1011 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة طارق أبي تيسير ومجموعة فيصل الشامسي وفيصل البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–
الصحيح المسند 1011
أخرج أحمد 4/ 204 عن عمرو بن العاص قال: لقد أصبحتم ترغبون في الدنيا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم. يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر مما له، قال: فقال له بعض أصحاب رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسلف
قال الإمام أحمد: قال غير يحيى: والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم. ثلاثة من الدهر إلا والذي عليه أكثر من الذي له.
وعند أحمد 4/ 198 عن موسى سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا وأما انتم فارغب الناس فيها.
———
شرح حديث رقم 1011 من الصحيح المسند
أول ما نلحظه أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يطلب أجراً على نبوته من أحد، بل كان يقول بمثل ما قال إخوانُه الأنبياء من قبل:} قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين {(ص: 86).
و لم يكن زهده صلى الله عليه وسلم عن عدم مقدرة على الغنى والكسب لكنه أراد أن تتأسى به أمته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في [مجموع الفتاوى ((148) / (20))]: ((الْمَحْمُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ إرَادَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ.
وَالْمَذْمُومُ إنَّمَا هُوَ مَنْ تَرَكَ إرَادَةَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَاشْتَغَلَ بِإِرَادَةِ الدُّنْيَا عَنْهَا.
فَأَمَّا مُجَرَّدُ مَدْحِ تَرْكِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَلَا تَنْظُرْ إلَى كَثْرَةِ ذَمِّ النَّاسِ الدُّنْيَا ذَمًّا غَيْرَ دِينِيٍّ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَذُمُّونَهَا لِعَدَمِ حُصُولِ أَغْرَاضِهِمْ مِنْهَا! … )
فقال (ابن بطال) في شرح حديث (اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا:
فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وإيثارا لما يبقى على ما يفنى فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك
وقال القرطبي معنى الحديث أنه طلب الكفاف فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا والله اعلم
{فتح الباري، (ج (14) / (594))}
قال الشاطبي في (الموافقات) (5/ 366 – 367) بعد كلام له: الغني إذا أمال إلى إيثار الآجلة بإنفاقه في وجهه، والاستعانة بع على التزود للمعاد فهو أفضل من الفقر. والله الموفق بفضله. انتهى.
ابن بطال في شرح البخاري:
. لم يأت فى الحديث، فيما علمنا، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو على نفسه بالفقر، ولا يدعو بذلك على أحد يريد به الخير، بل كان يدعو بالكفاف ويستعيذ بالله من شر فتنة الفقر وفتنة الغنى، ولم يكن يدعو بالغنى إلا بشريطة يذكرها فى دعائه. فأما ما روى عنه أنه كان يقول: (اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا، واحشرنى فى زمرة المساكين). فإن ثبت فى النقل فمعناه ألا يجاوز به الكفاف، أو يريد به الاستكانة إلى الله، ويدل على صحة هذا التأويل أنه ترك أموال بنى النضير وسهمه من فدك وخيبر، فغير جائز أن يظن به أن يدعو إلى الله ألا يكون بيده شاء، وهو يقدر على إزالته من يده بإنفاقه. وما روى عنه أنه قال: (اللهم من آمن بى وصدق ما جئت به، فأقلل له من المال والولد) ضعفه الألباني تحت حديث 1138 من الصحيحة
فلا يصح فى النقل ولا فى الاعتبار، ولو كان إنما دعا بذلك فى المال وحده لكان محتملا أن يدعو لهم بالكفاف، وأما دعاؤه بقلة الولد فكيف يدعو أن يقل المسلمون، وما يدفعه العيان مدفوع عنه (صلى الله عليه وسلم)، وأحاديثه لا تتناقض. كيف يذم معاوية، ويأمر أبا لبابة وسعدا أن يبقيا ما ذكر من المال ويقول: إنه خير، ثم يخالف ذلك، وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك وقال: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته).
وراجع مختلف الحديث رقم 72 فقد نقلنا نقولات مطولة حول هذا المعنى
تنبيه: ((اللهم أحيني مسكيناً، وأمِتْني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)). رواه الترمذي ح (2352). لكن ضعفه ابن تيمية وابن كثير
—-
وخير رب العزه نبيه بين المُلكِ في الأرض وبين حياة الشظف والقِلة، فاختار صلى الله عليه وسلم شظف العيش زهادة منه في الدنيا وترفعاً على متاعها، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ملَكاً نزل من السماء، فقال: يا محمد أرسلني إليك ربك. قال: أفملِكاً نبياً يجعلُك أو عبداً رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. فقال صلى الله عليه وسلم: ((بل عبداً رسولاً)) رواه أحمد ح (7120)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (1002). وراجع تخريج نضرة النعيم لسيف الكعبي وأصحابه.
ويقول أبو هريرة: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض).رواه البخاري ح (5374).
ورآه عمر رضي الله عنه يتلوى من الجوع، فما يجد رديء التمر يسد به جَوعَتَه، ثم رأى رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال: (لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه). رواه مسلم ح (2978).
والدقل: هو التمر الرديء.
وحين يجد النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فإنما يجد خبز الشعير فحسب، يقول ابن عباس حاكياً حال ابن عمه صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعةَ طاوياً، وأهلُه لا يجدون عشاء، وكان أكثرُ خبزِهم خبز الشعير). رواه الترمذي ح (2360)، وابن ماجه ح (3347)، وأحمد ح (2303)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2703). وهو في الصحيح المسند 619
ومع ذلك فما كان يجد ما يشبعه منه.
وهذا الشعير الذي لم يشبع منه صلى الله عليه وسلم كان غير منخول.
سئل سهل بن سعد: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي [أي من الشعير]؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله.
فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه [أي: بللناه بالماء] فأكلناه. رواه البخاري ح (5413).
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دُعي أبو هريرة رضي الله عنه إلى شاة مشوية، فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري ح (5414).
وتدخل امرأة وابنتاها على أم المؤمنين عائشة يشكون الجوع، فما الذي وجدوه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟
تجيبنا أم المؤمنين عائشة: فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمَتَها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت، فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار)). رواه البخاري ح (1418)، ومسلم ح (2629).
وفي مرة أخرى يطرق باب النبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فلا يجد عليه الصلاة والسلام ما يضيفه، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه، فلا يجد عندهن شيئاً سوى الماء، فلم يجد رسول الله بُداً من الطلب من أصحابه أن يضيِّفوه. انظره في البخاري ح (3798)، ومسلم ح (2054).
ومع ذلك كله فقد كان لسانه صلى الله عليه وسلم لا يفتَر أن يطلب دوام حال الكفاف والزهادة، فيقول داعياً ربه: ((اللهم ارزق آلَ محمدٍ قوتاً)). رواه البخاري ح (6460)، ومسلم ح (1055).
قال القرطبي: “معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة, وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغِنى والفقر جميعاً”.) نقله عنه ابن حجر في فتح الباري ح (11/ 299).
أثاث بيت النبي صلى الله عليه وسلم. فتصفه أم المؤمنين عائشة وتقول: (كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يتكئ عليها من أدَم [جلد مدبوغ]، حشوها ليف). رواه البخاري ح (6456)، ومسلم ح (2082)، اللفظ له.
وأما فراشه فحصير يترك أثراً في جنبه، يقول ابن مسعود: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاء [فراشاً] فقال: ((ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)). رواه الترمذي ح (2377)، وابن ماجه ح (4109)، وأحمد ح (3701)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (3317). وهو حسن كما في تخريجنا لنضرة النعيم (سيف الكعبي وأصحابه)
ودخلت امرأة أنصارية بيته صلى الله عليه وسلم، فرأت فراشه مثنية، فانطلقت، فبعثت بفراش فيه صوف إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ((رُدِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله عليّ جبال الذهب والفضة)). قالت عائشة: فرددته. رواه البيهقي في الشعب ح (1449)، وأحمد في الزهد ح (77)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح (3287).
قلت سيف: لكن قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 6/ 287 في ترجمة مجالد: قلت: من أنكر ما له في جزء ابن عرفة حديثه عن عامر عن مسروق عن عائشة مرفوعا: فذكر الحديث. وقال في التذكرة: غريب جدا، ومجالد ليس بحجة. انتهى من أنيس الساري ومرة قال الذهبي في السير: أخرجه أحمد في الزهد عن مجالد وليس بالقوي.
وورد عن عائشة مرفوعا: يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب. … وفيه أبو معشر ضعيف
وخير نساءه:
تقول عائشة: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: ((إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك)) …
ثم قال: إن الله عز وجل قال: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً) (الأحزاب: 28 – 29).
قالت: فقلتُ: في أي هذا أستأمرُ أبويَّ؟ فإني أريد اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة.
قالت: ثم فعل أزواجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلَ ما فعلتُ. رواه البخاري ح (4786)، ومسلم ح (1475) واللفظ له.
وتشكو إليه صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها ما تلقى في يدها من الرحى، وترجو من أبيها أن يعطيها خادماً يخفف عنها ما هي فيه، فلا يجد الأب الحاني من نصيحة لابنته وزوجها أفضلَ من قوله: ((ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشِكما أو أخذتما مضاجِعكما، فكبرا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم)). رواه البخاري ح (6318)، ومسلم ح (2727).
وأدركت فاطمة معدِن أبيها ونوعه بين الرجال، وعرفت إيثاره الآخرة على الدنيا، فأتته ذات يوم بكِسْرةِ خبزِ شعير، فأكلها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((هذا أول طعام أكله أبوكِ منذ ثلاث)). رواه أحمد ح (12811)
وحسنه محققو المسند.
قلت سيف: لكن نقل العقيلي الحديث في ترجمة عمار بن عمارة. ونقل أن البخاري قال: فيه نظر. (نقلته من المسند المعلل) والحديث في ضعيف الترغيب
وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم جبل أُحدٍ فقال لأصحابه: ((ما أحب أنه تَحوَّل لي ذهباً، يمكث عندي منه دينارٌ فوق ثلاث، إلا ديناراً أرصدُه لدَين)).
ثم قال: ((إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وقليل ما هم)) وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله، أي يفرقه. رواه البخاري ح (2388)، ومسلم ح (94).
وتروي عائشة من خبره صلى الله عليه وسلم عجباً، فتذكر أنه كان في بيتها بعضُ قطعٍ من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعلتْ الذهبُ)) فقالت عائشة: هي عندي، فقال: ((ائتيني بها)).
تقول عائشة: فجئتُ بها، فوضعها في يده ثم قال بها [أي رماها]، وقال: ((ما ظن محمد بالله لو لقي الله عز وجل وهذه عنده؟ أنفقيها)). رواه أحمد ح (24964).
وهو في الصحيح المسند 1635
وحين غادر صلى الله عليه وسلم الدنيا ماذا ترك لأهله منها؟
يجيب عمرو بن الحارث أخو أمِ المؤمنين جويرية فيقول: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً؛ إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة). رواه البخاري ح (2739).
و النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير أخرجه البخاري 2959
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجد ما يأكل إلا أن يهدى إليه:
• عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل إلينا آل أبي بكر رضي الله عنه بقائمة شاة ليلاً فأمسكت وقطع النبي صلى الله عليه وسلم. قال فيقول الذي تحدثه هذا على غير مصباح. رواه أحمد وصححه الألباني.
لكن ضعفه محققو المسند حيث أن حميد لم يلق عائشة
لكن هناك أحاديث أخرى تدل على أنهم كثيرا لا يجدون ما يأكلون إلا ما يهدى لهم
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: ((ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أُوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت: ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنَّه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه)) رواه البخاري
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في مَشرُبَةٍ، وإنه لمضطجع على خصفةٍ إن بعضه لعلى التراب، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفاً، وإن فوق رأسه لإهاباً عطناً، وفي ناحية المشربة قرظ، فسلمت عليه فجلست فقلت: أنت نبي الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير! فقال: (أولئك عُجلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنا قوم أخّرت لنا طيباتنا في آخرتنا) الحاكم وحسنه الألباني. عطناً: أي منتناً، و القرظ: شجر يُدْبَغُ به وقيل: هو ورَقُ السَّلَم يُدْبَغُ به الأَدَمُ.
قلت سيف: الحديث رواه البخاري ح (4913)، ومسلم ح (1479)،
وغيرهما من طرق عن الزهري وانفرد محمد بن إسحاق هنا بألفاظ عن الزهري مثل (عطنا أو عطين) ولم يصرح إبن إسحاق بالتحديثفهذه الأحاديث تبين لنا أنه صلى الله عليه وسلم اختار الكفاف في العيش مع غناه صلى الله عليه وسلم وأنه لو شاء لآتاه الله الملك ولأجرى معه جبال وخزائن الأموال من ذهب وفضة وما شاء من فضل الله عليه، ولكنه اختار الزهد في الدنيا ليزداد رفعة في الآخرة، وقد كانت تتوفر عنده الأموال العظيمة وخاصة بعد الفتوحات التي فتحت عليه، فلم يكن يمسك منها شيئاً بل كان ينفقها
وقد كان يُربي أصحابه على الزهد في الدنيا فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يَخرُّ رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصُفَّةِ، حتى يقول الأعراب هؤلاء مجانين، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم فقال: (لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً) رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني. وهو في الصحيح المسند 1060 الخصاصة: الفاقة والجوع.
وهذا ليس فيه الدعاء عليهم بالفقر لكن حث لهم على الصبر
وبكى سلمان عند موته فلما سألوه قال عهد إلينا النبي صلى الله عليه وسلم (ليكفي المرء منكم كزاد الراكب). قلت سيف أخرجه أحمد 39/ 115 له طرق عن سلمان
وعن قيس قال: أتيت خباباً وهو يبني حائطاً له فقال: (إن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئاً، وإنا أصبنا من بعدهم شيئاً لا نجد له موضعاً إلا في التراب) رواه البخاري.
وفي البخاري أيضاً أن عبدالرحمن بن عوف أُتى بطعام وكان صائماً فقال: (قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غُطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه. وأُراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني. ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام).
يقول ابن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث: [فهذا الحديث (ازهد في الدنيا يحبك الله) يدل على أن الله يحب الزاهدين في الدنيا،
وقد ذمَّ الله تعالى من يؤثر الدنيا على الآخرة، كما قال تعالى {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [القيامة: 20، 21].
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب دُنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحبَّ آخرته أضرَّ بدُنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى).
الشيخ الألباني في الصحيحة 3287. تراجع عن تضعيفه؛ لأنه وقف على رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
قلت سيف:
لكن روايته معلة حيث يحدث بالشئ عن أبي سلمة ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قاله ابن معين
وله طريق أخرى فيها انقطاع
وفي المسند وسنن ابن ماجه عن زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة).
وهو في الصحيح المسند 351
قال الحسن: من أحب الدنيا وسرته، خرج حُب الآخرة من قلبه.
وقال عون بن عبدالله: الدنيا والآخرة في القلب ككفّتي الميزان بقدر ما ترجح إحداهما تخفُّ الأخرى.
وقال وهب: إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان: إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
وقال ابن مسعود لأصحابه: أنتم أكثر صوماً وصلاة وجهاداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيراً منكم، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب منكم في الآخرة.
ومن كلام جندب بن عبدالله الصحابي: (حب الدنيا رأس كل خطيئة).
تنبيه: ورد مرفوعا وحكم عليه الألباني بأنه موضوع وأشار أنه في الغالب من قول بعض الحكماء ” السلسلة الضعيفة و الموضوعة ” (3/ 370):
وسئل الامام ابن تيمية رحمه الله
عن معنى قول من يقول: [حب الدنيا راس كل خطيئة] فهل هى من جهة المعاصي؟
و من جهة جمع المال؟.
فاجاب:
ليس هذا محفوظًا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن هو معروف عن جندب بن عبد الله البجلى من الصحابة، ويذكر عن المسيح ابن مريم عليه السلام، واكثر ما يغلو في هذا اللفظ المتفلسفة، ومن حذا حذوهم من الصوفية على اصلهم، في تعلق النفس الى امور ليس هذا موضع بسطها.
واما حكم الاسلام في ذلك: فالذى يعاقب الرجل عليه الحب الذى يستلزم المعاصي
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى – الجزء الحادي عشر.