101 الفوائد المنتقاه من شرح مختصر صحيح مسلم
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
( ألقاه الأخ : سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة في مجموعات السلام1،2،3 والمدارسة ، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
شارك مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وإبراهيم البلوشي :
———–
صحيح مسلم
بَاب مُبَاعَدَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآثَامِ وَاخْتِيَارِهِ مِنْ الْمُبَاحِ أَسْهَلَهُ وَانْتِقَامِهِ لِلَّهِ عِنْدَ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ
4294 – عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ
مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
4296 – عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
————
ثبت بمجموع طرقه وشواهده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا ضرر ولا ضرار)
وفي معنى الحديث قوله تعالى ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)[المائدة:6]، فشرع الله التيمم لرفع الحرج عن الأمة.
وقال تعالى:( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ?[البقرة:185]، وقال سبحانه:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]، وقال:( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة:286]،
أما قوله( وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله عزوجل ) ففي معنى عدم انتقامه إذا أوذي في نفسه أحاديث كثيرة سيأتي الإشارة لبعضها، وفي معنى انتقامه لله كل ما ورد من غزواته، وإقامته للحدود، والأمر بقتل بعض الكفار واليهود والمنافقين الطغاة.
1- حديث عائشة اﻷول متفق عليه، وأخرجه أبو داود من أصحاب السنن.
2- لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع المنكر ترك النكير.
3- ما جاء في حسن الخلق.
4- الحلم واﻷناة والرفق.
5- اختياره صلى الله عليه وسلم أيسر اﻷمرين، ما لم يكن حراماً .
6- الترغيب في التجاوز والعفو وترك المكافأة.
7- كان صلى الله عليه وسلم يحب التخفيف واليسر على الناس.
8- الحديث الثاني عن عائشة بطوله من أفراد مسلم.
9- يحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هنا من الله تعالى ، فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال ، وأخذ الجزية ، أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة أو الاقتصاد ، ….
10- وفيه أنه يستحب للأئمة ، والقضاة ، وسائر ولاة الأمور التخلق بهذا الخلق الكريم ، فلا ينتقم لنفسه ، ولا يهمل حق الله تعالى
11- وقد اجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه ، ولا يجوز شهادته له
12- فيه أن ضرب الزوجة ، والخادم ، والدابة وإن كان مباحاً للأدب ، فتركه أفضل .
قلت سيف( تتمات ):
13-فيه من آداب الداعي فالداعي إلى الله يغضب لله.
14- فيه ذم الكبر والإصرار على الرأي.
15- لا يجوز للإنسان أن يتقصد المشقة عند أدائه لأي عبادة قال ابن تيمية 10/622: قول بعض الناس : الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق كما يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتدعة… ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر قضية الوصال في الصوم.
حتى نقل الشاطبي الإجماع على عدم وجود التكليف بالمشاق غير المعتادة في الشريعة الموافقات 2/212 وما بعدها. وسيأتي إن شاء الله تفصيل هذه المسألة.
—–
قال صاحب كتاب الأدب النبوي وذكر خلقه صلى الله عليه وسلم وتيسيره :
خيّره ربه بين الإفطار والصيام في السفر أو المرض. فاختار الأيسر، وخيره بين مقابلة السيئة بمثلها والعفو فاختار العفو، وخيّره بين أن يفتح له كنوز الأرض أو يجعل رزقه الكفاف فاختار الكفاف ليتفرغ لعبادة ربه، والدعوة إلى دينه، وكذلك إذا خيّره أهل بيته بين أمرين اختار أيسرهما، فإذا خيّروه بين طعامين اختار أدناهما كلفة. وإذا استشار أصحابه في أي الطرق يسلك في سفرة أو غزوة، وفي أي الأماكن ينزل، أو في أي البقاع تكون المعركة، فأشاروا بأمرين اختار الأيسر منهما، وهكذا دأبه، ما لم يكن أحد الأمرين معصية، فإنه يكون أبعد الناس منه.
