1068 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا).
——–‘——-‘———‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1068):
قال الإمام البزار رحمه الله كما في كشف الأستار: حدثنا علي بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله الفلتان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، وأريت مسيح الضلالة، فرأيت رجلين يتلاحيان فحجزت بينهما فأنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر وترا. فأما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة، ممسوح العين اليسرى، عريض النحر كأنه عبد العزى بن قطن)).
قال البزار: لا نعلم أحدا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الطريق.
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن.
* الحديث أخرج أوله ابن أبي شيبة، فقال رحمه الله: حدثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله الفلتان بن عاصم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر وترا)).
* قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله، يعني: الفلتان بن عاصم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما مسيح الضلالة, فرجل أجلى الجبهة، ممسوح العين اليسرى، عريض النحر فيه دفاء كأنه فلان بن عبد العزى، أو عبد العزى بن فلان)).
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن.
===================
سيكون الحديث في عدة أمور على النحو التالي:
الأمر الأول: الحديث أورده الوادعي رحمه الله في ((الجامع الصحيح)) (1/ 342)، تحت باب: “الإيمان بعلامات الساعة”، ذكر جملة من الأحاديث التي فيها ذكر علامات الساعة.
- الفلتان بن عاصم الجرمي، ترجمته في أسد الغابة (4/ 368)، والإصابة (3/ 209)، وقد ذكره ابن حبان في الصحابة (3/ 333)، وقال: الفلتان بن عاصم خال كليب، له صحبة، عداده في الكوفيين. وانظر ترتيب ثقات ابن حبان الترجمة (10705).
شرح الحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((كأنه فلان بن عبد العزى، أو عبد العزى بن فلان)).
” الحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر له صفات البشر، لاسيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن. فالحديث من الأدلة الكثيرة على البطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص وإنما هو رمز للحضارة الأوربية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر وفتنة أكبر من ذلك كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه”. [“الصحيحة” (3/ 190 – 191)].الأمر الثاني: المسائل المتعلقة بالحديث:
المسألة الأولى: أصح ما ورد من الأحاديث في ليلة القَدْر، في تسعة أمور:
1 – ما ورَد في فضلها:
عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه قال: ((مَن يَقُمْ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه)). رواه البخاريُّ (35)، ومسلم (760)
2 – ما يُقال ليلتها:
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدْر؛ ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي))
رواه الترمذي (3513)، وابن ماجه (3119)، وأحمد (6/ 171) (25423) قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الأذكار)) (247)، وصحَّح الحديثَ ابن ُالقيِّم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 249)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (3513).3 – ما ورد أنَّها في العَشر الأواخر من رمضان:
(1) عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يُجاوِر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ، ويقول: ((تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ)) رواه البخاريُّ (2020)، ومسلم (1169)
(2) عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أُريتُ ليلَةَ القدْرِ، ثُمَّ أيقظَنِي بعضُ أهلِي فنُسِّيتُها؛ فالْتَمِسوها في العَشرِ الغَوابِرِ)) رواه مسلم (1166)
(3) عن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول لليلةِ القَدْر: ((إنَّ ناسًا منكم قدْ أُرُوا أنَّها في السَّبع الأُوَل، وأُرِي ناسٌ منكم أنَّها في السَّبع الغَوابِر؛ فالْتمِسوها في العَشْر الغَوابِرِ)) رواه مسلم (1165)
(4) عن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((تَحَيَّنوا ليلةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ – أو قال: في التِّسعِ الأواخِرِ)) رواه مسلم (1165)
4 – ما ورَد في الْتِماسها في الوَتْر من العَشر الأواخِر:
(1) عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ)) رواه البخاريُّ (2017)
(2) عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال: ((إنِّي أُريتُ ليلةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُها (أو أُنسيتُها)؛ فالْتمِسوها في العَشرِ الأواخرِ من كلِّ وَترٍ)). رواه البخاريُّ (2036)، ومسلم (1167)
5 – ما ورَد في الْتِماسها في التَّاسعة والسَّابعة والخامسة من العَشر:
(1) عن ابنِ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى)) رواه البخاريُّ (2021)
(2) عن ابن عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما: قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((هِي في العَشر، هي في تِسع يَمضِين، أو في سَبْعٍ يَبقَين))؛ يعني: ليلةَ القَدْر. رواه البخاريُّ (2022)
(3) عن عُبادةَ بن الصَّامتِ قال: خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ليُخبِرَنا بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى رجُلانِ من المسلمين، فقال: ((خرجتُ لأُخبِرَكم بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ؛ فرُفِعتْ! وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم؛ فالْتمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ)) رواه البخاريُّ (2023)، ومسلم (1174)
والمعنى: في ليلة التاسع والعشرين وما قبلها من الوتر، أو في ليلة الحادي والعشرين وما بعدها من الوتر، أو في ليلة الثاني والعشرين وما بعدها من الشفع.
6 – ما ورَد في الْتِماسها في السَّبع الأَواخِر:
(1) عن عبداللهِ بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((الْتمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ – يعْنِي: ليلَةَ القدْرِ – فإنْ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السَّبْعِ البواقِي)) رواه مسلم (1165)
(2) عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ أُناسًا أُرُوا ليلةَ القَدْر في السَّبع الأواخِر، وأنَّ أُناسًا أُرُوا أنَّها في العَشر الأواخِر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((الْتَمِسوها في السَّبع الأواخِرِ)) رواه البخاريُّ (6991) واللَّفظ له، ومسلم (1165)
(3) عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَحرُّوا ليلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأواخِرِ)) رواه مسلم (1165)
(4) عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ رِجالًا من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أُرُوا ليلةَ القَدْر في المنامِ في السَّبع الأواخِر، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((أَرَى رُؤياكم قد تَواطأتْ في السَّبع الأواخِر؛ فمَن كان مُتحرِّيَها، فلْيَتحرَّها في السَّبع الأواخِر)) رواه البخاريُّ (2015)، ومسلم (1165)
7 – ما ورَد في أنَّها ليلةُ الثَّالث والعِشرين:
عن عبداللهِ بن أُنيسٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أُريتُ ليلةَ القَدْر، ثمَّ أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ))، قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانصرَف، وإنَّ أثَرَ الماء والطِّين على جَبهته وأنفِه. قال: وكان عبدالله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين. رواه مسلم (1168)
8 – ما ورَد في أنَّها ليلةُ السَّابع والعِشرين:
قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ: ((واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ)) رواه مسلم (762)
(2) عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. فقال: ((أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ))؟ رواه مسلم (1170)
(شِقِّ جَفْنَةٍ: أيْ: نِصف قَصعةٍ؛ قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ: أيْ: ليلة سَبْع وعِشرين؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفة).
9 – ما ورَد في علامتها:
(1) عن أُبيِّ بنِ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: ((هي ليلةُ صَبيحةِ سَبعٍ وعِشرين، وأمارتُها أنْ تطلُعَ الشَّمسُ في صَبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها)) رواه مسلم (762). [انظر: الدرر السنية].
المسألة الثانية: جملة من المسائل المتعلقة بليلة القدر (قاله ابن الجوزي)
1 – ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال:
أحدها: أن القَدْرَ: العظمةُ، من قولك: لفلان قَدْر، قاله الزهري؛ ويشهد له قوله تعالى: {وما قَدَرُوا الله حق قَدْرِه} [الأنعام: 91] و [الزمر: 67].
