10 الأجوبة المفيدة في مسائل العقيدة
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—–
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فنكمل هذه السلسلة المباركة في البحوث العلمية
ضمن بحوث , الأجوبة المفيدة في مسائل العقيدة
وهذا البحث في (الروح وما يتعلق بها)
حكم الكلام في الروح.
انقسم الناس في هذه المسألة إلى قسمين:
1_ فريق يرى الجواز
وأصحاب هذا المذهب جم غفير وقد ألفوا في ذلك المؤلفات وقد قال النووي أن هذا قول الجمهور قال رحمه الله: وقال الجمهور: هي معلومة اهـ (شرح صحيح مسلم:17/ 137)
2_ وفريق يرى المنع
وقد نقل المنع عن الجنيد فقد جاء عنه أنه قال: الروح شيء استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا يجوز لعباده البحث عنه بأكثر من أنه موجود اهـ (الفتح:8/ 403)
وذكر مرعي بن يوسف أن هذا مذهب أكثر السلف كما في (أقاويل الثقات:1/ 191)
واستدلوا بقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي} قالوا: أي من شأنه ومما استأثر بعلمه دونكم.
وقد أجاب من يرى الجواز بقولهم:
1_ أكثر السلف بل كلهم على أن الروح المسؤول عنها في الآية ليست أرواح بني آدم بل إنه ملك عظيم (راجع: الروح لابن القيم:1/ 51)
2_ أن غاية الأمر أنه أمر بترك الجواب عنها تفصيلا لسبب إما لأن الإمساك كان عند اليهود السائلين عنها من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أو لأن سؤالهم كان تعنتا.
ويتضح هذا أن يقال أنهم أضمروا على أنه إذا أجاب بأي جواب نغلطه لأن الروح تطلق على عدة أمور فجاء الجواب مجملا كما كان سؤالهم مجملا.
3_ وأيد ما سبق ذكره أنه ليس في الكتاب ولا السنة ما يدل على النهي عن الكلام في الروح بل الأدلة تدل على بيان أمور كثيرة في الروح كما سيمر معنا في هذا البحث إن شاء الله.
تنبيه: عند القول بالجواز لابد من مراعاة أمور:
1_ التقيد بالكتاب والسنة وعدم الخوض في الروح بغير بينة.
2_ يجب فهم النصوص الواردة في الروح على وفق فهم السلف الصالح.
3_ عند الكلام عن الروح لابد أن نرد المتشابه إلى المحكم كما هو طريق الراسخين في العلم في النصوص.
معنى الروح في اللغة.
تأتي كلمة الروح في اللغة لعدة معاني إلا أننا نذكر ما يهمنا الآن
جاء في كتاب العين: روح: الروح: النفس التي يحيا بها البدن , يقال خرجت روحه أي: نفسه ويقال: خرج , فيُذكَّر والجمع أرواح اهـ (العين:3/ 291)
ولم يرد في القرآن كلمة (الروح) وأريد بها ما يقوم بالبدن إلا على الخلاف السابق.
ولكن ورد في القرآن بكلمة أخرى قال تعالى: {أخرجوا أنفسكم} أي أرواحكم.
وأما في السنة فقد قال ابن الأثير رحمه الله:
وقد تكرر ذكر الروح في الحديث كما تكرر في القرآن ووردت فيه على معانٍ والغالب منها على أن المراد بها الروح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة اهـ (النهاية:2/ 271)
ومن هذه الأحاديث ما جاء في قبض أرواح المؤمنين قبل الساعة: [تجيء ريح بين يدي الساعة تقبض فيها أرواح كل مؤمن] أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
وقد جاءت السنة بالتعبير عن الروح الإنساني بألفاظ أخرى كالنفس والنسمة.
هل الروح هي النفس.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: إن العلماء اختلفوا في الروح والنفس: هل هما شيء واحد أو شيئان اهـ (التمهيد:5/ 241)
وقال ابن تيمية رحمه الله: الروح المُدَبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه , وهي النفس التي تفارقه بالموت اهـ (الفتاوى:9/ 289)
وكذا ابن القيم في كتابه (الروح) قرر أن مسماهما واحد عند الجمهور وهو اختياره ..
والنفس في القرآن فيما يتعلق بالموضوع قد جاءت بإطلاقين
فتطلق ويراد بها الروح والبدن معا وتطلق ويراد بها الروح بمفردها.
واستُشهد للأول بقول الحق تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} وقوله تعالى: {يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها}
واستشهد للثاني بقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة}.
تنبيه: غالب ما يسمى نفسا؛ إذا كانت الروح متصلة بالبدن وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها (راجع شرح الطحاوية: 1/ 444) و (الفتاوى:9/ 290)
التعريف بالروح.
مثل هذه القضية الخطرة لا تخضع لعقل ولا لتجربة ولا لتخرصات وأوهام ولا سبيل للعلم بها إلا من طريق الوحي.
وقد عرفها مجموع من العلماء منهم:
1_ الإمام البغوي رحمه الله بقوله: الروح جسم لطيف يحيى به الإنسان اهـ (معالم التنزيل عند آية الحجر:29)
2_ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهي عين قائمة بنفسها عند سلف المسلمين وجماهير الأمم اهـ (الجواب الصحيح:3/ 277) وهذا ذِكْر لمسألة معينة وهي هل الروح عرض أم عين قائمة بنفسها فالذي عليه سلف الأمة أنها عين قائمة بنفسها.
وقال أيضا رحمه الله: ومذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة:
أن الروح عين قائمة بنفسها تفارق البدن وتنعم وتعذب ليست هي البدن ولا جزء من أجزائه اهـ (الفتاوى:17/ 342)
3_ وقال القرطبي رحمه الله: الصحيح فيه أنه جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة يجذب ويخرج وفي أكفانه يلف ويدرج وبه إلى السماء يعرج لا يموت ولا يفنى وهو مما له أول وليس له آخر وهو بعينين ويدين وأنه ذو ريح طيبة أو خبيثة (الجماع لأحكام القرآن:15/ 262 و10/ 24) و (التذكرة:135)
4_ الإمام ابن القيم رحمه الله ذكر كلام الرازي:
أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم
فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية
وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح اهـ ثم قرر ابن القيم رحمه الله:
أن هذا القول هو الصواب في المسألة وهو الذي لا يصح غيره وكل الأقوال سواه باطلة وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة اهـ (الروح:422)
تنبيه:
نحن إذا سمينا النفس جسما فإنما هو باصطلاحهم وعرف خطابهم وإلا فليست جسما باعتبار وضع اللغة ومقصودنا بكونها جسما:
إثبات الصفات والأفعال والأحكام التي دل عليها الشرع والعقل والحس من الحركة والانتقال والصعود والنزول ومباشرة النعيم والعذاب وإلخ.
الدليل على كون الروح عينا قائمة بذاتها.
قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
قال الإمام أبو مظفر السمعاني رحمه الله:
وإنما يتصور رزق الأجسام لا رزق الأعراض اهـ (تفسير القرآن:3/ 274)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَلِهَذَا قَالَ: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} ثُمَّ قَالَ: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} {إلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} فَدَلَّ عَلَى نَفْسٍ مَوْجُودَةٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا تُسَاقُ إلَى رَبِّهَا وَالْعَرَضُ الْقَائِمُ بِغَيْرِهِ لَا يُسَاقُ وَلَا بَدَنُ الْمَيِّتِ فَهَذَا نَصٌّ فِي إثْبَاتِ نَفْسٍ تُفَارِقُ الْبَدَنَ تُسَاقُ إلَى رَبِّهَا كَمَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ وَرُوحِ الْكَافِرِ. (مجموع الفتاوى:4/ 265)
حادثة مخلوقة.
ويتضح من جملة ما تقدم أن الروح مخلوقة حادثه مثلها مثل البدن سواء بسواء وليست قديمة كما يزعمه أهل الإلحاد.
فلا خلاف بين المسلمين في كون الروح حادثة مخلوقة وإنما تطرح هذه المسألة في الرد على من قال بقدمها كما زعم بعض الفلاسفة
قال تعالى: {الله خالق كل شيء} وجه الدلالة أن هذا العموم لا استثناء فيه فيشمل خلق الأرواح والأجساد.
وقال تعالى: {ونفس وماسواها} وجه الدلالة: إقسامه تعالى بتسوية النفس والمسوَّى مخلوق.
ولو لم تكن مخلوقة لكانت مستغنية عن خالق محدث مبدع لها لكن شواهد الفقر والحاجة والضرورة أعدل شواهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة وأن وجود ذاتها وصفاتها وأفعالها من ربها وفاطرها ليس لها من نفسها إلا العدم.
وهو أمر مجمع عليه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
رُوحُ الْآدَمِيِّ مَخْلُوقَةٌ مُبْدَعَةٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ ” مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي ” الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ أَوْ مِنْ أَعْلَمِهِمْ. وَكَذَلِكَ ” أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ ” قَالَ فِي ” كِتَابِ اللقط ” لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى خَلْقِ الرُّوحِ قَالَ: النَّسَمُ الْأَرْوَاحُ. قَالَ: وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْجُثَّةِ
وَبَارِئُ النَّسَمَةِ أَيْ خَالِقُ الرُّوحِ. وَقَالَ أَبُو إسْحَاقَ بْنُ شاقلا فِيمَا أَجَابَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَأَلْت رَحِمَك اللَّهُ عَنْ الرُّوحِ مَخْلُوقَةٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ قَالَ: هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالرُّوحُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ … اهـ (مجموع الفتاوى:4/ 217)
لطيفة.
يعني أنها ليست غليظة كالأجسام المشهودة فلا يستشكل حلولها واتحادها بالبدن ومشابكتها له
والذين قالوا: بأن الروح ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وإلخ إنما أرادوا بذلك التمثيل والتقريب للأذهان وإلا فشأن الروح أكبر من ذلك.
وهي شفافة فالبصر لا يشاهدها لشفافيتها فلا ترى بالعين الباصرة وتستثنى من ذلك ساعة مفارقة الروح للجسد فإن بصر الميت يتبعه كما جاء في الحديث: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))
خالدة لا تبلى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الذي عليه الأنبياء وأتباعهم وجمهور العقلاء أن الروح تفارق البدن وتبقى بعد فراق البدن اهـ (الجواب الصحيح:3/ 268)
هل الروح لها صورة.
يعني كصورة صاحبها في الشكل والهيئة تتميز بها عن غيرها في عالم البرزخ؟ فيقال يدل على ذلك أحاديث المعراج.
وقد يستدل بقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} فأخبر أنه سوى النفس كما أخبر أنه سوى البدن في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} فهو سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه بل سوى بدنه كالقالب لنفسه فتسوية البدن تابعة لتسوية النفس.
وثبت بالأدلة على أن الأرواح تكون على صورة الطير أيضا كما جاء في الحديث ((إنما نسمة المسلم طير يعلق بشجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه)) أخرجه الإمام مالك في الموطأ.
تعلّق الروح بالجسد
قال الشيخ العلّامة المعلّمي رحمه الله تعالى:
«للروح بالجسد تعلقين:
الأول: تعلّقها به في اليقظة، وهو بوجودِها فيه.
الثاني: تعلّقها به عند النوم، وهو بقاء اتصالها به بآثار وأشعة تتصل به منها، فبهذه الأشعة تبقى الحياة في الجسد.
ثم إذا أراد الله تعالى إرسالها ردّها إلى جسدها فاستيقظ.
وإذا أراد إمساكها أبطل تلك الصِّلة التي بينها وبين الجسد فمات.
والألم الذي ينال المريض عند النزع إنما هو لنزع الروح بجميع آثارها».
(تحقيق الكلام في المسائل الثلاث) (ص337).
هل حدوث الروح قبل الجسد أم بعده.
هذه المسألة فيها قولان:
1_ من يرى أن الأرواح خلقت قبل الأجساد
وهو قول محمد بن نصر المروزي وإسحاق بن راهويه ونقل الإجماع على هذا فقال:
أجمع أهل العلم على ((((((أنها)))) الأرواح قبل أجسادها اهـ وهو قول الخطابي كما في (أعلام الحديث)
2_ أن الأرواح خلقت بعد خلق الأبدان
ويمثله جمع من السلف وعليه أبو جعفر الطبري ورجحه ابن القيم.
النفخ والإضافة.
النفخ هو: إجراء الريح في الشيء.
وهل النفخ على الحقيقة؟ الأصل في الكلام الحقيقة فالنفخ حقيقة , نؤمن به ونصدقه ونكل علم كيفيته إلى العالم به سبحانه حيث لا دليل.
وعندنا ثلاث نفخات:
1_ نفخ في آدم عليه السلام قال تعالى: {ونفخت فيه من روحي}
وظاهرها أن النافخ هو الرب تعالى ويدل عليه ما جاء في البخاري [أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه]
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والله تعالى هو الذي نفخ في طينته من تلك الروح
هذا هو الذي دل عليه النص وأما كون النفخة بمباشرة منه سبحانه كما خلقه بيده أو أنها حصلت بأمره كما حصلت في مريم عليها السلام فهذا يحتاج إلى دليل (الروح:374)
2_ نفخ في أم عيسى عليه السلام قال تعالى: {فنفخنا فيه من روحنا}
والمباشر للنفخ هنا ملَك قيل هو جبريل عليه السلام نفخ في درع مريم فحملت منه بإذن الله
قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا}
3_ النفح في بني آدم جاء في الحديث الصحيح [ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح]
والنافخ هنا هو الملك الموكل بالنفخ.
الإضافة:
يلاحظ أن الله أضاف الروح إلى نفسه في الآيتين وبالمقابل نلاحظ أن أرواح بني آدم لم تضف إلى الله , ولا تضاف إليه إلا من حيث الخلق العام وهذا يدل على التمايز بين الأرواح مع أن الجميع خلق الله.
وإضافة الروح في الآيتين تقتضي محبته سبحانه لها وتكريمه وتشريفه بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده.
وإضافة الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى الخالق لا أنها صفة له ولا أنها الله ولا بعضه.
صفات الروح.
بما أن الروح ذات موجودة قائمة بنفسها فلا شك أن لها صفات تتصف بها كسائر الموجودات وصفات الروح وأحكامها في دار الدنيا تختلف عنها في دار البرزخ وتختلف عنها في دار الجزاء.
فالأول أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبعا لها , والثاني أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعا لها
والثالث إذا كان يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرا باديا أصلا.
صفات الروح في دارها الأولى.
