج تجد أنَّ هذه البشارة إنما أوحى الله بها إلى موسى بعد ذهابه لميقات الله، وتتحدث التوراة عن شيء قريب من الرجفة (وكل الشعب سمع الأصوات وصوت البوق، ونظروا الشهب والجبل دخاناً ونظر كل القوم وتشردوا ووقفوا من بعد..) سفر الخروج، الإصحاح (20) فقرة: 18. (وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق، وصوت البوق والجبل يدخن، ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد..).
ثم إنَّهُ تَعالى وصَفَ مُحَمَّدًا ﷺ في هَذِهِ الآيَةِ بِصِفاتٍ تِسْعٍ:
الصِّفَةُ الأُولى: كَوْنُهُ رَسُولًا، وقَدِ اخْتَصَّ هَذا اللَّفْظُ بِحَسَبِ العُرْفِ بِمَن أرْسَلَهُ اللَّهُ إلى الخَلْقِ لِتَبْلِيغِ التَّكالِيفِ.
الصِّفَةُ الثّانِيَةُ: كَوْنُهُ نَبِيًّا، وهو يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ رَفِيعَ القَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
الصِّفَةُ الثّالِثَةُ: كَوْنُهُ أُمِّيًّا. قالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى﴿الأُمِّيَّ﴾ الَّذِي هو عَلى صِفَةِ أُمَّةِ العَرَبِ. قالَ – عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ((إنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ)) فالعَرَبُ أكْثَرُهم ما كانُوا يَكْتُبُونَ ولا يَقْرَءُونَ، والنَّبِيُّ – عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – كانَ كَذَلِكَ، فَلِهَذا السَّبَبِ وصَفَهُ بِكَوْنِهِ أُمِّيًّا. قالَ أهْلُ التَّحْقِيقِ: وكَوْنُهُ أُمِّيًّا بِهَذا التَّفْسِيرِ كانَ مِن جُمْلَةِ مُعْجِزاتِهِ.
الصِّفَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ نَعْتَهُ وصِحَّةَ نُبُوَّتِهِ مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَكانَ ذِكْرُ هَذا الكَلامِ مِن أعْظَمِ المُنَفِّراتِ لِلْيَهُودِ والنَّصارى عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ؛ لِأنَّ الإصْرارَ عَلى الكَذِبِ والبُهْتانِ مَن أعْظَمِ المُنَفِّراتِ، والعاقِلُ لا يَسْعى فِيما يُوجِبُ نُقْصانَ حالِهِ، ويُنَفِّرُ النّاسَ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ، فَلَمّا قالَ ذَلِكَ دَلَّ هَذا عَلى أنَّ ذَلِكَ النَّعْتَ كانَ مَذْكُورًا في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، وذَلِكَ مِن أعْظَمِ الدَّلائِلِ عَلى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ.
الصِّفَةُ الخامِسَةُ: قَوْلُهُ: ﴿يَأْمُرُهم بِالمَعْرُوفِ﴾
الصِّفَةُ السّادِسَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ويَنْهاهم عَنِ المُنْكَرِ﴾ والمُرادُ مِنهُ أضْدادُ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ، وهي عِبادَةُ الأوْثانِ، والقَوْلُ في صِفاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، والكُفْرُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى النَّبِيِّينَ، وقَطْعُ الرَّحِمِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ.
الصِّفَةُ السّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ﴾ .
الصِّفَةُ الثّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ﴾ قالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: يُرِيدُ المَيْتَةَ والدَّمَ وما ذُكِرَ في سُورَةِ المائِدَةِ إلى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم فِسْقٌ﴾ [المائِدَةِ: ٣].
الصِّفَةُ التّاسِعَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَضَعُ عَنْهم إصْرَهم والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾.
واعْلَمْ أنَّهُ لَمّا وصَفَ مُحَمَّدًا – عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – بِهَذِهِ الصِّفاتِ التِّسْعِ، قالَ بَعْدَهُ: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنِي مِنَ اليَهُودِ ﴿وعَزَّرُوهُ﴾ يَعْنِي وقَّرُوهُ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ونَصَرُوهُ﴾ أيْ عَلى عَدُوِّهِ ﴿واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ﴾.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفاتِ قالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ أيْ هُمُ الفائِزُونَ بِالمَطْلُوبِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
3 – بشارة عيسى عليه الصلاة والسلام.
وأخبرنا الله – سبحانه – أن عيسى بشر برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف: 6]. وأحمد من أسماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)). رواه البخاري (4896)، ومسلم (2354).