والثاني: أنه من الضيق، أي: هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون، قاله الخليل بن أحمد؛ ويشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُه} [الطلاق: 7].
والثالث: أن القَدْرَ: الحُكم كأن الأشياء تقَدَّرُ فيها، قاله ابن قتيبة.
والرابع: لأن من لم يكن له قَدْر صار بمراعاتها ذَا قَدْر، قاله أبو بكر الورَّاق.
والخامس: لأنه نزل فيها كتاب ذُو قَدر، وتنزل فيها رحمة ذات قَدْر، وملائكةٌ ذوُو قَدْر، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.
2 – فصل:
واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية، أم كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؟ والصحيح بقاؤها.
وهل هي في جميع السنة، أم في رمضان؟
فيه قولان:
أحدهما: في رمضان، قاله الجمهور.
والثاني: في جميع السنة، قاله ابن مسعود.
واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض؟ على قولين:
أحدهما: أنها في العشر الأواخر، قاله الجمهور، وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه؛ وقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعةٍ تبقى، أو سابعة تبقى، أو في خامسة تبقى» وفي حديث أبي بَكْرَة قال: ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاَ في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول: «التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة».
والقول الثاني: أنها في جميع رمضان، قاله الحسن البصري.
واختلف القائلون بأنها في العشر الأواخر هل تختص ليالي الوتر دون الشفع؟ على قولين.
أحدهما: أنها تختص الأفراد، قاله الجمهور.
والأحاديث الصحاح كلها تدل عليه، وقد أخرج البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ابتغوها في العشر الأواخر في الوتر منها».
والثاني: أنها تكون في الشفع كما تكون في الوتر، قاله الحسن.
وروي عن الحسن ومالك بن أنس قالا: هي ليلة ثماني عشرة.
واختلف القائلون بأنها في الأفراد في أخص الليالي بها على خمسة أقوال:
أحدها: أن الأخص بها ليلة إحدى وعشرين.
فروى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسط، واعتكفنا معه، فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع، ورجعنا معه، وأُرِيَ ليلة القدر، ثم أُنسيها، فقال: «إني رأيتُ ليلة القدر، ثم أُنسيتها وأُراني أسجد في ماء وطين، فمن اعتكف فليرجع إلى مُعتَكفه، وهاجت علينا السماء آخر تلك العشية، وكان سَقْفُ المسجد عريشًا من جريد، فوكف المسجد فوالذي هو أكرمه، وأنزل عليه الكتاب لَرَأَيْتُه يصلي، بدأ المغرب ليلة إحدى وعشرين، وإن جبهته وأرنبة أنفه لفي الماء والطين» وهذا مذهب الشافعي.
والثاني: أن الأخص بها ليلة ثلاث وعشرين.
روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة ثلاث وعشرين. اطلبوها الليلة».
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئًا فليقم ليلة ثلاث وعشرين».
وروى مسلم في أفراده من حديث عبد الله بن أُنَيْس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُرِيتُ ليلة القدر ثم أُنسيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجد في ماء وطين. قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه» قال: وكان عبد الله بن أُنَيْس يقول ليلة ثلاث وعشرين.
والثالث: ليلة خمس وعشرين، روى هذا المعنى أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والرابع: ليلة سبع وعشرين، روى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان متحريًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين، يعني: ليلة القدر، وهذا مذهب على وأُبَيِّ بن كعب.
وكان أُبَيٌّ يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، وبه قال ابن عباس، وعائشة، ومعاوية، واختاره أحمد رضي الله عنه.
وروي عن ابن عباس: أنه استدل على ذلك بشيئين:
أحدهما: أنه قال: إن الله تعالى خلق الإنسان على سبعة أصناف، يشير إلى قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} [المؤمنين: 12] الآيات.
ثم جعل رزقه في سبعة أصناف يشير إلى قوله تعالى: {أنا صببنا الماء صبًا} [عبس: 25] ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام، وجعل السموات سبعًا، والأرضين سبعًا، والمثاني سبعًا، فلا أرى ليلة القدر إلا ليلة السابعة وعشرين.
والثاني: أنه قال: قوله تعالى: {سلام} هي الكلمة السابعة والعشرون، فدل على أنها كذلك.
واحتج بعضهم فقال: ليلة القدر كُرِّرت في هذه السورة ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، والتسعة إذا كُرِّرت ثلاثًا فهي سبع وعشرون، وهذا تنبيه على ذلك.
والقول الخامس: أن الأولى طلبها في أول ليلة من رمضان، قاله أبو رزين العقيلي.
وروى أيوب عن أبي قُلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر.
فأما الحكمة في إخفائها فليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان طَمَعًا منهم في إدراكها، كما أخفى ساعة الجمعة، وساعة الليل، واسمه الأعظم، والصلاة الوسطى، والوليُّ في الناس. انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله [من (زاد المسير) (ج9/ ص 183 – 190) ط: المكتب الإسلامي]
=======
=======
المسألة الثالثة: من أشراط السَّاعة الكبرى: المسيح الدَّجاَّل ”
أولاً: صفة الدجال والأحاديث الواردة في ذلك:
الدجال رجل من بني آدم، له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث؛ لتعريف الناس به، وتحذيرهم من شره، حتى إذا خرج؛ عرفه المؤمنون، فلا يفتنون به، بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس، فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة، نسأل الله العافية.
ومن هذه الصفات أنه رجل، شاب، أحمر، قصير، أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وهذه العين ليست بناتئه -أي: أن عينه ليست بارزة-، ولا جحراء -ليست غائرة منجحرة في نفرتها-، كأنها عنبة طافئة، وعينه اليسرى عليها ظفرة – لحمة تنبت عند المآقي، وقد تمتد إلى السواد فتغشاه – غليظة، ومكتوب بين عينيه (ك ف ر) بالحروف المقطعة، أو (كافر) بدون تقطيع، يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب، ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له.
وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي جاء فيها ذكر صفاته ا لسابقة، وهي من الأدلَّة على ظهور الدجال:
1 – عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول اله صلى الله عليه وسلم، قال: ((بينا أنا نائم أطوف بالبيت … (فذكر أنه رأى عيسى بن مريم عليه السلام، ثم رأى الدجال، فوصفه، فقال): ((فإذا رجل جسيم، أحمر، جعد الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافئة))؛ قالوا: هذا الدجال أقرب الناس به شبهًا ابن قطن ” رجل من خزاعة [صحيح البخاري وصحيح مسلم].
2 – وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال: ((إن الله تعالى ليس بأعور، ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى؛ كأن عينة عنبة طافية)). [صحيح البخاري وصحيح مسلم].
3 – وفي حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال: ((إنه شاب، قطط (أي: شديد جعودة الشعر) عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن)). [صحيح مسلم].
4 – وفي حديث عبادة بن الصامت رضى الله غنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مسيح الدجال رجل، قصير، أفجع، جعد، أعور، مطموس العين، ليس بناتئه ولا جحراء، فإن ألبس عليكم؛ فاعلموا أن ربكم ليس بأعور)). [انظر: “صحيح الجامع الصغير].
