1049 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم)
———”——–”———”——–
الصحيح المسند (1049)، قال الإمام النسائي (ج6 ص 20):
أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُمَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَمَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ هَاجِرًا وَمَاتَ فِي مَوْلِدِهِ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا بِهَا؟ فَقَالَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ».
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن.
————
1 – وقد أورد الترمذي في (السنن) بنحوه في أبواب (36) صفة الجنة، باب ما جاء في صفة درجات الجنة، حديث رقم (2530)، «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ وَحَجَّ البَيْتَ – لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا – إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، إِنْ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مَكَثَ بِأَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا» قَالَ مُعَاذٌ: أَلَا أُخْبِرُ بِهَذَا النَّاسَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَرِ النَّاسَ يَعْمَلُونَ فَإِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالفِرْدَوْسُ أَعْلَى الجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا، وَفَوْقَ ذَلِكَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ».
2 – بيان الحديث:
جاء في (حاشية) السندي رحمه الله: “قوله: ((كان حقا على الله))، أي: واجبا عليه بمقتضى وعده، ((أن يغفر له)): الظاهر كل ذنوبه صغائره وكبائره، ويحتمل التخصيص بالبعض، ((هاجر إلخ))، أي: ولو ترك الهجرة، ((فقال: إن للجنة))، أي: ليس المطلوب المغفرة فقط، بل تحصيل الدرجات أيضاً مطلوب، والإخبار بمثل هذا الخبر ربما يؤدي إلى قصر الهمة على تحصيل المغفرة، وهو يفضي إلى الحرمان عن الدرجات المطلوبة فلا ينبغي الإخبار. ((ولولا أن أشق))، أي: أنا مع حصول المغفرة لي قطعا أريد الجهاد في سبيل الله؛ لتحصيل الخير فكيف حال الغير، ((أن يتخلفوا بعدي))، أي: فيوجب ذلك إلى مشيهم معي على الرجل، وفيه من المشقة عليهم ما لا يخفى،
((ولوددت)): يحتمل أن يكون ذاك قبل قوله تعالى {والله يعصمك من الناس}، ويحتمل أن يكون بعده لجواز تمني المستحيل كما في: ليت الشباب يعود، والله تعالى أعلم.”انتهى.
3 – سبق بيان من مات على التوحيد دخل الجنة إذا انطبقت عليه الشروط، وانتفت الموانع في (1238 – 1237 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري).
4 – إن مما يبلغ به العبد الدرجات العلى فيما جاءت به السنَّة:
1. الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف / 107].
قال السعدي رحمه الله: ” يحتمل أن المراد بجنات الفردوس: أعلى الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب، لمن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح، والأنبياء والمقربون.
ويحتمل أن يراد بها: جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، من المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كل بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين لعمومه ” انتهى. [تفسير السعدي – (488)].
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر)) أي النجم في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: ((بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)). [رواه البخاري (3083) ومسلم (2831)].
قال الحافظ: ” قَوْلُهُ: ((وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)) أَيْ حَقّ تَصْدِيقهمْ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رُسُله وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ”. انتهى.
2. الجهاد في سبيل الله
روى البخاري (2790) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ)).
قال الحافظ رحمه الله: ” يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ , وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ -: (فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ) ” انتهى.
وروى مسلم في صحيحه (1884) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ، وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ!! قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)).
3. الإخلاص والصدق مع الله، وسؤال الله تعالى المنازل العالية:
روى مسلم (1909) من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)).
قال النووي رحمه الله: ” َفِيهِ: اِسْتِحْبَاب سُؤَال الشَّهَادَة , وَاسْتِحْبَاب نِيَّة الْخَيْر ” انتهى.
4. الإنفاق في سبيل الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون … “. رواه البخاري (807) ومسلم (595).
5. إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟))
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)). رواه مسلم (251).
6. حافظ القرآن
لحديث عبد الله بن عمرو الذي سبق ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها “. رواه أبو داود (1464) والترمذي (2914) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
7. – الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة:
روى مسلم (489) عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.
