1035 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وصالح الصيعري، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وجمال، وكديم.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة عبدالله البلوشي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——–‘———‘———-‘
1035 عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان؛ ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته، فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. قال: قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، انا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
——
تعرضنا في شرح صحيح مسلم وغيره للأمور المتعلقة بالرؤيا في عدة مواضيع:
1 – الفوائد المنتقاه من شرح صحيح مسلم (68)
ذكرنا فيه الفوائد والمسائل الأساسية المندرجة حول مائل الرؤيا
2 – … الفوائد المنتقاه من شرح صحيح مسلم (69) في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم
تكلمنا في البداية عن شأن تعلم أحكام الرؤيا، ثم ذكرنا فيه أنواع الخطاب، ودرجات، وثم في النهاية بتنبيهات ثلاثة.
3 – الفوائد المنتقاه من شرح صحيح مسلم (70)
فيه مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وفيه مسألة أخذ الأحكام من الرؤى
4 – رياح المسك العطرة (1158 – 1156)
فيه ذكر واقعة في الرؤيا:
1156 – حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ،
1157 – فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ.
فيه: فضيلة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فيه بشارة له أنه ليس من أهل النار وأنه من أهل الجنة. هذا الحديث ذكره البخاري في قيام الليل وذكره أيضا هو ومسلم في مناقب ابن عمر فيه استحباب السؤال عن الرؤيا خاصة عند صلاة الصبح.
قال النووي: في الحديث الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها قال العلماء: وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه و سلم يعلمهم تأويلها وفضيلتها واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الأخبار بالغيب.
قال ابن الملقن في التوضيح: وقوله: فقال: (“نعم الرجل عبد الله”) فيه: القول بمثل هذا إذا لم يخش أن يفتتن بالمدح. اهـ
فهذه نقاط تناولناها بتوسع في تعليقنا على كتاب الرؤى من صحيح مسلم. ولخصنا رسالتين في أحكام الرؤى. … ولكي لا نكرر الشروح فضلنا نقل قواعد في تعبير الرؤيا-مقال للشيخ محمد بن عمر بازمول
—–
قواعد في تعبير الرؤيا-مقال للشيخ محمد بن عمر بازمول
قواعد في تعبير الرؤيا
أفرد الإمام مالك رحمه الله في كتاب الموطأ كتاباً في الرؤيا، ومن الكتب في صحيح كِتَابُ التَّعْبِيرِ، وفي مسلم كتاب الرؤيا، وكذا الترمذي في سننه أَبْوَابُ الْرُّؤْيَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذا ابن ماجه أَبْوَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا.
وليس في سنن أبي داود و لا النسائي كتابا في الرؤيا والتعبير.
ولم يحتفل أحد من أصحاب الكتب الستة بأبواب التعبير مثل البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح.
وقد رأيت التنبيه على أمور في الرؤيا والتعبير، من خلال القواعد التالية:
القاعدة الأولى
الفرق بين الرؤيا والحلم من الشيطان
أخرج البخاري تحت رقم (6985) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ”.
وهذا فيه أن الحلم هو أن يرى المسلم ما يحزنه. وأن الحلم المحزن من الشيطان. وأن من الأدب في ذلك أن يستعيذ بالله من شر ما رأى.
القاعدة الثانية
ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدب في رؤيا الشر
أخرج البخاري تحت رقم (7044) عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ.
وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ؛
فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا.
وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ.
وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا.
وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا
فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ”.
القاعدة الثالثة
الرؤيا الغريبة المخالفة للواقع من تلاعب الشيطان
أخرج مسلم في صحيحه تحت رقم (2268) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَاسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ: لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ. وَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ، يَخْطُبُ فَقَالَ: لَا يُحَدِّثَنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ”.
القاعدة الرابعة
الرؤيا أنواع
أخرج مسلم تحت رقم (2263) عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ؛
فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ.
وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ.
فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ” قَالَ: “وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ”. فَلَا أَدْرِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ أَمْ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ”.
وأخرج ابن ماجه تحت رقم (3907) وصححه الألباني والأرنؤوط، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ:
مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ابْنَ آدَمَ.
وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ.
وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ”.
قال ابن حجر رحمه الله (في فتح الباري 12/ 407 – 408): “وليس الحصر مرادا من قوله: “ثلاث”؛ لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة. وبقي نوع خامس وهو تلاعب الشيطان وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال: “جاء أعرابي فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع فانا أتبعه” وفي لفظ: “فقد خرج فاشتددت في أثره فقال: لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام”، وفي رواية: “له إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس”. ونوع سادس وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص. وسابع وهو الأضغاث”اهـ
قلت: عندي أن هذه الأنواع ترجع إلى ما جاء في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه؛ فالنوع الرابع والسادس يدخل في حديث النفس. والنوع الخامس والسابع يدخل في أهاويل الشيطان، والله الموفق.
القاعدة الخامسة
الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً
أخرج البخاري تحت رقم (6983)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ”.
فقيد الرؤية التي هي جزء من أجزاء النبوة بأن تكون حسنة من رجل أو امرأة صالحة.
القاعدة السادسة
الرؤيا الصالحة من المبشرات
أخرج البخاري تحت رقم (6990) عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ. قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ”.
ومعنى ذلك أن لا يغلو المسلم في شأنها، فقد رأيت بعض الناس يربط كل أمور حياته وشأنه بالرؤى، وهذا خلاف ما ينبغي أن يكون عليه المسلم، خاصة وأنه يفسرها بحسب ما يتهيأ له، ويعمل على مقتضى ذلك.
الرؤيا الصالحة هي الحسنة يراها المؤمن وهي من المبشرات!
القاعدة السابعة
لا تثبت الرؤيا حكما شرعيا
أخرج البخاري تحت رقم (1156 – 1158)، ومسلم تحت رقم (2478) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ.
فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ،
وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ”.
فيه أن الرؤيا لم تكن تفيد عندهم حكما حتى رجعوا إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
أخرج أبوداود تحت رقم (499)، و الترمذي تحت رقم (189)، وابن ماجه (706) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالرُّؤْيَا، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى وَأَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَكَ، وَلْيُنَادِ بِذَلِكَ»، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ نِدَاءَ بِلَالٍ بِالصَّلَاةِ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرُّ إِزَارَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِلَّهِ الحَمْدُ، فَذَلِكَ أَثْبَتُ». قال الترمذي: “حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، والأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه.
فيه أنه لم يثبت حكما، ولم تثبت صفة الأذان إلا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ألا ترى أنهم لم يعتمدوا شيئا مما رأوا حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألا ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على هذا، ولم يطلب منهم اعتماد الرؤيا بدون الرجوع إليه.
فليس في الرؤيا دليل شرعي، غايتها أنها مبشرات.
وهذه القاعدة تبطل ما يستند إليه بعض أهل الباطل في باطلهم فهم يعملون بالرؤى على خلاف الشرع، ويظنون أنها حجة.
ويذكر عن أحد العلماء أنه جاءه رجل يستفتيه في كنز وجده من ركاز الجاهلية، ويخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتاه في المنام وأخبره عن مكانه، وقال إذا وجدته فلا خمس عليك. وأنه قص ذلك على عدد من العلماء، فأفتوه بأنه لا يجب عليه الخمس في الركاز بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم له في المنام. فأفتاه العالم بأن الصواب أن في الركاز الخمس كما ثبت بذلك الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم برواية الثقات، وأن غاية ما عنده من خبر الرؤيا إذا صحت أن الذي لديه خبر وما لدى عامة المسلمين خبر، وهو أرجح من خبره لأنه عن طريق جماعة من الثقات، وخبره خبر واحد منقطع، فالواجب عليه أن يعمل بما عليه أهل الإسلام، من وجوب الخمس في الركاز.
القاعدة الثامنة
رؤيا الأنبياء وحي
قال تبارك وتعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصَّفات:102).
فيه “أَنَّ الرُّؤْيَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَحْيًا لَمَا جَازَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ”اهـ. قاله في فتح الباري لابن حجر (1/ 239).
وأخرج الحاكم في المستدرك (2/ 431، تحت رقم 3613) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ”. قال الحاكم: “هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ”اهـ، والأثر قال الألباني رحمه الله في ظلال الجنة (1/ 231، تحت رقم 463): “حسن”اهـ.
