1059 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي ، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———‘——–‘——–
الصحيح المسند (ج2/رقم 1059):
قال الإمام أحمد بن حنبل: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ ، أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الْجَنْبِيَّ، حَدَّثَهُ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا، وَأَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَبَقَ فَمَاتَ، وَامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، قَدْ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الدُّنْيَا فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ، وَثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)).
قال الوادعي رحمه الله تعالى:
===================
أولاً: التخريج: الحديث أخرجه أحمد في مسنده (23399)، قال: حدَّثنا أبو عَبْد الرَّحْمن، حدَّثنا حَيْوة. والبُخَارِي، في [الأدب المفرد]590 قال : حدَّثنا عُثْمان بن صالح ، قال : أَخْبَرنا عَبْد الله بن وَهْب.
كلاهما عن (حَيْوة بن شُرَيْح ، وابن وَهْب) عن أَبي هانىء، حُمَيْد بن هانىء، عن أَبي علي عَمْرو بن مالك الجَنْبِي، فذكره.
والحاكم في المستدرك، كتاب العلم، تحت: مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَاسْتَذَلَّ الْإِمَارَةَ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ (ج1/رقم411)، قال: ” أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَاكِهِيُّ بِمَكَّةَ ، ثنا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي مَسَرَّةَ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ثنا حَيْوَةُ، .. به.
قال الحاكم: ” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَلا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً “. قال الصنعاني في [التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ(5/ 216- 217)]: وأقره الذهبي، وقال الهيثم: رجاله ثقات.
قال محقق المستدرك في الحاشية: “عمرو بن مالك ليس من رجال الشيخين، وأبو هانئ لم يخرج له البخاري”.
وقال محقق [التنوير] د. محمَّد إسحاق أن الحديث: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (590)، وأبو يعلى (7204)، والطبراني في الكبير (18/ 306) (789)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (1/ 105)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3059)، والصحيحة (542).
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 2 / 71 :
أخرجه البخاري في ” الأدب المفرد ” ( 590 ) و ابن حبان ( 50 ) و الحاكم ( 1 /
119 ) – دون الشطر الثاني – و أحمد ( 6 / 19 ) و ابن أبي عاصم في ” السنة ”
( رقم 89 ) و ابن عساكر في ” مدح التواضع و ذم الكبر ” ( 5 / 88 / 1 ) من طريق
حيوة بن شريح : حدثني أبو هاني أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي حدثه عن فضالة
ابن عبيد مرفوعا به . و قال الحاكم : ” صحيح على شرط الشيخين ، فقد احتجا
بجميع رواته و لم يخرجاه و لا أعرف له علة ” ، و وافقه الذهبي !
قلت : و قد وهما في بعض ما قالا ، فإن أبا علي الجنبي لم يخرج له الشيخان في
” صحيحيهما ” و أبو هاني و اسمه حميد بن هاني لم يخرج له البخاري .
و قال ابن عساكر : ” حديث حسن غريب تفرد به أبو هاني و رجال إسناده ثقات ” . انتهى كلام الألباني رحمه الله تعالى.
ثانياً: شرح الحديث وبيان ألفاظه:
وقوله: (ثلاثة لا تسأل عنهم) مبني للمعلوم، أي: لا تسأل عن كيفية عقوبتهم فهي من الفظاعة بحيث لا يحتملها السمع أو لا تهتم بهم، ولا تسأل عنهم؛ فهم أحقر من أن تعتني بشأنهم وتشتغل بالسؤال عنهم، أو لا تسأل الشفاعة فيهم فإنهم هالكون:
أولهم: (رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً) أي: فارق عمن اجتمع عليه الناس ، فإنه لا يجوز من أحد الخروج عليه، فإن المراد فارقه مفارقة تضره وتضر المسلمين، ولذا قال: ((فارق الجماعة وعصى إمامه)) فأنه لو عصى إمامه وبقى في جماعته غير متعد بصره أحداً لم يدخل في الوعيد، وأخص الناس لهذه الصفة الخوارج المارقون؛ فإنهم كانوا بهذه الصفة وماتوا عاصين غير تائبين.
وقوله: (وأمة أو عبد أبق من سيده فمات) لعل تقديم الأمة إشعارا بأن إباقها أشد قبحا وأعظم عند الله إثما، ولذلك خصصها بتقديم الذكر، وإلا فإن غالب الأحاديث يذكر فيها العبد والأمة تبع له، كما تكرر ذكر الرجل والمرأة متابعة له، كما تقدم الكلام في صدره وتقدم الكلام في الإباق.
وقوله: (وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا) أي: ما تحتاجه فيما يقوم بمؤنتها، ولا مفهوم لهذا القيد؛ لأنها منهية عن التبرج للرجال مطلقا، وإنما هو لبيان كمال قبح ما أتت به، وأنه لا معذرة لها؛ فإن أسباب العفة غير مفقودة لديها نظير ذم الشيخ الزاني.
وقوله: (فتبرجت) أي تعرضت لهم، والتبرج: التبختر في المشي المنهي عنها في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]
وقوله: (فلا تسأل عنهم) تأكيد للأول، وهو نهي فيهما معا مجزوم.
وقوله: (ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل ينازع الله إزاره، ورجل ينازع الله رداءه) قال في النهاية [1/ 44]: ضرب الإزار والرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة والكبرياء. أي: ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة والكرم وغيرهما.
وقوله: (فإن رداءه الكبرياء وإزاره العز): شبههما بالإزار والرداء المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان أو لأنه لا يشاركه في ردائه وإزاره أحد فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن يشاركه فيهما أحد والمنازعة والمجاذبة.
والمراد أنه بتكبره وتعززه كأنه ينازع ربه صفته الخاصة به.