5 – وفي حديث أبي هريرة رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأما مسيح الضلالة؛ فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه دفأ)) (الدفأ مقصور: الانحناء). [مسند الإمام أحمد، تحقيق وشرح أحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح”، وحسنه ابن كثير، انظر: “النهاية].
قلت سيف بن دورة:
قال الهيثمي المسعودي اختلط. وقال محققو المسند وبينوا اختلاطه وأن رواية يزيد وأبي النضر بعد الاختلاط. وقد أخطأ المسعودي وان الصواب رواية خالد الواسطي وصالح بن عمر ومحمد بن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن خاله الفلتان بن عاصم
وذكروا أن زيادة قوله: قال يارسول الله هل يضرني شبهه. قال ابن حجر: هذه الزيادة ضعيفة فإن في سندها المسعودي وقد اختلط والمحفوظ أنه عبدالعزى بن قطن وقد هلك في الجاهلية كما قال الزهري …
ثم بينوا أنه ورد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه: عرضت علي النار فرأيت فيها عمرو بن لحي. الحديث وفيه: واشبهه من رأيت بن أكثم بن أبي الجون. فقال أكثم: يا رسول الله أيضرني شبهه؟ قال: لا انك مسلم وهو كافر.
6 – وفي حديث حذيفة رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: ((الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر)) (أي: كثيره) “. [صحيح مسلم].
7 – وفي حديث أنس رضى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: ((وإن بين عينيه مكتوب كافر)). [صحيح البخاري وصحيح مسلم]. وفي رواية: ((ثم تهجاها (ك ف ر) يقرؤه كل مسلم)). [صحيح مسلم]. وفي رواية عن حذيفة: ((يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب)). [صحيح مسلم].
وهذه الكتابة حقيقة على ظاهرها (خلافًا لمن قال: إنها مجاز عن سمة الحدوث؛ فإنه مذهب ضعيف، انظر: “شرح النووي لمسلم). ولا يشكل رؤية بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض، وقراءة الأمي لها”؛ وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بصره، وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر، ولو كان يعرف الكتابة؛ كما يرى المؤمن الأدلَّة بعين بصيرته، ولا يراه الكافر، فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم؛ لأن ذلك الزمن تنخرق فيه العادات “. [فتح الباري].
قال النووي: ” الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله؛ يظهرها الله تعالى لكل مسلم؛ كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك “. [شرح النووي لصحيح مسلم].
8 – ومن صفاته أيضًا: ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في قصة الجساسة، وفيه قال تميم رضى الله عنه: ” فانطلقنا سراعًا، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط، وأشده وثاقًا “. [صحيح مسلم].
9 – وفي حديث عمران بن حصين رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله رضى الله عنه، يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام السَّاعة خلق أكبر من الدجال)) [صحيح مسلم].
10 – وأما أن الدجال لا يولد له؛ فما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه في قصته مع ابن صياد، فقد قال لأبي سعيد: ” ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إنه لا يولد له))؟ قال: قلت: بلى”. [صحيح مسلم].
والملاحظ في الروايات السابقة أن في بعضها وصف عينه اليمنى بالعور، وفي بعضها وصف عينه اليسرى بالعور، وكل الروايات صحيحة، وهذا فيه إشكال.
فذهب الحافظ ابن حجر إلى أن حديث ابن عمر الوارد في الصحيحين، والذي جاء فيه وصف اليمنى بالعور أرجح من رواية مسلم التي جاء فيه وصف عينه اليسرى بالعور؛ لأن المتفق على صحته أقوى من غيره. [فتح الباري].
وذهب القاضي عياض إلى أن عيني الدجال كلتيهما معيبة؛ لأن الروايات كلها صحيحة، وتكون العين المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة – بالهمز – أي: التي ذهب ضوؤها، وهي العين اليمنى؛ كما في حديث ابن عمر.
وتكون العين اليسرى التي عليها ظفرة غليظة، وهي الطافية – بلا همز – معيبة أيضًا، فهو أعور العين اليمنى واليسرى معًا، فكل واحدة منهما عوراء؛ أي: معيبة؛ فإن الأعور من كل شيء: المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، فكلا عيني الدجال معيبة عوراء، إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها.
قال النووي في هذا الجمع: “هو في نهاية من الحسن “. [انظر: شرح النووي لمسلم]. ورجحه أبو عبد الله القرطبي [التذكرة].
* هل الدجال حي؟ وهل كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟
وقبل الجواب عن هذين السؤالين: لا بد من معرفة حال ابن صياد؛ هل هو الدجال أو غيره؟
وإذا كان الدجال غير ابن صياد؛ فهل هو موجود قبل أن يظهر بفتنته أو لا؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة نعرف بابن صياد:
* ابن صياد: اسمه هو صافي – وقيل: عبد الله – بن صياد أو صائد [انظر: فتح الباري].
كان من يهود المدينة، وقيل: من الأنصار، وكان صغيرًا عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وذكر ابن كثير أنه أسلم، وكان ابنه عمارة من سادات التابعين، روى عنه الإمام مالك وغيره. [انظر: “النهاية/ الفتن والملاحم].
وترجم له الذهبي في كتابه ” تجريد أسماء الصحابة ” فقال: “عبد الله بن صياد، أورده ابن شاهين، وقال: هو ابن صائد، كان أبوه يهوديًا، فولد عبد الله أعور مختونًا، وهو الذي قيل: إنه الدجال، ثم أسلم، فهو تابعي، له رؤية “. [تجريد أسماء الصحابة].
وترجم له الحافظ ابن حجر في “الإصابة ” فذكر ما قاله الذهبي، ثم قال: “ومن ولده عمارة بن عبد الله بن صياد، وكان من خيار المسلمين، من أصحاب سعيد بن المسيب، روى عنه مالك وغيره “.
ثم ذكر جملة من الأحاديث في شأن ابن صياد؛ كما سيأتي ذكرها فيما بعد.
ثم قال: “وفي الجملة لا معنى لذكر ابن صياد في الصحابة؛ لأنه إن كان الدجال؛ فليس بصحابي قطعًا؛ لأنه يموت كافرًا، وإن كان غيره؛ فهو حال لقيه النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مسلمًا”. [تهذيب التهذيب].
لكن إن أسلم بعد ذلك؛ فهو تابعي له رؤية؛ كما قال الذهبي.
* أحواله:
كان ابن صياد دجالًا، وكان يتكهن أحيانًا فيصدق ويكذب، فانتشر خبره بين الناس، وشاع أنه الدجال؛ كما سيأتي في ذكر امتحان النبي صلى الله عليه وسلم له.
* امتحان النبي صلى الله عليه وسلم له:
لما شاع بين الناس أمر ابن صياد، وأنه هو الدجال؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلع على أمره، ويتبين حاله، فكان يذهب إليه مختفيًا حتى لا يشعر به ابن صياد؛ رجاء أن يسمع منه شيئًا، وكان يوجه إليه بعض الأسئلة التي تكشف عن حقيقته.
ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم (بناء مرتفع كالحصن) بن مغالة (بطن من الأنصار) وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال لابن صياد: ((أتشهد أني رسول الله؟)) فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال: ” آمنت بالله وبرسله ” فقال له: ((ما ترى؟)) قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خلط عليك الأمر))، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني خبأت لك خبيئًا؟))، فقال ابن صياد: هو الدخ (يريد الدخان لكنه قطمها على طريقة الكهان) فقال: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)) فقال عمر رضى الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن يكنه؛ فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه؛ فلا خير لك في قتله)). [صحيح البخاري].