توصف الروح في دارها الأولى وهي دار الدنيا بما يوصف به البدن في الجملة وإن كانت تبعا له , قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده} فالإسراء الحاصل هنا هو للعبد الذي هو مجموع الروح والبدن فالذي ركب البراق في رحلة الإسراء هو الروح والبدن.
وأيضا عندما قال تعالى: {بل رفعه الله إليه} فالمرفوع هنا روح عيسى وبدنه.
فلا يصح أن نفرق في هذه الدار بين صفات الروح والبدن إلا ما كان حال النوم فإن الروح تكتسب فيه صفات أخرى تميزها عن صفات البدن لأنها تنفصل عن البدن انفصالا جزئيا في حال النوم.
صفات الروح في دارها الثانية.
الروح بعد انفصالها عن البدن وانتقالها إلى دارها الثانية تتغير وتتبدل صفاتها ويكون لها من الصفات والأحوال ما يتناسب وتلك الدار البرزخية
ولما كانت الروح مخلوقة من غير جنس الموجودات التي نعلمها كان العلم بصفاتها وأحوالها محالا إلا عن طريق الوحي وقد جاءت النصوص بذكر جملة من صفاتها في تلك الدار:
أنها تسمع وتعقل وتفهم وأنها ذات رائحة وأنها تتحرك وتنتقل وتتكلم , إلى غير ذلك مما جاءت به النصوص الصحيحة.
ولعل أشمل حديث جاء في ذكر الروح وصفاتها وأحوالها حديث البراء بن عازب المشهور , كما أخرجه أحمد في مسنده برقم 18559.
فمما جاء في حديث البراء:
1_ أنها تسمع وتعقل وتفهم لأنها تخاطب [أيتها النفس الطيبة , اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان] وهذا للمؤمن وأما الآخر [أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب]
2_ لها رائحة بحسب حال صاحبها فروح المؤمن [يخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض] وروح الآخر [يخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض]
3_ توصف بالطيب والخبث كما قالت الملائكة [ما هذا الروح الطيب] هذه للمؤمن وأما الآخر [ما هذا الروح الخبيثة]
4_ توصف بالرضا لحديث قتلى بئر معونة وفيه قال صلى الله عليه وسلم [إن إخوانكم الذين قتلوا قالوا لربهم: بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا]
5_ وتوصف بالحب والتمني كما في حديث عبادة بن الصامت [ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله –تبارك وتعالى- خير تحب أن ترجع إليكم إلا المقتول]
6_ تأكل وتشرب لقوله صلى الله عليه وسلم: [لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش …. ]
صفات الروح في دارها الثالثة.
وفي دارها الثالثة وهي دار الجزاء وهي ((((((((أظم))))))) الدور وأوسعها , تكمل صفات الروح والبدن.
ومما يدل على كمال صفاتهم في هذه الدار قوله صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة: [ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}]
الصلة بين الأرواح والأبدان في الدنيا.
1 – صلة الروح بالبدن في بطن أمه قبل الولادة.
تبدأ الصلة بين الروح والبدن في بطن الأم بعد نفخ الروح , الذي هو طور من أطوار خلق الأجنة في الرحم.
قال تعالى: {ثُمَّ أَنشَانَاهُ خَلْقًا آخَرَ}
والمعنى: ثم نفخنا في الجنين الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب.
وهو قول ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك وأبو العالية.
ولأجل هذه الصلة بين الروح والجسد في بطن الأم رتب الفقهاء أحكاما شرعية تتعلق بهذا المخلوق في داره الأولى كالإجهاض والدية وإلخ.
2 – صلة الروح بالبدن بعد الولادة.
هذه الصلة تكون في حالتي اليقظة والمنام
حال اليقظة.
لا يخفى أن الإنسان عبارة عن مجموع الروح والبدن ولذا فما ناله في هذه الدار منصب على الروح والبدن معا , إلا أن الأبدان أصل والأرواح تبع كما قال ابن القيم: أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبعا لها اهـ (الروح:183) وعلى ذلك ينالهما معا اللذة والألم والراحة والتعب ويشتركان في الأعمال الصالحة والطالحة.
حال النوم
النوم أخو الموت إلا أن الروح تفارق فيه البدن فراقا جزئيا ولذا فما ينال الإنسان في هذه الدار حال النوم منصب على الأرواح والأبدان معا إلا أن التبعية عكسية
يقول ابن القيم رحمه الله: ما ينعم به –النائم- أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلا والبدن تبع له وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدا فيرى النائم في نومه أن ضرب فيصبح وأثر الضرب في جسمه اهـ (الروح:188)
والروح عند النوم هي التي تأتي بالمبشرات وهي التي تلتقي بالأحياء والأموات وهي التي تعرج إلى السماء.
الصلة بين الأرواح والأبدان في معادها الأول.
تبدأ هذه الصلة بالموت , وهو مفارقة الروح البدن فراقا كليا بعلاماته المعروفة عند أهل الفقه والطب , فتنتقل به الروح إلى معادها الأول في دار البرزخ.
ومع هذا الانفصال تظل الروح على صلة بالبدن على نحو ما وكيفية ما لا يعلمها إلا الله.
وقد تضافرت الأدلة بما يثبت هذه الحقيقة وأن الصلة بين الأرواح وأبدانها باقية بعد الموت.
بيان أن الأرواح والأبدان هي محل النعيم والعذاب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بَلْ الْعَذَابُ وَالنَّعِيمُ عَلَى النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تَنْعَمُ النَّفْسُ وَتُعَذَّبُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْبَدَنِ وَتُعَذَّبُ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ وَالْبَدَنُ مُتَّصِلٌ بِهَا فَيَكُونُ النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْتَمَعِينَ كَمَا يَكُونُ لِلرُّوحِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْبَدَنِ. اهـ (مجموع الفتاوى:4/ 282)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عمن تتوفاهم الملائكة وهم ظالموا أنفسهم: يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم وينال أجسادهم في قبورهم من حرها وسمومها اهـ (تفسيره:2/ 568)
هذا ما قرره أهل السنة , والأصل في ذلك الأحاديث الواردة في السلام على الأموات وكذا أحاديث المساءلة في القبر وإلخ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ما من أحد يسلم علي إلا رد الله -عز وجل- علي روحي حتى أرد عليه السلام]
*وليعلم أن رد الروح في البدن وعودها إلى الجسد بعد الموت لا يقتضي استمرارها فيه , ولا يستلزم حياة أخرى قبل يوم النشور نظير الحياة المعهودة بل إعادة الروح إلى الجسد في البرزخ إعادة برزخية لا تزيل عن الميت اسم الموت.
والأدلة على العذاب والنعيم في هذا الدار كثيرة جدا نذكر بعضها:
قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور اهـ (تفسيره:4/ 81)
وفي حديث علي رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب [ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة حتى آبت الشمس] متفق عليه.
وحديث أنس رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنخل لبني النجار فسمع صوتا فقال: [ما هذا؟] قالوا: قبر رجل دفن في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله –عز وجل- أن يسمعكم عذاب القبر] أخرجه مسلم.
وفي حديث أنس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: [اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم والبخل والجبن وأعوذ بك من عذاب القبر] متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليها] وهذا يدل على النعيم.
ونقل أبو بكر الإسماعيلي معتقد أئمة الحديث في عذاب القبر فقال:
ويقولون: إن عذاب القبر حق يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه اهـ (اعتقاد أئمة الحديث:69)
الصلة بين الأرواح والأبدان في معادها الثاني
تبدأ هذه الصلة بعد نفخة الصور الثانية , وذلك بعد أن تكون الأجساد قد عادت كما كانت عليه من عجب الذنب.
وأما كون هذه الصلة في هذه الدار تبدأ بعد نفخ الصور فلأن الأرواح التي فارقت أجسادها في دار الدنيا واتصلت بها في دار البرزخ على نحو ما؛ تعود مرة أخرى إلى أجسادها وذلك بعد أن تنبت الأجساد ويكتمل نموها.
وإذا عادت الأرواح إلى أجسادها فإنها لا تفارقها بعد ألبتة , بل تلازم الروح البدن ويلازم البدن الروح في علاقة راقية واتصال لا يعقبه انفصال وخلود يمتد بلا نهاية.
وفي هذا الدار يحصل تغير للأبدان فإن الأبدان في الآخرة تستقر في دار قرارها بصفات مغايرة لصفاتها في الأولى والثانية ويتبين ذلك في أمور:
1_ تحملهم رؤية الله عز وجل في هذا الدار كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
فالأجساد تتحمل يوم القيامة رؤية الله عز وجل بخلاف حال الأجساد في الدنيا كما قال تعالى: {لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}
2_ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [يدخل أهل الجنة جردا مكحلين بني ثلاثين أو ثلاث وثلاثين]
أخرجه أحمد
3_ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا] أخرجه مسلم.
وهذا من النعيم الذي تكمل به الصفات وينتفي به النقص وهو للأرواح والأبدان.
وجاء في الكافر:
قوله صلى الله عليه وسلم: [ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث] أخرجه مسلم.
مستقر الأرواح.
المراد مستقر الأرواح: المكان الذي تكون فيه الأرواح بعد الموت.
وقد دلت النصوص الصحيحة على أن للروح مقرا تكون فيه بعد الموت وهو مقر نعيم وسعادة أو مقر عذاب وشقاوة , والناس في مقرهم بعد الموت يختلفون بحسب إيمانهم وأعمالهم الصالحة أو بحسب كفرهم وأعمالهم الطالحة.
1 – مستقر أرواح الأنبياء عليهم السلام.
دلت النصوص على أن مقر أرواحهم في أعلى عليين من الجنة على ما بينهم من التفاضل في الدرجات والتفاوت في المنازل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته: [اللهم في الرفيق الأعلى]
2 – مستقر أرواح عموم المؤمنين.
دلت النصوص أن مقر أرواح المؤمنين الجنة , قال تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} وهذا ذكره سبحانه بعد خروج الروح من البدن بالموت.
وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}
قال ابن القيم رحمه الله: وقد قال غير واحد من الصحابة والتابعين أن هذا يقال لها عند خروجها من الدنيا يبشرها الملك بذلك (الروح:158)
وأما كونها طيرا يأكل من ثمر الجنة فلقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه كعب بن مالك: [إنما نسمة المسلم طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة]
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها وتأكل من ثمارها وترى ما فيها من النضرة والسرور وتشاهد ما أعد الله لها من الكرامة وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم (تفسيره:1/ 428)
3 – مستقر أرواح بعض الشهداء في جوف طير خضر تعلق من ثمر الجنة.
تقدم أن أرواح عموم المؤمنين في شكل طير وأما القوم ففي حواصل طير خضر فهي كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين (تفسيره:1/ 248)
قال صلى الله عليه وسلم: [لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر , ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي قناديل من ذهب في ظل العرش …. ] أخرجه الإمام أحمد.
4 – مستقر بعض الشهداء في قبة خضراء على نهر بباب الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم: [الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وكأن الشهداء أقسام منهم من تسرح أرواحهم في الجنة ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هناك ويغدى عليهم برزقهم ويراح والله أعلم (تفسيره:1/ 248)
5 – مستقر أرواح ذراري المؤمنين.
دلت الأدلة على أن أرواح الذراري ممن لم يبلغ الحنث في الجنة
قال صلى الله عليه وسلم: [إن إبراهيم ابني , وإنه مات في الثدي وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة] أخرجه مسلم.
ومما يدل على ذلك رؤيا الني صلى الله عليه وسلم للذراري في كفالة إبراهيم الخليل عليه السلام في الجنة
[فقالا: انطلق فانطلقت فإذا روضة خضراء فإذا فيها شجرة عظيمة وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان] إلى أن بيَّنا له فقالا: [وأما الشيخ الذي رأيت في أصل الشجرة: فذاك إبراهيم عليه السلام وأما الصبيان الذي رأيت فأولاد الناس]
قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس فيهم اختلاف أنهم في الجنة) وقال مرة: إنما اختلفوا في أطفال المشركين) (المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة:1/ 170)
قال الفقيه النووي رحمه الله: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا وتوقف فيه بعض من لا يعتد به (شرحه على مسلم:16/ 207)
– … التفاضل بين أبناء المؤمنين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإذا دخل أطفال المؤمنين الجنة فأرواحهم وأرواح غيرهم من المؤمنين في الجنة وإن كانت درجاتهم متفاضلة والصغار يتفاضلون بتفاضل آبائهم وتفاضل أعمالهم –إذا كان لهم أعمال- فإن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو كغيره (مجموع الفتاوى:4/ 278)
6 – مستقر الأرواح الحبيسة.
الأول من حبس بسبب دين.
عن سعد بن الأطول رضي الله عنه: [أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً،
قال: فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محبوس بدينه، فاذهب فاقض عنه، فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت، قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليست لها بيِّنه، قال: أعطها فإنها محقة. وفي رواية: صادقة].
عن سمرة بن جندب ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، (وفي رواية صلى الصبح)، فلما انصرف قال: أهاهنا من آل فلان أحد؟ (فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا)، فقال ذلك مراراً، (ثلاث لا يجيبه أحد)، (فقال رجل: هو ذا)، قال: فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس، (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟) أما إني لم أنوِّه باسمك إلا لخير، إن فلاناً – لرجل منهم – مأسور بدينه (عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله)، فلو رأيت أهله ومن يتحرَّون أمره قاموا فقضوا عنه، (حتى ما أحد يطلبه بشيء))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تزال نفس ابن آدم معلقة بدينه حتى يقضى عنه]
لكن متى يكون المدين المسلم مستحقا للوعيد الوارد في الدين؟
1_ إذا استدان مع نيته عدم الوفاء
2_ إذا استدان مع عدم رجاء الوفاء من جهة ظاهرة والدائن جاهل بحاله لأنه في معنى الخديعة.
3_ إذا استدان ليصرفه في معصية.
الثاني: من حبس بسبب ذنب.
1_ الغيبة , قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم]
2_ مخالفة القول العمل.
قال صلى الله عليه وسلم: [مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار] [قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أهل الدنيا , كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون]
7 – مستقر أرواح الكفار.
دل حديث البراء الطويل أن أرواح الكفار في سجين في الأرض السفلى بحسب منازلهم.
ففيه [فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا]
وجاء في حديث مرفوع [وإن نسمة الكافر في سجين]
تلاقي الأرواح.