مثلان في التوراة والإنجيل:
ضرب الله في التوراة والإنجيل مثلين لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [ الفتح: 29 ]. [الموسوعة العقدية] بتصرف يسير.
الأمر الثاني: فيما وورد في (الكتب السابقة) من ذكر أن نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يلي :
أولا : جاء في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر الفقرات 18و19 : “يا موسى أني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي فيه، ويقول لهم ما أمره به، والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه”.
وهذا النص موجود عندهم الآن، فقوله :” من إخوانهم “، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال سأقيم لهم نبياً منهم، لكنه قال من إخوتهم أي أبناء إسماعيل.
ثانيا: جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرات 16-17 : ” إن خيراً لكم أن أنطلق لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، وان لي كلاماً كثيراً أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي “.
وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا : قال ابن القيم رحمه الله : ” قال في التوراة في السفر الخامس : – : ” أقبل الله من سيناء ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الإظهار عن يمينه “. وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه من ” سينا ” : وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، ونبأه عليه إخبار عن نبوته ، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس،
و” ساعير ” : قرية معروفة هناك إلى اليوم ، وهذه بشارة بنبوة المسيح.
“وفاران ” : هي مكة ، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح ، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ونبوة خاتم الأنبياء باستعلاء الشمس ، وظهور ضوءها في الآفاق ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء . فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة {والتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين}” ا.هـ [ انظر هداية الحيارى ص 110 ، وما ذكره ابن القيم هو في العهد القديم سفر التثنية الإصحاح 33 فقرة 1 ]
وقد ذكر العلماء العديد من المواضع التي ذكر فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، مرة بذكر اسمه الصريح ، ومرة بذكر وصف لا ينطبق إلا عليه صلى الله عليه وسلم.
تنبيه1: أنه قد طرأ تغيير على الكتب الموجودة الآن من التوراة والإنجيل وحدث تغيير فيها، وقد ذكر المؤرخون من غير المسلمين هذا الأمر، لكن مع ذلك كله لازلنا نجد في التوراة والإنجيل التبشير بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الشيخ رحمة الله الهندي أن النصارى كلما استطاعوا تحريف موضع حرفوه، ولذلك تجد بعض العلماء القدامى يذكرون مواضع في التوراة والإنجيل ليست موجودة الآن، لكن هناك مواضع أخرى لا زالت تبشر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقدومه.
وكانوا على التحريف حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما في الرجم، وقد عقد ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، الجزء الثاني، “تحريف أهل الكتاب وتبديلهم أديانهم”.
تنبيه2: أنه لا بد من تسلح الإنسان بالعلم الصحيح الوافي عند مناقشة النصارى، وهم وإن لم يكن لديهم حجج، إلا إنه يسعون لبث الشبه في نفوس الناس ، ليستسلموا لها ، وليغيب الحق ، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ومن الكتب المفيدة في هذا السياق:
– كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي.
– وكتاب هداية الحيارى لابن القيم.
– ومن قبله الجواب الصحيح لابن تيمية.
ويمكن أن يتفرع عن هذا دلالة عظيمة، وهي: (اتفاقه صلى الله عليه وسلم مع الرُّسل عليهم الصلاة والسلام في الدعوة لوحدانية الله)، وهي من أعظم السمات البارزة لنبوته صلى الله عليه وسلم.
———
المرحلة الثانية: الدلائل على نبوته عليه الصلاة والسلام في حياته صلى الله عليه وسلم بعد البعثة.
ويكون الحديث عن أخلاقه وصفاته، وشمولية رسالته وعن المعجزات التي أجراها الله على يده صلى الله عليه وسلم، وسيكون الحديث في الآيات والمعجزات فقط بإذن الله تعالى في هذه المرحلة، وذلك لطول ما فيه وسبق ذكر شيء من صفاته صلى الله عليه وسلم كما في بشارة موسى عليه الصلاة والسلام.
معجزاته صلى الله عليه وسلم، وهي كالتالي بالإجمال:
ويمكن تقسيمها كالتالي:
أ – المعجزات: (القرآن العظيم، الإسراء والمعراج، إخباره بالأمور الغيبية، إجابة دعوته، كف الأعداء عنه)
ب – وفي الجمادات. (انشقاق القمر، تسليم الحجر)
ج – الحيوانات. (شكوى البعير)
د – الأشجار. (انقياد الشجر وتسليمه وكلامه، حنين الجذع إليه صلى الله عليه وسلم)
هـ – المياه. (تسبيح الطعام وتكثير القليل بإذن الله عز وجل، ونبع الماء من أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم).