وروى مسلم (2983) أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ)) وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
وروى أيضا (2631) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ)) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
وروى الإمام أحمد (12089) عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ)) وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. [صححه الألباني في “الصحيحة” (296)].
5 – جاء في (موسوعة الفقه الإسلامي) ذكر عدة مسائل:
الأولى: أعلى درجات الجنة:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله: «مَنْ آمَنَ بِالله وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا:
يَا رَسُولَ الله، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ-أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري.
ثانياً: إلحاق ذرية المؤمن به إن كانوا مؤمنين محسنين:
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [21]} [الطور: 21].
ثالثاً: أعلى منزلة في الجنة:
هي الوسيلة، وهي أقرب الدرجات إلى الله، وقد خص الله بها خليله محمداً صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم.
رابعاً: تفاوت أهل الجنة في الدرجات:
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ». قالوا: يَا رَسُولَ الله تِلْكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قال: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِالله وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه.
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله: «مَنْ آمَنَ بِالله وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ الله، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ-أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري.
وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «يُقَالُ لِصَاحِب القُرْآنِ اقْرَا وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا». أخرجه أبو داود والترمذي.
خامساً: أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم منزلة:
عَنِ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. أخرجه مسلم.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ الله: «إِنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولا الجَنَّةَ، وَآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». متفق عليه.
5 – وقد جاء ذكر ما يتعلق بدرجات الجنة في (الموسوعة العقدية – الدرر السنية)، حيث قالوا: درجات الجنة
قال الله تعالى: {وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95 – 96].
قال ابن محيريز: ” هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين عاماً “. وأخرج ابن المبارك عن الضحاك في قوله تعالى: لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ [الأنفال: 4] وقال بعضهم: أفضل من بعض فيرى الذي عقد فضل به فضله, ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس قلت: وهذا من تمام نعم الله على عبده لأن الأنفس مطبوعة على التألم بمشاهدة من هو فوقها إلا من وفقه الله، وهنا نكتة عنَّ لي أن أنبه عليها وهي: أن العاقل ينبغي له أن يتألم بسبق غيره له في الطاعات ووجوه الخير فيبادر إلى فعل مثل ما فعل ذلك المبادر
إذا أعجبتك خلالاً منه … فكنه تكن مثل من يعجبك
فليس على الجود والمكرمات … إذا جئتها حاجب يحجبك
والله الموفق
قوله تعالى: فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ الآيتين أوقع التفضل أولاً بدرجة ثم أوقعه ثانياً بدرجات فقيل: الأول بين القاعد, المعذور, والمجاهد. والثاني: بين القاعد بلا عذر والمجاهد. وقال تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللهِ واللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [آل عمران: 163] وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 3 – 4].
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)) [رواه البخاري (3256)، ومسلم (2831)].
ولفظ البخاري في ((الأفق)) وهو أبين قال في [((حادي الأرواح)) (ص: 54)]: (الغابر هو: الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكوكب – المسامت للرأس وهو أعلى فائدتان أحدهما: بعده عن العيون. والثانية: أن الجنة درجات بعضها فوق بعض وأعلى من بعض وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله). انتهى.
وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة كما تراءون الكوكب في أفق السماء)) [رواه البخاري (6555)، ومسلم (2830)]، وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات. قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون قال: بلى، والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)) [رواه أحمد (2/ 339) (8452)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 370). وقال: رواته محتج بهم في الصحيح، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (3708)].
قال في (حادي الأرواح): ورجال هذا الإسناد احتج بهم البخاري في صحيحه. وفي هذا الحديث: (الغارب) وفي حديث أبي سعيد: (الغابر) وقوله: (الطالع) صفة للكوكب وصفة بكونه غارباً وبكونه طالعاً.
وقد خرج هذا المعنى في الحديث الذي رواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات. قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون قال: بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)) [رواه ابن المبارك في مسنده (116)] قال: وهذا على شرط البخاري أيضاً.