أما الخلق الثاني :فكان صلى الله عليه وسلم لا يناله أمر يمضه من جفاة الأعراب أو من ضعفة الإيمان، أو من أعدائه فينتقم لنفسه. فالأعرابي الذي جفا عليه في صوته، والآخر الذي جذبه من ردائه حتى أثر في كتفه، وذلك الذي اتهمه بالظلم في القسمة، وذلك الذي أخذ منه سيفه على غرة وأراد الفتك به، فسقط من يده، وتناوله الرسول صلى الله عليه وسلم.
كل أولئك وأمثالهم صفح عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم يكن الإيذاء له انتهاك لحرمة من حرمات الله، واعتداء على شرعه فإنه ينتقم لله، انتصارا لدينه، وقياما بواجب النهي عن المنكر.
ولذلك أقام حد القذف ثمانين جلدة على من رمى زوجه البتول بالإفك، وآذاه في أهل بيته وأهدر دماء جماعة من المشركين لما فتح مكة ممن كانوا يؤذونه لأنهم كثيرا ما انتهكوا حرمات الله( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ).اهـ
وقال أيضا:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب خادماً ولا امرأةً قط) وذلك لكرم أخلاقه ولسماحته ولحسن معاشرته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.اهـ
قال القاضي عياض في إكمال المعلم:
فيه الأخذ بالأيسر والأرفق، وترك التكلف وطلب المطاق، إلا فيما لا يحل الأخذ به كيف كان ويحتمل أن يكون التخيير هنا من الله تعالى مما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية، أو فيما يخبره فيه المنافقون من المواعدة والمحاربة، أو أمته من الشدة فى العبادة أو القصد. وكان يذهب فى كل هذا إلى الأيسر. ويأتى قولها: ” ما لم يكن إثما ” استثناء مما يخبره فيه الكفار والمنافقون على وجه. وإن كان التخيير من الله أو أمته فيكون إستثناء منقطعا؛ لأنه لا يصح تخييره هنا فيما فيه إثم. وراجع شرح النووي
وقال أيضا:
وقولها: ” وما ضرب شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد فى سبيل الله “: فيه دليل على جواز ضرب النساء والخدم للأدب؛ إذ لو لم يكن مباحا لم يتحرج بالتنزه عنه. وفيه حجة على أن التنزه عنه أفضل بأهل المروءات والفضل.
ويحتمل قوله: ” إلا أن تنتهك حرمة الله ” استثناء مما تقدم وفى حقه من أذاه – عليه السلام – فيما فيه غضاضة عن الدين، فذلك من انتهاك حرمات الله.
قال بعض علمائنا: لا يجوز أن يؤذى النبى بفعل مباح ولا غيره اهـ
——-
مشاركة سيف بن دورة الكعبي :
ومما اختاره صلى الله عليه وسلم لليسر : لما امتنع من الاستمرار من القيام بهم في رمضان خشيت أن تفرض عليهم، وكذلك واصل بهم وقال : إني لست كهيئتكم، وأرسل عائشة مع أخيها لتأخذ عمرة بعد حجتها، وكان رجلاً سهلا إذا هويت الشىء تابعها عليه. ويدعوها لمشاهدة الحبشة وهم يلعبون، وقال لمعاذ : افتان أنت يا معاذ، وطلب من الله تخفيف الصلوات حتى صارت خمسا.
وحذيفة لما بلغه أن أبا موسى يشدد في البول ويحدث بأن بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه
قال : ليت صاحبكم لا يشدد هذا التشديد وحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما.
قال صاحبنا أبوصالح : قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إني أحتسب نومتي كما احتسب قومتي.
ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه.
ومن أمثلة عدم سكوته إذا رأى مخالفة :
لما علقت عائشة تصاوير وقف مغضبا، وكذلك، لما تنقصت بعض زوجاته صفيه، غضب، وقال مرة لما طلبوا منه النصرة : إنكم قوم تستعجلون، ومنه أنه لم يأذن في تحويل خمر لخل مع أنها مال أيتام.
وقال لأسامة : اتشفع في حد من حدود الله.
وكل غزواته وتطبيقه للحدود وزجره هو من باب الانتقام لله، وإذا اجتهد صوبه ربه.
كثير من الترجيحات تنبني على هذا الحديث وقاعدة التيسر :
من أهل العلم من اشترط لجواز التيمم من البرد الموت إذا خشي على نفسه الموت، والصحيح أنه إذا خشي على نفسه مجرد الضرر، ولم يجد ما يسخن به جاز له التيمم.
تنبيه : ليس من التيسير التحلل من أحكام الله، ومرجع التيسير لأهل العلم.
والمقصود بالعالم الثقه الورع حتى قال النووي : يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حرم استفتاؤه. آداب الفتوى والمفتي وقريب من معناه عن الشافعي وابن الصلاح وابن مفلح، وكان السلف يحذرون من تتبع الرخص وراجع سير الإعلام 8/90 ونقل ابن عبدالبر عن سليمان التيمي أنه قال : لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. قال ابن عبدالبر : هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا. جامع البيان وفضله. 2/112
ثم ترك العزائم فيه مجاراة لليهود
قال باحث :
المسألة الخامسة:
تشبّثَ دُعاة التيسير من المفتين المُعاصِرين بجملة من الشُبَه، انتصاراً لمذهبهم، و من ذلك:
شبهتهم الأولى و ردُّها: استدلالهم بعموم النصوص الدالّة على أنّ التيسير و رَفع المشقّة مقصد من مقاصَد التشريع الإسلامي، كقوله تعالى:
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
و يغفلون عن صدر هذه الآية الذي فيه رَفعُ رُخصة الفطر في رَمضان مع الكفّارة لمن قدِرَ على الصوم، و هو ما ثبتَ بقوله تعالى في الآية السابقة لها: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِر و يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الآيَة الَّتِي بَعْدهَا فَنَسَخَتْهَا.
قلتُ: و هذا من قبيل النسخ بالأشد، و هو من التشديد و ليس من التيسير، في شيءٍ، فتأمّل!
و مثل ذلك استدلالهم بقوله تعالى: (وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، متغافلين عن صدر الآية ذاتها، و هو قوله تعالى: (وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ) مع أنّه لا مشقّة تفوق مشقّة الجهاد و التكليف به، فبقي أن يُحمل رَفع الحرج على ما رُفِعَ بنصّ الشارع الحكيم سبحانه، لا بآراء المُيَسّرين.
و من هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما، و أبو داود في سننه , و أحمد في مسنده، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها، قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ).
و ما رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه، و مسلم في الجهاد و السير عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا، و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا».
و في روايةٍ للبخاري في كتاب الأدب: «يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا، و سَكِّنُوا و لاَ تُنَفِّرُوا».
و روى مسلم و أبو داود عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا و يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا».
قلتُ: جميع ما تقدّم من نصوص الوحيَين، و كثيرٌ غيره ممّا يقرّر قيام الشريعة الغرّاء على اليُسر و نفي الضرر، و رفع الحَرَج، فهِمَه الميسّرون على غير وجهه، و حمّلوه ما لا يحتمل، متعنّتين في توجيهه لنُصرة شُبهَتهم القاضيةَ بجَعل التيسير في الفتوى منهاجاً رَشَداً، و فيما يلي نقضُ غَزلهم، و كشف شبههم إن شاء الله:
أوّلاً: ثمّة فرقٌ لغويٌ بين اليُسر و التيسير، فاليُسر صفةٌ لازمةٌ للشريعة الإسلاميّة، و مقصدٌ من مقاصدها التشريعيّة جاء به الكتاب و السنّة، و أنزله النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و السلفُ الصالحُ منزلَتَه، أمّا التيسير فهو من فِعل البشر، و يعني جَعلَ ما ليس بميسَّرٍ في الأصل يسيراً، و هذا مَوطِنُ الخَلل.