و – الأطعمة.
ز – الطب. (إبراء المرضى)
وهذا شيء من تفصيل في بعض ما ذكر:
- إخباره بالغيوب المستقبلة .
ومن أمثلته: أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخبر الناس أن الروم غُلبت من قبل الفرس وأنهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين – وهي من ثلاث إلى تسع – ، وقد انتظر الكفار اكتمال المدة ليروا صدق النبي صلى الله عليه وسلم من عدمه فجاء الأمر كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربِّه عز وجل، وهي حادثة تاريخية لا يمكن إنكارها، بالإضافة إلى إخبار الله تعالى عنها في القرآن الكريم.
- الإسراء والمعراج.
وهي حادثة عجيبة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عُرج به إلى السماء فرأى فيها عجباً، وقد استغرقت الرحلة جزء يسيراً من الليل، فلمّا أعلن النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما حصل معه كانت فرصة للمشركين لتكذيبه والطعن في نبوته ورسالته، وكل المشركين يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن رأى من قبل بيت المقدس فكانت فرصتهم في سؤاله عن أوصاف بيت المقدس! فجلاَّه له ربُّه تعالى فرآه رأي العين فصار يصفه لهم وهم في غاية الدهشة من ذلك.
- انشقاق القمر .
وهي حادثة تاريخية – أيضاً – وهي مدونة في القرآن الكريم، فقد طلب الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية رأي العين، فانشق القمر أمامهم شقين فصار كل شق في جهة فقال لهم النبي صلى الله عليه سلم ((اشْهَدُوا ))، ومن المعلوم أن طلب آية عظيمة ثم حصولها لهم بعد ذلك من الله تعالى فيه أعظم دليل على صحة النبوة والرسالة للمطلوب منه ذلك.
04 إن أعظم دليل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي المعجزة الباقية: هو هذا القرآن العظيم، الذي قال الله فيه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}؛ ولهذا فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن هو أعظم آية تدل على صدقه، وأعظم معجزة جاء بها نبي من أنبياء الله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين : روى البخاري (49891) ومسلم (152) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
الأدلة أن القرآن الكريم كتاب الله تعالى:
فأما بالنسبة للقرآن وما الذي يثبت أنه كتاب الله، فهذه الشبهة قد طرحها الكفار الأوائل الذين أرسل إليهم النبي صلى اله عليه وسلم عنادا واستكبارا، فرد الله عليهم قولهم بأدلة كثيرة تبطل قولهم وتبين فساده، منها:-
1- أن هذا القرآن تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط ، فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بمثل أصغر سورة من القرآن فلم يستطيعوا ، مع أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق ، وأفصحهم ، والقرآن نزل بلغتهم ، ومع هذا أعلنوا عجزهم التام الكامل ، وبقي التحدي على مدار التاريخ ، فلم يستطع أحد من الخلق أن يأتي بشيء من ذلك ، ولو كان هذا كلام بشر لاستطاع بعض الخلق أن يأتي بمثله أو قريبا منه .والأدلة على هذا التحدي من القرآن كثيرة منها قوله تعالى : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} الاسراء:88
وقال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بعشر سور فقط: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود:13
قال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فقط : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة:23
2- أن البشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو ، والنقص ، فلو كان القرآن ليس كلام الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص؛ كما قال تعالى : {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض ، بل كله حكمة ورحمة وعدل ، ومن ظن فيه تعارضا فإنما أتي من عقله المريض ، وفهمه الخاطئ ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب ، وكشفوا عنه الإشكال؛ كما قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز . لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت: 41،42
3- أن الله تكفل بحفظ هذا القرآن العظيم؛ كما قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر:9. فكل حرف منه ينقله الآلاف عن الآلاف على مدار التاريخ لم يختلفوا في حرف واحد منه، ولو حاول أي شخص أن يحرف فيه أو يزيد أو بنقص فإنه يفتضح مباشرة؛ لأن الله سبحانه هو الذي تكفل بحفظ القرآن بخلاف غيره من الكتب السماوية التي أنزلها الله لقوم النبي فقط وليس لجميع الخلق، فلم يتكفل بحفظها بل وكل حفظها إلى أتباع الأنبياء فلم يحفظوها، بل دخلها التحريف والتغيير المفسد لكثير من معانيها، أما القرآن فقد أنزله الله لجميع الخلق على امتداد الزمن؛ لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة ، فصار القرآن محفوظا في الصدور ، ومحفوظا في االسطور ، وحوادث التاريخ تثبت ذلك. فكم من شخص اجتهد في تحريف آيات القرآن وترويجها عند المسلمين فسرعان ما يفتضح أمره ، وينكشف زيفه ، حتى عند أطفال المسلمين.