وفي المسند عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي والغربي فيقال: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله عز وجل)) [رواه أحمد (3/ 87) (11847). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 425): رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده السيوطي في ((البدور السافرة)) (404)].
وفي المسند من حديث أبي سعيد أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الجنة مائة درجة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم)) وفيه عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد. فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه)) [رواه أحمد (3/ 29) (11254). ورواه الترمذي (2532)، وأبو يعلى (2/ 530) (1398). قال الترمذي: غريب، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي))].
قال المحقق: وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة.
وأما حديث البخاري (7423) عن أبي هريرة مرفوعاً: ((أن الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة)).
فالجواب عنه: أنه يحتمل أن تكون هذه المائة درجة من جملة الدرج أو تكون نهايتها هذه المائة، وفي ضمن كل درجة درج دونها.
والثاني أوجه؛ لأن لفظ حديث البخاري معرفة الطرفين فيفيد الحصر على رأي البيانيين، وإن استوجه المحقق الأول، واستدل له بما خرجه الترمذي عن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((من صلى هؤلاء الصلوات الخمس، وصام شهر رمضان كان حقاً على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه. قلت: يا رسول الله ألا أخرج فأؤذن الناس؟ قال: ذر الناس يعملون, فإن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين منهما مثل ما بين السماء والأرض، وأعلى درجة منها الفردوس، وعليها يكون العرش، وهي أوسط شيء في الجنة، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس)) [رواه الترمذي (2530)، وابن ماجه (3512)، وأحمد (5/ 240) (22140). والحديث صححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: حديث صحيح وهذا إسناد رجاله رجال الصحيح غير أنه منقطع]، فرواه بلفظة (في).
وأخرج أيضاً عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: ((في الجنة مائة درجة)) [رواه الترمذي (2531)، وأحمد (5/ 316) (22747)، والحاكم (1/ 153)، والضياء (8/ 328). قال الضياء: إسناده صحيح، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (5/ 55): إسناده صحيح لا غبار عليه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))]. فذكر نحوه وعنده أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنة مائة درجة)) [رواه الترمذي (2529). وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))]. وذكر نحوه وقال حديث حسن غريب، وفيه عن أبي سعيد مرفوعاً: ((إن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم)) [رواه الترمذي (2532)، وأحمد (3/ 29) (11254). قال الترمذي: حديث غريب، وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (14/ 125)].، ورواه الإمام أحمد بدون لفظة (في) كما تقدم فرويت هذه الأحاديث بلفظة في وبدونها. فإن كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجتها، وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار، ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا تقريباً للإفهام يدل له حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: ((مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض، وأبعدهما بين السماء والأرض. قلت: يا رسول الله: لمن؟ قال: لمجاهدين في سبيل الله)) [رواه مسلم (1884)، والنسائي (6/ 19)، وأحمد (3/ 14) (11117)]. البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني – 3/ 962
وهذه الجنات متفاضلة، ففيها جنات عُلَى كما قال سبحانه: (وَمَنْ يَاتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى) [طه: 75]. وفيها درجات دون التي فوقها كما قال سبحانه: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ إلى أن قال: وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46 – 62]. والجنات بعضها فوق بعض كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم)) [رواه البخاري (3256)، ومسلم (2831). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
فقوله: ((من فوقهم)) يدل على ما ذكر، وهذه الجنات متباعدات كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله, ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة, وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة)) [رواه البخاري (7423). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
فهذا تباعد ما بين درجات هذه المائة التي أعدت للمجاهدين، ودرجات الجنة كثيرة لم يرد حصرها في عدد, فهذه مائة أعدت للمجاهدين, وقال صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا, فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)) [رواه أبو داود (1464)، والترمذي (2914)، وأحمد (2/ 192) (6799)، وابن حبان (3/ 43) (766)، والحاكم (1/ 739). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (901) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 372) كما قال ذلك في المقدمة]. وهذا يدل على أن درج الجنة لا حصر لها.
