1018 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي ورامي وطارق أبي تيسير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–‘———-‘———-‘
الصحيح المسند
حديث رقم: (1018)
قال أبو داود رحمه الله (ج 5، ص 29): حدثنا نصر بن علي، أنبأنا أبي، أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين، عن أبيه، أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: و للمال أرسلتني، أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و وضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ مقبل رحمه الله تعالى
هذا حديث حسن، و إبراهيم بن عطاء بن أبي ميمونة قال ابن معين: صالح.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج 11، ص 579).
—————————————-
وصححه الألباني في صحيح و ضعيف سنن أبي داود [1625].
في قوله تعالى
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
[سورة التوبة 103]
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره
قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه، آمرا له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وهي الزكاة المفروضة، {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة. {وَتُزَكِّيهِمْ} أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم. {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم، أي: للمؤمنين عموما وخصوصا عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم. {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي: طمأنينة لقلوبهم، واستبشار لهم، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} لدعائك، سمع إجابة وقبول. {عَلِيمٌ} بأحوال العباد ونياتهم، فيجازي كل عامل بعمله، وعلى قدر نيته، فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمتثل لأمر اللّه، ويأمرهم بالصدقة، ويبعث عماله لجبايتها، فإذا أتاه أحد بصدقته دعا له وبرَّك.
ففي هذه الآية، دلالة على وجوب الزكاة، في جميع الأموال، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة. وما عدا أموال التجارة، فإن كان المال ينمى، كالحبوب، والثمار، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل، فإنها تجب فيها الزكاة، وإلا لم تجب فيها، لأنها إذا كانت للقنية، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة، مالا يتمول، ويطلب منه المقاصد المالية، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها.
وفيها: أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها.
وفيها: استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة، وأن ذلك ينبغي، أن يكون جهرا، بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه. ويؤخذ من المعنى، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين، والدعاء له، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة، وسكون لقلبه. وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء، ونحو ذلك. انتهى
قال العباد
لقد حث ديننا الحنيف على التصدق والبذل والإعطاء، ورتب على ذلك الأجور العظيمة، ففي التصدق والبذل التخلص من أمراض النفوس وأدرانها كالبخل والشح والهلع، وفيه إعانة للفقراء والمساكين من المسلمين، فنفع ذلك لازم ومتعد، وخير الأمور ما كان نفعه لازما ومتعديا.
كما أن ديننا حث المؤمن على العفاف والاستغناء، وألا يسأل الناس حتى يعطوه أو يمنعوه، إلا من كان مضطرا إلى ذلك، فلا بأس.
شرح سنن أبي داود للعباد
وفي شرح حديث الباب قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى
أورد أبو داود بابا في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟
أي: أن تكون زكاة المال في بلد، فتنقل من ذلك البلد وتوزع على فقراء بلد آخر.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، والذين أجازوها قالوا:
إن البلد إذا كان محتاجا أو أكثر حاجة إليها من غيره فهو أولى، وإذا كان غيره أشد حاجة إليها منه فإنه يجوز نقلها إليه.
أما إذا كانت الحاجة متساوية فإن البلد الذي فيه المال يكون أحق بها من الآخر.
وقد أورد المصنف الترجمة بالاستفهام، وأورد حديثا ليس فيه دلالة على نقل الزكاة وإنما فيه دلالة على بذل الزكاة في بلد المال، فقد أورد حديث عمران بن حصين. وهذا يماثل ما جاء في حديث معاذ: (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقراءهم)، والمقصود بذلك أهل اليمن، أي: تؤخذ من أغنياء اليمن وترد على فقراء اليمن، وحديث معاذ هذا من العلماء من قال فيه: إن المراد به المسلمون، أي: تؤخذ من أغنياء المسلمين، وترد على فقراء المسلمين، وعلى هذا فيجوز نقلها من بلد إلى بلد.
والحاصل: أن فقراء البلد الذي فيه المال هم أحق بزكاة ماله؛ لأنهم هم الذين يشاهدون ذلك المال ويبصرونه، فهم أحق الناس بفوائده ومنافعه وزكاته، ولكن يجوز النقل إلى بلد آخر إذا كانت الحاجة أشد، أو كان هناك فائض عن فقراء البلد.
