1036 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وصالح الصيعري، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وجمال، وكديم.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———‘———-‘———-
الصحيح المسند
1036 عن عوف بن مالك الاشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن شئتم انبأتكم عن الإمارة وما هي ” قال: فقمت فناديت بأعلا صوتي ثلاث مرات، فقلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل ”
———-‘———-‘——–
سبق الكلام عن النهي عن طلب الإمارة وخطر الظلم وصفات القائد وحقوق الحاكم والرعية في تعليقنا على الصحيح المسند
حديث:
1395 – قال الإمام الدارمي رحمه الله: أخبرنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة ان نبي الله صلى الله عليه و سلم قال: ما من أمير عشرة الا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه أطلقه الحق أو أوبقه.
ونضيف هنا:
التحذير من طلب الإمارة والقضاء
3/ 1303 – وَعَن ابي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
في توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام
*مُفْرَداتُ الحديثِ:
-سَتَحْرِصُونَ: حَرَِصَ: بفتحِ العينِ وكسرِها، مِن بابِضَرَبَ وعَلِمَ، حِرْصاً، بمعنى: جَشِعَ واشْتَدَّتْ رَغْبَتُه في الشيءِ.
-الإمارةِ: بكسرِ الهمزةِ، هي مَنْصِبُ الأميرِ.
-نَدَامَةً: نَدِمَ على ما فَعَلَ يَنْدَمُ نَدَماً ونَدَامَةً: أَسِفَ وحَزِنَ على ما فَعَلَ.
قالَ الجُرْجَانِيُّ: النَّدَمُ غَمٌّ يُصِيبُ الإنسانَ، يَتَمَنَّى أنَّ ما وَقَعَ منه لم يَقَعْ.
-فَنِعْمَتْ-بِئْسَتْ: نِعْمَ وبِئْسَ فِعلانِ ماضيانِ، بدليلِدخولِ تاءِ التأنيثِ الساكنةِ عليهما، وهما جامدانِ لا يَتَصَرَّفانِ، جاآ لإفادةِ المدحِ، أو الذمِّ.
-المُرْضِعَةُ: الرَِّضاع -بفتحِ الراءِ وكسرِها-: هو مَصْدَرُ رَضَِعَ الثَّدْيَ: إذا مَصَّه، بكسرِ الضادِ وفتحِها، والكسرُأفصحُ، ويُقالُ: امرأةٌ مُرْضِعٌ، إذا كانَ لها وَلَدٌ تُرْضِعُه، فلا تَلْحَقُها التاءُ لتأنيثِها.
والمرادُ هنا تَشْبِيهُ منافعِ الإمارةِ العاجلةِ الزائلةِ بالرِّضاعِ في مُدَّتِه القصيرةِ.
-الفَاطِمَةُ: مُؤَنَّثُ فاطِمٍ، جَمْعُها فَوَاطِمُ، يُقالُ: فَطَمَتِ الرضيعَ تَفْطِمُه فَطْماً، مِن بابِ ضَرَبَ، أي: فَصَلَتِ المُرْضِعَةُ الرَّضيعَ عن الرِّضاعِ، شَبَّه انقطاع
منافعِ الإمارةِ بالفِطامِ
وفي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ): عَامٌّ لِكُلِّ إمَارَةٍ مِن الإِمَامَةِ الْعُظْمَى إلَى أَدْنَى إمَارَةٍ، وَلَوْ عَلَى وَاحِدٍ.
(وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ)؛ أَيْ: فِي الدُّنْيَا، (وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ)؛ أَيْ: بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
قَالَ الطِّيبِيُّ: تَانِيثُ الإِمَارَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، فَتَرَكَ تَانِيثَ نِعْمَ وَأَلْحَقهُ بِبِئْسَ؛ نَظَراً إلَى كَوْنِ الإِمَارَةِ حِينَئِذٍ دَاهِيَةً دَهْيَاءَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنَّثَ فِي لَفْظٍ، وَتَرَكَهُ فِي لَفْظٍ؛ لِلافْتِنَانِ، وَإِلاَّ فَالْفَاعِلُ وَاحِدٌ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: ((أَوَّلُهَا مَلامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ عَدَلَ)).
وَأَخْرُج الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ: ((نِعْمَ الشَّيْءُ الإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَحِلِّهَا، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، تَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِيمَا قَبْلَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: ((إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)).
(أنك ضعيف): يعني في المداراة
كذا أذكر بعض الأئمة وجهه. ولا أذكر الآن أين
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلايَةِ، لا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ أَهْلِيَّةٍ وَلَمْ يَعْدِلْ؛ فَإِنَّهُ يَنْدَمُ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ إذَا جُوزِيَ بِالْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلاً لَهَا، وَعَدَلَ فِيهَا، فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ كَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الأَخْبَارُ، وَلَكِنْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الأَكَابِرُ مِنْهَا، فَامْتَنَعَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا اسْتَدْعَاه ُالْمَامُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ، فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ، وَالَّذِينَ امْتَنَعُوا مِن الأَكَابِرِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَقَدْ عَدَّ فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ جَمَاعَةً.
دَلالَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ النُّفُوسِ لِلإِمَارَةِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ نَيْلِ حُظُوظِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ؛ وَلِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِهَا، كَمَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: ((لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا)).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ، وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ، وُكِلَ إِلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ)).
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَاللَّهِ لا نُوَلِّي هَذَا الأَمْرَ أَحَداً سَأَلَهُ، وَلا أَحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ))، حَرَصَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَرْضَى النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ، فَيُوَلِّيهِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى عِصَابَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ)).
وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ طَلَبِ الإِمَارَةِ؛ لأَنَّ الْوِلايَةَ تُفِيدُ قُوَّةً بَعْدَ ضَعْفٍ، وَقُدْرَةً بَعْدَ عَجْزٍ، تَتَّخِذُهَا النَّفْسُ الْمَجْبُولَةُ عَلَى الشَّرِّ وَسِيلَةً إلَى الانْتِقَامِ مِن الْعَدُوِّ، وَالنَّظَرِ لِلصَّدِيقِ، وَتَتَبُّعِ الأَغْرَاضَ الْفَاسِدَةِ، وَلا يُوثَقُ بِحُسْنِ عَاقِبَتِهَا، وَلا سَلامَةِ مُجَاوِرَتِهَا، فَالأَوْلَى أَنْ لا تُطْلَبَ مَا أَمْكَنَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ، فَغَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ)).
قلت سيف: ضعفه الألباني كما في الضعيفة 1186
وفي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام
* ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1 – طالِبُ وِلايةِ القضاءِ أو غيرِها مِن الوِلاياتِ له إحدَى حالتيْنِ:
إحداهما: أنْ يَقْصِدَ من الحصولِ عليها الجاهَ والرئاسةَوالمالَ، فهذا هو المذمومُ، وهو الذي وَرَدَتِ الأحاديث ُالصحيحةُ بذَمِّهِ ومَنْعِه، ومنعِ طالبِ الوِلايةِ فيها، ومِن تلكَ الأحاديثِ:
-ما أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1825) عن أبي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، ألاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: ((إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)).
– وما أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ (18/ 71)، والبَزَّارُ (7/ 1888) بسَنَدٍ صحيحٍ، من حديثِ عَوْفِ بنِ مالكٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَوَّلُهَا مَلاَمَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ عَدَلَ)).
قالَ النَّوَوِيُّ عن حديثِ البابِ: هذا أصلٌ عظيمٌ في اجتنابِ الوِلايةِ، لا سيَّما لمَن كانَ فيه ضَعْفٌ، وهو في حقِّ مَن دَخَلَ فيها بغيرِ أهليَّةٍ، ولم يَعْدِلْ؛ فإنَّه يَنْدَمُ على ما فَرَطَ منه إذا جُوزِيَ بالجزاءِ يومَ القيامةِ.
الثانيةُ: أنْ يَطْلُبَ القضاءَ أو الوِلايةَ؛ لأنَّها مُتَعَيِّنَةٌ عليه؛ لأنَّه لا يُوجَدُ مَن هو أهلٌ لها وللقيامِ بها، وإذَا تَرَكَهَا تَوَلاَّها مَن لا يَقُومُ بها، ولا يُحْسِنُها، فيَطْلُبُها بهذه النيَّةِ، وهو القَصْدُ الحسنُ؛ فهذا مُثابٌ مأجورٌ مُعان ٌعليها.
قالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لأَنْ أَجْلِسَ قاضِياً بينَ اثنيْنِ، أَحَبُّ إليَّ مِن عِبادةِ سبعينَ سنةً.
قالَ في (المُغْنِي): وفي القضاءِ فَضْلٌ عظيمٌ لمَن قَوِيَ على القِيامِ به، وأداءِ الحقِّ فيه؛ ولذلكَ جَعَلَ اللَّهُ فيه أَجْراً على الخَطَأِ، وأَسْقَطَ عنه حُكْمَ الخَطَأِ، ولأن فيه أمراً بالمعروفِ، ونُصْرَةً للمظلومِ، وأداءً للحقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، وردًّا للظالمِ عن ظُلمِه، وإصلاحاً بينَ الناسِ، وتخليصاً لبعضِهم من بعضٍ.
قلت راجع فوائد حول القضاء تحت حديث أبي هريرة في الصحيح المسند 1362 مرفوعا: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين.
2 – المتوسِّطُ لغيرِه في أمرٍ من الأمورِ، إنْ كانَ المتوسِّطُ له مُسْتَحِقًّا لتلك الوظيفةِ، فالمتوسِّطُ محمودٌ، وإنْ كانَ المتوسِّطُ له لا يَسْتَحِقُّ الوِلايةَ، وغيرُه أَوْلَى منه وأنفعُ، كانَ التوسُّطُ مذموماً، غِشًّا لله ِولرسولِه، وغِشًّا للمتوسِّطِ عندَه، وغِشًّا لمَن تَوَسَّطَ له؛ لكونِه أعانَه على ما هو منهيٌّ عنه.
3 – وقالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السِّعْدِيُّ: المتوسِّطُ لغيرِه في أمرٍ من الأمورِ إنْ كانَ المتوسِّطُ له كُفْؤاً، فهي وَسَاطةٌ محمودةٌ، وإلاَّ فهو غاشٌّ له وللعملِ وللمسلمينَ.
فهذا هو الذي يَحْرِصُ عليها للمطامِعِ الدنيويَّةِ، ((فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ))؛ لِمَا فيها مِن حُصُولِ الجاهِ في الدنيا، و ((بِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ))؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليها مِن التَّبِعَاتِ في الآخرةِ.
4 – قولُه: ((سَتَحْرِصُونَ)) هذا فيه دَلالةٌ على اغترارِالنفسِ لمحبَّتِها في الإمارَةِ؛ لِمَا تَنَالُ فيها مِن نَيْلٍ لحُظُوظِ الدنيا ولذَّاتِها، ونُفُوذِ الكَلِمَةِ.
ولذا وَرَدَ النهيُ عن طَلَبِها؛ فقدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (66222) ومُسْلِمٌ (1652) من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ سَمُرَةَ قالَ: قالَ لي رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا)).
5 – وجاءَ في سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (1324) من حديثِ أَنَسٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَهُ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَل َاللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ)).
وإنما جَمَعَ بينَ الرغبةِ فيه وبينَ طلبِه إظهارُ الحِرْصِ عليه؛ فإنَّ النفسَ مائلةٌ إلى حُبِّ الرئاسةِ، وطَلَبِ الترفُّعِ على الناسِ، فمَن مَنَعَها سَلِمَ من هذه الآفةِ، ومَنِ أَتْبَعَ نفسَه هَوَاهَا، وسَأَلَ القضاءَ هَلَكَ؛ فلا سبيلَ إلى المشروعِ فيه إلاَّ بالإكراهِ، وحينَئذٍ يُسَدَّدُ ويُوَفَّقُ
قلت سيف: حديث أنس ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود 3107. وضعفه الشيخ مقبل في كتاب الشفاعة. وكذلك ابن حجر في الفتح
====
والإمارة: عرفها الماوردي بأنها “موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا به”
وجاء في فضلها:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعةٌ يظلّهم الله يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، إمامٌ عادل
وحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن -عز وجل- وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلّوا»
وحديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»
قال ابن حجر: “وفي الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه، وقوي على أعمال الحق، ووجد له أعواناً؛ لما فيه من الأمر بالمعروف، ونصر المظلوم، وأداء الحق لمستحقه، وكفّ يد الظالم، والإصلاح بين الناس، وكلّ ذلك من القربات، ولذلك تولّاه الأنبياء ومن بعدهم من الخلفاء الرّاشدين”
===
حكم طلب الإمارة:
اختلف أهل العلم في جواز سؤال الإمارة، أو القضاء أو ما أشبه ذلك من الولايات على ثلاثة أقوال، كالتالي:
القول الأول: الجواز.
القول الثاني: التحريم.
القول الثالث: التفصيل.
أما القائلون بالجواز، أي جواز طلب الإمارة، فاستدلوا بقول يوسف عليه السلام، حيث قال لملك مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، فقد سأل الولاية، ومعلوم ٌأنَّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا، ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه.
وكذلك استدل القائلون بالجواز، بحديث عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً».
وأما القائلون بالتحريم، أي تحريم طلب الإمارة، فقد استدلوا بحديث عبد الرحمن بن سمرة، والذي تقدم ذكره، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تسأل الإمارة». فقد نهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل الإمارة، وبيَّن له سبب النهي، بأنّ من أعطيها عن مسألة، وُكِل إليها، ومن أتته دون مسألة، أعانه الله عليها.
وكذلك استدل القائلون بالتحريم، بقوله عليه الصلاة والسلام: «إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه». فهذا نصٌّ في منع تولية من سال الإمارة مطلقاً، أو حرص عليها. كما استدلوا بالأحاديث السابقة، والتي مجملها النهي عن سؤال الإمارة.
• وأما القائلون بالتفصيل، أي التفصيل في حكم طلب الإمارة، فقالوا: إن كان سؤال الإمارة؛ لإصلاح ما فسد منها، وعَلِم طالبُها من نفسه القدرة عليها، فإن ذلك جائز، وإلا فلا يجوز سؤالها؛ لأن السلامة للإنسان أسلم، وقد ناقش القرطبي في تفسيره عند طلب يوسف -عليه السلام- الإمارة، ثمَّ رجَّح التفصيل بناءً على سبب طلب الإمارة، واختلاف طالبيها، ومجمل نقاشه هو أنَّ الآية قد دلّت على جواز أن يسأل الإنسان عملاً يكون له أهلاً، فإن قيل: فقد روى مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة … » وحديث أبي موسى وفيه: «لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده» فالجواب هو ما يلي:
أولاً: أن يوسف عليه السلام إنما طلب الولاية؛ لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم، فرأى أن ذلك فرض متعين عليه، فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم، لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة، ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه، لتعين ذلك عليه، ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك، كما قال يوسف عليه السلام، فأما لو كان هناك من يقوم بها ويصلح لها وعلم بذلك، فالأولى ألا يطلبها، لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن: «لا تسأل الإمارة» وأيضاً فإن في سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها، دليلٌ على أنه يطلبها لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك، وهذا معنى قوله عليه السلام: «وُكِل إليها» ومن أباها لعلمه بآفاتها، ولخوفه من التقصير في حقوقها فر منها، ثم إن ابتلي بها فيرجى له التخلص منها، وهو معنى قوله: «أعين عليها».
– ثانياً: أنه قال: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]. فقد سأل الولاية بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال.
– ثالثاً: إنما قال يوسف ذلك عند من لا يعرفه، فأراد تعريف نفسه، وصار ذلك مستثنى من قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32].
—–
والرئاسة التي نقصدها هنا ليست دنيوية فحسب بل قد تكون دينية كذلك لمن يتبوأ مراكز الإرشاد والتوجيه والنصح والتربية، ولو كان يدفع إلى التطلع للرئاسة: القيام بالواجب وتحمل التبعة الثقيلة في وقت لا يسد الثغرة فيه من هو أفضل بذلا وعملا لكان الأمر محمودا، أما إذا كان الدافع: رغبة جامحة في الزعامة ونفرة من قبول التوجيه من غيره واستئثار بمركز الأمر والنهي؛ فيا خطورة ما أصاب من مرض.
وقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام من ابتلي بهذا المرض وردَّه ولم يقبله، واسمعوا ما رواه الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من يخالفك؛ أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأمر لله يضعه حيث يشاء». قال: فقال له: ” أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بك “.
قلت سيف: هو في تاريخ الأمم للطبري وهو من مراسيل الزهري
وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على مسيلمة طلبه أن يجعل الأمر له من بعده فقال صلى الله عليه وسلم وفي يده جريدة: لو سألتني هذه القطعة ما اعطيتكها ….. أخرجه مسلم
قيود الإمارة:
وقد قيَّد هذا الحديث مقيَّدان، الأول: العدل في الإمارة، كما رواه الطبراني بلفظ: «أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذابٌ يوم القيامة، إلا مَن عَدَل
والمقيِّد الثاني: من أخذ الإمارة بحقها، كما في حديث زيد بن ثابت: «نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرةً يوم القيامة».
وقد قال ابن حجر بعد أن ساق حديث الحرص على الإمارة ما نصُّه: “بل في التعبير بالحرص إشارة إلى أنّ من قام بالأمر عند خشية الضياع، يكون كمن أعطي بغير سؤال؛ لفقد الحرص غالباً عمن هذا شأنه، وقد يُغتفَر الحرص في حق من تعيّن عليه، لكونه يصير واجباً عليه”.
وقد نصَّ ابن القيم، على جواز تأمير الإمام وتوليته لمن سأله ذلك إذا رآه كفأً، ولا يكون سؤاله مانعاً من توليته، وهذا لا يناقض ما ورد في حديث أبي موسى: «إنا لن نولي على عملنا هذا من أراده» فإنّ هذا يختلف باختلاف السائلين، فإن الصدائي -زياد بن الحارث- سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمِّره على قومه خاصة وكان مطاعا فيهم، محببا إليهم، وكان المقصود من هذا الطلب هو إصلاحهم ودعوتهم إلى الإسلام، ورأى أن السائل الذي في حديث أبي موسى، إنما سأله الولاية لحظّ نفسه ومصلحته هو فمنعه منها؛ فولَّى للمصلحة، ومنع للمصلحة، فكانت توليته لله، ومنعه لله
بل مدح النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان مقصده رضى الله تعالى وإن كان في الحراسة:
وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشفَّع».
—-
احاديث وآثار تبين خطر الإمارة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه».
قال ابن رجب: ” فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرص المرء على المال والشرف إفساد لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم، بل إما أن يكون مساويا وإما أكثر، يشير أنه لا يسلم من دين المسلم مع حرصه على المال والشرف في الدنيا إلا القليل، كما أنه لا يسلم من الغنم مع إفساد الذئبين المذكورين فيها إلا القليل، فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا “.
قال سفيان الثوري رحمه الله: ” ما رأيت زهدا في شيء أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب فإن نوزع الرئاسة تحامى عليها وعادى “، وقال يوسف بن أسباط: ” الزهد في الرئاسة أشد من الزهد في الدنيا “، ولذلك كان السلف رحمهم الله يحذرون من يحبون منها، فقد كتب سفيان إلى صاحبه عباد بن عباد رسالة فيها: ” إياك وحب الرئاسة، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة، فتفقَّد نفسك واعمل بنية “.
واتهم أيوب السختياني كل محب للرئاسة بالكذب فقال: ” ما صدق عبد قط فأحب الشهرة “، ونفى عنه التقوى بشر بن الحارث فقال: ” ما اتقى الله من أحب الشهرة “، ووصفه بعدم الفلاح يحيى بن معاذ حين قال: ” لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة “.
ووصف شدّاد بن أوس رضي الله عنه لحب الرئاسة بالشهوة الخفية
قال ابن تيمية معقبا: ” فهي خفية، تخفى عن الناس، وكثيرا ما تخفى على صاحبها “.
علامات الشهوة الخفية: ومن العلامات:
1 – ما ذكره الفضيل بن عياض: ” ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يُذكر أحد بخير “.
2 – الحسرة إذا زالت أو سُلِبت منه الرئاسة
قال ابن الجوزي:
” وقد يكون الواعظ صادقا قاصدا للنصيحة إلا أن منهم من شرب الرئاسة في قلبه مع الزمان فيحب أن يُعظَّم، وعلامته: أنه إذا ظهر واعظ ينوب عنه أو يعينه على الخلق كره ذلك، ولو صحَّ قصده لم يكره أن يعينه على خلائق الخلق “.
وقال كذلك:
” ومنهم من يفرح بكثرة الأتباع، ويلبِّس عليه إبليس بأن هذا الفرح لكثرة طلاب العلم، وإنما مراده كثرة الأصحاب
3 – إضفاء هالات الأهمية الزائفة كادعاء المواعيد الكاذبة والانشغالات التافهة، ليوقع في روع الناس علو قدره وارتفاع منزلته وتهافت الناس عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور».
