1032 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة محمد البلوشي وعبدالحميد البلوشي
وطارق أبي تيسير
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——–””’———-”——-
الصحيح المسند (1032)
قال أبو داود رحمه الله (ج8 ص169):
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُصَفَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ جَمِيعًا، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كَانَ إِذَا أَتَاهُ الْفَيْءُ قَسَمَهُ فِي يَوْمِهِ، فَأَعْطَى الْآهِلَ حَظَّيْنِ وَأَعْطَى الْعَزَبَ حَظًّا “.
زَادَ ابْنُ الْمُصَفَّى: فَدُعِينَا وَكُنْتُ أُدْعَى قَبْلَ عَمَّارٍ فَدُعِيتُ فَأَعْطَانِي حَظَّيْنِ وَكَانَ لِي أَهْلٌ، ثُمَّ دُعِيَ بَعْدِي عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأَعْطَى لَهُ حَظًّا وَاحِدًا.
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
الحديث أخرجه أحمد 6/ 25، حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا صفوان به، وفي آخره بعد قوله: فأعطي حظا واحدا فبقيت قطعة سلسلة من ذهب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم. يرفعها بطرف عصاه فتسقط ثم رفعها وهو يقول: كيف أنتم يوم يكثر لكم من هذا.
====
الحديث بوب الوادعي في (الجامع الصحيح) (ج3/ص207): للآهل حظان وللأعزب حظ.
1 – شرح الحديث.
قال المناوي رحمه الله في (فيض القدير) تحت رقم الحديث (6524):
(كان إذا أتاه الفيء) بالهمز ولا يجوز الإبدال والإدغام كما في المصباح.
وهو الخراج والغنيمة، وأما تخصيصه بما حصل من كفار بلا قتال وإيجاف فعرف الفقهاء. (قسمه) بين مستحقيه (في يومه) أي: في اليوم الذي يصل إليه فيه (فأعطى الآهل) بالمد، الذي له أهل. أي: زوجة، اسم فاعل من أهل، يأهل، بكسر العين وضمها، أهو لا إذا تزوج (حظين)، بفتح الحاء، بضبط المصنف؛ لأنه أكثر حاجة، فيعطى نصيباً له ونصيباً لزوجته أو زوجاته (وأعطى العزب) الذي لا زوجة له (حظاً) واحدًا، لما ذكر.
وفيه: طلب مبادرة الإمام للقسمة ليصل الحق لمستحقه فينتفع به فوراً، ولا يجوز التأخير إلا لعذر.
وقوله (العزب) هكذا هو في عدة نسخ، والذي في المصابيح (الأعزب) قال القاضي: وهو أفعل من العزوبة، هكذا، هو وما رأيته مستعملاً بهذا المعنى إلا في هذا الحديث، وإنما المستعمل له العزب. انتهى.
2 – تعريف الفيء، وأقسام الأموال.
قال ابن قدامة في (المغني): باب قسمة الفيء والغنيمة والصدقة: الفيء: هو الراجع إلى المسلمين من مال الكفار بغير قتال، يقال: فاء الفيء إذا رجع نحو المشرق.
والغنيمة: ما أخذ منهم قهرًا بالقتال واشتقاقها من الغنم وهو الفائدة.
وكل واحد منهما في الحقيقة فيء وغنيمة، وإنما خص كل واحد منهما باسم ميز به عن الآخر والأصل فيهما؛ قول الله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} الآية، وقوله سبحانه: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه} الآية.
مسألة: الأموال ثلاثة فيء وغنيمة، وصدقة.