ومما يدل دلالة قطعية على أن هذا القرآن ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو وحي من الله أوحاه له :
4- الإعجاز العظيم الذي اشتمل عليه القرآن في التشريعات ، والأحكام ، والقصص ، والعقائد ، الذي لا يمكن أن يصدر عن أي مخلوق مهما بلغ من العقل والفهم ، فمهما حاول الناس أن يسنوا تشريعات وقوانين لتنظيم حياتهم ، فلا يمكن أن تفلح ما دامت بعيدة عن توجيهات القرآن ، وبقدر هذا البعد بقدر ما يكون الفشل.
5- الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية مما لا يمكن أن يستقل بشر مهما بلغ من العلم أن يخبر به خاصة في ذلك الزمن الذي يعتبر بدائيا من جهة التقنية والآلات الحديثة، فهناك أشياء كثيرة لم يتم اكتشافها إلا بعد تجارب طويلة مريرة بأحدث الأجهزة ، والآلات ، قد أخبرنا الله عنها في القرآن ، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا، كأحوال الجنين، ومراحل نموه، وأحوال البحار، وغير ذلك.
مما جعل بعض الكافرين يقرون بأن هذا لا يمكن أن يكون إلا من عند الله، ومن أمثلة ذلك أطوار الجنين:
فمنذ 60 عاما فقط، تأكد الباحثون من أن الإنسان لا يوجد دفعة واحدة، إنما يمر بأطوار ومراحل، طورا بعد طور ومرحلة بعد مرحلة، وشكلا بعد شكل. منذ 60 عاما فقط وصل العلم إلى إحدى الحقائق القرآنية.
قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [ الزمر]، ويقول : {مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا } [نوح ].
وأما الأخبار الكثيرة في القرآن عن البحار فبعضها لم يكتشف إلا في العصور المتأخرة ، وكثير منها لا يزال مجهولا . فمثلاً هذه حقيقة تم الوصول إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية .. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة .. والذي قال هذا الكلام هو ( البروفيسور شرايدر ) .. وهو من أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية .. كان يقول : إذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين .. لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن بهت، وقال : إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر ..، ويأتي ( البروفيسور دورجاروا ) أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل إليه العلم في قوله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [سورة النور : 40]، .. فيقول: لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا ..، ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر ..، الآية الكريمة تقول : {بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} كما .. أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى : {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة …منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخرة .. فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر .. واختفاء كل لون يعطي ظلمة ..، فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر ..، وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر ..، كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة ..، أما قوله تعالى : {مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ}، فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي ..، وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها .. فكأنها موج من فوقه موج .. وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية : إن هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا وينظر (الأدلة المادية على وجود الله”.())
وهذه الدلالة العظيمة (الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية) يمكن أن يستقل في دلالته على نبوته صلى الله عليه وسلم.
والأمثلة على ذلك كثيرة جدا.
6- أن في القرآن بعض الآيات التي فيها معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر بعض الأمور التي نبه الله عليها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبعضها قد يكون فيها إحراج للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كان هذا القرآن من عند رسول الله ، لما احتاج إلى هذا ، ولو كان كتم شيئا من القرآن لكتم بعض هذه الآيات المشتملة على العتاب له وتنبيهه على بعض ما كان الأولى به أن لا يفعله كما في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه}[الأحزاب: من الآية37].
أيبقى بعد هذا شك عند ذي عقل: أن هذا القرآن هو كلام الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أوحي إليه أكمل بلاغ وأتمه ؟!
المرحلة الثالثة: الدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم فيما ظهر بعد وفاته مما أخبر به من أمور الغيب.
من الفتن وأشراط الساعة التي تقع.
وسبق في (الأدلة أن القرآن الكريم كتاب الله تعالى) ذكر شيء منها في النقطة الخامسة، وهي: (الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية).
والأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وقد اكتفينا بما ذكرناه لما نعلمه أن العاقل يكفيه دليل أو دليلان، ولو كان الشخص في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا الإيمان بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم.