101 مختلف الحديث
مجموعة ابراهيم البلوشي وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي. وعبدالملك الجامبي ونورس الهاشمي
مراجعة سيف بن محمد بن دورة الكعبي
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
————
مختلف الحديث:
حديث أنس (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الإستسقاء وإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه) أخرجه البخاري 1031
مع ما تواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه
———‘———‘——–
مجموعة إبراهيم البلوشي عبدالحميد البلوشي:
رسالة: فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى. ننقلها بكاملها للفائدة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
فنأمل الإفادة عن رفع الأيدي في الدعاء وخاصة في الجمعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد.
سبق منا جواب حول هذه المسألة إليكم صورة منه:
اعلم أن دعاء الله تعالى من عبادته؛ لأن الله تعالى أمر به وجعله من عبادته في قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
وإذا كان الدعاء من العبادة فالعبادة تتوقف مشروعيتها على ورود الشرع بها في: جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها، ولا ريب أن الأصل في الدعاء مشروعية رفع اليدين فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل رفع اليدين فيه من أسباب الإجابة حيث قال فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً» الحديث، وفيه: ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك»، وفي حديث سلمان رضي الله عنه الذي رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً».
لكن ما ورد فيه عدم الرفع كان السنة فيه عدم الرفع، والرفع فيه بدعة، سواء ورد عدم الرفع فيه تصريحاً، أو استلزاما.
فمثال ما ورد فيه عدم الرفع تصريحاً: الدعاء حال خطبة الجمعة، ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: «قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه السبابة».
ويستثنى من ذلك ما إذا دعا الخطيب باستسقاء فإنه يرفع يديه والمأمومون كذلك، لما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة أن يستسقي قال: «فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون». وقد ترجم عليه البخاري: «باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء».
وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه البخاري أيضاً عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه» فيكون المراد به دعاءه في الخطبة، ولا يرد على هذا رفع يديه في الخطبة للاستصحاء، لأن القصة واحدة، وقد أيد صاحب الفتح (ابن حجر رحمه الله) حمل حديث أنس رضي الله عنه على أن المراد بالنفي في حديث أنس نفي الصفة لا أصل الرفع كما في [ص (715) ج (2) الخطيب].
وأيًّا كان الأمر فإن حديث عمارة يدل على أنه لا ترفع الأيدي في خطبة الجمعة، وإنما هي إشارة بالسبابة، وحديث أنس رضي الله عنه يدل على رفعها في الاستسقاء والاستصحاء، فيؤخذ بحديث عمارة فيما عدا الاستسقاء، والاستصحاء ليكون الخطيب عاملاً بالسنة في الرفع والإشارة بدون رفع.
ومثال ما ورد فيه عدم الرفع استلزاماً: دعاء الاستفتاح في الصلاة، والدعاء بين السجدتين، والدعاء في التشهدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على فخذيه في الجلوس، ويضع يده اليمنى على اليسرى في القيام، ولازم ذلك أن لا يكون رافعاً لهما.
وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه فإن كان على وجه جماعي بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون فهذا بدعة بلا شك، وإن كان على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة، مثل الاستغفار ثلاثاً، فإن الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء، ومثل قول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول: «رب أجرني من النار»، سبع مرات بعد المغرب والفجر إلى غير ذلك مما وردت به السنة.
أما ما لم يرد في السنة تعيينه بعد السلام فالأفضل أن يدعو به قبل السلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه حين ذكر التشهد: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو»، رواه البخاري، ولأنه في الصلاة يناجي ربه فينبغي أن يكون دعاؤه قبل أن ينصرف، وإن دعا بعد السلام فلا حرج، لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك سنة راتبة فيلحقه بالوارد، لما سبق في أول الجواب من أن العبادات تتوقف على الوارد عن الشارع: في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها. والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبعه في هديه.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
مجموع فتاوى ابن عثيمن ج 16 ص 110، ط: دار الثريا.
—–
وقد تكلم الطبري و القرطبي على حديث أنس من طريق سعيد بن أبي عروبة!
