1026 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة أبي تيسير طارق ومجموعة عبدالحميد
———
1026 – قال الحاكم رحمه الله (ج3 ص110): حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، حدثني أبي ومحمد بن نعيم، قالا: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فمضى علي في السرية فأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا النبي صلى الله عليه وسلم لأخبرناه بما صنع علي، قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فنظروا إليه وسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قام الثالث، فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قام الرابع، فقال: يا رسول الله، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب في وجهه، فقال: ((ما تريدون من علي، إن عليا مني وأنا منه، وولي كل مؤمن)).
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
======
1 – الحديث مر في (الصحيح المسند)، بنحوه تحت رقم (287)، من رواية الإمام أحمد في المسند.
ولفظه: ((علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني الا أنا أو علي)). وقال بن أبي بكير: ((لا يقضي عني ديني الا أنا أو علي)).
2 – (علي) رضي الله عنه، هو ابن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، وهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شقيق أبيه، واسمه: عبد مناف على الصحيح.
ولد: قبل البعثة بعشر سنين على الراجح، وكان قد رباه النبي -صلى الله عليه وسلم- من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية، فلازمه من صغره، فلم يفارقه إلى أن مات.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمة أبيه، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي.
وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال: أسلم علي وهو ابن ثمان سنين، وقال ابن إسحاق: عشر سنين، وهذا أرجحهما. وقيل غير ذلك.
وله كنيتان يقال: له أبو تراب وأبو الحسن، وفي حديث سهل بن سعد عند البخاري: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” أين ابن عمك “؟ قالت: في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح عن ظهره فيقول: ((اجلس يا أبا تراب)) مرتين. قاله العلامة محمد عبد الرحمن المباركفوري في (تحفة الأحوذي) كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حديث (3712).
3 – شرح الحديث:
(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) هي طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا. (واستعمل عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه) أي: جعله أميرا عليهم، وفي رواية أحمد أمر عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(فمضى علي في السرية فأصاب جارية) أي: وقع عليها وجامعها، واستشكل وقوع علي على الجارية بغير استبراء وأجيب بأنه محمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها، وليس في السياق ما يدفعه.
(فأنكروا ذلك عليه) أي: على علي رضي الله عنه، ووجه إنكارهم أنهم رأوا أنه أخذ من المغنم فظنوا أنه غل، وفي حديث بريدة عند البخاري قال بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرت ذلك له فقال: ” يا بريدة: أتبغض عليا “؟ فقلت: نعم، قال: ” لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك “.
(فتعاقد) أي: تعاهد. (أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقينا النبي صلى الله عليه وسلم لأخبرناه بما صنع علي، قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فنظروا إليه وسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم) أي: إلى منازلهم وبيوتهم.
، (فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب في وجهه) جملة حالية، وفي رواية أحمد: وقد تغير وجهه. قاله العلامة محمد عبد الرحمن المباركفوري في (تحفة الأحوذي) تحت حديث (3712).
فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن عليا مني، وأنا منه))، أي: بيننا قرابة كالجزئيّة، قاله السنديّ رحمه الله، وقال القاري رحمه الله: أي في النسب، والمصاهرة، والمسابقة، والمحبّة، وغير ذلك من المزايا، لا في محض القرابة، وإلا فجعفر شريكه فيها. انتهى. [(مرقاة المفاتيح) (11/ 246)].وكذا في (فتح الباري).
وقال النووي في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم- في شأن جليبيب -رضي الله عنه-: ((هذا مني وأنا منه)) معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما، واتفاقهما في طاعة الله تعالى.
((وولي كل مؤمن))، أي: حبيبه كما قاله ابن الملك أو ناصره أو متولي أمره. قال الطيبي: هو إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}. [المائدة:55].
وفي الكشاف: قيل: نزلت في علي رضي الله عنه. فإن قلت: كيف يصح أن يكون لعلي واللفظ لفظ جماعة؟! قلت: جيء به ترغيبا للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه وليبنه على أن سجية المؤمن يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان.
قال البيضاوي: قوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ}، أي: متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل: هو حال مخصوصة بيؤتون أي يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصا على الإحسان ومسارعة إليه فإنها نزلت في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه. انتهى.
والحديث رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه بروايات مختلفة. قال القاضي: واستدل به الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي: المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيهم، والظاهر ما ذكرناه من أنه تعالى لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقيبه من هو حقيق بها، وإنما لم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله على الأصالة ولرسوله وللمؤمنين على التبع، مع أن حمل الجمع على الواحد أيضا خلاف الظاهر قال السيد معين الدين الصفوي: ما قبل الآية ينادي على أن المراد من الولاية ليس التولي للأمور والمستحق للتصرف كما قالت الشيعة، بل ذكره بلفظ الجمع تحريضا على المبادرة على الصدقة فيدخل فيه كل من يبادر، فلا يستدل بهذه الآية على إمامة علي رضي الله عنه. انتهى.
والحاصل أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا سيما واللفظ بصيغة الجمع فيدخل علي كرم الله وجهه فيه دخولا أوليا لا أن الأمر محصور فيه حقيقيا. قاله القاري في المرقاة (11/ 246).
4 – قال العلامة محمد عبد الرحمن المباركفوري في (تحفة الأحوذي) تحت حديث (3712): تنبيه: احتج الشيعة بقوله -صلى الله عليه وسلم- ((إن عليا مني وأنا منه)) على أن عليا -رضي الله عنه- أفضل من سائر الصحابة -رضي الله عنهم- زعما منهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل عليا من نفسه حيث قال: ((إن عليا مني))، ولم يقل هذا القول في غير علي.
قلت: زعمهم هذا باطل جدا؛ فإنه ليس معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- ((إن عليا مني)) أنه جعله من نفسه حقيقة، بل معناه هو ما قد عرفت آنفا.
وأما قولهم: لم يقل هذا القول في غير علي. فباطل أيضا؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- قد قال هذا القول في شأن جليبيب -رضي الله تعالى عنه- ففي حديث أبي برزة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا الحديث، وفيه قال: ((لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه)) فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقف عليه، فقال: ((قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه)) ورواه مسلم،
وقال -صلى الله عليه وسلم- هذا القول في شأن الأشعريين. ففي حديث أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم)). رواه مسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- هذا القول في شأن بني ناجية، ففي حديث سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لبني ناجية: ((أنا منهم وهم مني)).
رواه أحمد في مسنده ((وهو ولي كل مؤمن من بعدي)) كذا في بعض النسخ بزيادة من، ووقع في بعضها بعدي بحذف من وكذا وقع في رواية أحمد في مسنده، وقد استدل به الشيعة على أن عليا -رضي الله عنه- كان خليفة بعد رسول الله – منتعصب الشيعه للامام على – -صلى الله عليه وسلم- من غير فصل، واستدلالهم به عن هذا باطل؛ فإن مداره عن صحة زيادة لفظ بعدي وكونها صحيحة محفوظة قابلة للاحتجاج، والأمر ليس كذلك … .انهى المراد.
ثم بين ما فيها من العلل.
5 – يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:” قوله: (هو ولي كل مؤمن بعدي) كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: (والي كل مؤمن بعدي) كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي.
فقول القائل: (علي ولي كل مؤمن بعدي) كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن ” انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله: ” وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}، وقال: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}، فبين أن الرسول ولي المؤمنين، وأنهم مواليه أيضا، كما بين أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، وقد قال تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}
وهو ولي المؤمنين، وهو مولاهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة.
والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه.
وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطنا وظاهرا، و ذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضا له موالى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله)) وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه، والله ورسوله مولاهم.
وفي الجملة: فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك، وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ((من كنت واليه فعلي واليه)) وإنما اللفظ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))
وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتا ” انتهى. [(منهاج السنة النبوية) (7/ 322 – 325)]، مختصرا
قلت سيف: تنبيه: الحديث الذي فيه أن علي تصدق وهو راكع فنزل قول الله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}. [المائدة:55].
لا يصح.