1048 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي ، وعبدالحميد البلوشي، وكديم.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم )
————”————-”———–
الصحيح المسند:
1048- قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا هيثم(قال عبدالله) وسمعته أنا منه قال حدثنا أبو الربيع عن يونس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي)).
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن، وهيثم هو ابن خارجه، وأبو الربيع هو سليمان بن عتبة، ويونس هو ابن ميسرة بن حَلْبَسٍ.
وأخرجه البزار كما في “كشف الأستار” (ج3 ص21)، وقال: لا نعلمه يروي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وإسناده حسن.
==========
1 – شرح الحديث:
أبو الحسن عبيد الله المباركفوري (المتوفى: 1414هـ) في (مرعاة المفاتيح): ” قوله: (حين خلقه) قال الطيبي: ظرف لقوله: (فضرب) ولا يمنع الفاء من العمل؛ لأنه ظرف على أن الفاء السببية أيضاً غير مانعة لعمل ما بعدها في ما قبلها. وقال السيد جمال الدين: ويحتمل أن يكون ظرفاً لقوله: “خلق الله” والمقصود الإشارة إلى عدم العلم بزمان خلقه –انتهى.
(ذرية بيضاء) أي نورانية (كأنهم الذر) بفتح الذال المعجمة، وهي صغار النمل، والتشبيه في الهيئة، وقيل: أي الأبيض بدليل مقابلة الآتي (كأنهم الحمم) بضم الحاء جمع حممة، وهي الفحم (فقال للذي في يمينه) أي في جهة يمين آدم من ذرية المؤمنين بعد إخراجهم من كتفه اليمنى، وقال ابن حجر: أي الذي في كتفه اليمنى بدليل “في كتفه اليسرى” الآتي فيكون باعتبار ما كان –انتهى. والمعنى يعني قال تعالى لآدم لأجل الذي في يمينه وعن قبلهم وفي حقهم. و”الذي” صفة لفريق، نحو قوله تعالى: {كالذين خاضوا) (إلى الجنة) خبر مبتدأ محذوف أي هؤلاء أصيرهم أو أوصلهم إلى الجنة، (ولا أبالي) حال من الضمير المستكن في الخبر، أي والحال أني لا أبالي بأحد، كيف وأنا الفعال لما يريد، والخلق كلهم لي عبيد، فتصرفت فيهم كيف شئت. (وقال للذي في كتفه اليسرى) كذا في أكثر النسخ، وهذا باعتبار ما كان، وفي أصل السيد جمال الدين “كفه اليسرى” أي بفتح الكاف وتشديد الفاء، وكذا وقع في مسند أحمد (ج6:ص441) والظاهر أن ضمير “يمينه” و”كفه” إلى آدم، والمراد جهتاه، ونسخة “كتفه” صريحة في هذا المعنى، والحديث دليل على سبق القضاء على وفق علمه الأزلي، فإن القضاء نتيجة علمه تعالى. (رواه أحمد) (ج6:ص441) . وأخرجه أيضاً البزار والطبراني، قال الهيثمي (ج7:ص185) : ورجاله رجال الصحيح. قال الشيخ الألباني بعد ذكره: إن عني رجالاً غير رجال أحمد فقد يكونون كما ذكر، وإلا فرجاله ليسوا رجال الصحيح بل هم ثقات فقط-انتهى. فتأمل. “. انتهى.
2 – ذكر الهيثمي رحمه الله في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) الحديث في : كتاب القدر، باب فيما سبق من الله سبحانه في عباده وبيان أهل الجنة وأهل النار.
3 – استخراج ذريّة آدم من ظهره بعد خلقه، وقسمهم إلى فريقين: أهل الجنة، وأهل النار:
” وأخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الله مسح ظهر آدم بعد خلقه له، واستخرج ذريته من ظهره أمثال الذر، واستخرج منهم أهل الجنة وأهل النار. روى مالك والترمذي وأبو داود عن مسلم بن يسار قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنا كُنا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]. قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال: ((إن الله خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)). فقال رجل: ففيم العمل يا رسول الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله الله الجنة. وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله الله النار)) [رواه أبو داود (4703)، والترمذي (3075)، ومالك (2/ 898). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلاً مجهولاً. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (1/ 97) – كما أشار لذلك في مقدمته – وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.].
وروى الإمام أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان – يعني عرفه – فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قُبُلاً قال: أَلَسَْت بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنا كُنا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: 172 – 173])) [رواه أحمد (1/ 272) (2455). والحديث رواه الحاكم (1/ 80) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (1/ 83): إسناده جيد قوي على شرط مسلم. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 28): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1623) بعد ذكره لكلام الحاكم والذهبي: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين. وقال محققه شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين غير كلثوم بن جبر من رجال مسلم وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي ليس بالقوي.].