قال ابن بطال في شرحه للبخاري:
قال الطبري: والصواب أن يقال إن كل هذه الآثار المروية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – متفقة غير مختلفة المعاني، وللعمل بكل ذلك وجه صحيح، ….. فإن قال: فقد جعلت للداعي رفع يديه في كل حال فما أنت قائل فيما روى يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء، فأنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه.
قيل: قد روى ابن جريج، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:
” لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في بدء الصلاة، وإذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة، وبجمع، وعند الجمرتين “. وهذا مخالف لحديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – رفع الأيدي في الدعاء مطلقًا من وجوه.
منها: حديث أبى موسى وابن عمر وأنس من طرق أثبت من حديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أنس، وذلك أن سعيد بن أبى عروبة كان قد تغير عقله وحاله في آخر عمره، وقد خالفه شعبة فى روايته عن قتادة، عن أنس فقال فيه: ” كان رسول الله يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه “. ولا شك أن شعبة أثبت من سعيد بن أبى عروبة.
شرح ابن بطال ج 10 ص 101: 102، ط: مكتبة الرشد ” الرياض “.
قال القرطبي:
” …. وبما روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس ابن مالك حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء فإنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه. والأول أصح طرقا وأثبت من حديث سعيد بن أبي عروبة، فإن سعيدا كان قد تغير عقله في آخر عمره.”
تنبيه: كلام الطبري و القرطبي طويل حول أدلة المانعين من رفع الأيدي مطلقا ومن قال بالتفصيل.
لكن ورد في سنن النسائي:
– أخبرنا محمد بن بشار قال: نا عبد الرحمن عن شعبة عن ثابت عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء قال شعبة فقلت لثابت أنت سمعته من أنس؟ قال سبحان الله قلت: أسمعته من أنس قال: سبحان الله.
خالفه وهب بن جرير
– أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا وهب بن جرير قال نا شعبة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه قال شعبة فأتيت علي بن زيد فذكرت ذلك له فقال إنما يريد في الاستسقاء فقلت له: أسمعته من أنس؟ قال سبحان الله قلت: أسمعته من أنس؟ قال سبحان الله
– قال أبو عبد الرحمن وقد روى هذا الحديث قتادة عن أنس: أخبرنا حميد بن مسعدة قال نا يزيد يعني بن زريع قال نا شعبةقال نا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا عند الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه. أهـ
قلت سيف الكعبي: فالنسائي يرى أن الحديث محفوظ
وهو كما ذكرنا أخرجه البخاري 1031
* وأيضاً في مستخرج أبي عوانه طريق آخر
– عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلا عِنْدَ الاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَحْرٍ الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَاسْمُهُ مُجَّاعَةُ، عَنَ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – …. قَالَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قال ابن رجب فتح الباري ج 6 ص 302، ط: دار ابن الجوزي. في شرحه لحديث أنس الذي في البخاري 1031 كان لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء. .. :
وقد سبق في الباب الماضي في الرواية التي علقها عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع في دعائه يوم الجمعة بالإستسقاء حتى رئي بياض إبطيه
ثم ذكر بنحوه عن أبي هريرة خرجه ابن ماجه وقال تقدم من حديث عائشة في الاستسقاء وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يرفع حتى يرى بياض إبطيه
وقول أنس: كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء في معناه قولان:
أحدهما: أن أنسا أخبر عمَّا حفظه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظ غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في الدعاء في غير الاستسقاء أيضا.
ثم ذكر تبويب البخاري في كتاب الأدعية باب رفع الأيدي في الدعاء. وذكر أحاديث
والثاني: أن أنسا أراد أنه لم يرفع يديه هذا الرفع الشديد حتى يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء
وقد خرج الحديث مسلم و لفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الإستسقاء حتى يرى بياض إبطيه.
ومع هذا فقد رآه غيره رفع يديه هذا الرفع في غير الاستسقاء أيضا
وقد خرج البخاري في الأدعية من حديث أبي موسى قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ. ثم رفع يديه وقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر. ورأيت بياض إبطيه. وخرجه مسلم أيضا
وخرجه مسلم من حديث شعبة عن ثابت عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه.