وقوله: (ورجل في شك من أمر الله): أي: في ريب من شأنه تعالى وأوامره ونواهيه أو وجوده وصفاته، وجعل الشك ظرفا له لتمكنه فيه إما إشارة إلى أنه لا يبلغ به الإثم هذه الرتبة إلا إذا تمكن في الريب، لا إذا كان عارضا وخاطرًا يزول أو إشارة إلى أن أدنى شك وريب يكون به صاحبه كأنه في غاية التمكن فيه، وأنه لا عذر له فيه؛ لتعاضد أدلة اليقين وطلوع شموس براهين الحق {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10]
وقوله: (والقنوط) بضم القاف اليأس.
وقوله: (من رحمة الله) فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وهو عطف على الشك.
وفيه النكتة الأخيرة لا الأولى إلا باحتمال بعيد.
وفيه أنه لا ييأس المذنب من رحمة الله تعالى وأن رحمته واسعة كل شيء والمراد رحمته في الدارين. انتهى كلام الصنعاني رحمه الله تعالى من [التنوير].
ثالثاً: المسائل المتعلقة بالحديث:
الحديث يتعلق بعدة مواضيع ، ومنها: لزوم الجماعة، وعن َالأَمَةٌ أَوْ العَبْدٌ الأَبَقَ ، والمرأة المتبرجة، وعن رَجُلٌ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
أولاً: لزوم الجماعة :
الفرع الأول: (الإِلماعة في بيان معنى لزوم الجماعة):
” إنَّه لا يَخْفَى على مَن اِطَّلعَ على مَوَارِدِ الشَّريعةِ ومَصَادِرِهَا، مَدَى أهمِّيَّةِ لُزُومِ الجَمَاعَة، وحَثِّ الشَّارِعِ على هذا الأمْرِ الجَلَلِ، فقد تضافَرَتْ بذلك الآيُ والأخبارُ، والأحاديثُ والآثارُ، ودوَّنَ ذلك الأئمَّةُ في مُصَنَّفَاتِهِم، سيَّمَا ما تعلَّقَ مِنْها بمسَائِلِ الاِعْتِقَاد، فلا يَكَادُ يخْلُو كِتَابٌ في العقيدة من تَقْريرِ ذلك وبَيَانِه.
بَلْ نُسِبَتِ العقيدَةُ الصَّحِيحَةُ الحَقَّةُ إلى مَنْ لَزِمَ الجماعَةَ؛ فَقيلَ: «عقيدَةُ أهْلِ السُّنَّة والجماعة».
من أجْلِ هذا وذاك، تعيَّن بيانُ مفهومِ لُزومِ الجماعَةِ، وتحديدُ معناهُ على ضوْءِ اللُّغة والشَّرْع.
تُطْلَقُ الجماعَةُ لُغَةً على العَدَد الكثيرِ من النَّاس، والشَّجر، والنَّبات، وعلى طَائفَةٍ من النَّاس يجمعُها غَرَضٌ واحِدٌ.
وهي اسْمُ مَصْدَرٍ من اِجْتَمَعَ، يَجْتَمِعُ، اِجْتِمَاعًا[انظر: «المعجم الوسيط» (1 /281)، «لسان العرب» (8 /53)].
قال الشَّيخُ ابنُ عثيمين في «شرح الواسطية» (1 /52): «أَصْلُ كلِمَةِ «الجَمَاعَة» هو بمعنى الاجتماع، فهي اسْمُ مَصْدَرٍ، ثُمَّ نُقِلَتْ مِنْ هذا الأصْلِ إلى القَوْمِ المُجْتَمِعينَ».
أمَّا فِيمَا يخُصُّ المعْنَى الشَّرعيَّ، فقَدْ تعدَّدَتْ تفاسيرُ العُلَمَاءِ لهذه الكلمة، تبعًا لتنوُّع النُّصوص الوَارِدَة في شأنها وقد جمَعَهَا الإمامُ الشَّاطبي رحمه الله في كتابِهِ المِعْطَارِ «الاعْتِصَام» (1 /478 ـ 480) فبَلَغَ بِهَا خمْسَة تفاسير:
الأول: أنَّها السَّوادُ الأعْظَمُ مِنْ أهل الإسلام، ويدْخُلُ فيهم العُلَمَاءُ المجتهدون مِنْ بَابِ أوْلى.
الثاني: أنَّها جماعَةُ أئمَّةِ العُلَمَاءِ المجْتَهِدين.
الثالث: أنَّها أصْحَابُ رسول الله ﷺ، وهُمْ سادَاتُ العُلَمَاءِ وقُدْوَتُهُم رضي الله عنهم.
الرَّابع: أنَّها جماعَةُ المسلمين إذا اجْتَمعوا على حَاكِمٍ.
الخامس: أنها جماعة أهْلِ الإسْلاَمِ إذا أجْمَعوُا على أمْرٍ، تعيَّن على غيْرِهِمْ مِنْ أهْلِ المِلَلِ أنْ يتَّبِعُوهُم فيه.
والتَّحقيقُ في هذه المسْأَلَةِ ـ وبِهِ تجْتَمِعُ هذِهِ الأقْوَالُ كُلُّهَا ـ أنَّ الجَمَاعةَ تُطْلَقُ على أمرَيْنِ[انظر: «الغُلُوُّ في الدِّينِ في حياة المسلمين المعاصرة» رسالة ماجستير لعبد الرَّحمن بن مُعَلاَّ اللّويحق (ص203) ـ ط: مؤسسة الرِّسَالة]:
الأوَّل: البِنَاءُ والكَيَانُ.
والثَّاني: المَنْهَجُ والطَّرِيقَةُ.
