1065 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي ، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——–‘——-‘——-‘——-
الصحيح المسند :
1065- قال الإمام البزار رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن هانئ ، قال : حدثنا عثمان بن صالح ، قال : أنا ابن وهب ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن عمرو بن مالك الجنبي ، أن فضالة بن عبيد الأنصاري ، حدثه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال في حجة الوداع : هذا يوم حرام ، وبلد حرام ، فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، مثل هذا اليوم وهذه البلدة إلى يوم تلقونه ، وحتى دفعة دفعها مسلم مسلما يريد بها سوءا حراما ، وسأخبركم من المسلم ، من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن .
=====
شرح الحديث:
((هذا يوم حرام ، وبلد حرام ، فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، مثل هذا اليوم وهذه البلدة إلى يوم تلقونه))
قال البيضاوي: يريد بذلك تذكارهم حرمة ما ذكر وتقريرها في نفوسهم ليبنى عليها ما أراد تقريره حيث: ((فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام))، جمع عرض بكسر العين، وهو: ما يمدح به الإنسان ويذم، وقيل: الحسب أو الأخلاق النفسانية.
قال في شرح المشكاة: والتحقيق ما ذكره صاحب النهاية العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سلفه، ولما كان موضع العرض النفس، قال: من قال العرض النفس إطلاقًا؛ للمحل على الحال، وحيث كان نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة، والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أم لا.
قال: من قال العرض الخلق إطلاقًا؛ لاسم اللازم على الملزوم :(عليكم حرام) أي أن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، وهذا أولى من قول من قال: فإن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم؛ لأن ذلك إنما يحرم إذا كان بغير حق، فلا بدّ من التصريح به فلفظ انتهاك أولى؛ لأن موضوعها لتناول الشيء بغير حق. ((مثل هذا اليوم)) يوم النحر، ((وهذه البلدة إلى يوم تلقونه)) مكة المكرمة، وكان في شهر ذي الحجة، وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يرون استباحتها وانتهاك حرمتها بحال.
وقال ابن المنير: قد استقر في القواعد أن الأحكام لا تتعلق بأفعال المكلفين، فمعنى التحريم اليوم والبلد والشهر تحريم أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض فما معنى إذن تشبيه الشيء بنفسه.
وأجاب: بأن المراد أن هذه الأفعال في غير هذ البلد، وهذا الشهر، وهذا اليوم مغلظة الحرمة، عظيمة عند الله فلا يستسهل المعتدي كونه تعدي في غير البلد الحرام والشهر الحرام، بل ينبغي له أن يخاف خوف من فعل ذلك في البلد الحرام، وإن كان فعل العدوان في البلد الحرام أغلظ، فلا ينفي كون ذلك في غيره غليطًا أيضًا، وتفاوت ما بينهما في الغلظ لا ينفع المعتدي في غير البلد الحرام، فإن فرضناه تعدّي في البلد الحرام فلا يستسهل حرمة البلد بل ينبغي أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال وأن عقوبته بحسب ذلك فيراعي الحالتين. انظر إرشاد الساري.
((وحتى دفعة دفعها مسلم مسلما يريد بها سوءا حراما)) كل المسلم على المسلم حرام، وتحريم إيذاء المسلم بأية صورة، ((وسأخبركم من المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمهاجر: من هجر الخطايا والذنوب ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)).
المسائل المتعلقة بالحديث:
أولاً: الأحاديث الواردة في تعظيم مكة والبيت الحرام:
1- عن أبي شريح العدويّ أنّه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكّة: ائذن لي ـ أيّها الأمير ـ أحدّثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للغد من يوم الفتح، فسمعَته أذناي ووعاه قلبي وأبصرَته عيناي حين تكلّم به، إنّه حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ((إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرةً، فإن أحدٌ ترخّص لقتال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقولوا له: إنّ الله أذن لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي ساعةً من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب))، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إنّ الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بخربة، خربة بليّة [أخرجه البخاري (1735), ومسلم (1354)].
قال ابن حجر: “وقد تشدّق عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حقّ, لكن أراد به الباطل, فإنّ الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة, فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص, وهو صحيح, إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه فيه شيء من ذلك, وفي الحديث شرف مكة” [فتح الباري (1/198) باختصار].
2- عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ الله حرّم مكّة فلم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، وإنّما أحلّت لي ساعةً من نهار، لا يُختَلَى خلاها، ولا يعضَد شجرها، ولا ينفَّر صيدها، ولا تلتَقَط لقطتُها إلا لمعرّف))، قال العبّاس: يا رسول الله، إلاّ الإذخر لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: ((إلاّ الإذخر)) [أخرجه البخاري (1737) واللفظ له, ومسلم (1353)].