وأما نقلها إلى بلد آخر لأجل قرابة له فقراء فقد سبق أن ذكرت عدة مرات أن الأقارب لهم حق غير الزكاة، وبعض الناس قد يتخذ من الزكاة وقاية للمال، فيقول: ما دام أن الزكاة خارجة فبدلا من أن أعطيها لأجنبي سأعطيها لقريب مني؛ حتى أسلم من الحق الذي له علي في مالي! فلا يجوز أن تتخذ وقاية للمال، لكن إذا كان المال قليلا والزكاة قليلة فلا شك أن إعطاءها للقريب أولى من إعطائها للبعيد، وذلك حيث لا يمكن أن يكون هناك مجال لإعطاء القريب من أصل المال، لكن إذا كان صاحب المال من بلد ليس فيه أموال زكوية تعطى لفقراء ذلك البلد، فالبلد الذي فيه المال يكون أولى؛ لعدم وجود شيء يكفي أهل ذلك البلد.
والأمر -كما قلت- في ذلك واسع، فمن أخرجها في بلده فله وجه، ومن أرسلها لقريبه فله وجه، وهذا فيما إذا كان المال قليلا، أما إذا كان كثيرا فأقرباؤه الذين ليسوا في البلد، أو كانوا في البلد فإنه يعطيهم من ماله؛ لأن لهم حقا غير الزكاة.
وقال أيضا حفظه الله تعالى
و
جاء ما يدل على أنها تجبى وأنه يؤتى بها، وذلك كما في قصة ابن اللتبية، ولعله طلب منه أن يأتي به.
وهذا على حسب ما يتفق عليه مع ولي الأمر
شرح سنن ابي داود
و كما جاء في قصة معاذ رضي الله عنه عندما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن، فقال:
«إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى …..
وفي قوله: «ترد إلى فقرائهم» دليل على المدفوع إليه إذا بان كونه غنيا يوم دفع إليه تجب الإعادة.
واختلف أهل العلم في نقل الزكاة لبلد آخر، فكره أكثرهم نقلها، واتفقوا مع الكراهية على أنه إذا نقل وأدى يسقط الفرض عنه إلا عمر بن عبد العزيز، فإنه رد صدقة حملت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان.
شرح السنة للبغوي
——–
سؤال:
هل يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر؟
الإجابة: نعم يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد أخرى، ولكن الأفضل أن يفرقها في بلده إلا إذا كان في النقل مصلحة، مثل أن يكون له أقارب في بلد آخر من أهل الزكاة، فيريد أن ينقلها إليهم، أو يكون البلد الآخر أكثر حاجة من بلده فينقلها إليهم؛ لأنهم أحوج فإن هذا لا بأس به، وإلا فالأفضل أن يفرقها في بلده، ومع ذلك لو أن نقلها إلى بلد آخر بدون مصلحة فإنه إذا أوصلها إلى أهلها في أي مكان أجزأت عنه؛ لأن الله تبارك وتعالى فرضها لأهلها، ولم يشترط أن يكونوا في بلد المال. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثامن عشر – باب إخراج الزكاة.
…………………………………
حكم نقل الزكاة من بلد إلى بلد
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز:
يجوز نقل الزكاة من محل المزكي (بلده) إلى بلد أخرى إذا كان ذلك لمصلحة شرعية في أصح قولي العلماء كأن ينقلها للمجاهدين في سبيل الله، أو لفقراء أشد حاجة من فقراء بلده، أو لكونهم من قرابته؛ لأن في ذلك جمعاً بين صلة الرحم والصدقة. وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
………………………………
أقوال العلماء في حكم نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر
أقوال العلماء في حكم نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر
قال ابن قدامة رحمه الله:
مسألة قال ولا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة المذهب على أنه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد قال لا قيل وإن كان قرابته بها قال لا، واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها، وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ بن جبل من أخرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره ترد إلى مخلافه وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه رد زكاة أتي بها من خراسان إلى الشام إلى خراسان وروي عن الحسن والنخعي أنهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد إو لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وهذا يختص بفقراء بلدهم، ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر عليه ذلك عمر وقال لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم، فقال معاذ أنا ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني رواه أبو عبيد في الأموال، وروي أيضا عن إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال أين المال قال أللمال بعثتني أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن المقصود إغناء الفقراء بها، فإذا أبحنا نقلها أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين.