ولم يذكر في هذه الرواية الاستسقاء لكن في رواية خرجها البيهقي. يعني: في الاستسقاء …. إلى أن قال: ولا أعلم أحدا من العلماء خالف في استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء، وإنما اختلفوا في غيره من الدعاء. كما سنذكره في موضعه إن شاء الله سبحانه وتعالى
وإنما اختلفوا في صفة الرفع، على حسب اختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في الاستسقاء.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء في هذا خمسة أنواع: أحدها: الإشارة بإصبع واحدة إلى السماء …
الثاني: رفع اليدين وبسطهما. …
وذكر بقية الأنواع وطول في تفصيل كل نوع.
فتح الباري 6/ 301
قال الذهبي:
” … حدثنا القاسم بن أبي صالح، سمعت أبا حاتم يقول، قال لي أبو زرعة: ترفع يديك في القنوت؟ قلت: لا، فترفع أنت؟، قال: نعم. قلت: فما حجتك؟، قال: حديث ابن مسعود. قلت: رواه ليث بن أبي سليم. قال: فحديث أبي هريرة؟ قلت: رواه ابن لهيعة. قال: حديث ابن عباس؟ قلت: رواه عوف، قال: فما حجتك في تركه؟ قلت: حديث أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – ” كان لا يرفع يديه في شئ من الدعاء، إلا في الاستسقاء ” فسكت “أهـ.
سير أعلام النبلاء ج 10 ص 361، ط: دار الحديث.
وقد بين بعض الباحثين أن من السنة أن لا يرفع يديه في حال الدعاء في الخطبة ويقتصر على أن يشير بأصبعه، وهذا هو مقصود أنس في النفي:
قال البيهقي: “باب مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَدْعُو في خُطْبَتِهِ ”
– عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَاهِرًا يَدَيْهِ قَطُّ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَعَقَدَ الْوُسْطَى بِالإِبْهَامِ – وَالْقَصْدُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ، إِثْبَاتُ الدُّعَاءِ في الْخُطْبَةِ ثُمَّ فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لاَ يَرْفَعَ يَدَيْهِ في حَالِ الدُّعَاءِ في الْخُطْبَةِ وَيَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يُشِيرَ بِإِصْبَعِهِ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ مَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا وَذَلِكَ حِينَ اسْتَسْقَى في خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.
فَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شَيءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ في الاِسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
وَرُوِّينَا عَنِ الزهري أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا فَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ وَأَمَّنَ النَّاسُ. وَرَوَاهُ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزهري عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ مَوْصُولاً وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال البيهقي:
(باب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء).
عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استسقى فقال هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه، زاد علي وهو على المنبر.
* انظر إلى قول البيهقي (زاد علي وهو على المنبر) فهي زيادة مهمة لتوضيح مراد أنس.
* والطبراني في الدعاء (باب رفع اليدين على المنبر في الاستسقاء)
– عن عائشة رضي الله عنها أن النبي لما استسقى على المنبر رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه.
– عن أنس قال كان رسول الله لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه
* وابن خزيمة أيضاً (باب صفة رفع اليدين في الاستسقاء في خطبة الجمعة) أهـ.
* فمن تبويب الطبراني يفهم مراد أنس – في الخطبة- حيث استدل بحديث أنس أيضاً وربط الطبراني بينه وبين حديث عائشة وفيه لما استسقى على المنبر رفع يديه فتأمل.
* ومن تبويب ابن خزيمة باب صفة رفع اليدين في الاستسقاء في خطبة الجمعة – حيث ذكر حديث أنس تحت هذا الباب!!.
* ابن أبي شيبة- باب “ما يدعى به في الاستسقاء “.
– حدثنا وكيع عن سفيان عن مطرف عن الشعبي أن عمر خرج يستسقي فصعد المنبر فقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا، واستغفروا ربكم إنه كان غفارا، ثم نزل فقيل له: يا أمير المؤمنين، لو استسقيت فقال: لقد طلبت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر.