ثانياً: إن اختيار النبيّ صلّى الله عليه و سلّم للأيسر في كلّ أمرين خُيِّرَ بينهما، كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدّم فيه أربع نكات لطيفةٍ:
الأولى: أنَّ الاختيار واقع منه صلّى الله عليه و سلّم فيما خُيّر فيه، و ليس في كلّ ما أوحيَ إليه أو كُلّف به، هو أو أمّته، و مثال ذلك الاختلاف في صيَغ الأذان، و تكبيرات العيد، و ما إليه حيث لا يعيبُ من أخَذ بهذا على من أخذَ بذاك من العلماء، لثبوت الروايات بالأمرين كليهما.
و الثانيّة: تقييد التخيير بما لم يكُن إثماً، و لا شكّ أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح، أو تعطيل (و من باب أولى رد) ما ثبت من الأدلّة الشرعيّة إثمٌ يُخشى على صاحبه من الضلال، فلا وَجه لاعتباره من التيسير المشروع في شيء.
و الثالثةُ: أنّ التخيير المذكور في الحديث يُحمل على أمور الدنيا لا الدِّين، و هذا ما فهمه أهل العِلم قَبلَنا، و منهم الحافظ ابن حجر، حيث قال رحمه الله في الفتح: (قولُه بين أمرين: أي من أمور الدنيا. لأن أمور الدين لا إثم فيها … و وقوع التخيير بين ما فيه إثم و ما لا إثم فيه من قِبَل المخلوقين واضح، و أمَّا من قبل الله ففيه إشكال؛ لأن التخيير إنما يكون بين جائِزَين) [فتح الباري: 6/ 713].
و الرابعة: أنّ هذا الخبر ما لم يُقيّد بما سبق سيكون معارضاً باختيار النبيّ صلّى الله عليه و سلّم الأشقَّ على نفسه، كقيامه الليل حتّى تتشقق قدَماه مع أنّ الله تعالى قد غَفَر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر. قال الحافظ في الفتح: (لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى مع الاشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلاً، و بين أن لا يُؤتِيَه من الدنيا إلا الكفاف، و إن كانت السعة أسهل منه، و الإثم على هذا أمر نسبي، لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له) [فتح الباري: 6/ 713].
ثالثاً: لا تكليف بدون مشقّة، و أن كانت المشقّة الحاصلة بكلِّ تكليفٍ بحَسَبه، و هي متفاوتة، فإذا جاز لنا تخيّر أيسر المذاهب دفعاً لكلّ مشقّةٍ، ترتّبَ على ذلك إسقاط كثيرٍ من التكاليف الشرعيّة …
قال الإمام شمس الدين ابن القيّم رحمه الله: (لو جاز لكل مشغول وكل مشقوق عليه الترخيص ضاع الواجب واضمحل بالكلية) [إعلام الموقعين 2/ 130].
و قال أيضاً في مَعرض كلامه عن رُخَص السفَر: (إنَّ المشقة قد عُلِّقَ بها من التخفيف ما يناسبها، فإن كانت مشقة مرض و ألم يُضِرُّ به جاز معها الفطر و الصلاة قاعداً أو على جنب، و ذلك نظير قصر العدد، و إن كانت مشقّةَ تعبٍ فمصالح الدنيا و الآخرة منوطةٌ بالتعب، و لا راحة لمن لا تعب له بل على قدر التعب تكون الراحة فتناسبت الشريعة في أحكامها و مصالحها بحمد الله و مَنِّه) [إعلام الموقعين 2/ 131].