قال ابن حجر: ” المتشبِّع أي المتشبِّه بالشبعان وليس به شبع، واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها، وشُبِّه بلابس ثوبي زور؛ أي ذي زور، وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء
4 – عدم المشاركة بفاعلية عندما يكون مرؤوسا
5 – كثرة نقده لغيره بسبب وبغير سبب
6 – القرب من السلاطين والولاة ومن بيده القرار في تقليد المناصب، وكثرة الدخول عليهم.
7 – الجرأة على الفتوى، والحرص عليها، والمسارعة إليها، والإكثار منها.
8 – التخصص فيما ينال به الشهرة من الفقه أو القصص.
سبب هذا المرض:
عدم تقدير عواقب التقصير في الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من رجلٍ يلي أمر عشرةٍ فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً يده إلى عنقه، فكه بره أو أوثقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة».
قال ابن لسعد بن أبي وقاص وقد اعتزل سعد الفتن:
يا أبت! أرضيتَ أن تكون أعرابيا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟! فضرب سعدٌ صدر عمر وقال: اسكت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي».
العلاج: إخلاص النية ومحاسبة النفس:
كتب وهب بن منبه إلى مكحول: (أما بعد: فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفاً ومنزلة، فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنع من الأخرى). والمراد بالعلم الباطن: المودع في القلوب من معرفة الله وخشيته ومحبته ومراقبته، والتوكل عليه والرضى بقضائه والإقبال عليه دون سواه … فمن أغل نفسه بالمحافظة على ما حصل له من منزلة عند الخلق كان ذلك حظه من الدنيا، وانقطع به عن الله
التوازن المفقود:
التوازن المنشود بين كراهية الشهرة ووجوب القيام بالوظائف لنفع الأمة، فعند حاجة الأمة لكي منصب قضائي أو ديني أبرز نفسك ولو بالتزكية. خصوصا مع غياب الكفاءات.
وعلى كل واحد أن يتفرَّس في نفسه اليوم، ويرى هل فيه من علامات حب الرئاسة شيء، ويعيد تقييم نفسه باستمرار وعلى مرور الأشهر والأعوام، فإن البداية قد تكون صحيحة ويتسلل الخطأ بعد ذلك، والنية قد تبدأ خالصة حتى تتسرَّب إليها جرثومة رياء، لذا وجب التنبه والمراقبة.
طلب الإمارة أنواع:
أخطرها:
طلب الجاه بالأمور الدينية، وهذا أفحش وأخطر؛ لأنه طلب للدنيا بالدين، وتوصل إلى أغراض دنيوية بوسائل جعلها الله ـ تعالى ـ طرقاً للقرب منه ورفعة الدرجات، وهذا هو المقصود بحديثنا هنا.
وقد جعل ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ الفرق بين الأمرين كالفرق بين تعظيم أمر الله وتعظيم النفس. فالناصح لله المعظم لله يحب نصرة دينه، فلا يضره تمنيه أن يكون ذلك بسببه وأن يكون قدوة في الخير. أما طالب الرياسة فهو ساعٍ في حظوظ دنياه، ولذا ترتب على قصده مفاسد لا حصر لها
قال تعالى: ((وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً)) [الفرقان: 74]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا ريب أن الحرص، والرغبة في الحياة الدنيا , وفي الدار الدنيا، من المال، والسلطان: مضرٌّ، كما روى الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) وقال: حديث حسن صحيح.
فذم النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال، والشرف – وهو الرياسة والسلطان – وأخبر أن ذلك يفسد الدِّين، مثل، أو فوق: إفساد الذئبيْن الجائعيْن لزريبة الغنم.
“مجموع الفتاوى” (20/ 142).
وقال ابن القيم رحمه الله:
ز
وإنَّما يُذم منه [المال] ما استخرج من غير وجهه , وصرف في غير حقه , واستَعْبَد صاحبه , وملَك قلبَه , وشغله عن الله، والدار الآخرة؛ فيذم منه ما يتوصل به صاحبه إلى المقاصد الفاسدة، أو شغله عن المقاصد المحمودة، فالذم للجاعل، لا للمجعول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