* فعلى الإطْلاَقِ الأوَّلِ وهو «البِنَاءُ والكَيَانُ»: يَكونُ المعنى أنَّ المسلمين إذا اجتمعوا تحْتَ حَاكمٍ صاروا جماعةً يَجِبُ لُزومُها، ويَحْرُمُ مُفارقَتُها، والخُروجُ عليها.
وهذا هو المعْنَى المقصود ُفي الحديث الَّذي رواه البخاريُّ (6691) ومسْلِمٌ (3523) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ، وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمـَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
مَوْطِنُ الشَّاهِدِ في هذا الحَدِيثِ هو قوْلُ النَّبيِّ ﷺ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمـُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»؛ حَيْثُ جَعَلَ النَّبيُّ ﷺ المسْلِمِينَ المُجْتَمِعينَ على حَاكِمٍ، جَمَاعةً يَتعيَّنُ لزومُها، وعَدَمُ الخُرُوجِ عَليْها.
وقد نَقل الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في «الفتح» (13 /37) عن ابن بَطَّال أنَّه قال عند كَلاَمِه على هذا الحديث في شرحه لـ«صحيح البخاري»: «فِيهِ حُجَّةٌ لِجَمَاعَةِ الْفُقَهَاء فِي وُجُوب لُزُوم جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّة الْجَوْرِ» اهـ.
وفي هذا المَعْنَى أيضًا جاءَتْ لفظةُ «الجَمَاعَة» في حديث «الصَّحيحَيْن» عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ؛ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
ومِنْ بَابَهِ أيْضًا، حديثُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَعَصَى إِمَامَهُ وَمَاتَ عَاصِيًا…» الحديث[صحيح: أخرجه أحمد (23943)، والبخاري في «الأدب المفرد» (590). انظر: «الصَّحيحة» (542)].
ومِمَّا يجْدُرُ التَّنْبيهُ إليْهِ، أنَّ الجماعةَ بهذا الإطْلاَقِ قدْ تتخلَّفُ؛ فلا توجَدُ في زمَنٍ مِنَ الأزْمَانِ، وهو زَمَنُ الفِتَنِ، بِدَليلِ مَا جاءَ في حديثِ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه الآنِفِ الذِّكْرِ، حيْثُ سَألَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه رَسُولَ الله ﷺ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ فقَالَ ﷺ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ـ وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ـ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
* أمَّا الإطلاقُ الثَّاني للجماعَةِ فهو«المَنْهَجُ والطَّرِيقَةُ»: فيَكُونُ لُزومُ الجمَاعَةِ مِنْ هذه الحَيْثِيَّةِ، هو لُزومُ جماعَةِ أهْلِ الحَقِّ الَّتي تسيرُ وَفْقَ ما كان عليه النَّبيُّ ﷺ وأصْحَابُه رضي الله عنهم.
وفي هذا المعْنَى جاءَ الحديثُ الَّذي روَاهُ البخاري (6484) ومسلم (1676) عَنْ ابْنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ ﷺ قال: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؛ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ».
فلفْظُ «الجَمَاعَة» هنا، وإنْ كانَ المقصودُ بِهِ أهْلَ الإسْلامِ على سبيل العُمُوم ـ وهم أهْلُ الحَقِّ بالنَّسْبَة إلى غيْرِهِم مِنْ أهْل المِلَلِ الباطلة ـ؛ إلاَّ أنَّ هناك معنًى خاصَّا لِلَفْظِ «الجماعة» ذَكَرَهُ العُلَمَاءُ، وهو: أهْلُ السُّنَّة والاتِّبَاعِ؛ إذْ قال الإمامُ النوويُّ رحمه الله في «شرْحِهِ على مسلم» (11 /165): «قَالَ الْعُلَمَاء: وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا كُلّ خَارِجٍ عَنْ الْجَمَاعَة بِبِدْعَةٍ، أَوْ بَغْي، أَوْ غَيْرهِمَا، وَكَذَا الْخَوَارِجَ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ» اهـ.
وزاد هذا المعْنَى توْضيحًا الإمامُ أبو العَبَّاسِ القُرْطُبِيُّ رحمه الله في «المُفْهِمُ لمِاَ أَشْكَلَ من تَلْخِيصِ كتاب مسْلِمٍ» (15 /121) فقال عِنْدَ شَرْحِهِ لهذا الحديث: «غَيْرَ أنَّهُ يَلْحَقُ بِهِمْ في هذا الوَصْفِ، كُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ جَمَاعَة المُسْلِمِينَ ـ وإنْ لم يَكُنْ مُرْتَدًّا ـ كالخوارج، وأهْلِ البِدَعِ ـ إذا منََعُوا أنْفُسَهُم مِنْ إقَامَةِ الحَدِّ عليهم، وقاتلوا عليه ـ وأهْلُ البَغْيِ، والمُحَارِبُون، ومَنْ أشْبَهَهُمْ؛ فيَتَنََاولُهُم لفظُ: «الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» بحُكْمِ العُمُومِ»…إلى أنْ قالَ: «وتَحْقِيقُهُ: أنَّ كُلَّ مَنْ فارَقَ الجماعَةَ يَصْدُقُ عليه أنَّه بَدَّل دينَهُ؛ غيرَ أنَّ المرتَدَّ بدَّلَ كُلَّ الدِّين، وغيرُه من المُفَارِقِينَ بَدَّل بَعْضَهُ» اهـ.
وأصْرَحُ ما جاء في هذا المعْنَى، ذلك الحَدِيثُ المرويُّ عن عَوْفِ بْنِ مالكٍ الأشْجَعِيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً: فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ؛ وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً: فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ؛ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً: فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ»؛ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ»[صحيح: رواه ابن ماجة (3992) وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (63). انظر: «الصَّحيحة» (1492)].