شبهتهم الثانية و ردُّها: زعموا أنّهم مُقلّدون في اختيارهم للأيسر،
و هُم في هذا مَحجوجون بانعقاد الإجماع على خلاف منهجهم، فقد قال الإمام القرّافي رحمه الله (أمّا الحُكم و الفتيا بالمرجوح فهو خلاف الإجماع) [مواهب الجليل: 6/ 91].
و قال الإمام النووي: (لو جاز اتّباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متَّبِعاً لهواه، و يَتخيَّرَ بين التحليل و التحريم و الوجوب و الجواز، و ذلك يؤدي إلى الانحلال من رِبقة التكليف) [المهذّب: 1/ 5].
و قال الإمام الشاطبي رحمه الله: (رُبَّما وقع الإفتاء في المسألة , فيقال: لِمَ تمنع و المسألة مختلف فيها؟ فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها , لا لدليل يدل على صحة الجواز, ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، و هو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً , و ما ليس بحجة حجة) [الموافقات: 4/ 78].
شبهتهم الثالثة و ردُّها: تذرّعوا بما روي عن السلف و الأئمة المتّبعين بإحسان، من استحباب الأخذ بالرُخص، و من ذلك، قول قتادة رحمه الله: (ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم) [انظره في: تحفة المولود، ص: 8].
و قول سفيان الثوري رحمه الله: (إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].
و قول شيخ الإسلام ابن تيميّة: (إذا فعل المؤمن ما أُبيح له قاصداً العدول عن الحرام لحاجته إليه فإنّه يثاب على ذلك) [مجموع الفتاوى: 7/ 48].
و قول ابن القيّم: (الرخص في العبادات أفضل من الشدائد) [شرح العمدة: 2/ 541].
إلى غير ذلك ممّا وقفوا عليه فاحتجّوا به، أو غاب عنهم فأغفلوه.
و لو تأمّلنا ما أوردناه (و لا أعلَم لهم استدلالاً بغيره من أقوال الأئمّة) لما رأينا فيه دليلاً على التيسير الذي يُدندنُ حَوله المعاصرون، فقتادةُ يدعوا إلى الترخّص حيث شرع الله الرخصة، و لا يقول: رخِّصوا باستحسانكم، أو لمجرّد التخفيف عن العباد أو مسايرتهم.
و ابن تيميّة يذكر الاستغناء بالحلال عن الحرام، و ليس الإفتاء بعدَم حُرمةِ الحرَام أصلاً، أو اختيار قول من يعدل عن التحريم إلى التحليل أو مجرّد الكراهة، و إن ضَعُفَت حُجّته، و وَهت شُبهته.
أمّا ابن القيّم فكلامه في الرخص في العبادات، و هذا لا خلاف فيه، أمّا دُعاة التيسير فقد وقعوا في تحليل الحرام، و تفي الكراهة عن المكروه، و شتّان ما بين المذهبين.
و ما يُروى عن سفيان رَحمه الله لا يؤخذ منه الترخيص بإسقاط الواجب، أو تحليل المحرّم، و لكنّه موجّه إلى ما ينبغي أن يفتيَ به العالم من وَقع في حرَج متيقّن ليعينه على القيام بما وَجَبَ عليه، لا ليُسقِطه عنه.
قال النووي: (و أما من صحَّ قصدُه , فاحتَسَبَ في طلب حيلةٍ لا شُبهةَ فيها , لتخليصٍ من ورطة يمينٍ و نحوها , فذلك حسن جميل، و عليه يُحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا , كقول سفيان: إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].
و الله أعلم.
وتعقبه باحث :
يظهر لي أنَّ حملَ الحديث على أمور الدنيا فحسب فيه نظرٌ، ولفظ الحديث لا يساعد عليه، فإنه عامٌّ لم يقيد بشيء (بين أمرين)، بل في أحد لفظي البخاري والموطأ: (بين أمرين قطّ … ) الحديث.
