1053 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين وأبي عيسى عبدالله البلوشي
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——
الصحيح المسند (2/ 1053):
قال أبو داود (ج11 ص351): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دِهْقَانَ، قَالَ: كُنَّا فِي غَزْوَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بِذُلُقْيَةَ، فَأَقْبَلَ رَجُلُ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَخِيَارِهِمْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: هَانِئُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ شَرِيكٍ الْكِنَانِيُّ، فَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا، وَكَانَ يَعْرِفُ لَهُ حَقَّهُ قَالَ لَنَا خَالِدٌ: فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، تَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا)).
فَقَالَ هَانِئُ بْنُ كُلْثُومٍ: سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)).
قَالَ لَنَا خَالِدٌ: ثُمَّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ)).
وَحَدَّثَ هَانِئُ بْنُ كُلْثُومٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ سَوَاءً.
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا الحديث يدور على خَالِدُ بْنُ دِهْقَانَ، فأما حديثه عن عبدالله بن أبي زكريا (فصحيح)، وأما حديثه عن هانئ بن كلثم (فضعيف)؛ لأن هانئاً لم يوثقه معتبر، وأما ما ذكر من فضله وشرفه فلا يدل على قبول حديثه؛ فكم من فاضل مردود حديثه؛ لسوء حفظه، نعم حديثه الثاني مقبول؛ لأنه شاهد لحديث عبد الله بن أبي زكريا، والله أعلم.
——-
أولاً: تخريج الحديث:
* أخرجه أبو داود في (السنن)، كِتَاب (34): الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ، بَاب فِي تَعْظِيمِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، حديث رقم (4270).
* حكم الألبانى رحمه الله تعالى على: (حديث أبي الدرداء: كل ذنب عسى الله …. ، وحديث عبادة بن الصامت: من قتل مؤمنا …. ، وحديث أبي الدرداء: لا يزال المؤمن معنقا …. ، وحديث عبادة بن الصامت: لا يزال المؤمن معنقا …. ) (كل هؤلاء حكم عليها الشيخ بقوله:) صحيح (لكل الأحاديث)، الصحيحة (511)، غاية المرام (441).
قال الألباني في [السلسلة الصحيحة (ج2 / تحت حديث (511)]:
أخرجه أبو داود (4270)، و ابن حبان (51)، و الحاكم (4/ 351)، و ابن عساكر في [تاريخ دمشق (5/ 209 / 2)] من طريق خالد بن دهقان قال: كنا في غزوة القسطنطينية بـ (ذلقية) فأقبل رجل من أهل فلسطين من أشرافهم وخيارهم يعرفون ذلك له يقال له هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني فسلم على عبد الله بن أبي زكريا و كان يعرف له حقه قال لنا خالد: فحدثنا عبد الله ابن أبي زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. والسياق لأبي داود و قال الحاكم: ” صحيح الإسناد ” و وافقه الذهبي و هو كما قالا، فإن رجاله كلهم ثقات و قول الحافظ في خالد هذا: ” مقبول ” قصور منه فإنه ثقة وثقه ابن معين و غيره كما ذكر هو نفسه في ” التهذيب “.
وللحديث شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعا به. أخرجه النسائي (2/ 163) و الحاكم و أحمد (4/ 99) من طريق ثور عن أبي عون عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية يخطب فذكره.
وقال الحاكم: ” صحيح الإسناد “. ووافقه الذهبي.
قلت: أبو عون هذا لم يوثقه غير ابن حبان و قد ترجمه ابن أبي حاتم (4/ 414 – 415) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا”. انتهى المقصود.
قال الشيخ عبد المحسن العباد: ” يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في تعظيم قتل المؤمن]. أي: أن قتل المؤمن عظيم وخطير، وأنه ليس بالأمر الهين، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على خطورته، وجاء في السنة المطهرة ما يدل على أنه خطير، وأنه أمر عظيم، وأنه من أكبر الذنوب وأعظمها. “. انتهى المراد.
ثانياً: شرح الحديث:
قال الشيخ عبد المحسن العباد: قوله: [((أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً))]، هذا هو محل الشاهد منه، وأنه عطف على الشرك بالله عز وجل، ولكنه جاء في القرآن الكريم أن الشيء الذي لا يغفر هو الشرك وحده، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فيدخل في ذلك قتل النفس وغير ذلك، والذنب الذي لا يغفر، والذي صاحبه خالد مخلد في النار لا يخرج منها بحال من الأحوال بل يبقى فيها أبد الآباد هو: الشرك، وأما الكبائر والذنوب الأخرى ومنها قتل النفس العمد فإن ذلك يكون تحت مشيئة الله عز وجل؛ إن شاء عذب وإن شاء عفا وتجاوز، وإذا عذب فإن ذلك المعذب -بسبب ذلك الذنب الكبير الذي هو دون الشرك- لا يخلد في النار، بل لابد وأن يخرج منها، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها.
وإذا كان الإنسان استحل القتل فإن الذنوب إذا استحلت كان استحلالها كفراً، لكن مع عدم الاستحلال هو تحت المشيئة، إن شاء عذب وإن شاء تجاوز.
وإذا كان الإنسان استحل القتل فإن الذنوب إذا استحلت كان استحلالها كفراً، لكن مع عدم الاستحلال هو تحت المشيئة، إن شاء عذب وإن شاء تجاوز.
قوله: [فقال هانئ بن كلثوم: سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)].
أورد حديث عبادة بن الصامت: (من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)، هذا تهديد ووعيد شديد، وهو كغيره من أحاديث الوعيد التي فيها مثل هذا التهديد، إذا شاء الله ألا يتجاوز عن صاحبه فإنه يعذبه، ولكنه لا يخلد في النار.
قوله: [(اعتبط)] أي: قتله ظلماً من غير قصاص، وفي بعض النسخ: (اغتبط) أي: فرح وسُرَّ، ولم يكن متأثراً ولا متألماً، بل هو واقع في المعصية وفرح بها، وليس نادماً عليها.
قوله: [(صرفاً)]، قيل: إن المقصود به النوافل.
قوله: [(وعدلاً)]، قيل: المقصود به الفرائض.
[قال لنا خالد: ثم حدثني ابن أبي زكريا عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلح)].
أورد حديث أبي الدرداء: (لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلّح)، يعني: يريد خفيف الظهر يعنق في مشيه فيسير سير المخف.
قوله: [(معنقاً صالحاً)]، هذا تمثيل وتشبيه بالذي يكون خالياً من الظهر ويسير سيراً خفيفاً، والعنق: نوع من السير وهو أخف من النص -كما جاء في حديث الحج وانصرافهم من عرفة إلى مزدلفة، (كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص) أي: أنه كان يسير سيراً خفيفاً، فإذا وجد فجوة أسرع، وزاد في الإسراع.
قوله: [(فإذا أصاب دماً حراماً بلح)]، أي: أعيا وانقطع وهو ضد العنق والسير؛ لأنه كان يسير سيراً خفيفاً ليس فيه سرعة شديدة، ولكنه إذا أصاب دماً حراماً بلح، يعني: أعيا وصار بخلاف الحالة الأولى، وذلك بسبب هذا الذنب، فهو مثل الإنسان الذي يسير وسيره فيه نشاط وقوة، ولكنه إذا حصل هذا الذنب فإنه يتحول إلى العي والتعب ولم يستطع السير”. انتهى المراد.
وقال حفظ الله أيضاً: “قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن عمرو عن محمد بن المبارك قال: حدثنا صدقة بن خالد أو غيره قال: قال: خالد بن دهقان: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: (اعتبط بقتله) قال: الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله، يعني: من ذلك.
قال أبو داود وقال: فاعتبط يصب دمه صباً].
أورد أبو داود هذه الآثار عن خالد قال: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: (اعتبط بقتله) قال: الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله.
فسره يحيى بن يحيى الغساني بأنه الذي يقاتل في الفتنة فيرى أنه على حق في قتاله، فلا يستغفر الله؛ لأنه لا يعتقد أنه مذنب، بل يعتقد أنه على حق، وذلك مثل أهل البدع مع أهل المعاصي، فأهل المعاصي أمرهم أسهل من أهل البدع؛ لأن صاحب المعصية يعتقد أنه مذنب، ويعترف بأنه مذنب، فيكون على خوف من الله عز وجل، وأما ذاك فهو يرى أنه على حق، وهو على ضلالة، فلا يستغفر ولا يتوب، ويعتقد أن غيره هو المبطل وهو المحق؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يتوب من بدعته)؛ وذلك أن صاحب البدعة لا يتوب؛ لأنه يرى أنه على حق، ولا يعتقد أنه مذنب كصاحب المعصية الذي يزني ويعلم أن الزنا حرام، أو يسرق ويعلم أن السرقة حرام، فتجده خائفاً، وأما هذا فتجده مرتاحاً مطمئناً، وقد زين له سوء عمله فرآه حسناً والعياذ بالله!
قوله: [يصب دمه صباً]: هذا فيه مبالغة في القتل.
إذاً: كون الإنسان يقاتل وهو يعتقد أنه على حق، ولا يرى أنه مخطئ أو أنه مذنب فيستغفر الله، ليس كصاحب المعصية الذي يعرف أنه مذنب قد عصى، ويكون خائفاً نادماً مستغفراً، وهذا حاله مثل الخوارج الذين كانوا يقاتلون الصحابة، فقد كانوا يرون أنهم على حق ولا يعتقدون أنهم مذنبون.
والقسطنطينية حصل غزوها في زمن الصحابة، وكان فيها يزيد بن معاوية.”. انتهى.
ثالثاً: أشكال:
قال الألباني في [السلسلة الصحيحة (ج2 / تحت حديث (511)]:
والحديث في ظاهره مخالف لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء}؛ لأن القتل دون
الشرك قطعا، فكيف لا يغفره الله؟!
وقد وفق المناوي تبعا لغيره بحمل الحديث: على ما إذا استحل وإلا فهو تهويل وتغليظ.
وخير منه قول السندي في حاشيته على النسائي: ” و كأن المراد كل ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن، فإنه لا يغفر بلا سبق عقوبة و إلا الكفر، فإنه لا يغفر أصلا ولو حمل على القتل مستحلا لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر – يعني؛ لأن الاستحلال كفر، ولا فرق بين استحلال القتل أو غيره من الذنوب، إذ كل ذلك كفر-.
ثم لابد من حمله على ما إذا لم يتب وإلا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كيف وقد يدخل القاتل والمقتول الجنة معا، كما إذا قتله وهو كافر ثم آمن و قتل “. انتهى المقصود.
قال الشيخ عبد المحسن في شرح أثر زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى ((ومن يقتل مؤمناً متعمداً … )):
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن مجالد بن عوف أن خارجة بن زيد قال: سمعت زيد بن ثابت في هذا المكان يقول: أنزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93] بعد التي في الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} [الفرقان:68]، بستة أشهر.].
أورد أبو داود أثر زيد بن ثابت أن هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء:93]، في سورة النساء نزلت بعد التي في الفرقان وهي: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ ولا يزنون} [الفرقان:68]، وهذا قال عنه الشيخ الألباني: “إنه منكر”، ولعل وجه النكارة فيه من جهة أن نزول سورة الفرقان كان بمكة، ونزول سورة النساء كان بالمدينة، والفترة التي بين نزول هذه ونزول هذه لا تكون ستة أشهر. “. انتهى.
رابعاً: إجماع السلف على أن للقاتل توبة:
قال الشيخ عبد المحسن: وإذا قيل: إن آية النساء متأخرة عنها تكون كالناسخة للتي في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ ولا يزنون} [الفرقان:68]،
لكن كما هو معلوم أن السلف أجمعوا على:
– أن الذي في سورة النساء للتغليظ،
– وأن القاتل له توبة،
– وأن الله تعالى يتوب على كل من تاب،
– وأن أمره إن لم يتب تحت مشيئة الله،
– والذنب الذي لا سبيل إلى مغفرته هو الشرك بالله وحده، وجاء عن ابن عباس غير ذلك، ولكن جاء عنه أنه رجع عن قوله إلى قول جمهور السلف، وبذلك صارت المسألة اتفاقية، وهو أنه تحت المشيئة، وأن له توبة، ومن أوضح ذلك قصة الإسرائيلي – كما في الصحيحين – الذي قتل مائة نفس، ثم بعد ذلك لقي عالماً وقال له: هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟!. انتهى المراد
خامساً: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه: (من شرح الشيخ عبد المحسن العباد)
أ – شرح أثر ابن عباس في أن القاتل المسلم لا توبة له:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير أو حدثني الحكم عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} [الفرقان:68]، قال مشركو أهل مكة: قد قتلنا النفس التي حرم الله، ودعونا مع الله إلهاً آخر، وأتينا الفواحش، فأنزل الله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] فهذه لأولئك، قال: وأما التي في النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93] الآية، قال: الرجل إذا عرف شرائع الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم، لا توبة له، فذكرت هذا لمجاهد فقال: إلا من ندم].
أورد المصنف هذا الأثر عن سعيد بن جبير قال: (سألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في الفرقان، قال: هذه في المشركين)، يعني: أن لهم توبة، وأنهم إذا تابوا فإن الله تعالى يتوب عليهم، قال: (وأما التي في النساء)، فإنها في الذي عرف شرائع الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم لا توبة له.
وهذا الذي قاله ابن عباس أولاً، ثم رجع عنه وصار إلى القول الذي عليه جمهور السلف، وبذلك صارت المسألة متفقاً عليها، ولا خلاف فيها.
وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب يتوب الله تعالى على من تاب منه، كما قال الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38]، وكذلك المسلم إذا تاب من ذنبه فإن له توبة، وقصة الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس تبين ذلك، ثم قال له العالم: من يحول بينك وبين التوبة؟! ثم أرشده إلى أن ينتقل من البلد الذي هو فيه إلى بلد آخر فيه أناس صالحون يكون معهم، ثم مات في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، والحديث مشهور ومعروف، وهو في الصحيحين”. انتهى المراد.
ب – شرح أثر ابن عباس في أن قوله (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) هم أهل الشرك:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدثني يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه القصة في: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:68] أهل الشرك، قال: ونزل: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]].
أورد أبو داود أثر ابن عباس من طريق أخرى، وقال: إن الآية التي في الفرقان في أهل الشرك، ونزل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]، ومعلوم أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، وكل ذنب تيب منه فإنه يغفر لصاحبه، والذي لم يتب منه إن كان شركاً فإنه لا يغفر، وإن كان دون الشرك فهو تحت المشيئة”. انتهى المراد.
ج – شرح أثر ابن عباس في أن قوله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) ما نسخها شيء:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء:93] قال: ما نسخها شيء].
أورد المصنف حديث ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء:93] ما نسخها شيء، معناه: أنها محكمة، وهذا متفق مع ما تقدم عنه من أنه يرى أنه لا توبة له، ولكن قد رجع وصار كغيره من الصحابة وغيرهم الذين قالوا بأن كل ذنب له توبة، وأن كل ذنب دون الشرك تحت المشيئة. انتهى المراد.
وتعليق ابن حجر على قول ابن عباس في توبة المسلم إذا قتل مسلماً:
قال الحافظ في (الفتح): إن ابن عباس رضي الله عنهما كان تارةً يجعل الآيتين في محل واحد؛ فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارةً يجعل محلهما مختلفاً، ويمكن الجمع بين كلاميه: بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمداً، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض، وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه.
ولكن ينهي هذا كله ثبوت رجوعه عن كل هذا.
سادساً: فائدة:
قال الشيخ عبد المحسن العباد: أما عن الخلود إذا جاء في غير الشرك، فهو خلود نسبي، مثل ما جاء في الأحاديث: ((من قتل نفسه بكذا فهو يعذب في نار جهنم خالداً مخلداً فيها))، فهذا تخليد نسبي وليس كخلود الكفار في النار الذي هو أبد الآباد.
والآية ليس فيها نسخ أصلاً، وأما عن أثر رجوع ابن عباس عن قوله في السلسلة الصحيحة (رقم2799)، وفي صحيح الأدب المفرد (رقم4). انتهى المراد.
====
و جاء شرح الحديث في كتاب عون المعبود لشرف الحق العظيم آبادي:-
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغْفَرُ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَمَنْ يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) وهذا هو مذهب بن عَبَّاسٍ لَكِنْ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ حملوا ما ورد من ذلك على التغليظ وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ الْقَاتِلِ كَغَيْرِهِ وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ (فجزؤاه جَهَنَّمُ) أَيْ إِنْ شَاءَ أَنْ يُجَازِيَهُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يشاء) وَمِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ثُمَّ أَتَى تَمَامَ الْمِائَةِ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ لَا تَوْبَةَ لَكَ فَقَتَلَهُ فَأَكْمَلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرَ فَقَالَ لَهُ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ الْحَدِيثَ
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَمِثْلُهُ لَهُمْ أَوْلَى لِمَا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْأَثْقَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ.
عون المعبود على شرح سنن أبي داود (11) / (237).
———-‘——–
قلت سيف بن دورة الكعبي: قال باحث:
وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ما قال ابن عباس رضي الله عنهما:
عن أبي الضحى قال ” كنت مع بن عمر في فسطاطه فسأله رجل عن رجل قتل مؤمنا متعمدا قال فقرأ عليه بن عمر ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها إلى آخر الآية فانظر من قتلت ” ..
عن عبد الله بن عمر قال ” إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله “.
معني ليس لقاتل المؤمن توبة
وبالنظر في الآيات وكلام النبي صلي الله عليه وسلم وتفسير بن عباس أن قتل المؤمن لا يصير به القاتل كافراً وأما قوله سبحانه تعالي {فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} هو كثير في الشريعة وذلك للتخويف كقول النبي صلي الله عليه وسلم في المتبرجات ” لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ” أي إلي مدي يعلمه الله ثم بعد ذلك يدخلن كما في الحديث ” ثم يقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون “.
والكلام في الأدلة علي أن غالبية من يقتل المؤمن لا يوفقه الله لتوبه لكن ممكن أن يتوب وهذا قليل ولهذا جاء التغليظ في العقوبة لأن الغالب لا يتوب.
ونلاحظ قول بن عباس ” وأنى له التوبة سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول يجيء متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دما فيقول أي رب سل هذا فيم قتلني “.
أنه يريد بذلك القصاص إن لم يكن في الدنيا كان في الآخرة وهذا لعظم حق دم المؤمن فالخلاصة أنه من تاب توبة صادقة وفعل أعمال خيرات كثيرة وندم يقبل منه وقد سبق حديث قاتل المئة نفس. انتهى كلام الباحث
لكن نقل الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه تراجع عن فتواه كما في الضعيفة تحت حديث 2799: وفيه حديث يبين أن آية الفرقان ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)
68] (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) 69 (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَائِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
[سورة الفرقان 70]
مكية نسختها آية مدنية
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء 93
أخرجه البخاري 4764.
وأورد الشيخ الألباني حديث الصحيحة 2799 وعزاه للطبراني وان بين نزولهما ستة أشهر
وسبق في أول الشرح الكلام على لفظ (ستة أشهر)
ثم أورد الشيخ الألباني تراجع ابن عباس رضي الله عنهما حيث أمر قاتل قتل امرأة أبت أن تنكحه ببر أمه.
وفي أثر آخر قال ابن عباس ليس لقاتل توبة إلا أن يستغفر الله
——-‘—–”
س42: كيف نجمع بين هذين الدليلين:
الدليل الأول: قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
والدليل الثاني: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ.
الدليل الأول بيّن أن القاتل المتعمد قاتل المسلم خالد مخلد في النار،
وفي الدليل الثاني جعل من القاتل أخًا لولي القصاص يعني أخوة الإسلام؟
ج42: لا يختلف العلماء بأن القتل العمد كبيرة من كبائر الذنوب ولا يخرج من الملة،
وأما الجمع بين الدليلين المذكورين في السؤال فإن قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)،
معنى ذلك: أن القاتل عمدًا مستحق للخلود المؤقت في النار ثم يخرج منها كعصاة الموحدين فهو خلود دون خلود،
فإن الخلود خلودان: خلود دائم أبدًا لا ينتهي وهذا هو خلود الكفار في النار، كما قال الله سبحانه في شأنهم: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ.
وخلود مؤقت ينتهي بالخروج من النار وهذا لعصاة الموحدين كقاتل النفس عمدًا بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون فهؤلاء وأشباههم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيده وإخلاصهم العبادة لله وكونهم مسلمين أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم.
وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها.
ومما يؤكد ذلك أن الله قد جعل القاتل عمدًا أخًا للمقتول في قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)
أي: أنه أخ له في الإسلام كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)، فدل ذلك على أنه لا يخرج من الإسلام بالقتل العمد، وأنه يستحق العذاب على هذه الكبيرة، ولكن لا يخلد في النار كخلود الكفار.
وكذلك قال سبحانه وتعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلتا قال: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)
فوصف الله الطائفتين المقتتلتين بالإيمان وجعلهما إخوة للطائفة الثالثة المصلحة مع أن قتال المؤمن كفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه،
وهذا كفر دون كفر لأن الله أثبت الإيمان للطائفتين مع الاقتتال وجعلهما إخوة للطائفة المصلحة فدل هذا على أن إطلاق الكفر على من قاتل أخاه يراد به كفر دون كفر، فالأخوة الإيمانية لا تنتفي إلا بالخروج من الدين بالكلية.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
– وترجم البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه،
بَابُ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ
وأورد تحته حديثا واحدا،
# الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ.
_____
فبين رحمه الله في الترجمة أنه مؤمن بدلالة الآية، حتى لا يفهم الحديث على غير هذا.