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما ترى؟))، قال: أرى عرشًا على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟)) قال: أرى صادقين وكاذبًا، أو كاذبين وصادقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لبس عليه، دعوه)). [صحيح مسلم].
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد، وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئًا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع – يعني: في قطيفة له فيها رمزة أو زمرة – فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف – وهو اسم ابن صياد -! هذا محمد صلى الله عليه وسلم، فثار ابن صياد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تركته بين)). [صحيح البخاري].
وقال أبو ذر رضى الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى أمه؛ قال: ((سلها كم حملت به؟)) فأتيتها، فسألتها، فقالت: حملت به اثني عشر شهرًا. قال: ثم أرسلني إليها، فقال: ((سلها عن صيحته حين وقع؟)) قال: فرجعت إليها، فسألتها، فقال: صاح صيحة الصبي ابن شهر، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني قد خبأت لك خبئًا)). قال: خبأت لي خطم شاة عفراء والدُّخان، قال: فأراد أن يقول الدُّخان، فلم يستطع، فقال: الدخ، الدخ”. [مسند أحمد، بهامشه منتخب الكنز] قال ابن حجر في سنده: “صحيح”. [فتح الباري].
قلت سيف بن دورة أخرجه العقيلي في الضعفاء في ترجمة الحارث بن حصيرة على هذا، وله غير حديث منكر في الفضائل ومما شجر بينهم، وكان يغلو في هذا الأمر. وأما حديث ابن صياد، فقد رواه جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عنه باسانيد صحاح وبخلاف هذا اللفظ. (منقول من المسند المعلل) قال محققو المسند 21319: حديث منكر ثم نقلوا كلام العقيلي والشواهد.
فامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بـ (الدُّخان) ليتعرف على حقيقة أمره.
والمراد بالدُّخان هنا قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدُّخان: 10] فقد وقع في رواية ابن عمر، عند الإمام أحمد: ((إني قد خبأت لك خبيئًا))، وخبأ له: {يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}. [مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر، وقال: “إسناده صحيح”].
قلت سيف بن دورة: أخرجه أبو داود 4331 وقلنا انفرد عبدالرزاق بذكر الآية فالحديث أخرجه البخاري من طريق ابن المبارك عن معمر. وهشام عن معمر، وكذلك شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، ويونس عن الزهري وليس فيه الآية.
وسند عبدالرزاق ذكره مسلم 2930 مقتصرا على: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بابن صياد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة بمعنى حديث يونس وصالح غير أن عبد بن حميد لم يذكر حديث ابن عمر قي انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بن كعب إلى النخل.
قال ابن كثير: ” إن ابن صياد كاشف على طريقة الكهان، بلسان الجان، وهم يقرطو – أي: يقطعون – العبارة، ولهذا قال: هو الدخ؛ يعني: الدُّخان، فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته، وأنها شيطانية، فقال له: ((اخسأ؛ فلن تعدو قدرك)) “. [تفسير ابن كثير].
* وفاته:
عن جابر رضى الله عنه، قال: ” فقدنا ابن صياد يوم الحرة “. [سنن أبي داود – مع عون المعبود].
وقد صحح ابن حجر هذه الرواية، وضعف قول من ذهب إلى أنه مات في المدينة، وأنه كشفوا عن وجهه، وصلوا عليه [انظر: “فتح الباري].
قلت سيف بن دورة: صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقلنا في تخريج أبي داود: ومما ورد كذلك أن ابن صياد رأي باصبهان يحتفل به اليهود؛ ولا يصح. قال باحث: راوي قصة أنه رأي باصبهان والد حسان بن عبد الرحمن. والظاهر أنه الذي سماه ابن حجر بعبدالرحمن بن حسان لم أجد له ترجمة. ومدار الرواية عليه. ثم رجح الباحث أن ابن صياد ليس الدجال لحديث تميم.
* هل ابن صيَّاد هو الدَّجَّال الأكبر؟
مضى في الكلام على أحوال ابن صياد وامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له ما يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفًا في أمر ابن صياد؛ لأنه لم يوح إليه أنه الدجال ولا غيره.
وكان عمر رضى الله عنه يحلف عند النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان بعض الصحابة رضى الله عنه يرى رأي عمر، ويحلف أن ابن صياد هو الدجال؛ كما ثبت ذلك عن جابر، وابن عمر، وأبي ذر.
ففي الحديث عن محمد بن المنكدر، قال: ” رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله إن ابن صياد هو الدجال، قلت: تحلف بالله، قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ” [صحيح البخاري وصحيح مسلم].
وعن نافع قال: ” كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد “. [سنن أبي داود. قال ابن حجر: “سنده صحيح”. “فتح الباري].
وعن زيد بن وهب قال: ” قال أبو ذر رضى الله عنه: لأن أحلف عشر مرات أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به ” [رواه الإمام أحمد]
وعن نافع قال: لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة، فقال له قولًا أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها، فقالت له: رحمك الله! ما أردت ن ابن صائد؟! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما يخرج من غضبةٍ يغضبها؟!)) [صحيح مسلم].
وفي رواية عن نافع، قال: قال ابن عمر: لقيته مرتين؛ قال: فلقيته، فقلت لبعضهم: هل تحدثون أنه هو؟ قال: لا والله، قال: قلت: كذبتني، والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالًا وولدًا، فكذلك هو زعموا اليوم، قال: فتحدثنا، ثم فارقته، قال: فلقيته مرة أخرى وقد نفرت عينيه، قال: فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري، قلت: لا تدري وهي في رأسك؟! قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه، قال: فنخر كأشد نخير حار سمعت، قال: فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت، وأما أنا فوالله ما شعرت، قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين، فحدثها، فقالت: ما تريد إليه؟! ألم تعلم أنه قد قال: ” إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه ” [صحيح مسلم].
وكان ابن صياد يسمع ما يقوله الناس فيه، فيتأذى من ذلك كثيرًا، ويدافع عن نفسه بأنه ليس الدجال، ويحتج على ذلك بأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الدجال لا تنطبق عليه.
ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: ” خرجنا حجاجًا أو عمارًا ومعنا ابن صائد، قال: فنزلنا منزلًا، فتفرق الناس، وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه، فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحر شديد، فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: ففعل، قال: فرفعت لنا غنم، فانطلق، فجاء بعس (وهو القدح الكبير) فقال: اشرب أبا سعيد! فقلت: إن الحر شديد، واللبن حار، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده، أو قال: آخذ عن يده، فقال: أبا سعيد! لقد هممت أن آخذ حبلًا، فأعلقه بشجرة، ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو كافر، وأنا مسلم؟ أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عقيم لا يولد لهـ وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل المدينة ولا مكة، وقد أقبلت من المدينة، وأنا أريد مكة؟ قال أبو سعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده، وأين هو الآن، قال: قلت له: تبًا لك سائر اليوم ” [صحيح مسلم].
وقال ابن صياد في رواية: ” أما والله إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه، قال: وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ فقال: لو عرض على ما كرهت ” [صحيح مسلم].