والجنات على كثرتها وعدم إحصائها إلا أنها ترجع إلى نوعين: جنتان ذهبيتان بكل ما اشتملتا عليه, وهما المخصوصتان بالمقربين، وجنتان فضيتان بكل ما اشتملتا عليه وهما لأصحاب اليمين [انظر: ((حادي الأرواح)) (ص 77)، و ((شرح النونية للهراس)) (2/ 356 – 358)]. قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ إلى أن قال: وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن: 46 – 62].
قال صلى الله عليه وسلم: ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما)) [رواه البخاري (4878)، ومسلم (180). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].
والمؤمنون متفاضلون بتفاضل درجاتها، وأعلاهم وأكملهم درجة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما في الحديث المذكور قريباً، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)) [رواه البخاري (3256)، ومسلم (2831). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه]. أي: نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى لهم ذلك, ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك الدرجة [انظر: ((فتح الباري)) (6/ 328)].
وأفضل الأنبياء درجة محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. ثم صلوا عليّ. فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً. ثم سلوا الله لي الوسيلة. فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو)) [رواه مسلم (384). من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما].
فهذه منزلة في الجنة خاصة به صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم أول من يقرع باب الجنة فقد قال: ((أنا أول من يقرع باب الجنة)) [رواه مسلم (196). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه].
فيكون أول من يفتح له، قال صلى الله عليه وسلم: ((آتي باب الجنة يوم القيامة. فأستفتح. فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)) [رواه مسلم (197). من حديث أنس رضي الله عنه].
ثم يتفاضل المؤمنون بعد الأنبياء في الجنات، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة)) [رواه البخاري (3254)، ومسلم (2834). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. ولعل المراد بأول زمرة السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الأحاديث المذكورة فيهم أنهم يتقدمون الأمة, وأن من صفاتهم أنهم زمرة واحدة على صورة القمر.
وأقل أهل الجنة منزلة المخرجون من النار بعد العقوبة، قال صلى الله عليه وسلم: ((يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع, فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين)) [رواه البخاري (6559). من حديث أنس رضي الله عنه]. وهؤلاء يتفاضلون في خروجهم من النار، يخرج بعضهم قبل بعض على منازلهم في الإيمان كما في حديث الرؤية الطويل الذي فيه ((أن المجاوزين الصراط إذا رأوا أنهم قد نجو وبقي إخوانهم يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا)) [رواه البخاري (7439). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
وآخر أهل النار خروجاً منها ما جاء فيه: ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولاً، رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربي وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)) وجاء في آخر الرواية: ((فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة)) [رواه البخاري (6571)، ومسلم (186). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه].
وهذا هو أدنى أهل الجنة منزلة كما في حديث: ((سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب, كيف وقد نزل الناس منازلهم, وأخذوا أخذتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله, ومثله, ومثله, ومثله. فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله. ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك. فيقول: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي, وختمت عليها. فلم تر عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر على قلب بشر. قال ومصداقه في كتاب الله عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17])) [رواه مسلم (189). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه].
وحظ الرجال من الجنة أعظم من حظ النساء ففي الحديث: ((أريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع, ورأيت أكثر أهلها النساء)) [رواه البخاري (1052). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما].
وقال صلى الله عليه وسلم للنساء: ((تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)) [رواه مسلم (885). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه].
وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل أهل الجنة, فهم أول من يدخل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة. ونحن أول من يدخل الجنة)) [رواه مسلم (855). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. وهم أكثر أهل الجنة, إذ هم نصف أهل الجنة. ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟. قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم، فقال: ((والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر)) [رواه البخاري (6528)، ومسلم (221). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه]. مباحث المفاضلة في العقيدة ص 406
تنبيه: يجب أن لا يعارض الحديث مع قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَائِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
[سورة النساء 97]
فالمقصود بالحديث من مات في أرضه التي ولد فيها مع قدرته على إقامة دينه أما إذا لم يستطع فتشملهم الآية.