يعني – والله أعلم – أن الأموال التي تليها الولاة من أموال المسلمين فأنها ثلاثة أقسام قسمان يؤخذان من مال المشركين أحدهما الفيء: وهو ما أخذ من مال مشرك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، كالذي تركوه فزعا من المسلمين وهربوا والجزية عشر أموال أهل دار الحرب إذا دخلوا إلينا تجارا ونصف عشر تجارات أهل الذمة، وخراج الأرضين ومال من مات من المشركين ولا وارث له والغنيمة: ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار والقسم الثالث الصدقة: وهو ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له وهو الزكاة، وقد ذكرناها يروى أن عمر رضي الله عنه قرأ قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} حتى بلغ: {عليم حكيم} ثم قال: هذه لهؤلاء ثم قرأ: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} حتى بلغ: {وابن السبيل} ثم قال: هذه لهؤلاء ثم قرأ: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} حتى بلغ: {والذين جاءوا من بعدهم} ثم قال: هذه استوعبت المسلمين عامة ولئن عشت ليأتين الراعى وهو بسرو حمير نصيبه منها لم يعرق به جبينه. انتهى المراد.
وفي الأحكام السلطانية للماوردي –
الفيء والغنيمة
أَهْلِ الصَّدَقَةِ مَنْ لَا هِجْرَةَ لَهُ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مِنْ حُمَاةِ الْبَيْضَةِ، وَأَهْلُ الْفَيْءِ هُمْ ذَوُو الْهِجْرَةِ الذَّابُّونَ عَنَ الْبَيْضَةِ، وَالْمَانِعُونَ عَنِ الْحَرِيمِ، وَالْمُجَاهِدُونَ لِلْعَدُوِّ.
الباب الثاني عشر: “في قسم الفيء والغنيمة”
وَأَمْوَالُ الْفَيْءِ وَالْغَنَائِمِ مَا وَصَلَتْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ كَانُوا سَبَبَ وُصُولِهَا.
وَيَخْتَلِفُ الْمَالَانِ فِي حُكْمِهِمَا، وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِأَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إنَّ الصَّدَقَاتِ مَاخُوذَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ، وَالْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةَ مَاخُوذَانِ مِنَ الْكُفَّارِ انْتِقَامًا مِنْهُمْ.
وَالثَّانِي: إنَّ مَصْرِفَ الصَّدَقَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ فِيهِ، وَفِي أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ مَا يَقِفُ مَصْرِفُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ.
وَالثَّالِثُ: إنَّ أَمْوَالَ الصَّدَقَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ أَرْبَابُهَا بِقِسْمَتِهَا فِي أَهْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِوَضْعِهِ فِي مُسْتَحِقِّهِ حَتَّى يَتَوَلَّاهُ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْوُلَاةِ.
وَالرَّابِعُ: اخْتِلَافُ الْمَصْرِفَيْنِ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُ.
أَمَّا الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَمُخْتَلِفَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
فَأَمَّا وَجْهَا اتِّفَاقِهِمَا فَأَحَدُهُمَا: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ وَاصِلٌ بِالْكُفْرِ.
وَالثَّانِي: إنَّ مَصْرِفَ خُمُسِهِمَا وَاحِدٌ.
وَأَمَّا وَجْهَا افْتِرَاقِهِمَا فَأَحَدُهُمَا: إنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَاخُوذٌ عَفْوًا، وَمَالَ الْغَنِيمَةِ مَاخُوذٌ قَهْرًا.
وَالثَّانِي: إنَّ مَصْرِفَ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ مُخَالِفٌ الْغَنِيمَةَ لِمَصْرِفِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ مَا سَنُوَضِّحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
3 – مصرف الفيء:
قال ابن تيمية: وهذا الفيء لم يكن ملكًا للنبي في حياته عند أكثر العلماء، وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: كان ملكًا له،
وأما مصرفه بعد موته فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذلّ الكفار فيؤخذ منهم الفيء، وتنازعوا هل يصرف في سائر مصالح المسلمين أن تختص به المقاتلة على قولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك أنه لا يختص به المقاتلة، بل يصرف في المصالح كلها، وعلى القولين يعطى من فيه منفعة عامة الفيء، فإن الشافعي قال: ينبغي للإمام أن يخص من في البلدان من المقاتلة وهو من بلغ، ويحصي الذرية وهي من دون ذلك والنساء، إلى أن قال: ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم، ويعطي الذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم. قال: والعطاء من الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق القتال. قال: ولم يختلف أحد ممن لقيه في أنَّه ليس للمماليك في العطاء حق ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة. قال: فإن فضل من الفيء شيء وضعه الإمام في أهل الحصون، والازدياد في الكراع والسلاح، وكل ما قوي به المسلمون (كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: [28/ 565])
قال الماوردي في الأحكام السلطانية وذكر الفرق بين الفيء والغنيمة:
وَسَنَبْدَأُ بِمَالِ الْفَيْءِ فَنَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَالٍ وَصَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَا بِإِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَهُوَ كَمَالِ الْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ وَأَعْشَارِ مَتَاجِرِهِمْ، أَوْ كَانَ وَاصِلًا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ كَمَالِ الْخَرَاجِ، فَفِيهِ إذَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَدَاءَ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا خُمُسَ فِي الْفَيْءِ، وَنَصُّ الْكِتَابِ فِي خُمُسِ الْفَيْءِ يَمْنَعُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَكِبَارِهِمْ، وَأَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ، وَيُفَضَّلُ فِيهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ، وَلَا حَقَّ فِيهِ لِمَوَالِيهِمْ وَلَا لِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ حُصُولِ الْمَالِ وَقَبْلَ قَسْمِهِ كَانَ سَهْمُهُ مِنْهُ مُسْتَحَقًّا لِوَرَثَتِهِ.
وَالسَّهْمُ الثَّالِثُ: لِلْيَتَامَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ، وَالْيُتْمُ: مَوْتُ الْأَبِ مَعَ الصِّغَرِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ؛ فَإِذَا بَلَغَا زَالَ اسْمُ الْيُتْمِ عَنْهُمَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ».
وَالسَّهْمُ الرَّابِعُ: لِلْمَسَاكِينِ، وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ مَسَاكِينَ الْفَيْءِ يَتَمَيَّزُونَ عَنْ مَسَاكِينِ الصَّدَقَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصْرِفِهِمَا.
وَالسَّهْمُ الْخَامِسُ: لِبَنِي السَّبِيلِ، وَهُمُ الْمُسَافِرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ، وَسَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنِ ابْتَدَأَ بِالسَّفَرِ أَوْ كَانَ مُجْتَازًا، فَهَذَا حُكْمُ الْخُمُسِ فِي قَسْمِهِ، وَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لِلْجَيْشِ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ؛ لِيَكُونَ مُعَدًّا لِأَرْزَاقِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ مَصْرُوفٌ فِي الْمَصَالِحِ الَّتِي مِنْهَا أَرْزَاقُ الْجَيْشِ، وَمَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ الْفَيْءُ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَلَا تُصْرَفُ الصَّدَقَاتُ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ، وَيُصْرَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ فِي أَهْلِهِ، وَأَهْلِ الصَّدَقَةِ مَنْ لَا هِجْرَةَ لَهُ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مِنْ حُمَاةِ الْبَيْضَةِ، وَأَهْلُ الْفَيْءِ هُمْ ذَوُو الْهِجْرَةِ الذَّابُّونَ عَنَ الْبَيْضَةِ، وَالْمَانِعُونَ عَنِ الْحَرِيمِ، وَالْمُجَاهِدُونَ لِلْعَدُوِّ، وَكَانَ اسْمُ الْهِجْرَةِ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ وَطَنِهِ إلَى الْمَدِينَةِ لِطَلَبِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ بِأَسْرِهَا تُدْعَى الْبَرَرَةُ، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ هَاجَرَ بَعْضُهَا تُدْعَى الْخِيرَةُ، فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ بَرَرَةٌ وَخِيرَةٌ، ثُمَّ سَقَطَ حُكْمُ الْهِجْرَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ مُهَاجِرِينَ وَأَعْرَابًا، فَكَانَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ يُسَمَّوْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابًا، وَيُسَمَّى أَهْلُ الْفَيْءِ مُهَاجِرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ
وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَصِلَ قَوْمًا لِتَعُودَ صِلَاتُهُمْ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالرُّسُلِ وَالْمُؤَلَّفَةِ جَازَ أَنْ يَصِلَهُمْ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ؛ فَقَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلَّفَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ التَّمِيمِيَّ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيَّ خَمْسِينَ بَعِيرًا، فَتَسَخَّطَهَا وَعَتَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ … فكملها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما لَمَّا بَلَغَ أَتَى أَبَاهُ عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ، فَفَرَضَ لَهُ فَيْءَ أَلْفَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ غُلَامٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَدْ بَلَغَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ، فَفَرَضَ لَهُ فَيْءَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَضْتَ لِي فَيْءَ أَلْفَيْنِ وَفَرَضْتَ لِهَذَا فَيْءَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَبُو هَذَا مَا قَدْ شَهِدْتُ، قَالَ: أَجَلْ، لَكِنِّي رَأَيْتُ أَبَا أُمِّكَ يُقَاتِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ أَبَا أُمِّ هَذَا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلْأُمِّ أَكْثَرُ مِنَ الْأَلْفِ. انتهى من الأحكام السلطانية
جاء في الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة:
الفيء: ما أخذ من أموال أهل الحرب بحق من غير قتال، كالأموال التي يهرب الكفار ويتركونها فزعاً عند علمهم بقدوم المسلمين.
أما مصرفه: فهو في مصالح المسلمين بحسب ما يراه الإمام كرزق القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين وغير ذلك من مصالح المسلمين؛ لما ثبت عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لم يُوجِف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في الكُرَاع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل.
ولهذا ذكر الله تعالى كل فئات المسلمين في معرض بيان مصارف الفيء فقال سبحانه وتعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]، فيأخذ منه الإمام من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. انتهى المراد.
=====
أحاديث في قسمة خمس الغنيمة ومصرف الفيء لبعض الباحثين:
1 – عن جبير بن مطعم قال: (مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا قال: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد قال جبير: ولم يقسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئًا).
رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه.
وفي رواية: (لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول اللّه هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك اللّه عز وجل منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة قال: إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال: ثم شبك بين أصابعه) رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبرقاني وذكر أنه على شرط مسلم.
قوله: (مشيت أنا وعثمان) إنما اختص جبير وعثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب هم بنو عبد مناف فهذا معنى قولهما ونحن وهم منك بمنزلة واحدة أي في الانتساب إلى عبد مناف.
قوله: (ولم يقسم) الخ هذا أورده البخاري في كتاب الخمس معلقًا ووصله في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه وزاد أبو داود بهذا الإسناد وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده.
وهذه الزيادة مدرجة من كلام الزهري والسبب الذي لأجله أعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بني المطلب مع بني هاشم دون غيرهم ما تقدم لهم من المعاضدة لبني هاشم والمناصرة فمن ذلك أنه لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم يدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير.
وفي هذا الحديث دليل للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من قريش. وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين وإليه ذهب جميع أهل البيت. وهذا الحديث حجة لأهل القول الأول.
وقد قيل إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما أعطى بني المطلب لعلة الحاجة ورد بأنه لو كان الأمر كذلك لم يخص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قومًا دون قوم وأيضًا الحديث مصرح بأنه إنما أعطاهم لكونهم هم وذرية هاشم شيء واحد وبمنزلة واحدة لكونهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام ـ والحاصل ـ أن الآية دلت على استحقاق قربى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس وبني نوفل. واختلفت الشافعية في سبب إخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة. فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها. وقيل سبب الاستحقاق القرابة. ووجد في بني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم. وقيل إن القربى عام خصصته السنة.
قال ابن قدامة المقدسي من الحنابلة: وسهم ذوي القربي لبني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف؛ لما روى جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب، جئت أنا وعثمان ….. ويجب تعميمهم به حيث كانوا لعموم قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى}؛ ولأنه النبي صلى الله عليه وسلم أعطى منه العباس وهو غنيّ، وأعطى صفية عمته، ويقسم للذكر والأنثى كذلك؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى منه أشبه الميراث، ويحتمل أن يسوّى بينهما كالمستحق بالوصية للقرابة (الكافي في فقه ابن حنبل: [4/ 317]).
قلت سيف: في تحقيقنا لسنن أبي داود ذكرنا أن الادارج الذي ذكر عن الزهري (وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده).
نبه عليه البيهقي وأنه من قول الزهري: رواه محمد بن يحيى الذهلي عن أبي صالح عن الليث عن يونس عن الزهري من قول علي. وما رويناه بإسناد متصل فهو أولى.
قلت: وتابع الذهلي عليه حميد ثنا عبدالله بن صالح كما في الأموال لابن زنجويه لكن جعله مقطوع من قول الزهري.
وكذلك ذكر ابن حجر في الفتح أن الذهلي بيَّن أنها من قول الزهري فلعل ما وقع في الصغرى عن الزهري (من قول علي) خطأ في المطبوع. والصواب الزهري من قوله.
قال ابن حجر: ولعل هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس.
قلت: ورواية الذهلي أخرجها المروزي في السنة 166 لكن ظاهرها الاتصال ثنا محمد بن يحيى ثنا عثمان بن عمر ثنا يونس. وفيه (وكان أبوبكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه …. )
ثم ذكر رواية محمدبن حيوية ثنا ابوصالح وفيه قال ابن شهاب: وكان أبوبكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم. …. )
2 – وعن علي رضي اللّه عنه قال: (اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت يا رسول اللّه إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب اللّه تعالى فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فأفعل قال ففعل ذلك فقسمته حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم ولانيه أبو بكر حتى كانت آخر سنة من سني عمر فإنه أتاه مال كثير).
رواه أحمد وأبو داود.
قلت سيف: قال الألباني: ضعيف الإسناد. والبوصيري. وصححه البيهقي كما في معرفة السنن. والارجح ضعفه لضعف حسين بن ميمون (تحقيقنا لسنن أبي داود)
قال الباحث:
في إسناده حسين بن ميمون الخندقي قال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي الحديث يكتب حديثه. وقال علي بن المديني: ليس بمعروف. وذكر له البخاري في تاريخه هذا الحديث قال: وهو حديث لا يتابع عليه. وزاد أبو داود بعد قوله فإنه أتاه مال كثير ما لفظه: فعزل حقنا ثم أرسل إلي فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر فلقيت العباس بعد ما خرجت من عند عمر فقال يا علي حرمتنا الغداة شيئًا لا يرد علينا أبدًا وكان رجلًا داهيًا.
3 – وعن علي رضي اللّه عنه قال: (ولاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر).
رواه أبو داود وهو دليل على أن مصارف الخمس خمسة.
قلت سيف: قال الألباني: ضعيف الإسناد
قال الباحث: في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان وقيل ابن عبد اللّه بن ماهان وثقه علي بن المديني وابن معين. ونقل عنهما خلاف ذلك وتكلم فيه غير واحد. قال في التقريب: صدوق سيئ الحفظ خصوصًا عن مغيرة من كبار السابعة مات في إحدى وستين. وتمام الحديث عند أبي داود فأتي بمال يعني عمر فدعاني فقلت خذه قال خذه فأنتم أحق به قلت قد استغنينا عنه فجعله في بيت المال.
4 – وعن يزيد بن هرمز: (أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو فكتب إليه ابن عباس كتبت تسألني عن الخمس لمن هو فإنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذلك).
رواه أحمد ومسلم.
وفي رواية: (أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه فقال هو لنا لقربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم قسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم وقد كان عمر عرض علينا شيئًا منه رأيناه دون حقنا فرددناه إليه وأبينا أن نقبله وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك) رواه أحمد والنسائي.
5 – وعن عمر بن الخطاب قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكان ينفق على أهله نفقة سنته).
وفي لفظ: (يحبس لأهله وقت سنتهم ويجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل اللّه).
متفق عليه.
ـ والأحاديث ـ المذكورة في الباب فيها دليل على أن من مصارف الخمس قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد تقدم الخلاف في ذلك.
وروى أبو داود في حديث أن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده.
وقد استدل من قال أن الإمام يقسم الخمس حيث شاء بما أخرجه أبو داود وغيره عن ضباعة بنت الزبير قالت: أصاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سبيًا فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله فقال سبقتكما يتامى بدر.
وفي الصحيح أن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بسبي فأتته تسأله خادمًا فذكر الحديث وفيه ألا أدلكما على خير مما سألتما فذكر الذكر عند النوم.
قال إسماعيل القاضي: هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين والذي يختص بالإمام هو الخمس وقد منع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ابنته وأعز الناس عليه من قرابته وصرفه إلى غيرهم وقال بنحو ذلك الطبري والطحاوي. قال الحافظ: في الاستدلال بذلك نظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفيء.
6 – وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت).
رواه البخاري ويحتج به من لم ير الفيء ملكًا له.
7 – وعن زيد بن أسلم: (أن ابن عمر دخل على معاوية فقال حاجتك يا أبا عبد الرحمن فقال: عطاء المحررين فإني رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين).
رواه أبو داود.
حديث زيد بن أسلم سكت عنه أيضًا أبو داود والمنذري. وفي إسناده هشام بن سعد وفيه مقال.
قوله: (فأعطى الآهل) أي من له أهل يعني زوجة. وفيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار أتباع الرجل الذي يلزم نفقتهم من النساء وغيرهن إذ غير الزوجة مثلها في الاحتياج إلى المؤنة.
قوله: (ما أعطيكم) الخ فيه دليل على التفويض وأن النفع لا تأثير فيه لأحد سوى اللّه جل جلاله. والمراد بقوله أضع حيث أمرت إما الأمر الإلهامي أو الأمر الذي طريقه الوحي. وقد استدل به من لم يجعل الفيء ملكًا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم. وقد تقدم تفصيل ذلك.
قوله: (عطاء المحررين) جمع محرر وهو الذي صار حرًا بعد أن كان عبدًا وفي ذلك دليل على ثبوت نصيب لهم في الأموال التي تأتي إلى الأئمة وأما نصيبهم من الزكاة فقد تقدم الكلام فيه.
وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة قالت عائشة كان أبي يقسم للحر والعبد.
قوله: (بدأ بالمحررين) فيه استحباب البداءة بهم وتقديمهم عند القسمة على غيرهم.
8 – وعن جابر قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلم يجيء حتى قبض النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديًا فنادى من كان له عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لي كذا وكذا فحثى لي حثية وقال عدها فإذا هي خمسمائة فقال خذ مثليها).
متفق عليه.
9 – وعن عمر بن عبد العزيز: (أنه كتب أن من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب فرآه المؤمنون عدلًا موافقًا لقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل اللّه الحق على لسان عمر وقلبه فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض اللّه عليهم من الجزية ولم يضرب فيها بخمس ولا مغنم).
رواه أبو داود.
حديث عمر بن عبد العزيز فيه راو مجهول وأيضًا فيه انقطاع لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب والمرفوع منه مرسل.
قوله: (مال البحرين) هو من الجزية وقد قال ابن بطال: يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء وفي البخاري في باب الجزية أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها أي بجزية أهلها وكان الغالب أنهم إذ ذاك مجوس وقد ترجم النسائي على هذا الحديث باب أخذ الجزية من المجوس وذكر ابن سعد أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية.
قوله: (أمر أبو بكر مناديًا ينادي) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون بلالًا.
قوله: (فحثى لي) بالمهملة والمثلثة.
قوله: (حثية) الخ في رواية للبخاري فحثى لي ثلاثًا وفي رواية له وجعل سفيان يحثو بكفيه وهذا يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعًا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما تملأ الكف والحفنة ما تملأ الكفين ثم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى والحثية من حثى يحثى ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان.
قوله: (ولم يضرب فيها بخمس) فيه دليل على عدم وجوب الخمس في الجزية وفي ذلك خلاف معروف في الفقه.
10 – وعن مالك بن أوس قال: (كان عمر يحلف على أيمان ثلاث واللّه ما أحد أحق بهذا المال من أحد وما أنا أحق به من أحد وواللّه ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدًا مملوكًا ولكنا على منازلنا من كتاب اللّه وقسمنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فالرجل وبلاؤه في الإسلام والرجل وقدمه في الإسلام والرجل وغناؤه في الإسلام والرجل وحاجته وواللّه لئن بقيت لهم لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه).