يؤيِّد العموم ما قاله ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في شرحه الحديث: (في هذا الحديث دليلٌ على أن المرءَ ينبغي له تركُ ما عسُر عليه من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه، والميل إلى اليسر أبداً، فإن اليسر في الأمور كلها أحب إلى الله وإلى رسوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قال تعالى: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))، وفي معنى هذا: الأخذ برخص الله تعالى، ورخص رسوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والأخذ برخص العلماء، ما لم يكن القول خطأً بيناً) اهـ.
التمهيد لابن عبد البر (8/ 146).
ومما يؤكد هذا قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر … ) الآية،
قلت سيف : ومنه أن لَمَّا خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يقرأ القرآن على حرف أو حرفين فاختار حرفين.. وهكذا حتى اختار أن يقرأ على سبعة أحرف، وكان يتردد على ربه حتى جعلت الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة بدل خمسين صلاة.
ومع هذا: فلا حجة لمدرسة التيسير المعاصرة بهذا الحديث.
بل أفتى الشيخ ابن عثيمين أنه إذا اختلف عالمان واستويا في العلم والورع فالأولى للعامي أن يأخذ بالايسر إلا إذا وقع في نفسه حرج من الأيسر
وكذلك ابن باز اختياره في إيقاع الطلقات الثلاث واحدة مع ما ورد من الأدلة مبنى على التيسير.
ضوابط اليسر : أن يكون ثابت بالكتاب والسنة
وعدم مجاوزة النص في الأخذ بالتيسير
إن لا يعارض التسير نص
إن يكون التيسير مقيدا بمقاصد الشريعة
والتساهل في الرخص لاسباب:
-الجهل بمقاصد الشريعة ومقاصدها
-ردة فعل لظاهرة الغلو
-ترغيب الناس في الدين
-اتباع الهوى
-مسايرة الواقع
-المؤثرات المكانية والزمانية والعلمية
-الانبهار بالحضارة الغربية
تنبيه : قد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل يسير، وأجرها عظيم ، ومنه حديث( لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت لوزنتهن)، ومنه حديث 🙁 كلمتان خفيفتان على اللسان).
وممكن أن نقول أن الأجر على قدر فائدته ومنفعته.
فالمشقة لا يجوز أن تقصد للأجر إلا إذا جاء الشرع بالنص عليه أو تقريره مثل الرجل الذي احتسب في مشيه للمسجد، والحج عظم أجره لما يحصل فيه المشقة بل سماه النبي صلى الله عليه وسلم جهاد في حق المرأة ومنه حديث أجرك على قدر نصبك، ومنه حديث الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران وراجع مجموع الفتاوى 10/620
وورد إسباغ الوضوء على المكاره، ويقوم النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل حتى تتفطر قدماه.
لكن المقصود في إسباغ الوضوء على المكاره أنه لم يجد إلا ماء باردا، فاختيار الأيسر ليس مطلقاً كما قدمنا، بل لو أن هناك دواء يخفف آلام الحمل فالأفضل أخذه وبهذا أفتى بعض لجان الفتوى واستدلوا بأن معاذ أفتى رجلا أن يزيل الصائم رائحة الفم بالسواك وقال ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أن يامرهم أن ينتنوا أفواههم، وكذلك قال في الغبار في سبيل الله : إنما يؤجر من اضطر إليه أما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له من أجر. صححه ابن حجر في التلخيص.
ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن يقف ولا يستظل ويصوم، فأمره أن يجلس ويستظل ويصوم، وهكذا الذي، أبى أن يركب الهدي، فأمره بركوبها؛ لأنه محتاج. وهناك أمثلة كثيرة على دفع المشقة.