وروى أحمد في (مسنده) بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كَفِّه اليسرى: إلى النار ولا أبالي)) [رواه أحمد (6/ 441) (27528). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 188): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (49): صحيح.]
وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((أنَّ الله – عز وجل – خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل)) فلذلك أقول جفَّ القلم على علم الله. رواه الترمذي عن عبدالله بن عمرو [رواه الترمذي (2642). وقال: هذا حديث حسن. ووافقه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 316). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.]”.
ومما يدل على علم الله كذلك بأهل الجنة وأهل النار ما اخرجه البخاري قي قصة معراجه صلى الله عليه وسلم وفيه :
( …فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبريل من هذا ؟ قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى …)
4 – الحديث فيه ذكر التقدير العمري الأول – يوم الميثاق -، ” والإيمانُ بأنَّ اللهَ كَتَبَ في اللوحِ المحفوظِ مَقاديرَ الخَلْقِ يدخل فيه خمسةُ تَقاديرَ:
الأوَّل: التقدير الأَزَليُّ: وهو الإيمانُ بأنَّ اللهَ قد عَلِمَ الأشياءَ كُلَّها قبل كونِها وقَدَّرَها قبل خَلْقِ السماوات والأرضِ بخمسين ألفَ سنةٍ عندما خَلَقَ اللهُ ـ تعالى ـ القلمَ. ويدلُّ عليه: قولُه ـ تعالى ـ: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٢٢ لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡ﴾ [الحديد: ٢٢ ـ ٢٣]، وقولُه ـ تعالى ـ: ﴿وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ ١٢﴾ [يس]، وقولُه ـ تعالى ـ: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٧٠﴾ [الحج].
كما يدلُّ عليه:
- حديثُ عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وفيه: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» [تَقدَّمَ تخريجه قريبًا، انظر: الرابط].
- وحديثُ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»، قَالَ: «وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ»» [وسيأتي تخريجه، انظر: الرابط].
الثاني: التقدير العُمُريُّ الأوَّل (يومَ الميثاق): وهو التقدير الثاني مِن تقاديرِ الكتابةِ حين أخَذَ اللهُ الميثاقَ على بني آدَمَ كما دلَّ عليه قولُه ـ تعالى ـ: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ١٧٢ أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ١٧٣ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ١٧٤﴾ [الأعراف].
ويُؤكِّدُ معنى الآيةِ ـ أنَّ اللهَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِن صُلْبه وصُلْبِ أولاده وهُمْ في صُوَرِ الذَّرِّ، فأَخَذَ عليهم الميثاقَ أنه خالِقُهم، فاعترفوا بذلك وقَبِلوا ـ الأحاديثُ التالية:
- حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «أَخَذَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ المِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ ـ …… وسبق ذكره
- وحديثُ أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ اليُمْنَى …. وسبق
- وحديثُ عبدِ الرحمن بنِ قَتادة السُّلَميِّ رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ أَخَذَ الخَلْقَ مِنْ ظَهْرِهِ وَقَالَ: «هَؤُلَاءِ فِي الجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي، وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي»»، قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: «يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَى مَاذَا نَعْمَلُ؟» قَالَ: «عَلَى مَوَاقِعِ القَدَرِ»» [أخرجه أحمد (٤/ ١٨٦)، والحاكم (١/ ٣١)، وقال: «صحيحٌ» ووافَقَه الذهبيُّ. انظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (١/ ٧٧)].
والأحاديثُ في ذلك كثيرةٌ.
الثالث: التقدير العُمُريُّ الثاني: وهو التقدير الثالث مِن تَقاديرِ الكتابة، يكون عند تخليقِ النطفة في الرَّحِم، فيُكْتَبُ ذكورتُها وأنوثتُها، وأجَلُها وعَمَلُها، وشقاوتُها وسعادتُها، ورِزْقُها وجميعُ ما هو لاقٍ؛ فلا يُزادُ فيه ولا يُنْقَصُ منه. ويدلُّ عليه: قولُه ـ تعالى ـ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى﴾ [الحج: ٥]، وقولُه ـ تعالى ـ: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ١١﴾ [فاطر]، وقولُه ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ ٱلۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ﴾ [النجم: ٣٢]، ونحوُها مِن الآيات.
كما يدلُّ عليه: حديثُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» [رواهُ البخاريُّ في «التوحيد» (١٣/ ٤٤٠) بابُ قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٧١﴾ [الصافَّات]، ومسلمٌ في «القَدَر» (١٦/ ١٩٠) بابُ كيفيةِ خَلْقِ الآدميِّ في بطنِ أمِّه].