وهناك بعض الروايات التي جاءت في شأن ابن صياد، إن ذكرها هنا يخشى الإطالة، ولأن بعض المحققين كابن كثير وابن حجر وغيرهما ردوها لضعف أسانيدها [انظر: النهاية].
وقد التبس على العلماء ما جاء في ابن صياد، وأشكل عليهم أمره:
– فمن قائل: إنه الدجال، ويحتج على ذلك بما سبق ذكره من حلف بعض الصحابة رضى اله عنهم على أنه الدجال، وبما كان من أمره مع ابن عمر وأبي سعيد رضى الله عنم.
– وذهب بعض العلماء إلى أن ابن صياد ليس هو الدجال، ويحتج على ذلك بحديث تميم الداري رضى الله عنه.
وقبل أن أسوق أقوال الفريقين أذكر حديث تميم بطوله:
روى الإمام مسلم بسنده إلى عامر بن شراحيل الشعبي – شعب همدان – أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس- وكانت من المهاجرات الأول – فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستنديه إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل؛ حدثيني، فذكرت قصة تأيمها من زوجها، واعتدادها عند ابن أم مكتوم، ثم قالت: فلما انقضت عدتي؛ سمعت نداء المنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ” ليلزم كل إنسان مصلاة”، ثم قال: ” أتدرون لم جمعتكم؟ ” قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ” إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا رهبة ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداريكان رجلًا نصرانيًا، فجاء، فبايع، وأسلم، وحدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، ثم أرفؤوا (أرفأت السفينة إذا قربتها من الشط، والموضع الذي تشد فيه: المرفأ) إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب (سفن صغار تكون مع السفن الكبار السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلًا؛ فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد؛
قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم (أي: هاج واضطرمت أمواجه) فلعب بنا الموج شهرًا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعًا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، قال: أخبروني عن نخل بيسان (مدينة بالأردن بالغور الشامي)؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها: هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم؛ هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين؛ ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة؛ غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة – أو واحدًا- منهما؛ استقبلني ملك بيده السيف صلتًا يصدني عنها، وإن على كل نقب (هو الطريق بين الجبلين) منها ملائكة يحرسونها “.
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وطعن بمخصرته (هي ما يختصره الإنسان بيده، فيمسكه من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب، وقد يتكئ عليه) في المنبر -: ” هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة، يعني: المدينة – ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ ” فقال الناس: نعم ” فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق ” قالت: فحفظت هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. [صحيح مسلم].
قال ابن حجر: “وقد توهم بعضهم أنه – أي: حديث فاطمة بنت قيس – غريب فرد، وليس كذلك، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس: أبو هريرة، وعائشة، وجابر”. [فتح الباري] رضى الله عنهم.
* أقوال العلماء في ابن صيَّاد:
قال أبو عبد الله القرطبي: ” الصحيح أن ابن صياد هو الدجال؛ بدلالة ما تقدم، وما يبعد أن يكون بالجزيرة في ذلك الوقت، ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر. [التذكرة]
وقال النووي: ” قال العلماء: وقصته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة.
قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضى الله عنه: ” إن يكن هو؛ فلن تستطيع قتله”.
وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة؛ فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض.
ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكاذبين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟! ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشًا فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن، وانتفاخ حتى ملأ السكة.
وأما إظهاره الإسلام، وحجه، وجهاده، وإقلاعه عما كان عليه؛ فليس بصريح في أنه غير الدجال “. [شرح النووي لمسلم].
وكلام النووي هذا يفهم منه أنه يرجح كون ابن صياد هو الدجال.
وقال الشوكاني: ” اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا شديدًا، وأشكل أمره، حتى قيل فيه كل قول، وظاهر الحديث المذكور أن النبي شرح النووي لمسلم كان مترددًا في كونه الدجال أم لا؟ …
وقد أجيب عن التردد منه كما في شرح النووي لمسلم بجوابين:
الأول: أنه تردد قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال، فلما أعلمه؛ لم ينكر على عمر حلفه.
الثاني: أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك، وإن لم يكن في الخبر شك.
ومما يدلُّ على أنه هو الدجال ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: ” لقيت ابن صياد يومًا – ومعه رجل من اليهود – فإذا عينه قد طفت وهي خارجة مثل عين الحمار، فلما رأيتها؛ قلت: أنشدك الله يا ابن صياد! متى طفت عينك؟ قال: لا أدري والرحمن، قلت: كذبت وهي في رأسك، قال: فمسحها ونخر ثلاثًا ” [نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار” للشوكاني]. وقد سبق ذكر نحو هذه القصة من رواية الإمام مسلم.
والذي يظهر من كلام الشوكاني أنه مع القائلين بأن ابن صياد هو الدجال الأكبر.
وقال البيهقي في سياق كلامه على حديث تميم: ” فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم، وقد خرج أكثرهم.
وكأن الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم، وإلا؛ فالجمع بينهما بعيد جدًا، إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه محتلم، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله؛ أن يكون في آخرها شيخًا كبيرًا مسجونًا في جزيرة من جزائر البحر، موثقًا بالحديد، يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج أو لا؟! فالأول أن يحمل على عدم الاطلاع.
أما عمر؛ فيحتمل أن يكون ذلك منه قبل أن يسمع قصة تميم، ثم لما سمعها؛ لم يعد إلى الحلف المذكور.
وأما جابر؛ فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاستصحب ما كان اطلع عليه من عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ” [فتح الباري]
لكن جابر رضى الله عنه كان من رواة حديث تميم؛ كما جاء في رواية أبي داود، حيث ذكر قصة الجساسة والدجال بنحو قصة تميم، ثم قال ابن أبي سلمة: ” إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظته؛ قال: شهد جابر أنه هو ابن صائد، قلت: فإنه قد مات، قال: وإن مات، قلت: فإنه قد أسلم، قال: وإن أسلم، قلت: فإنه قد دخل المدينة، قال: وإن دخل المدينة ” [سنن أبي داود”، كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة، مع عون المعبود. قال ابن حجر على هذا الحديث: “ا بن أبي سلمة اسمه عمر فيه مقال، ولكن حديثه حسن، ويتعقب به على من زعم أن جابرًا لم يطلع على قصة تميم” فتح الباري].
فجابر رضى الله عنه مصر على أن ابن صيَّاد هو الدجال، وإن قيل: إنه أسلم، ودخل المدينة، ومات.
وقد تقدم أنه صح عن جابر رضى الله عنه أنه قال: ” فقدنا ابن صيَّاد يوم الحرة “.
وقال ابن حجر: ” أخرج أبو نعيم الأصبهاني في “تاريخ أصبهان ” (ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم) ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال، فساق من طريق شبيل بن عرزة عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه؛ قال: لما افتتحنا أصبهان؛ كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ، فكنا نأتيها فنختار منها، فأتيتها يومًا، فإذا اليهود يزفنون ويضربون، فسألت صديقًا لم منهم؟ فقال: ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل، فبت عنده على سطح، فصليت الغداة، فلما طلعت الشمس؛ إذا الرهج من قبل العسكر، فنظرت، فإذا رجل عليه قبة من ريحان، واليهود يزفنون ويضربون، فنظرت، فإذا هو ابن صياد، فدخل المدينة فلم يعد حتى السَّاعة ” [فتح الباري].
