105 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3
والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–
صحيح ابن حبان:
6281 – أَخْبَرَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ، وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ؟ فَقَالَ: ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي، هَلْ نَرَى ظِلًّا نَاوِي إِلَيْهِ؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْظُرُ، هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أُرِيدُ – يَعْنِي الظِّلَّ – فَسَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ الْغُلَامُ: لِفُلَانِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ
رَوَيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرُدَ أَسْفَلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ، فَقُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، فَلَمَّا دَنَا مِنَّا، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ لَحِقَنَا، فَبَكَيْتُ، قَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟»، قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ»، قَالَ: فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّينِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَاءِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي، فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ»، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ،
وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ، أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ»، فَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي الطُّرُقِ، وَعَلَى الْبُيُوتِ مِنَ الْغِلْمَانِ وَالْخَدَمِ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ، فَنَزَلَ حَيْثُ أُمِرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] قَالَ: وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]، قَالَ: وَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَخَرَجَ بَعْدَمَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ مَكَانَهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ، فَقُلْنَا: مَا فَعَلَ مَنْ وَرَاءَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ؟ قَالَ: هُمُ الْآنَ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَانَا بَعْدَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَبِلَالٌ، ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُمْ، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ الْبَرَاءُ: فَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَاتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ خَرَجْنَا نَلْقَى الْعِيرَ، فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ حَذِرُوا (1). [5: 46]
__________
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيحين)
قال محقق صحيح ابن حبان إسناده صحيح على شرط البخاري، عبد الله بن رجاء الغُداني من رجال البخاري، ومن فوقه على شرطهما.
وأخرجه البيهقي في “الدلائل” 2/ 484، والإِسماعيلي في “المستخرج” كما في “الفتح” 7/ 11 عن الفضل بن الحباب الجمحي، بهذا الاسناد.
وأخرجه البخاري مختصراً ومطولاً (2439) في اللقطة: أطولها سياقة (3615) في فضائل الصحابة: باب مناقب المهاجرين وفضلهم، عن عبد الله بن رجاء الغداني، به. وعليها شرح ابن حجر وذكر الفروق في الالفاظ والزيادات ومنها ما زاده ابن حبان
وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 327، وأحمد 1/ 2 – 3، ومسلم (2009) في الزهد باب حديث الهجرة
————
هجرة النبي مع أبي بكر الى المدينة
(عن البراء) بن عازب الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: اشترى أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- من) أبيه (عازب رحلاً) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة للناقة (بثلاثة عشر درهمًا فقال أبو بكر لعازب: مُر البراء) ابنك (فليحمل إليّ) بتشديد الياء التحتية (رحلي، فقال) له (عازب: لا حتى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين خرجتما من مكة) في الهجرة إلى المدينة (والمشركون) من أهل مكة (يطلبونكم) أي هما ومن معهما (قال): أبو بكر (ارتحلنا من مكة فأحيينا أو سرينا) بفتح السين (ليلتنا ويومنا) والشك من الراوي (حتى أظهرنا) ولأبي ذر عن الكشميهني ظهرنا بغير ألف والأول هو الصواب أي صرنا في وقت الظهيرة (وقام قائم الظهيرة) شدّة حرها عند الزوال (فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه) بمد الهمزة وفتح التحتية في اليونينية وفرعها مصححًا عليه (فإذا صخرة) فلما رأيتها (أتيتها فنظرت بقية ظل لها فسويته) أي موضعًا. وفي علامات النبوة: فنزلنا عنده أي عند الظل وسوّيت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه (ثم فرشت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه) في الظل (ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله فاضطجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدًا فإذا أنا براعي غنم) لم يسم الراعي ولا مالك الغنم (يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا) من الظل (فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت): له (هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم.
قلت): له (فهل أنت حالب لبنًا؟) ولأبي ذر عن الكشميهني: لنا (قال: نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه) بالتثنية (فقال: هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى) فيها إطلاق القول على الفعل واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب (فحلب لي كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة بعدها موحدة مفتوحة قليلاً (من لبن، و) كنت (قد جعلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إداوة) بكسر الهمزة من جلد فيها ماء (على فمها خرقة) كذا في الفرع خرقة بالنصب وفي اليونينية وغيرها بالرفع (فصببت) منها (على اللبن حتى برد أسفله) بفتح الراء (فانطلقت به) باللبن المشوب بالماء (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوافقته قد استيقظ) من نومه (فقلت له: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت) أي طابت نفسي لكثرة ما شرب وفيه: أنه أمعن في الشرب وقد كانت عادته المألوفة عدم الإمعان (ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دخل وقته (قال): عليه الصلاة والسلام:
(بلى) قد آن، وسقط لفظ: بلى لأبي ذر (فارتحلنا والقوم) كفار قريش (يطلبونا) ولأبي ذر: يطلبوننا (فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم) بجيم مضمومة فعين مهملة ساكنة فشين معجمة مضمومة فميم (على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله. فقال: لا تحزن إن الله معنا).
ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني.
قال الفضيل: وقوله فى حديث الهجرة: ” حتى قام قائم الظهيرة “: الظهيرة: هى الهاجرة، وهى ساعة الزوال وانتصاف النهار، ومنه سميت صلاة الظهر. قال يعقوب: الظهيرة: نصف النهار فى القيظ حتى تكون الشمس بحيال رأسك وتركد، وركودها أن تدوم حيال رأسك، كأنها لا تبرح. وهذا معنى قوله: ” قام قائم الظهيرة “، كأنه وقف ولم يبرح، إما كناية عن الشمس أو الظل لوقوفه عن الزيادة حينئذ، حتى يستبين زوال الشمس.
وقوله: ” فرفعت لنا صخرة طويلة “: أى ظهرت وارتفعت لأبصارنا.
وقوله: ” لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد “: يريد ظل أول النهار، أى لم يف عليه. والظل: ما كان من غدوة إلى الزوال ما لم يصبه شمس، وهو أبرد وأطيب. والفاء: ما كان بعد الزوال ورجوعه من المشرق إلى الغرب، مما كانت عليه الشمس وأصابت أرضه.
وقوله: ” فبسطت عليه فروة، ثم قلت: نم ” قيل: أراد بالفروة هنا حشيشة من النبات، لكنه ورد فى صحيح البخارى: ” فروة معى “، وهذا يبعد هذا التأويل – والله أعلم. وفى حديث الخضر: أنه جلس على فروة بيضاء وحصير تحته خضرا. وقال عبد الرزاق: أراد بالفروة الأرض اليابسة. وقال الهروى: قال غيره: يعنى الهشيم اليابس، شبه بالفروة. وقال الخطابى: هى الأرض البيضاء.
وقوله: ” وأنا أنفض لك ما حولك “: أى أفتش وأبحث لئلا يفجأك من يغتالك. والنفيضة: الجماعة تتقدم العسكر فتنفض ما أمامه، قال ابن دريد: كالطليعة.
وقوله فى الراعى: ” رجل من أهل المدينة “: قيل: هو وهم، وصوابه: من أهل مكة. وكذا وقع فى البخارى من رواية إسرائيل: ” لرجل من قريش ” وفى رواية غيره: ” لرجل من المدينة أو مكة “.
وقوله: ” أفى غنمك لبن “: ضبطناه كذا بفتح اللام والباء، و ” لبن ” بضم اللام وسكون الباء على وصف جماعة الشياه، أى ذوات ألبان، ويقال: شاة لبنة، وشاة لبن، وقد تسكن مثل هذا. والقعب: إناء من خشب مقعر معروف.
” وكثبة من لبن ” بضم الكاف، وهى قدر الحلبة، قاله يعقوب. وقيل: القليل منه، قاله ابن الأعرابى. وفيه جواز الشرب من الغنم التى عند الرعاة إذا كانت بالبوادى، وحيث يعرف أن أربابها لا يطلبون لبنها، وأنه مباح للرعاة أو حيث العادة أن ذلك لا يمنع ويباح لشاربه. وقد سئل مالك عن المسألة على الجملة فقال: لا يعجبنى، وقد تقدم الكلام على هذا.
” وجدد الأرض ” بفتح الجيم: الخشن منها، قاله لنا ابن سراج. وفى الجمهرة والغريبين: هو المستوى، كذا رواه العذرى. ولغيره: ” جلد ” باللام بمعنى الأول، أى صلب خشن غليظ. واحتاج لذكر ” جدد الأرض ” هاهنا ارتطام فرس سراقة فيها، وتسوخها لتبين المعجزة وتظهر الآية، إذ لو كانت الأرض سبخة ورخوا دهنية لم يستغرب مثل ذلك فيها.
وقوله: ” لأعمين على من ورائى “: أى أخفى أمركم وألبسه عليهم، حتى لا يتبعوكم.
وقوله: ” ارتطمت فرسه إلى بطنها “، قال الإمام: أى ذهبت وساخت.
قال القاضى: وقوله – عليه السلام -: ” أنزل على بنى النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم [بذلك]: فيه صلة القرابة وبرهم وإيثارهم.
وقوله: ” فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتنرق الخدم والغلمان فى الطريق ينادون يا محمد، يا رسول الله “: فيه ما كان أتى الله نبيه – عليه السلام – من المحبة فى القلوب ما خص الله به هذا الحى من الأنصار؛ لما أراده الله بهم من الخير، وما قضاه من إظهار دينه على أيديهم. انتهى اكمال المعلم بفوائد مسلم
قال الإمام النووي: وهذا الحديث مما يسأل عنه، فيقال: كيف شربوا اللبن من الغلام وليس هو مالكه؟ وجوابه من أوجه:
أحدها: أنه محمول على عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مرّ بهم ضيف أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه.
الثاني: أنه كان لصديق لهم يدلون عليه، وهذا جائز.
الثالث: لعلهم كانوا مضطرين، والجوابان الأولان أجود.
وفي هذا الحديث فوائد، منها: هذه المعجزة الظاهرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفضيلة ظاهرة لأبى بكر رضى اللَّه عنه من وجوه.
وفيه خدمة التابع للمتبوع، وفيه استصحاب الركوة والإبريق ونحوهما في السفر للطهارة والشرب.
وفيه فضل التوكل على اللَّه سبحانه وتعالى وحسن عاقبته، وفيه فضائل للأنصار لفرحهم بقدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وظهور سرورهم به، وفيه فضيلة صلة الأرحام، سواء قربت القرابة والرحم أم بعدت، وأن الرجل الجليل إذا قدم بلدا له فيه أقارب ينزل عندهم يكرمهم بذلك. واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 11): وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم خدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وأدبه معه وإيثاره له على نفسه وفيه أدب الأكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب وفيه استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل.
[من الفوائد: النصر و التأييد لعباده الصالحين].
قال العباد: هناك معية عامة ومعية خاصة، فالمعية الخاصة هي لأولياء الله المتقين، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، وقال: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
وهناك معية عامة، قال الله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] فهو فوق عرشه وهو مع خلقه سبحانه وتعالى، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -وقاله أيضاً قبله أحد أئمة اللغة-: الله تعالى مع كونه عالياً هو قريب، ومع كونه قريباً هو عالٍ، فهو عال في دنوه، وقريب في علوه، وإذا نزل إلى السماء الدنيا فهو عال فوق العرش، فالله تعالى قريب وهو فوق العرش، ويوضح ذلك ما جاء عن ابن عباس أن السماوات والأرضين عند الله كالخردلة في كف أحدنا، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل فوق العرش، والسماوات والأرضون مثل الخردلة، وهو مع خلقه ليس مخالطاً لهم، والمعية لا تدل على المخالطة، ولا يلزم منها المخالطة، كما يقال: سرنا والقمر معنا، مع أن القمر في السماء، فكذلك الله مع عباده حقيقة، لكن لا يقال: هو مخالط لهم، فهو عال في قربه، وقريب في علوه.
[وفيه اثبات حجية خبر الواحد]
يقول شيخ الإسلام أيضا: ” مذهب أصحابنا أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات” المسودة (ص: 248).
س: ما المقصود بحديث الآحاد؟ وهل يؤخذ بها في أمر العقيدة؟
ج: خبر الآحاد هو كل حديث لم تتوافر فيه شروط المتواتر، ويسمى خير آحاد وهو أقسام ثلاثة: مشهور ويسمى المستفيض، وعزيز، وخبر الواحد. كما أوضح ذلك أئمة الحديث ومنهم الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في النخبة وشرحها.
وخبر الآحاد حجة في العقيدة وغيرها، عند أهل السنة إذا صح سنده. والله ولي التوفيق. مجموع فتاوى ابن باز (25/ 61 – 62).
قال العلامة ربيع بن هادي: يقرر كثير من علماء الإسلام أن خبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول أنه يفيد العلم اليقيني القطعي, ونقل هذا الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهل الحديث قاطبة وعن جماهير العلماء وحتى عن رؤوس من فرق الضلال من المعتزلة, ومن رؤوس الأشاعرة أن الخبر إذا كان بهذه المنزلة؛ تلقته الأمة تصديقا به وعملا بموجبه أفاد العلم اليقيني ,قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله رحمه الله وتناقله العلماء عنه من بعده رحمه الله؛ نقله عنه الحافظ بن حجر ونقله عنه البلقيني وردوا به على النووي الذي يرى أن أخبار الآحاد تفيد الظن حتى أخبار الصحيحين! فما قبلوا منه هذا الكلام.
النووي يحب الحديث ويحترمه ومجند لخدمته لكنه ما عرف مذهب أهل السنة وإنما تلقى هذا المذهب من رؤوس الأشاعرة فقط! ولم يعلم المذاهب الصحيحة ,وقد حكى ابن حزم وابن القيم وغيرهما أن الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم مجمعون على تلقي أخبار الرسول عليه الصلاة والسلام بالقبول, وأن أخبار الرسول الصحيحة الصادقة تفيد العلم. اقتبست ذلك من شريط مفرغ [الموقف الصحيح من أهل البدع}