قال ابن حجر: “قال ابن المنير: قد أكد النبي التحريم بقوله: ((حرمه الله))، ثم قال: ((فهو حرام بحرمة الله))، ثم قال: ((ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار))، وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثا, وقال القرطبي: ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عمّا أبيح له من ذلك, مع أن أهل مكة كانوا إذَّاك مستحقين للقتال والقتل لصدّهم عن المسجد الحرام وإخراجهم أهله منه وكفرهم, وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدّم, وقال ابن دقيق العيد: يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره فيه, وأيضا فسياق الحديث يدلّ على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها وذلك لا يختصّ بما يستأصل”[فتح الباري (4/48) باختصار].
3- عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحِد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دمَ امرئ بغير حقّ ليهريق دمه)) [أخرجه البخاري (6488)].
قال ابن حجر: “قال المهلّب وغيره: المراد بهؤلاء الثلاثة أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله، فهو كقوله: ((أكبر الكبائر))، وإلا فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي. قوله: ((ملحد في الحرم)) أصل الملحد هو المائل عن الحق, والإلحاد العدول عن القصد, واستشكل بأن مرتكب الصغيرة مائل عن الحق, والجواب أن هذه الصيغة في العرف مستعملة للخارج عن الدين, فإذا وصف به من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها, وقيل: إيراده للجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة، ثم التنكير للتعظيم, فيكون ذلك إشارة إلى عظم الذنب” [فتح الباري (12/210)].
4- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعتى الناس على الله عز وجل من قَتَل في حرم الله, أو قتل غيرَ قاتله, أو قتل بذُحول الجاهلية)) الذَّحْل:ُ الحقد والعداوة, يقال: طلب بذحله أي: بثأره, والجمع ذُحُولٌ. انظر: مختار الصحاح (92). [أخرجه أحمد (6757), وله عدة شواهد, وقد حسنه محققو طبعة الرسالة].
قلت سيف بن دورة : على شرط الذيل على الصحيح المسند .
5- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم النّحر قال: ((أتدرون أيّ يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه قال: ((أليس يوم النّحر؟!)) قلنا: بلى، قال: ((أيّ شهر هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذو الحجّة؟!)) قلنا: بلى، قال: ((أيّ بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: ((أليست بالبلدة الحرام؟!))قلنا: بلى، قال: ((فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربّكم، ألا هل بلّغت؟!)) قالوا: نعم، قال: ((اللّهمّ اشهد، فليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض)) [أخرجه البخاري (1654) واللفظ له, ومسلم (1679)].
قال النووي: “هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم, وقولهم: (الله ورسوله أعلم) هذا من حسن أدبهم, وأنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب, فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون” [شرح صحيح مسلم (11/169)].
6- عن عروة بن الزّبير عن المسور بن مخرمة ومروان يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زمن الحديبية، ثم ذكرا ما جرى من قصة صلح الحديبية، وفيها: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((والّذي نفسي بيده، لا يسألوني خطّةً يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إيّاها)) [أخرجه البخاري (2581)].
قال ابن حجر: “قوله ((خُطّة)) بضم الخاء المعجمة, أي: خصلة, ((يعظمون فيها حرمات الله)) أي: مِن ترك القتال في الحرم, ووقع في رواية ابن إسحاق: ((يسألونني فيها صلة الرحم)) وهي من جملة حرمات الله, وقيل: المراد بالحرمات حرمة الحرم والشهر والإحرام, قلت: وفي الثالث نظر؛ لأنهم لو عظموا الإحرام ما صدّوه, قوله: ((إلا أعطيتهم إياها)) أي: أجبتهم إليها” [فتح الباري (5/336)].
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((يبايع لرجلٍ ما بين الرّكن والمقام، ولن يستحلّ البيت إلا أهله، فإذا استحلّوه فلا يسأل عن هَلَكة العرب، ثمّ تأتي الحبشة فيخرّبونه خرابًا لا يعمَر بعده أبدًا، وهم الّذين يستخرجون كنْزه)) [أخرجه أحمد (7897) واللفظ له, وابن أبي شيبة (37244), وصححه ابن حبان (6827)، والحاكم (8395)، وهو في السلسلة الصحيحة (579، 2743)].
والصحيح المسند 1331
8- عن سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحادَ في حرم الله تبارك وتعالى, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه سيلحد فيه رجل من قريش, لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت))، قال: فانظر لا تكونه. [أخرجه أحمد (6200) , وابن أبي شيبة (30687), وصححه الحاكم (3462)، وهو في السلسلة الصحيحة (3108)]
قلت سيف بن دورة : لكن رجح محققو المسند أنه من مسند عبدالله بن عمرو أصوب ثم نقلوا عن ابن كثير في البداية والنهاية . إن رفعه قد يكون غلط وإنما هو من كلام عبدالله بن عمرو .
9- عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لها, وحرمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة)) [أخرجه البخاري (2022) واللفظ له, ومسلم (1360)].
قال النووي: “قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض))، وفي الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا أن إبراهيم حرم مكة, فظاهرها الاختلاف, وفي المسألة خلاف مشهور ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية وغيره من العلماء في وقت تحريم مكة, فقيل: إنها من يوم خلق السموات والأرض, وقيل: ما زالت حلالا كغيرها إلى زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم ثبت لها التحريم من زمن إبراهيم, وهذا القول يوافق الحديث الثاني, والقول الأول يوافق الحديث الأول, وبه قال الأكثرون, وأجابوا عن الحديث الثاني بأن تحريمها كان ثابتا من يوم خلق الله السموات والأرض, ثم خفي تحريمها واستمرّ خفاؤه إلى زمن إبراهيم, فأظهره وأشاعه, لا أنه ابتدأه, ومن قال بالقول الثاني أجاب عن الحديث الأول بأن معناه أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق الله تعالى السموات والأرض أن إبراهيم سيحرّم مكة بأمر الله تعالى, والله أعلم”[شرح صحيح مسلم (9/124)].
10- عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح)). [أخرجه مسلم (1356)].
11- عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه, فلزقت قدمه بالركاب, فنزلت فنزعتها, وذلك بمنى, فبلغ الحجاج فجعل يعوده, فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟! قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمَل فيه, وأدخلتَ السلاحَ الحرم, ولم يكن السلاح يدخل الحرم. [أخرجه البخاري (923)].
قال الشوكاني: “هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة, وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم, فإن كانت حاجة جاز, فإنه قد دخل صلى الله عليه وآله [بالسلاح] مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه ودخوله صلى الله عليه وآله وسلم للعمرة” [نيل الأوطار (5/76)]. [انظر: حرمة مكة المكرمة]
ثانياً: حرمة المسلم:
المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وقد حرم الإسلام كل ما يخدش هذه العلاقة الوطيدة، ورتب على تجاوز تلك الحُرم العقاب الأليم، والعذاب الشديد..
والمسلم له حرمته عند الله، ومكانته بين المسلمين، فلا يحل لأحدٍ أن يَحُط من قدره، ولا يهينه بأي وجه من الوجوه، أو أن يفعل ما يكون سبباً في انتهاك حرمته ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره؛ التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) [رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب برقم (4650) عن أبي هريرة.. ورواه أحمد برقم (7402) وروى نحوه الترمذي وأبو داود وابن ماجه مختصراً]
لقد حرَّم الإسلام الاعتداء على المسلم في أموره كلها، وذلك يشمل:
- حرمة دمه: وهذا يعنى أن دم المسلم على المسلم حرام، ولا يحل دمه إلا بإحدى ثلاث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) [رواه البخاري ومسلم]. والمسلم أعظم عند الله من الدنيا كلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم )) [رواه الترمذي ( 1395 ) والنسائي ( 3987 ) وابن ماجه ( 2619 ) وهو حديث صحيح، انظر غاية المرام للألباني برقم ( 439 )]ونظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك وما أشد حرمتك، والله للمسلم أشد حرمة عند الله منك) [رواه الترمذي برقم ( 2032 )].
- حرمة عرضه: وذلك يتضمن عدة أمور منها: حرمة الحقد، والحسد، والسب، والقذف، والغيبة، والنميمة وغير ذلك، فهذه كلها مما حرمها الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[سورة النــور (23)] . وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[سورة الحجرات (11)]. واجتناب سوء الظن والغيبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} .. [سورة الحجرات (12)]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)).
والعرض يشمل -أيضاً- حفظ المسلم في أهله، فلا ينتهك عرضه بالوقوع في الحرام كفعل الفاحشة أو موجباتها؛ ولهذا حرم الزنا لما فيه من التعدي على أعراض الغير، مع اختلاط الأنساب، وكذا الأمراض القاتلة المنتشرة اليوم، والتمزق الإنساني المشين.
- حرمة ماله: فقد حرم الإسلام سرقة مال المسلم أو غصبه، والتعدي عليه، وأكله بالباطل: كالربا؛ وغير ذلك، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} .. [سورة النساء (29)]، وقال الله عن الربا: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}[سورة البقرة (279)]. فسمى الربا ظلماً؛ لأن فيه ضرراً على المأخوذ منه.. وكذا حرم الإسلام البيع على بيع الغير.. كأن يبع سلعة بسعر كذا، فيأتيه آخر يقول: أبيعك مثلها بأرخص منها، أو يبيع الرجل لآخر سلعة وذلك بالاتفاق بينهما؛ ثم ينقض البيع دون اتفاق، فيبيعها لآخر، وقد سبق في الحديث: ((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)).. وحرم النجش، وهو: رفع ثمن السلعة لا لأجل شرائها؛ ولكن لمخادعة الناس، كما يحصل اليوم عند أصحاب المعارض والمحلات المختلفة..
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ((ولا تناجشوا)). وكذا حرم الغش لما فيه من الخداع وأكل الأموال بالباطل، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى السوق فوجد رجلاً يبيع طعاماً فوضع الرسول يده أسفل الطعام فوجده مبتلاً فقال: (( ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: (( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشَّ فليس مني)) [رواه مسلم (102). والترمذي ( 1315 ) إلا أن عند الترمذي (( … فليس منَّا )) بدل: ((منِّي))]..، وحرم التدليس وأكل أموال العقارات ومحاولة الزيادة فيها، فقال: ((من ظلم قِيد شِبْر من الأرض طُوِّقَه من سبع أَرَضِين)) [رواه البخاري ( 2453 ) ومسلم ( 1610 )]،.. وحرم المماطلة في قضاء الديون؛ إذا كان المدين غنياً، فقال: ((مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ)) [رواه البخاري ( 2287 ) ومسلم ( 1564 )]، ومعناه: أن تأخير الغني سداد الدين لصاحبه ظلم.. وغير ذلك من المحرمات التي لا يجوز بها أكل مال المسلم..
ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بيَّن هذا الأمر تبييناً جلياً؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: (( أي يوم هذا ؟ )) قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: (( أليس ذو الحجة ؟ )) قلنا: بلى، قال: (( أتدرون أي بلد هذا ؟ )) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال: (( أليس بالبلدة ؟)) قلنا: بلى، قال: (( فإنَّ دماءكم وأموالكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت ؟)) قالوا: نعم، قال: (( اللهمَّ اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) [رواه البخاري برقم ( 1741 ) ومسلم ( 1679 )].
وهذه من آخر الوصايا النبوية الجامعة، من جوامع كلمه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم؛ وقد جمعت الحرمات كلها من كبار الأمور وصغارها: حرمة الدم والعرض والمال.. [إمام المسجد]
—
—–
—
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه . متفق عليه
الشَّرْحُ
المسلم يطلق على معان كثيرة منها : المستسلم فالمستسلم لغيره يقال له مسلم .
والقول الثاني : إن المراد بالإسلام الإسلام لله عز وجل .
والمعنى الثاني يطلق الإسلام على الأصول الخمسة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأل عن الإسلام فقال ( أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت )
ويطلق الإسلام بمعنى دخل في السلم أي المسالمة للناس بحيث لا يؤذي الناس .ومن هذا الحديث ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم ولا يلعنهم ولا يغتابهم ولا ينم بينهم ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد فهو قد كف لسانه وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل ( أفلا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه وقال كف عليك هذا قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يعني هل نؤاخذ بالكلام فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) فاللسان من أشد الجوارح خطرا على الإنسان. ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح اليدين والرجلين والعينين كل الجوارح تكفر اللسان .
وكذلك أيضا الفرج لأن الفرج فيه شهوة النكاح . واللسان فيه شهوة الكلام وقل من سلم من هاتين الشهوتين
قال عبدالرزاق العفيفي رحمه الله
في شرح الحديث :
المسلم الحقيقي الذي تظهر عليه آثار الإسلام وشعائره وأماراته، هو الذي يكف أذى لسانه ويده عن المسلمين، فلا يصل إلى المسلمين منه إلا الخير والمعروف. وفي واقع المسلمين اليوم قد تجد الرجل محافظاً على أداء الصلاة في وقتها، وقد تجده يؤدى حق الله في ماله فيدفع الزكاة المفروضة…… !!
ولا يستطيع أن يملك لسانه عن السب والشتم واللعن. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء”،
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”، معناه أن الهجرة المطلوبة من كل مسلم هي ترك وهجر المعاصي والسيئات التي نهى الله عنها ونهى عنها رسوله صلى الله عليه وسلم.
والهجرة تطلق على معنيين:
الأول :؛ هجرة المكان .
والثاني: هجرة الحال.
فالهجرة المكانية: هي الانتقال من دار الكفر ، ولا يستطيع الإنسان فيها أن يقيم شعائر دينه، ولا يأمن فيها على دينه ونفسه وعرضه، فينتقل من هذا المكان ومن هذه الدار إلى دار أخرى انتفى فيها هذه المثالب، وهذه الهجرة هي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها”،
وأما الهجرة الثانية أو النوع والقسم الثاني: فهو هجرة الحال، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”، فالهجرة بهذا المعنى أن يهجر المسلم السيئات والمعاصي