وبالنَّظَرِ إلى الاشْتِقَاقِ اللُّغَويِّ للفْظَةِ «الجماعة»، فإنَّه يَكُونُ مَعْنَاها حِينَئِذٍ: القَوْمُ المُجْتَمِعُونَ على الحقِّ.
ولاشكَّ أنَّ أَوْلى النَّاسِ بهذا الوَصْفِ، وأَسْعَدَهُم به، هُم النبيُّ ﷺ وأصْحَابُه رضي الله عنهم؛ لهذا جاء تفسيرُ «الجَمَاعَة» في رِواية أُخْرَى لهذا الحديث بأنَّها: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»[حسن لغيره: رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، انظر: «صحيح سنن الترمذي» (2641)].
ثُمَّ بعْدَ هَؤلاءِ تَكُونُ الجماعةُ هِيَ أَئِمَّةَ العُلَمَاءِ الَّذينَ سَلَكوا سبيلَ رسولِ اللهِ ﷺ، وأصْحَابِه البَرَرَةِ رضي الله عنهم، في كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ، لأَنَّهم أَعْلَمُ النَّاس بالحَقِّ الَّذي كان عليه النَّبيُّ ﷺ وأصحابُه رضي الله عنهم، وأَشَدُّهُم اجْتِمَاعًا عليه.
ومِنْ تَراجِمِ الإمامِ البُخاريِّ في «صحيحه» ـ وفِقْهُ البخاريِّ في تَرَاجِمِه ـ قوْلُهُ: «باب: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:143]، ومَا أَمَرَ النبيُّ ﷺ بلُزومِ الجماعة: وهُم أهْلُ العِلْمِ»[كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، [«فتح»: (13 /316)] ].
وقال الإمامُ التِّرمذيُّ في «سننه» (4 /467): «وَتَفْسِيرُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هُمْ: أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ» اهـ.
ومِمَّا يُعَضِّدُ هذا، ما رواه الحافظ أبو نُعَيْمٍ الأصْبَهانيُّ في «حِلْيَةِ الأوْلِيَاء» (9 /238 ـ 239) أنَّ الإمامَ العَلَمَ إسحاقَ بْنَ إبراهيمَ الحنظليَّ المَرْوَزِيَّ ـ المعْروفِ بابْنِ رَاهَوَيْه ـ (ت 238) سُئِلَ عن معْنَى السَّوادِ الأعْظَمِ الَّذي فُسِّرَتْ به الجماعةُ، فقال: «مُحمَّدُ بنُ أسْلَم، وأصحابُه، ومَنْ تَبِعَهُم»، ثمَّ قال: «سألَ رَجُلٌ ابْنَ المبارك: مَنِ السَّوَادُ الأعْظَمُ؟ قال: أبو حمزة السُّكَّريِّ»[محمَّد بن ميمون المروزي، الحافظُ الإمامُ الحُجَّة، سُمِّيَ: السُّكَّرِيَّ، لحلاوة كلامه، روى له الجماعة، توفي سنة (167) على الأصَحِّ. انظر: «سِيَرُ أعْلام النُّبَلاء» للذَّهبي (7 /385)].
ثمَّ قال إسحاق: «في ذلك الزَّمانِ (يعني: أبا حمزة)؛ وفي زمَانِنَا: مُحمَّدُ بنُ أسْلَمَ[ابن سالم بن يزيد الطُّوسي، أبو الحسن، الكندي مولاهم الخراساني، الإمام الحافظ الرَّبَّانيُّ، شيخ الإسلام؛ مولده في حدود (180)، ووفاته في (242)، انظر: المصدر السابق (12 /195)] ومَنْ تَبِعَهُ»، ثمَّ قال إسحاق: «لوْ سألْتَ الجُهَّالَ عن السَّوَادِ الأعْظَم لقالوا: جماعَةُ النَّاس…! ولا يَعْلَمُونَ أنَّ الجَمَاعَةَ: عَالِمٌ مُتَمَسِّكٌ بأثَرِ النَّبيِّ ﷺ وطَرِيقِه؛ فَمَنْ كان معَه، وتَبِعَهُ فهو الجماعَةُ، ومَنْ خَالَفَهُ فيه تَرَكَ الجَمَاعَةَ».
ثمَّ قال إسحاقُ: «لَمْ أسْمَعْ عالِمًا مُنْذُ خَمْسينَ سَنَةً، كان أشَدَّ تَمَسُّكًا بأثَرِ النَّبيِّ ﷺ من محمَّدِ بن أسْلَمَ»[رواه بهذا اللَّفظ الذَّهبيُّ في «السِّير» (12 /196) بسنده إلى أبي نعيم، وبه ـ أيضًا ـ عزاهُ إلى «الحلية» الشَّاطبيُّ في «الاعتصام» (1 /482)؛ ولفظُه في المطبوع من «الحلية»: «لم أسْمَعْ عالمًا منذخمسين سنةً أعْلَمَ من محمَّد بن أسلم»].
فتَبَيَّنَ بِهَذا أنَّ أئمَّةَ السُّنَّةِ ومُقَدَّمِيهَا، قَدْ نَالُوا مِنْ هذا الوَصْفِ حَظًّا وافِرًا؛ فهُمُ الجماعةُ الَّتي يتعيَّنُ لزومُها، والطَّائفةُ الَّتي يُرْجَعُ إلى فُهومِها.
والجمَاعَةُ بهذا الإطلاق لا تتخلَّفُ أبَدًا، فهي باقِيَةٌ إلى قِيَاِم السَّاعَة، كما ثبت في «صحيحِ مسلمٍ» (1920) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».