* فهنا عمر رضي الله عنه لم يصل ولكنه دعا على المنبر فقط، وقد بوب ابن أبي شيبة: باب من قال: لا يصلى في الاستسقاء
* ومن كلام ابن تيمية حيث قال:
وأنس رضي الله عنه ” أدرك هذا العصر ” وقد أنكر ذلك على عبد الملك عاصم بن الحارث فيكون هو أخبر بالسنة التي أخبر بها غيره من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه يعني على المنبر إلا في الاستسقاء وهذا يبين أن الاستسقاء مخصوص بمزيد الرفع وهو الابتهال الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما فالأحاديث تأتلف ولا تختلف.
* والشرح الممتع لابن عثيمين:
كتاب الصلاة – باب صلاة الاستسقاء- (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه).
والمراد أنه حال الخطبة لا يرفع يديه إلا إذا دعا للاستسقاء.
* وقال أيضاً:
عند شرحه لحديث أنس:
* أن حديث أنس هذا عام يراد به الخاص أي لا يرفع يديه بشيء من دعائه في حال الخطبة إلا في الاستسقاء وإلا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في مواطن كثيرة على الصفا وعلى المروة وفي عرفة وفي الجمرات وفي مواطن كثيرة أ هـ النقل من تقرير الأخ الباحث.
__________________
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
حكم رفع اليدين في الدعاء
س: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء في جميع الأحوال؟
ج: كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في مواضع محدودة وعند الدعاء العارض، وهناك مواضع يدعو فيها ولم يرفع يديه عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت أنه رفع يديه في الاستسقاء، لما استسقى للمسلمين يوم الجمعة في الخطبة رفع يديه، وهكذا لما خرج إلى الصحراء وصلى ركعتين وخطب الناس ودعا، رفع يديه عليه الصلاة والسلام، وكذلك إذا دعا لأحد رفع يديه عليه الصلاة والسلام، وثبت هذا في أحاديث كثيرة رفع اليدين، وهو من السنة ومن أسباب الاستجابة، ومن
ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
فذكر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب الاستجابة مد اليدين إلى السماء، ولكن لما أن الداعي تلبس بالحرام من وجوه كثيرة، استبعد عليه الصلاة والسلام أن يستجاب له، بسبب تعاطيه الحرام، فعلم بهذا أن رفع اليدين من أسباب الاستجابة.
وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه
إلى السماء أن يردهما صفرًا أي: خاليتين.
فهذا فائده:
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
س: هل يجوز رفع اليدين أثناء الدعاء للميت؟.
ج: جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه لما زار القبور ودعا لأهلها وقد ثبت ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم «زار القبور ودعا لهم ورفع يديه» أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب أحكام الجنائز:
ويجوز رفع اليدين في الدعاء لها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب! قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إليبريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت: يارسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: بعثت إلى أهل البقيع لاصلي عليهم).
* حديث اخر لعائشة – باختصار-
: (ألا أحدثكم عنى وعن رسول الله -صلى الله (
عليه وسلم-. قلنا بلى. قال قالت …… ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت …. قال «فإن جبريل أتانى حين رأيت فنادانى فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشى فقال إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم» ….. ).
ل على شرعية رفع اليدين في الدعاء وأنه من أسباب الاستجابة، لكن ثبت في مواضع أخرى أنه لم يرفع فيها عليه الصلاة والسلام يديه مثل الدعاء بين السجدتين والدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، هكذا الدعاء بعد الفرائض الخمس (الظهر ـ والعصر ـ والمغرب ـ والعشاءـ والفجر) ما كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بعد شيء منها، فالسنة في مثل هذا ألا ترفع الأيدي بل الرفع في هذا بدعة؛ لأنه لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه، عليه الصلاة والسلام.
لكن إذا قنت في النوازل شرع له رفع اليدين بعد الركوع في الركعة الأخيرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لما دعا على القبائل التي اعتدت على المسلمين من القراءة؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا بعد الركوع من الركعة الأخيرة على
كفار قريش قبل الفتح، وهكذا رفع اليدين في قنوت الوتر. والله ولي التوفيق
قال ابن باز رحمه الله تعالى
رفع الأيدي في الدعاء من أسباب الإجابة في أي مكان، يقول صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حييّ ستّير يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا، ويقول صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، وقال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم في صحيحه.
فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين، ومن أسباب المنع، وعدم الإجابة أكل الحرام والتغذي بالحرام. فدل على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية، أو في غير ذلك، إذا دعا ورفع يديه. فهذا من أسباب الإجابة إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نرفع فيها، مثل خطبة الجمعة، فلم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم، إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها، كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم؛ لأن فعله حجة وتركه حجة، وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس. كان صلى الله عليه وسلم يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه، فلا نرفع في ذلك أيدينا اقتداء به صلى الله عليه وسلم. أما المواضع التي رفع صلى الله عليه وسلم فيها يديه فالسنة فيها رفع اليدين تأسيا به صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك من أسباب الإجابة، وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع ولا ترك فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة كما تقدم
وقال بعض مشايخ ليبيا:
الفتوى رقم: (1120)
الصنف: فتاوى متنوِّعة – الآداب
في ضابط جواز رفع اليدين في الدعاء
السؤال:
هل يوجد ضابطٌ لمعرفة متى يجوز رفعُ اليدين في الدعاء ومتى يُمنع؟ وهل يجوز الاقتصار على رفع اليدين في دعاء الاستسقاء دون غيره عملاً بحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاسْتِسْقَاءِ»؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيُعَدُّ رفعُ اليدين في الدعاء -في الجملة- مِن آداب الدعاء ومِن أسباب الإجابة، ذلك لورود أحاديثَ كثيرةٍ تدلُّ على مشروعيته، وهي ثابتةٌ مِن أقواله وأفعاله بلغت مبلغَ التواتر المعنويِّ. قال النوويُّ -رحمه الله-: «قد ثبت رفعُ يديه صلَّى الله عليه وسلَّم في الدعاء في مواطنَ غيرِ الاستسقاء، وهي أكثرُ مِن أن تُحصر، وقد جمعتُ منها نحوًا مِن ثلاثين حديثًا مِن الصحيحين أو أحدهما»، وقال السيوطيُّ -رحمه الله-: «فقد رُوي عنه صلَّى الله عليه وسلَّم نحوُ مائة حديثٍ فيه رفعُ يديه في الدعاء، وقد جمعتُها في جزءٍ، لكنَّها في قضايا مختلفةٍ؛ فكلُّ قضيَّةٍ منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها -وهو الرفع عند الدعاء- تواتَرَ باعتبار المجموع».
ثم ذكر الأحاديث القولية وسبق ذكرها: وقال:
ومِن الأحاديث الفعلية أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ يَدْعُو لِعُثْمَانَ»، ومِن ذلك صنيعُ خالدِ بنِ الوليد رضي الله عنه مع بني جَذِيمَةَ وفيه: «فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ»، وفي فتح مكَّةَ: «رَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ»، وفي قصَّة الكسوف: «فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَدْعُو»، وفي دعائه لأهل البقيع: «فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»، وفي حديث أسامة رضي الله عنه: «كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا، فَتَنَاوَلَ الخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الأُخْرَى»، وفي حديث القنوت رفع يديه -أيضًا- وغيرها مِن الأحاديث الصحيحة.
وهذه الأحاديث المتواترة معنًى قد جاء مِن حديث أنسٍ رضي الله عنه ما يعارضها في الظاهر، ونصُّ حديثه: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاسْتِسْقَاءِ».
وقد جمع العلماء بينهما -توفيقًا بين الأدلَّة- مِن جهتين:
الأولى: أنَّ المنفيَّ في حديث أنسٍ رضي الله عنه هو صفةٌ خاصَّةٌ، تلك الصفةُ التي سمَّاها ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: الابتهالَ، فإنَّ رَفْعَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ليديه في الاستسقاء كان شديدًا بحيث يخالف غيرَه بالمبالغة فيه فيُرى فيه بياضُ إبطيه، وينحني فيه بدنُه، ومِن ثَمَّ فإنَّ نَفْيَ صفةٍ خاصَّةٍ لا يَلزم منه نفيُ أصل الرفع، ومع ذلك فإنَّ هذه الصفة الخاصَّة لم تكن قاصرةً على دعاء الاستسقاء، بل ثبتت في مواطنَ أخرى، ففي قصَّة ابن اللُّتْبِيَّة: «ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، وقد روى أبو داود في «المراسيل» مِن حديث أبي أيُّوبَ سليمانَ بنِ موسى الدمشقيِّ -رحمه الله-: «لم يُحفظ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه رفع يديه الرفعَ كلَّه إلاَّ في ثلاثة مواطنَ: الاستسقاء، والاستنصار، وعشيَّةَ عرفة، ثمَّ كان بعدُ رفعٌ دون رفعٍ».
الثانية: يمكن حملُ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه على نفيِ رفعِ اليدين وهو على المنبر يومَ الجمعة، لأنه لم يُنقل عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ولا عن صحابته الكرام رفعُ اليدين حالَ خطبة الجمعة مع كثرة الجُمَع وتوافُر الدواعي إلى نَقْلِها، وإنما الثابتُ عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه كان لا يزيد على أن يرفع إصبعَه المسبِّحة، وصفةُ رفع السبَّابة مِن اليد اليمنى هي ثابتةٌ بمقام الذكر والدعاء حالَ الخطبة على المنبر، وكذلك عند التشهُّد في الصلاة وفي أحوال عموم الذكر والتهليل والتسبيح خارجَ الصلاة.
ويؤيِّد ذلك حديثُ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ».
هذا، وإذا تقرَّر أنَّ الأصل في آداب الدعاء وأسباب الإجابة رفعُ اليدين مطلقًا إلاَّ أنه يُستثنى منه الدعاءُ المقيَّد بعبادةٍ نُقلت صفتُها مجرَّدةً مِن رفع اليدين بالنقل الثابت، فتكون -والحال هذه- مستثناةً مِن الأصل السابق بالسنَّة التركية مثل: رفعِ اليدين مِن الدعاء في الصلاة أو في التشهُّد الأخير أو حالَ الخطبة يوم الجمعة وغيرها مِن العبادات الخالية مِن رفع اليدين.
——
رفع اليدين في الدعاء:
مشروعية الرفع اليدين في الدعاء الأحاديث الواردة فيها كثيرة. ومن ذلك: الأحاديث التي ساقها الإمام النووى في المجموع (3/ 507 – 511).وأيضا رفع اليدين للبخاري (22 – 23).قال الحافظ رحمه الله في الفتح: (11/ 143) باب:” رفع الأيدي في الدعاء ” قال: روبية براء وموحدة مصغر أنه ” رأى بشر بن مروان يرفع يديه، فأنكر ذلك وقال: لقد رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة” فقد حكى الطبري أنه أخذا بظاهره وقال: السنة أن الداعي يشير بإصبع واحدة، ورده بإنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة، فلا معني للتمسك به في منع الرفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها، قال الطبري: وكره رفع اليدين في الدعاء ابن عمر وجبير ابن مطعم، ورأى شريح رجلا يرفع يديه داعيا فقال: من تتناول بهما لا أم لك؟ وساق الطبري أسانيدها عنهم. قال وذكر ابن التين عن عبد الله بن عمر بن غانم أنه نقل عن مالك: أن الرفع اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء، وقال في ” المدونة ” ويختص الرفع بالإستسقاء ويجعل بطونهما إلى الأرض. وأما ما نقله الطبري عن بن عمر فإنما أنكر رفعها إلى حذو المنكبين وقال: ليجعلهما حذو صدره، كذلك أسند الطبري أيضا عنه. وعن ابن عباس أن هذه صفة الدعاء. وعند الحاكم وأبو داود من وجه آخر قال ابن عباس: المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك، والإستغفار أن تشير بأصبع واحدة، والإبتهال ان تمد يديك جميعا. وأخرج الطبري رحمه الله من وجه آخر عنه: قال: يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه. وقد صح عن ابن عمر خلاف ما تقدم في ” الأدب المفرد ” من طريق القاسم ابن محمد ” قال: رأيت ابن عمر يدعو عند القاص يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه باطنهما مما يليه وظاهرهما مما يلي وجهه ” وهذه الأحاديث والآثار تدل على أن قوله ” إلا الإستسقاء ” مقيدة في خطبة الجمعة.