القاعدة التاسعة
الرؤيا إذا فسرت التفسير الصحيح علم وقوعها
من يفسر الرؤيا قد يصيب وقد يخطئ، فيضطرب في ذلك، كأنها على جناح طائر، إذا عبرت التعبير الصحيح وقعت بمعنى أنه يرى تأويلها.
أخرج أحمد تحت رقم (16182)، أبوداود تحت رقم (5020)، والترمذي تحت رقم (2279)، وابن ماجه تحت رقم (3914)، و ابن حبان (الإحسان 13/ 420، تحت رقم 6055) عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ». قَالَ: «وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَلَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَايٍ».ولفظ ابن حبان: ” «الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا مُعَلَّقَةٌ بِرِجْلِ طَيْرٍ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا صَاحِبُهَا، فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ، فَلَا تُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا عَالِمًا، أَوْ نَاصِحًا، أَوْ حَبِيبًا”. والحديث قال الترمذي: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”اهـ، وصححه ابن حبان، و الألباني، في صحيح سنن الترمذي باختصار السند، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (119 و 120)، وحسنه لغيره الأرنؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود. وقال في تحقيقه للإحسان: “حديث حسن لغيره”اهـ
وأخرج البخاري تحت رقم (7046)، ومسلم تحت رقم (2269)، عن ابْن عَبَّاسٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اعْبُرْهَا.
قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالقُرْآنُ؛ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ.
وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَاخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ.
ثُمَّ يَاخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ.
ثُمَّ يَاخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ.
ثُمَّ يَاخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ.
ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ.
فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَاتُ؟.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَاتَ بَعْضًا”.
قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَاتُ!
قَالَ: لاَ تُقْسِمْ”.
فهذا الحديث نص في أن تعبير الرؤيا منه ما هو صواب، ومنه ما هو غير ذلك. فلو كان المعنى أن الرؤيا تقع كما يفسرها من يفسرها؛ لما كان هناك فائدة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “أصبت بعضا وأخطأت بعضًا”. ثم ما فائدة أن يرجع إلى مفسري الرؤيا إذا كانت الرؤيا تقع كما يفسرها من يعبرها؟!
وعليه يكون معنى قوله: “فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ”، أنها إذا أصيب في تفسيرها شوهد وقوعها وعلم أن هذا هو الرؤيا التي روئيت، وقد بوب البخاري على حديث أبي بكر t في كتاب التعبير: “بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ”، والله الموفق.
القاعدة العاشرة
يرجع في تفسير الرؤيا إلى ما ورد في القرآن والسنة وعن السلف
فإن الأمور تأتي في رؤيا المسلم ترتسم معاني ما فيها بحسب ما ورد في القرآن العظيم والسنة النبوية في الغالب. وكان السلف يراعون ذلك.
فمما يستفاد منه معاني الرؤيا ما جاء في الأحاديث من تفسير بعض الرؤيا، مثل ما أخرج البخاري تحت رقم (3622)، ومسلم تحت رقم (2272)، عَنْ أَبِي مُوسَى، أُرَاهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ، وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ، الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ».
القاعدة الحادية عشرة
المعرفة بحال الشخص واعتقاداته وشؤونه مما يعين على معرفة معاني الرؤيا.
فالمزارع الذي يكد على حماره ويشتغل عليه إذا رأى في المنام لرؤيا فيها حمار فإن له عنده معنى ليس هو عند صاحب المدينة الذي يمثل عنده الحمار معنى الكسل والبلادة.
والمسلم الذي دينه القرآن العظيم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا رأى في المنام شيئاً مما ذكر في القرآن أو السنة، يختلف عن غير المسلم الذي لا يعرف أصلاً ما في القرآن والسنة عن ذلك الشيء.
ومن أجل ذلك تجد بعض المعبرين يسألون الرائي عن بعض شأنه ليتبين معنى ما رأى عند صاحب الرؤيا.
وفي سنن الدارمي (2/ 879، تحت رقم 1440)، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ لِي أَهْلٌ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّمَا انْطُلِقَ بِي إِلَى بِئْرٍ فِيهَا رِجَالٌ مُعَلَّقُونَ فَقِيلَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى ذَاتِ الْيَمِينِ، فَذَكَرْتُ الرُّؤْيَا لِحَفْصَةَ فَقُلْتُ: قُصِّيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّتْهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى هَذِهِ؟» قَالَتْ: ابْنُ عُمَرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نِعْمَ الْفَتَى – أَوْ قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ – لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ” قَالَ: وَكُنْتُ إِذَا نِمْتُ لَمْ أَقُمْ حَتَّى أُصْبِحَ. قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي اللَّيْلَ”.
ومحل الشاهد: قوله صلى الله عليه وسلم: “من رأى هذه؟ “.
القاعدة الثانية عشرة
معبر الرؤيا مجتهد في تفسير هذا الجزء من وحي النبوة
فلا يجوز أن يفسر الرؤيا أي أحد، و لا يخوض في ذلك أي أحد، لابد أن يكون ممن لديه القدرة على ذلك، فلا يتلاعب بهذا الجزء من النبوة. ولذلك لا يخبر بها إلا عالما أو ناصحاً.
أخرج الترمذي تحت رقم (2280)، والدارمي (2/ 1364، تحت رقم 2193)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، فَرُؤْيَا حَقٌّ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَمَنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ”.
وَكَانَ يَقُولُ: يُعْجِبُنِي الْقَيْدُ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ” الْقَيْدُ: ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ.
وَكَانَ يَقُولُ: “مَنْ رَأَىنِي فَإِنِّي أَنَا هُوَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي”.
وَكَانَ يَقُولُ: “لَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ”.
والحديث قال الترمذي: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”اهـ، وصححه الألباني ومحقق سنن الدارمي. وفي المستدرك (4/ 391، تحت رقم 8177) عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا تُعَبَّرُ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ رَفَعَ رِجْلَهُ فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحًا أَوْ عَالِمًا”، والحديث قال الحاكم: “هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ”اهـ، وهو عند عبدالرزاق في المصنف (11/ 212، تحت رقم 20354) عن أبي قلابة مرسلاً.
قال ابن عبدالبر رحمه الله (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 287 – 288): “وَأَوْلَى مَا اعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي عِبَارَةِ الرُّؤْيَا وَالْأَدَبِ فِيهَا لِمَنْ رَأَىهَا أَوْ قُصَّتْ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُفَسِّرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَذْكُرْهَا وَلْيُفَسِّرْهَا وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوؤه فَلَا يَذْكُرْهَا وَلَا يُفَسِّرْهَا”. وَقِيلَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.
قِيلَ: فَهَلْ يَعْبُرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ”اهـ
القاعدة الثالثة عشرة
من تعبير الرؤيا ما يكون هبة من الله تعالى
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:6).
فيه أن تعبير الرؤيا يحصل بهبة من الله، فلا يحصل لأي أحد، وهذا القواعد مساعدة ومعينة للاسترشاد بها، حتى تتكون الملكة بإذن الله. وإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم.
وتتشذب الموهبة وتقوى بهذه القواعد.
وما يستفاد من كون الرؤيا جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة، أنه لا يفسرها بغير علم كما لا يتكلم في معاني الوحي من غير علم.
ويستفاد أنه يجري في استنباط المعاني من الرؤيا كما يجري في الوحي، فتجد المعبر يستدل لتفسيره بالقرآن والسنة والقياس.
وقد ذكر أن بعض من يعبر الرؤى فقال: “علمت في نفسي تفسير الرؤى وأنا صغير، كنت إذا سمعت الرؤيا يأتي في نفسي تفسيرها، بدون أن أعلم كيف جاء ذلك”. وهذه الموهبة التي يضعها الله عزوجل في الشخص، ويمكن أن يتعلم الإنسان قواعد التعبير حتى تكون لديه ملكة قوية في ذلك تقارب الموهبة.
قال الباجي رحمه الله في المنتقى شرح الموطإ (7/ 277): “وَلَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهَا فَلْيَتْرُكْ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يَلْعَبُ قِيلَ لَهُ أَفَيُعَبِّرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ فَقَالَ: لَا إنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ أَفَيَتَلَاعَبُ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ النُّبُوَّةِ.
وَقَدْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فِي رُؤْيَا عَائِشَةَ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هَذَا وَاحِدٌ مِنْ أَقْمَارِك وَهُوَ خَيْرُهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوَّلًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعَابِرِ إنْ رَأَى خَيْرًا أَنْ يَذْكُرَهُ وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا قَالَ: خَيْرًا أَوْ صَمَتَ وَقَالَ: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِهِ خَيْرًا أَنْ يَقُولَ خَيْرًا لَنَا وَشَرًّا لِعَدُوِّنَا”اهـ.
القاعدة الرابعة عشرة
من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام على الصفة المعروفة له صلى الله عليه وسلم فكأنما رآه حقيقة لأن الشيطان لا يتمثل به.
أخرج مسلم في صحيحه تحت رقم (2266)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ رَأَىنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ بِي”. وَفِي رِوَايَةٍ: “مَنْ رَأَىنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي”، وَفِي رِوَايَةٍ: “لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِي”، وَفِي رِوَايَةٍ: “مَنْ رَأَىنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ”، وَفِي رِوَايَةٍ: “من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَأَىنِي فِي الْيَقِظَةِ”.
ومعنى الحديث: من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم على الوصف المعروف عنه فقد رآه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة، فإن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم. فإنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ بِأَضْغَاثٍ وَلَا مِنْ تَشْبِيهَاتِ الشَّيْطَانِ.
ومفهوم المخالفة أن الشيطان قد يأتي المسلم في المنام متمثلا متشبها بغيره صلى الله عليه وسلم، فهذه من خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم.
القاعدة الخامسة عشرة
رؤيا الله في المنام
يجوز أن يرى المؤمن ربه -سبحانه وتعالى- في المنام في الحياة الدنيا.
قال ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه (بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية): «جواز رؤية الله في المنام هو الحق الذي عليه عامة أهل الإثبات، وإن نازع فيه من نازع من الجهمية» اهـ.
وتحقيق المؤمن رؤيا ربه في المنام بحسب إيمانه؛
قال ابن تيمية -رحمه الله- كما في كتاب (مجموع الفتاوى): «وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه» اهـ.
لكن لم يأت في رؤيا الرب في المنام أن الشيطان لا يتمثل به.
قال الحافظ ابن كثير- بعد أن أورد حديث اختصام الملأ الأعلى في تفسيره، سورة ص، قوله تبارك وتعالى: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (*) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}: فهذا حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة فقد غلط» اهـ.
وفيه إثبات الصورة لله جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. (الشُّورى:).
قال ابن حجر -رحمه الله- في (فتح الباري) «تنبيه: جوز أهل التعبير رؤية الباري عز وجل في المنام مطلقًا، ولم يجروا فيها الخلاف في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها، فتارة يعبر بالسلطان، وتارة بالوالد، وتارة بالسيد، وتارة بالرئيس في أي فن كان، فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعًا، وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب؛ كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائمًا، بخلاف النبي -صلى الله عليه و سلم- فإذا رؤى على صفته المتفق عليها وهو لا يجوز عليه الكذب، كانت في هذه الحالة حقًا محضًا لا يحتاج إلى تعبير» اهـ.
أما في الآخرة، فسيرى المؤمنون ربهم يقظة، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (يونس:). والله الموفق.
القاعدة السادسة عشرة
الاحتفال والاهتمام بالرؤيا
أخرج البخاري تحت رقم (1386) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟» قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: «مَا شَاءَ اللَّهُ» فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» قُلْنَا: لاَ، قَالَ: «لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ، بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ» قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى: ” إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَاسِهِ بِفِهْرٍ – أَوْ صَخْرَةٍ – فَيَشْدَخُ بِهِ رَاسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَاخُذَهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَاسُهُ وَعَادَ رَاسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ – قَالَ
يَزِيدُ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ – وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ، وَأَدْخَلاَنِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَنِسَاءٌ، وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ، وَشَبَابٌ، قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالاَ: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَاسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَالصِّبْيَانُ، حَوْلَهُ، فَأَوْلاَدُ النَّاسِ وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ
عَامَّةِ المُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَاسَكَ، فَرَفَعْتُ رَاسِي، فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قَالاَ: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي، قَالاَ: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ”.
محل الشاهد: قوله: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وقال: مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ”.
ووجه الدلالة: أنه كان يسألهم بعد صلاة الصبح: من رأى منهم رؤيا.
و (كان) تفيد المداومة.
وهذا احتفال منه صلى الله عليه وسلم يشأن الرؤيا.
أخرج البخاري تحت رقم (7028 – 7029) حدث نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي المَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ، فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَنِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ، لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ اليَمِينِ.
فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَقَالَ نَافِعٌ: «فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ”.
القاعدة السابعة عشرة
لا فرق بين الرؤيا في الليل أو في النهار
بوب البخاري في كتاب التعبير: بَابُ الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: «رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ».
وَذكر فِي الْبَاب حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ نَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ في النهار ورؤياه.
القاعدة الثامنة عشرة
الترهيب من الكذب في الرؤيا
أخرج البخاري تحت رقم (7042) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ”.
وأخرج البخاري تحت رقم (7043) عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ”.
القاعدة التاسعة عشرة
قد يكون تفسير الرؤيا بالأسماء التي ترد فيها
أخرج مسلم في صحيحه تحت رقم (2270) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ”.
القاعدة العشرون
لا خصوصية للرؤيا في الأسحار، والحديث الوارد في ذلك ضعيف.
والسحر هو ساعة آخر الليل، قبل الفجر، جمعها أسحار.
أخرج الترمذي تحت رقم (2274)، وابن ابن حبان (الإحسان 13/ 407، تحت رقم 6041) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالأَسْحَارِ»
وهو حديث ضعيف انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة تحت رقم ((1732)، وضعفه محقق الإحسان.
القاعدة الحادية والعشرون
في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب.
أخرج البخاري تحت رقم (7017) حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يَكْذِبُ.
وفي رواية عند مسلم تحت رقم (2263) “إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا”.
وفي رواية عند الترمذي تحت رقم (2291): “فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا”.
وفي رواية عند ابن ماجه تحت رقم (3917): “إِذَا قَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا”.
والمراد بحسب مجموع الروايات أنه في آخر الزمان لا تكاد تكذب رؤيا المؤمن.
وعند اعتدال الزمان في ساعات الليل والنهار، لا تكاد تكذب رؤيا المؤمن.
قال أبو داود رحمه الله: “اقترابُ الزمانِ: يعني إذا اقتربَ الليلُ والنهارُ ويستويان”اهـ.
القاعدة الثانية والعشرون
لا يشترط في الرؤيا أن يراها المسلم بنفسه فقد ترى له
أخرج مسلم في صحيحه تحت رقم (479) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ”.َ
وأخرج ابن ماجه تحت رقم (3898) وصححه لغيره الأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (يونس: 64)، قَالَ: “هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ”.
القاعدة الثالثة والعشرون
أَصْدَقُ النَّاسِ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا
وعند مسلم تحت رقم (2263) عن أبي هريرة مرفوعاً: “إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا”.
القاعدة الرابعة والعشرون
قول من يسمع الرؤيا: “رأيت خيرا”.
أخرج أحمد في المسند (39/ 207، تحت رقم 23790، الرسالة)، وابن ماجه حديث رقم (3920) بسند حسن كما قال محققو المسند والأرنؤوط في تحقيقه لابن ماجه، واصل الحديث في صحيح مسلم تحت رقم (2484)، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى شِيَخَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْجَنَّةُ لِلَّهِ يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ، وَإِنِّي رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رُؤْيَا، رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلًا أَتَانِي فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَلَكَ بِي فِي منَهْجٍ عَظِيمٍ، فَعُرِضَتْ عَلَيَّ طَرِيقٌ عَلَى يَسَارِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ عُرِضَتْ طَرِيقٌ عَنْ يَمِينِي فَسَلَكْتُهَا، حَتَّى إِذَا انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلَقٍ فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَّلَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذُرْوَتِهِ، فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أَتَمَاسَكْ، وَإِذَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ فِي ذُرْوَتِهِ حَلْقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَّلَ بِي، حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَالَ: اسْتَمْسَكْ، قُلْتُ: نَعَمْ. فَضَرَبَ الْعَمُودَ بِرِجْلِهِ، فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ.
قَالَ: قَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: “رَأَيْتَ خَيْرًا: أَمَّا الْمَنْهَجُ الْعَظِيمُ فَالْمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضَتْ عَنْ يَسَارِكَ فَطَرِيقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضَتْ عَنْ يَمِينِكَ فَطَرِيقُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ الزَّلَقُ فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ الَّتِي اسْتَمْسَكْتَ بِهَا، فَعُرْوَةُ الْإِسْلَامِ، فَاسْتَمْسِكْ بِهَا حَتَّى تَمُوتَ”. فَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ”.
أخرج أحمد في المسند (44/ 445، تحت رقم 26875)، وابن ماجه تحت رقم (3923)، وقال محققو المسند، والأرنؤوط: “حديث صحيح”اهـ، عَنْ قَابُوسَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ الْفَضْلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ كَأَنَّ فِي بَيْتِي عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِكَ. قَالَ: “خَيْرًا رَأَيْتِ، تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلَامًا فَتُرْضِعِيهِ” فَوَلَدَتْ حُسَيْنًا أَوْ حَسَنًا فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ قُثَمٍ، قَالَتْ: فَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ، فَضَرَبْتُ كَتِفَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أَوْجَعْتِ ابْنِي، رَحِمَكِ اللَّهُ! “.
القاعدة الخامسة والعشرون
لا يشترط أن تعبر الرؤيا مباشرة
سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام لم تعبر رؤياه إلا بعد أربعين سنة، والله اعلم.
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 82، تحت رقم 31167)، وعند الحاكم في المستدرك (4/ 396، تحت رقم 8198)، بإسناد حسن، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: “كَانَ بَيْنَ رُؤْيَا يُوسُفَ وَتَاوِيلِهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً”.
وفيه (11/ 82، تحت رقم 31165)، بسند حسن، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ (وهو من كبار التابعين، وأبوه صحابي): “أَنَّهُ سَمِعَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ رُؤْيَا وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا انْصَرَفَ سَأَلَهُمْ عنها فَكَتَمُوهُ، فَقَالَ: أَمَا أَنَّهُ جَاءَ تَاوِيلُ رُؤْيَا يُوسُفَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ. يَعْنِي: سَنَةً”.
القاعدة السادسة والعشرون
مما تفسر به الرؤيا لون الثياب.
أخرج أحمد في المسند (40/ 430، تحت رقم 24367) بسند ضعيف فيه ابن لهيعة، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ خَدِيجَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَقَالَ: “قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَحْسِبُهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيَاضٌ”.
وأخرجه عبدالرزاق في المصنف (5/ 324، تحت رقم 9719)، عن الزهري قال: “وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ كَمَا بَلَغَنَا فَقَالَ: رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ، وَقَدْ أَظُنُّ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ الْبَيَاضَ”.
القاعدة السابعة والعشرون
قد تتكرر الرؤية للدلالة على صدقها و أهميتها
قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102).
ذكر بعض المفسرين أن الرؤيا تكررت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يذبح ابنه، ووجه ذلك من الآية أنه عبر بالفعل المضارع (أرى) عن أمر حصل في الماضي، والتعبير بالمضارع يفيد تجدد الحدوث وتكرره.
وفي قصة يوسف قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَاكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) (سورة يوسف:43).
جاء الفعل المضارع مكان الماضي (إني أرى) لنفس المعنى فيما يظهر، وهو الدلالة على تجدد الحدوث وتكرره، وهنا تكررت الرؤيا بصورتين، رأى سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان. ثم رأى ثانية سبع سنبلات خضر، وأخر يابسات.
القاعدة الثامنة والعشرون
من الرؤيا ما لا يحتاج إلى تعبير لظهور معناها. ومنها ما يحتاج إلى تعبير.
وإلى النوع الأول أشارت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في قولها الذي أخرجه البخاري تحت رقم (3)، ومسلم تحت رقم (160)، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: “أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ”.
قولها: “مثل فلق الصبح” يعني في ظهورها ووضوحها.
ويبدو لي أن هذا المعنى هو المراد في ما تقدم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. عن رؤيا المؤمن في آخر الزمان: “فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا”.
القاعدة التاسعة والعشرون
تفسير الرؤيا وتعبيرها كالفتوى
لا يحق للشخص أن ينقل ما ذكره معبر الرؤيا لشخص على رؤية له هو، لأن تعبير الرؤيا يتوقف على حيثيات تتعلق بالرائي قد لا توجد في الشخص الآخر، فحمل كلامه على رؤياك لا يصح.
وكتب تفسير الأحلام هي للاستئناس فقط.
و لا ينبغي أن يجزم بشيء بناء على تعبير الرؤيا، فهذا يحتاج إلى دليل.
وإذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه على علمه وصدقه لما فسر رؤيا أصاب بعضا وأخطأ بعضاً (راجع قصة ذلك في القاعدة التاسعة) فكل أحد بعد أبي بكر أولى أن يخطيء، فلا يجزم المعبر بأن تفسير الرؤيا هو ما ظهر له، والله الموفق.
تنبيه:
أخرج الدارمي (2/ 1380، تحت رقم 2209)، قال ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ تَاجِرٌ يَخْتَلِفُ، فَكَانَتْ تَرَى رُؤْيَا كُلَّمَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَلَّمَا يَغِيبُ إِلَّا تَرَكَهَا حَامِلًا، فَتَاتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ تَاجِرًا، فَتَرَكَنِي حَامِلًا، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ سَارِيَةَ بَيْتِي انْكَسَرَتْ، وَأَنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا أَعْوَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرٌ، يَرْجِعُ زَوْجُكِ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَالِحًا، وَتَلِدِينَ غُلَامًا بَرًّا.
فَكَانَتْ تَرَاهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ، تَاتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: ذَلِكَ لَهَا، فَيَرْجِعُ زَوْجُهَا، وَتَلِدُ غُلَامًا، فَجَاءَتْ يَوْمًا كَمَا كَانَتْ تَاتِيهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، وَقَدْ رَأَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا، فَقُلْتُ لَهَا: عَمَّ تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: رُؤْيَا كُنْتُ أُرَاهَا، فَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا؟ فَيَقُولُ: خَيْرًا، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ! فَقُلْتُ: فَأَخْبِرِينِي مَا هِيَ؟ قَالَتْ: حَتَّى يَاتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرِضَهَا عَلَيْهِ، كَمَا كُنْتُ أَعْرِضُ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهَا حَتَّى أَخْبَرَتْنِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَيَمُوتَنَّ زَوْجُكِ، وَتَلِدِينَ غُلَامًا فَاجِرًا، فَقَعَدَتْ تَبْكِي، وَقَالَتْ: مَا لِي حِينَ عَرَضْتُ عَلَيْكِ رُؤْيَايَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: مَا لَهَا يَا عَائِشَةُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَمَا تَأَوَّلْتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ يَا عَائِشَةُ؛ إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى الْخَيْرِ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا، فَمَاتَ، وَاللَّهِ زَوْجُهَا، وَلَا أُرَاهَا إِلَّا وَلَدَتْ غُلَامًا فَاجِرًا” والحديث قال الحافظ في فتح الباري (12/ 432): “وَعِنْدَ الدَّارِمِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ”، (وكذا قال محققا زاد المعاد: إسناده حسن) وقال ابن حجر عقبه: “وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ جَائِزَ بَيْتِي انْكَسَرَ وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَقَالَ: رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكِ زَوْجَكِ فَرَجَعَ سَالِمًا الْحَدِيثَ وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ هُوَ الَّذِي عَبَرَ لَهَا الرُّؤْيَا الْأَخِيرَةَ وَلَيْسَ فِيهِ الْخَبَرُ الْأَخِيرُ الْمَرْفُوعُ”اهـ،
قلت: سند الدارمي فيه عنعنة ابن إسحاق.
ومخالفة رواية عطاء، التي أشار إليها ابن حجر عقب الحديث.
ومخالفته من حيث المعنى لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور في القاعدة التاسعة الذي أخرجه الشيخان، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم. فيه: “أصبت بعضا وأخطأت بعضا”؛
فالحديث منكر، وعندي أن البخاري لما ترجم على حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بقوله في كتاب التعبير: “بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ”؛ كان يريد التنبيه على عدم صحة هذا الحديث، والله اعلم.
تمت ولله الحمد والمنه
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) في كتاب الأدب، باب في الرؤيا، عقب الحديث رقم (5019).