قلت سيف بن دورة: سبق بيان ان فيها راو لم يوجد له ترجمه.
وقال ابن حجر: ” ولا يلتئم خبر جابر هذا (أي: فقدهم لابن صياد يوم الحرة) مع خبر حسان بن عبد الرحمن؛ لأن فتح أصبهان كان في خلافة عمر؛ كما أخرجه أبو نعيم في “تاريخها “وبين قتل عمر ووقعة الحرة نحو أربعين سنة.
ويمكن الحمل على أن القصة إنما شاهدها والد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة، ويكون جواب (لما) في قوله: ” لما افتتحنا أصبهان “محذوفًا تقديره: صرت أتعاهدها، وأتردد إليها، فجرت قصة ابن صياد، فلا يتحد زمان فتحها وزمان دخولها ابن صيَّاد ” [فتح الباري]
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ” أمر ابن صياد قد أشكل على بعض الصحابة، فظنوه الدجال، وتوقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، وإنما هو من جنس الكهان أصحاب الأحوال الشيطانية، ولذلك كان يذهب ليختبره [انظر: “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان].
وقال ابن كثير: والمقصود أن ابن صيَّاد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان فطعًا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، وهو فيصل في هذا المقام ” [النهاية].
هذه هي طائفة من أقوال العلماء في ابن صياد، وهي – كما ترى – متضاربة في شأن ابن صياد، ومع كل دليله.
ولهذا فقد اجتهد الحافظ ابن حجر في التوفيق بين الأحاديث المختلفة، فقال: ” أقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًاُ، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة، إلى أن توجه إلى أصبهان، فاستتر مع قرينه، إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها، ولشدة التباس الأمر في ذلك؛ سلك البخاري مسلك الترجيح، فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صيَّاد، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم ” [فتح الباري].
* مكان خروج الدجال:
يخرج الدجال من جهة المشرق؛ من خراسان، من يهودية أصبهان، ثم يسير في الأرض، فلا يترك بلدًا إلا دخله؛ إلا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما؛ لأن الملائكة تحرسهما؛ ففي حديث فاطمة بنت قيس السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في الدجال: ((ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو)) (وأومأ بيده إلى المشرق) [صحيح مسلم].
وعن أبي بكر الصديق رضى الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((الدجال يخرج من أرض بالمشرق؛ يقال لها: خراسان)) [صحيح الجامع الصغير].
قلت سيف بن دورة: أخرجه أحمد 12 والمغيرة بن سبيع روى عنه ثلاثة ولم يوثقه معتبر.
وأنكر ابوحاتم أن يكون حدث شعبة هذا الحديث عن أبي التياح عن المغيرة بن سبيع عن أبي بكر الصديق وقال إنما هو حديث سعيد بن أبي عروبة وابن شوذب عن أبي التياح. وأنكر الدارقطني أن يكون ابن أبي عروبة حدث به. ورجح أنه عن عبدالله بن شوذب عن أبي التياح.
فلحال المغيرة بن سبيع لا بأس أن نضعه على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند إلا ان كان يقصد ابوحاتم بعدم رواية شعبة إنكار متنه.
وعن أنس رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفًام من اليهود)). [الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد، قال ابن حجر: “صحيح”. فتح الباري].
قلت سيف بن دورة: وجدته في المسند عن ذكوان أبي صالح عن عائشة.
أما عن أنس فهو عند الطبراني في الأوسط 4930 وتفرد به محمد بن مصعب عن الاوزاعي عن ربيعة عن أنس. ثم وقفت عليه في طبعة الرسالة لمسند أحمد 13344 حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي به
وقال محققو المسند حسن لغيره: يشهد للشطر الأول حديث عائشة عند احمد 6/ 75: وإسناده جيد. وحديث عمران عند الطبراني وفيه يخرج الدجال من قبل أصبهان وفي إسناده ضعف. انتهى
في مسلم 2944 عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة.
قال ابن حجر: ” وأما من أين يخرج؟ فمن قبل المشرق جزمًا ” [فتح الباري].
وقال ابن كثير: ” فيكون بدء ظهوره من أصبهان، من حارة يقال لها: اليهودية ” [النهاية].
* الدجال لا يدخل مكة والمدينة:
حرم على الدجال دخول مكة والمدينة حين يخرج في آخر الزمان؛ لورود الأحاديث الصحيحة لذلك، وأما ما سوى ذلك من البلدان؛ فإن الدجال سيدخلها واحدًا بعد الآخر.
جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما أن الدجال قال: ” فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة؛ غير مكة وطيبة (هي المدينة المنورة) فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدًا- منهما؛ استقبلني ملك بيده السيف صلتًا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها ” [صحيح مسلم].
وثبت أيضًا أن الدجال لا يدخل أربعة مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الطور والمسجد الأقصى.
روى الإمام أحمد عن جنادة بن أبي أمية الأزدي؛ قال: ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في الدجال …. (فذكر الحديث، وقال): ” وإنه يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ فيها كل منهل، ولا يقرب أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى ” [(الفتح الرباني”- ترتيب الساعات) قال الهيثمي: “رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح”. “مجمع الزوائد”. وقال ابن حجر: “رجاله ثقات”. “فتح الباري].
قلت سيف بن دورة: هو في الصحيح المسند 1481. وفي مسند أحمد زيادات
وأما ما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا، جعدًا، قططًا، أعور عين اليمنى، واضعًا يديه على منكبي رجل، يطوف بالبيت، فسأل عنه؟ فقالوا: إنه المسيح الدجال، فيجاب عنه بأن منع الدجال من دخول مكة والمدينة إنما يكون عند خروجه في آخر الزمان. والله أعلم [انظر: شرح النووي لمسلم].
* أتباع الدجال:
أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس، غالبهم الأعراب والنساء؛ روى مسلم عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة ” [انظر: شرح النووي لمسلم]، وفي رواية للإمام أحمد: ” سبعون ألفًا عليهم التيجان ” [صحيح مسلم]
وجاء في حديث أبي بكر الصديق: ” يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة ” [(الفتح الرباني ترتيب المسند، والحديث صحيح. انظر: “فتح الباري].
قال ابن كثير: ” والظاهر- والله أعلم – أن المراد هؤلاء الترك أنصار الدجال”. [رواه الترمذي].
وكذلك بعض الأعاجم؛ كما جاء وصفهم في حديث أبي هريرة: ” لا تقوم السَّاعة حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر ” [صحيح البخاري].
وأما كون أكثر أتباعه من الأعراب؛ فلأن الجهل غالب عليهم، ولما جاء في حديث أبي أمامة الطويل قوله صلى الله عليه وسلم: ” وإن من فتنته – أي: الدجال – أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني! اتبعه؛ فإنه ربك ” [صحيح الجامع الصغير].
قال شعيب في تحقيق ابن ماجه إسناده ضعيف لانقطاعه فإن الشيباني لم يسمع من أبي أمامة، بينهما في الإسناد عمرو بن عبدالله الشيباني الحضرمي وهو الذي صوبه المزي في ترجمة زرعة الشيباني. وابن حجر في النكت الظراف 4/ 175 وإسماعيل بن رافع ضعيف ولعل الوهم منه. قال ابن كثير: هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه، ولبعضه شواهد من أحاديث أخر.
وأخرجه مطولا ومختصرا أبوداود 4322. وابن أبي عاصم في السنة 429 عن يحيى بن عمرو السيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامه وهذا إسناد ضعيف أيضا لجهالة عمرو بن عبد الله الحضرمي
ثم بين بعض الجمل التي لها شواهد. تخريج سنن ابن ماجه.
وأما النساء؛ فحالهن أشد من حال الأعراب؛ لسرعة تأثرهن، وغلبة الجهل عليهن، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قناة (مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح) فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطًا؛ مخافة أن تخرج إليه ” [صحيح مسلم].
* فتنة الدجال:
فتنة الدجال أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام السَّاعة، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، وتحير الألباب.
فقد ورد أن معه جنة ونارًا، وجنته نار، وناره جنة، وأن معه أنهار الماء، وجبال الخبز، ويأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة؛ كسرعة الغيث استدبرته الريح … إلى غير ذلك من الخوارق.
وكل ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة:
فمنها ما رواه الإمام مسلم عن حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الدَّجَّال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار “.
ولمسلم أيضًا عن حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لأنا أعلم بما مع الدَّجَّال منه، معه نهران يجريان، أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد؛ فليأت النهر الذي يراه نارًا، وليغمض، ثم ليطأضئ رأسه، فيشرب منه؛ فإنه ماء بارد ” [صحيح مسلم].
وجاء في حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه في ذكر الدَّجَّال أن الصحابة قالوا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: ” أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم ” قالوا: وما إسراعه في الأرض؟ قال: ” كالغيث إذا استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم، فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم (هي الماشية) أطول ما كانت ذرًا (هي الأعالي والأسمنة) وأسبغه (أي: أطوله لكثرة اللبن، انظر: شرح النووي لمسلم) ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم، فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل (ذكور النحل) ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ” [صحيح مسلم].
وجاء في رواية البخاري عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن هذا الرجل الذي يقتله الدَّجَّال من خيار الناس، أو خير الناس؛ يخرج إلى الدَّجَّال من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول للدجال: ” أشهد أنك الدَّجَّال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدَّجَّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته؛ هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، فيقول (أي: الرجل): والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدَّجَّال أن يقتله، فلا يسلط عليه ” [صحيح البخاري].
وسبق ذكر رواية ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه … (وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدَّجَّال): ” إن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني! اتبعه؛ فإنه ربك ” [صحيح الجامع الصغير]. نسأل الله العافية، ونعوذ به من الفتن.
قلت سيف بن دورة: سبق كلام الأرناؤوط في تخريج سنن ابن ماجه. وان لبعضه شواهد. ولم يذكر لهذه الجملة شاهد.
* الوقاية من فتنة الدَّجَّال:
أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما يعصمها من فتنة المسيح الدَّجَّال، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فلم يدع صلى الله عليه وسلم خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، ومن جملة ما حذر منه فتنة المسيح الدَّجَّال؛ لأنها أعظم فتنة تواجهها الأمة إلى قيام السَّاعة، وكان كل نبي ينذر أمته الأعور الدَّجَّال، واختص محمد صلى الله عليه وسلم بزيادة التحذير والإنذار، وقد بين الله له كثيرًا من صفات الدَّجَّال؛ ليحذر أمته؛ فإنه خارج في هذه الأمة لا محالة؛ لأنها آخر الأمم، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
وهذه بعض الإرشادات النبوية التي أرشد إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته؛ لتنجو من هذه الفتنة العظيمة التي نسأل الله العظيم أن يعافينا ويعيذنا منها:
1 – التمسك بالإسلام، والتسلح بسلاح الإيمان، ومعرفة أسماء الله ليس بأعور، وأنه لا أحد يرى ربه حتى يموت، والدَّجَّال يراه الناس عند خروجه؛ مؤمنهم وكافرهم.
2 – التعوذ من فتنة الدَّجَّال، وخاصة في الصلاة، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة:
فمنها ما رواه الشيخان والنسائي عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدَّجَّال .. الحديث “.
وروى البخاري عن مصعب (هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص) قال: كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بهن … (منها): ” وأعوذ بك من فتنة الدُّنيا (يعني: فتنة الدَّجَّال) ” [صحيح البخاري].
“وفي إطلاق الدُّنيا على الدَّجَّال إشارة إلى أن فتنة الدَّجَّال أعظم الفتن الواقعة في الدُّنيا ” [فتح الباري].
وروى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا تشهد أحدكم؛ فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدَّجَّال ” [صحيح مسلم].
وكان الإمام طاوس يأمر ابنه بإعادة الصلاة إذا لم يقرأ بهذا الدعاء في صلاته [انظر: صحيح مسلم].
وهذا دليل على حرص السلف على تعليم أبنائهم هذا الدعاء العظيم.
3 – حفظ آيات من سورة الكهف، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة فواتح سورة الكهف على الدَّجَّال، وفي بعض الروايات خواتيمها، وذلك بقراءة عشر آيات من أولها أو آخرها.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل … (وفيه قوله صلى الله عليه وسلم): ” من أدركه منكم؛ فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ” [صحيح مسلم].
وروى مسلم أيضًا عن أبي الدرداء رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف؛ عصم من الدَّجَّال ” أي: من فتنته.
قال مسلم: ” قال شعبة: من آخر الكهف، وقال همام: من أول الكهف”. [صحيح مسلم].
قال النووي: ” سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات، فمن تدبرها؛ لم يفتتن بالدَّجَّال، وكذلك آخرها قوله تعالى: ” أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا ” [الكهف: 102] ” [شرح النووي لمسلم].
وهذا من خصوصيات سورة الكهف، فقد جاءت الأحاديث بالحث على قراءتها، وخاصة في يوم الجمعة.
روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة؛ أضاء له من النور ما بين الجمعتين ” [صحيح الجامع الصغير].
قلت سيف بن دورة: الراجح وقفه.
ولا شك أن سورة الكهف لها شأن عظيم، ففيها من الآيات الباهرات؛ كقصة أصحاب الكهف، وقصة موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين، وبناءه للسد العظيم حائلًا دون يأجوج ومأجوج، وإثبات البعث والنشور والنفخ في الصور، وبيان الأخسرين أعمالًا وهم الذين يحسبون أنهم على الهدى وهم على الضلالة والعمى.
فينبغي لكل مسلم أن يحرص على قراءة هذه السورة، وحفظها، وترديدها، وخاصة في خير يوم طلعت عليه الشمس، وهو يوم الجمعة.
4 – الفرار من الدَّجَّال، والابتعاد منه، والأفضل سكنى مكة والمدينة، فقد سبق أن الدَّجَّال لا يدخل الحرمين، فينبغي للمسلم إذا خرج الدَّجَّال أن يبتعد منه، وذلك لما معه من الشبهات والخوارق العظيمة التي يجريها الله على يديه فتنة للناس؛ فإنه يأتيه الرجل وهو يظن في نفسه الإيمان والثبات، فيتبع الدَّجَّال، نسأل الله أن يعيذنا من فتنته وجميع المسلمين. روى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي الدهماء قال: سمعت عمران بن حصين يحدث؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من سمع بالدَّجَّال؛ فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات ” [صحيح الجامع الصغير].والصحيح المسند 1019
* ذكر الدَّجَّال في القرآن:
تساءل العلماء عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدَّجَّال في القرآن مع عظم فتنته، وتحذير الأنبياء منه، والأمر بالاستعاذة من فتنته في الصلاة، وأجابوا عن ذلك بأجوبة؛ منها:
1 – أنه مذكور ضمن الآيات التي ذكرت في قوله تعالى: ” يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ” [الأنعام: 158].