يعني كما سبق تقريره من الأخوة أنه لا يشرع رفع اليدين في الخطبة وإنما يشير بإصبع واحد إلا إذا استسقى فإنه يرفعها.
——-
فائده:
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
س: هل يجوز رفع اليدين أثناء الدعاء للميت؟.
ج: جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه لما زار القبور ودعا لأهلها وقد ثبت ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم «زار القبور ودعا لهم ورفع يديه» أخرجه مسلم في صحيحه.
* وقال الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب أحكام الجنائز:
ويجوز رفع اليدين في الدعاء لها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب! قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إليبريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت: يارسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: بعثت إلى أهل البقيع لاصلي عليهم).
* حديث اخر لعائشة – باختصار- من صحيح مسلم قالت: (ألا أحدثكم عنى وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلنا بلى. قال قالت …… ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت …. قال «فإن جبريل أتانى حين رأيت فنادانى فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشى فقال إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم» ….. ).
———
قال ابن حجر في الفتح (ج (11) / (142) – (143)):
وفي الحديث الأول *رد من قال لا يرفع كذا إلا في الاستسقاء بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلا وتمسك بحديث أنس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وهو صحيح لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع* وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء وحاصله أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلا وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح قلت ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك فإن فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في الأذكار وفي شرح المهذب جملة وعقد لها البخاري أيضا في الأدب المفرد بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن دوسا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسا وهو في الصحيحين دون قوله ورفع يديه وحديث جابر أن الطفيل بن عمرو هاجر فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه وسنده صحيح وأخرجه مسلم وحديث عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول اللهم إنما أنا بشر الحديث وهو صحيح الإسناد ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في جزء رفع اليدين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا ثم رفع يديه يدعو وفي
حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع فرفع يديه ثلاث مرات الحديث ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة فرفع يديه وجعل يدعو وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة بن اللتيية ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول اللهم هل بلغت ومن حديث عبد الله بن عمرو إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال اللهم أمتي وفي حديث عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم وفي حديث أسامة كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى أخرجه النسائي بسند جيد وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول اللهم صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة الحديث وسنده جيد والأحاديث في ذلك كثيرة وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال السنة أن الداعي يشير بإصبع واحدة ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث *فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها* وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث سلمان رفعه إن ربكم حي كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية وسنده جيد.
قال الشيخ عبدالرزاق البدر في (فقه الأدعية و الأذكار) (ج (2) / (178) – (179)):
ومر معنا جملة من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأن ذلك مما تواتر معناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما مر أيضا صفات الرفع في الدعاء، *وأنها ثلاثة بحسب نوع الدعاء، فإذا كان الدعاء ابتهالا وتضرعا فإن رفع اليدين يكون بمدهما نحو السماء حتى يبدو بياض الإبط، وإذا كان الدعاء دعاء المسألة فيكون رفع اليدين إلى المنكبين أو نحوهما، وإذا كان الدعاء استغفارا وتمجيدا وثناء فإن الرفع يكون بإصبع واحدة، وهي السبابة من اليد اليمنى*.
وقد ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء “، متفق عليه (1).
فذهب بعض أهل العلم عملا بهذا الحديث إلى أن الدعاء لا يشرع فيه رفع اليدين إلا في الاستسقاء فقط، أما سوى ذلك من الأدعية فلا يشرع فيها رفع اليدين، لكن هذا الحديث معارض بأحاديث كثيرة دالة على مشروعية رفع اليدين في الدعاء في غير الاستسقاء، ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” والصحيح الرفع مطلقا، فقد تواتر في الصحاح …
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (ج (11) / (141)):
وقد قدمت في أول كتاب الدعاء الأحاديث الدالة على أن دعوة المؤمن لا ترد وأنها
•إما أن تعجل له الإجابة
•وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها
•وإما أن يدخر له في الآخرة خير مما سأل
فأشار الداودي إلى ذلك وإلى ذلك أشار بن الجوزي بقوله اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا
*فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض*
ومن جملة آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كالسجود وعند الأذان ومنها تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب والإخلاص وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال بالأسماء الحسنى.