وفي البخاري (6881) ومسلم (1921) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
وقَدْ ترْجَمَ الإمامُ البُخاريُّ رحمه الله لهذا الحديثِ بِقَوْلِهِ: «بابُ قوْلِ النَّبيِّ ﷺ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» وهم: أهْلُ العِلْمِ».
قال الحافظ في «الفتح» (13 /293): «قَوْلُه: «وَهُمْ أَهْل الْعِلْم» هُوَ مِنْ كَلاَمِ الْمُصَنِّف؛ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ الْبَاب، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد ابْنَ إِسْمَاعِيل ـ هُوَ الْبُخَارِيُّ ـ يَقُول: سَمِعْت عَلِيّ ابْن الْمَدِينِيّ يَقُول: هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيث»…
إلى أنْ قال: «وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي «عُلُوم الْحَدِيث» بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ أَحْمَد: «إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْل الْحَدِيث فَلاَ أَدْرِي مَنْ هُمْ؟!»، وَمِنْ طَرِيق يَزِيد بْن هَارُون مِثْلَهُ». اهـ
* ونستَنْتِجُ من هذا كُلِّه ما يلي:
1 ـ أنَّ المعْنى الأوَّلَ لِلُزُومِ الجماعة، هو لُزومُ ما كان عليه رسُولُ الله ﷺ وأصحابُه الكرامُ رضي الله عنهم، ولا يَتِمُّ ذلك إلاَّ بلُزُومِ أهْلِ العِلْمِ المُجْتَهِدِين مِمَّنْ عُرِفُوا باتِّبَاعِ السُّنَّة وقَفْوِ الأثَرِ.
2 ـ أنَّ المعْنى الآخرَ للزُومِ الجماعة، هو لُزومُ الحاكِم الَّذي اجْتمَعَ عليه المسلمون، وطاعَتُه في المعروف، وعَدَمُ الخُرُوج عليه؛ وهذا سواءً كان تولِّيه بالاخْتِيَارِ، أو بالقَهْرِ والغَلَبَةِ.
3 ـ أنَّ أسْعَدَ النَّاسِ بلُزُوم الجماعة هم المُسْتَقِيمُون على السُّنَّة، والمُلازِمُون لطاعة وُلاَةِ الأُمُور في المعروف.
4 ـ أنَّ أشْأمَ النَّاس وأَبْخَسَهُم حَظًّا مِنْ لُزوم الجماعة، هُمْ أهْلُ البِدَع المُضِلَّة، والأهْوَاءِ الرَّدِيَّةِ، الَّذين تَنَكَّبُوا مَنْهَجَ النَّبيِّ ﷺ وأصحابِهِ الكِرَام رضي الله عنهم في العِلْم والعَمَل.
5 ـ أنَّ مِنْ أخصِّ ـ وأخَسِّ ـ أهْلِ البِدَعِ انْحِرَافًا عَنْ هذا المعْنَى هم الخوارجُ؛ لأنَّ خروجَهُم عن الجماعة من جِهَتَيْن:
الأولى: مُخَالَفَتُهم لطريقة النَّبيِّ ﷺ وأصْحَابِه الكرام رضي الله عنهم، ومَنْ سار على نَهْجِهِم مِن العُلَمَاءِ الرَّبَّانيِّين؛ في الإصْلاحِ والتَّغْييرِ.
الثَّانية: خُروجُهُم عن الحَاكِمِ الَّذي اجْتَمَعَ عليه المسْلِمُون.
من أجْلِ ذلك وصَفَهم النَّبيُّ ﷺ بأنَّهم: «شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ»[رواه مسلم (1067)].
وقَدْ ترْجَمَ الإمامُ النَّوويُّ للباب الَّذي عَقَدَهُ الإمَامُ مُسْلِمٌ في «صحيحه» في ذِكْرِ الخَوَارِج بقوْلِه: «بابٌ: الْخَوَارِجُ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ».
واللهُ الهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبيل، وهو حَسْبُنا ونِعْمَ الوكيل”.*[منقول من مجلة الإصلاح «العدد 10»].
الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه
الحديث الأول:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فارق الجماعة شبراً فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه)).
الحديث الثاني:
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله أمرني بالجماعة وأنه من خرج من الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).
الحديث الثالث:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من فارق الجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية)).
المقصود بمفارقة الجماعة هنا، الجماعة التي لها إمام منتصب، فلا يجوز الخروج على هذا الإمام ولا نكث بيعته، ويؤيد هذا أن هذه الأحاديث الثلاثة قد وردت بألفاظ أخرى متقاربة وفيها: ((من خرج من السلطان شبراً)) بدل ((من خرج من الجماعة شبراً)). والحديث مروي عن ابن عباس نفسه رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)).
وفي رواية عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)).
قال ابن حجر رحمه الله: (وقوله (شبراً) بكسر المعجمة وسكون الموحدة وهي كناية عن معصيته السلطان ومحاربته، قال ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق) (1) .
إلى أن قال: (والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصياً) (2) .
وقال أيضاً: (في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها) (3) .
الحديث الرابع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة – وفي رواية (ويغضب لعصبته ويقاتل لعصبته وينصر عصبته) فقتل فقتله جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)).
وهذا الحديث مثل الأحاديث السابقة في الدلالة.
قال النووي رحمه الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((مات ميتة جاهلية)): (هي بكسر الميم أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم) (4) . وقال أيضاً: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن قاتل تحت راية عمية)) هي بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضاً، قالوا هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور قال إسحاق بن راهويه هذا كتقاتل القوم للعصبية) (5) .
وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة)). قال النووي رحمه الله: (ومعناه إنما يقاتل عصبية لقومه وهواه) (6) .