* * *
هناك رسالة دكتوراة بعنوان القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير ، بدأها :
بتعرف التيسير وأنه : أمر نسبي فقد يطلق على ما هو في حدود طاقة الإنسان، وإن كان فيه حرج وعنت، أو ما يمكن امتثاله دون حرج، والذي يظهر في الرخصة الشرعية بل وفي كل التكاليف أن المراد بالتيسير في الشريعة – غالبا – هو كون الأمر بحيث يمكن امتثاله دون حرج أو مشقه، فإن المكلف يطيق أكثر ما كلف به من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها، وبعضهم قال وإن كان فيه مشقه لكن هو في طاقته.
المهم ما يظهر في بعض التكاليف من مشقه، فتلك المشقة تغمر في مقابل الأجر
وهنالك كتاب رفع الحرج ضوابطه وتطبيقاته لصالح بن حميد.
ورسالة دكتوراه بعنوان( رفع الحرج في الشريعة الإسلامية )
ورسالة ماجستير( المشقة تجلب التيسير نظرية وتطبيق )
ثم قارن بين هذه الكتب وكتابه
وختم بحثه ب :
نتائج أهمها يلي:
1) أن القواعد المتضمنة التيسير في غالبها محل اتفاق بين الفقهاء, وأن الخلاف بينهم إنما هو في كيفية تطبيق بعض هذه القواعد أتلك. كما يحصل الاتفاق – أحيانا – على ثبوت الدليل ثم يختلف في الحكم المسنتبط منه.
2) أن القواعد التيسير مستمد من نصوص الكتاب والسنة وقائمة على أدلة شرعية هي مجموع الأدلة الدالة على الفروع المندرجة تحتها.
3) أن الشريعة الإسلامية وأحكامها الفقهية قائمة على رفع الحرج
وذكر ستة وخمسون قاعدة :
أولها : الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد
ووجه التيسير ما فيها من حسم الخلاف، وإلا لاستمر النزاع هذا إذا تعلق بالاجتهاد حكم حاكم، وأما إذا لم يكن كذلك فإن التيسير فيه من حيث أن المكلف لا تلزمه إعادة ما أداه إليه إجتهاده.
السادسة والخمسين : اليقين لا يزول بالشك :
وجه التيسير:
فدلالة المكلف على الطريق الذي يخرج بواسطته عن الشك والتردد يعدّ تيسيراً, ولو تضمن زيادة تكليف ويدرك هذا-تماماً- من كثرة شكوكه وسيطرة عليه التردد.
ويمكن تصور التيسير فيها من وجه آخر. وذلك فيما إذا كان المتيقن -أولاً- هو وقوع المأمور به والشك في زواله حيث لا يلزم المكلف فعل ذلك المأمور به مرة أخرى كما إذا تيقن الطهارة والشك في الحدث, والله أعلم.
ثم القسم الثاني ضوابط : الضابط الأول : الحدود تسقط بالشبهات :
العمل بالضابط:
اتفق العلماء على درء الحدود بالشبهات من حيث الجملة كما تقدم بيانه، وقد نقل الإجماع عليه ابن المنذر، وابن قدامة، وغيرهما.
من فروع هذا الضابط:
1- سقوط حد الزنا عمّن وَطَئَ في نكاح مختلف فيه
وجه التيسير:
وجه التيسير في هذا الضابط واضح في حق من وقعت منه المعصية وهو دفع العقوبة المؤلمة، أو المزهقة للنفس عنه، وعدم افتضاحه بين الناس، وتيسير سبيل التوبة والرجوع إلى الله تعالى.
الضابط الثاني عشرة : يجبر أحد الشريكين على موافقة الآخر إذا كانا محتاجين على رفع مضرة أو إبقاء منفعة
ومن أمثلته :
1-إذا انهدم الحائط المشترك بين الشريكين وأراد أحدهما بناءه أو أراد أحدهما هدم الجدار القائم, وامتنع الآخر أجبر الممتنع على ذلك
وجه التيسير:
. ففي هذا الضابط خروج عن الأصل؛ مراعاة لأعلى المصلحتين؛ وتحقيقاً لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق.