106 لطائف التفسير والمعاني
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي. ابوصالح حازم وأحمد بن علي وعبدالله البلوشي ابوعيسى وناصر الكعبي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
لطيفة: اذا حصل الخطاب بالإيمان مع دلالة الحصر فإنه يذكر بعدها أهم ما يجب أن يتصف به من الأعمال.
——
ولنذكر بعض الآيات التي فيها الخطاب بالإيمان أو بالإسلام وما هي الأعمال المطلوبة بعد هذا الخطاب … :
قال تعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَان ا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُو لَا ى كَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّ ا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم )
[سورة الأنفال 2 – 4]
قال السعدي:
بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [1]
الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نزلت في قصة بدر أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين،.فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها، فأنزل اللّه يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال كيف تقسم وعلى من تقسم؟ قُلْ لهم: الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله،. بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله أن ترضوا بحكمهما، وتسلموا الأمر لهما،. وذلك داخل في قوله فَاتَّقُوا اللَّهَ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .. وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتوادد والتحاب والتواصل .. فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل – بسبب التقاطع -من التخاصم، والتشاجر والتنازع. ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر،.والأمر الجامع لذلك كله قوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله،.كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [2]
ومن نقصت طاعته للّه ورسوله، فذلك لنقص إيمانه، ولما كان الإيمان قسمين: إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء، والفوز التام، وإيمانا دون ذلك ذكر الإيمان الكامل فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي: خافت ورهبت، فأوجبت لهم خشية اللّه تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف اللّه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب. وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم،.لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقا إلى كرامة ربهم، أو وجلا من العقوبات، وازدجارا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان. وَعَلَى رَبِّهِمْ وحده لا شريك له يَتَوَكَّلُونَ أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [3]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ من فرائض ونوافل، بأعمالها الظاهرة والباطنة، كحضور القلب فيها، الذي هو روح الصلاة ولبها،. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ النفقات الواجبة، كالزكوات، والكفارات، والنفقة على الزوجات والأقارب، وما ملكت أيمانهم،.والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير.
(أُولَائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [4]
أُولَئِكَ الذين اتصفوا بتلك الصفات هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده. وقدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها،.وفيها دليل على أن الإيمان، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها. وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه،.وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب اللّه تعالى والتأمل لمعانيه. ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: عالية بحسب علو أعمالهم. وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ودل هذا على أن من يصل إلى درجتهم في الإيمان – وإن دخل الجنة – فلن ينال ما نالوا من كرامة اللّه التامة.
ومن الآيات أيضا:
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَا ءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُو لَا ى كَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم )
[سورة التوبة 71]
قال السعدي:
لما ذكر أن المنافقين بعضهم أولياء بعض ذكر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين، فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ} أي: ذكورهم وإناثهم {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة.
{يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} وهو: اسم جامع، لكل ما عرف حسنه، من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهو كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة.
{وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: لا يزالون ملازمين لطاعة اللّه ورسوله على الدوام.
{أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} أي: يدخلهم في رحمته، ويشملهم بإحسانه.
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: قوي قاهر، ومع قوته فهو حكيم، يضع كل شيء موضعه اللائق به الذي يحمد على ما خلقه وأمر به.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
[الحجرات: (10)].
ومنه حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) وغيرها فهذه الأحاديث ذكرها ابن تيمية في بيان الأخوة الواجبة راجع مجموع الفتاوى 11/ 100
قال السعدي: في قوله تعالى:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له، ما يكرهون لأنفسهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمرًا بحقوق الأخوة الإيمانية: “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا يبع أحدكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا المؤمن أخو المؤمن، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره”
وقال صلى الله عليه وسلم “المؤمن للمؤمن، كالبنيان يشد بعضه بعضًا” وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه.
ولقد أمر الله ورسوله، بالقيام بحقوق المؤمنين، بعضهم لبعض، وبما به يحصل التآلف والتوادد، والتواصل بينهم، كل هذا، تأييد لحقوق بعضهم على بعض، فمن ذلك، إذا وقع الاقتتال بينهم، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها [وتدابرها]، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم.
ثم أمر بالتقوى عمومًا، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله، الرحمة [فقال: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وإذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين، من أعظم حواجب الرحمة.
وفي هاتين الآيتين من الفوائد، غير ما تقدم: أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا، كان من أكبر الكبائر، وأن الإيمان، والأخوة الإيمانية، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى وجوب الإصلاح، بين المؤمنين بالعدل، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر الله، وعلى أنهم لو رجعوا، لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه، أنه لا يجوز ذلك، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة، دون أموالهم
—-
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُو ا أُو لَا ى كَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّ ا لَّهُم مَّغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم )
[سورة الأنفال 74]
قال السعدي:
الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار. وهذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ} أي: المؤمنون من المهاجرين والأنصار {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} من اللّه تمحى بها سيئاتهم، وتضمحل بها زلاتهم، {و} لهم {رِزْقٌ كَرِيمٌ} أي: خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به أعينهم، وتطمئن به قلوبهم
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْر جَامِع لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَئْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَئْذِنُونَكَ أُو لَا ى كَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَئْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُور رَّحِيم )
[سورة النور 62]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
“هذا أدب أرشد الله عبادَه المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك – أمرهم الله تعالى ألا ينصرفوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته، وأن من يفعل ذلك فهو من المؤمنين الكاملين.
ثم أمر رسوله صلوات الله وسلامه عليه إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء؛ ولهذا
قال: (فَاذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) رواه الترمذي وقال: حسن” انتهى باختصار.
“تفسير القرآن العظيم” (6/ 88).
وقال العلامة السعدي رحمه الله:
“هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع، أي: من ضرورته أو من مصلحته أن يكونوا فيه جميعاً، كالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقاً لا يذهب لأمر من الأمور، لا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإيمان عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا، وأدبهم مع رسوله، ووليّ الأمر منهم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَاذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ).
ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه لهم شرطين:
أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من يستأذن من غير عذر فلا يؤذن له.
والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة، من دون مضرة بالآذن، قال: (فَإِذَا اسْتَاذَنُوكَ لِبَعْضِ شَانِهِمْ فَاذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ)، فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه، أو شجاعته، ونحو ذلك، لم يأذن له، ومع هذا إذا استأذن وأذن له بشرطيه، أمر الله رسوله أن يستغفر له، لما عسى أن يكون مقصراً في الاستئذان، ولهذا قال: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُم اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم الذنوب ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر” انتهى.
“تيسير الكريم الرحمن” (576).
ثانياً:
قال ابن القيم رحمه الله: “فإذا جَعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون مِن لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه وإذنه، يُعرَف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه” انتهى من “إعلام الموقعين” (1/ 51).
– استئذان وليّ الأمر أو المسؤول قبل الانصراف من الأمر الجامع الذي هو من مصالح المسلمين. ولذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: ” باب استئذان الرجل الإمام؛ لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَاذِنُوهُ) ” انتهى
—–
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَ ا لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُو لَا ى كَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
[سورة الحجرات 15]
قال السعدي:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أي: على الحقيقة {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهُم في سبيل الله} أي: من جمعوا بين الإيمان والجهاد في سبيله، فإن من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه، وشرط تعالى في الإيمان عدم الريب، وهو الشك، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني، بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك، بوجه من الوجوه.
وقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أي: الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق، دعوى كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك، دعوى الإيمان، الذي هو مدار السعادة، والفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، فمن ادعاه، وقام بواجباته، ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقًا، ومن لم يكن كذلك، علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى.
فإثباته ونفيه، من باب تعليم الله بما في القلب، وهذا سوء أدب، وظن بالله
—–
قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) سورة النور
قال السعدي:
أي: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ} حقيقة، الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم حين يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، سواء وافق أهواءهم أو خالفها، {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي: سمعنا حكم الله ورسوله، وأجبنا من دعانا إليه، وأطعنا طاعة تامة، سالمة من الحرج. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} حصر الفلاح فيهم، لأن الفلاح: الفوز بالمطلوب، والنجاة من المكروه، ولا يفلح إلا من حكم الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله.
—-