وحول معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها)). قال النووي: (ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها ولا يخاف وباله) (7) .
الحديث الخامس:
عن عرفجة بن شريح الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: ((إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان)). وفي رواية (فاقتلوه).
وفي رواية للنسائي عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه)).
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: (فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدراً، فقوله صلى الله عليه وسلم، فاضربوه بالسيف وفي الرواية الأخرى فاقتلوه معناه: إذا لم يندفع إلا بذلك) (8) .
الحديث السادس:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك الجماعة)).
قال النووي رحمه الله: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((والتار لدينه المفارق للجماعة)) فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام قال العلماء ويتناول أيضاً كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما وكذا الخوارج والله أعلم) (9) .
وقال ابن حجر رحمه الله: (والمراد بالجماعة جماعة المسلمين أي فارقهم أو تركهم بالارتداد، فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة وإلا لكانت الخصال أربعاً) (10) .
قلت: وهذا الذي ذكره العلماء وقع في تاريخ سلفنا الصالح ما يؤيده كقتال أبو بكر رضي الله عنه للمرتدين ومانعي الزكاة، وكقتال علي رضي الله عنه للخوارج، وللذين غالوا فيه وألهوه وكقتل بعض الأئمة للمبتدعة: كقتل الجعد بن درهم بن صفوان.
الحديث السابع:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)). وفي بعض الروايات: ((هي الجماعة)).
قال المباركفوري رحمه الله عند شرحه للحديث: (قال العلقمي: قال شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم، لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف. وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم: أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية. انتهى باختصار يسير) (11) .
وقال ابن أبي العز الحنفي في تعليقه على حديث الافتراق في (شرح الطحاوية): (فبين أن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة والجماعة) (12) .
وهذا ما عليه جمهور علماء السلف من أن المقصود بالفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة.
وأما الفرقة المخالفة لأهل السنة والجماعة فحكمهم مبني على مسألة (تكفير أهل البدع)، ولعلماء أهل السنة تفصيل طويل في هذه المسألة (13) وخلاصته:
1- أن البدع ليست على درجة واحدة، فمنها البدع المكفرة التي تخرج صاحبها من دائرة الإسلام، ومنها البدع التي هي أقل درجة، ولا تخرج صاحبها عن دائرة الإسلام.
2- ونتيجة للتفريق السابق، فإن المحققين من أهل العلم لا يدخلون غلاة أهل البدع الذين بدعهم مكفرة ضمن الثنتين والسبعين فرقة، ويجعلون حكم الثنتين والسبعين فرقة – بناء على ذلك – حكم أهل الوعيد من أهل الكبائر والمعاصي من هذه الأمة الذين لهم حكم الإسلام في الدنيا، ويدخلون تحت مشيئة الله تعالى في الآخرة، فإن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم ثم مآلهم إلى الجنة. وهذا هو أمثل الأقوال في هذه المسألة، والله أعلم.
وفي حديث الافتراق فوائد عظيمة أشير إلى بعض منها:
الأولى:
دل الحديث على أهمية أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، والتمسك بسنته، والتزام طريقته، فالابتداع في الدين خطره عظيم، ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ضررها جسيم. ولذلك كان من أهم الضوابط التي وضعها الإسلام للزوم الجماعة: الحث على ملازمة السنة والتمسك بها، والنهي عن البدعة والتحذير منها.
وقد بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في حديث الافتراق أمرين:
أولهما:
البشرى بالجنة لمن اتبع سبيله، وكان على ما كان عليه هو صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
الثاني:
الوعيد الشديد لمن خالف هديه وسنته.
الثانية:
يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم، (إلا واحدة) أن الحق واحد لا يتعدد. وهذه المسألة موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى بأن كل مجتهد مصيب، وهم الذين يطلق عليهم اسم (المصوبة)، ومنهم من يرى بأن الحق واحد لا يتعدد، وهم الذين يطلق عليهم اسم (المخطئة) ولاشك أن الأدلة مع الفريق الثاني، ويعتبر حديث الافتراق من الأدلة القوية التي تؤيد ما ذهبوا إليه.
قال الشاطبي: (إن قوله عليه الصلاة والسلام: (إلا واحدة) قد أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف، إذ لو كان للحق فرق أيضاً لم يقل (إلا واحدة) ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق، لأنها الحاكمة بين المختلفين لقوله تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59]. إذ رد التنازع إلى الشريعة، فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة) (14) .
الحديث الثاني:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: ((كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على الحديث السابق: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق، لأن كلا القارئين كان حسناً فيما قرأه، وعلل ذلك: بأن من كان قلنا اختلفوا فهلكوا) (15) .
إلى أن قال: (واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة، الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب، وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيباً فيما يثبته، أو في بعضه، مخطئاً في نفي ما عليه الآخر) (16) .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم، أن الاختلاف في الكتاب سبب هلاك من كان قبلنا، فعن عبد الله بن عمرو قال: (هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف في وجهه الغضب، فقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب)).
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو: أن نفرا كانوا جلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: ((أبهذا أمرتم؟ أو بهذا بعثتم. أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما ههنا في شيء. انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، والذي نهيتم عنه فانتهوا عنه)).
وتوجد أحاديث أخرى كثيرة في ذم الفرقة والتحذير منها، وفيما يلي أسرد بعضاً منها إجمالاً:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان ذئب ابن آدم كذئب الغنم يأتي إليها فيأخذ الشاذة والقاصية والناحية)).
وعن زكريا بن سلام يحدث عن أبيه عن رجل قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: ((يا أيها الناس عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ثلاث مرات)). قالها إسحاق (أحد الرواة) ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل لله في الجماعة فأصاب تقبل الله منه وإن أخطأ غفر الله له، ومن عمل لله في الفرقة فإن أصاب لم يقبل الله منه وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار)).
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: دخلت مع ابن عمر رضي الله عنهما على عبد الله بن مطيع فقال: مرحباً بأبي عبد الرحمن ضعوا له وسادة فقال: إنما جئتك لأحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من نزع يداً من طاعة الله فإنه يأتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية)).
وعن فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامة ومات عاصياً، وأمة أو عبد فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ترك السنة الخروج من الجماعة)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((سألت ربي عز وجل ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة سألت أن لا يبتلي أمتي بالسنين ففعل. وسألت أن لا يظهر عليهم عدوهم، ففعل. وسألت أن لا يلبسهم شيعاً فأبى علي)).
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله أخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً خطا ثم قال: ((هذا سبيل الله)). ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه)). ثم تلا قول الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
وعن مجاهد: ((ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)) قال: (البدع والشبهات) (17) .
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران بينهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا. وفي رواية (ولا تتفرقوا)، وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد إنسان فتح شيء من تلك الأبواب قال له: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والستور حدود الله عز وجل، والأبواب محارم الله تعالى، والداعي على الصراط كتاب الله جل وعلا، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله تبارك وتعالى في قلب كل مسلم)). [انظر: الموسوعة العقدية-الدرر السنية] (18)
ثانياً: ” الأحاديث الصحيحة فى إباق العبد:
[١]عن جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” أيما عبد أبق من مواليه , فقد كفر , حتى يرجع إليهم ” (2)
[٢]عن جرير – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” أيما عبد أبق , فقد برئت منه الذمة ” (1)
[٣]عن جرير – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إذا أبق العبد , لم تقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه ” (1)
[٤]عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (” ثلاثة لا تقبل منهم صلاة) (1) (ولا ترتفع فوق رءوسهم شبرا (2):) (3) (العبد الآبق (4) حتى يرجع , وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط (5)) (6) وفي رواية: (وامرأة عصت زوجها حتى ترجع) (7) (ورجل أم قوما وهم له كارهون “) (8)
[٥]عن فضالة بن عبيد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” ثلاثة لا تسأل عنهم (1) رجل فارق الجماعة (2) وعصى إمامه (3) ومات عاصيا (4) وأمة أو عبد أبق (5) فمات (6) وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا (7) فتبرجت بعده (وفي رواية: فخانته بعده) (8) فلا تسأل عنهم ” (9)
المصادر وشرح الكلمات :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
↑ (1) إباق العبد: إذا هرب من سيده. (2) (م) 122 – (68) , (حم) 19263 , 19245
↑ (1) (م) 123 – (69) , (س) 4051
↑ (1) (س) 4049 , (م) 124 – (70)
↑ (1) (خز) 1518 , انظر المشكاة 1112 (2) أي: لا ترفع إلى السماء , كما في حديث ابن عباس عند ابن ماجه: لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا، وهو كناية عن عدم القبول , كما في حديث ابن عباس عند الطبراني: لا يقبل الله لهم صلاة. تحفة (1/ 389) (3) (جة) 971 , انظر المشكاة: 1128 (4) أي: الهارب من سيده. (5) هذا إذا كان السخط لسوء خلقها , أو سوء أدبها , أو قلة طاعتها , أما إن كان سخط زوجها من غير جرم , فلا إثم عليها. تحفة (1/ 387) (6) (ت) 360 , صحيح الجامع: 3057 , صحيح الترغيب والترهيب: 487 (7) (ك) 7330 , (طس) 3628 , انظر صحيح الجامع: 136 , الصحيحة: 288 , صحيح الترغيب والترهيب: 1888 (8) (جة) 971 , (ت) 359
↑ (1) [أي: فإنهم من الهالكين. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (2) أي: جماعة المسلمين. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (3) عصى إمامه: إما بنحو بدعة , كالخوارج المتعرضين لنا , والممتنعين من إقامة الحق عليهم , المقاتلين عليه , وإما بنحو بغي , أو حرابة , أو صيال , أو عدم إظهار الجماعة في الفرائض , فكل هؤلاء لا تسأل عنهم لحل دمائهم. فيض (ج3ص427) (4) أي: فميتته ميتة جاهلية. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (5) أي: تغيب عنه في محل , وإن كان قريبا. فيض القدير (3/ 427) (6) أي: فإنه يموت عاصيا. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (7) المؤنة أو المئونة: القوت , أو النفقة , أو الكفاية , أو المسئولية. (8) (حب) 4559 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. (9) (حم) 23988 , (خد) 590 , انظر صحيح الجامع: 3058، الصحيحة: 542 , صحيح الترغيب والترهيب: 1887] “انتهى النقل.
ثالثاً: ” الأحاديث الصحيحة فى تبرج المرأة
[١]عن فضالة بن عبيد الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” ثلاثة لا تسأل عنهم (2) رجل فارق الجماعة (3) وعصى إمامه (4) ومات عاصيا (5) وأمة أو عبد أبق (6) فمات (7) وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا (8) فتبرجت بعده (وفي رواية: فخانته بعده) (9) فلا تسأل عنهم ” (10)
[٢]عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرحال , ينزلون على أبواب المسجد , نساؤهم كاسيات عاريات , على رءوسهم كأسنمة البخت (1) العجاف , العنوهن فإنهن ملعونات , لو كانت وراءكم أمة من الأمم , لخدمن نساؤكم نساءهم , كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم ” (2)
[٣]عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (” صنفان) (1) (من أمتي) (2) (من أهل النار لم أرهما , قوم معهم سياط كأذناب البقر , يضربون بها الناس (3) ونساء كاسيات عاريات (4) مائلات (5) مميلات (6) رءوسهن كأسنمة (7) البخت (8) المائلة (9) لا يدخلن الجنة , ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا “) (10)
[٤]عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” أيما امرأة استعطرت (1) فمرت على قوم ليجدوا من ريحها (2) فهي زانية (3) ” (4)
[٥]عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” ويل للنساء من الأحمرين: الذهب , والمعصفر (1) ” (2)
المصادر وشرح الكلمات :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
↑ (1) التبرج: إظهار المرأة الزينة للناس الأجانب. (2) أي: فإنهم من الهالكين. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (3) أي: جماعة المسلمين. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (4) عصى إمامه: إما بنحو بدعة , كالخوارج المتعرضين لنا , والممتنعين من إقامة الحق عليهم , المقاتلين عليه , وإما بنحو بغي , أو حرابة , أو صيال , أو عدم إظهار الجماعة في الفرائض , فكل هؤلاء لا تسأل عنهم لحل دمائهم. فيض (ج3ص427) (5) أي: فميتته ميتة جاهلية. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (6) أي: تغيب عنه في محل , وإن كان قريبا. فيض القدير (3/ 427) (7) أي: فإنه يموت عاصيا. فيض القدير – (ج 3 / ص 427) (8) المؤنة أو المئونة: القوت , أو النفقة , أو الكفاية , أو المسئولية. (9) (حب) 4559 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. (10) (حم) 23988 , (خد) 590 , انظر صحيح الجامع: 3058، الصحيحة: 542 , صحيح الترغيب والترهيب: 1887
↑ (1) نوع من الجمال طوال الأعناق. (2) (حم) 7083 , و (حب) 5753 , انظر الصحيحة: 2683 , صحيح الترغيب والترهيب: 2043 وقال الألباني في الصحيحة: في الحديث معجزة علمية غيبية أخرى غير المتعلقة بالنساء الكاسيات العاريات، ألا وهي المتعلقة برجالهن الذين يركبون السيارات وينزلون على أبواب المساجد , ولعمر الله إنها لنبوءة صادقة نشاهدها كل يوم جمعة حينما تتجمع السيارات أمام المساجد حتى ليكاد الطريق على رحبه يضيق بها , ينزل منها رجال ليحضروا صلاة الجمعة، وجمهورهم لا يصلون الصلوات الخمس، أو على الأقل , لا يصلونها في المساجد، فكأنهم قنعوا من الصلوات بصلاة الجمعة , ولذلك يتكاثرون يوم الجمعة وينزلون بسياراتهم أمام المساجد , فلا تظهر ثمرة الصلاة عليهم في معاملتهم لأزواجهم وبناتهم، فهم بحق ” نساؤهم كاسيات عاريات “!. وثمة ظاهرة أخرى ينطبق عليها الحديث تمام الانطباق، ألا وهي التي نراها في تشييع الجنائز على السيارات في الآونة الأخيرة من هذا العصر , يركبها أقوام لا خلاق لهم من الموسرين المترفين التاركين للصلاة، حتى إذا وقفت السيارة التي تحمل الجنازة , وأدخلت المسجد للصلاة عليها، مكث أولئك المترفون أمام المسجد في سياراتهم، وقد ينزل عنها بعضهم ينتظرون الجنازة ليتابعوا تشييعها إلى قبرها , نفاقا اجتماعيا ومداهنة، وليس تعبدا وتذكرا للآخرة، والله المستعان , هذا هو الوجه في تأويل هذا الحديث عندي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. أ. هـ
↑ (1) (م) 2128 (2) (حم) 9678 , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح. (3) هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به – صلى الله عليه وسلم – فأما أصحاب السياط , فهم غلمان والي الشرطة. شرح النووي (ج 9 / ص 240) (4) أي: يلبسن الثياب الضيقة , والشفافة , والقصيرة , ويخرجن بها إلى الشوارع , أو يلبسنها في البيوت , ويظهرن بها أمام من لا يحل له أن ينظر إليهن , كالرجال الأجانب. ع (5) أي: مائلات عن طاعة الله، وما يلزمهن حفظه. وقيل: مائلات يمشين متبخترات. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة، وهي مشطة البغايا. النووي (7/ 244) (6) أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم. وقيل: مميلات لأكتافهن. وقيل: مميلات يمشطن غيرهن المشطة المائلة. (النووي 7/ 244) (7) جمع سنام , وهو أعلى شيء في ظهر الجمل. (8) البخت: الإبل الخراسانية. شرح النووي (ج 9 / ص 240) (9) أي: يكرمن شعورهن , ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة مما يلف على الرأس، حتى تشبه أسنمة الإبل البخت، هذا هو المشهور في تفسيره. شرح النووي على مسلم – (ج 9 / ص 240) (10) (م) 2128
↑ (1) أي: استعملت العطر. (2) أي: لأجل أن يشموا ريح عطرها. (3) لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها , ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنى العين , فهي آثمة. تحفة الأحوذي (7/ 95) (4) (س) 5126 , (د) 4173
↑ (1) (المعصفر): ما صبغ بالعصفر. وقال الألباني في الصحيحة 339: نقل المناوي في معنى الحديث عن مسند الفردوس: ” يعني يتحلين بحلي الذهب , ويلبسن الثياب المزعفرة ويتبرجن متعطرات متبخترات، كأكثر نساء زماننا، فيفتتن بهن “. أ. هـ (2) (حب) 5968 , (هب) (2/ 230 / 2 مصورة المكتب الإسلامي) انظر صحيح الجامع: 7138 , الصحيحة: 339”. انتهى النقل.