مسألة تلاقي الأرواح مسألة شريفة كبيرة القدر.
والأرواح قسمان: أرواح معذبة وأرواح منعمة.
فالأرواح المعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي , وأما الأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة فإنها تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها , وهذا يتعلق بأرواح الأموات.
أنواع تلاقي الأرواح.
1_ تلاقي أرواح الأحياء يقظة.
قال صلى الله عليه وسلم: [إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم , ما رأى أحدهما صاحبه قط]
وقال صلى الله عليه وسلم: [الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف] ومعنى الحديث: أن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في دار الدنيا فتتآلف أو تتناكر حسب صفات الخير أو الشر التي تشترك فيها.
يقول الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت (الفتح:6/ 396)
ولما سأل البيهقي الحاكم أبا عبد الله الحافظ عن معناه قال المؤمن والكافر لا يسكن قلبه إلا إلى شكله (كشف الخفاء:1/ 123)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: …. أن المنافقين حقيقة الذين ليس فيهم إيمان من الملاحدة يميلون إلى الرافضة والرافضة تميل إليهم أكثر من سائر الطوائف وقد قال صلى الله عليه وسلم: [الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف]
وقال ابن مسعود رضي الله عنه اعتبروا الناس بأخدانهم.
فعلم أن بين أرواح الرافضة وأرواح المنافقين اتفاقا محضا قدرا مشتركا وتشابها وهذا لما في الرافضة من النفاق (منهاج السنة: 6/ 424)
قال فضيل بن عياض: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من نفاق (الإبانة الكبرى:2/ 456)
فتضمينه للحديث في كلامه دليل على أن الابتداع والإحداث في الدين من أسباب التنافر والتناكر بين الأرواح المتبعة والأرواح المبتدعة وهذا أمر ملموس مشهود لكل أحد.
2_ تلاقي أرواح الأحياء مناما.
وهذا نوع آخر من التلاقي الحاصل بين الأرواح في دار الدنيا ويكون من النائم للنائم.
فإن قيل النائم يرى غيره من الأحياء يحدثه ويخاطبه وربما كان بينهما مسافة بعيدة ويكون المرئي يقظان روحه لم تفارق جسده فكيف التقت روحاهما
يقول ابن القيم رحمه الله: هذا إما أن يكون مثلا مضروبا ضربه ملك الرؤيا للنائم أو يكون حديث نفس من الرائي تجرد له في منامه اهـ (الروح:111)
3_ تلاقي أرواح الأموات.
هذا النوع من التلاقي خاص بالبرزخيين لا يشاركهم في أحد من أصحاب الدور الأخرى
قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}
وهذا الخطاب الكريم يقال للروح أول ما يقال لها عند الموت ومفارقة الدنيا تبشرها الملائكة برضوان الله تعالى والمعنى: ادخلي في جملتهم وكوني معهم , وهذا في البرزخ وما بعده
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [: ” احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ، وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ، فَبِكَمْ تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ كُتِبَ الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلْتُهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ آدَمُ: فَكَيْفَ تَلُومُنِي عَلَى عَمَلٍ عَمِلْتُهُ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى]
وهذا اللقاء يحتمل أنه وقع بعد وفاة موسى في البرزخ , التقت أرواحهما في السماء وبذلك جزم ابن عبد البر والقابسي وذكر ابن الجوزي احتمال ذلك (الفتح:10/ 515)
[إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية
مرضيا عنك إلى روح الله و ريحان و رب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى
إنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه
الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من
أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون
: دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما ((((أتاكم)))))؟ قالوا: ذهب به إلى أمه
الهاوية. و إن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي
ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به
باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار]
ففي الحديث أن روح المؤمن تزف إلى الأرواح المؤمنة وأنهم يفرحون بقدومها فرح الغائب بغائبه وهم في شوق إلى أخبار أهل الدنيا ينتظرون القادم من غمها فيسألونه ويسألونه فيجيب
وكان ابن سيرين رحمه الله يقول: من ولي أخاه فليحسن كفنه وإنه بلغني أنهم يتزاورون في أكفانهم (مصنف عبد الرزاق)
4_ تلاقي الأحياء بأرواح الأموات يقظة.
وهذا النوع الشريف الرفيع من اللقاء لم يثبت لأحد من البشر بنص خلا محمد صلى الله عليه وسلم , وبرهان ذلك أحاديث الإسراء والمعراج.
لا يمكن اللقاء بين أهل الدنيا وأهل الآخرة يقظة بإطلاق.
1_ لاختلاف ما بين الدارين
2_ ولانشغال أهل الآخرة بما هم فيه من نعيم أو عذاب
3_ ولا نصوص عندنا تثبت شيئا من ذلك
وما كان من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فحالة خاصة وفي ظروف معينة شاء الله أن يريه من آياته ما شاء
وبذا يعلم بطلان دعاوى بعض النصارى والصوفية في رؤية الأموات يقظة كما تبطل دعاوى تحضير الأرواح بصفة عامة وأرواح الأنبياء بصفة خاصة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: في المنام حق، وأما في اليقظة فلا يرى بالعين، هو ولا أحد من الموتى، مع أن كثيراً من الناس قد يرى في اليقظة من يظنه نبياً من الأنبياء، إما عند قبره، وإما عند غير قبره وقد يرى القبر انشق وخرج منه صورة إنسان فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره أو أن روحه تجسدت وخرجت من القبر وإنما ذلك جني تصور في صورته ليضل ذلك الرائي اهـ (الجواب الصحيح:3/ 348)
5_ تلاقي الأحياء والأموات مناما.
هذا النوع من التلاقي يحصل أثناء النوم فالنوم أحد المنافذ التي نطل منها على أهل البرزخ فنعرف به شيئا من أحوالهم.
يقول ابن القيم رحمه الله: وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والاموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه وربما أخبره بدين عليه وذكر له شواهده وأدلته وأبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر وربما أخبره عن أمور يقطع الحي أنه لم يكن يعرفها غيره (الروح:88)
من الأدلة على هذا النوع.
قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها ( .. )
وقال السدي: تلتقي روح الحي وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان فترجع روح الحي إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجله , وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس (أخرجه الطبري)
وقوله صلى الله عليه وسلم: [من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي] أخرجه البخاري.
وعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ , قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ، فَقَالَا لِي: ارْجِعْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَانِ لَكَ بَعْدُ , فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟ ” , قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ! فَقَالَ: ” أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟ ” , قَالُوا: بَلَى , ” وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟ ” , قَالُوا: بَلَى , قَالَ: ” وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ؟ ” , قَالُوا: بَلَى , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَي الله عليه وَسَلَم: ” فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ “.أخرجه أحمد
واللقاء بين أهل دار الدنيا وأهل دار البرزخ حق وكان هذا معروفا عن السلف.
والمنامات التي تلتقي فيها أرواح أهل الدارين كثيرة جدا فلا سبيل إلى إنكارها أو التشكيك فيها سيما إذا علم أنها تقع على أضرب.
سماع الأموات لكلام الأحياء.
سماع الأموات حق لورود النقل به , والناس فيه بين إفراط وتفريط: فمنهم من أثبته مطلقا ومنهم من نفاه مطلقا ومنهم من توسط فجعله مقيدا بما دلت عليه النصوص وهو الحق الذي لا مرية فيه.
1_ قال نبي الله صالح عليه السلام {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم عن قبول الحق وإعراضهم عن الهدى إلى العمى قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم , تقريعا وتوبيخا وهم يسمعون ذلك (تفسيره:2/ 234)
2_ قال شعيب عليه السلام كما قال الله عنه: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} قال قتادة: أسمع شعيب قومه وأسمع صالح قومه كما أسمع نبيكم قومه يوم بدر يعني أنه خاطبهم بعد الهلاك (زاد المسير:3/ 227)
3_ عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ نَتَرَاءَى الْهِلَالَ، فَرَأَيْتُهُ، وَكُنْتُ حَدِيدَ الْبَصَرِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ وَجَعَلَ عُمَرُ يَنْظُرُ وَلَا يَرَاهُ , فَقَالَ عُمَرُ: سَأَرَاهُ، وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي. ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ , قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرِي مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ , يَقُولُ: ” هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ “. قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا أَخْطَئُوا تِيكَ الْحُدُودَ يُصْرَعُونَ عَلَيْهَا , ثُمَّ جُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ” يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ , وَيَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ ” فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ قَالَ: ” مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ يَرُدُّونَ عَلَيَّ شَيْئًا] أخرجه أحمد.
4_ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة [قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله للاحقون] أخرجه أحمد ومسلم نحوه.
5_ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فسلم على أهلها قال: [سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] أخرجه أحمد ومسلم نحوه.
قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية: فهذا خطاب لهم وإنما يخاطب من يسمع (مجموع الفتاوى:24/ 363)
وقال: الميت يسمع في الجملة كلام الحي ولا يجب أن يكون السمع له دائما (مجموع الفتاوى:24/ 364)
وبنحوه قال ابن القيم رحمه الله ونقله عن السلف: قد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به (الروح:24)
وهذا السلام مقيد بالزيارة لهم في مقابرهم.
6_ حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه [إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين] أخرجه أحمد.
7_ حديث أنس رضي الله عنه يرفعه: [إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه , حتى إنه ليسمع قرع نعالهم , أتاه ملكان … ]
خلاصة: دلت النصوص أن سماع الأموات حق وأنه سماع مقيد وليس بمطلق وهو سماع إدراك وتعقل وتفهم.
لكن: الميت وإن سمع الكلام فإنه لا يمكنه إجابة الداعي ولا امتثال ما أمر به ونهى عنه فلا ينتفع بالأمر والنهي