وهذه الآيات هي: الدَّجَّال، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، وهي المذكورة في تفسير هذه الآية.
فقد روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث إذا خرجن لاينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدَّجَّال، ودابة الأرض” [صحيح مسلم].
2 – أن القرآن ذكر نزول عيسى عليه السلام، وعيسى هو الذي يقتل الدَّجَّال، فاكتفى بذكر مسيح الهدى عن ذكر مسيح الضلالة، وعادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين دون الآخر.
3 – أنه مذكور في قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57]، وإن المقصود بالناس هنا الدَّجَّال؛ من إطلاق الكل على البعض.
قال أبو العالية: ” أي: أعظم من خلق الدَّجَّال حين عظمته اليهود ” (تفسير القرطبي).
قال ابن حجر: “وهذا – إن ثبت – أحسن الأجوبة، فيكون من جملة، ما تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه، والعلم عند الله ” [فتح الباري].
4 – أن القرآن لم يذكر الدَّجَّال احتقارًا لشأنه؛ لأنه يدعي الربوبية وهو بشر ينافي حاله جلال الرب وعظمته وكماله وكبريائه وتنزه عن النقص، فلذلك كان أمره عند الله أحقر وأصغر من أن يذكر، ومع هذا حذرت الأنبياء منه، وبيَّنتُ خطره وفتنته، كما سبق أن كل نبي أنذر أمته منه، وحذرها من فتنته.
فإن اعترض بأن القرآن ذكر فرعون وهو قد ادعى الربوبية والألوهية، فيقال: إن أمر فرعون انقضى وانتهى، وذكر عبرة للناس وعظمة، وأما أمر الدَّجَّال؛ فسيحدث في آخر الزمان، فترك ذكره امتحانًا به، مع أن ادعاءه الربوبية أظهر من أن ينبه على بطلانه؛ لأن الدَّجَّال ظاهر النقص، واضح الذم، أحقر وأصغر من المقام الذي يدعيه، فترك الله ذكره، لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين؛ أن مثل هذا لا يخيفهم ولا يزيدهم إلا إيمانًا وتسليمًا لله ورسوله؛ كما يقول الشاب الذي يقتله الدَّجَّال ويجيبه: ” والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم ” [صحيح البخاري].
وقد يترك ذكر الشيء لوضوحه؛ كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته أن يكتب كتابًا بخلافة الصديق رضى الله عنه لوضوحه، وذلك لعظم قدر أبي بكر عند الصحابة رضى الله عنهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر” [صحيح مسلم].
وذكر ابن حجر رحمه الله أن السؤال عن عدم ذكر الدَّجَّال في القرآن لا يزال واردًا؛ لأن الله تعالى ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن، وفتنتهم قريبة من فتنة الدَّجَّال [فتح الباري].
هذا؛ ولعل الجواب الأول هو الأقرب، والله أعلم، فيكون الدَّجَّال قد ذكر ضمن بعض الآيات، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم تكفل ببيان ذلك المجمل.
* هلاك الدَّجَّال:
يكون هلاك الدَّجَّال على يدي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؛ كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وذلك أن الدَّجَّال يظهر على الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ويكثر أتباعه، وتعم فتنته، ولا ينجو منها إلا قلة من المؤمنين، وعند ذلك ينزل عيسى بن مريم u على المنارة الشرقية بدمشق، ويلتف حوله عباد الله المؤ منون، فيسير بهم قاصدًا المسيح الدَّجَّال، ويكون الدَّجَّال عند نزول عيسى متوجهًا نحوم بيتع المقدس، فيلحق به عيسى عند باب (لد) (بلدة في فلسطين قرب بيت المقدس) فإذا رآه الدَّجَّال؛ ذاب كما يذوب الملح، فيقول له عليه السلام: ” إن لي فيك ضربة لن تفوتني ” فيتداركه عيسى، فيقتله بحربته، وينهزم أتباعه، فيتبعهم المؤمنون، فيقتلونهم، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله؛ إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود [انظر: “النهاية].
وإليك بعض الأحاديث الواردة في هلاك الدَّجَّال وأتباعه:
روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يخرج الدَّجَّال في أمتي … (فذكر الحديث، وفيه): فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه، فيهلكه ” [صحيح مسلم]
وروى الإمام أحمد والترمذي عن مجمع بن جارية الأنصاري رضى الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يقتل ابن مريم الدَّجَّال بباب لد ” [الفتح الرباني تر تيب مسند أحمد، والترمزى- مع تحفة الأحوذي]
وروى مسلم عن النواس بن سمعان رضى الله عنه حديثًا طويلًا عن الدَّجَّال … (وفيه قصة نزول عيسى وقتله للدجال، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم): ” فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه، حتى يدركه بباب لد، فيقتله ” [صحيح مسلم].
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يخرج الدَّجَّال في خفقة من الدين وإدبار من العلم … (فذكر الحديث، وفيه): ثم ينزل عيسى بن مريم، فينادي من السحر، فيقول: أيها الناس! ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث. فيقولون: هذا رجل جني. فينطلقون، فإذ هم بعيسى بن مريم عليه السلام، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله! فيقول: ليتقدم إمامكم، فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح؛ خرجوا إليه، قال: فحين يرى الكذاب ينماث (ماص الشيء ميثًا أي: مرسه وماث الملح في الماء؛ أي: أذابه) كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه، فيقتله، حتى إن الشجر والحجر ينادي: يا روح الله! هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدًا إلا قتله ” [الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد. قال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد]. لكن راجع الضعيفة 1969 حيث ضعفه بتدليس أبي الزبير. وتعقبه صاحب تنبيه القاراء أن الحديث في صحيح مسلم من حديث النواس إلا لفظة له حمار يركبه … ثم ذكر شواهد للفظة له حمار من قول ابن مسعود. ومن حديث أبي الطفيل. انتهى
وقال محققو المسند 23/ 212 عن حديث جابر أبو الزبير لم يصرح وانظر لبسط أحاديث الدجال النهاية لابن كثير.
قال الذهبي: على شرط مسلم. تعليقه على المستدرك
قلت سيف بن دورة: ويشهد لقوله خفقة من الدين: حديث أبي الطفيل وفيه خفة من الدين.
وبعض الباحثين قال عن عن ابي الطفيل عن حذيفة. ومرة عن أبي الطفيل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم ذكره في رده على أبي عبية في إنكاره لمركوب الدجال وأنه حمار. فرده وذكر له شواهد.
وبقتله – لعنه الله – تنتهي فتنته العظيمة، وينجي الله الذين آمنوا من شره وشر أتباعه على يدي روح الله وكلمته عيسى بن مريم عليه السلام وأتباعه المؤمنين، ولله الحمد والمنة. [انظر: أشراط الساعة بواسطة يوسف بن عبد الله يوسف الوابل- من ص (275)، الفصل الثاني: المسيح الدجال] بتصرف يسير.