رواه أحمد في مسنده.
11 – وعن عمر أنه قال يوم الجابية وهو يخطب الناس: (إن اللّه عز وجل جعلني خازنًا لهذا المال وقاسمًا له ثم قال بل اللّه قاسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أشرفهم ففرض لأزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عشرة آلاف إلا جويرية وصفية وميمونة فقالت عائشة: إن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يعدل بيننا فعدل بينهن عمر ثم قال: إني بادئ بأصحابي المهاجرين الأولين فإنا أخرجنا من ديارنا ظلمًا وعدوانًا ثم أشرفهم ففرض لأصحاب بدر منهم خمسة آلاف ولمن كان شهد بدرًا من الأنصار أربعة آلاف وفرض لمن شهد أحدًا ثلاثة آلاف قال ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء ومن أبطأ في الهجرة بطئ به في العطاء فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته).
رواه أحمد.
الأثر الأول أخرجه أيضًا البيهقي والأثر الآخر قال في مجمع الزوائد: رجال أحمد ثقات والأثران فيهما أن عمر كان يفاضل في العطاء على حسب البلاء في الإسلام والقدم فيه والغناء والحاجة ويفضل من شهد بدرًا على غيره ممن لم يشهد وكذلك من شهد أحدًا ومن تقدم في الهجرة.
وقد أخرج الشافعي في الأم أن أبا بكر وعليًا ذهبا إلى التسوية بين الناس في القسمة وأن عمر كان يفضل.
وروى البزار والبيهقي من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قدم على أبي بكر مال البحرين فقال من كان له على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عدة فليأت فذكر الحديث بطوله في تسويته بين الناس في القسمة وفي تفضيل عمر الناس على مراتبهم.
وروى البيهقي من وجه آخر من طريق عيسى ين عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جده قال: أتت عليًا امرأتان فذكر القصة وفيها: إني نظرت في كتاب اللّه فلم أر فضلًا لولد إسماعيل على ولد إسحاق وروى البيهقي عن عثمان أيضًا أنه كان يفاضل بين الناس كما كان عمر يفاضل.
قوله: (وما أنا أحق به من أحد) فيه دليل على أن الإمام كسائر الناس لا فضل له على غيره في تقديم ولا توفير نصيب.
قوله: (إلا عبدًا مملوكًا) فيه دليل على أنه لا نصيب للعبد المملوك في المال المذكور ولكن حديث عائشة المتقدم قريبًا الذي أخرجه أبو داود عن عائشة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة وقول عائشة أن أبا بكر كان يقسم للحر والعبد ولا شك أن أقوال الصحابة لا تعارض المرفوع فمنع العبيد اجتهاد من عمر والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد أعطى الأمة ولا فرق بينها وبين العبد ولهذا كان أبو بكر يعطي العبيد.
قوله: (ولكنا على منازلنا من كتاب اللّه تعالى وقسمنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم) فيه إشعار بأن التفضيل لم يقع من عمر بمجرد الاجتهاد وأنه فهم ذلك من الكتاب العزيز والسنة النبوية.
قوله: (وغناؤه) بالغين المعجمة وهو في الأصل الكفاية فالمراد أن الرجل إذا كان له في القيام ببعض الأمور ما ليس لغيره كان مستحقًا للتفضيل.
قوله: (لئن بقيت لأوتين الراعي) فيه مبالغة حسنة لأن الراعي الساكن في جبل منقطع عن الحي في مكان بعيد إذا نال نصيبه فبالأولى أن يناله القريب من المتولي للقسمة ومن كان معروفًا من الناس ومخالطًا لهم.
قوله: (يوم الجابية) بالجيم وبعد الألف موحدة وهي موضع بدمشق على ما في القاموس وغيره.
قوله: (فإنا أخرجنا من ديارنا) هو تعليل للبداءة بالمهاجرين الأولين لأن في ذلك مشقة عظيمة ولهذا جعله اللّه قرينًا لقتل الأنفس وكذلك في بعد العهد بالأوطان مشقة زائدة على مشقة من كان قريب العهد والمهاجرون الأولون قد أصيبوا بالمشقتين فكانوا أقدم من غيرهم ولهذا قال في آخر الكلام ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء الخ والمراد بقوله فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته البيان لمن تأخر في العطاء بأنه أتى من قبل نفسه حيث تأخر عن المسارعة إلى الهجرة وأناخ راحلته ولم يهاجر عليها ولكنه كنى بالمناخ عن القعود عن السفر إلى الهجرة والمناخ بضم الميم كما في القاموس.
12 – وعن قيس بن أبي حازم قال: (كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم).
13 – وعن نافع مولى ابن عمر: (أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف قال: إنما هاجر به أبوه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه).
14 – وعن أسلم مولى عمر قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارًا واللّه ما ينضجون كراعًا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا ابنة خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فوقف معها عمر ولم يمض وقال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وجعل بينهما نفقة وثيابًا ثم ناولها خطامه فقال: اقتاديه فلن يفنى هذا حتى يأتيكم اللّه بخير فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها فقال: ثكلتك أمك فواللّه إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه فأصبحنا نستفيء سهمانهما فيه).
أخرجهن البخاري.
15 – وعن محمد ابن علي: (أن عمر لما دون الدواوين قال: بمن ترون أبدأ قيل له ابدأ بالأقرب فالأقرب بك قال: بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم).
رواه الشافعي.
قوله: (لأفضلنهم على من بعدهم) فيه إشعار بمزية البدريين من الصحابة وأنه لا يلحق بهم من عداهم وإن هاجر ونصر لحديث: (إن اللّه اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وقد تقدم هذا الحديث وشرحه.
قوله: (إنما هاجر به أبوه) فيه دليل على أن الهجرة التي يستحق بها كمال أجر الدين والدنيا وهي التي تكون باختيار وقصد لا مجرد الانتقال من المكان إلى المكان فإن ذلك وإن كان هجرة في الصورة والحقيقة لكن كمال الأجور يتوقف على ما قدمنا ولهذا جعل عمر هجرة ابنه عبد اللّه كلا هجرة وقال إنما هاجر به أبوه مع أنه قد كان مميزًا وقت الهجرة.
قوله: (ما ينضجون) بضم أوله ثم نون ثم ضاد معجمة ثم جيم أي لم يبلغوا إلى سن من يقدر على الطبخ ومع ذلك فليسوا بأهل أموال يستغنون بغلتها ولا أهل مواش يعيشون بما يحصل من ألبانها وأدهانها وأصوافها.
قوله: (الضبع) بضم الباء وسكونها هي مؤنثة اسم لسبع كالذئب معروف ولكن ليس ذلك هو المراد هنا إنما المراد السنة المجدبة قال في القاموس: والضبع كرجل السنة المجدبة.
قوله: (خفاف) بكسر الخاء المعجمة وفاءين خفيفتين بينهما ألف وإيماء بفتح الهمزة وكسرها والكسر أشهر وسكون الياء.
قوله: (فوقف معها عمر) أي لم يجاوز المكان الذي سألته وهو فيه بل وقف حتى سمع منها ثم انصرف بعد ذلك لقضاء حاجتها. والمراد بالنسب القريب الذي يعرفه السامع بلا سرد لكثير من الآباء وذلك إنما يكون في الأشراف المشاهير.
قوله: (وجعل بينهما نفقة) أي دراهم قال في القاموس: النفقة ما تنفقه من الدراهم ونحوها.
قوله: (ثكلتك أمك) قال في القاموس: الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد ويحرك وقد ثكله كفرح فهو ثاكل وثكلان وهي ثاكل وثكلانة قليلة وثكول وأثكلت لزمها الثكل فهي مثكل من مثاكيل انتهى.
قوله: (نستفيء) قال في النهاية: أي نأخذها لأنفسنا ونقتسمها.
قوله: (بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم) فيه مشروعية البداءة بقرابة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وتقديمهم على غيرهم
——