ومِن ذلك ـ أيضًا ـ: حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «وَكَّلَ اللهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: «أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ»، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ: «أَيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟» فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» [أخرجه البخاريُّ في «القَدَر» (١١/ ٤٧٧) بابٌ، ومسلمٌ في «القَدَر» (١٦/ ١٩٥) بابُ كيفيةِ خَلْقِ الآدميِّ في بطنِ أمِّه].
الرابع: التقدير الحوليُّ: وهو ما يُقدِّرُ اللهُ ـ تعالى ـ في ليلةِ القَدْر كُلَّ ما يكون في السَّنَة إلى مثلها. ويدلُّ عليه قولُه ـ تعالى ـ: ﴿حمٓ ١ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ ٤ أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ٥﴾ [الدخان]، والمقصودُ بالليلةِ المُبارَكةِ في الآيةِ هي ليلةُ القَدْرِ لقوله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ١﴾ [القَدْر]، وقد أخبر اللهُ ـ تعالى ـ أنَّ لهذه الليلةِ قَدْرًا وشَرَفًا مع ما فيها مِن التقدير: ففيها يُفْرَقُ كُلُّ أمرٍ حكيمٍ ويُفْصَلُ ويُبْرَمُ؛ فهي ليلةُ الحُكْمِ والتقدير، وبيَّن السعديُّ ـ رحمه الله ـ أنها ليلةُ القَدْرِ التي هي خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ، وأنَّ في تلك الليلةِ الفاضلةِ التي نَزَلَ فيها القرآنُ يُفْرَقُ كُلُّ أمرٍ حكيمٍ ويُفْصَلُ ويُمَيَّزُ، ويُكْتَبُ كُلُّ أمرٍ قَدَريٍّ وشرعيٍّ حَكَمَ اللهُ به، ثمَّ قال ـ رحمه الله ـ في [«تفسيره» (٩٠٩)]: «وهذه الكتابةُ والفرقانُ الذي يكون في ليلةِ القَدْرِ أَحَدُ الكتاباتِ التي تُكْتَبُ وتُميَّزُ فتُطابِقُ الكتابَ الأوَّل الذي كَتَبَ اللهُ به مَقاديرَ الخلائقِ وآجالَهم وأرزاقَهم وأعمالهم وأحوالهم، ثمَّ إنَّ الله ـ تعالى ـ قد وكَّل ملائكةً تَكْتُبُ ما سيجري على العبدِ وهو في بطنِ أُمِّه، ثمَّ وكَّلهم بعد وجوده إلى الدنيا، وكَّل به كِرامًا كاتبين، يكتبون ويحفظون عليه أعمالَه، ثمَّ إنه ـ تعالى ـ يُقدِّرُ في ليلةِ القَدْر ما يكون في السَّنَة، وكُلُّ هذا مِن تمامِ عِلْمِه وكمالِ حكمته وإتقانِ حِفْظِه واعتنائه ـ تعالى ـ بخَلْقه».
وقد ورَدَتْ آثارٌ كثيرةٌ وشهيرةٌ عن الصحابةِ وأئمَّةِ التفسير مِن تابِعِيهم بإحسانٍ تدلُّ على أنَّ الله ـ تعالى ـ يُقدِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ كُلِّها في ليلةِ القَدْر، فيفصلُ مِنَ اللوحِ المحفوظ إلى كُتُبِه أَمْرَ السَّنَةِ وما يكون فيها مِن الآجال والأعمال والأرزاق وغيرِها إلى السَّنَةِ القابلة [انظر: «شفاء العليل» لابن القيِّم (١/ ١٠٩)، و«مَعارِج القَبول» للحَكَمي (٣/ ٩٣٧)].
الخامس: التقدير اليوميُّ: وهو سَوْقُ المَقاديرِ إلى المَواقيتِ التي قُدِّرَتْ لها فيما سَبَقَ؛ فهو تأويلُ المقدورِ على العبد وإنفاذُه فيه في الوقت الذي سَبَقَ أنه يَنالُهُ فيه، لا يَتقدَّمُه ولا يَتأخَّرُه. ويدلُّ عليه قولُه ـ تعالى ـ: ﴿يَسَۡٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٢٩﴾ [الرحمن]. قال السعديُّ ـ رحمه الله ـ في [«تفسيره» (٩٧٨)]: «وهو ـ تعالى ـ: ﴿كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ٢٩﴾: يُغْني فقيرًا، ويَجْبُرُ كسيرًا، ويُعْطي قومًا ويمنع آخَرين، ويُميتُ ويُحْيي، ويرفع ويخفض، لا يَشْغلُهُ شأنٌ عن شأنٍ، ولا تُغْلِطُه المَسائلُ، ولا يُبْرِمُه إلحاحُ المُلِحِّين، ولا طولُ مسألةِ السائلين… وهذه الشئونُ التي أخبر أنه ـ تعالى ـ كُلَّ يومٍ هو في شأنٍ، هي تَقاديرُه وتدابيرُه التي قدَّرَها في الأَزَلِ وقَضَاهَا، لا يَزال ـ تعالى ـ يُمْضِيها ويُنْفِذُها في أوقاتها التي اقتضَتْه حكمتُه».
«ثمَّ هذا التقديرُ اليوميُّ تفصيلٌ مِن التقدير الحوليِّ، والحوليُّ تفصيلٌ مِن التقدير العمريِّ عند تخليقِ النطفة، والعمريُّ تفصيلٌ مِن التقدير العمريِّ الأوَّلِ يومَ الميثاق، وهو تفصيلٌ مِن التقدير الأَزَليِّ الذي خطَّه القلمُ في الإمام المُبين، والإمامُ المُبينُ هو مِن عِلْمِ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ، وكذلك مُنْتهى المَقاديرِ في آخِرِيَّتها إلى علمِ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ؛ فانْتَهَتِ الأوائلُ إلى أوَّليَّته، وانْتَهَتِ الأواخرُ إلى آخِرِيَّته، ﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ ٤٢﴾ [النجم]» [«مَعارِج القَبول» للحَكَمي (٣/ ٩٣٩)].
انظر تفصيلَ التقاديرِ الخمسة في: «شفاء العليل» لابن القيِّم (١/ ٥٥ وما بعدها)، «مَعارِج القَبول» للحَكَمي (٣/ ٩٢٨ ـ ٩٤٠)”. انتهى المقصود. [انظر: العقائد الإسلامية مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية للشيخ عبد الحميد بن باديس (ت: ١٣٥٩ﻫ) بتحقيق وتعليق د: أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ «التصفيف الثامن والثلاثون: الإيمان بالقَدَر (٢)»]
5 – تنبيه: ذكر الشيخ الألباني في [“الصحيحة” (1/ 1/112 – 117)]، قال: “وفي الباب عن أبي موسى وأبي سعيد وغيرهما فليراجعها من شاء في ” مجمع الزوائد ” (6 / 186 – 187) .
وحديث أبي موسى في ” حديث لوين ” (26 / 1) وفيه روح بن المسيب وهو صويلح كما قال ابن معين.
واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث وذكر طرقه أمران:
الأول: أن أحد أهل العلم وهو الشيخ محمد طاهر الفتني الهندي أورده في كتابه ” تذكرة الموضوعات ” (ص 12) وقال فيه: ” مضطرب الإسناد “! ولا أدري ما وجه ذلك فالحديث صحيح من طرق كما رأيت، ولا اضطراب فيه، إلا أن يكون اشتبه عليه بحديث آخر مضطرب أو عنى طريقا أخرى من طرقه، ثم لم يتتبع هذه الطرق الصحيحة له. والله أعلم.
والثاني: أن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث – ونحوها أحاديث كثيرة – تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية، ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق بالجنة أو النار، وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة، ومن كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة، فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله (ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في صفاته، فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وعدله وحكمته، فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته، وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته، ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى، والعكس بالعكس، كيف والله عز وجل يقول: (أفنجعل المسلمين. كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون) .
ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار، بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة، أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها، وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان، لا يكره الله تبارك وتعالى أحدا من خلقه على واحد منهما (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) ، وهذا مشاهد معلوم بالضرورة، ولولا ذلك لكان الثواب والعقاب عبثا، والله منزه عن ذلك.
ومن المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له! وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة، وإعلانه بأنه قادر على الظلم ولكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي … ” وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة، بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى: (لا يسأل عما يفعل) ، مصرين بذلك على أن الله
تعالى قد يظلم ولكنه لا يسأل عن ذلك! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وفاتهم أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها – كما حققه العلامة ابن القيم وغيره – أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل، لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعي للسؤال. وللشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من ابن القيم فلتراجع.
هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها فإن وفقت لذلك فبها ونعمت، وإلا فإني أحيل القارىء إلي المطولات في هذا البحث الخطير، مثل كتاب ابن القيم السابق، وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذه أحدها.
المجلد الأول :رقم الحديث (46-47-48-49-50).
تنبيه سبق الكلام على مراتب القدر أيضا في شرح حديث 1041 ، و1042 من الصحيح المسند
=====
=====
=====