فصل فإن خالف ونقلها أجزأته في قول أكثر أهل العلم.
قال القاضي وظاهر كلام أحمد يقتضي ذلك ولم أجد عنه نصا في هذه المسألة وذكر أبو الخطاب فيها روايتين إحداهما يجزئه واختارها لأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ منه كالدين والأخرى لا تجزئه واختارها ابن حامد لأنه دفع الزكاة إلى غير من أمر بدفعها إليه أشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف
فصل فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها نص عليه أحمد فقال قد تحمل الصدقة إلى الإمام إذا لم يكن فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم وقال أيضا لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل عنهم لأن الذي كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة إنما كان عن فضل عنهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم، وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم فقال معاذ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها إليه فرقها على فقراء أقرب البلاد إليه.
فصل قال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلي أن تؤدى حيث كان المال فإن كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو فإن كان غائبا عن مصره وأهله والمال معه فأسهل أن يعطى بعضه في هذا البلد وبعضه في البلد الآخر فأما إذا كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته إلى بلد آخر فإن كان المال تجارة يسافر به فقال القاضي يفرق زكاته حيث حال حوله في أي موضع كان ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول وقال في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة يزكيه في الموضع الذي كثر مقامه فيه فأما زكاة الفطر فإنه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن، لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه
فصل والمستحب تفرقة الصدقة في بلدها ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان قال أحمد في رواية صالح لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في أثنائها، ويبدأ بالأقرب فالأقرب وإن نقلها إلى البعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر.
المغني لابن قدامة 4/ 132.
قال سحنون رحمه الله:
يسأل ابن القاسم في إخراج الزكاة من بلد إلى بلد: قلت أرأيت صدقة الإبل والغنم والبقر وما أخرجت الأرض من الحب والقطنية أو الثمار أتنقل هذه الزكاة من بلد إلى بلد في قول مالك قال سئل مالك عن قسم الصدقات أين تقسم فقال في أهل البلد التي تؤخذ فيها فإن فضل عنهم فضل نقلت إلى أقرب البلدان إليهم ولو أن أهل بلد كانوا أغنياء وبلغ الإمام عن بلد آخر مجاعة نزلت بهم أصابتهم سنة أذهبت مواشيهم أو ما أشبه ذلك فنقل إليهم بعض تلك الصدقة رأيت ذلك صوابا لأن المسلمين أسوة فيما بينهم إذا نزلت بهم الحاجة قال: فقلت له فلو أن رجلا من أهل مصر حلت زكاته عليه وماله بمصر وهو بالمدينة أترى أن يقسم زكاته بالمدينة فقال نعم قال ولو أن رجلا لم يكن من أهل المدينة أراد أن يقسم زكاته فبلغه عن أهل المدينة حاجة فبعث إليهم من زكاة ماله ما رأيت بذلك بأسا ورأيته صواباً قال وقال مالك تقسم الصدقة في مواضعها فإن فضل عنهم شيء فأقرب البلدان إليهم وقد نقل عمر بن الخطاب وقال سحنون: وذكر أشهب عن مالك أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص عام الرمادة وهو بمصر واغوثاه للعرب جهز إلي عيرا يكون أولها عندي وآخرها عندك تحمل الدقيق في العباء فكان عمر يقسم ذلك بينهم على ما يرى ويوكل بذلك رجالا ويأمرهم بحضور نحر تلك الإبل ويقول إن العرب تحب الإبل وأخاف أن يستحيوها فلينحروا وليأتدموا بلحومها وشحومها وليلبسوا العباء التي أتى بالدقيق فيها.
المدونة الكبرى لمالك 2/ 286.
قال القرطبي رحمه الله:
” وقد اختلفت العلماء في نقل الزكاة عن موضعها على ثلاثة أقوال الأول لا تنقل قاله سحنون وبن القاسم وهو الصحيح لما ذكرناه قال بن القاسم أيضا وإن نقل بعضها لضرورة رأيته صوابا وروي عن سحنون أنه قال ولو بلغ الإمام أن ببعض البلاد حاجة شديدة جاز له نقل بعض الصدقة المستحقة لغيره إليه فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه والقول الثاني تنقل وقاله مالك أيضا وحجة هذا القول ما روي أن معاذا قال لأهل اليمن ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة أخرجه الدارقطني وغيره والخميس لفظ مشترك وهو هنا الثوب طوله خمس أذرع ويقال سمي بذلك لأن أول من عمله الخمس ملك من ملوك اليمن ذكره بن فارس في المجمل والجوهري أيضا وفي هذا الحديث دليلان أحدهما ما ذكرناه من نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة فيتولى النبي صلى الله عليه وسلم قسمتها ويعضد هذا قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء ولم يفصل بين فقير بلد وفقير آخر والله أعلم.
تفسير القرطبي 8/ 175.
قال ابن حجر رحمه الله: ” قوله باب أخذ الصدقة من الأغنياء
وترد في الفقراء حيث كانوا قال الإسماعيلي ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم وقال بن المنير أختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله فترد في فقرائهم لأن الضمير يعود على المسلمين فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث انتهى والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم
لكن رجح بن دقيق العيد الأول
وقال إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر فلا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله بن المنذر عن الشافعي واختاره والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري.
فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/ 357.
قلت سيف: أثر معاذ وقوله لعمر لم أجد أحد أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام من طريق خلاد أن عمرو بن شعيب أخبره أن معاذ بن جبل. … هكذا منقطع
قال الألباني: ضعيف لعلتين الانقطاع بين عمرو بن شعيب ومعان. وخلاد مجهول
الارواء 3/ 346. وضعفه محقق كتاب الأموال ط. منهاج السنة أبوظبي بالانقطاع
لكن أورد أبو عبيدة في باب قسم الصدقة في بلدها وحملها إلى بلد سواه ومن أولى بأن يبدأ به منها آثار كثيرة وجعل الأصل حديث معاذ حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم.
وأورد أثر عن ابن جريج قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: أن ضعوا شطر الصدقة قال أبو عبيد: يعني في مواضعها. وابعثوا إلي بشطرها قال: ثم كتب في العام المقبل: أن ضعوها كلها.
قال محقق كتاب الأموال حسن
ونقل وصية عمر. … وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن يأخذ من حواشي أموالهم فيرد في فقرائهم
وصححه المحقق
وفيه أنه اذا كان أصحاب المال أعراب فيتأكد توزيع المال في بلادهم. لتأليف قلوبهم.
ثم قال أبو عبيد: والأصل في هذه الأحاديث سنة النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ
وقال: والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها؛ أن أهل كل بلد من البلدان أو ماء من المياه أحق بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك وإن أتى ذلك على جميع صدقتها
وقال وإنما جاءت السنة لحرمة الجوار. وقرب دارهم من دار الأغنياء
يقصد أنهم يتشوفون المال. فيقع في نفوسهم وهم فقراء. أن يذهب مال بلادهم لغيرهم
ثم قال فإن جهل المصَدِّق وحملها لبلد آخر ردها الإمام كما فعل عمر بن عبد العزيز وكما أفتى سعيد بن جبير
إلا أن إبراهيم والحسن ترخصا في الرجل يؤثر بها قرابته. وإنما يجوز هذا للإنسان في خاصة ماله. فأما صدقات العوام التي تليها الأئمة فلا
ثم أورد حديث قبيصة حين تحمل حمالة وقول النبي صلى الله عليه وسلم أقم حتى تأتينا الصدقة.
وكذلك حديث عدي بن حاتم حين حمل صدقات قومه بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في أيام الردة
وعمر قال لابن أبي ذباب في عام الرمادة قال له وبعثه: أعقل عليهم عقالين فاقسم فيهم أحدهما وائتني بالآخر
وقول معاذ لأهل اليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة
قال أبو عبيدة: وليس لهذه الأشياء محمل إلا أن تكون فضلا عن حاجتهم. وبعد استغنائهم عنها كالذي ذكرناه عن عمر ومعاذ
راجع الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام 2/ 276 وما بعدها
وكذلك ما رجحه أهل العلم سابقا قوي. إذا وجد من هو أحوج فيجوز النقلة. وأن إخراجه في نفس البلد من باب الأفضل. ولا نستطيع إبطال زكاة من نقلها.